و من كلام له عليه السّلام
لما أشير عليه بأن لا يتبع طلحة و الزبير و لا يرصد لهما القتال وَ اللَّهِ لَا أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اللَّدْمِ- حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا وَ يَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا- وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ- وَ بِالسَّامِعِ الْمُطِيعِ الْعَاصِيَ الْمُرِيبَ أَبَداً- حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي- فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي- مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ- حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ بئهَذَا
أقول: روى أبو عبيد قال: أقبل أمير المؤمنين عليه السّلام الطواف و قد عزم على اتّباع طلحة و الزبير و قتالهما فأشار إليه ابنه الحسن عليه السّلام أن لا يتبعهما و لا يرصد لهما القتال فقال في جوابه هذا الكلام، و روى في سبب نقضهما لبيعته أنّهما دخلا عليه بعد أن بايعاه بأيّام و قالا: قد علمت جفوة عثمان لنا و ميله إلى بني اميّة مدّة خلافته، و طلبا منه أن يولّيهما المصرين، الكوفة و البصرة، فقال لهما حتّى أنظر ثمّ استشار عبد اللّه بن عبّاس فمنعه من ذلك فعاوداه فمنعهما فسخطا و فعلا ما فعلا،
اللغة
قال الأصمعي: اللدم بسكون الدال ضرب الحجر أو غيره على الأرض. و ليس بالقوىّ، و يحكى أنّ الضبع تستغفل في حجرها بمثل ذلك فتسكن حتّى تصاد، و يحكى في كيفيّة صيدها أنّهم يصنعون في حجرها حجرا و يضربون بأيديهم بابه فتحسب الحجر شيئا تصيده فتخرج فتصاد، و يقال إنّها من أحمق الحيوان و يبلغ من حمقها أن يدخل عليها فيقال هذه ليست امّ عامر أو يقال خامر امّ عامر فتسكن حتّى توثق رجلها بحبل معد لصيدها، و الختل الخديعة، و استأثرت بالشيء انفردت به،
المعنى
و أشار أوّلا إلى ردّما اشير عليه به من تأخّر القتال، و مفهوم التشبيه أنّه لو تأخّر لكان ذلك سببا لتمكّن الخصم ممّا قصده فيكون هو في ذلك شبيها بالضبع الّتي تنام و تسكن على طول حيلة راصدها فأقسم عليه السّلام أنّه لا يكون كذلك أي لا يسكن على كثرة الظلم و البغي و طول دفاعه عن حقّه ثمّ أردف ذلك بما هو الصواب عنده و هو المقاومة و القتال بمن أطاعه لمن عصاه فقال لكنّي أضرب بالمقبل إلى الحقّ وجه المدبر عنه و بالسامع المطيع وجه العاصي المريب أبدا، و راعى المقابلة هاهنا فالعاصي في مقابلة المطيع و المريب في مقابلة السامع لأنّ المرتاب في الحقّ مقابل للقابل له ثمّ فسّر الأبد بغاية عمره لأنّه الأبد الممكن له، و ذلك قوله حتّى يأتي علىّ يومي، و أشار بيومه إلى وقت ضرورة الموت كناية، ثمّ أردف ذلك بالتظلّم و الشكاية في دفاعه عن هذا الأمر و الاستيثار عليه المحوج له إلى هذه المقاومات و الشكايات و أشار إلى مبدء ذلك الدفاع و منتهاه و أكّد ذلك بالقسم البارّ و الإشارة بالحقّ المدفوع عنه إلى أمر الخلافة و هي شكاية مؤكّدة للشكايات السابقة، و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 1 ، صفحهى 282