
و من کلام له علیه السّلام فى الخوارج لما سمع قولهم: لا حکم إلا للّه،
قال علیه السّلام
کَلِمَهُ حَقٍّ یُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ- نَعَمْ إِنَّهُ لَا حُکْمَ إِلَّا لِلَّهِ- وَ لَکِنَّ هَؤُلَاءِ یَقُولُونَ لَا إِمْرَهَ- إِلَّا لِلَّهِ- وَ إِنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ
أَمِیرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ- یَعْمَلُ فِی إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ- وَ یَسْتَمْتِعُ فِیهَا الْکَافِرُ- وَ یُبَلِّغُ اللَّهُ فِیهَا الْأَجَلَ وَ یُجْمَعُ بِهِ الْفَیْءُ- وَ
یُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ وَ تَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ- وَ یُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِیفِ مِنَ الْقَوِیِّ- حَتَّى یَسْتَرِیحَ بَرٌّ وَ یُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ- وَ
فِی رِوَایَهٍ أُخْرَى أَنَّهُ ع لَمَّا سَمِعَ تَحْکِیمَهُمْ قَالَ حُکْمَ اللَّهِ أَنْتَظِرُ فِیکُمْ- وَ قَالَ أَمَّا الْإِمْرَهُ الْبَرَّهُ فَیَعْمَلُ فِیهَا
التَّقِیُّ- وَ أَمَّا الْإِمْرَهُ الْفَاجِرَهُ فَیَتَمَتَّعُ فِیهَا الشَّقِیُّ- إِلَى أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ وَ تُدْرِکَهُ مَنِیَّتُهُ
المعنى
قوله: کلمه حقّ یراد بها الباطل
أقول: قوله: کلمه حقّ یراد بها الباطل. هذه کلمه ردّ لما انغرس فی أذهان الخوارج من حقیّه دعاء أصحاب معاویه إلى کتاب اللّه: أى أنّ دعائهم لکم إلى کتاب اللّه کلمه حقّ لکن لیس مقصودهم بها کتاب اللّه بل غرض آخر باطل و هو فتور الحرب عنهم و تفرّق أهوائکم و نحوه ممّا لا یجوز أن یفعل.
قوله: لا حکم إلّا للّه.
تصدیق لقولهم لکن لما علیه الکلمه فی نفس الأمر لا لما رأوه حقّا من ظاهرها فإنّ حصر الحکم لیس بحقّ على معنى أنّه لیس للعبد أن یحکم بغیر ما نصّ کتاب اللّه علیه فإنّ أکثر الأحکام الفروعیّه غیر منصوص علیها مع أنّها أحکام اللّه بل تکون منتزعه بحسب الاجتهاد و سایر طرقها لمن کان أهلا لذلک، و یجب على من لیس له أهلیّه الاجتهاد امتثالها، و لمّا تصوّر الخوارج تلک الکلمه بمعنى أنّه لا یصحّ حکم لم یوجد فی کتاب اللّه و لا یجوز امتثاله و العمل به لا جرم قال: نعم لا حکم إلّا للّه لکن هؤلاء القوم یقولون: لا إمره: أی لمّا نفوا أن یکون لغیر اللّه حکم لم ینصّ علیه فقد نفوا الإمره لأنّ استنباط الأحکام و النظر فی وجوه المصالح من لوازم الإمره الّتی هى حال الأمیر فی رعیّته، و نفى اللازم یستلزم نفى الملزوم، و لمّا کانوا قد نفوا الإمره کذّبهم علیه السّلام بقوله: و لا بدّ للناس من أمیر برّ أو فاجر. فکان جمله الکلام فی معنى شرطیّه متّصله هکذا: إذا قالوا لا حکم إلّا للّه کما تصوّروه فقد قالوا بنفى الإمره لکنّ القول بنفى الإمره باطل فالقول بنفى الحکم إلّا للّه کما تصوّروه باطل. فقوله: و لا بدّ للناس من أمیر. فی معنى استثناء نقیض تالى المتّصله، و تقریره: أنّ الإنسان خلق ممنوّا بمقارنه النفس الأمّاره بالسوء محتاجا إلى مجموع قوى فی بدنه هى منابع الشرّ. فأهواء الخلق لذلک مختلفه، و قلوبهم متفرّقه فکانت طبیعه نظام أحوالهم فی معاشهم و بقائهم محوجه إلى سلطان قاهر تأتلف برهبته الأهواء، و تجتمع بهیبته القلوب، و تنکفّ بسطوته الأیدى العادیه إذ فی طباع الخلق من حبّ المغالبه على ما آثروه، و القهر لمن عاندوه ما لا ینکفّون عنه إلّا بمانع قوىّ و رادع ملىّ. و قد أفصح المتنبّى عن ذلک حیث یقول:
لا یسلم الشرف الرفیع من الأذى حتّى یراق على جوانبه الدم
و الظلم من شیم النفوس فإن
تجد ذاعفه فلعلّه لا یظلم
و هذه العلّه المانعه من الظلم عند الاستقراء یرجع إلى امور أربعه: إمّا عقل زاجر، أو دین حاجز، أو عجز مانع، أو سلطان رادع. و السلطان القاهر أبلغها نفعا لأنّ العقل و الدین ربّما کانا مغلوبین بدواعى الهوى فیکون رهبه السلطان أقوى ردعا و أعمّ نفعا و إن کان جائرا فإنّه روى عن رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم: إنّ اللّه لیؤیّد هذا الدین بقوم لا خلاق لهم فی الآخره، و روى: بالرجل الفاسق، و روى عنه أنّه قال: الإمام الجائر خیر من الفتنه فکلّ لا خیر فیه فی، و بعض الشرّ خیار: أى و أنّ وجود الإمام و إن کان جائرا خیر من عدمه المستلزم لوجود الفتنه و وقوع الهرج و المرج بین الخلق إذ کان بوجوده صلاح بعض الامور على أنّه و إن کان لا خیر فیه أیضا من جهه ما هو جائر کما قال: و کلّ لا خیر فیه إلّا أنّ هیبته و وجوده بین الخلق ممّا یوجب الانزجار عن إثاره الفتن و یکون ذلک خیرا وقع فی الوجود بوجوده لا یحصل مع عدمه فوجوده مطلقا واجب و ذلک معنى قوله علیه السّلام: لا بدّ للناس من أمیر برّ أو فاجر.
و قوله: یعمل فی إمرته المؤمن و یستمتع فیها الکافر.
الضمیر فی إمرته لمّا عاد إلى الأمیر، و کان لفظ الأمیر محتملا للبرّ و الفاجر کان المراد بالإمره الّتی یعمل فیها المؤمن إمره الأمیر من حیث هو برّ، و بالّتی یستمتع فیها الکافر إمرته من حیث هو فاجر، و هذا أولى من قول بعض الشارحین: إنّ الضمیر یعود إلى الفاجر فإنّ إمره الفاجر لیست مظنّه تمکّن المؤمن من عمله، و المراد یعمل المؤمن فی إمره البرّ عمله على وفق أوامر اللّه و نواهیه إذ ذلک وقت تمکّنه منه، و المراد باستمتاع الکافر فی إمره الفاجر انهما که فی اللذّات الحاضره الّتی یخالف فیها أوامر اللّه و ذلک فی وقت تمکّنه من مخالفه الدین.
و قوله: یبلّغ اللّه فیها الأجل.
أى فی إمره الأمیر سواء کان برّا أو فاجرا، و فائده هذه الکلمه تذکیر العصاه ببلوغ الأجل و تخویفهم به.
و قوله: و یجمع به الفىء. إلى قوله: القوىّ.
الضمائر المجروره کلّها راجعه إلى الأمیر المطلق إذ قد تحصل الامور المذکوره کلّها من وجوده کیف کان برّا أو فاجرا. و ممّا یؤیّد ذلک أنّ أکثر الخلق متّفقون على أنّ امراء بنى امیّه کانوا فجّارا عدا رجلین أو ثلاثه: کعثمان و عمر بن عبد العزیز و کان الفىء یجمع بهم، و البلاد تفتح فی أیّامهم، و الثغور الإسلامیّه محروسه، و السبل آمنه، و القوىّ مأخوذ بالضعیف، و لم یضرّ جورهم شیئا فی تلک الامور.
و قوله: حتّى یستریح برّ و یستراح من فاجر.
غایه من الامور المذکوره: أى غایه صدور هذه الامور أن یستریح برّ بوجودها و یستراح من تعدّى الفاجر و بغیه، و قیل: أراد أنّ هذه الامور لا تزال تحصل بوجود الأمیر برّا کان أو فاجرا إلى أن یستریح برّ بموته، و یستراح من فاجر بموته أو بعزله، و أمّا الروایه الاخرى فمعنى الکلام فیها ظاهر، و باللّه التوفیق.
شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحهى ۱۰۲
بازدیدها: ۵۶
دیدگاهها