google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
20-40 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 23 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

23 و من خطبة له ع

 

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ- كَقَطْرِ الْمَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قُسِمَ لَهَا- مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ- فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ لِأَخِيهِ غَفِيرَةً- فِي أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ- فَلَا تَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً- فَإِنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ- فَيَخْشَعُ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ وَ يُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ- كَانَ كَالْفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ- مِنْ قِدَاحِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَغْنَمَ وَ يُرْفَعُ عَنْهُ بِهَا الْمَغْرَمُ- وَ كَذَلِكَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ الْبَرِي‏ءُ مِنَ الْخِيَانَةِ- يَنْتَظِرُ مِنَ اللَّهِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ- إِمَّا دَاعِيَ اللَّهِ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ- وَ إِمَّا رِزْقَ اللَّهِ فَإِذَا هُوَ ذُو أَهْلٍ وَ مَالٍ- وَ مَعَهُ دِينُهُ وَ حَسَبُهُ- إِنَّ الْمَالَ وَ الْبَنِينَ حَرْثُ الدُّنْيَا- وَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الآْخِرَةِ- وَ قَدْ يَجْمَعُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَقْوَامٍ- فَاحْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ- وَ اخْشَوْهُ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِيرٍ- وَ اعْمَلُوا فِي غَيْرِ رِيَاءٍ وَ لَا سُمْعَةٍ- فَإِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللَّهِ يَكِلْهُ اللَّهُ إِلَى مَنْ عَمِلَ لَهُ- نَسْأَلُ اللَّهَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَ مُعَايَشَةَ السُّعَدَاءِ- وَ مُرَافَقَةَ الْأَنْبِيَاءِ- أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ- وَ إِنْ كَانَ ذَا مَالٍ عَنْ عَشِيرَتِهِ- وَ دِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وَ أَلْسِنَتِهِمْ- وَ هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِهِ وَ أَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ- وَ أَعْطَفُهُمْ‏ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَةٍ إِنْ نَزَلَتْ بِهِ- وَ لِسَانُ الصِّدْقِ يَجْعَلُهُ اللَّهُ لِلْمَرْءِ فِي النَّاسِ- خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمَالِ يُوَرِّثُهُ غَيْرَهُ- وَ مِنْهَا أَلَا لَا يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ- أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لَا يَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ- وَ لَا يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ- وَ مَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ- فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ- وَ تُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ- وَ مَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ قال الرضي رحمه الله- أقول الغفيرة هاهنا الزيادة و الكثرة- من قولهم للجمع الكثير الجم الغفير و الجماء الغفير- و يروى عفوة من أهل أو مال- و العفوة الخيار من الشي‏ء- يقال أكلت عفوة الطعام أي خياره- . و ما أحسن المعنى الذي أراده ع بقوله- و من يقبض يده عن عشيرته… إلى تمام الكلام- فإن الممسك خيره عن عشيرته إنما يمسك نفع يد واحدة- فإذا احتاج إلى نصرتهم و اضطر إلى مرافدتهم- قعدوا عن نصره و تثاقلوا عن صوته- فمنع ترافد الأيدي الكثيرة و تناهض الأقدام الجمة

الفالج الظافر الفائز فلج يفلج بالضم- و في المثل من يأت الحكم وحده يفلج- و الياسر الذي يلعب بالقداح- و اليسر مثله و الجمع أيسار- و في الكلام تقديم و تأخير تقديره كالياسر الفالج- أي كاللاعب بالقداح المحظوظ منها- و هو من باب تقديم الصفة على الموصوف- كقوله تعالى وَ غَرابِيبُ سُودٌ- و حسن ذلك هاهنا أن اللفظتين صفتان- و إن كانت إحداهما مرتبة على الأخرى- . و قوله ليست بتعذير- أي ليست بذات تعذير أي تقصير فحذف المضاف- كقوله تعالى قُتِلَ أَصْحابُ- الْأُخْدُودِ النَّارِ أي ذي النار- . و قوله هم أعظم الناس حيطة كبيعة أي رعاية و كلاءة- و يروى حيطة كغيبة و هي مصدر حاط أي تحننا و تعطفا- . و الخصاصة الفقر- يقول القضاء و القدر ينزلان من السماء إلى الأرض- كقطر المطر- أي مبثوث في جميع أقطار الأرض إلى كل نفس- بما قسم لها من زيادة أو نقصان- في المال و العمر و الجاه و الولد و غير ذلك- فإذا رأى أحدكم لأخيه زيادة في رزق- أو عمر أو ولد و غير ذلك- فلا يكونن ذلك له فتنة تفضي به إلى الحسد- فإن الإنسان المسلم إذا كان غير مواقع لدناءة و قبيح- يستحيي من ذكره بين الناس- و يخشع إذا قرع به و يغرى لئام الناس بهتك ستره به- كاللاعب بالقداح المحظوظ منها- ينتظر أول فوزة و غلبة من قداحه- تجلب له نفعا و تدفع عنه ضرا- كذلك من وصفنا حاله يصبر و ينتظر إحدى الحسنيين- إما أن يدعوه الله فيقبضه إليه و يستأثر به- فالذي عند الله خير له- و إما أن ينسأ في أجله فيرزقه الله أهلا و مالا- فيصبح و قد اجتمع له ذلك- مع حسبه و دينه و مروءته المحفوظة عليه- . ثم قال المال و البنون حرث الدنيا- و هو من قوله سبحانه- الْمالُ وَ الْبَنُونَ‏ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا- و من قوله تعالى مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ- وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها- وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ- . قال و قد يجمعهما الله لأقوام- فإنه تعالى قد يرزق الرجل الصالح مالا و بنين- فتجمع له الدنيا و الآخرة- . ثم قال فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه- و ذلك لأنه تعالى قال فَاتَّقُونِ و قال فَارْهَبُونِ- و قال فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ- و غير ذلك من آيات التحذير- . ثم قال و لتكن التقوى منكم أقصى نهايات جهدكم- لا ذات تقصيركم- فإن العمل القاصر قاصر الثواب قاصر المنزلة

 

فصل في ذم الحاسد و الحسد

 

و اعلم أن مصدر هذا الكلام النهي عن الحسد- و هو من أقبح الأخلاق المذمومة- و روى ابن مسعود عن النبي ص ألا لا تعادوا نعم الله- قيل يا رسول الله و من الذي يعادي نعم الله- قال الذين يحسدون الناس – . و كان ابن عمر يقول- تعوذوا بالله من قدر وافق إرادة حسود- .

قيل لأرسطو ما بال الحسود أشد غما من المكروب- قال لأنه يأخذ نصيبه من غموم الدنيا- و يضاف إلى ذلك غمه بسرور الناس- .
و قال رسول الله ص استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان- فإن كل ذي نعمة محسود

و قال منصور الفقيه-

 

منافسة الفتى فيما يزول
على نقصان همته دليل‏

و مختار القليل أقل منه‏
و كل فوائد الدنيا قليل‏

 

و من الكلام المروي عن أمير المؤمنين ع لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله و من كلام عثمان بن عفان- يكفيك من انتقامك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك- . و قال مالك بن دينار- شهادة القراء مقبولة في كل شي‏ء- إلا شهادة بعضهم على بعض- فإنهم أشد تحاسدا من السوس في الوبر- . و قال أبو تمام-

 

و إذا أراد الله نشر فضيلة
طويت أتاح لها لسان حسود

لو لا اشتعال النار فيما جاورت‏
ما كان يعرف طيب عرف العود

لو لا محاذرة العواقب لم تزل
للحاسد النعمى على المحسود

 

– . و تذاكر قوم من ظرفاء البصرة الحسد- فقال رجل منهم إن الناس ربما حسدوا على الصلب- فأنكروا ذلك ثم جاءهم بعد ذلك بأيام- فقال إن الخليفة قد أمر بصلب‏ الأحنف بن قيس- و مالك بن مسمع و حمدان الحجام- فقالوا هذا الخبيث يصلب مع هذين الرئيسين- فقال أ لم أقل لكم إن الناس يحسدون على الصلب- .

و روى أنس بن مالك مرفوعا أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب و في الكتب القديمة يقول الله عز و جل الحاسد عدو نعمتي- متسخط لفعلي غير راض بقسمتيو قال الأصمعي رأيت أعرابيا قد بلغ مائة و عشرين سنة- فقلت له ما أطول عمرك فقال تركت الحسد فبقيت- . و قال بعضهم ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد- . قال الشاعر-

 

تراه كأن الله يجدع أنفه
و أذنيه إن مولاه ثاب إلى وفر

 

و قال آخر

 

قل للحسود إذا تنفس ضغنه
يا ظالما و كأنه مظلوم‏

 

و من كلام الحكماء- إياك و الحسد فإنه يبين فيك و لا يبين في المحسود- . و من كلامهم- من دناءة الحاسد أنه يبدأ بالأقرب فالأقرب- . و قيل لبعضهم لزمت البادية و تركت قومك و بلدك- قال و هل بقي إلا حاسد نعمة أو شامت بمصيبة- . بينا عبد الملك بن صالح يسير مع الرشيد في موكبه- إذ هتف هاتف يا أمير المؤمنين طأطئ من إشرافه- و قصر من عنانه و اشدد من شكاله- و كان عبد الملك متهما

عند الرشيد بالطمع في الخلافة- فقال الرشيد ما يقول هذا- فقال عبد الملك مقال حاسد و دسيس حاقد- يا أمير المؤمنين- قال قد صدقت نقص القوم و فضلتهم- و تخلفوا و سبقتهم- حتى برز شأوك و قصر عنك غيرك- ففي صدورهم جمرات التخلف و حزازات التبلد- قال عبد الملك فأضرمها يا أمير المؤمنين عليهم بالمزيد- . و قال شاعر

 

يا طالب العيش في أمن و في دعة
محضا بلا كدر صفوا بلا رنق‏

خلص فؤادك من غل و من حسد
فالغل في القلب مثل الغل في العنق‏

 

و من كلام عبد الله بن المعتز- إذا زال المحسود عليه- علمت أن الحاسد كان يحسد على غير شي‏ء- . و من كلامه- الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له بخيل بما لا يملكه- . و من كلامه لا راحة لحاسد و لا حياة لحريص- . و من كلامه الميت يقل الحسد له و يكثر الكذب عليه- و من كلامه- ما ذل قوم حتى ضعفوا و ما ضعفوا حتى تفرقوا- و ما تفرقوا حتى اختلفوا و ما اختلفوا حتى تباغضوا- و ما تباغضوا حتى تحاسدوا- و ما تحاسدوا حتى استأثر بعضهم على بعض- .

و قال الشاعر

 

إن يحسدوني فإني غير لائمهم
قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا

فدام لي و لهم ما بي و ما بهم‏
و مات أكثرنا غيظا بما يجد

 
و من كلامهم ما خلا جسد عن حسد- . و حد الحسد هو أن تغتاظ مما رزقه غيرك- و تود أنه زال عنه و صار إليك- و الغبطة ألا تغتاظ و لا تود زواله عنه- و إنما تود أن ترزق مثله و ليست الغبطة بمذمومة- .

و قال الشاعر

 

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
فالكل أعداء له و خصوم‏

كضرائر الحسناء قلن لوجهها
حسدا و بغيا إنه لدميم‏

 
فصل في مدح الصبر و انتظار الفرج

 

و اعلم أنه ع بعد أن نهى عن الحسد- أمر بالصبر و انتظار الفرج من الله- إما بموت مريح أو بظفر بالمطلوب- . و الصبر من المقامات الشريفة- و قد وردت فيه آثار كثيرة- روى عبد الله بن مسعود عن النبي ص أن الصبر نصف الإيمان و اليقين الإيمان كله و قالت عائشة لو كان الصبر رجلا لكان كريما- .

و قال علي ع الصبر إما صبر على المصيبة- أو على الطاعة أو عن المعصية- و هذا القسم الثالث أعلى درجة من القسمين الأولين
و عنه ع الحياء زينة و التقوى كرم- و خير المراكب مركب الصبر
و عنه ع القناعة سيف لا ينبو و الصبر مطية لا تكبو- و أفضل العدة الصبر على الشدة
قال الحسن ع جربنا و جرب المجربون- فلم نر شيئا أنفع وجدانا و لا أضر فقدانا من الصبر- تداوى به الأمور و لا يداوى هو بغيره
و قال سعيد بن حميد الكاتب-

 

لا تعتبن على النوائب
فالدهر يرغم كل عاتب‏

و اصبر على حدثانه‏
إن الأمور لها عواقب‏

كم نعمة مطوية
لك بين أثناء النوائب‏

و مسرة قد أقبلت‏
من حيث تنتظر المصائب‏

 

و من كلامهم الصبر مر لا يتجرعه إلا حر- . قال أعرابي كن حلو الصبر عند مرارة النازلة- . و قال كسرى لبزرجمهر- ما علامة الظفر بالأمور المطلوبة المستصعبة- قال ملازمة الطلب و المحافظة على الصبر و كتمان السر- . و قال الأحنف بن قيس- لست حليما إنما أنا صبور- فأفادني الصبر صفتي بالحلم- .

و سئل علي ع أي شي‏ء أقرب إلى الكفر- قال ذو فاقة لا صبر له و من كلامه ع الصبر يناضل الحدثان و الجزع من أعوان الزمان

– و قال أعشى همدان-

 

إن نلت لم أفرح بشي‏ء نلته
و إذا سبقت به فلا أتلهف‏

و متى تصبك من الحوادث نكبة
فاصبر فكل غيابة تتكشف‏

 

و الأمر يذكر بالأمر- و هذا البيت هو الذي قاله له الحجاج يوم قتله- ذكر ذلك أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري- في الأمالي قال- لما أتي الحجاج بأعشى همدان أسيرا- و قد كان خرج مع ابن الأشعث- قال له يا ابن اللخناء- أنت القائل لعدو الرحمن- يعني عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث- .

 
يا ابن الأشج قريع كندة
لا أبالي فيك عتبا

أنت الرئيس ابن الرئيس‏
و أنت أعلى الناس كعبا

نبئت حجاج بن يوسف
خر من زلق فتبا

فانهض هديت لعله‏
يجلو بك الرحمن كربا

و ابعث عطية في الحروب
يكبهن عليه كبا

 

 ثم قال عبد الرحمن خر من زلق فتب- و خسر و انكب و ما لقي ما أحب- و رفع بها صوته و اهتز منكباه- و در ودجاه و احمرت عيناه- و لم يبق في المجلس إلا من هابه- فقال أيها الأمير و أنا القائل-

 

أبى الله إلا أن يتمم نوره
و يطفئ نار الكافرين فتخمدا

و ينزل ذلا بالعراق و أهله‏
كما نقضوا العهد الوثيق المؤكدا

و ما لبث الحجاج أن سل سيفه
علينا فولى جمعنا و تبددا

 

فالتفت الحجاج إلى من حضر- فقال ما تقولون قالوا لقد أحسن أيها الأمير- و محا بآخر قوله أوله فليسعه حلمك- فقال لاها الله إنه لم يرد ما ظننتم- و إنما أراد تحريض أصحابه- ثم قال له ويلك أ لست القائل-

 

إن نلت لم أفرح بشي‏ء نلته
و إذا سبقت به فلا أتلهف‏

و متى تصبك من الحوادث نكبة
فاصبر فكل غيابة تتكشف‏

 

أما و الله لتظلمن عليك غيابة لا تنكشف أبدا- أ لست القائل في عبد الرحمن-

 

 

و إذا سألت المجد أين محله
فالمجد بين محمد و سعيد

 

بين الأشج و بين قيس نازل
بخ بخ لوالده و للمولود

 

و الله لا يبخبخ بعدها أبدا يا حرسي اضرب عنقه- . و مما جاء في الصبر قيل للأحنف- إنك شيخ ضعيف و إن الصيام يهدك- فقال إني أعده لشر يوم طويل- و إن الصبر على طاعة الله أهون- من الصبر على عذاب الله- . و من كلامه من لم يصبر على كلمة سمع كلمات- رب غيظ قد تجرعته مخافة ما هو أشد منه- . يونس بن عبيد لو أمرنا بالجزع لصبرنا- . ابن السماك المصيبة واحدة- فإن جزع صاحبها منها صارت اثنتين- يعني فقد المصاب و فقد الثواب- . الحارث بن أسد المحاسبي- لكل شي‏ء جوهر و جوهر الإنسان العقل- و جوهر العقل الصبر- . جابر بن عبد الله سئل رسول الله ص عن الإيمان- فقال الصبر و السماحة – . و قال العتابي-

 

اصبر إذا بدهتك نائبة
ما عال منقطع إلى الصبر

 

الصبر أولى ما اعتصمت به‏
و لنعم حشو جوانح الصدر

 

و من كلام علي ع الصبر مفتاح الظفر و التوكل على الله رسول الفرج و من كلامه ع انتظار الفرج بالصبر عبادة أكثم بن صيفي- الصبر على جرع الحمام أعذب من جنا الندم- .و من كلام بعض الزهاد- و اصبر على عمل لا غناء بك عن ثوابه- و اصبر عن عمل لا صبر على عقابك به- . و كتب ابن العميد أقرأ في الصبر سورا- و لا أقرأ في الجزع آية- و أحفظ في التماسك و التجلد قصائد- و لا أحفظ في التهافت قافية- .و قال الشاعر

 

 

و يوم كيوم البعث ما فيه حاكم
و لا عاصم إلا قنا و دروع‏

حبست به نفسي على موقف الردى‏
حفاظا و أطراف الرماح شروع‏

و ما يستوي عند الملمات إن عرت
صبور على مكروهها و جزوع‏

 

أبو حية النميري-

 

إني رأيت و في الأيام تجربة
للصبر عاقبة محمودة الأثر

و قل من جد في أمر يحاوله‏
و استصحب الصبر إلا فاز بالظفر

 

و وصف الحسن البصري عليا ع فقال- كان لا يجهل و إن جهل عليه حلم- و لا يظلم و إن ظلم غفر- و لا يبخل و إن بخلت الدنيا عليه صبر- . عبد العزيز بن زرارة الكلابي-

 

قد عشت في الدهر أطوارا على طرق
شتى فقاسيت منه الحلو و البشعا

 

كلا بلوت فلا النعماء تبطرني‏
و لا تخشعت من لأوائها جزعا

 

لا يملأ الأمر صدري قبل موقعه
و لا يضيق به صدري إذا وقعا

 

و من كلام بعضهم من تبصر تصبر- الصبر يفسح الفرج و يفتح المرتتج- المحنة إذا تلقيت بالرضا و الصبر كانت نعمة دائمة- و النعمة إذا خلت من الشكر كانت محنة لازمة- .

قيل لأبي مسلم صاحب الدولة- بم أصبت ما أصبت- قال ارتديت بالصبر و اتزرت بالكتمان- و حالفت الحزم و خالفت الهوى- و لم أجعل العدو صديقا و لا الصديق عدوا- . منصور النمري في الرشيد-

 

و ليس لأعباء الأمور إذا عرت
بمكترث لكن لهن صبور

يرى ساكن الأطراف باسط وجهه‏
يريك الهوينى و الأمور تطير

 

من كلام أمير المؤمنين ع أوصيكم بخمس لو ضربتم إليهن آباط الإبل- كانت لذلك أهلا- لا يرجون أحدكم إلا ربه- و لا يخافن إلا ذنبه- و لا يستحين إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم- و لا يستحيي إذا جهل أمرا أن يتعلمه- و عليكم بالصبر- فإن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد- فكما لا خير في جسد لا رأس له- لا خير في إيمان لا صبر معه و عنه ع لا يعدم الصبور الظفر و إن طال به الزمان
نهشل بن حري-

 

و يوم كأن المصطلين بحرة
و إن لم يكن جمرا قيام على جمر

صبرنا له حتى تجلى و إنما
تفرج أيام الكريهة بالصبر

 

علي ع اطرح عنك واردات الهموم- بعزائم الصبر و حسن اليقين و عنه ع و إن كنت جازعا على ما تفلت من يديك- فاجزع على كل ما لم يصل إليك و في كتابه ع الذي كتبه إلى عقيل أخيه و لا تحسبن ابن أمك و لو أسلمه الناس متضرعا متخشعا- و لا مقرا للضيم واهنا و لا سلس الزمام للقائد- و لا وطي‏ء الظهر للراكب- و لكنه كما قال أخو بني سليم-

 
فإن تسأليني كيف أنت فإنني
صبور على ريب الزمان صليب‏

يعز علي أن ترى بي كآبة
فيشمت عاد أو يساء حبيب‏

 
فصل في الرياء و النهي عنه

 

و اعلم أنه ع بعد أن أمرنا بالصبر- نهى عن الرياء في العمل و الرياء في العمل منهي عنه- بل العمل ذو الرياء ليس بعمل على الحقيقة- لأنه لم يقصد به وجه الله تعالى- و أصحابنا المتكلمون يقولون- ينبغي أن يعمل المكلف الواجب لأنه واجب- و يجتنب القبيح لأنه قبيح- و لا يفعل الطاعة و يترك المعصية رغبة في الثواب- و خوفا من العقاب- فإن ذلك يخرج عمله من أن يكون طريقا إلى الثواب- و شبهوه بالاعتذار في الشي‏ء- فإن من يعتذر إليك من ذنب- خوفا أن تعاقبه على ذلك الذنب- لا ندما على القبيح الذي سبق منه- لا يكون عذره مقبولا و لا ذنبه عندك مغفورا- و هذا مقام جليل لا يصل إليه- إلا الأفراد من ألوف الألوف- . و قد جاء في الآثار من النهي عن الرياء و السمعة كثير-

روي عن النبي ص أنه قال يؤتى في يوم القيامة بالرجل- قد عمل أعمال الخير كالجبال- أو قال كجبال تهامة و له خطيئة واحدة- فيقال إنما عملتها ليقال عنك- فقد قيل و ذاك ثوابك و هذه خطيئتك- أدخلوه بها إلى جهنم

و قال ع ليست الصلاة قيامك و قعودك- إنما الصلاة إخلاصك و أن تريد بها الله وحده
و قال حبيب الفارسي لو أن الله تعالى أقامني يوم القيامة- و قال هل تعد سجدة سجدت ليس للشيطان فيها نصيب- لم أقدر على ذلك- .توصل عبد الله بن الزبير إلى امرأة عبد الله بن عمر- و هي أخت المختار بن أبي عبيد الثقفي- في أن تكلم بعلها عبد الله بن عمر أن يبايعه- فكلمته في ذلك و ذكرت صلاته و قيامه و صيامه- فقال لها أ ما رأيت البغلات الشهب- التي كنا نراها تحت معاوية بالحجر إذا قدم مكة- قالت بلى- قال فإياها يطلب ابن الزبير بصومه و صلاته- . و في الخبر المرفوع أن أخوف ما أخاف على أمتي الرياء في العمل- ألا و إن الرياء في العمل هو الشرك الخفي-

 

صلى و صام لأمر كان يطلبه
حتى حواه فلا صلى و لا صاما

 
فصل في الاعتضاد بالعشيرة و التكثر بالقبيلة

 

ثم إنه ع بعد نهيه عن الرياء و طلب السمعة- أمر بالاعتضاد بالعشيرة و التكثر بالقبيلة- فإن الإنسان لا يستغني عنهم و إن كان ذا مال- و قد قالت الشعراء في هذا المعنى كثيرا- فمن ذلك قول بعض شعراء الحماسة-

 

إذا المرء لم يغضب له حين يغضب
فوارس إن قيل اركبوا الموت يركبوا

و لم يحبه بالنصر قوم أعزة
مقاحيم في الأمر الذي يتهيب‏

تهضمه أدنى العداة فلم يزل
و إن كان عضا بالظلامة يضرب‏

فآخ لحال السلم من شئت و اعلمن‏
بأن سوى مولاك في الحرب أجنب‏

و مولاك مولاك الذي إن دعوته
أجابك طوعا و الدماء تصبب‏

فلا تخذل المولى و إن كان ظالما
فإن به تثأى الأمور و ترأب‏

 

 
و من شعر الحماسة أيضا

 

 

أفيقوا بني حزن و أهواؤنا معا
و أرحامنا موصولة لم تقضب‏

لعمري لرهط المرء خير بقية
عليه و إن عالوا به كل مركب‏

إذا كنت في قوم و أمك منهم
لتعزى إليهم في خبيث و طيب‏

و إن حدثتك النفس أنك قادر
على ما حوت أيدي الرجال فكذب‏

 

 

و من شعر الحماسة أيضا-

 

 

لعمرك ما أنصفتني حين سمتني
هواك مع المولى و أن لا هوى ليا

 

إذا ظلم المولى فزعت لظلمه‏
فحرق أحشائي و هرت كلابيا

 

و من شعر الحماسة أيضا-

 

و ما كنت أبغي العم يمشي على شفا
و إن بلغتني من أذاه الجنادع‏

 

و لكن أواسيه و أنسى ذنوبه‏
لترجعه يوما إلي الرواجع‏

 

و حسبك من ذل و سوء صنيعة
مناواة ذي القربى و أن قيل قاطع‏

 

 

و من شعر الحماسة أيضا-

 

 

ألا هل أتى الأنصار أن ابن بحدل
حميدا شفى كلبا فقرت عيونها

فإنا و كلبا كاليدين متى تقع‏
شمالك في الهيجا تعنها يمينها

 

 

و من شعر الحماسة أيضا-

 

 

أخوك أخوك من ينأى و تدنو
مودته و إن دعي استجابا

إذا حاربت حارب من تعادي‏
و زاد غناؤه منك اقترابا

يواسي في كريهته و يدنو
إذا ما مضلع الحدثان نابا

 

فصل في حسن الثناء و طيب الأحدوثة

 

ثم إنه ع ذكر أن لسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس- خيرا له من المال يورثه غيره- و لسان الصدق هو أن يذكر الإنسان بالخير و يثنى عليه به- قال سبحانه وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ- . و قد ورد في هذا المعنى من النثر و النظم الكثير الواسع- فمن ذلك قول عمر لابنة هرم- ما الذي أعطى أبوك زهيرا- قالت أعطاه مالا يفنى و ثيابا تبلى- قال لكن ما أعطاكم زهير لا يبليه الدهر- و لا يفنيه الزمان- . و من شعر الحماسة أيضا-

 

إذا أنت أعطيت الغنى ثم لم تجد
بفضل الغنى ألفيت ما لك حامد

و قل غناء عنك مال جمعته‏
إذا كان ميراثا و واراك لاحد

 

و قال يزيد بن المهلب- المال و الحياة أحب شي‏ء إلى الإنسان- و الثناء الحسن أحب إلي منهما- و لو أني أعطيت ما لم يعطه أحد- لأحببت أن يكون لي أذن أسمع بها- ما يقال في غدا و قد مت كريما- . و حكى أبو عثمان الجاحظ عن إبراهيم السندي- قال قلت في أيام ولايتي الكوفة لرجل من وجوهها- كان لا يجف لبده و لا يستريح قلمه- و لا تسكن حركته في طلب حوائج الناس- و إدخال السرور على قلوبهم و الرفق على ضعفائهم- و كان عفيف الطعمة- خبرني عما هون عليك النصب و قواك على التعب- فقال قد و الله سمعت غناء الأطيار بالأسحار- على أغصان الأشجار- و سمعت خفق الأوتار و تجاوب العود و المزمار- فما طربت من صوت قط طربي- من ثناء حسن على رجل محسن- فقلت لله أبوك فلقد ملئت كرما- .و قال حاتم

 

أماوي إن يصبح صداي بقفرة
من الأرض لا ماء لدي و لا خمر

 

ترى أن ما أنفقت لم يك ضرني‏
و أن يدي مما بخلت به صفر

 

أماوي ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوما و ضاق بها الصدر

 

بعض المحدثين-

 

من اشترى بماله
حسن الثناء غبنا

 

أفقره سماحه‏
و ذلك الفقر الغنى‏

 

و من أمثال الفرس- كل ما يؤكل ينتن و كل ما يوهب يأرج- . و قال أبو الطيب-

 

ذكر الفتى عمره الثاني و حاجته
ما قاته و فضول العيش أشغال‏

 

فصل في مواساة الأهل و صلة الرحم

 

ثم إنه ع بعد أن قرظ الثناء و الذكر الجميل- و فضله على المال- أمر بمواساة الأهل و صلة الرحم و إن قل ما يواسى به- فقال ألا لا يعدلن أحدكم عن القرابة إلى آخر الفصل- و قد قال الناس في هذا المعنى فأكثروا- فمن ذلك قول زهير-

 

و من يك ذا فضل فيبخل بفضله
على قومه يستغن عنه و يذمم‏

 

و قال عثمان- إن عمر كان يمنع أقرباءه ابتغاء وجه الله- و أنا أعطيتهم ابتغاء وجه الله و لن تروا مثل عمر- . أبو هريرة مرفوعا الرحم مشتقة من الرحمن- و الرحمن اسم من أسماء الله العظمى- قال الله لها من وصلك وصلته و من قطعك قطعته و في الحديث المشهور صلة الرحم تزيد في العمر  و قال طرفة يهجو إنسانا بأنه يصل الأباعد و يقطع الأقارب-

 

و أنت على الأدنى شمال عرية
شآمية تزوي الوجوه بليل‏

 

و أنت على الأقصى صبا غير قرة
تذاءب منها مزرع و مسيل‏

 

و من شعر الحماسة-

 

لهم جل مالي إن تتابع لي غنى
و إن قل مالي لا أكلفهم رفدا

 

و لا أحمل الحقد القديم عليهم‏
و ليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

 

شرح ابن ابی الحدید جلد1

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=