خطبه 202 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

202 و من كلام له ع بالبصرة- و قد دخل على العلاء بن زياد الحارثي

– و هو من أصحابه يعوده- فلما رأى سعة داره قال- : مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسَعَةِ هَذِهِ الدَّارِ فِي الدُّنْيَا- أَمَا أَنْتَ إِلَيْهَا فِي الآْخِرَةِ كُنْتَ أَحْوَجَ- وَ بَلَى إِنْ شِئْتَ بَلَغْتَ بِهَا الآْخِرَةَ- تَقْرِي فِيهَا الضَّيْفَ وَ تَصِلُ فِيهَا الرَّحِمَ- وَ تُطْلِعُ مِنْهَا الْحُقُوقَ مَطَالِعَهَا- فَإِذاً أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا الآْخِرَةَ- فَقَالَ لَهُ الْعَلَاءُ- يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَشْكُو إِلَيْكَ أَخِي عَاصِمَ بْنَ زِيَادٍ- قَالَ وَ مَا لَهُ- قَالَ لَبِسَ الْعَبَاءَ وَ تَخَلَّى مِنَ الدُّنْيَا- قَالَ عَلَيَّ بِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ- يَا عُدَيَّ نَفْسِهِ لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكَ الْخَبِيثُ- أَ مَا رَحِمْتَ أَهْلَكَ وَ وَلَدَكَ- أَ تَرَى اللَّهَ أَحَلَّ لَكَ الطَّيِّبَاتِ وَ هُوَ يَكْرَهُ أَنْ تَأْخُذَهَا- أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ- قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ- هَذَا أَنْتَ فِي خُشُونَةِ مَلْبَسِكَ وَ جُشُوبَةِ مَأْكَلِكَ- قَالَ وَيْحَكَ إِنِّي لَسْتُ كَأَنْتَ- إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ الْحَقِّ- أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ- كَيْلَا يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ‏

كنت هاهنا زائدة مثل قوله تعالى- كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا- . و قوله و بلى إن شئت بلغت بها الآخرة لفظ فصيح- كأنه استدرك و قال- و بلى على أنك قد تحتاج إليها في الدنيا- لتجعلها وصلة إلى نبل الآخرة- بأن تقري فيها الضيف- و الضيف لفظ يقع على الواحد و الجمع- و قد يجمع فيقال ضيوف و أضياف- و الرحم القرابة- . و تطلع منها الحقوق مطالعها- توقعها في مظان استحقاقها- . و العباء جمع عباءة و هي الكساء و قد تلين- كما قالوا عظاءة و عظاية و صلاءة و صلاية- .

و تقول علي بفلان أي أحضره- و الأصل أعجل به علي- فحذف فعل الأمر و دل الباقي عليه- . و يا عدي نفسه تصغير عدو- و قد يمكن أن يراد به التحقير المحض هاهنا- . و يمكن أن يراد به الاستعظام لعداوته لها- و يمكن أن يخرج مخرج التحنن و الشفقة كقولك يا بني- . و استهام بك الخبيث يعني الشيطان- أي جعلك هائما ضالا و الباء زائدة- . فإن قيل ما معنى قوله ع- أنت أهون على الله من ذلك- . قلت لأن في المشاهد قد يحل الواحد منا- لصاحبه فعلا مخصوصا محاباة و مراقبة له-و هو يكره أن يفعله- و البشر أهون على الله تعالى من أن يحل لهم أمرا- مجاملة و استصلاحا للحال معهم- و هو يكره منهم فعله- . و قوله هذا أنت أي فما بالنا نراك خشن الملبس- و التقدير فها أنت تفعل كذا فكيف تنهى عنه- .

و طعام جشب أي غليظ و كذلك مجشوب- و قيل إنه الذي لا أدم معه- . قوله ع- أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس- أي يشبهوا و يمثلوا- . و تبيغ الدم بصاحبه و تبوغ به أي هاج به- وفي الحديث عليكم بالحجامة لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله- و قيل أصل يتبيغ يتبغى فقلب جذب و جبذ- أي يجب على الإمام العادل أن يشبه نفسه- في لباسه و طعامه بضعفة الناس جمع ضعيف- لكيلا يهلك الفقراء من الناس- فإنهم إذا رأوا إمامهم بتلك الهيئة و بذلك المطعم- كان أدعى لهم إلى سلوان لذات الدنيا- و الصبر عن شهوات النفوس

ذكر بعض مقامات العارفين و الزهاد

و روي أن قوما من المتصوفة- دخلوا خراسان على علي بن موسى الرضا- فقالوا له إن أمير المؤمنين فكر فيما ولاه الله من الأمور- فرآكم أهل البيت أولى الناس أن تؤموا الناس- و نظر فيك من أهل البيت فرآك أولى الناس بالناس- فرأى أن يرد هذا الأمر إليك- و الإمامة تحتاج إلى من يأكل الجشب- و يلبس الخشن و يركب الحمار و يعود المريض- فقال لهم إن يوسف كان نبيا- يلبس أقبية الديباج المزررة بالذهب- و يجلس على متكآت آل فرعون ويحكم- إنما يراد من الإمام قسطه و عدله- إذا قال صدق‏و إذا حكم عدل و إذا وعد أنجز- إن الله لم يحرم لبوسا و لا مطعما- ثم قرأ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ- الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ الآية- .

و هذا القول مخالف للقانون الذي أشار أمير المؤمنين إليه- و للفلاسفة في هذا الباب كلام لا بأس به- و قد أشار إليه أبو علي بن سينا في كتاب الإشارات- و عليه يتخرج قولا أمير المؤمنين- و علي بن موسى الرضا ع- قال أبو علي في مقامات العارفين العارفون قد يختلفون في الهمم- بحسب ما يختلف فيهم من الخواطر- على حسب ما يختلف عندهم من دواعي العبر- فربما استوى عند العارف القشف و الترف- بل ربما آثر القشف- و كذلك ربما سوى عنده التفل و العطر- بل ربما آثر التفل- و ذلك عند ما يكون الهاجس بباله- استحقار ما عدا الحق- و ربما صغا إلى الزينة و أحب من كل شي‏ء عقيلته- و كره الخداج و السقط- و ذلك عند ما يعتبر عادته من صحبته الأحوال الظاهرة- فهو يرتاد إليها في كل شي‏ء- لأنه مزية خطوة من العناية الأولى- و أقرب أن يكون من قبيل ما عكف عليه بهواه- و قد يختلف هذا في عارفين- و قد يختلف في عارف بحسب وقتين- .

و اعلم أن الذي رويته عن الشيوخ- و رأيته بخط عبد الله بن أحمد بن الخشاب- رحمه الله- أن الربيع بن زياد الحارثي- أصابته نشابة في جبينه- فكانت تنتقض عليه في كل عام- فأتاه علي ع عائدا- فقال كيف تجدك أبا عبد الرحمن- قال أجدني يا أمير المؤمنين لو كان لا يذهب ما بي- إلا بذهاب بصري لتمنيت ذهابه- قال و ما قيمة بصرك عندك- قال لو كانت لي الدنيا لفديته بها- قال لا جرم ليعطينك الله على قدر ذلك- إن الله تعالى يعطي على قدر الألم و المصيبة- و عنده تضعيف كثير- قال الربيع‏يا أمير المؤمنين- أ لا أشكو إليك عاصم بن زياد أخي- قال ما له قال لبس العباء و ترك الملاء- و غم أهله و حزن ولده فقال علي ادعوا لي عاصما- فلما أتاه عبس في وجهه-

و قال ويحك يا عاصم أ ترى الله أباح لك اللذات- و هو يكره ما أخذت منها- لأنت أهون على الله من ذلك- أ و ما سمعته يقول مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ- ثم يقول يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ- و قال وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا- وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها- أما و الله إن ابتذال نعم الله بالفعال- أحب إليه من ابتذالها بالمقال- و قد سمعتم الله يقول وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ- و قوله مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ- وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ- إن الله خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين- فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا- كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ- و قال يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ- وَ اعْمَلُوا صالِحاً وقال رسول الله ص لبعض نسائه ما لي أراك شعثاء مرهاء سلتاء- .

قال عاصم فلم اقتصرت يا أمير المؤمنين على لبس الخشن- و أكل الجشب- قال إن الله تعالى افترض على أئمة العدل- أن يقدروا لأنفسهم بالقوام- كيلا يتبيغ بالفقير فقره- فما قام علي ع حتى نزع عاصم العباء و لبس ملاءة- . و الربيع بن زياد هو الذي افتتح بعض خراسان- و فيه قال عمر دلوني على رجل- إذا كان‏ في القوم أميرا فكأنه ليس بأمير- و إذا كان في القوم ليس بأمير فكأنه الأمير بعينه- و كان خيرا متواضعا- و هو صاحب الوقعة مع عمر- لما أحضر العمال فتوحش له الربيع- و تقشف و أكل معه الجشب من الطعام- فأقره على عمله و صرف الباقين- و قد ذكرنا هذه الحكاية فيما تقدم- .

و كتب زياد بن أبيه إلى الربيع بن زياد- و هو على قطعة من خراسان- أن أمير المؤمنين معاوية كتب إلي- يأمرك أن تحرز الصفراء و البيضاء و تقسم الخرثي- و ما أشبهه على أهل الحرب- فقال له الربيع- إني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين- ثم نادى في الناس أن اغدوا علي غنائمكم- فأخذ الخمس و قسم الباقي على المسلمين- ثم دعا الله أن يميته فما جمع حتى مات- . و هو الربيع بن زياد بن أنس بن ديان بن قطر بن زياد- بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن مالك- بن كعب بن الحارث بن عمرو بن وعلة- بن خالد بن مالك بن أدد- . و أما العلاء بن زياد الذي ذكره الرضي رحمه الله فلا أعرفه- لعل غيري يعرفه

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 11

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.