google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
20-40 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 28 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

28 و من خطبة له ع

 
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَ آذَنَتْ بِوَدَاعٍ- وَ إِنَّ الآْخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ أَشْرَفَتْ بِاطِّلَاعٍ- أَلَا وَ إِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ وَ غَداً السِّبَاقَ- وَ السَبَقَةُ الْجَنَّةُ وَ الْغَايَةُ النَّارُ- أَ فَلَا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ- أَ لَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ- أَلَا وَ إِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ- فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ- فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَ لَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ- وَ مَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ- فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَ ضَرَّهُ أَجَلُهُ- أَلَا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ- أَلَا وَ إِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَ لَا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا- أَلَا وَ إِنَّهُ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ- وَ مَنْ لَا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلَالُ إِلَى الرَّدَى- أَلَا وَ إِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ- وَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَ طُولُ الْأَمَلِ- فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا- مَا تُحْرِزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً

قال الرضي رحمه الله- و أقول إنه لو كان كلام يأخذ بالأعناق- إلى الزهد في الدنيا- و يضطر إلى عمل الآخرة- لكان هذا الكلام- و كفى به قاطعا لعلائق الآمال- و قادحا زناد الاتعاظ و الازدجار- و من أعجبه قوله ع- ألا و إن اليوم المضمار و غدا السباق- و السبقة الجنة و الغاية النار- فإن فيه مع فخامة اللفظ و عظم قدر المعنى- و صادق التمثيل و واقع التشبيه- سرا عجيبا و معنى لطيفا- و هو قوله ع و السبقة الجنة و الغاية النار- فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين- و لم يقل السبقة النار- كما قال السبقة الجنة- لأن الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب- و غرض مطلوب- و هذه صفة الجنة- و ليس هذا المعنى موجودا في النار- نعوذ بالله منها فلم يجز أن يقول- و السبقة النار بل قال و الغاية النار- لأن الغاية قد ينتهي إليها من لا يسره الانتهاء إليها- و من يسره ذلك فصلح أن يعبر بها عن الأمرين معا- فهي في هذا الموضع كالمصير و المآل- قال الله تعالى قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ- و لا يجوز في هذا الموضع أن يقال- فإن سبقتكم إلى النار- فتأمل ذلك فباطنه عجيب و غوره بعيد لطيف- و كذلك أكثر كلامه ع- . و في بعض النسخ- و قد جاء في رواية أخرى و السبقة الجنة بضم السين- و السبقة عندهم اسم لما يجعل للسابق- إذا سبق من مال أو عرض- و المعنيان متقاربان- لأن ذلك لا يكون جزاء على فعل الأمر المذموم- و إنما يكون جزاء على فعل الأمر المحمود آذنت أعلمت و المضمار منصوب لأنه اسم إن- و اليوم ظرف و موضعه رفع لأنه خبر إن- و ظرف الزمان يجوز أن يكون خبرا عن الحدث- و المضمار و هو الزمان الذي تضمر فيه الخيل للسباق- و الضمر الهزال و خفة اللحم- و إعراب قوله و غدا السباق على هذا الوجه أيضا- . و يجوز الرفع في الموضعين- على أن تجعلهما خبر إن بأنفسهما- . و قوله ع أ لا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه- أخذه ابن نباتة مصالتة-
فقال في بعض خطبه أ لا عامل لنفسه قبل حلول رمسه

 

 قوله ألا فاعملوا في الرغبة- يقول لا ريب أن أحدكم إذا مسه الضر- من مرض شديد أو خوف مقلق من عدو قاهر- فإنه يكون شديد الإخلاص و العبادة- و هذه حال من يخاف الغرق في سفينة- تتلاعب بها الأمواج- فهو ع أمر بأن يكون المكلف عاملا أيام عدم الخوف- مثل عمله و إخلاصه و انقطاعه إلى الله أيام هذه العوارض- . قوله لم أر كالجنة نام طالبها- يقول إن من أعجب العجائب من يؤمن بالجنة- كيف يطلبها و ينام- و من أعجب العجائب من يوقن بالنار- كيف لا يهرب منها و ينام- أي لا ينبغي أن ينام طالب هذه و لا الهارب من هذه- . و قد فسر الرضي رحمه الله تعالى معنى قوله- و السبقة الجنة نبذ من أقوال الصالحين و الحكماء و نحن نورد في هذا الفصل نكتا- من مواعظ الصالحين يرحمهم الله تناسب هذا المأخذ- فمما يؤثر عن أبي حازم الأعرج- كان في أيام بني أمية- قوله لعمر بن عبد العزيز-

 

و قد قال له يا أبا حازم- إني أخاف الله مما قد دخلت فيه- فقال لست أخاف عليك أن تخاف- و إنما أخاف عليك ألا تخاف- . و قيل له- كيف يكون الناس يوم القيامة- قال أما العاصي فآبق قدم به على مولاه- و أما المطيع فغائب قدم على أهله- . و من كلامه إنما بيني و بين الملوك يوم واحد- أما أمس فلا يجدون لذته و لا أجد شدته- و أما غدا فإني و إياهم منه على خطر- و إنما هو اليوم فما عسى أن يكون- . و من كلامه- إذا تتابعت عليك نعم ربك- و أنت تعصيه فاحذره- . و قال له سليمان بن عبد الملك عظني- فقال عظم ربك أن يراك حيث نهاك- أو يفقدك حيث أمرك- . و قيل له ما مالك- قال شيئان لا عدم بي معهما- الرضا عن الله و الغنى عن الناس- . و من كلامه- عجبا لقوم يعملون لدار يرحلون عنها كل يوم مرحلة- و يتركون أن يعملوا لدار يرحلون إليها كل يوم مرحلة- . و من كلامه- إن عوفينا من شر ما أعطانا- لم يضرنا فقد ما زوي عنا- . و من كلامه- نحن لا نريد أن نموت حتى نتوب- و نحن لا نتوب حتى نموت- . و لما ثقل عبد الملك رأى غسالا يلوي بيده ثوبا- فقال وددت أني كنت غسالا مثل هذا- أعيش بما أكتسب يوما فيوما- فذكر ذلك لأبي حازم- فقال الحمد لله الذي جعلهم عند الموت يتمنون ما نحن فيه- و لا نتمنى عند الموت ما هم فيه- .

 

و من كلام غيره من الصالحين- دخل سالم بن عبد الله بن عمر على هشام بن عبد الملك- في الكعبة فكلمه هشام- ثم قال له سل حاجتك- قال معاذ الله أن أسأل في بيت الله غير الله- . و قيل لرابعة القيسية- لو كلمت أهلك أن يشتروا لك خادما- يكفيك مئونة بيتك قالت- إني لأستحي أن أسأل الدنيا من يملكها- فكيف من لا يملكها- . و قال بكر بن عبد الله- أطفئوا نار الغضب بذكر نار جهنم- . عامر بن عبد القيس- الدنيا والدة للموت- ناقضة للمبرم مرتجعة للعطية- و كل من فيها يجري إلى ما لا يدري- و كل مستقر فيها غير راض بها- و ذلك شهيد على أنها ليست بدار قرار- . باع عتبة بن عبد الله بن مسعود أرضا له بثمانين ألفا- فتصدق بها فقيل له- لو جعلت هذا المال أو بعضه ذخرا لولدك- قال بل أجعل هذا المال ذخرا لي- و أجعل الله تعالى ذخرا لولدي- . رأى إياس بن قتادة شيبة في لحيته- فقال أرى الموت يطلبني و أراني لا أفوته- فلزم بيته و ترك الاكتساب- فقال له أهله تموت هزالا- قال لأن أموت مؤمنا مهزولا- أحب إلي من أن أعيش منافقا سمينا- . بكر بن عبد الله المزني- ما الدنيا ليت شعري- أما ما مضى منها فحلم و أما ما بقي فأماني- . مورق العجلي- خير من العجب بالطاعة ألا تأتي بالطاعة- . و من كلامه ضاحك معترف بذنبه- خير من باك مدل على ربه- . و من كلامه أوحى الله إلى الدنيا- من خدمني فاخدميه و من خدمك فاستخدميه- .

 

قيل لرابعة هل عملت عملا ترين أنه يقبل منك- قالت إن كان فخوفي أن يرد علي- . نظر حبيب إلى مالك بن دينار و هو يقسم صدقته علانية- فقال يا أخي إن الكنوز لتستر- فما بال هذا يجهر به- . قال عمرو بن عبيد للمنصور- إن الله أعطاك الدنيا بأسرها- فاشتر نفسك منه ببعضها- و إن هذا الذي أصبح اليوم في يدك- لو كان مما يبقى على الناس لبقي في يد من كان قبلك- و لم يصر إليك- فاحذر ليلة تمخض بيوم لا ترى بعده إلا يوم القيامة- فبكى المنصور و قال يا أبا عثمان سل حاجة- قال حاجتي ألا تعطيني حتى أسألك- و لا تدعني حتى أجيئك- قال إذن لا نلتقي أبدا قال فذاك أريد- . كان يقال الدنيا جاهلة- و من جهلها أنها لا تعطي أحدا ما يستحقه- إما أن تزيده و إما أن تنقصه- . قيل لخالد بن صفوان من أبلغ الناس- قال الحسن لقوله فضح الموت الدنيا- . قيل لبعض الزهاد كيف سخط نفسك على الدنيا- قال أيقنت أني خارج منها كرها- فأحببت أن أخرج منها طوعا- . مر إبراهيم بن أدهم بباب أبي جعفر المنصور- فنظر السلاح و الحرس فقال المريب خائف- . قيل لزاهد ما أصبرك على الوحدة- قال كلا أنا أجالس ربي- إذا شئت أن يناجيني قرأت كتابه- و إذا شئت أن أناجيه صليت- . كان يقال- خف الله لقدرته عليك و استح منه لقربه منك-

 

قال الرشيد للفضيل بن عياض ما أزهدك- قال أنت يا هارون أزهد مني- لأني زهدت في دنيا فانية و زهدت في آخرة باقية- . و قال الفضيل يا ربي- إني لأستحيي أن أقول توكلت عليك- لو توكلت عليك ما خفت إلا منك- و لا رجوت إلا إياك- . عوتب بعض الزهاد على كثرة التصدق بماله- فقال لو أراد رجل أن ينتقل من دار إلى دار- ما أظنه كان يترك في الدار الأولى شيئا- .

 

قال بعض الملوك لبعض الزهاد- ما لك لا تغشى بابي و أنت عبدي- قال لو علمت أيها الملك- لعلمت أنك عبد عبدي- لأني أملك الهوى و الهوى يملكك- . دخل متظلم على سليمان بن عبد الملك- فقال يا أمير المؤمنين اذكر يوم الأذان- قال و ما يوم الأذان- قال اليوم الذي قال تعالى فيه- فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ- فبكى سليمان و أزال ظلامته- . سئل الفضيل بن عياض عن الزهد- فقال يجمعه حرفان في كتاب الله- لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ- .

 

كتب يحيى بن خالد من الحبس إلى الرشيد- ما يمر يوم من نعيمك إلا و يمر يوم من بؤسي- و كلاهما إلى نفاد- . قيل لحاتم الأصم علام بنيت أمرك- قال على أربع خصال- علمت أن رزقي لا يأكله غيري فلم أهتم به- و علمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به- و علمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره- و علمت أني بعين الله في كل حال فاستحييت منه- . نظر بعض الصالحين إلى رجل يفحش في قوله-

 

فقال يا هذا إنما تملي على حافظيك كتابا إلى ربك- فانظر ما تودعه- . كان يقال- مثل الدنيا و الآخرة مثل ضرتين لبعل واحد- إن أرضى هذه أسخط الأخرى- . قيل لبعضهم ما مثل الدنيا- قال هي أقل من أن يكون لها مثل- . دخل لص على بعض الزهاد الصالحين- فلم ير في داره شيئا- فقال له يا هذا أين متاعك- قال حولته إلى الدار الأخرى- . قيل للربيع بن خيثم يا ربيع ما نراك تذم أحدا- فقال ما أنا عن نفسي براض- فأتحول من ذمي إلى ذم الناس- إن الناس خافوا الله على ذنوب العباد- و أمنوه على ذنوبهم- .

 

قال عيسى بن موسى لأبي شيبة القاضي لم لا تأتينا- قال إن قربتني فتنتني و إن أقصيتني أحزنتني- و ليس عندي ما أخافك عليه و لا عندك ما أرجوك له- . من كلام بعض الزهاد تأمل ذا الغنى- ما أشد نصبه و أقل راحته- و أخس من ماله حظه و أشد من الأيام حذره- هو بين سلطان يتهضمه و عدو يبغي عليه- و حقوق تلزمه و أكفاء يحسدونه و ولد يود فراقه- قد بعث عليه غناه من سلطانه العنت- و من أكفائه الحسد و من أعدائه البغي- و من ذوي الحقوق الذم و من الولد الملالة- . و من كلام سفيان الثوري- يا ابن آدم جوارحك سلاح الله عليك- بأيها شاء قتلك- . ميمون بن مهران في قوله تعالى- وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ- قال إنها لتعزية للمظلوم و وعيد للظالم- .دخل عبد الوارث بن سعيد على مريض يعوده- فقال له ما نمت منذ أربعين ليلة- فقال يا هذا أحصيت ليالي البلاء- فهل أحصيت ليالي الرخاء- . بعضهم وا عجباه لمن يفرح بالدنيا فإنما هي عقوبة ذنب- . ابن السماك خف الله حتى كأنك لم تطعه قط- و ارجه حتى كأنك لم تعصه قط- . بعضهم- العلماء أطباء هذا الخلق و الدنيا داء هذا الخلق- فإذا كان الطبيب يطلب الداء فمتى يبرئ غيره- . قيل لمحمد بن واسع فلان زاهد- قال و ما قدر الدنيا حتى يحمد من يزهد فيها- رئي عبد الله بن المبارك واقفا بين مقبرة و مزبلة- فقيل له ما أوقفك- قال أنا بين كنزين من كنوز الدنيا فيهما عبرة- هذا كنز الأموال و هذا كنز الرجال- . قيل لبعضهم أتعبت نفسك فقال راحتها أطلب- .

 

دخل الإسكندر مدينة فتحها- فسأل عمن بقي من أولاد الملوك بها- فقيل رجل يسكن المقابر فدعا به- فقال ما دعاك إلى لزوم هذه المقابر فقال- أحببت أن أميز بين عظام الملوك و عظام عبيدهم- فوجدتها سواء- فقال هل لك أن تتبعني فأحيا شرفك و شرف آبائك- إن كانت لك همة قال همتي عظيمة- قال و ما همتك- قال حياة لا موت معها و شباب لا هرم معه- و غنى لا فقر معه و سرور لا مكروه معه- فقال ليس هذا عندي- قال فدعني ألتمسه ممن هو عنده- . مات ابن لعمر بن ذر فقال- لقد شغلني الحزن لك يا بني عن الحزن عليك- . كان يقال من هوان الدنيا على الله ألا يعصى إلا فيها- و لا ينال ما عنده إلا بتركها- . و من كلام عبد الله بن شداد- أرى دواعي الموت لا تقلع و أرى من مضى لا يرجع- فلا تزهدن في معروف فإن الدهر ذو صروف- كم من راغب قد كان مرغوبا إليه- و الزمان ذو ألوان من يصحب الزمان ير الهوان- و إن غلبت يوما على المال- فلا تغلبن علي الحيلة على كل حال- و كن أحسن ما تكون في الظاهر حالا- أقل ما تكون في الباطن مآلا- . كان يقال إن مما يعجل الله تعالى عقوبته- الأمانة تخان و الإحسان يكفر- و الرحم تقطع و البغي على الناس- . الربيع بن خيثم- لو كانت الذنوب تفوح روائحها لم يجلس أحد إلى أحد- .

 

قيل لبعضهم كيف أصبحت- قال آسفا على أمسي كارها ليومي متهما لغدي- . و قيل لآخر لم تركت الدنيا- قال أنفت من قليلها و أنف مني كثيرها- و هذا كما قال بعضهم- و قد قيل له لم لا تقول الشعر- قال يأباني جيده و آبى رديئه- . بعض الصالحين- لو أنزل الله تعالى كتابا أني معذب رجلا واحدا- خفت أن أكونه أو أنه راحم رجلا واحدا- لرجوت أن أكونه- . مطرف بن الشخير- خير الأمور أوساطها و شر السير الحقحقة- و هذا الكلام قد روي مرفوعا- . يحيى بن معاذ أن لله عليك نعمتين- في السراء التذكر و في الضراء التصبر- فكن في السراء عبدا شكورا- و في الضراء حرا صبورا- . دخل ابن السماك على الرشيد- فقال له عظني ثم دعا بماء ليشربه- فقال له ناشدتك الله- لو منعك الله من شربه ما كنت فاعلا- قال كنت أفتديه بنصف ملكي- قال فاشربه فلما شرب قال ناشدتك الله- لو منعك الله من خروجه ما كنت فاعلا- قال كنت أفتديه بنصف ملكي- قال إن ملكا يفتدى به شربة ماء- لخليق ألا ينافس عليه- . قال المنصور لعمرو بن عبيد رحمه الله تعالى عظني- قال بما رأيت أم بما سمعت‏

 

قال بما رأيت- قال رأيت عمر بن عبد العزيز و قد مات- فخلف أحد عشر ابنا و بلغت تركته سبعة عشر دينارا- كفن منها بخمسة دنانير و اشتري موضع قبره بدينارين- و أصاب كل واحد من ولده دون الدينار- ثم رأيت هشام بن عبد الملك- و قد مات و خلف عشرة ذكور- فأصاب كل واحد من ولده ألف ألف دينار- و رأيت رجلا من ولد عمر بن عبد العزيز- قد حمل في يوم واحد على مائة فرس في سبيل الله- و رأيت رجلا من ولد هشام- يسأل الناس ليتصدقوا عليه- . حسان بن أبي سنان- ما شي‏ء أهون من ورع إذا رابك شي‏ء فدعه- . مورق العجلي لقد سألت الله حاجة أربعين سنة- ما قضاها و لا يئست منها- قيل و ما هي قال ترك ما لا يعنيني- . قتادة- إن الله ليعطي العبد على نية الآخرة ما يسأله من الدنيا- و لا يعطيه على نية الدنيا إلا الدنيا- . من كلام محمد بن واسع- ليس في النار عذاب أشد على أهلها- من علمهم بأنه ليس لكربهم تنفيس- و لا لضيقتهم ترفيه و لا لعذابهم غاية- و ليس في الجنة نعيم أبلغ من علم أهلها- بأن ذلك الملك لا يزول عنهم- .

 

قال بعض الملوك لبعض الزهاد- أذمم لي الدنيا قال أيها الملك- هي الآخذة لما تعطي المورثة بعد ذلك الندم- السالبة ما تكسو المورثة بعد ذلك الفضوح- تسد بالأراذل مكان الأفاضل و بالعجزة مكان الحزمة- تجد في كل من كل خلفا- و ترضى بكل من كل بدلا- تسكن دار كل قرن قرنا- و تطعم سؤر كل قوم قوما- . و من كلام الحجاج- و كان مع غشمه و إلحاده واعظا بليغا مفوها- خطب فقال اللهم أرني الغي غيا فأتجنبه- و أرني الهدى هدى فأتبعه- و لا تكلني إلى نفسي فأضل‏ ضلالا بعيدا- و الله ما أحب أن ما مضى من الدنيا بعمامتي هذه- و لما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء- و قال مالك بن دينار- غدوت إلى الجمعة فجلست قريبا من المنبر- فصعد الحجاج فسمعته يقول- امرؤ زور عمله امرؤ حاسب نفسه- امرؤ فكر فيما يقرؤه في صحيفته و يراه في ميزانه- امرؤ كان عند قلبه زاجر و عند همه آمر- امرؤ أخذ بعنان قلبه كما يأخذ الرجل بخطام جمله- فإن قاده إلى طاعة الله تبعه- و إن قاده إلى معصية الله كفه- إننا و الله ما خلقنا للفناء و إنما خلقنا للبقاء- و إنما ننتقل من دار إلى دار- . و خطب يوما فقال- إن الله أمرنا بطلب الآخرة و كفانا مئونة الدنيا- فليته كفانا مئونة الآخرة و أمرنا بطلب الدنيا-

 

فقال الحسن ضالة المؤمن خرجت من قلب المنافق- . و من الكلام المنسوب إليه- و أكثر الناس يروونه عن أمير المؤمنين ع أيها الناس اقدعوا هذه الأنفس- فإنها أسأل شي‏ء إذا أعطيت- و أبخل لشي‏ء إذا سئلت- فرحم الله امرأ جعل لنفسه خطاما و زماما- فقادها بخطامها إلى طاعة الله- و عطفها بزمامها عن معصية الله- فإني رأيت الصبر عن محارم الله- أيسر من الصبر على عذاب الله – . و من كلامه أن امرأ أتت عليه ساعة من عمره لم يذكر فيها ربه- و يستغفر من ذنبه و يفكر في معاده- لجدير أن يطول حزنه و يتضاعف أسفه- إن الله كتب على الدنيا الفناء و على الآخرة البقاء- فلا بقاء لما كتب عليه الفناء- و لا فناء لما كتب عليه البقاء- فلا يغرنكم شاهد الدنيا عن غائب الآخرة- و اقهروا طول الأمل بقصر الأجل- .و نقلت من أمالي أبي أحمد العسكري رحمه الله تعالى- قال خطب الحجاج يوما فقال أيها الناس- قد أصبحتم في أجل منقوص و عمل محفوظ- رب دائب مضيع و ساع لغيره و الموت في أعقابكم- و النار بين أيديكم و الجنة أمامكم- خذوا من أنفسكم لأنفسكم و من غناكم لفقركم- و مما في أيديكم لما بين أيديكم- فكان ما قد مضى من الدنيا لم يكن- و كان الأموات لم يكونوا أحياء- و كل ما ترونه فإنه ذاهب- هذه شمس عاد و ثمود و قرون كثيرة بين ذلك- هذه الشمس التي طلعت على التبابعة- و الأكاسرة و خزائنهم السائرة بين أيديهم- و قصورهم المشيدة- ثم طلعت على قبورهم- أين الملوك الأولون أين الجبابرة المتكبرون- المحاسب الله و الصراط منصوب- و جهنم تزفر و تتوقد و أهل الجنة ينعمون- هم في روضة يحبرون- جعلنا الله و إياكم من الذين- إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً- . قال فكان الحسن رحمه الله تعالى يقول- أ لا تعجبون من هذا الفاجر- يرقى عتبات المنبر فيتكلم بكلام الأنبياء- و ينزل فيفتك فتك الجبارين- يوافق الله في قوله و يخالفه في فعله

 

استطراد بلاغي في الكلام على المقابلة

 

و أما ما ذكره الرضي رحمه الله تعالى- من المقابلة بين السبقة و الغاية- فنكته جيدة من علم البيان- و نحن نذكر فيها أبحاثا نافعة فنقول- إما أن يقابل الشي‏ء ضده أو ما ليس بضده- . فالأول كالسواد و البياض و هو قسمان- أحدهما مقابله في اللفظ و المعنى- .و الثاني مقابله في المعنى لا في اللفظ- . أما الأول فكقوله تعالى- فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً- فالضحك ضد البكاء و القليل ضد الكثير- و كذلك قوله تعالى- لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ- وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ و من كلام النبي ص خير المال عين ساهرة لعين نائمة و من كلام أمير المؤمنين ع لعثمان أن الحق ثقيل مري‏ء و أن الباطل خفيف وبي‏ء- و أنت رجل إن صدقت سخطت- و إن كذبت رضيت و كذلك قوله ع لما قالت الخوارج- لا حكم إلا لله كلمة حق أريد بها باطل

 

و قال الحجاج لسعيد بن جبير لما أراد قتله ما اسمك- فقال سعيد بن جبير- فقال بل شقي بن كسير- . و قال ابن الأثير في كتابه المسمى بالمثل السائر- إن هذا النوع من المقابلة غير مختص بلغة العرب- فإنه لما مات قباذ أحد ملوك الفرس- قال وزيره حركنا بسكونه- . و في أول كتاب الفصول لبقراط في الطب- العمر قصير و الصناعة طويلة- و هذا الكتاب على لغة اليونان- . قلت أي حاجة به إلى هذا التكلف- و هل هذه الدعوى من الأمور- التي يجوز أن يعتري الشك و الشبهة فيها- ليأتي بحكاية مواضع من غير كلام العرب يحتج بها- أ ليس كل قبيلة و كل أمة لها لغة تختص بها- أ ليس الألفاظ دلالات على ما في الأنفس‏ من المعاني- فإذا خطر في النفس كلام يتضمن أمرين ضدين- فلا بد لصاحب ذلك الخاطر- سواء أ كان عربيا أم فارسيا أم زنجيا أم حبشيا- أن ينطق بلفظ يدل على تلك المعاني المتضادة- و هذا أمر يعم العقلاء كلهم- على أن تلك اللفظة التي قالها ما قيلت في موت قباذ- و إنما قيلت في موت الإسكندر- لما تكلمت الحكماء و هم حول تابوته- بما تكلموا به من الحكم- . و مما جاء من هذا القسم من المقابلة في الكتاب العزيز- قوله تعالى في صفة الواقعة خافِضَةٌ رافِعَةٌ- لأنها تخفض العاصين و ترفع المطيعين- . و قوله تعالى فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ- باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ- . و قوله أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ- .

 

و من هذا الباب

 

قول النبي ص للأنصار إنكم لتكثرون عند الفزع و تقلون عند الطمع – . و مما جاء من ذلك في الشعر قول الفرزدق- يهجو قبيلة جرير-

 

يستيقظون إلى نهيق حميرهم
و تنام أعينهم عن الأوتار

 

و قال آخر-

 

فلا الجود يفني المال و الجد مقبل
و لا البخل يبقي المال و الجد مدبر

 

 

و قال أبو تمام-

 

ما إن ترى الأحساب بيضا وضحا
إلا بحيث ترى المنايا سودا

 

و كذلك قال من هذه القصيدة أيضا-

 

شرف على أولى الزمان و إنما
خلق المناسب ما يكون جديدا

 

و أما القسم الثاني من القسم الأول- و هو مقابلة الشي‏ء بضده بالمعنى لا باللفظ- فكقول المقنع الكندي-

 

لهم جل مالي إن تتابع لي غنى
و إن قل مالي لا أكلفهم رفدا

 

 فقوله إن تتابع لي غنى في قوة قوله إن كثر مالي- و الكثرة ضد القلة- فهو إذن مقابل بالمعنى لا باللفظ بعينه- . و من هذا الباب قول البحتري-

 

تقيض لي من حيث لا أعلم النوى
و يسري إلي الشوق من حيث أعلم‏

 

فقوله لا أعلم ليس ضدا لقوله أعلم- لكنه نقيض له و في قوة قوله أجهل- و الجهل ضد العلم- . و من لطيف ما وقعت المقابلة به من هذا النوع- قول أبي تمام-

 

مها الوحش إلا أن هاتا أوانس
قنا الخط إلا أن تلك ذوابل‏
فقابل بين هاتا و بين تلك- و هي مقابلة معنوية لا لفظية- لأن هاتا للحاضرة و تلك للغائبة- و الحضور ضد الغيبة- . و أما مقابلة الشي‏ء لما ليس بضده- فإما أن يكون مثلا أو مخالفا- . و الأول على ضربين- مقابلة المفرد بالمفرد و مقابلة الجملة بالجملة- . مثال مقابلة المفرد بالمفرد قوله تعالى- نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ- و قوله وَ مَكَرُوا مَكْراً وَ مَكَرْنا مَكْراً- هكذا قال نصر الله بن الأثير- . قال و هذا مراعى في القرآن الكريم- إذا كان جوابا كما تقدم من الآيتين- و كقوله وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها- و قوله مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ- . قال و قد كان يجوز أن يقول من كفر فعليه ذنبه- لكن الأحسن هو إعادة اللفظ- فأما إذا كان غير جواب لم تلزم فيه هذه المراعاة اللفظية- بل قد تقابل اللفظة بلفظة تفيد معناها- و إن لم تكن هي بعينها- نحو قوله تعالى وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ- وَ هُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ- فقال يفعلون و لم يقل يعملون- . و كذلك قوله تعالى فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ- و لم يقل قالوا لا تفزع- . و كذلك قوله تعالى إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ- قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ- و لم يقل كنتم تخوضون و تلعبون- .قال و نحو ذلك من الأبيات الشعرية قول أبي تمام-

 

بسط الرجاء لنا برغم نوائب
كثرت بهن مصارع الآمال‏

 

 

فقال الآمال عوض الرجاء- قال أبو الطيب-

 

 

إني لأعلم و اللبيب خبير
أن الحياة و إن حرصت غرور

 

 

فقال خبير و لم يقل عليم- . قال و إنما حسن ذلك لأنه ليس بجواب- و إنما هو كلام مبتدأ- . قلت الصحيح أن هذه الآيات- و هي قوله تعالى نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ- و ما شابهها ليست من باب المقابلة التي نحن في ذكرها- و أنها نوع آخر- و لو سميت المماثلة أو المكافأة لكان أولى- و الدليل على ذلك أن هذا الرجل حد المقابلة- في أول الباب الذي ذكر هذا البحث فيه- فقال إنها ضد التجنيس- لأن التجنيس أن يكون اللفظ واحدا مختلف المعنى- و هذه لا بد أن تتضمن معنيين ضدين- و إن كان التضاد مأخوذا في حدها- فقد خرجت هذه الآيات من باب المقابلة و كانت نوعا آخر- . و أيضا فإن قوله تعالى- وَ مَكَرُوا مَكْراً وَ مَكَرْنا مَكْراً- ليس من سلك الآيات الأخرى- لأنه بالواو و الآيات الأخرى بالفاء- و الفاء جواب و الواو ليست بجواب- .

 

 

و أيضا فإنا إذا تأملنا القرآن العزيز- لم نجد ما ذكره هذا الرجل مطردا قال تعالى- أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى‏ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى- وَ ما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى- وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى‏ وَ هُوَ يَخْشى‏- فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى- فلم يقل في الثانية- و أما من جاءك يسعى و هو فقير- . و قال تعالى فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ وَ اتَّقى‏ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى‏- فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏ وَ أَمَّا مَنْ‏ بَخِلَ وَ اسْتَغْنى‏- وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى‏ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏- فقابل بين أعطى و بخل- و لم يقابل بين اتقى و استغنى- و مثل هذا في القرآن العزيز كثير- و أكثر من الكثير- . و قد بان الآن أن التقسيم الأول فاسد- و أنه لا مقابلة إلا بين الأضداد و ما يجري مجراها- . و أما مقابلة الجملة بالجملة في تقابل المتماثلين- فإنه إذا كانت إحداهما في معنى الأخرى وقعت المقابلة- و الأغلب أن تقابل الجملة الماضية بالماضية- و المستقبلة بالمستقبلة- . و قد تقابل الجملة الماضية بالمستقبلة- فمن ذلك قوله تعالى- قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى‏ نَفْسِي- وَ إِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي- فإن هذا تقابل من جهة المعنى- لأنه لو كان من جهة اللفظ لقال- و إن اهتديت فإنما أهتدي لها- . و وجه التقابل المعنوي- هو أن كل ما على النفس فهو بها- أعني كل ما هو عليها وبال و ضرر فهو منها و بسببها- لأنها الأمارة بالسوء- و كل ما لها مما ينفعها فهو بهداية ربها و توفيقه لها- . و من ذلك قوله تعالى- أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ- لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً- فإنه لم يراع التقابل اللفظي- و لو راعاه لقال و النهار ليبصروا فيه- و إنما المراعاة لجانب المعنى- لأن معنى مبصرا ليبصروا فيه طرق التقلب في الحاجات- . و أما مقابلة المخالف فهو على وجهين- . أحدهما- أن يكون بين المقابل و المقابل نوع مناسبة و تقابل- كقول القائل

 

 

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة
و من إساءة أهل السوء إحسانا

 

فقابل الظلم بالمغفرة و هي مخالفة له- ليست مثله و لا ضده و إنما الظلم ضد العدل- إلا أنه لما كانت المغفرة قريبة من العدل- حسنت المقابلة بينها و بين الظلم و نحو هذا قوله تعالى- أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ- فإن الرحمة ليست ضدا للشدة- و إنما ضد الشدة اللين- إلا أنه لما كانت الرحمة سببا للين- حسنت المقابلة بينها و بين الشدة- . و كذلك قوله تعالى- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ- وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا- فإن المصيبة أخص من السيئة- فالتقابل هاهنا من جهة العموم و الخصوص- . الوجه الثاني ما كان بين المقابل و المقابل بعد- و ذلك مما لا يحسن استعماله- كقول امرأة من العرب لابنها- و قد تزوج بامرأة غير محمودة-

 

تربص بها الأيام عل صروفها
سترمي بها في جاحم متسعر

 

فكم من كريم قد مناه إلهه‏
بمذمومة الأخلاق واسعة الحر

 

فمذمومة ليست في مقابلة واسعة- و لو كانت قالت بضيقة الأخلاق- كانت المقابلة صحيحة و الشعر مستقيما و كذلك قول المتنبي-

 

لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها
سرور محب أو مساءة مجرم‏

 

فالمقابلة الصحيحة بين المحب و المبغض- لا بين المحب و المجرم- . قلت إن لقائل أن يقول- هلا قلت في هذا ما قلت في السيئة و المصيبة- أ لست القائل إن التقابل حسن بين المصيبة و السيئة- لكنه تقابل العموم و الخصوص- و هذا الموضع مثله أيضا- لأن كل مبغض لك مجرم إليك- لأن مجرد البغضة جرم ففيهما عموم و خصوص- . بل لقائل أن يقول كل مجرم مبغض- و كل مبغض مجرم و هذا صحيح مطرد

 

شرح‏ نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 2

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=