و من كلام له عليه السّلام
كلم به عبد اللّه بن زمعة، و هو من شيعته،و ذلك أنه قدم عليه فى خلافته يطلب منه مالا، فقال عليه السّلام:
إِنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ لِي وَ لَا لَكَ- وَ إِنَّمَا هُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَ جَلْبُ أَسْيَافِهِمْ- فَإِنْ شَرِكْتَهُمْ فِي حَرْبِهِمْ كَانَ لَكَ مِثْلُ حَظِّهِمْ- وَ إِلَّا فَجَنَاةُ أَيْدِيهِمْ لَا تَكُونُ لِغَيْرِ أَفْوَاهِهِمْ
أقول: هو عبد اللّه ابن زمعة بفتح الميم ابن أسود بن المطّلب بن أسود بن عبد العزّى بن قصّى بن كلاب. و كان من أصحاب علىّ و شيعته.
اللغة
و الجلب: المال المجلوب، و روى بالخا.
و جناة الثمر: ما يجنى منه.
المعنى
و ظاهر الكلام يقتضى أنّه استماحه عليه السّلام مالا فاعتذر إليه، و وجه العذر أنّه لم يكن ليجمع لنفسه مالا يخصّه و إنّما يجمع له معه ما كان لبيت مال المسلمين من فيئهم، و هو جلبة أسيافهم من مال الكفّار غنيمة، و نطق القرآن الكريم بقسمة خمسه بين من ذكر في قوله وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ«» و الأقسام الأربعة الباقية للقائمين الّذين باشروا القتال. فعند الشافعى للفارس ثلاثة أسهم و للراجل سهم، و عند أبى حنيفة للفارس سهمان و للراجل سهم، و هو مذهب أهل البيت عليهم السّلام. و يحمل منعه عليه السّلام له من الخمس على أنّه طلب من مال المقاتلة أو على أنّ الخمس كان قد قسّم أو على أنّه لم يكن من المساكين و هم أهل الفاقة و الفقر و لا ابن السبيل و هو المنقطع في سفره، و أمّا سهم اللّه فأجمع المفسّرون على أنّ ذكر اللّه هنا للتعظيم و إن اختلفوا في قسمة الخمس. فمنهم من قال: يقسّم خمسة أقسام لأنّ سهم اللّه و سهم الرسول للرسول فهو قسم واحد، و هو المرويّ عن ابن عبّاس و قتادة و جماعة من أهل التفسير، و منهم من قال: يقسّم أربعة أقسام، و منهم من قال: ثلاثة أقسام، و المرويّ عن أهل البيت عليه السّلام أنّه ينقسم ستّة أقسام فسهم اللّه و سهم رسوله للرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هما بعده مع سهم ذوى القربى للقائم مقامه ينفقها على نفسه و أهل بيته من بنى هاشم، و الثلاثة الأسهم الباقية لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من أهل بيت الرسول لا يشركهم فيها باقى الناس عوضا من الصدقات المحرّمة عليهم. و الأئمّة الأربعة على أنّ سهم الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان تصرف بعد عهده إلى ما أهمّ به من مصالح المسلمين من السلاح و الكراع. فإذن لم يكن أن يعطيه من سهم الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ظاهر أنّه ليس من اولى القربى و لا اليتامى، و أمّا منعه من الأخماس الأربعة فلأنّها كانت للمقاتلة خاصّة و لم يكن هو منهم، و لذلك قال له: و إنّما هو فيء للمسلمين و جلب أسيافهم فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظّهم، و قد نطق كلامه عليه السّلام هنا بأنّ الفىء و الغنيمة واحد و إن كان قد يختصّ الفىء عند بعضهم بما اخذ من مال الكفّار بغير قتال و هو قول الشافعى و المرويّ في أخبار الإمامية. و قوله: و إلّا: أى و إن لا تكن قد شركتهم، و استعار لفظ الجناة لما اكتسبوه بأيديهم من ذلك المال ملاحظة لمشابهته باقتطاف الثمرة و اجتنائها و هو من أفصح الاستعارات، و يجرى مجرى المثل يضرب لمن يطلب مشاركة غيره في ثمرة فعل فعله ذلك الغير و تعب فيه، و لمّا كان قوله: و إلّا. دالّا على مقدّم شرطيّة متّصلة تقديره و إلّا تكن قد شركتهم في حربهم. و نبّه بقوله: فجناة أيديهم. إلى آخره على تاليها. إذ كان مفهوم هذا القول دالّا على عدم استحقاق غير الجانى نصيبا ممّا جنّته يد الجانى فكأنّه قال: و إلّا شركتهم في حربهم فلا يكون لك نصيب فيما كسبته أيديهم. و الفاء لجواب الشرط المقدّر. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 4 ، صفحهى 113