و من كلام له عليه السّلام و قد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج إلى غزو الروم بنفسه
وَ قَدْ تَوَكَّلَ اللَّهُ- لِأَهْلِ هَذَا الدِّينِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَةِ- وَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَ الَّذِي نَصَرَهُمْ- وَ هُمْ قَلِيلٌ لَا يَنْتَصِرُونَ- وَ مَنَعَهُمْ وَ هُمْ قَلِيلٌ لَا يَمْتَنِعُونَ- حَيٌّ لَا يَمُوتُ- إِنَّكَ مَتَى تَسِرْ إِلَى هَذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ- فَتَلْقَهُمْ فَتُنْكَبْ- لَا تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةٌ دُونَ أَقْصَى بِلَادِهِمْ- لَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ- فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ رَجُلًا مِحْرَباً- وَ احْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَلَاءِ وَ النَّصِيحَةِ- فَإِنْ أَظْهَرَ اللَّهُ فَذَاكَ مَا تُحِبُّ- وَ إِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى- كُنْتَ رِدْءاً لِلنَّاسِ وَ مَثَابَةً لِلْمُسْلِمِينَ
أقول: ذلك حين خرج قيصر الروم في جماهير أهلها إلى المسلمين، و انزوى خالد بن الوليد فلازم بيته و صعب الأمر على أبى عبيدة بن الجرّاح. و شرحبيل بن حسنة و غيرهما من امراء سرايا الإسلام.
اللغة
و حوزة كلّ شيء: بيضته و جمعيّته. و كنفه: حفظه و آواه. و المحرب بكسر الميم: الرجل صاحب حروب. و حفز كذا: أى دفعه. و حفزه ضمّه إلى غيره. و أظهر اللّه على فلان: نصر عليه. و الرده: العون. و المثابة: المرجع.
المعنى
و قوله: و قد توكّل اللّه. إلى قوله: لا يموت. صدر لهذه النصيحة و الرأى، نبّه فيه على وجوه التوكّل على اللّه و الاستناد إليه في هذا الأمر، و خلاصتها أنّه ضمن إقامة هذا الدين و إعزاز حوزة أهله، و كنّى بالعورة عن هتك الستر في النساء، و يحتمل أن يكون استعارة لما يظهر عليهم من الذلّ و القهر لو اصيبوا فضمن سبحانه ستر ذلك بإفاضة النصر عليهم، و هذا الحكم من قوله تعالى «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً»«».
و قوله: و الّذى نصرهم. إلى آخر الصدر. احتجاج في هذه الخطابة يشبه أن يكون تمثيلا، و تلخيصه أنّ الّذي نصرهم حال قلّتهم حىّ لا يموت فهو ينصرهم حال كثرتهم. فأصل التمثيل هو حال قلّتهم و فرعه حال كثرتهم، و حكمه النصر و علّة ذلك الحكم هو حياته الباقية الّتي لا يعاقبها موت.
و قوله: إنّك متى تسر. إلى آخره. نفس الرأى و خلاصة المشورة بعدم خروجه بنفسه، و وجه هذا الرأى تجويز النكبة و انقهاره عند ملاقات العدوّ مع أنّه يومئذ ظهر المسلمين الّذين يلجؤن إليه. فلو انكسر لم تبق لهم كانفة قوام يحوطهم، و لا جمع يستندون إليه. ثمّ بإخراج من يقوم مقامه من أهل النجدة ممّن عرف بكثرة الوقايع و الحروب فيكون على بصيرة في أمر الحرب، و أن يضمّ إليه أهل البلاء: أى المختبرون في النصيحة و المجرّبون في الوقائع. ثمّ استنتج من هذا الرأى أنّه إن نصر اللّه المسلمين فذاك الّذي تحبّ، و إن تكن الاخرى: أى الانكسار و عدم الانتصار كان للمسلمين ظهر يستندون إليه و مأمن يأوون إليه.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 3 ، صفحهى 162