و من كلام له عليه السّلام
و قد أرسل رجلا من أصحابه يعلم له علم أحوال قوم من جند الكوفة قد هموا باللحاق بالخوارج، و كانوا على خوف منه عليه السلام، فلما عاد إليه الرجل قال له: أمنوا فقطنوا أم جبنوا فظعنوا فقال الرجل: بل ظعنوا يا أمير المؤمنين.
فقال: بُعْداً لَهُمْ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ- أَمَا لَوْ أُشْرِعَتِ الْأَسِنَّةُ إِلَيْهِمْ- وَ صُبَّتِ السُّيُوفُ عَلَى هَامَاتِهِمْ- لَقَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ- إِنَّ الشَّيْطَانَ الْيَوْمَ قَدِ اسْتَفَلَّهُمْ- وَ هُوَ غَداً مُتَبَرِّئٌ مِنْهُمْ وَ مُتَخَلٍّ عَنْهُمْ- فَحَسْبُهُمْ بِخُرُوجِهِمْ مِنَ الْهُدَى وَ ارْتِكَاسِهِمْ فِي الضَّلَالِ وَ الْعَمَى- وَ صَدِّهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَ جِمَاحِهِمْ فِي التِّيهِ
اللغة
أقول: قطنوا: أقاموا.
و بعدت بالكسر: هلكت.
و أشرعت الرمح: سدّدته و صوّبته نحو من تريد ضربه.
و استفلّهم: أى طلب منهم التفرّق و الهزيمة و زيّنها لهم.
و الفلّ: التفريق و الانهزام.
و الارتكاس: الرجوع في الشيء مقلوبا.
و الفصل مشتمل على السؤال عن ظعنهم و إقامتهم و علّتهما و هما الأمن و الجبن
ثمّ على الدعاء عليهم بالهلاك. و انتصب بعدا على المصدر. ثمّ على ما لو فعل لكان سببا لندمهم على ما فعلوا و هو الهجوم عليهم بالقتل و الاذلال على ما كان منهم من اللحوق بأولياء الشيطان. ثمّ على علّة لحوقهم بهم و هى استفلال الشيطان لهم و تفريقه لجماعتهم، و روى استفزّهم: أى استخفّهم، و روى استقبلهم: أى تقبّلهم و رضى عنهم. و هى أقوى القرينة. قوله: و هو غدا متبرّىء منهم و متخلّ عنهم. أى تارك لهم فإنّ التبرىء في مقابلة الاستقبال و ذلك كقوله تعالى «وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ» إلى قوله «وَ إِذْ زَيَّنَ»«». و قوله: فحسبهم بخروجهم من الهدى. أى يكفيهم ذلك عذاباً و شرّا، و الباء في بخروجهم زائدة كهي في قوله تعالى «وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً»، و ارتكاسهم في الضلال و العمى رجوعهم إلى الضلال القديم و عمى الجهل الّذي كانوا عليه بعد خروجهم منه بهدايته، و صدّهم عن الحقّ بالخروج عن طاعته و جماحهم في تيه الجهل و الهوى بعد الاستقرار في مدينة العلم و العقل، و لفظ الجماح مستعار لخروجهم عن فضيلة العدل إلى رذيلة الإفراط منها كما سبق و الغلوّ في طلب الحقّ إلى حدّ الجور عن الصراط المستقيم. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثمبحراني)، ج 3 ، صفحهى 381