و من كتاب له عليه السّلام إلى بعض عماله
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ- وَ أَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الْأَثِيمِ- وَ أَسُدُّ بِهِ لَهَاةَ الثَّغْرِ الْمَخُوفِ- فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَى مَا أَهَمَّكَ- وَ اخْلِطِ الشِّدَّةَ بِضِغْثٍ مِنَ اللِّينِ- وَ ارْفُقْ مَا كَانَ الرِّفْقُ أَرْفَقَ- وَ اعْتَزِمْ بِالشِّدَّةِ حِينَ لَا تُغْنِي عَنْكَ إِلَّا الشِّدَّةُ- وَ اخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَكَ وَ ابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ- وَ أَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ- وَ آسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَ النَّظْرَةِ وَ الْإِشَارَةِ وَ التَّحِيَّةِ- حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ- وَ لَا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ
اللغة
أقول: النخوة: الكبر. و الأثيم: الآثم. و الضغث: النصيب من الشيء يختلط بغيره. و أصله القبضة من الحشيش المختلط من رطبه و يابسه. و اعتزم بكذا: أى لزمه و أخذ به.
المعنى
و قد استماله أوّلا بأمور ثلاثة أعلمه بها من نفسه و أعدّه لقبول أوامره،
و هى كونه ممّن يستظهر به على إقامة الدين، و يقمع به نخوة الأثيم، و يسدّ به الثغر المخوف. و استعار لفظ اللهاة لما عساه ينفتح من مفاسد الثغر فيحتاج إلى سدّه بالعسكر و السلاح ملاحظة الشبهه بالأسد الفاتح فاه للافتراس.
ثمّ أردف ذلك بما أمره به من مكارم الأخلاق.
أوّلها: أن يستعين باللّه على ما أهمّه
من اموره فإنّ الفزع إليه و الاستعانة به أفضل ما أعان على حصول المهمّات.
الثاني: أن يمزج الشدّة بضرب من اللين
و يضع كلامه موضعه فيرفق و يلين ما كان الرفق أولى و أوفق له و يأخذ بالشدّة حين لا يغنى إلّا الشدّة.
الثالث: أن يخفض جناحه لرعيّته،
و هو كناية عن التواضع.
الرابع: أن يبسط لهم وجهه،
و هو كناية عن لقائهم بالبشاشة و البشر و ترك العبوس و التقطيب.
الخامس: أن يلين لهم جانبه،
و هو كناية عن المساهلة معهم و عدم التشدّد عليهم.
السادس: أن يواسى بينهم في اللحظة و النظرة و الإشارة و التحيّة،
و اللحظة أخصّ من النظرة و هو أمر بفضيلة العدل بين الرعيّة لئلّا يطمع عظيمهم في حيفه على الضعيف فيتسلّط عليه، و لا ييأس الضعيف من عدله على القوىّ فيضعف نفسه و يكلّ عمّا هو بصدده من الأعمال المصلحيّة، و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 5 ، صفحهى 118