google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
140-160 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئیخطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 153 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)فضائل أهل البيت‏

خطبه 154 صبحی صالح

154- و من خطبة له ( عليه‏ السلام ) يذكر فيها فضائل أهل البيت‏

وَ نَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِيبِ بِهِ يُبْصِرُ أَمَدَهُ
وَ يَعْرِفُ غَوْرَهُ وَ نَجْدَهُ
دَاعٍ دَعَا وَ رَاعٍ رَعَى
فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي وَ اتَّبِعُوا الرَّاعِيَ
قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ
وَ أَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ
وَ أَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ
وَ نَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ
نَحْنُ الشِّعَارُ وَ الْأَصْحَابُ وَ الْخَزَنَةُ وَ الْأَبْوَابُ
وَ لَا تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً
منهافِيهِمْ كَرَائِمُ الْقُرْآنِ
وَ هُمْ كُنُوزُ الرَّحْمَنِ
إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا وَ إِنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا
فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ وَ لْيُحْضِرْ عَقْلَهُ
وَ لْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ
فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ وَ إِلَيْهَا يَنْقَلِبُ
فَالنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ
يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَ عَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ
فَإِنْ كَانَ لَهُ مَضَى فِيهِ وَ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقَفَ عَنْهُ
فَإِنَّ الْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ
فَلَا يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ إِلَّا بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ
وَ الْعَامِلُ بِالْعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ
فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ أَ سَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ
وَ اعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَى مِثَالِهِ
فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ
وَ مَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ
وَ قَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ ( صلى ‏الله‏ عليه ‏و آله )إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ وَ يُبْغِضُ عَمَلَهُ وَ يُحِبُّ الْعَمَلَ وَ يُبْغِضُ بَدَنَهُ
وَ اعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ نَبَاتاً
وَ كُلُّ نَبَاتٍ لَا غِنَى بِهِ عَنِ الْمَاءِ
وَ الْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ فَمَا طَابَ سَقْيُهُ طَابَ غَرْسُهُ وَ حَلَتْ ثَمَرَتُهُ وَ مَا خَبُثَ سَقْيُهُ خَبُثَ غَرْسُهُ وَ أَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج9  

و من خطبة له عليه السّلام
و هى المأة و الثالث و الخمسون من المختار في باب الخطب و فيه فصلان

الفصل الاول

و ناظر قلب اللّبيب، به يبصر أمده، و يعرف غوره و نجده،داع دعا، و راع رعا، فاستجيبوا للدّاعي، و اتّبعوا الرّاعى، قد خاضوا بحار الفتن، و أخذوا بالبدع دون السّنن، و أرز المؤمنون، و نطق الضّالّون المكذّبون، نحن الشّعار و الأصحاب، و الخزنة و الأبواب، و لا تؤتى البيوت إلّا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سمّي سارقا.

الفصل الثاني (منها)

فيهم كرائم القرآن، و هم كنوز الرّحمن، إن نطقوا صدقوا، و إن صمتوا لم يسبقوا، فليصدق رائد أهله، و ليحضر عقله، و ليكن من أبناء الآخرة فانّه منها قدم، و إليها ينقلب، فالنّاظر بالقلب العامل بالبصر يكون مبتدأ عمله أن يعلم أعمله عليه أم له، فإن كان له مضى فيه، و إن كان عليه وقف عنه، فإنّ العامل بغير علم كالسّائر على غير طريق، فلا يزيده بعده عن الطّريق إلّا بعدا من حاجته، و العامل بالعلم كالسّائر على الطّريق الواضح، فلينظر ناظر أسائر هو أم راجع، و اعلم أنّ لكلّ ظاهر باطنا علي مثاله، فما طاب ظاهره طاب باطنه، و ما خبث ظاهره خبث باطنه، و قد قال الرّسول الصّادق صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ وَ يُبْغِضُ عَمَلَهُ، وَ يُحِبُّ الْعَمَل وَ يُبْغِضُ بَدَنُهُ» و اعلم أنّ كلّ‏ عمل نبات، و كلّ نبات لا غنى به عن الماء، و المياه مختلفة، فما طاب سقيه طاب غرسه، و حلت ثمرته، و ما خبث سقيه خبث غرسه، و أمرّت ثمرته.

اللغة

(الناظر) من المقلّة السّواد الأصغر الذي فيه انسان العين و (الغور) بالفتح قعر كلّ شي‏ء و المنخفض من الأرض و (النّجد) المرتفع منها و الجمع نجود مثل فلس و فلوس و (رعت) الماشية رعيا إذا سرحت بنفسها و رعيتها و أرعاها يستعمل لازما و متعدّيا فانا راع، و في القاموس الرّاعى كلّ من ولى أمر قوم و الجمع رعاة و رعاء بالكسر و رعيان و القوم رعية و (ارز) من باب علم و ضرب انقبض و انجمع و (الشّعار) بالكسر ما ولى الجسد من الثياب و (الرّائد) المرسل في طلب الماء و الكلاء و (ليحضر عقله) مضارع حضر من باب نصر أو أحضر من باب الأفعال

الاعراب

داع مرفوع تقديرا خبر ناظر و قال الشّارح المعتزليّ: إنّه مبتداء محذوف الخبر تقديره في الوجود داع دعا، قوله: و اعلم أنّ كلّ عمل نبات هكذا في بعض النسخ فيكون كلّ اسم إنّ و نبات خبرها و في بعضها أنّ لكلّ عمل نباتا فيكون نباتا اسما لها

المعنى

اعلم أنّه لمّا كان من دأب الرّحمة الرحمانية أن يصدر عنه أقسام الموجودات على أكمل ما يتصوّر في حقّها، و أن يعطى لكلّ نوع بعد إعطاء الوجود ما يحفظ به كماله الأوّل و يستدعى كماله الثّاني كما قال تعالى «هو الّذى أعطى كلّ شي‏ء خلقه ثمّ هدى» أشار إلى أنّه أعطى أصل وجوده، ثمّ أفاد له ما يتهيّأ و يهتدى به إلى فضيلة زايدة من القوى و الآلات، لا جرم كان كلّ نوع من أنواع المكونات‏

اعطى له من خزائن رحمة اللَّه ما يستعدّ به للوصول إلى ما هو خير له و سعادة بالنسبة إليه و يحترز عمّا هو شرّ له و شقاوة، و لا شكّ أنّ الانسان أشرف هذه الأنواع فاعطاء ما يستطيع به لطلب ما هو الخير و السّعادة له أولى و أوجب، لكن لمّا كان كماله الخاصّ به أمرا متميّزا عن كمالات ساير الأنواع الحيوانيّة من جلب مأكول أو مشروب أو منكوح و نحوها من كمالات البهايم، فليس خيره و سعادته ممّا يوجد في هذا العالم، بل كماله و خيره في العلم و التّجرد عن الدّنيا و ما فيها و التّقرّب إليه تعالى و ملكوته الأعلى فيجب في العناية الرّبانيّة أن يعطيه ما يهتدى به إلى سبيل سعادته و طريق نجاته، و يتجنّب عن طريق شقاوته و شقائه بأن يعرف أوّلا و لو بوجه من الوجوه ما الاله و ما الملكوت و ما الآخرة و ما الاولى، و ما السعادة و الشقاء، ثمّ إن كان ممّن لا يهتدى إلى ذلك إلّا بواسطة معلّم من خارج من نبيّ أو امام أو كتاب وجب عليه تعالى أن يعرّفه ذلك و وجب عليه أن يتعلّم منه و يطيع له و يقبل منه روى يزيد بن معاوية عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: ليس للَّه على خلقه أن يعرفوا و للخلق على اللَّه أن يعرّفهم، و للَّه على الخلق إذا عرفهم أن يقبلوا إذا عرفت ذلك فأقول: إنّ الانسان قد أعطاه اللَّه سبحانه بمقتضا عنايته العقل يهتدى به إلى مصالحه و مفاسده، و جعل عقول بعض أفراد هذا النوع كاملة فاضلة غير محتاجة في كسب كمالاتها إلى الغير و هى عقول الأنبياء و الرّسل و الأئمّة عليهم السّلام، و جعل عقول غيرهم ناقصة، فهؤلاء لا يكمل معرفتهم إلّا بمعلّم خارجي، لعدم استقلال عقلهم بمعرفة كثير من المصالح و المفاسد و المنافع و المضارّ، و ذلك المعلّم هو النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و الامام.

و إلى هذا المعنى أشار أبو عبد اللَّه عليه السّلام في رواية الكافي حيث قال: أبي اللَّه أن يجرى الأشياء إلّا بأسباب، فجعل لكلّ شي‏ء سببا و لكلّ سبب شرحا، و جعل لكلّ شرح علما، و جعل لكلّ علم بابا ناطقا عرفه من عرفه و جهله من جهله ذاك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و نحن.

فظهر لك بتلك المقدّمة معنى قوله عليه السّلام (و ناظر قلب اللّبيب به يبصر أمده و يعرف غوره و نجده داع دعا و راع رعا) أى عين بصيرة العاقل التي بها يبصر غايته التي يتوجه إليها أى معاده و بها يعرف ما انخفض و انحطّ من حالاته الموجبة لشقاوته المتردّية له إلى دركات الجحيم، و ما ارتفع و استعلي من خصاله الموجبة لسعادته الموصلة له إلى نضرة النعيم هى أى هذه العين داع دعا و راع رعا، أراد بالدّاعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لدعائه إلى طرف الحقّ قال اللَّه تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ».

و أراد بالرّاعى نفسه عليه السّلام لأنّه ولىّ الخلق و القائم بأمرهم كالرّاعي الذي يرعى غنمه و يحفظها و يربّيها، و قد مرّ تشبيه الامام بالرّاعي و الرعيّة بالغنم و تشبيه من لم يعرف امامه بغنم ضلّت عن راعيها في الحديث الّذي رويناه من الكافي في التّذنيب الثالث من تذنيبات شرح الفصل الرّابع من فصول الخطبة الأولى و ورد في وصف الأئمة عليهم السّلام في الزّيارة الجامعة: و استرعاكم أمر خلقه، قال شارح الزّيارة، يعنى به: أنّه تعالى استرعاهم أمر خلقه جعلهم قائمين برعاية الخلق فيما يتعلّق بأمر الوجود الكوني و شرعه، و فيما يتعلّق بأمر الكون الشّرعي و وجوده، و فيما يتعلّق بامر الغيب و الشّهادة، و فيما يتعلّق بأمر الدّنيا و الآخرة، و فيما يتعلّق بامر الجنّة و النّار، طلب تعالى منهم عليهم السّلام رعاية جميع خلقه في هذه الامور الخمسة فهم عليهم السّلام المربّون لرعيّتهم الرّاعون الّذين استرعاهم اللَّه أمر غنمه فان شاءوا فانّما شاء، هذا.

و انّما جعل الدّاعي و الرّاعى ناظر القلب اللّبيب لأنّ النّاظر من الانسان هو آلة الابصار، و بها يدرك الأشياء على ما هى عليها، و يفرّق بين الألوان و الأضواء و الأشكال و المقادير و نحوها، و بناظره القلبي أى عين بصيرته يفرّق بين الحقّ و الباطل، و الصّلاح و الفساد، فاستعار لفظه للرّسول و الامام عليهما السّلام إذ بهما يحصل له المعرفة بالمبدإ و المعاد، و بدلالتهما و إرشادهما يكمل له الحكمة النّظرية و العملية، فالنبيّ و الامام عقل من خارج كما أنّ العقل رسول من باطن و إليه يشير قول موسى بن جعفر عليه السّلام لهشام بن الحكم في الحديث الطويل المروىّ في الكافي: يا هشام إنّ للَّه على النّاس حجّتين حجّة ظاهرة و حجّة باطنة فأمّا الظّاهرة فالرّسل و الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام، و أمّا الباطنة فالعقل إلى أن قال: يا هشام نصب الحقّ لطاعة اللَّه و لا نجاة إلّا بالطاعة، و الطاعة بالعلم، و العلم بالتّعلّم و التّعلّم بالعقل يعتقل و لا علم إلّا من عالم ربّاني و معرفة العلم بالعقل و انّما خصّ عليه السّلام ناظر قلب اللّبيب بالبيان لأنّ الجاهل بمعزل عن الالتفات غافل عمّا له و عليه كما قال عليه السّلام في رواية الكافي عن عليّ بن محمّد عن سهل بن زياد عن النوفليّ عن السّكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام إنّ قلوب الجهّال تستفزّها الأطماع و ترتهنها المنى، و تستعلقها الخدائع يعني يستخفّها الأطماع لأنّهم كثيرا ما ينزعجون من مكانهم بطمع فاسد لا أصل له و لا طائل تحته، و أنّها مقيّدة مرتهنة بالأماني و الآمال الكاذبة، و هم ينخدعون سريعا فيستسخر قلوبهم خدايع الخادعين، و يستعبدها مكر الماكرين، و لهذا يعدهم الشّيطان و يمنّيهم بالأماني الباطلة، و يغرّهم و يستفزّهم و يستعبدهم بالخدايع و ما يعدهم الشّيطان إلّا غرورا قال تعالى: «أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها».

قال أبو جعفر عليه السّلام في هذه الآية: ميّت لا يعرف شيئا و نورا يمشي به في النّاس اماما يأتمّ به كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها، قال: الذي لا يعرف الامام، هذا و لمّا كان همّة العاقل مصروفة لتحصيل كمالاته و الترقى من حدّ النّقص و الوبال إلى ذروة الفضل و الكمال، و من هبوط الجهل و الدّنائة إلى شرف العزّ و السّعادة، و كان ذلك الاستكمال و التّرقّي موقوفا على طاعة الرّسول و الإمام عليهما السّلام‏ حسبما عرفت أمر بطاعتهما بقوله (فاستجيبوا للدّاعي و اتّبعوا الرّاعي) لأنّهما قوّاد النّاس و هداتهم إلى المحجّة البيضاء و الصّراط المستقيم، و بالاستجابة و المتابعة لهما ينال حسن العاقبة و سعادة الخاتمة، و لذلك قرن اللَّه طاعتهما بطاعته فقال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ».

و قوله عليه السّلام (قد خاضوا بحار الفتن) قال الشارح البحراني: يحتمل أن يكون التفاتا إلى قوم معهودين للسّامعين كمعاوية و أصحاب الجمل و الخوارج، و يحتمل أن يكون منقطعا عمّا قبله متّصلا بكلام لم يحكه الرّضي (ره) و إليه ذهب الشّارح المعتزليّ، و قال: هذا كلام متّصل بكلام لم يحكه الرّضي، و هو ذكر قوم من أهل الضّلال قد كان أخذ في ذمّهم و نعا عليهم عيوبهم أقول: و الأظهر عندي أنّه متّصل بالكلام السّابق، و وجه نظمه أنّه لمّا أمر بوجوب متابعته و فرض طاعته و طاعة الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم التفت إلى حكاية حال المخالفين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و المغيّرين لوصيّته، و الغاصبين لخلافته من الخلفاء الثلاث و متابعتهم، و كيف كان فتشبيه الفتن بالبحار لاهلاكها و استيصالها فمن دخل فيها يغرق كما يغرق البحر الخائض فيه، و ذكر الخوض ترشيح للتّشبيه.

(و أخذوا بالبدع دون السّنن) يعني أنّهم عدلوا عن سنّة سيّد المرسلين، و تركوا منهج الشّرع المبين، و أبدعوا في الدّين، و أخذوا بالرّأى و المقائيس عن هوى الأنفس، فلم يزالوا دهرهم في الالتباس و الارتماس في بحر الظلمات و الانغماس في مهوى الشّهوات، و ذلك كلّه لاعراضهم عن أئمّة الحقّ و أولياء الصّدق.

قال يونس بن عبد الرّحمن: قلت: لأبي الحسن الأوّل عليه السّلام بما أوحّد اللَّه عزّ و جلّ قال: لا تكوننّ مبتدعا، من نظر برأيه هلك، و من ترك أهل بيت نبيّه ضلّ، و من ترك كتاب اللَّه و قول نبيّه كفر قال الشّارح البحراني: البدعة قد يراد بها ترك السنّة و قد يراد بها أمرآخر يفعل مع ترك السنّة و هو أظهر في العرف.

أقول: و البدعة ملازمة لترك السّنة كما يفصح عنه ما رواه في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس عن حريز عن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن الحلال و الحرام فقال: حلال محمّد حلال أبدا إلى يوم القيامة و حرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة لا يكون غيره و لا يجي‏ء غيره.
و قال عليه السّلام قال عليّ عليه السّلام: ما أحد ابتدع بدعة إلّا ترك بها سنّة.
وجه دلالته على الملازمة أنّ حلاله و حرامه إذا كانا مستمرّين إلى يوم القيامة فمن أتى بشي‏ء إمّا أن يكون حكمه ثابتا في الكتاب و السنّة فلا يكون بدعة، و إلّا ففيه تركهما، و بعبارة اخرى لو لم يكن مخالفا للسّنة لم يكن بدعة، و حيث كان مخالفا مناقضا لها يلزم من إتيانها ترك سنّة هي في مقابلها البتة، و هو معنى قول أمير المؤمنين عليه السّلام الذي استشهد به الامام عليه السّلام (و أرز المؤمنون) أى انقبضوا و سكتوا لشمول التّقية و غلبة الباطل (و نطق الضّالّون المكذّبون) لاختفاء الحقّ و استيلاء أهل الضّلال.

ثمّ عاد عليه السّلام إلي ذكر مناقبه و مفاخره المقتضية لوجوب طاعته حثّا للمخاطبين على الرّجوع إليه و تأكيدا للتّعريض و التقريع على المنحرفين العادلين عنه إلى غيره و الغاصبين لحقّه فقال (نحن) أراد به نفسه و الطّيبين من أولاده (الشّعار و الأصحاب) أى شعار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و أصحابه، و استعار لفظ الشّعار لهم باعتبار ملازمتهم له عليه السّلام و مزيد اختصاصهم به ملازمة الشّعار للجسد و اختصاصه به، و هم أيضا أدركوا صحبته بالايمان و صدقوه في جميع ما جاء به بالاذعان و الايقان، و عرف المسند بلام التّعريف للعهد قصدا للحصر، يعني أنّ الشّعار و الأصحاب المعهودين نحن لا غيرنا.

قال العلامة التفتازاني: إذا كان للشّي‏ء صفتان من صفات التعريف عرف السّامع اتّصافه باحداهما دون الأخرى حتّى يجوز أن تكونا وصفين لشيئين متعدّدين في الخارج فأيّهما كان بحيث يعرف السامع اتّصاف الذّات به و هو كالطالب بحسب زعمك أن‏يحكم عليه بالاخرى يجب أن تقدّم اللّفظ الدّالّ عليه و تجعله مبتداء، و أيّهما كان بحيث يجعل اتصاف الذّات به و هو كالطالب أن تحكم بثبوته للذات أو بنفيه عنها يجب أن تؤخّر اللّفظ الدّالّ عليه و تجعله خبرا، فاذا عرف السامع زيدا بعينه و اسمه و لا يعرف اتّصافه بأنه أخوه و أردت أن تعرفه ذلك قلت: زيد أخوك، و كذلك إذا عرف زيدا و علم أنّه كان من انسان انطلاق و لم يعرف اتّصاف زيد بأنه المنطلق المعهود و أردت أن تعرفه ذلك قلت: زيد المنطلق، و لا يصحّ المنطلق زيد، انتهى (و الخزنة و الأبواب) أى خزّان خزينة علم اللَّه و علم رسوله و إنّما استعار لهم ذلك اللّفظ لأنّ الخازن إنّما يتولّى ما في الخزانة و يحفظه و يتصرّف فيه و يصرفه في مصارفه و هم عليهم السّلام كذلك لأنّهم حفّاظ علم اللَّه تعالى، و المتصرّفين فيه و الباذلين له لمن يشاءون، و المانعين له عمّن يشاءون قال تعالى: «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ».

فانّ ظاهرها في حقّ سليمان بن داود عليهما السّلام و باطنها في أهل البيت عليهم السّلام حسبما عرفته في شرح الكلام التّاسع و الخمسين.
و يدلّ على كونهم خزّان اللَّه تعالى ما في البحار من بصاير الدّرجات للصّفار بسنده عن سورة بن كليب قال: قال لي أبو جعفر عليه السّلام: و اللَّه إنّا لخزّان اللَّه في سمائه و أرضه لا على ذهب و لا على فضّة إلّا على علمه، قال العلّامة المجلسيّ ره أى خزّان علم السّماء و الأرض.
أقول: و الأولى جعل ضمير علمه راجعا إلى اللَّه كما يفصح عنه إضافة العلم إلى لفظ الجلالة في الأخبار الآتية و ستعرف تحقيق ذلك.

و فيه منه عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام قال سمعته يقول: و اللَّه إنّا لخزّان اللَّه في سمائه و خزّانه في أرضه، لسنا بخزّان على ذهب و لا على فضّة و إن منّا لحملة العرش إلى يوم القيامة.
و عن سدير عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: قلت له: جعلت فداك ما أنتم قال:
نحن خزّان اللَّه على علم اللَّه نحن تراجمة وحى اللَّه نحن الحجّة البالغة على ما دون السّماء و فوق الأرض.
و عن سدير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: نحن خزّان اللَّه في الدّنيا و الآخرة و شيعتنا خزّاننا.
و عن عبد الرّحمن بن كثير قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول: نحن ولاة أمر اللَّه و خزنة علم اللَّه و عيبة وحى اللَّه.
و عن حمران عن أبي جعفر عليه السّلام قال: انّ اللَّه تبارك و تعالى أخذ الميثاق على اولى العزم أنّي ربّكم و محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم رسولي و عليّ أمير المؤمنين و أوصياؤه من بعده ولاة أمري و خزّان علمي، و أنّ المهديّ انتصر به اديني.
فظهر بهذه الرّوايات كونهم ولاة خزانة علمه تعالى، و يدلّ عليه أيضا ما عن احتجاج الطّبرسي عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام في حديث طويل و فيه: قال لصاحبكم أمير المؤمنين: «قُلْ كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ» و قال اللَّه عزّ و جلّ: «وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ».
و علم هذا الكتاب عنده.
و بهذا المضمون أيضا أخبار اخر قدّمنا روايتها في التّذييل الثالث من شرح الفصل السّابع عشر من الخطبة الاولى فليتذكّر.
قال بعض الأفاضل: و العلم الذي هم خزائنه هو علم الموجودات بالمعني المتعارف و هو قوله تعالى: «وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ» يعني أنّ ما لم يشأ من علمه أن يعلموه لا يحيطون به، و ليس المرادبهذا العلم الذي لا يحيطون بشي‏ء هو القديم الذي هو الذات ليكون المعنى و لا يحيطون بشي‏ء من ذاته إلّا بما شاء أن يحيطوا به منها، و هذا معنى باطل، بل المراد به أنّ العلم الحادث الذي هو غير الذات منه ممكن مقدّر غير مكوّن، و منه تكوين و منه مكوّن، فالممكن المقدور غير المكوّن هو الممكنات قبل أن تكسى حلّة الوجود في جميع مراتب الوجود، فهذه لم تكن مشائة إلّا في أماكنها، فهذا لا يحيطون بشي‏ء منه إحاطة وجود، و يحيطون به إحاطة إمكان إذ ذاك مشائة مشية إمكان، و التكوين الممكن، و هذا يحيطون به لأنّه مشاء بنفسه و هم محالّ ذلك، و المكوّن قسمان مكوّن مشروط، و مكوّن منجّز، و المكوّن المشروط يحيطون به لأنّه مشاء و لا يحيطون بالشّرط إلّا بعد أن يكون مشاء، و المكوّن المنجّز يحيطون به، ثمّ ما كانوا يحيطون به قسمان: قسم كان و هم يحيطون به أنّه كان و لا يحيطون به انه مستمرّ أو منقطع إلّا إحاطة اخبار لا إحاطة عيان، و قسم لم يكن فهم يحيطون به إحاطة اخبار أيضا لا إحاطة عيان، فظهر لمن نظر و أبصر من هذا التّفصيل أنّهم عليهم السّلام لا يحيطون بشي‏ء من علمه الذي هو غير ذاته إلّا بما شاء أن يحيطوا به، و الّذي شاء أن يحيطوا به هو ما سمعته في هذا التفصيل، هذا تمام الكلام في كونهم عليهم السّلام خزّان اللَّه.

و أمّا كونهم الأبواب فالمراد به أنّهم عليهم السّلام أبواب الايمان و المعرفة باللَّه، و أبواب علم اللَّه و علم رسوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كما ورد في الأخبار المستفيضة العاميّة و الخاصيّة بل لا يبعد تواترها أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم قال: أنا مدينة العلم و عليّ بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب و قال أيضا: أنا مدينة الحكمة و في بعضها: دار الحكمة و عليّ بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها و إلى هذا أشار عليه السّلام بقوله: (و لا تؤتى البيوت إلّا من أبوابها فمن أتاها من غير بابها سمّى سارقا) و هو كناية عن أنّ من أخذ العلم من غير أهله و أراد المعرفة عن غير الجهة التي امر بالتوجّه إليها فهو منتحل له كالسّارق الذي يتسوّر البيوت من غير أبوابها و يأخذ ما فيها غصبا و عدوانا قال تعالى:«يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها».

روى في البحار من الاحتجاج للطبرسي عن الأصبغ بن نباته قال: كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه السّلام فجائه ابن الكوا فقال: يا أمير المؤمنين قول اللَّه عزّ و جلّ «لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ» الآية فقال عليه السّلام: نحن البيوت الّتي أمر اللَّه أن يؤتى أبوابها، نحن باب اللَّه و بيوته التي يؤتي منها، فمن تابعنا و أقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها، و من خالفنا و فضّل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها «إلى أن قال» إنّ اللَّه عزّ و جلّ لو شاء عرّف النّاس نفسه حتّى يعرفوه و يأتوه من بابه، و لكن جعلنا أبوابه و صراطه و سبيله و بابه الذي يؤتى منه، قال: فمن عدل عن ولايتنا و فضّل علينا غيرنا فانّهم عن الصّراط لناكبون، و قد تقدّمت هذه الرّواية في شرح الفصل الرّابع من الخطبة الاولى من الصّافي عن أمير المؤمنين عليه السّلام مثله.

(منها) ما هو أيضا في فضايل أهل البيت عليهم السّلام و هو قوله عليه السّلام (فيهم كرايم القرآن) يحتمل أن يكون المراد بالكرايم الآيات الكريمة قال: «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ».
أى حسن مرضىّ في جنسه، و قيل: كثير النّفع لاشتماله على اصول العلوم المهمّة في المعاش و المعاد و الكريم صفة لكلّ ما يرضى و يحمد، و منه وجه كريم أى مرضيّ في حسنه و بهائه، و كتاب كريم مرضىّ في معانيه.

و أن يكون المراد بها الآيات الدّالة على كرامتهم أى على جمعهم لأنواع الشّرف و الفضايل، إذ الكريم هو الجامع لأنواع الخير و الشّرف، و قد مضى بعض تلك الآيات في شرح الفصل الثالث من الخطبة السّادسة و الثّمانين، و تقدّم كثير منها في تضاعيف الشّرح و تأتي أيضا انشاء اللَّه في مواضعها اللّايقة، و في بعض النّسخ: فيهم‏ كرايم الايمان، أي الخصال الكريمة الّتي هى من لوازم الايمان و خواصّه (و هم كنوز الرّحمن) لأنّ الكنز ما يدّخر فيه نفايس الأموال و هم عليهم السّلام قد أودع اللَّه فيهم نفايس جميع ما في الكون و خيار الفضايل و الفواضل من العلم و الحلم و السّخاء و الجود و الكرم و الخلافة و الولاية و الشّجاعة و الفصاحة و العصمة و القدس و الطهارة إلى غير تلك ممّا لا يضبطها عدّ و لا يحيط بها حدّ.

«وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».
(إن نطقوا صدقوا) لأنّهم أزمّة الحقّ و ألسنة الصّدق المستجاب بهم دعوة إبراهيم عليه السّلام في قوله: «وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ».
و المفروض متابعتهم بقوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ».
على ما قدّمنا في شرح الفصل الثالث من الخطبة السّادسة و الثّمانين.
(و إن سكتوا لم يسبقوا) لأنّ سكوتهم إنّما هو بمقتضى المصلحة و اقتضاء الحكمة لا عن عيّ و عجز حتّى يسبقهم الغير و يتكلّم و لا يتمكّنوا و يتمكّن بل يعلمون ما كان و ما هو كائن و يتكوّن و لذلك شاع المثل السائر: قضيّة و ليس لها أبو الحسن ثمّ إنّه عليه السّلام لمّا نبّه على جملة من مناقبهم الباهرة و مفاخرهم الزاهرة عقّب ذلك بالمثل المشهور و فرّعه على ما سبق فقال (فليصدق رائد أهله) يعني أنّ المرسل من الحىّ لطلب الماء و الكلاير تادلهم المرعى ينبغي له أن يصدق أهله و لا يكذب لمن أرسله و يبشّر له بها، و أراد بذلك أنّ من يحضر الأئمة عليهم السّلام من النّاس طلبا لاخبارهم و اقتباس أنوارهم و أخذ معالم الدّين عنهم فليصدق من يكل‏ إليه أمره انّنا أهل الحقّ و ينابيع العلم و الحكمة و الأدلّاء (و ليحضر عقله) لاستماع كلامنا حتّى يعرف صحّة ما ادّعينا قال تعالى: «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ».

روى في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن قال: حدّثنا حماد عن عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن قول العامة أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم قال: من مات و ليس له إمام مات ميتة جاهليّة، فقال عليه السّلام: الحق و اللَّه، قلت: فان إماما هلك و رجل بخراسان لا يعلم من وصيّه لم يسعه ذلك، قال عليه السّلام: لا يسعه انّ الامام إذا هلك وقعت حجّة وصيّة على من هو معه في البلد و حقّ النّفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم إنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» قلت: فنفر قوم فهلك بعضهم قبل أن يصل فيعلم قال: إنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول: «وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ».

قلت: فبلغ البلد بعضهم فوجدك مغلقا عليك بابك و مرخى عليك سترك لا تدعوهم إلى نفسك و لا يكون من يدلّهم عليك فبما يعرفون ذلك قال: بكتاب اللَّه المنزل، قلت: فيقول اللَّه عزّ و جلّ كيف قال: أراك قد تكلّمت في هذا قبل اليوم، قلت: أجل، قال عليه السّلام: فذكّر ما أنزل اللَّه في عليّ عليه السّلام و ما قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في حسن و حسين عليهما السّلام و ما خصّ اللَّه به عليا عليه السّلام و ما قال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم من وصيّته إليه و نصبه إيّاه و ما يصيبهم و إقرار الحسن و الحسين بذلك و وصيّته إلى الحسن و تسليم الحسين له يقول اللَّه:«النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ».

قلت: فان النّاس تكلّموا في أبي جعفر عليه السّلام و يقولون كيف تخطّت من ولد أبيه من له مثل قرابته و من هو أسنّ منه و قصرت عمّن هو أصغر منه فقال عليه السّلام: يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره: هو أولى النّاس بالذي قبله، و هو وصيّه، و عنده سلاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و وصيّته و ذلك عندى لا انازع فيه، قلت: إنّ ذلك مستور مخافة السّلطان قال: لا يكون في ستر إلّا و له حجّة ظاهرة إنّ أبي استودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة قال: ادع لي شهودا فدعوت أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد اللَّه بن عمر قال: اكتب: هذا ما أوصى به يعقوب بنيه «وَ وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ لَكُمُ» و أوصى محمّد بن عليّ إلى جعفر بن محمّد و أمره أن يكفنّه في برده الّذى كان يصلّى فيه الجمع، و أن يعمّمه بعمامته، و أن يربع قبره و يرفعه أربع أصابع ثمّ يخلى عنه، فقال عليه السّلام اطووه ثمّ قال للشّهود: انصرفوا رحمكم اللَّه، فقلت بعد ما انصرفوا ما كان في هذا يا ابه أن تشهد عليه فقال عليه السّلام: إنّي كرهت أن تغلب و أن يقال إنّه لم يوص فأردت أن تكون لك حجّة فهو الذي إذا قدم الرّجل البلد قال إلى من وصىّ فلان، قيل: فلان، قلت: فان كان أشرك في الوصيّة قال: تسألونه فانّه سيبيّن لكم.

و قد رويت هذه الرّواية لاشتماله على فوايد عظيمة جمّة، و ايضاحه كيفية تكليف من ينفر لطلب الامام و وظيفة الامام و ما يعرف به المحقّ من المبطل، و أنّ اللّازم على النافرين إنذار قومهم بعد تفقّههم في الدّين و معرفتهم بالامام بالبيّنات التي هى من دلالات الامامة، فعلم بذلك أنّ النّافر لطلب الامام بمنزلة الرّائد السّابق ذكره في كلام أمير المؤمنين عليه السّلام فافهم ذلك و تبصّرثمّ أمر عليه السّلام الرّائد أمر إرشاد فقال (و ليكن من أبناء الآخرة) و رغبته اليها (فانّه منها قدم و إليها ينقلب) لأنّ الانسان مبدؤه الحضرة الالهيّة و هو سبحانه المبدأ و إليه المنتهى و هو غاية مراد المريدين و منتهى سير السائرين.

ثمّ أشار عليه السّلام إلى فضيلة العلم فقال عليه السّلام (فالناظر بالقلب العامل بالبصر) أى ينبغي لصاحب العقل البصير في عمله أن (يكون مبتدأ عمله أن يعلم أعمله عليه أم له) أى يعرف قبل أن يعمل أنّ عمله نافع له مقرّب إلى الحضرة الرّبوبية أم مضرّ مبعّد له (فان كان له مضى فيه) و أتى به (و إن كان عليه وقف عنه) و تركه و إنما كان اللّازم على العاقل تحصيل العلم قبل العمل (فانّ العامل بغير علم كالسائر على غير طريق فلا يزيده بعده عن الطريق إلّا بعدا من حاجته) إذ كان بعده عن مطلوبه بقدر بعده عن طريق ذلك المطلوب.

قال طلحة بن زيد: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول: العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلّا بعدا، رواه في الكافي.
و فيه عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح.
(و) هذا بخلاف العامل العالم فانّ (العامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح) فلا يزيده سرعة سيره إلّا نجاحا بحاجته (فلينظر ناظر) أى النّاظر بالقلب المسبوق ذكره (أسائر هو أم راجع) أقول: و ما ذكرناه في شرح هذه الفقرات أعنى قوله: فالنّاظر بالقلب إلى قوله: أم راجع، إنّما هو مفاد ظاهر كلامه عليه السّلام، و الأشبه عندي أن تكون تلويحا و إشارة إلى وجوب اتباع الأئمّة و الايتمام بهم، فانّه لمّا ذكر أوصاف الأئمة و نعوتهم الكماليّة، عقّب ذلك بما يلزم على الرائد الطّالب للامام، ثمّ فرّع عليه قوله: فالنّاظر بالقلب آه يعنى أنّ صاحب العقل و البصيرة لا بدّ له قبل أن يشرع في عمل أن يعلم أنّ عمله له أم عليه، و العلم موقوف على التّعلّم من الامام العالم و الاقتباس من نوره و الاهتداء به، إذ المتلقّى من غيره:«كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً».

و يؤمى إلى ما ذكرناه تمثيل العامل العالم بالسّائر على الطريق و تمثيل الجاهل بالساير على غير طريق قال تعالى: «قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي».
قال زيد بن عليّ: قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في هذه الآية: أنا و من اتّبعني من أهل بيتي لا يزال الرّجل بعد الرجل يدعو إلى ما أدعوا اليه، و قال تعالى أيضا: «أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى‏ وَجْهِهِ أَهْدى‏ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ».

قال البيضاوي و معنى مكبّا أنّه يعثر كلّ ساعة و يخرّ على وجهه لو عورة طريقه و اختلاف أجزائه، و لذلك قابله بقوله: أمّن يمشى سويّا قائما سالما من العثار، على صراط مستقيم مستوى الأجزاء و الجهة، و المراد تمثيل المشرك و الموحّد بالسالكين و الدئيين بالمسلكين، و قيل: المراد بالمكبّ الأعمى فانّه يعتسف فيكبّ و بالسوىّ البصير، انتهى و أما تأويله فالمراد بالمكبّ أعداء آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، و بمن يمشى سويّا أولياؤهم عليهم السّلام كما ورد في تفسير أهل البيت ثمّ قال عليه السّلام (و اعلم أنّ لكلّ ظاهر باطنا على مثاله، فما طاب ظاهره طاب باطنه، و ما خبث ظاهره خبث باطنه) المراد بهما إمّا كلّ ما يصدق عليه أنّه ظاهر و باطن فيشمل الأفعال الظاهرة و الأقوال الصّادرة عن الانسان خيرا أو شرّا و الملكات و الأخلاق النّفسانيّة الباطنيّة له حسنة أو قبيحة فالجود و الكرم و الانعام و الاحسان و نحوها ممّا هو حسن ظاهرا كاشف عن حسن الباطن أعنى ملكة السّخاء و الجود، و القبض و الامساك و المنع و نحوها ممّا هو قبيح ظاهرا دالّ على قبح الباطن و خبثه أعنى ملكة البخل و هكذا، و كذلك في الأقوال ما هو الطيّب ظاهرا كاشف عن طيب الباطن و ما هو الخبيث كاشف عن خبث الباطن‏

قال عليه السّلام في الخطبة الشقشقيّة في وصف حال الثاني: فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها و يخشن مسّها، و قال تعالى: «مَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ»… «وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ» و يشمل أيضا لمثل حسن الصّورة الموافق لحسن الباطن أعني اعتدال المزاج، و قبحها الموافق لقبح الباطن أعني عدم اعتداله أو الأعمّ من الاعتدال و عدم الاعتدال.

و يشهد بذلك ما رواه في البحار من الأمالى عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: عليكم بالوجوه الملاح و الحدق السّود فانّ اللَّه يستحيى أن يعذّب الوجه المليح بالنّار و فيه من ثواب الأعمال عن موسى بن إبراهيم عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام قال: سمعته يقول: ما حسّن اللَّه خلق عبد و لا خلقه إلّا استحيى أن يطعم لحمه يوم القيامة النّار و فيه من العيون عن الرّضا عن آبائه عليهم السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: لا تجد في أربعين أصلع رجل سوء و لا تجد في أربعين كوسجا رجلا صالحا و أصلع سوء أحبّ إليّ من كوسج صالح و من ذلك ما روى أنّ أبا محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام دخل يوما على معاوية فسأله عليه السّلام تعنّتا و قال: قال اللَّه تعالى: «وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ».
فأين ذكر لحيتك و لحيتي من الكتاب و كان أبو محمّد وفر المحاسن«» و معاوية بخلافه فقرأ عليه السّلام:«وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً».

و نحوه ما عن المناقب قال عمرو بن العاص للحسين عليه السّلام: ما بال لحاكم أوفر من لحانا فقرأ عليه السّلام هذه الآية و من هذا الباب كلّ ما في الكتاب العزيز من التّعبير عن الأئمة عليهم السّلام بأعزّ الأسماء و أحسن الأفعال و أفضل الخصال و التّعبير عن أعدائهم بأخبثها و أخسّها و أنزلها.

و يدلّ عليه ما في الصّافي من الكافي عن الصّادق عليه السّلام في تفسير قوله تعالى: «إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ».
قال عليه السّلام: إنّ القرآن له ظهر و بطن فجميع ما حرّم اللَّه في القرآن هو الظاهر و الباطن من ذلك أئمّة الجور، و جميع ما أحلّ اللَّه في الكتاب هو الظاهر و الباطن من ذلك أئمة الحقّ.
و في البحار من البصاير بسنده عن الهيثم التميمي قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: يا هيثم إنّ قوما آمنوا بالظاهر و كفروا بالباطن فلم ينفعهم شي‏ء، و جاء قوم من بعدهم فآمنوا بالباطن و كفروا بالظاهر فلم ينفعهم ذلك شيئا، و لا ايمان بظاهر إلّا بباطن و لا بباطن إلّا بظاهر.

و من كنز جامع الفوايد قال: روى الشّيخ أبو جعفر الطوسي باسناده إلى الفضل ابن شاذان عن داود بن كثير قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام: أنتم الصّلاة في كتاب اللَّه عزّ و جلّ و أنتم الزّكاة و أنتم الحجّ، فقال: يا داود نحن الصّلاة في كتاب اللَّه عزّ و جلّ، و نحن الزّكاة، و نحن الصّيام، و نحن الحجّ، و نحن الشّهر الحرام، و نحن البلد الحرام، و نحن كعبة اللَّه، و نحن قبلة اللَّه، و نحن وجه اللَّه قال اللَّه تعالى: «فَأَيْنَما تُوَلُّوا- وجوهكم- فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ».

و نحن الآيات و نحن البيّنات، و عدوّنا في كتاب اللَّه عزّ و جلّ الفحشاء و المنكر و البغى و الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام و الأصنام و الأوثان و الجبت و الطّاغوت و الميتة و الدّم و لحم الخنزير، يا داود إنّ اللَّه خلقنا فأكرم خلقنا، و فضّلنا و جعلنا امنائه و حفظته و خزّانه على ما في السّماوات و ما في الأرض، و جعل لنا أندادا أضدادا و أعداء فسمّانا في كتابه و كنّى عن أسمائنا بأحسن الأسماء و أحبّها إليه، و سمّى أضدادنا و أعدائنا في كتابه و كنّى عن أسمائهم، و ضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه و إلى عباده المتّقين هذا كلّه مبنيّ على أن يراد بالظّاهر و الباطن المعنى الأعمّ، و يجوز أن يراد بهما الخصوص أعنى العلم المأخوذ من معدنه، فيكون قوله، فما طاب ظاهره طاب باطنه إشارة إلى العلوم الحقّة المتلقّاة من الأئمة عليهم السّلام الخارجة من مهبط الوحى و معدن الرّسالة،

و قوله: و ما خبث ظاهره خبث باطنه، إشارة إلى العلوم الباطلة المأخوذة من أهل الضّلال عن طريق الرأي و القياس و الاستحسانات العقليّة الفاسدة، و الوجه الأوّل أعني إرادة العموم هو الأوفق بنفس الأمر، و الوجه الثّاني أنسب بالنّسبة إلى ما حقّقناه سابقا، فانّه عليه السّلام حسبما ذكرنا لمّا أشار إلى أنّ السّالك لا بدّ أن يكون سلوكه على علم و بصيرة حتّى لا يكون كالسّائر على غير الطّريق أردفه بهذه الجملة تنبيها على أنّ كلّ علم ليس ممّا ينتفع به في مقام السّلوك بل خصوص العلم الموصل إلى الحقّ المتلقّى من أهل الحقّ أعني أئمّة الدّين و هو الطيّب ظاهرا و باطنا، و امّا غيره أعني العلم المأخوذ من أهل الضّلال فهو جهل في صورة العلم لا يوجب إلّا بعدا من الحقّ خبيث ظاهره و باطنه و قد يفسّر به قوله تعالى: «وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ».
قال القمّي: إنّه مثل للأئمّة يخرج علمهم باذن ربّهم و لأعدائهم لا يخرج علمهم إلّا كدرا فاسدا.

(و قد قال الرّسول الصّادق صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم إنّ اللَّه يحبّ العبد و يبغض عمله و يحبّ العمل و يبغض بدنه) يعني أنّ اللَّه يحبّ العبد المؤمن بما فيه من وصف الايمان لكنّه يبغض عمله لكونه سيّئة و حراما، و يبغض الكافر بما له من الكفر لكنّه يحبّ عمله لكونه حسنا و صالحا، و هذا لا غبار عليه و إنّما الاشكال في ارتباط هذا الكلام لسابقه و في استشهاد الامام عليه السّلام به مع أنّه لا مناسبة بينهما ظاهرا، و ليس للاستشهاد به وجه ظاهر، بل منافاته لما مرّ أظهر من المناسبة كما هو غير خفيّ إذ لازم محبّة اللَّه للعبد كون العبد طيّبا، و لازم بغضه لعمله كون العمل خبيثا فلم يكن الظّاهر موافقا للباطن، فينا في قوله عليه السّلام: فما خبث ظاهره خبث باطنه، و كذلك مقتضي بغض اللَّه سبحانه لبدن الكافر كونه خبيثا، و حبّه لعمله كون عمله طيّبا ففيه أيضا مخالفة الظّاهر للباطن، فينا في قوله: فما طاب ظاهره طاب باطنه و الذي سنح لي في وجه الارتباط و حلّ الاشكال بعد التّروى و صرف الهمّة إلى حلّه أيّاما و الاستمداد من جدّى أمير المؤمنين عليه و آله سلام اللَّه ربّ العالمين هو أنّه لمّا ذكر أنّ ما هو طيّب الظّاهر طيّب الباطن و ما هو خبيث الظّاهر خبيث الباطن، عقّبه بهذا الحديث النّبوي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم تنبيها و ايقاظا للسّامعين بأنّ العبد قد يكون نفسه محبوبا و عمله مبغوضا، و قد يكون بالعكس كما أفصح عنه الرّسول الصّادق المصدّق فاللّازم له إذا كان محبوب الذّات للَّه سبحانه و مبغوض العمل أن يجدّ في تحبيب عمله إليه تعالى حتّى يوافق نفسه عمله في المحبوبيّة، و إذا كان محبوب العمل و مبغوض البدن أى الذّات أن يجدّ في تحبيب ذاته إليه كى يوافق عمله نفسه و الغرض بذلك الحثّ على تطبيق الظّاهر للباطن في الأوّل و تطبيق الباطن للظّاهر في الثّاني في المحبوبيّة حتى يكونا طيّبين، و يفاز إلى النّعيم الدّائم و الفوز الأبد، و لا يعكس حتّى يكونا خبيثين مبغوضين له تعالى فيقع في العذاب الأليم و الخزى العظيم، و قد زلّت في هذا المقام أقدام الشّراح و المحشّين،و كلّت فيه أفهامهم طوينا عن ذكر كلامهم، من أراد الاطلاع فليراجع الشّروح، و اللَّه وليّ التّوفيق ثمّ حثّ على تزكية الأعمال و تصفيتها بمثل ضربه بقوله (و اعلم أنّ كلّ عمل نبات) و في بعض النّسخ أنّ لكلّ عمل نباتا، قال الشّارح البحراني: استعار لفظ النّبات لزيادة الأعمال و نموّها و رشّح الاستعارة بذكر الماء آه، و على ما روينا فهو من التّشبيه البليغ أعنى التّشبيه المحذوف الأداة أى كلّ عمل بمنزلة نبات، و وجه الشّبه أنّ النّباتات كما أنّها مختلفة من حيث طيبها و نضارتها و خضرتها و حسنها و ثبات أصلها في الأرض و رسوخ عروقها و ارتفاع فروعها و حلاوة ثمراتها و من حيث كونها على خلاف ذلك، فكذلك الأعمال و إلى ذلك أشار بقوله (و كلّ نبات لا غنى به عن الماء) و هو مادّة حياته كما قال سبحانه: «أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ» و قال «وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَباتاً».

و كذلك كلّ عمل لا غنى به عن النيّة و عن توجّه القلب اليه و هو مادّة حصوله (و المياه مختلفة) هذا عذب فرات سائغ شرابه و هذا ملح اجاج، و النيّات أيضا مختلفة بعضها صادرة عن وجه الخلوص و التقرّب إلى الحضرة الرّبوبيّة، و بعضها عن وجه الشّرك و الرّياء و السّمعة (فما طاب سقيه) أى نصيبه من الماء لكونه عذبا صافيا (طاب غرسه) و ثبت أصله و ارتفع فرعه و كان له خضرة و نضرة (و حلت ثمرته) و كذلك العمل الصّادر عن وجه الخلوص و التقرّب إلى الحقّ يعلو و يزكو و يثمر ثمرات طيبة و هى ثمرات الجنان اكلها دائم و ظلّها قال تعالى: «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً».

(و ما خبث سقيه) لكون مائه ملحا اجاجا أو كدرا فاسدا (خبث غرسه) لا يكون له رونق و بهاء و لا لأصله ثبات و لفرعه ارتفاع (و أمرّت ثمرته) و هكذا العمل المشوب بالشّرك و الرّيا يثمر ثمرات خبيثة أعنى ثمرات الجحيم و هى الضّريع و الرّقوم قال تعالى: «طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ».

و أقول: قد وقع مثل هذا التّشبيه الواقع في كلام أمير المؤمنين أعني تشبيه العمل بالنّبات في كلام اللَّه ربّ العالمين قال سبحانه في سورة إبراهيم: «أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ».

قال في مجمع البيان «ألم تر» أى ألم تعلم يا محمّد «كيف ضرب اللَّه مثلا» أى بين اللَّه شبها ثمّ فسّر ذلك المثل فقال «كلمة طيّبة» و هى كلمة التّوحيد شهادة أن لا إله إلّا اللَّه عن ابن عباس، و قيل هى كلّ كلام أمر اللَّه به من الطاعات عن أبي علي قال: و إنّما سمّاها طيّبة لأنّها زاكية نامية لصاحبها بالخيرات و البركات «كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السّماء» أى شجرة زاكية نامية راسخة اصولها في الأرض عالية أغصانها و ثمارها في السّماء و أراد به المبالغة في الرّفعة و الأصل سافل و الفرع عال إلّا أنّه يتوصّل من الأصل إلى الفرع «تؤتى اكلها» أى تخرج هذه الشّجرة ما يؤكل منها «كلّ حين» أى كلّ غدوة و عشيّة «باذن ربّها» و قيل: إنّه سبحانه شبّه الايمان بالنّخلة لثبات الايمان في قلب المؤمن كثبات النخلةفي منبتها، و شبّه ارتفاع عمله إلى السّماء بارتفاع فروع النّخلة، و شبّه ما يكسبه المؤمن من بركة الايمان و ثوابه في كلّ وقت و حين بما ينال من ثمرة النخلة في أوقات السّنة كلها من الرّطب و التمر «و يضرب اللَّه الأمثال للنّاس لعلّهم يتذكّرون» أى لكى يتدبّروا فيعرفوا الغرض بالمثل «و مثل كلمة خبيثة» و هى كلمة الكفر و الشّرك، عن ابن عبّاس و غيره، و قيل: هو كلّ كلام في معصية اللَّه عن أبي عليّ «كشجرة خبيثة» غير زاكية و هى شجرة الحنظل عن ابن عبّاس و أنس و مجاهد «اجتثّت من فوق الأرض» أى اقتطعت و استوصلت و اقتلعت جثّته من الأرض «ما لها من قرار» أى ما لتلك الشّجرة من ثبات فانّ الرّيح تنسفها و تذهب بها، فكما أنّ هذه الشّجرة لا ثبات لها و لا بقاء و لا ينتفع بها أحد، فكذلك الكلمة الخبيثة لا ينتفع بها صاحبها و لا يثبت له منها نفع و لا ثواب.

تبصرة

قال الشّارح المعتزلي عند شرح قوله عليه السّلام من هذه الخطبة: نحن الشّعار و الأصحاب و الخزنة و الأبواب: و اعلم أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لو فخر بنفسه و بالغ في تعديد مناقبه و فضايله بفصاحته التي أتاه اللَّه إيّاها و اختصّه بها و ساعده على ذلك فصحاء العرب كافّة لم يبلغوا إلى معشار ما نطق به الصّادق صلوات اللَّه عليه و آله في أمره، و لست أعني بذلك أخبار العامّة الشّايعة التّي يحتجّ بها الاماميّة على إمامته، كخبر الغدير، و المنزلة، و قصّة برائة، و خبر المناجاة، و قصّة خيبر، و خبر الدار بمكّة في ابتداء الدّعوة و نحو ذلك، بل الأخبار الخاصّة الّتي رواها فيه أئمّة الحديث الّتي لم يحصل أقلّ القليل منها لغيره، و أنا أذكر من ذلك شيئا يسيرا ممّا رواه علماء الحديث الذين لا يتّهمون فيه و جلّهم قائلون بتفضيل غيره عليه، فروايتهم فضائله توجب سكون النّفس ما لا يوجبه رواية غيرهم ثمّ أورد أربعة و عشرين حديثا نبويّا في فضائله، و الحديث الرّابع و العشرون‏

قوله: لمّا نزل إذا جاء نصر اللَّه و الفتح بعد انصرافه من غزاة حنين جعل يكثر سبحان اللَّه استغفر اللَّه ثمّ قال: يا عليّ إنّه قد جاء ما وعدت به جاء الفتح و دخل النّاس في دين اللَّه أفواجا و ليس أحد أحقّ منك بمقامي لقدمك في الاسلام و قربك منّي و صهرك و عندك سيدة نساء العالمين، و قبل ذلك ما كان من بلاء أبي طالب عندى حين نزل القرآن فأنا حريص أن اراعى ذلك لولده، رواه أبو إسحاق الثّعلبيّ في تفسير القرآن.

ثمّ قال الشّارح: و اعلم أنّا إنّما ذكرنا ههنا هذه الأخبار لأنّ كثيرا من المنحرفين عنه عليه السّلام إذا مرّوا على كلامه في نهج البلاغة و غيره المتضمّن للتّحدّث بنعمة اللَّه عليه من اختصاص الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و تميزه إيّاه عن غيره ينسبونه فيه إلى التّيه و الزّهو و الفخر، و لقد سبقهم بذلك قوم من الصّحابة قيل لعمر ولّ عليّا أمر الجيش و الحرب فقال: هو أتيه من ذلك، و قال زيد بن ثابت: ما رأينا أزهى من عليّ و اسامة فاردنا ايراد هذه الأخبار أن تنبّه على عظيم منزلته عليه السّلام عند الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و أنّ من قيل في حقّه ما قيل لو رقى إلى السّماء و عرج في الهواء و فخر على الملائكة و الأنبياء تعظما و تبجحا لم يكن ملوما بل كان بذلك جديرا فكيف و هو عليه السّلام لم يسلك قطّ مسلك التعظّم و التكبّر في شي‏ء من أقواله و لا من أفعاله، و كان ألطف البشر خلقا، و أكرمهم طبعا، و أشدّهم تواضعا، و أكثرهم احتمالا، و أحسنهم بشرا، و أطلقهم وجها حتّى نسبه من نسبه إلى الدّعابة و المزاح و هما خلقان يتنافيان التكبّر و الاستطالة،

و إنما كان يذكر احيانا ما يذكره نفثة مصدور و شكوى مكروب و تنفّس مهموم و لا يقصد به إذا ذكره إلّا شكر النعمة و تنبيه الغافل على ما خصّه اللَّه به من الفضيلة، فانّ ذلك من باب الأمر بالمعروف و الحضّ على اعتقاد الحقّ و الصواب في أمره و النهى عن المنكر الذي هو تقديم غيره عليه في الفضل، فقد نهى اللَّه سبحانه عن ذلك فقال: أ فمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّى إلّا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون، انتهى أقول: و لقد أجاد الشارح فيما أفاد و لا يخفى ما في كلامه من وجوه التعريض‏إلى عمر من حيث نسبته أمير المؤمنين عليه السّلام تارة إلى التيه و التكبّر، و اخرى إلى المزاح و الدّعابة، و قد نبّه الشّارح على أنّ هذه النّسبة افتراء منه عليه عليه السّلام لأنّ التكبّر و الدّعابة على طرفى الافراط و التفريط و هما مع تضادّهما و عدم امكان اجتماعهما في محلّ واحد لا يجوز أن يوصف الامام عليه السّلام الّذي هو على حدّ الاعتدال في الأوصاف و الأخلاق بشي‏ء منهما فضلا عن كليهما، و قد مرّ فساد نسبة الدّعابة إليه في شرح الكلام الثالث و الثّمانين بما لا مزيد عليه.

ثمّ العجب من الشّارح أنّه مع نقله هذه الرّوايات كيف ضلّ عن الهدى و أعمى عن الحقّ و أنكر وجود النّص على خلافة أمير المؤمنين عليه السّلام مع ظهور دلالتها على خلافته لو لم تكن نصا فيها لا سيّما الرّواية الأخيرة أعني الحديث الرّابع و العشرين.

و أعجب من ذلك أنّه قد صرّح هنا بأنّ تقديم غيره عليه عليه السّلام من المنكر، و أنّ غرض أمير المؤمنين عليه السّلام من تعديد مناقبه و فضايله كان النّهي عن ذلك المنكر و ردع النّاس عن الاعتقاد الباطل إلى الحقّ و الصّواب و هو مناف لمذهبه الّذي اختاره وفاقا لأصحابه المعتزلة من أنّ تقديم غيره عليه إنّما هو من فعل اللَّه سبحانه و تعالى عمّا يقول الجاهلون الضّالّون علوّا كبيرا كما هو صريح كلامه في خطبة الشّرح حيث قال هناك: و قدّم المفضول على الأفضل لمصلحة اقتضاها التّكليف، و إذا كان تقديم غيره عليه منكرا و قبيحا كيف نسبه إلى اللَّه تعالى هنالك، و قد أجرى اللَّه الحقّ على لسانه هنا حتّى صرّح بنفسه على فساد مذهبه، و اللَّه الهادى إلى سواء السّبيل

الترجمة

از جمله خطب شريفه آن بزرگوار و وصىّ محمّد مختار است در موعظه و نصيحت و ذكر فضايل أهل بيت عصمت و طهارت مى ‏فرمايد: آلت نظر عاقل كه بوساطت آن مى‏ بيند غايت خود را و مى‏ شناسد پستى و بلندى خود را دعوت كننده ‏ايست كه دعوت نمود و رعايت كننده ايست كه رعايت فرمود،و مراد از دعوت كننده حضرت خاتم رسالت و از رعايت كننده جناب شاه ولايت عليهما السّلام است، پس استجابت نمائيد دعوت كننده را، و متابعت كنيد رعايت نماينده را، پس بتحقيق كه غوطه‏ ور شدند مخالفان آن داعى و راعى در درياى فتنها، و أخذ نمودند بدعتها نه سنّتها را، و منقبض شدند مؤمنان، و ناطق شدند گمراهان و تكذيب كنندگان.

ما أهل بيت لباس مخصوص پيغمبر خدائيم و أصحاب پسنديده حضرت مصطفى و خزينه داران علم ربّ العزّة و درهاى مدينه علم و حكمت، و داخل نمى‏ توان شد بخانها مگر از درهاى آنها، پس هر كه بيايد بخانها از غير درهاى آن ناميده شود دزد و سارق.

بعض ديگر از اين خطبه باز در فضايل آل رسول عليه و عليهم السّلام است مى‏ فرمايد در حق ايشانست آيات كريمه قرآن، و ايشانست خزينهاى رحمان، اگر گويا بشوند راست مى ‏گويند، و اگر ساكت شوند كسى نمى‏ تواند سبقت نمايد بر ايشان، پس بايد راست بگويد طالب آب و گياه بأهل خود، و بايد كه حاضر سازد عقل خود را، و بايد كه بشود از ابناى آخرت، پس بدرستى كه او از آخرت كه عالم لاهوتست آمده بسوى عالم ناسوت، و بسوى آخرت برگشت او خواهد شد.

پس كسى كه نظر كند بقلب خود و عمل كننده باشد به بصيرت خود مي باشد ابتداء عمل او اين كه بداند آيا عمل او ضرر دارد بر او يا منفعت دارد مر او را، پس اگر نافع باشد او را اقدام مى‏ كند در او، و اگر مضر باشد خوددارى مى‏ نمايد از او پس بدرستي كه عمل كننده بغير علم مثل سير كننده است بر غير راه راست پس زياده نمى ‏كند دورى او از راه مگر دورى از مقصود او را، و عمل كننده بعلم مثل سير كننده است بر راه روشن، پس بايد كه نظر كند نظر كننده آيا سير كننده است او يا رجوع نماينده است و بدانكه بدرستى هر ظاهري را باطنى است بر طبق او پس آنچه كه پاكيزه است ظاهر او پاكيزه است باطن او، و آنچه كه خبيث است ظاهر او خبيث‏ است باطن او، و بتحقيق كه فرموده است پيغمبر صادق القول صلّى اللَّه عليه و آله اين كه بدرستى خداى تعالى دوست مى ‏دارد بنده را و دشمن مى‏ دارد عمل او را، و دوست مى ‏دارد عمل خوب را و دشمن مى‏ دارد بدن او را، و بدانكه بدرستى كه هر عمل بمنزله گياهيست، و هر گياه استغنا نيست او را از آب، و آبها مختلفند پس آنچه كه پاكيزه باشد سيرابى او پاكيزه شود كاشتن او و شيرين شود ميوه او، و آنچه كه زشت باشد آب خوردن آن زشت باشد كاشتن آن و تلخ و بد مزه باشد ميوه آن.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=