خطبه 168شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبة له عليه السّلام عند مسير أصحاب الجمل إلى البصرة

إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولًا هَادِياً بِكِتَابٍ نَاطِقٍ وَ أَمْرٍ قَائِمٍ- لَا يَهْلِكُ عَنْهُ إِلَّا هَالِكٌ- وَ إِنَّ الْمُبْتَدَعَاتِ الْمُشَبَّهَاتِ هُنَّ الْمُهْلِكَاتُ- إِلَّا مَا حَفِظَ اللَّهُ مِنْهَا- وَ إِنَّ فِي سُلْطَانِ اللَّهِ عِصْمَةً لِأَمْرِكُمْ- فَأَعْطُوهُ طَاعَتَكُمْ غَيْرَ مُلَوَّمَةٍ وَ لَا مُسْتَكْرَهٍ بِهَا- وَ اللَّهِ لَتَفْعَلُنَّ أَوْ لَيَنْقُلَنَّ اللَّهُ عَنْكُمْ سُلْطَانَ الْإِسْلَامِ- ثُمَّ لَا يَنْقُلُهُ إِلَيْكُمْ أَبَداً- حَتَّى يَأْرِزَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِكُمْ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ تَمَالَئُوا عَلَى سَخْطَةِ إِمَارَتِي- وَ سَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ- فَإِنَّهُمْ إِنْ تَمَّمُوا عَلَى فَيَالَةِ هَذَا الرَّأْيِ- انْقَطَعَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ- وَ إِنَّمَا طَلَبُوا هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَداً لِمَنْ أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ- فَأَرَادُوا رَدَّ الْأُمُورِ عَلَى أَدْبَارِهَا- وَ لَكُمْ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى- وَ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص- وَ الْقِيَامُ بِحَقِّهِ وَ النَّعْشُ لِسُنَّتِهِ

اللغة

أقول: يأرز: ينحاز و ينقبض.

و تمالئوا: اجتمعوا.

و الفيالة: الضعف.

و النعش: الرفع.

 

المعنى

و قوله: إنّ اللّه بعث. إلى قوله: هالك. تصدير للفصل بالامور الجامعة للمسلمين الّتي هي اصول دولتهم و تذكير لهم بها ليرجعوا إليها. و أمر قائم: مستقيم. و قوله: لا يهلك عنه إلّا هالك. أى لا يهلك من مخالفته إلّا أعظم هالك كما تقول لا يعلم هذا الفنّ من العلم إلّا عالم: أى من بلغ الغاية من العلم. و قوله: و إنّ المبتدعات المشبهات هنّ المهلكات إلّا ما حفظ اللّه. لمخالفتها الكتاب و السنّة الجامعين لحدود اللّه و خروجها عنهما، و أراد الهلاك الاخروىّ. و قوله: إلّا من حفظ اللّه. استثناء من المهلكات: أى إلّا ما حفظ اللّه منها بالعصمة عن ارتكابها.

إذ لا تكون مهلكة إلّا لمن ارتكبها، و المشبهات ما أشبه السنن و ليس منها، و روى المشبّهات بتشديد الباء و فتحها، و هو ما شبّه على الناس و ليس. و روى المشتبهات: أى الملتبسات، و سلطان اللّه هو سلطان الإسلام، و أراد سلطان دين اللّه فحذف المضاف، و يحتمل أن يريد بسلطان اللّه نفسه لكونه خليفة له في أرضه، و إنّما أضافها إليه اعتزارا به، و ظاهر أنّ فيه منعة و عصمة لهم فإنّ الّذي نصرهم و هم قليلون حيّ قيّوم فبالأولى أن ينصرهم على كثرتهم بشرط طاعته الخالصة و الدخول في أمر سلطانه. و لذلك قال: فأعطوه طاعتكم غير ملوّمة: أى غير ملوم صاحبها بالنسبة إلى النفاق و الرياء و لا مستكره بها: و يروى غير ملويّة: أى معوجّة. ثمّ أخذ في وعيدهم إن لم يطيعوا بنقل اللّه عنهم سلطان الإسلام من غير أن يردّه إليهم أبدا حتّى يصير الأمر إلى غيرهم، و أراد أمر الخلافة. ثمّ إن جعلنا حتّى و ما بعدها غاية لنقل السلطان عنهم لم يفهم منها عوده إليهم، و إن جعلناها غاية من عدم نقله إليهم فهم منها ذلك.

فإن قلت: لم قال لا يرجع إليهم أبدا و قد عاد بالدولة العباسيّة.
قلت: اجيب من وجوه: الأوّل: أنّ القوم الّذين خاطبهم من أصحابه بهذا الخطاب لم ترجع الدولة إليهم أبدا فإنّ اولئك بعد انقضاء دولة بني اميّة لم يبق منهم أحد. ثمّ لم يرجع إلى أحد من أولادهم أصلا. الثاني: أنّه قيّد بالغاية فقال: لا يصير إليكم حتّى يصير في قوم آخرين، و ظاهر أنّه كذلك بانتقاله إلى بني اميّة. الثالث: قال بعض الشارحين: إنّما عاد لأنّ الشرط لم يقع و هو عدم الطاعة فإنّ أكثرهم أطاعه طاعة غير ملوّمة و لا مستكره بها. الرابع: قال قوم: أراد بقوله: أبدا المبالغة كما تقول لغريمك: لا حبسنّك أبدا، و المراد بالقوم الّذين يأرز إليهم هذا الأمر بنو اميّة كما هو الواقع. و قوله: إنّ هؤلاء قد تمالئوا. إشارة إلى طلحة و الزبير و عايشة و أتباعهم، و أومى إلى أنّ مسيرهم لسخطهم من أمارته لا ما أظهروه من الطلب بدم عثمان. ثمّ وعد بالصبر عليهم ما دام لا يخاف على حوزة الجماعة، و أخبرهم أنّهم إن بقوا على ضعف رأيهم في مسيرهم و مخالفتهم قطعوا نظام المسلمين و فرّقوا جماعتهم.

و قوله: إنّما طلبوا. إلى قوله: عليه. بيان لعلّة سخطهم لأمارته و هي الحسد على الدنيا لمن أفاء اللّه عليه، و الإشارة إلى بيت الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و قوله: فأرادوا ردّ الامور على أدبارها.

أى أرادوا إخراج هذا الأمر عن أهل بيت الرسول آخرا كما أخرجوه أوّلا، أو صرف هذا الأمر عنهم بعد إقباله إلى ما كان عليه من إدباره عنهم. ثمّ أخبر بما عليه من الحقّ إن أطاعوه الطاعة غير المدخولة، و هي أن يعمل فيهم بكتاب اللّه و يسير سيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و القيام بحقوقه الّتي أوجبها و إقامة سننه، و ذلك هو الواجب على الإمام. و باللّه التوفيق.

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 3 ، صفحه‏ى 324

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.