159 و من خطبة له ع
أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ- وَ طُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ وَ انْتِقَاضٍ مِنَ الْمُبْرَمِ- فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ- وَ النُّورِ الْمُقْتَدَى بِهِ ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ- وَ لَنْ يَنْطِقَ وَ لَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ- أَلَا إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي- وَ الْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي- وَ دَوَاءَ دَائِكُمْ وَ نَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ الهجعة النومة الخفيفة- و قد تستعمل في النوم المستغرق أيضا- و المبرم الحبل المفتول- و الذي بين يديه التوراة و الإنجيل- .
فإن قلت التوراة و الإنجيل قبله- فكيف جعلهما بين يديه- قلت أحد جزأي الصلة محذوف و هو المبتدأ- و التقدير بتصديق الذي هو بين يديه- و هو ضمير القرآن أي بتصديق الذي القرآن بين يديه- و حذف أحد جزأي الصلة هاهنا- ثم حذفه في قوله تعالى- تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَ تَفْصِيلًا- في قراءة من جعله اسما مرفوعا- و أيضا فإن العرب تستعمل بين يديه بمعنى قبل-
قال تعالى بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ أي قبله: مِنْهَا- فَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَبْقَى بَيْتُ مَدَرٍ وَ لَا وَبَرٍ- إِلَّا وَ أَدْخَلَهُ الظُّلْمَةُ تَرْحَةً وَ أَوْلَجُوا فِيهِ نِقْمَةً- فَيَوْمَئِذٍ لَا يَبْقَى لَهُمْ فِي السَّمَاءِ عَاذِرٌ- وَ لَا فِي الْأَرْضِ نَاصِرٌ- أَصْفَيْتُمْ بِالْأَمْرِ غَيْرَ أَهْلِهِ وَ أَوْرَدْتُمُوهُ غَيْرَ مَوْرِدِهِ- وَ سَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِمَّنْ ظَلَمَ- مَأْكَلًا بِمَأْكَلٍ وَ مَشْرَباً بِمَشْرَبٍ- مِنْ مَطَاعِمِ الْعَلْقَمِ وَ مَشَارِبِ الصَّبِرِ وَ الْمَقِرِ- وَ لِبَاسِ شِعَارِ الْخَوْفِ وَ دِثَارِ السَّيْفِ- وَ إِنَّمَا هُمْ مَطَايَا الْخَطِيئَاتِ وَ زَوَامِلُ الآْثَامِ- فَأُقْسِمُ ثُمَّ أُقْسِمُ- لَتَنْخَمَنَّهَا أُمَيَّةُ مِنْ بَعْدِي كَمَا تُلْفَظُ النُّخَامَةُ- ثُمَّ لَا تَذُوقُهَا وَ لَا تَتَطَعَّمُ بِطَعْمِهَا أَبَداً- مَا كَرَّ الْجَدِيدَانِ الترحة الحزن- قال فحينئذ لا يبقى لهم أي يحيق بهم العذاب- و يبعث الله عليهم من ينتقم- و هذا إخبار عن ملك بني أمية بعده- و زوال أمرهم عند تفاقم فسادهم في الأرض- .
ثم خاطب أولياء هؤلاء الظلمة- و من كان يؤثر ملكهم فقال- أصفيتم بالأمرغير أهله- أصفيت فلانا بكذا خصصته به- و صفية المغنم شيء كان يصطفيه الرئيس لنفسه من الغنيمة- . و أوردتموه غير ورده أنزلتموه عند غير مستحقه- ثم قال سيبدل الله مأكلهم اللذيذة الشهية- بمأكل مريرة علقمية- و المقر المر- و مأكلا منصوب بفعل مقدر أي يأكلون مأكلا- و الباء هاهنا للمجازاة الدالة على الصلة- كقوله تعالى فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ و كقول أبي تمام-
فبما قد أراه ريان مكسو
المعاني من كل حسن و طيب
و قال سبحانه- قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ- فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ- و جعل شعارهم الخوف- لأنه باطن في القلوب- و دثارهم السيف لأنه ظاهر في البدن- كما أن الشعار ما كان إلى الجسد و الدثار ما كان فوقه- . و مطايا الخطيات حوامل الذنوب- و زوامل الآثام جمع زاملة- و هي بعير يستظهر به الإنسان يحمل متاعه عليه- قال الشاعر-
زوامل أشعار و لا علم عندهم
بجيدها إلا كعلم الأباعر
و تنخمت النخامة إذا تنخعتها و النخامة النخاعة- . و الجديدان الليل و النهار- و قد جاء في الأخبار الشائعة المستفيضة- في كتب المحدثين- أن رسول الله ص أخبر أن بني أمية تملك الخلافة بعده- مع ذم منه علهم- نحو ما روي عنه في تفسير قوله تعالى- وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ- وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ- فإن المفسرين قالوا- إنه رأى بني أمية ينزون على منبره نزو القردة- هذا لفظ رسول الله ص الذي فسر لهم الآية به- فساءه ذلك ثم قال- الشجرة الملعونة بنو أمية و بنو المغيرة- و نحوقوله ص إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا- اتخذوا مال الله دولا و عباده خولا- و نحوقوله ص في تفسير قوله تعالى- لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ- قال ألف شهر يملك فيها بنو أمية- و ورد عنه ص من ذمهم الكثير المشهور
نحوقوله أبغض الأسماء إلى الله الحكم و هشام و الوليدوفي خبر آخر اسمان يبغضهما الله- مروان و المغيرةو نحوقوله إن ربكم يحب و يبغض كما يحب أحدكم و يبغض- و إنه يبغض بني أمية و يحب بني عبد المطلب- فإن قلت كيف قال ثم لا تذوقها أبدا- و قد ملكوا بعد قيام الدولة الهاشمية بالمغرب مدة طويلة- قلت الاعتبار بملك العراق و الحجاز- و ما عداهما من الأقاليم لا اعتداد به
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 9