170 و من خطبة له ع عند مسير أصحاب الجمل إلى البصرة
إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولًا هَادِياً بِكِتَابٍ نَاطِقٍ وَ أَمْرٍ قَائِمٍ- لَا يَهْلِكُ عَنْهُ إِلَّا هَالِكٌ- وَ إِنَّ الْمُبْتَدَعَاتِ الْمُشَبَّهَاتِ هُنَّ الْمُهْلِكَاتُ- إِلَّا مَا حَفِظَ اللَّهُ مِنْهَا- وَ إِنَّ فِي سُلْطَانِ اللَّهِ عِصْمَةً لِأَمْرِكُمْ- فَأَعْطُوهُ طَاعَتَكُمْ غَيْرَ مُلَوَّمَةٍ وَ لَا مُسْتَكْرَهٍ بِهَا- وَ اللَّهِ لَتَفْعَلُنَّ أَوْ لَيَنْقُلَنَّ اللَّهُ عَنْكُمْ سُلْطَانَ الْإِسْلَامِ- ثُمَّ لَا يَنْقُلُهُ إِلَيْكُمْ أَبَداً- حَتَّى يَأْرِزَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِكُمْ- إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ تَمَالَئُوا عَلَى سَخْطَةِ إِمَارَتِي- وَ سَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ- فَإِنَّهُمْ إِنْ تَمَّمُوا عَلَى فَيَالَةِ هَذَا الرَّأْيِ- انْقَطَعَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ- وَ إِنَّمَا طَلَبُوا هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَداً لِمَنْ أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ- فَأَرَادُوا رَدَّ الْأُمُورِ عَلَى أَدْبَارِهَا- وَ لَكُمْ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى- وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ ص- وَ الْقِيَامُ بِحَقِّهِ وَ النَّعْشُ لِسُنَّتِهِ و أمر قائم أي مستقيم ليس بذي عوج- لا يهلك عنه إلا هالك- تقديره لا يهلك عادلا عنه إلا هالك- و هذا كما تقول لا يعلم هذا الفن إلا عالم- أي من قد بلغ الغاية في العلم- و استحق أن يوصف بذلك و يشار إليه فيه- كذلك لا يهلك بعدوله عنه إلا من هو أعظم الهالكين- و من يشار إليه بالهلاك و قد بلغ الغاية في الهلاك- .
ثم قال إن المبتدعات المشبهات هن المهلكات- المبتدعات ما أحدث و لم يكن على عهد الرسول- و المشبهات التي تشبه السنن و ليست منها أي المشبهات بالسنن- و روي المشبهات بالكسر أي المشبهات على الناس- يقال قد شبه عليه الأمر أي ألبس عليه- و يروى المشتبهات أي الملتبسات- لا يعرف حقها من باطلها- . قال إلا من حفظ الله- أي من عصمه الله بألطاف يمتنع لأجلها عن الخطأ- ثم أمرهم بلزوم الطاعة و اتباع السلطان- و قال إن فيه عصمة لأمركم- فأعطوه طاعتكم غير ملومة- أي مخلصين ذوي طاعة محضة لا يلام باذلها- أي لا ينسب إلى النفاق- و لا مستكره بها أي ليست عن استكراه- بل يبذلونها اختيارا و محبة- و يروى غير ملوية أي معوجة من لويت العود- .
ثم أقسم أنهم إن لم يفعلوا- و إلا نقل الله عنهم سلطان الإسلام يعني الخلافة- ثم لا يعيده إليهم أبدا- حتى يأرز الأمر إلى غيرهم- أي حتى ينقبض و ينضم و يجتمع- وفي الحديث إن الإسلام ليأرز إلى المدينة- كما تأرز الحية إلى جحرها- . فإن قلت كيف قال إنه لا يعيده إليهم أبدا- و قد عاد إليهم بالخلافة العباسية- . قلت لأن الشرط لم يقع و هو عدم الطاعة- فإن أكثرهم أطاعوه طاعة غير ملومة و لا مستكره بها- و إذا لم يتحقق الشرط لم يتحقق المشروط- .
و قد أجاب قوم عن هذا- فقالوا خاطب الشيعة الطالبية- فقال إن لم تعطوني الطاعة المحضة- نقل الله الخلافة عن هذا البيت- حتى يأرز و ينضم إلى بيت آخر- و هكذا وقع فإنها انضمت إلى بيت آخر من بني هاشم- . و أجاب قوم آخرون فقالوا أراد بقوله أبدا المبالغة- كما تقول احبس هذا الغريم أبدا- و المراد بالقوم الذين يأرز الأمر إليهم بنو أمية- كأنه قال إن لم تفعلوا نقل الله الخلافة عنكم- حتى يجعلها في قوم آخرين- و هم أعداؤكم من أهل الشام و بني أمية- و لا يعيده إليكم إلى مدة طويلة و هكذا وقع- . و قد تمالئوا قد اجتمعوا- و تساعدوا على سخطة إمارتي- على كراهيتها و بغضها- . ثم وعد بالصبر عليهم ما لم يخف من فرقة الجماعة- و انتشار حبل الإسلام- . و فيالة الرأي ضعفه و كذلك فيولته- و رجل فيل الرأي أي ضعيفه- قال
بني رب الجواد فلا تفيلوا
فما أنتم فنعذركم لفيل
أي لستم على رجل ضعيف الرأي و الجمع أفيال- و يقال أيضا رجل فال قال-
رأيتك يا أخيطل إذ جرينا
و جربت الفراسة كنت فالا
قال إن تموا على هذا الرأي الضعيف- قطعوا نظام المسلمين و فرقوا جماعتهم- . ثم ذكر أن الحسد دعاهم إلى ذلك- و أفاءها عليه ردها عليه فاء يفيء رجع- و فلان سريع الفيء من غضبه أي سريع الرجوع- و إنه لحسن الفيئة بالكسر- مثال الفيعة أي حسن الرجوع- و هذا الكلام لا يشعر بأنه ع كان يعتقد أن الأمر له- و أنه غلب عليه ثم رجع إليه- و لكنه محمول على أنه من رسول الله ص بمنزلة الجزء من الكل- و أنهما من جوهر واحد- فلما كان الوالي قديما و هو رسول الله ص-ثم تخلل بين ولايته ص- و ولاية أمير المؤمنين ع ولايات غريبة- سمى ولايته فيئا و رجوعا- لأنها رجعت إلى الدوحة الهاشمية- و بهذا يجب أن يتأول قوله- فأرادوا رد الأمور على أدبارها- أي أرادوا انتزاع الخلافة من بني هاشم- كما انتزعت أولا- و إقرارها في بيوت بعيدة عن هذا البيت- أسوة بما وقع من قبل- . و النعش مصدر نعش أي رفع و لا يجوز أنعش
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 9