خطبه۲۲شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام

وَ لَعَمْرِی مَا عَلَیَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ وَ خَابَطَ الْغَیَّ- مِنْ إِدْهَانٍ وَ لَا إِیهَانٍ- فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَ فِرُّوا إِلَى اللَّهِ مِنَ اللَّهِ- وَ امْضُوا فِی الَّذِی نَهَجَهُ لَکُمْ- وَ قُومُوا بِمَا عَصَبَهُ بِکُمْ- فَعَلِیٌّ ضَامِنٌ لِفَلْجِکُمْ آجِلًا إِنْ لَمْ تُمْنَحُوهُ عَاجِلًا

اللغه

أقول: الإدهان و المداهنه: المصانعه، و الإیهان مصدر أوهنه أى أضعفه، و خابط الغیّ بلفظ المفاعله: یخبط کلّ منهما فی الآخر. و قد مرّ أنّ الخبط: هو المشی على غیر استقامه، و الغیّ: الجهل. و نهجه: أى أوضحه. و عصبه بکم أی علقه بکم و ربطه. و الفلج الفوز، و المنحه: العطیّه

المعنى

و فی هذا الفصل ردّ لقول من قال إنّ متابعته علیه السّلام لمحاربیه و مخالفیه و مداهنتهم أولى من محاربتهم فردّ ذلک بقوله: لعمری ما علیّ إلى قوله: و لا إیهان. أى لیس مصانعتهم بواجبه علیّ من طریق المصلحه الدینیّه، و لیسوا بمضعفین لی، و لا علیّ فی قتالهم عجز.

و فی ذکره علیه السّلام لهم بصفه مخالفه الحقّ و مخابطه الغیّ و البغى تنبیه للسامعین و استدراج لهم لقیام عذره فی قتالهم إذ کانت مقاتله من هذه صفته واجبه فلا یمکن إنکار وقوعها منه. ثمّ أردف ذلک بأوامر:

أوّلها: الأمر بتقوى اللَّه، و قد علمت أنّ تقوى اللَّه هی خشیته المستلزمه للإعراض عن کلّ مناهیه المبعّده عنه و هو الزهد الحقیقی کما سبقت الإشاره إلیه.

الثانی: الأمر بالفرار إلى اللَّه و هو أمر بالإقبال على اللَّه و توجیه وجه النفس إلى کعبه وجوب وجوده، و اعلم أنّ فرار العبد إلى اللَّه تعالى على مراتب:

فاولیها: الفرار عن بعض آثاره إلى بعض کما یفرّ من أثر غضبه إلى أثر رحمته کما قال تعالى حکایه عن المؤمنین فی التضرّع إلیه «رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَهَ لَنا بِهِ وَ اعْفُ‏ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا»«» فکأنّهم لم یروا إلّا اللّه و أفعاله ففرُّوا إلى اللّه من بعضها إلى بعض.

الثانیه: أن یفنى العبد عن مشاهده الأفعال و یترقّى فی درجات القرب و المعرفه إلى مصادر الأفعال، و هی الصفات فیفرّ من بعضها إلى بعض کما ورد عن زین العابدین علیه السّلام، اللّهم اجعلنی اسوه من قد أنهضته بتجاوزک من مصارع المجرمین فأصبح طلیق عفوک من اسر سخطک، و العفو و السخط صفتان فاستعاذ بإحدیهما من الاخرى.

الثالثه: أن یترقّى عن مقام الصفات إلى ملاحظه الذات فیفرّ منها إلیها کقوله تعالى «لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَیْهِ»«» و کالوارد فی الدعاء فی القیام إلى الصلاه: منک و بک و لک و إلیک. أى منک بدء الوجود، و بک قیامه، و لک ملکه، و إلیک رجوعه.

ثمّ أکّد ذلک بقوله لا ملجأ و لا منجأ و لا مفرّ منک إلّا إلیک. و قد جمع الرسول صلى اللّه علیه و آله و سلّم هذه المراتب حین امر بالقرب فی قوله تعالى «وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ»«» و قال فی سجوده: أعوذ بعفوک من عقابک. و هو کلام من شاهد فعل اللّه فاستعاذ ببعض أفعاله من بعض، و العفو کما یراد به صفه العافی کذلک قد یراد به الأثر الحاصل عن صفه العفو فی المعفوّ عنه کالخلق و الصنع، ثمّ لمّا قرب فغنى عن مشاهده الأفعال و تترقّى إلى مصادرها و هى الصفات قال: و أعوذ برضاک من سخطک و هما صفتان، ثمّ لمّا رأى ذلک نقصانا فی التوحید اقترب و ترقّى عن مقام مشاهده الصفات إلى ملاحظه الذات فقال: و أعوذ بک منک، و هذا فرار إلیه منه مع قطع النظر عن الأفعال و الصفات، و هو أوّل مقام الوصول إلى ساحل العزّه. ثمّ للسباحه فی لجّه الوصول درجات اخر لا تتناهى. و لذلک لمّا ازداد صلى اللّه علیه و آله و سلّم قربا قال: لا احصى ثناء علیک. فکان ذلک حذفا لنفسه عن درجه الاعتبار فی ذلک المقام و اعترافا منه بالعجز عن الإحاطه بما له من صفات الجلال و نعوت الکمال، و کان قوله بعد ذلک: أنت کما أثنیت على نفسک.

کمالا للإخلاص و تجریدا للکمال المطلق الّذی به هو هو أجلّ من أن یلحقه لغیره حکم و همیّ أو عقلیّ. إذا عرفت ذلک ظهر أنّ مقصوده علیه السّلام بقوله: و فرّو إلى اللّه من اللّه. أمر بالترقّی إلى المرتبه الثالثه من المراتب المذکوره.

الثالث: الأمر بالمضیّ فیما نهجه لهم من السبیل الواضح العدل الّذی هو واسطه بین طرفى الإفراط و التفریط، و الصراط المستقیم المدلول علیه بالأوامر الشرعیّه. و قد علمت أنّ الغرض من سلوک هذا السبیل و امتثال التکالیف الّتی الزم الإنسان بها و عصبت به إنّما هو تطویع النفس الأمّاره بالسوء للنفس المطمئنّه بحیث تصیر مؤتمره لها و متصرّفه تحت حکمها العقلیّ منقاده لها عن الانهماک فی میولها الطبیعیّه و لذّاتها الفانیه. و حینئذ تعلم أنّ هذه الأوامر الثلاثه هی الّتی علیها مدار الریاضه و السلوک إلى اللّه تعالى، فالأمر الأوّل و الثالث أمر بما هو معین على حذف الموانع عن الالتفات إلى اللّه تعالى، و على تطویع النفس الأمّاره، و الأمر الثانی أمر بتوجیه السیر إلى اللّه. و قد تبیّن فیما مرّ أنّ هذه الامور الثلاثه هی الأغراض الّتی یتوجّه نحوها الریاضه المستلزمه لکمال الاستعداد المستلزم للوصول التامّ.

و لذلک قال علیه السّلام: فعلیّ ضامن لفلحکم آجلا إن لم تمنحوه عاجلا. أى إذا قمتم بواجب ما امرتم به من هذه الأوامر کان ذلک مستلزما لفوزکم فی دار القرار بجنّات تجری من تحتها الأنهار الّتی هی الغایات الحقیقیه و لمثلها یعمل العاملون و فیها یتنافس المتنافسون إن لم یتمّ تأهّلکم للفوز فی الدار العاجله فمنحوه فیها، و قد یتمّ الفوز بالسعادتین العاجلیّه و الآجلیّه لمن وفت قوّته بالقیام بهما و کمل استحقاقه لذلک فی علم اللّه. و لمّا کان حصول السعاده و الفوز عن لزوم الأوامر المذکوره أمرا واجبا واضح الوجوب فی علمه علیه السّلام لا جرم کان ضامنا له.

فإن قلت: فما وجه اتّصال هذه الأوامر بصدر هذا الفصل قلت: لمّا کان مقتضى صدر الفصل إلى قوله: و لا إیهان. هو الإعذار إلى السامعین فی قتال مخالفی الحقّ، و کان مفهوم ذلک هو الحثّ على جهادهم و التنفیر عمّا هم علیه من الطریق الجائر کان تعقیب ذلک بذکر الطریق الواضح المأمور بسلوکه و لزوم حدوداللّه فیه لهو اللایق الواجب.

و باللّه التوفیق.

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۲ ، صفحه‏ى ۴

 

بازدیدها: ۷

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.