و من كلام له عليه السّلام لما مر بطلحة و عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد و هما قتيلان يوم الجمل
لَقَدْ أَصْبَحَ أَبُو مُحَمَّدٍ بِهَذَا الْمَكَانِ غَرِيباً- أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ قُرَيْشٌ قَتْلَى- تَحْتَ بُطُونِ الْكَوَاكِبِ- أَدْرَكْتُ وَتْرِي مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ- وَ أَفْلَتَنِي أَعْيَانُ بَنِي جُمَحَ- لَقَدْ أَتْلَعُوا أَعْنَاقَهُمْ إِلَى أَمْرٍ- لَمْ يَكُونُوا أَهْلَهُ فَوُقِصُوا دُونَهُ
أقول: هو عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبى العاص بن اميّة شهد واقعة الجمل و قتل بها، و روى أنّ عقابا احتمل كفّه فاصيب باليمامة في ذلك اليوم، و عرفت بخاتمه و كان يدعى يعسوب قريش.
اللغة
و أعيان: جمع عين: هم سادات القوم و أوتادهم.
و جمح: قبيلة،
و أتلعوا: مدّوا أعناقهم كالمتطلّعين إلى الأمر.
و وقصوا: كسرت أعناقهم.
المعنى
و أبو محمّد كنية طلحة.
و في الفصل إشارات:
فالاولى: أنّ قتله عليه السّلام لمن قتل من مخالفيه
و من قتل من عسكره لم يكن إلّا إقامة للدين و نظام العالم.
فإن قلت: إنّ قتل هؤلاء على كثرتهم فساد حاضر.قلت: إنّه و إن كان فساد إلّا أنّه جرى بالنسبة إلى صلاح جمع المسلمين في مصر جزئيّة بالنسبة إلى صلاح أكثر بلاد المسلمين، و فعل ما هو بصورة جزئيّة من الفساد لمصلحة كلّيّة واجب في الحكمة فهو كقطع عضو فاسد لإصلاح باقى البدن.
الثانية: قوله: تحت بطون الكواكب
كناية لطيفة عن الفلوات، و أراد أنّى كنت أكره أن يكونوا بهذه الحالة في الفلوات بحيث لا كنّ و لا ظلّ يواريهم.
الثالثة: لقائل أن يقول: لم قال عليه السّلام: أدركت و ترى من بنى عبد مناف
و الوتر الحقد و هو رذيلة فكيف يجوز منه عليه السّلام أن ينسبه إلى نفسه و يقول: قد أدركته. و الجواب أنّ الحقد تعود حقيقته إلى ثبات الغضب و بقائه ببقاء صورة الموذى في الخيال، و من حيث إنّ ثبات ذلك الغضب بتصوّر الموذى في الدين لا يكون رذيلة، فلا يكون أخذ الحقّ به و نصرته مكروهة.
الرابعة: أنّ طلحة و الزبير كانا من بنى عبد مناف من قبل الامّ دون الأب
فإنّ أبا الزبير من بنى عبد العزّى بن قصى بن كلاب، و أمّا طلحة من بنى جعد بن تميم بن مرّة، و كان في زمن أمير المؤمنين عليه السّلام من بنى جمح عبد اللّه بن صفوان بن اميّة بن خلف، و عبد الرحمن بن صفوان، و قيل: كان مروان بن الحكم منهم اخذ أسيرا يوم الجمل و استشفع بالحسين إلى أبيه عليهم السّلام، و روى عوض أعيان أغيار بنى جمح و هم السادات أيضا.
و الخامسة: إتلاع رقابهم
استعارة كنّى بها عن تطاولهم لأمر الخلافة مع كونهم ليسوا أهلا لها. و وقصهم كناية عن قتلهم دون ذلك الأمر و قصورهم عنه.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم برانی)، ج 4 ، صفحهى 52