و من كلام له عليه السّلام
فَلَا أَمْوَالَ بَذَلْتُمُوهَا لِلَّذِي رَزَقَهَا- وَ لَا أَنْفُسَ خَاطَرْتُمْ بِهَا لِلَّذِي خَلَقَهَا- تَكْرُمُونَ بِاللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ- وَ لَا تُكْرِمُونَ اللَّهَ فِي عِبَادِهِ- فَاعْتَبِرُوا بِنُزُولِكُمْ مَنَازِلَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ- وَ انْقِطَاعِكُمْ عَنْ أَوْصَلِ إِخْوَانِكُمْ
أقول: مدار هذا الفضل على التوبيخ بالبخل بالأموال و الأنفس
و في قوله: للّذى رزقها و خلقها. استدراج حسن فإنّ البخيل إنّما يستقبح بذله لملاحظة أمرين: أحدهما: خوف الفقر، و الثاني: أنّه كثيرا ما يتوهّم الأشحّاء أن لا مستحقّ للمال إلّا هم فيكون ذلك و أمثاله عذرا لهم مع أنفسهم في عدم البذل، و كذلك الشحيح بنفسه إنّما يشحّ بها خوف الموت و أن لا يكون له من هذه الحياة عوض يساويها فإذا علم أنّ بذل المال لرازقه إيّاه بعد أن يكون حسن الظنّ به زال عذره في البخل لعلمه بتعويضه خيرا منه و بأنّه أحقّ منه. إذ كان المملوك و ما يملك لمولاه، و كذلك يزول عذر الشحيح بنفسه لعلمه أنّ الطالب لبذلها هو الأحقّ بها و أنّه القادر على أن يوصله إلى ما هو خير له من هذه الحياة الفانية، و في انقطاع ما يتوهّمونه عذرا في البخل بالمال و النفس يكون سهولة بذلهما في سبيل اللّه. و قوله: تكرمون باللّه على عباده. أى تفخرون و تشرفون على الخلق بأنّكم أهل طاعة اللّه و عباده. ثمّ لا تكرمونه فيما يدعوكم إليه و لا تجيبون داعيه في إكرام عباده و الالتفات إلى فقرائهم باليسير ممّا رزقكم. ثمّ أمرهم باعتبار نزولهم منازل الدارجين، و انقطاعهم عن أوصل إخوانهم تنبيها لهم على أنّهم أمثالهم في اللحاق بمن سلف و الانقطاع عمّن يبقى، و روى عن أصل إخوانكم: أى أقربهم أصلا إليكم، و فائدة هذا الاعتبار تذكّر الموت و العمل لما بعده.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 3 ، صفحهى 110