و من كلام له عليه السّلام قاله لعبد اللّه بن عباس
و قد جاءه برسالة من عثمان و هو محصور يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع ليقل هتف الناس باسمه للخلافة بعد أن كان سأله مثل ذلك من قبل، فقال عليه السّلام:
يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا يُرِيدُ عُثْمَانُ- إِلَّا أَنْ يَجْعَلَنِي جَمَلًا نَاضِحاً بِالْغَرْبِ أَقْبِلْ وَ أَدْبِرْ- بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَقْدُمَ- ثُمَّ هُوَ الْآنَ يَبْعَثُ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ- وَ اللَّهِ لَقَدْ دَفَعْتُ عَنْهُ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ آثِماً
اللغة
أقول:
ينبع: قرية صغيرة من أعمال المدينة.
و هتف الناس: صياحهم و دعاؤهم باسمه.
و الناضح: الجمل استقى عليه.
و الغرب: الدلو العظيمة.
المعنى
و سبب الرسالة أنّ القوم الّذين حصروه كانوا يكثرون نداه و الصياح به و توبيخه على أحداثه من تفريق بيت المال على غير مستحقّيه و وضعه في غير مواضعه، و ساير الأحداث الّتي ذكرنا أنّها نسبت إليه، و استعار لفظ الجمل الناضح، و رشّح بذكر الغرب، و أشار إلى وجه المشابهة بقوله اقبل و ادبر. و قوله: بعث إلىّ. إلى قوله: أخرج. شرح لكيفيّة تصريفه في حال حصره و مضايقة الناس له و بعثه إلى الناس في أمره كما أشرنا إليه من قبل. و قد كان قصده بتلك الرسالة من بين سائر الصحابة لأحد أمرين: أحدهما: اعتقاده أنّه كان أشرف الجماعة و الناس له أطوع، و أنّ قلوب الجماعة معه حينئذ. و الثاني: أنّه كان يعتقد أنّ له شركة مع الناس في فعلهم به و كانت بينهما هناة فكان بعثه له من بين الجماعة متعيّنا لأنّهم إن رجعوا بواسطته فهو الغرض و إن لم يرجعوا حصلت بعض المقاصد أيضا و هو تأكّد ما نسبه إليه من المشاركة في أمره، و بقاء ذلك حجّة عليه لمن بعده ممّن يطلب بدمه حتّى كان لسبب هذا الغرض الثاني ما كان من الوقايع بالبصرة و صفّين و غيرهما. و قوله و اللّه. إلى آخره يحتمل وجوها: أحدها: قال بعض الشارحين: إنّى بالغت في الذبّ عنه حتّى خشيت لكثرة أحداثه أن أكون آثما في الذبّ عنه و الاجتهاد في ذلك. و الثاني: يحتمل أن يريد أنّى خشيت الإثم في تغريرى بنفسى لأن دفع الجمع العظيم في هذا الأمر العظيم مظنّة الخوف على النفس فيكون الإقدام عليه مظنّة إثم. الثالث: يحتمل أنّه يريد أنّه خشى الإثم من الإفراط في حقّهم كأن يضرب أحدهم بسوطه و يغلظ له في القول و الشتم. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 4 ، صفحهى 323