123 و من كلام له ع
وَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ- تَكِشُّونَ كَشِيشَ الضِّبَابِ- لَا تَأْخُذُونَ حَقّاً وَ لَا تَمْنَعُونَ ضَيْماً- قَدْ خُلِّيتُمْ وَ الطَّرِيقَ- فَالنَّجَاةُ لِلْمُقْتَحِمِ وَ الْهَلَكَةُ لِلْمُتَلَوِّمِ الكشيش الصوت يشوبه خور مثل الخشخشة- و كشيش الأفعى صوتها من جلدها لا من فمها- و قد كشت تكش قال الراجز-
كشيش أفعى أجمعت لعض
و هي تحك بعضها ببعض
يقرع ع أصحابه بالجبن و الفشل- و يقول لهم لكأني أنظر إليكم- و أصواتكم غمغمة بينكم من الهلع الذي قد اعتراكم- فهي أشبه شيء بأصوات الضباب المجتمعة- . ثم أكد وصف جبنهم حقا و خوفهم- فقال لا تأخذون حقا و لا تمنعون ضيما و هذه غاية ما يكون من الذل- . ثم ترك هذا الكلام و ابتدأ فقال- قد خليتم و طريق النجاة عند الحرب- و دللتم عليهاو هي أن تقتحموا و تلحجوا و لا تهنوا- فإنكم متى فعلتم ذلك نجوتم- و متى تلومتم و تثبطتم و أحجمتم هلكتم- و من هذا المعنى قول الشاعر-
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما- . و قال قطري بن الفجاءة-
لا يركنن أحد إلى الإحجام
يوم الوغى متخوفا لحمام
فلقد أراني للرماح دريئة
من عن يميني تارة و أمامي
حتى خضبت بما تحدر من دمي
أكناف سرجي أو عنان لجامي
ثم انصرفت و قد أصبت و لم أصب
جذع البصيرة قارح الإقدام
و كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد- و اعلم أن عليك عيونا من الله ترعاك و تراك- فإذا لقيت العدو- فاحرص على الموت توهب لك الحياة- و لا تغسل الشهداء من دمائهم- فإن دم الشهيد نور له يوم القيامة- و قال أبو الطيب-
يقتل العاجز الجبان و قد يعجز
عن قطع بخنق المولود
و يوقى الفتى المخش و قد خوض في
ماء لبة الصنديد
و لهذا المعنى الذي أشار إليه ع سبب معقول- و هو أن المقدم على خصمه يرتاع له خصمه- و تنخذل عنه نفسه- فتكون النجاة و الظفر للمقدم- و أما المتلوم عن خصمه المحجم المتهيب له- فإن نفس خصمه تقوى عليه- و يزداد طمعه فيه فيكون الظفر له- و يكون العطب و الهلاك للمتلوم الهائب- تم الجزء السابع من شرح نهج البلاغة و يليه الجزء الثامن
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 7