خطبه 200 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

200 و من كلام له ع في بعض أيام صفين- و قد رأى الحسن ابنه ع يتسرع إلى الحرب

امْلِكُوا عَنِّي هَذَا الْغُلَامَ لَا يَهُدَّنِي- فَإِنَّنِي أَنْفَسُ بِهَذَيْنِ يَعْنِي الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ ع- عَلَى الْمَوْتِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ بِهِمَا نَسْلُ رَسُولِ اللَّهِ ص- قال الرضي أبو الحسن رحمه الله- قوله ع املكوا عني هذا الغلام- من أعلى الكلام و أفصحه الألف في املكوا ألف وصل- لأن الماضي ثلاثي من ملكت الفرس و العبد و الدار- أملك بالكسر أي احجروا عليه كما يحجر المالك على مملوكه- . و عن متعلقة بمحذوف تقديره استولوا عليه و أبعدوه عني- و لما كان الملك سبب الحجر على المملوك- عبر بالسبب عن المسبب كما عبر بالنكاح عن العقد- و هو في الحقيقة اسم الوطء- لما كان العقد طريقا إلى الوطء و سببا له- .

و وجه علو هذا الكلام و فصاحته- أنه لما كان في املكوا معنى البعد أعقبه‏بعن- و ذلك أنهم لا يملكونه دون أمير المؤمنين ع- إلا و قد أبعدوه عنه- أ لا ترى أنك إذا حجرت على زيد دون عمرو- فقد باعدت زيدا عن عمرو- فلذلك قال املكوا عني هذا الغلام- و استفصح الشارحون قول أبي الطيب-

إذا كان شم الروح أدنى إليكم
فلا برحتني روضة و قبول‏

قالوا و لما كان في فلا برحتني معنى فارقتني- عدي اللفظة و إن كانت لازمة- نظرا إلى المعنى- . قوله لا يهدني أي لئلا يهدني- فحذف كما حذف طرفه في قوله-

ألا أي هذا الزاجري أحضر الوغى‏

أي لأن أحضر- . و أنفس أبخل نفست عليه بكذا بالكسر- . فإن قلت أ يجوز أن يقال للحسن و الحسين و ولدهما- أبناء رسول الله و ولد رسول الله- و ذرية رسول الله و نسل رسول الله- . قلت نعم لأن الله تعالى سماهم أبناءه في قوله تعالى- نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ- و إنما عنى الحسن و الحسين- و لو أوصى لولد فلان بمال دخل فيه أولاد البنات- و سمى الله تعالى عيسى ذرية إبراهيم في قوله- وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ- إلى أن قال وَ يَحْيى‏ وَ عِيسى‏- و لم يختلف أهل اللغة في أن ولد البنات من نسل الرجل- .

فإن قلت فما تصنع بقوله تعالى- ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ- قلت أسألك عن أبوته لإبراهيم بن مارية- فكما تجيب به عن ذلك فهو جوابي عن الحسن و الحسين ع- . و الجواب الشامل للجميع أنه عنى زيد بن حارثة- لأن العرب كانت تقول زيد بن محمد- على عادتهم في تبني العبيد- فأبطل الله تعالى ذلك و نهى عن سنة الجاهلية- و قال إن محمدا ع ليس أبا لواحد من الرجال- البالغين المعروفين بينكم ليعتزي إليه بالنبوة- و ذلك لا ينفي كونه أبا لأطفال- لم تطلق عليهم لفظة الرجال- كإبراهيم و حسن و حسين ع- . فإن قلت أ تقول إن ابن البنت ابن- على الحقيقة الأصلية أم على سبيل المجاز- .

قلت لذاهب أن يذهب إلى أنه حقيقة أصلية- لأن أصل الإطلاق الحقيقة- و قد يكون اللفظ مشتركا بين مفهومين- و هو في أحدهما أشهر- و لا يلزم من كونه أشهر في أحدهما- ألا يكون حقيقة في الآخر- . و لذاهب أن يذهب إلى أنه حقيقة عرفية- و هي التي كثر استعمالها و هي في الأكثر مجاز- حتى صارت حقيقة في العرف- كالراوية للمزادة و السماء للمطر- . و لذاهب أن يذهب إلى كونه مجازا قد استعمله الشارع- فجاز إطلاقه في كل حال- و استعماله كسائر المجازات المستعملة- . و مما يدل على اختصاص ولد فاطمة- دون بني هاشم كافة بالنبي ع أنه ما كان يحل له ع- أن ينكح بنات الحسن و الحسين ع- و لا بنات ذريتهما- و إن بعدن و طال الزمان- و يحل له نكاح بنات غيرهم من بني هاشم- من الطالبيين و غيرهم- و هذا يدل على مزيد الأقربية و هي كونهم أولاده- لأنه ليس هناك من القربى غيرهذا الوجه- لأنهم ليسوا أولاد أخيه و لا أولاد أخته- و لا هناك وجه يقتضي حرمتهم عليه- إلا كونه والدا لهم و كونهم أولادا له- فإن قلت قد قال الشاعر-

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا
بنوهن أبناء الرجال الأباعد

و قال حكيم العرب أكثم بن صيفي في البنات يذمهن- إنهن يلدن الأعداء و يورثن البعداء- . قلت إنما قال الشاعر ما قاله على المفهوم الأشهر- و ليس في قول أكثم ما يدل على نفي بنوتهم- و إنما ذكر أنهن يلدن الأعداء- و قد يكون ولد الرجل لصلبه عدوا قال الله تعالى- إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ- و لا ينفي كونه عدوا كونه ابنا- . قيل لمحمد بن الحنفية ع- لم يغرر بك أبوك في الحرب- و لم لا يغرر بالحسن و الحسين- فقال لأنهما عيناه و أنا يمينه- فهو يذب عن عينيه بيمينه

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 11

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.