google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
60-80 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 66 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(يوم السقيفة)

الجزء السادس

تتمة الخطب و الأوامر

بسم الله الرحمن الرحيم- الحمد لله رب العالمين- و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين

66 و من كلام له ع في معنى الأنصار

 قَالُوا: لَمَّا انْتَهَتْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنْبَاءُ السَّقِيفَةِ- بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص- قَالَ ع مَا قَالَتِ الْأَنْصَارُ- قَالُوا قَالَتْ مِنَّا أَمِيرٌ وَ مِنْكُمْ أَمِيرٌ- قَالَ ع فَهَلَّا احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ- بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص وَصَّى بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهِمْ- وَ يُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ- قَالُوا وَ مَا فِي هَذَا مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ- فَقَالَ ع لَوْ كَانَ الْإِمَامَةُ فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ- ثُمَّ قَالَ ع فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ- قَالُوا احْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَةُ الرَّسُولِ ص- فَقَالَ ع‏احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وَ أَضَاعُوا الثَّمَرَةَ قد ذكرنا فيما تقدم طرفا من أخبار السقيفة- فأما هذا الخبر الوارد في الوصية بالأنصار فهو خبر صحيح- أخرجه الشيخان محمد بن إسماعيل البخاري- و مسلم بن الحجاج القشيري في مسنديهما- عن أنس بن مالك قال- مر أبو بكر و العباس رضي الله تعالى عنهما- بمجلس من الأنصار- في مرض رسول الله ص و هم يبكون- فقالا ما يبكيكم قالوا ذكرنا محاسن رسول الله ص- فدخلا على النبي ص و أخبراه بذلك- فخرج ص و قد عصب على رأسه حاشية برده فصعد المنبر- و لم يصعده بعد ذلك اليوم فحمد الله و أثنى عليه-ثم قال أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي و عيبتي- و قد قضوا الذي عليهم و بقي الذي لهم- فاقبلوا من محسنهم و تجاوزوا عن مسيئهم- .

فأما كيفية الاحتجاج على الأنصار فقد ذكرها علي ع- و هي أنه لو كان ص ممن يجعل الإمامة فيهم- لأوصى إليهم و لم يوص بهم- . و إلى هذا نظر عمرو بن سعيد بن العاص- و هو المسمى بالأشدق- فإن أباه لما مات خلفه غلاما- فدخل إلى معاوية فقال إلى من أوصى بك أبوك- فقال إن أبي أوصى إلي و لم يوص بي- فاستحسن معاوية منه ذلك- فقال إن هذا الغلام لأشدق فسمي الأشدق- . فأما قول أمير المؤمنين- احتجوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة- فكلام قد تكرر منه‏ع أمثاله-نحو قوله إذا احتج عليهم المهاجرون بالقرب من رسول الله ص- كانت الحجة لنا على المهاجرين بذلك قائمة- فإن فلجت حجتهم كانت لنا دونهم- و إلا فالأنصار على دعوتهم- . و نحو هذا المعنى قول العباس لأبي بكر- و أما قولك نحن شجرة رسول الله ص- فإنكم جيرانها و نحن أغصانها

يوم السقيفة

و نحن نذكر خبر السقيفة- روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري- في كتاب السقيفة- قال أخبرني أحمد بن إسحاق قال حدثنا أحمد بن سيار- قال حدثنا سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري- أن النبي ص لما قبض- اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة- فقالوا إن رسول الله ص قد قبض- فقال سعد بن عبادة لابنه قيس أو لبعض بنيه- إني لا أستطيع أن أسمع الناس كلامي لمرضي- و لكن تلق مني قولي فأسمعهم- فكان سعد يتكلم- و يستمع ابنه و يرفع به صوته ليسمع قومه- فكان من قوله بعد حمد الله و الثناء عليه أن قال- إن لكم سابقة إلى الدين- و فضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب- أن رسول الله ص لبث في قومه بضع عشرة سنة- يدعوهم إلى عبادة الرحمن و خلع الأوثان- فما آمن به من قومه إلا قليل- و الله ما كانوا يقدرون أن يمنعوا رسول الله-و لا يعزوا دينه و لا يدفعوا عنه عداه- حتى أراد الله بكم خير الفضيلة- و ساق إليكم الكرامة و خصكم بدينه- و رزقكم الإيمان به و برسوله- و الإعزاز لدينه و الجهاد لأعدائه- فكنتم أشد الناس على من تخلف عنه منكم- و أثقله على عدوه من غيركم- حتى استقاموا لأمر الله طوعا و كرها- و أعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا- حتى أنجز الله لنبيكم الوعد و دانت لأسيافكم العرب- ثم توفاه الله تعالى و هو عنكم راض و بكم قرير عين- فشدوا يديكم بهذا الأمر- فإنكم أحق الناس و أولاهم به- . فأجابوا جميعا أن وفقت في الرأي و أصبت في القول- و لن نعدو ما أمرت نوليك هذا الأمر- فأنت لنا مقنع و لصالح المؤمنين رضا- .

ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم- فقالوا إن أبت مهاجرة قريش- فقالوا نحن المهاجرون- و أصحاب رسول الله ص الأولون- و نحن عشيرته و أولياؤه- فعلام تنازعوننا هذا الأمر من بعده- فقالت طائفة منهم إذا نقول منا أمير و منكم أمير- لن نرضى بدون هذا منهم أبدا- لنا في الإيواء و النصرة ما لهم في الهجرة- و لنا في كتاب الله ما لهم- فليسوا يعدون شيئا إلا و نعد مثله- و ليس من رأينا الاستئثار عليهم- فمنا أمير و منهم أمير- . فقال سعد بن عبادة هذا أول الوهن- . و أتى الخبر عمر فأتى منزل رسول الله ص- فوجد أبا بكر في الدار و عليا في جهاز رسول الله ص- و كان الذي أتاه بالخبر معن بن عدي فأخذ بيد عمر و قال قم- فقال عمر إني عنك مشغول- فقال إنه لا بد من قيام فقام معه- فقال له إن هذا الحي من الأنصار- قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة- معهم سعد بن عبادة يدورون حوله- و يقولون أنت المرجى و نجلك المرجى- و ثم أناس من‏أشرافهم و قد خشيت الفتنة- فانظر يا عمر ما ذا ترى- و اذكر لإخوتك من المهاجرين و اختاروا لأنفسكم- فإني انظر إلى باب فتنة- قد فتح الساعة إلا أن يغلقه الله- ففزع عمر أشد الفزع- حتى أتى أبا بكر فأخذ بيده فقال قم- فقال أبو بكر إني عنك مشغول- فقال عمر لا بد من قيام و سنرجع إن شاء الله- . فقام أبو بكر مع عمر فحدثه الحديث- ففزع أبو بكر أشد الفزع- و خرجا مسرعين إلى سقيفة بني ساعدة- و فيها رجال من أشراف الأنصار- و معهم سعد بن عبادة و هو مريض بين أظهرهم- فأراد عمر أن يتكلم و يمهد لأبي بكر- و قال خشيت أن يقصر أبو بكر عن بعض الكلام- فلما نبس عمر كفه أبو بكر و قال على رسلك- فتلق الكلام ثم تكلم بعد كلامي بما بدا لك- فتشهد أبو بكر ثم قال- .

إن الله جل ثناؤه بعث محمدا بالهدى و دين الحق- فدعا إلى الإسلام- فأخذ الله بقلوبنا و نواصينا إلى ما دعانا إليه- و كنا معاشر المسلمين المهاجرين أول الناس إسلاما- و الناس لنا في ذلك تبع- و نحن عشيرة رسول الله ص و أوسط العرب أنسابا- ليس من قبائل العرب إلا و لقريش فيها ولادة- و أنتم أنصار الله و أنتم نصرتم رسول الله ص- ثم أنتم وزراء رسول الله ص- و إخواننا في كتاب الله و شركاؤنا في الدين- و فيما كنا فيه من خير- فأنتم أحب الناس إلينا و أكرمهم علينا- و أحق الناس بالرضا بقضاء الله- و التسليم لما ساق الله إلى إخوانكم من المهاجرين- و أحق الناس ألا تحسدوهم- فأنتم المؤثرون على أنفسهم حين الخصاصة و أحق الناس- ألا يكون انتفاض هذا الدين و اختلاطه على أيديكم- و أنا أدعوكم إلى أبي عبيدة و عمر- فكلاهما قد رضيت لهذا الأمر و كلاهما أراه له أهلا- .

فقال عمر و أبو عبيدة- ما ينبغي لأحد من الناس أن يكون فوقك- أنت صاحب الغار ثاني اثنين- و أمرك رسول الله بالصلاة- فأنت أحق الناس بهذا الأمر- . فقال الأنصار و الله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم- و لا أحد أحب إلينا و لا أرضى عندنا منكم- و لكنا نشفق فيما بعد هذا اليوم- و نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا و لا منكم- فلو جعلتم اليوم رجلا منكم بايعنا و رضينا- على أنه إذا هلك اخترنا واحدا من الأنصار- فإذا هلك كان آخر من المهاجرين أبدا ما بقيت هذه الأمة- كان ذلك أجدر أن نعدل في أمة محمد ص- فيشفق الأنصاري أن يزيغ فيقبض عليه القرشي- و يشفق القرشي أن يزيغ فيقبض عليه الأنصاري- .

فقام أبو بكر فقال إن رسول الله ص لما بعث- عظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخالفوه و شاقوه- و خص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه- و الإيمان به و المواساة له و الصبر معه على شدة أذى قومه- و لم يستوحشوا لكثرة عدوهم- فهم أول من عبد الله في الأرض- و هم أول من آمن برسول الله و هم أولياؤه و عترته- و أحق الناس بالأمر بعده لا ينازعهم فيه إلا ظالم- و ليس أحد بعد المهاجرين فضلا و قدما في الإسلام مثلكم- فنحن الأمراء و أنتم الوزراء- لا نمتاز دونكم بمشورة و لا نقضي دونكم الأمور- . فقام الحباب بن المنذر بن الجموح- فقال يا معشر الأنصار املكوا عليكم أيديكم- إنما الناس في فيئكم و ظلكم- و لن يجترئ مجترئ على خلافكم- و لا يصدر الناس إلا عن أمركم- أنتم أهل الإيواء و النصرة و إليكم كانت الهجرة- و أنتم أصحاب الدار و الإيمان- و الله ما عبد الله علانية إلا عندكم و في بلادكم-و لا جمعت الصلاة إلا في مساجدكم- و لا عرف الإيمان إلا من أسيافكم- فاملكوا عليكم أمركم- فإن أبى هؤلاء فمنا أمير و منهم أمير- . فقال عمر هيهات لا يجتمع سيفان في غمد- إن العرب لا ترضى أن تؤمركم و نبيها من غيركم- و ليس تمتنع العرب- أن تولى أمرها من كانت النبوة فيهم- و أولو الأمر منهم- لنا بذلك الحجة الظاهرة على من خالفنا- و السلطان المبين على من نازعنا- من ذا يخاصمنا في سلطان محمد و ميراثه- و نحن أولياؤه و عشيرته- إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة- .

فقام الحباب و قال يا معشر الأنصار- لا تسمعوا مقالة هذا و أصحابه- فيذهبوا بنصيبكم من الأمر- فإن أبوا عليكم ما أعطيتموهم فاجلوهم عن بلادكم- و تولوا هذا الأمر عليهم- فأنتم أولى الناس بهذا الأمر- إنه دان لهذا الأمر بأسيافكم من لم يكن يدين له- أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب- إن شئتم لنعيدنها جذعة- و الله لا يرد أحد علي ما أقول إلا حطمت أنفه بالسيف- .

قال فلما رأى بشير بن سعد الخزرجي- ما اجتمعت عليه الأنصار من تأمير سعد بن عبادة- و كان حاسدا له و كان من سادة الخزرج قام فقال- أيها الأنصار إنا و إن كنا ذوي سابقة- فإنا لم نرد بجهادنا و إسلامنا إلا رضا ربنا و طاعة نبينا- و لا ينبغي لنا أن نستطيل بذلك على الناس- و لا نبتغي به عوضامن الدنيا- إن محمدا ص رجل من قريش- و قومه أحق بميراث أمره- و ايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر- فاتقوا الله و لا تنازعوهم و لا تخالفوهم- . فقام أبو بكر و قال هذا عمر و أبو عبيدة- بايعوا أيهما شئتم فقالا و الله لا نتولى هذا الأمر عليك- و أنت أفضل المهاجرين و ثاني اثنين- و خليفة رسول الله ص على الصلاة و الصلاة أفضل الدين- ابسط يدك نبايعك- . فلما بسط يده و ذهبا يبايعانه- سبقهما بشير بن سعد فبايعه- فناداه الحباب بن المنذر يا بشير عقك عقاق- و الله ما اضطرك إلى هذا الأمر إلا الحسد لابن عمك- . و لما رأت الأوس أن رئيسا من رؤساء الخزرج قد بايع- قام أسيد بن حضير و هو رئيس الأوس- فبايع حسدا لسعد أيضا و منافسة له أن يلي الأمر- فبايعت الأوس كلها لما بايع أسيد- و حمل سعد بن عبادة و هو مريض فأدخل إلى منزله- فامتنع من البيعة في ذلك اليوم و فيما بعده- و أراد عمر أن يكرهه عليها فأشير عليه ألا يفعل- و أنه لا يبايع حتى يقتل و أنه لا يقتل حتى يقتل أهله- و لا يقتل أهله حتى يقتل الخزرج- و إن حوربت الخزرج كانت الأوس معها- .

و فسد الأمر فتركوه فكان لا يصلي بصلاتهم- و لا يجمع بجماعتهم و لا يقضي بقضائهم- و لو وجد أعوانا لضاربهم- فلم يزل كذلك حتى مات أبو بكر- ثم لقي عمر في خلافته و هو على فرس و عمر على بعير- فقال له عمر هيهات يا سعد- فقال سعد هيهات يا عمر- فقال أنت صاحب من أنت صاحبه قال نعم أنا ذاك- ثم قال لعمر- و الله ما جاورني أحد هو أبغض إلي جوارا منك- قال عمر فإنه من كره جوار رجل انتقل عنه- فقال سعد إني لأرجو أن أخليها لك عاجلا- إلى جوار من هو أحب إلي‏ جوارا منك و من أصحابك- فلم يلبث سعد بعد ذلك إلا قليلا حتى خرج إلى الشام- فمات بحوران و لم يبايع لأحد- لا لأبي بكر و لا لعمر و لا لغيرهما- . قال و كثر الناس على أبي بكر- فبايعه معظم المسلمين في ذلك اليوم- و اجتمعت بنو هاشم إلى بيت علي بن أبي طالب- و معهم الزبير و كان يعد نفسه رجلا من بني هاشم- كان علي يقول ما زال الزبير منا أهل البيت- حتى نشأ بنوه فصرفوه عنا- .

و اجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان- و اجتمعت بنو زهرة إلى سعد و عبد الرحمن- فأقبل عمر إليهم و أبو عبيدة- فقال ما لي أراكم ملتاثين- قوموا فبايعوا أبا بكر- فقد بايع له الناس و بايعه الأنصار- فقام عثمان و من معه و قام سعد و عبد الرحمن و من معهما- فبايعوا أبا بكر- . و ذهب عمر و معه عصابة إلى بيت فاطمة- منهم أسيد بن حضير و سلمة بن أسلم- فقال لهم انطلقوا فبايعوا فأبوا عليه- و خرج إليهم الزبير بسيفه- فقال عمر عليكم الكلب فوثب عليه سلمة بن أسلم- فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار- ثم انطلقوا به و بعلي و معها بنو هاشم-و علي يقول أنا عبد الله و أخو رسول الله ص- حتى انتهوا به إلى أبي بكر- فقيل له بايع- فقال أنا أحق بهذا الأمر منكم- لا أبايعكم و أنتم أولى بالبيعة لي- أخذتم هذا الأمر من الأنصار- و احتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله- فأعطوكم المقادة و سلموا إليكم الإمارة- و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار- فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم- و اعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم- و إلا فبوءوا بالظلم و أنتم تعلمون- .

فقال عمر إنك لست متروكا حتى تبايع- فقال له علي احلب يا عمر حلبا لك شطره- اشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا- ألا و الله لا أقبل قولك و لا أبايعه- فقال له أبو بكرفإن لم تبايعني لم أكرهك- فقال له أبو عبيدة يا أبا الحسن إنك حديث السن- و هؤلاء مشيخة قريش قومك- ليس لك مثل تجربتهم و معرفتهم بالأمور- و لا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك- و أشد احتمالا له و اضطلاعا به- فسلم له هذا الأمر و ارض به- فإنك إن تعش و يطل عمرك- فأنت لهذا الأمر خليق و به حقيق- في فضلك و قرابتك و سابقتك و جهادك- .

فقال علي يا معشر المهاجرين الله الله- لا تخرجوا سلطان محمد عن داره- و بيته إلى بيوتكم و دوركم- و لا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس و حقه- فو الله يا معشر المهاجرين- لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم- أ ما كان منا القارئ لكتاب الله- الفقيه في دين الله العالم بالسنة- المضطلع بأمر الرعية- و الله إنه لفينا فلا تتبعوا الهوى- فتزدادوا من الحق بعدا- .

فقال بشير بن سعد- لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي- قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان- و لكنهم قد بايعوا- و انصرف علي إلى منزله و لم يبايع- و لزم بيته حتى ماتت فاطمة فبايع- . قلت هذا الحديث يدل- على بطلان ما يدعى من النص على أمير المؤمنين و غيره- لأنه لو كان هناك نص صريح لاحتج به و لم يجر للنص ذكر- و إنما كان الاحتجاج منه و من أبي بكر- و من الأنصار بالسوابق و الفضائل و القرب- فلو كان هناك نص على أمير المؤمنين أو على أبي بكر- لاحتج به أبو بكر أيضا على الأنصار- و لاحتج به أمير المؤمنين على أبي بكر- فإن هذا الخبر و غيره من الأخبار المستفيضة- يدل على أنه قد كان كاشفهم- و هتك القناع بينه و بينهم- أ لا تراه كيف نسبهم إلى التعدي عليه و ظلمه- و تمنع من طاعتهم-و أسمعهم من الكلام أشده و أغلظه- فلو كان هناك نص لذكره- أو ذكره بعض من كان من شيعته و حزبه لأنه لا عطر بعد عروس- .

و هذا أيضا يدل على أن الخبر المروي في أبي بكر- في صحيحي البخاري و مسلم غير صحيح-و هو ما روي من قوله ع لعائشة في مرضه ادعي لي أباك حتى أكتب لأبي بكر كتابا- فإني أخاف أن يقول قائل أو يتمنى متمن- و يأبى الله و المؤمنون إلا أبا بكر- و هذا هو نص مذهب المعتزلة- .

و قال أحمد بن عبد العزيز الجوهري أيضا حدثنا أحمد و قال حدثنا ابن عفير قال حدثنا أبو عوف عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهما أن عليا حمل فاطمة على حمار- و سار بها ليلا إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة- و تسألهم فاطمة الانتصار له- فكانوا يقولون يا بنت رسول الله- قد مضت بيعتنا لهذا الرجل- لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به- فقال علي أ كنت أترك رسول الله ميتا في بيته لا أجهزه- و أخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه- و قالت فاطمة ما صنع أبو حسن إلا ما كان ينبغي له- و صنعوا هم ما الله حسبهم عليه و قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز و حدثنا أحمد قال حدثني سعيد بن كثير قال حدثني ابن لهيعة أن رسول الله ص لما مات و أبو ذر غائب- و قدم و قد ولي أبو بكر- فقال أصبتم قناعه و تركتم قرابه- لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم- لما اختلف عليكم اثنانقال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا أبو قبيصة محمد بن حرب قال لما توفي النبي ص- و جرى في السقيفة ما جرى تمثل علي

و أصبح أقوام يقولون ما اشتهوا
و يطغون لما غال زيدا غوائله‏

قصيدة أبي القاسم المغربي و تعصبه للأنصار على قريشو حدثني أبو جعفر يحيى بن محمد- بن زيد العلوي نقيب البصرة قال- لما قدم أبو القاسم علي بن الحسين المغربي- من مصر إلى بغداد- استكتبه شرف الدولة أبو علي بن بويه- و هو يومئذ سلطان الحضرة- و أمير الأمراء بها و القادر خليفة- ففسدت الحال بينه و بين القادر- و اتفق لأبي القاسم المغربي أعداء سوء- أوحشوا القادر منه- و أوهموه أنه مع شرف الدولة في القبض عليه- و خلعه من الخلافة- فأطلق لسانه في ذكره بالقبيح- و أوصل القول فيه و الشكوى منه- و نسبه إلى الرفض و سب السلف و إلى كفران النعمة- و أنه هرب من يد الحاكم صاحب مصر بعد إحسانه إليه- . قال النقيب أبو جعفر رحمه الله تعالى فأما الرفض فنعم- و أما إحسان الحاكم إليه فلا كان الحاكم- قتل أباه و عمه و أخا من إخوته- و أفلت منه أبو القاسم بخديعة الدين- و لو ظفر به لألحقه بهم- .

قال أبو جعفر و كان أبو القاسم المغربي ينسب في الأزد- و يتعصب لقحطان على عدنان و للأنصار على قريش- و كان غاليا في ذلك مع تشيعه- و كان أديبا فاضلا شاعرا مترسلا و كثير الفنون عالما- و انحدر مع شرف الدولة إلى واسط- فاتفق أن حصل بيد القادر كتاب بخطه شبه مجموع- قد جمعه من خطه و شعره و كلامه مسود- أتحفه به بعض من كان يشنأ أبا القاسم و يريد كيده- فوجد القادر في ذلك المجموع قصيدة من شعره- فيها تعصب شديد للأنصار على المهاجرين- حتى خرج إلى نوع من الإلحاد و الزندقة لإفراط غلوه-و فيها تصريح بالرفض مع ذلك- فوجدها القادر تمرة الغراب- و أبرزها إلى ديوان الخلافة- فقرئ المجموع و القصيدة بمحضر من أعيان الناس- من الأشراف و القضاة و المعدلين و الفقهاء- و يشهد أكثرهم أنه خطه- و أنهم يعرفونه كما يعرفون وجهه- و أمر بمكاتبة شرف الدولة بذلك- فإلى أن وصل الكتاب إلى شرف الدولة بما جرى- اتصل الخبر بأبي القاسم- قبل وصول الكتاب إلى شرف الدولة- فهرب ليلا و معه بعض غلمانه- و جارية كان يهواها و يتحظاها- و مضى إلى البطيحة ثم منها إلى الموصل- ثم إلى الشام و مات في طريقه- فأوصى أن تحمل جثته إلى مشهد علي فحملت في تابوت- و معها خفراء العرب حتى دفن بالمشهد بالقرب منه ع- . و كنت برهة أسأل النقيب أبا جعفر عن القصيدة- و هو يدافعني بها حتى أملأها علي بعد حين- و قد أوردت هاهنا بعضها- لأني لم أستجز و لم أستحل إيرادها على وجهها- فمن جملتها و هو يذكر في أولها رسول الله ص- و يقول إنه لو لا الأنصار لم تستقم لدعوته دعامة- و لا أرست له قاعدة في أبيات فاحشة كرهنا ذكرها-

نحن الذين بنا استجار فلم يضع
فينا و أصبح في أعز جوار

بسيوفنا أمست سخينة بركا
في بدرها كنحائر الجزار

و لنحن في أحد سمحنا دونه
بنفوسنا للموت خوف العار

فنجا بمهجته فلو لا ذبنا
عنه تنشب في مخالب ضار

و حمية السعدين بل بحماية السدين
يوم الجحفل الجرار

في الخندق المشهور إذ ألقى بها
بيد و رام دفاعها بثمار

قالا معاذ الله إن هضيمه
لم نعطها في سالف الأعصار

ما عندنا إلا السيوف و أقبلا
نحو الحتوف بها بدار بدار

و لنا بيوم حنين آثار متى‏
تذكر فهن كرائم الآثار

لما تصدع جمعه فغدا بنا
مستصرخا بعقيرة و جؤار

عطفت عليه كماتنا فتحصنت‏
منا جموع هوازن بفرار

و فدته من أبناء قيلة عصبة
شروى النقير و جنة البقار

أ فنحن أولى بالخلافة بعده‏
أم عبد تيم حاملو الأوزار

ما الأمر إلا أمرنا و بسعدنا
زفت عروس الملك غير نوار

لكنما حسد النفوس و شحها
و تذكر الأذحال و الأوتار

أفضى إلى هرج و مرج فانبرت
عشواء خابطة بغير نهار

و تداولتها أربع لو لا أبو
حسن لقلت لؤمت من إستار

من عاجز ضرع و من ذي غلظة
جاف و من ذي لوثة خوار

ثم ارتدى المحروم فضل ردائها
فغلت مراجل إحنة و نفار

فتأكلت تلك الجذى و تلمظت
تلك الظبا و رقا أجيج النار

تالله لو ألقوا إليه زمامها
لمشى بهم سجحا بغير عثار

و لو أنها حلت بساحة مجده
بادي بدا سكنت بدار قرار

هو كالنبي فضيلة لكن ذا
من حظه كاس و هذا عار

و الفضل ليس بنافع أربابه
إلا بمسعدة من الأقدار

ثم امتطاها عبد شمس فاغتدت‏
هزؤا و بدل ربحها بخسار

و تنقلت في عصبة أموية
ليسوا بأطهار و لا أبرار

ما بين مأفون إلى متزندق
و مداهن و مضاعف و حمار

فهذه الأبيات هي نظيف القصيدة- التقطناها و حذفنا الفاحش- و في الملتقط المذكور أيضا ما لا يجوز- و هو قوله نحن الذين بنا استجار- و قوله ألقى بها بيد- و قوله فنجا بمهجته البيت- و قوله عن أبي بكر عبد تيم- و قوله لو لا علي لقلت في الأربعة أنهم إستار لؤم- و ذكره الثلاثة رضي الله عنهم بما ذكرهم و نسبهم إليه- و قوله إن عليا كالنبي في الفضيلة- و قوله إن النبوة حظ أعطيه و حرمه علي ع- . فأما قوله في بني أمية ما بين مأفون البيت- فمأخوذ من قول عبد الملك بن مروان- و قد خطب فذكر الخلفاء من بني أمية قبله- فقال إني و الله لست بالخليفة المستضعف- و لا بالخليفة المداهن و لا بالخليفة المأفون- عنى بالمستضعف عثمان و بالمداهن معاوية- و بالمأفون يزيد بن معاوية- فزاد هذا الشاعر فيهم اثنين و هما المتزندق- و هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك- و الحمار و هو مروان بن محمد بن مروان
أمر المهاجرين و الأنصار بعد بيعة أبي بكرو روى الزبير بن بكار في الموفقيات- قال لما بايع بشير بن سعد أبا بكر- و ازدحم الناس على أبي بكر فبايعوه- مر أبو سفيان بن حرب بالبيت- الذي فيه علي بن أبي طالب ع- فوقف و أنشد

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم
و لا سيما تيم بن مرة أو عدي‏

فما الأمر إلا فيكم و إليكم‏
و ليس لها إلا أبو حسن علي‏

أبا حسن فاشدد بها كف حازم
فإنك بالأمر الذي يرتجى ملي‏

و أي امرئ يرمي قصيا و رأيها
منبع الحمى و الناس من غالب قصي‏

فقال علي لأبي سفيان إنك تريد أمرا لسنا من أصحابه- و قد عهد إلي رسول الله ص عهدا فأنا عليه- فتركه أبو سفيان- و عدل إلى العباس بن عبد المطلب في منزله- فقال يا أبا الفضل أنت أحق بميراث ابن أخيك- امدد يدك لأبايعك- فلا يختلف عليك الناس بعد بيعتي إياك- فضحك العباس و قال- يا أبا سفيان يدفعها علي و يطلبها العباس- فرجع أبو سفيان خائبا- . قال الزبير و ذكر محمد بن إسحاق- أن الأوس تزعم أن أول من بايع أبا بكر بشير بن سعد- و تزعم الخزرج أن أول من بايع أسيد بن حضير- . قلت بشير بن سعد خزرجي و أسيد بن حضير أوسي- و إنما تدافع الفريقان الروايتين- تفاديا عن سعد بن عبادة و كراهية كل حي منهما- أن يكون نقض أمره جاء من جهة صاحبه- فالخزرج هم أهله و قرابته- لا يقرون أن بشير بن سعد هو أول من بايع أبا بكر- و أبطل أمر سعد بن عبادة- و يحيلون بذلك على أسيد بن حضير- لأنه من الأوس أعداء الخزرج- و أما الأوس فتكره أيضا أن ينسب أسيد- إلى أنه أول من نقض أمر سعد بن عبادة- كي لا يرموه بالحسد للخزرج- لأن سعد بن عبادة خزرجي- فيحيلون بانتقاض أمره على قبيلته و هم الخزرج- و يقولون إن أول من بايع أبا بكر- و نقض دعوة سعد بن عبادة بشير بن سعد و كان بشير أعور- . و الذي ثبت عندي أن أول من بايعه عمر- ثم بشير بن سعد ثم أسيد بن حضير- ثم أبو عبيدة بن الجراح ثم سالم مولى أبي حذيفة- .

قال الزبير و قد كان مالأ أبا بكر و عمر على نقض أمر سعد- و إفساد حاله رجلان من الأنصار ممن شهد بدرا- و هما عويم بن ساعدة و معن بن عدي- . قلت- كان هذان الرجلان ذوي حب لأبي بكر في حياة رسول الله ص- و اتفق مع ذلك بغض و شحناء- كانت بينهما و بين سعد بن عبادة و لها سبب مذكور في كتاب القبائل لأبي عبيدة معمر بن المثنى- فليطلب من هناك- . و عويم بن ساعدة هو القائل لما نصب الأنصار سعدا- يا معشر الخزرج إن كان هذا الأمر فيكم دون قريش- فعرفونا ذلك و برهنوا حتى نبايعكم عليه- و إن كان لهم دونكم فسلموا إليهم- فو الله ما هلك رسول الله ص- حتى عرفنا أن أبا بكر خليفة حين أمره أن يصلي بالناس- فشتمه الأنصار و أخرجوه- فانطلق مسرعا حتى التحق بأبي بكر- فشحذ عزمه على طلب الخلافة- .

ذكر هذا بعينه الزبير بن بكار في الموفقيات- . و ذكر المدائني و الواقدي أن معن بن عدي اتفق هو و عويم بن ساعدة- على تحريض أبي بكر و عمر على طلب الأمر و صرفه عن الأنصار- قالا و كان معن بن عدي يشخصهما إشخاصا- و يسوقهما سوقا عنيفا إلى السقيفة- مبادرة إلى الأمر قبل فواته- . قال الزبير بن بكار فلما بويع أبو بكر- أقبلت الجماعة التي بايعته- تزفه زفا إلى مسجد رسول الله ص- فلما كان آخر النهار افترقوا إلى منازلهم- فاجتمع قوم من الأنصار و قوم من المهاجرين- فتعاتبوا فيما بينهم-

فقال عبد الرحمن بن عوف يا معشر الأنصار- إنكم و إن كنتم أولي فضل و نصر و سابقة- و لكن ليس فيكم مثل أبي بكر- و لا عمر و لا علي و لا أبي عبيدة- فقال زيد بن أرقم إنا لا ننكر فضل من ذكرت‏يا عبد الرحمن- و إن منا لسيد الأنصار سعد بن عبادة- و من أمر الله رسوله أن يقرئه السلام- و أن يأخذ عنه القرآن أبي بن كعب- و من يجي‏ء يوم القيامة أمام العلماء معاذ بن جبل- و من أمضى رسول الله ص شهادته بشهادة رجلين- خزيمة بن ثابت- و إنا لنعلم أن ممن سميت من قريش- من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد علي بن أبي طالب- . قال الزبير فلما كان من الغد قام أبو بكر فخطب الناس- و قال أيها الناس إني وليت أمركم و لست بخيركم- فإذا أحسنت فأعينوني و إن أسأت فقوموني- إن لي شيطانا يعتريني- فإياكم و إياي إذا غضبت- لا أوثر في أشعاركم و أبشاركم- الصدق أمانة و الكذب خيانة- و الضعيف منكم قوي حتى أرد إليه حقه- و القوي ضعيف حتى آخذ الحق منه- إنه لا يدع قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل- و لا تشيع في قوم الفاحشة إلا عمهم البلاء- أطيعوني ما أطعت الله- فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم- قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله- . قال ابن أبي عبرة القرشي-

شكرا لمن هو بالثناء حقيق
ذهب اللجاج و بويع الصديق‏

من بعد ما زلت بسعد نعله‏
و رجا رجاء دونه العيوق‏

حفت به الأنصار عاصب رأسه
فأتاهم الصديق و الفاروق‏

و أبو عبيدة و الذين إليهم‏
نفس المؤمل للقاء تتوق‏

كنا نقول لها علي و الرضا
عمر و أولاهم بذاك عتيق‏

فدعت قريش باسمه فأجابها
إن المنوه باسمه الموثوق‏

قل للألى طلبوا الخلافة زلة
لم يخط مثل خطاهم مخلوق‏

إن الخلافة في قريش ما لكم‏
فيها و رب محمد معروق‏

و روى الزبير بن بكار قال- روى محمد بن إسحاق- أن أبا بكر لما بويع افتخرت تيم بن مرة- قال و كان عامة المهاجرين و جل الأنصار لا يشكون- أن عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله ص- فقال الفضل بن العباس يا معشر قريش- و خصوصا يا بني تيم- إنكم إنما أخذتم الخلافة بالنبوة و نحن أهلها دونكم- و لو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله- لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا- حسدا منهم لنا و حقدا علينا- و إنا لنعلم أن عند صاحبنا عهدا هو ينتهي إليه- . و قال بعض ولد أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم شعرا-

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف
عن هاشم ثم منها عن أبي حسن‏

أ ليس أول من صلى لقبلتكم‏
و أعلم الناس بالقرآن و السنن‏

و أقرب الناس عهدا بالنبي و من
جبريل عون له في الغسل و الكفن‏

ما فيه ما فيهم لا يمترون به‏
و ليس في القوم ما فيه من الحسن‏

ما ذا الذي ردهم عنه فنعلمه
ها إن ذا غبننا من أعظم الغبن‏

قال الزبير فبعث إليه علي فنهاه و أمره ألا يعود-و قال سلامة الدين أحب إلينا من غيرهقال الزبير و كان خالد بن الوليد شيعة لأبي بكر- و من المنحرفين عن علي فقام خطيبا فقال أيها الناس- إنا رمينا في بدء هذا الدين بأمر ثقل علينا و الله محمله- و صعب علينا مرتقاه- و كنا كأنا فيه على أوتار- ثم و الله ما لبثنا أن خف علينا ثقله و ذل لنا صعبه- و عجبنا ممن شك فيه بعد عجبنا ممن آمن به- حتى أمرنا بما كنا ننهى عنه- و نهينا عما كنا نأمر به- و لا و الله ما سبقنا إليه بالعقول و لكنه التوفيق- ألا و إن الوحي لم ينقطع حتى أحكم- و لم يذهب النبي ص فنستبدل بعده نبيا- و لا بعد الوحي وحيا- و نحن اليوم أكثر منا أمس- و نحن أمس خير منا اليوم- من دخل في هذا الدين كان ثوابه على حسب عمله- و من تركه رددناه إليه- و إنه و الله ما صاحب الأمر يعني أبا بكر بالمسئول عنه- و لا المختلف فيه و لا الخفي الشخص و لا المغموز القناة- . فعجب الناس من كلامه- و مدحه حزن بن أبي وهب المخزومي- و هو الذي سماه رسول الله ص سهلا- و هو جد سعيد بن المسيب الفقيه و قال-

و قامت رجال من قريش كثيره
فلم يك منهم في الرجال كخالد

ترقي فلم يزاق به صدر نعله‏
و كف فلم يعرض لتلك الأوابد

فجاء بها غراء كالبدر ضوءها
فسميتها في الحسن أم القلائد

أ خالد لا تعدم لؤي بن غالب‏
قيامك فيها عند قذف الجلامد

كساك الوليد بن المغيرة مجده
و علمك الأشياخ ضرب القماحد

تقارع في الإسلام عن صلب دينه‏
و في الشرك عن أحساب جد و والد

و كنت لمخزوم بن يقظة جنة
يعدك فيها ماجدا و ابن ماجد

إذا ما سما في حربها ألف فارس‏
عدلت بألف عند تلك الشدائد

و من يك في الحرب المثيرة واحدا
فما أنت في الحرب العوان بواحد

إذا ناب أمر في قريش مخلج‏
تشيب له رءوس العذارى النواهد

توليت منه ما يخاف و إن تغب
يقولوا جميعا حظنا غير شاهد

قال الزبير- و حدثنا محمد بن موسى الأنصاري المعروف بابن مخرمة- قال حدثني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم- بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قال- لما بويع أبو بكر و استقر أمره- ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته و لام بعضهم بعضا- و ذكروا علي بن أبي طالب و هتفوا باسمه- و إنه في داره لم يخرج إليهم- و جزع لذلك المهاجرون و كثر في ذلك الكلام- . و كان أشد قريش على الأنصار نفر فيهم- و هم سهيل بن عمرو- أحد بني عامر بن لؤي و الحارث بن هشام- و عكرمة بن أبي جهل المخزوميان- و هؤلاء أشراف قريش الذين حاربوا النبي ص- ثم دخلوا في الإسلام و كلهم موتور قد وتره الأنصار- أما سهيل بن عمرو فأسره مالك بن الدخشم يوم بدر- و أما الحارث بن هشام فضربه عروة بن عمرو- فجرحه يوم بدر و هو فار عن أخيه- و أما عكرمة بن أبي جهل فقتل أباه ابنا عفراء- و سلبه درعه يوم بدر زياد بن لبيد و في أنفسهم ذلك- .

فلما اعتزلت الأنصار تجمع هؤلاء- فقام سهيل بن عمرو فقال يا معشر قريش- إن هؤلاء القوم قد سماهم الله الأنصار- و أثنى عليهم في القرآن فلهم بذلك حظ عظيم و شأن غالب- و قد دعوا إلى أنفسهم و إلى علي بن أبي طالب- و علي‏ في بيته لو شاء لردهم- فادعوهم إلى صاحبكم و إلى تجديد بيعته- فإن أجابوكم و إلا قاتلوهم- فو الله إني لأرجو الله أن ينصركم عليهم كما نصرتم بهم- . ثم قام الحارث بن هشام- فقال إن تكن الأنصار تبوأت الدار و الإيمان من قبل- و نقلوا رسول الله ص إلى دورهم من دورنا فآووا و نصروا- ثم ما رضوا حتى قاسمونا الأموال و كفونا العمل- فإنهم قد لهجوا بأمر إن ثبتوا عليه- فإنهم قد خرجوا مما وسموا به- و ليس بيننا و بينهم معاتبة إلا السيف- و إن نزعوا عنه فقد فعلوا الأولى بهم و المظنون معهم- .

ثم قام عكرمة بن أبي جهل فقال و الله لو لا قول رسول الله ص الأئمة من قريش- ما أنكرنا أمره الأنصار و لكانوا لها أهلا- و لكنه قول لا شك فيه و لا خيار- و قد عجلت الأنصار علينا- و الله ما قبضنا عليهم الأمر و لا أخرجناهم من الشورى- و إن الذي هم فيه من فلتات الأمور و نزغات الشيطان- و ما لا يبلغه المنى و لا يحمله الأمل- أعذروا إلى القوم فإن أبوا فقاتلوهم- فو الله لو لم يبق من قريش كلها إلا رجل واحد- لصير الله هذا الأمر فيه- .

قال و حضر أبو سفيان بن حرب فقال يا معشر قريش- إنه ليس للأنصار أن يتفضلوا على الناس- حتى يقروا بفضلنا عليهم- فإن تفضلوا فحسبنا حيث انتهى بها- و إلا فحسبهم حيث انتهى بهم- و ايم الله لئن بطروا المعيشة و كفروا النعمة- لنضربنهم على الإسلام كما ضربوا عليه- فأما علي بن أبي طالب فأهل- و الله أن يسود على قريش و تطيعه الأنصار- . فلما بلغ الأنصار قول هؤلاء الرهط- قام خطيبهم ثابت بن قيس بن شماس فقال يا معشر الأنصار- إنما يكبر عليكم هذا القول لو قاله أهل الدين من قريش- فأما إذا كان من أهل الدنيا- لا سيما من أقوام كلهم موتور فلا يكبرن عليكم- إنما الرأي‏و القول مع الأخيار المهاجرين- فإن تكلمت رجال قريش- و الذين هم أهل الآخرة مثل كلام هؤلاء- فعند ذلك قولوا ما أحببتم و إلا فأمسكوا- . و قال حسان بن ثابت يذكر ذلك-

تنادي سهيل و ابن حرب و حارث
و عكرمة الشاني لنا ابن أبي جهل‏

قتلنا أباه و انتزعنا سلاحه‏
فأصبح بالبطحا أذل من النعل‏

فأما سهيل فاحتواه ابن دخشم
أسيرا ذليلا لا يمر و لا يحلي‏

و صخر بن حرب قد قتلنا رجاله‏
غداة لوا بدر فمرجله يغلي‏

و راكضنا تحت العجاجة حارث
على ظهر جرداء كباسقه النخل‏

يقبلها طورا و طورا يحثها
و يعدلها بالنفس و المال و الأهل‏

أولئك رهط من قريش تبايعوا
على خطة ليست من الخطط الفضل‏

و أعجب منهم قابلو ذاك منهم‏
كانا اشتملنا من قريش على ذحل‏

و كلهم ثان عن الحق عطفه
يقول اقتلوا الأنصار يا بئس من فعل‏

نصرنا و آوينا النبي و لم نخف‏
صروف الليالي و البلاء على رجل‏

بذلنا لهم أنصاف مال أكفنا
كقسمة أيسار الجزور من الفضل‏

و من بعد ذاك المال أنصاف دورنا
و كنا أناسا لا نعير بالبخل‏

و نحمي ذمار الحي فهر بن مالك
و نوقد نار الحرب بالحطب الجزل‏

فكان جزاء الفضل منا عليهم‏
جهالتهم حمقا و ما ذاك بالعدل‏

فبلغ شعر حسان قريشا- فغضبوا و أمروا ابن أبي عزة شاعرهم أن يجيبه- فقال

معشر الأنصار خافوا ربكم
و استجيروا الله من شر الفتن‏

إنني أرهب حربا لاقحا
يشرق المرضع فيها باللبن‏

جرها سعد و سعد فتنة
ليت سعد بن عباد لم يكن‏

خلف برهوت خفيا شخصه‏
بين بصرى ذي رعين و جدن‏

ليس ما قدر سعد كائنا
ما جرى البحر و ما دام حضن‏

ليس بالقاطع منا شعرة
كيف يرجى خير أمر لم يحن‏

ليس بالمدرك منها أبدا
غير أضغاث أماني الوسن‏

 قال الزبير لما اجتمع جمهور الناس لأبي بكر- أكرمت قريش معن بن عدي و عويم بن ساعدة- و كان لهما فضل قديم في الإسلام- فاجتمعت الأنصار لهما في مجلس و دعوهما- فلما أحضرا أقبلت الأنصار عليهما- فعيروهما بانطلاقهما إلى المهاجرين- و أكبروا فعلهما في ذلك فتكلم معن- فقال يا معشر الأنصار- إن الذي أراد الله بكم خير مما أردتم بأنفسكم- و قد كان منكم أمر عظيم البلاء و صغرته العاقبة- فلو كان لكم على قريش ما لقريش عليكم- ثم أردتموهم لما أرادوكم به- لم آمن عليهم منكم مثل من آمن عليكم منهم- فإن تعرفوا الخطأ فقد خرجتم منه و إلا فأنتم فيه- . قلت قوله و قد كان منكم أمر عظيم البلاء و صغرته العاقبة- يعني عاقبة الكف و الإمساك- يقول قد كان منكم أمر عظيم و هو دعوى الخلافة لأنفسكم- و إنما جعل البلاء معظما له- لأنه لو لم يتعقبه الإمساك لأحدث فتنة عظيمة- و إنما صغره سكونهم و رجوعهم إلى بيعة المهاجرين- .

و قوله و كان لكم على قريش إلى آخر الكلام- معناه لو كان لكم الفضل على قريش كفضل قريش عليكم- و ادعت قريش الخلافة لها- ثم أردتم منهم الرجوع عن دعواهم- و جرت بينكم و بينهم من المنازعة مثل هذه المنازعة- التي جرت الآن بينكم لم آمن عليهم منكم أن تقتلوهم- و تقدموا على سفك دمائهم- و لم يحصل لي من سكون النفس إلى‏حلمكم عنهم- و صبركم عليهم مثل ما أنا آمن عليكم منهم- فإنهم صبروا و حلموا- و لم يقدموا على استباحة حربكم و الدخول في دمائكم- .

قال الزبير ثم تكلم عويم بن ساعدة فقال يا معشر الأنصار- إن من نعم الله عليكم- أنه تعالى لم يرد بكم ما أردتم بأنفسكم- فاحمدوا الله على حسن البلاء و طول العافية- و صرف هذه البلية عنكم- و قد نظرت في أول فتنتكم و آخرها- فوجدتها جاءت من الأماني و الحسد و احذروا النقم- فوددت أن الله صير إليكم هذا الأمر بحقه فكنا نعيش فيه- . فوثبت عليهما الأنصار فاغلظوا لهما و فحشوا عليهما- و انبرى لهما فروة بن عمرو فقال أ نسيتما قولكما لقريش- إنا قد خلفنا وراءنا قوما قد حلت دماؤهم بفتنتهم- هذا و الله ما لا يغفر و لا ينسى- قد تصرف الحية عن وجهها و سمها في نابها- فقال معن في ذلك-

و قالت لي الأنصار إنك لم تصب
فقلت أ ما لي في الكلام نصيب‏

فقالوا بلى قل ما بدا لك راشدا
فقلت و مثلي بالجواب طبيب‏

تركتكم و الله لما رأيتكم
تيوسا لها بالحرتين نبيب‏

تنادون بالأمر الذي النجم دونه‏
ألا كل شي‏ء ما سواه قريب‏

فقلت لكم قول الشفيق عليكم
و للقلب من خوف البلاء وجيب‏

دعوا الركض و اثنوا من أعنة بغيكم‏
و دبوا فسير القاصدين دبيب‏

و خلوا قريشا و الأمور و بايعوا
لمن بايعوه ترشدوا و تصيبوا

أراكم أخذتم حقكم بأكفكم
و ما الناس إلا مخطئ و مصيب‏

فلما أبيتم زلت عنكم إليهم‏
و كنت كأني يوم ذاك غريب‏

فإن كان هذا الأمر ذنبي إليكم
فلي فيكم بعد الذنوب ذنوب‏

فلا تبعثوا مني الكلام فإنني‏
إذا شئت يوما شاعر و خطيب‏

و إني لحلو تعتريني مرارة
و ملح أجاج تارة و شروب‏

لكل امرئ عندي الذي هو أهله‏
أفانين شتى و الرجال ضروب‏

و قال عويم بن ساعدة في ذلك-

و قالت لي الأنصار أضعاف قولهم
لمعن و ذاك القول جهل من الجهل‏

فقلت دعوني لا أبا لأبيكم‏
فإني أخوكم صاحب الخطر الفصل‏

أنا صاحب القول الذي تعرفونه
أقطع أنفاس الرجال على مهل‏

فإن تسكتوا أسكت و في الصمت راحة
و إن تنطقوا أصمت مقالتكم تبلي‏

و ما لمت نفسي في الخلاف عليكم
و إن كنتم مستجمعين على عذلي‏

أريد بذاك الله لا شي‏ء غيره‏
و ما عند رب الناس من درج الفضل‏

و ما لي رحم في قريش قريبة
و لا دارها داري و لا أصلها أصلي‏

و لكنهم قوم علينا أئمة
أدين لهم ما أنفذت قدمي نعلي‏

و كان أحق الناس أن تقنعوا به
و يحتملوا من جاء في قوله مثلي‏

لأني أخف الناس فيما يسركم‏
و فيما يسوء لا أمر و لا أحلي‏

قال فروة بن عمر و كان ممن تخلف عن بيعة أبي بكر- و كان ممن جاهد مع‏ رسول الله و قاد فرسين في سبيل الله- و كان يتصدق من نخله بألف وسق في كل عام- و كان سيدا و هو من أصحاب علي و ممن شهد معه يوم الجمل- قال فذكر معنا و عويما و عاتبهما على قولهما- خلفنا وراءنا قوما قد حلت دماؤهم بفتنتهم-

ألا قل لمعن إذا جئته
و ذاك الذي شيخه ساعده‏

بأن المقال الذي قلتما
خفيف علينا سوى واحده‏

مقالكم إن من خلفنا
مراض قلوبهم فاسده‏

حلال الدماء على فتنة
فيا بئسما ربت الوالده‏

فلم تأخذا قدر أثمانها
و لم تستفيدا بها فائده‏

لقد كذب الله ما قلتما
و قد يكذب الرائد الواعده‏

قال الزبير- ثم إن الأنصار أصلحوا بين هذين الرجلين و بين أصحابهما- ثم اجتمعت جماعة من قريش يوما- و فيهم ناس من الأنصار و أخلاط من المهاجرين- و ذلك بعد انصراف الأنصار عن رأيها و سكون الفتنة- فاتفق ذلك عند قدوم عمرو بن العاص من سفر كان فيه- فجاء إليهم- فأفاضوا في ذكر يوم السقيفة و سعد و دعواه الأمر- فقال عمرو بن العاص- و الله لقد دفع الله عنا من الأنصار عظيمة- و لما دفع الله عنهم أعظم- كادوا و الله أن يحلوا حبل الإسلام كما قاتلوا عليه- و يخرجوا منه من أدخلوا فيه- و الله لئن كانوا سمعواقول رسول الله ص الأئمة من قريش- ثم ادعوها لقد هلكوا و أهلكوا- و إن كانوا لم يسمعوها فما هم كالمهاجرين و لا كأبي بكر- و لا المدينة كمكة- و لقد قاتلونا أمس فغلبونا على البدء- و لو قاتلناهم اليوم لغلبناهم على العاقبة- فلم يجبه أحد و انصرف إلى منزله و قد ظفر فقال-

ألا قل لأوس إذا جئتها
و قل كلما جئت للخزرج‏

تمنيتم الملك في يثرب‏
فأنزلت القدر لم تنضج‏

و أخدجتم الأمر قبل التمام
و أعجب بذا المعجل المخدج‏

تريدون نتج الحيال العشار
و لم تلقحوه فلم ينتج‏

عجبت لسعد و أصحابه
و لو لم يهيجوه لم يهتج‏

رجا الخزرجي رجاء السراب‏
و قد يخلف المرء ما يرتجي‏

فكان كمنح على كفه
بكف يقطعها أهوج‏

فلما بلغ الأنصار مقالته و شعره- بعثوا إليه لسانهم و شاعرهم النعمان بن العجلان- و كان رجلا أحمر قصيرا تزدريه العيون- و كان سيدا فخما- فأتى عمرا و هو في جماعة من قريش- فقال و الله يا عمرو ما كرهتم من حربنا- إلا ما كرهنا من حربكم- و ما كان الله ليخرجكم من الإسلام بمن أدخلكم فيهإن كان النبي ص قال الأئمة من قريش- فقد قال لو سلك الناس شعبا- و سلك الأنصار شعبا- لسلكت شعب الأنصار– و الله ما أخرجناكم من الأمر إذ قلنا- منا أمير و منكم أمير- و أما من ذكرت فأبو بكر لعمري خير من سعد- لكن سعدا في الأنصار أطوع من أبي بكر في قريش- فأما المهاجرون و الأنصار فلا فرق بينهم أبدا- و لكنك يا ابن العاص- وترت بني عبد مناف بمسيرك إلى الحبشة- لقتل جعفر و أصحابه- و وترت بني مخزوم بإهلاك عمارة بن الوليد- ثم انصرف فقال-

فقل لقريش نحن أصحاب مكة
و يوم حنين و الفوارس في بدر

و أصحاب أحد و النضير و خيبر
و نحن رجعنا من قريظة بالذكر

و يوم بأرض الشام أدخل جعفر
و زيد و عبد الله في علق يجري‏

و في كل يوم ينكر الكلب أهله‏
نطاعن فيه بالمثقفة السمر

و نضرب في نقع العجاجة أرؤسا
ببيض كأمثال البروق إذا تسري‏

نصرنا و آوينا النبي و لم نخف‏
صروف الليالي و العظيم من الأمر

و قلنا لقوم هاجروا قبل مرحبا
و أهلا و سهلا قد أمنتم من الفقر

نقاسمكم أموالنا و بيوتنا
كقسمة أيسار الجزور على الشطر

و نكفيكم الأمر الذي تكرهونه
و كنا أناسا نذهب العسر باليسر

و قلتم حرام نصب سعد و نصبكم‏
عتيق بن عثمان حلال أبا بكر

و أهل أبو بكر لها خير قائم
و إن عليا كان أخلق بالأمر

و كان هوانا في علي و إنه‏
لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري‏

فذاك بعون الله يدعو إلى الهدى
و ينهى عن الفحشاء و البغي و النكر

وصي النبي المصطفى و ابن عمه‏
و قاتل فرسان الضلالة و الكفر

و هذا بحمد الله يهدي من العمى
و يفتح آذانا ثقلن من الوقر

نجي رسول الله في الغار وحده‏
و صاحبه الصديق في سالف الدهر

فلو لا اتقاء الله لم تذهبوا بها
و لكن هذا الخير أجمع للصبر

و لم نرض إلا بالرضا و لربما
ضربنا بأيدينا إلى أسفل القدر

فلما انتهى شعر النعمان و كلامه إلى قريش- غضب كثير منها- و ألفى ذلك قدوم خالد بن سعيد بن العاص من اليمن- و كان رسول الله استعمله عليها- و كان له و لأخيه أثر قديم‏ عظيم في الإسلام- و هما من أول من أسلم من قريش و لهما عبادة و فضل- فغضب للأنصار- و شتم عمرو بن العاص و قال يا معشر قريش- إن عمرا دخل في الإسلام حين لم يجد بدا من الدخول فيه- فلما لم يستطع أن يكيده بيده كاده بلسانه- و إن من كيده الإسلام تفريقه- و قطعه بين المهاجرين و الأنصار- و الله ما حاربناهم للدين و لا للدنيا- لقد بذلوا دماءهم لله تعالى فينا- و ما بذلنا دماءنا لله فيهم- و قاسمونا ديارهم و أموالهم و ما فعلنا مثل ذلك بهم- و آثرونا على الفقر و حرمناهم على الغنى- و لقد وصى رسول الله بهم و عزاهم عن جفوة السلطان- فأعوذ بالله أن أكون و إياكم الخلف المضيع- و السلطان الجاني- .

قلت هذا خالد بن سعيد بن العاص- هو الذي امتنع من بيعة أبي بكر- و قال لا أبايع إلا عليا- و قد ذكرنا خبره فيما تقدم- . و أما قوله في الأنصار و عزاهم عن جفوة السلطان- فإشارة إلى قول النبي ص ستلقون بعدي أثرة- فاصبروا حتى تقدموا علي الحوضو هذا الخبر- هو الذي يكفر كثير من أصحابنا معاوية بالاستهزاء به- و ذلك أن النعمان بن بشير الأنصاري- جاء في جماعة من الأنصار إلى معاوية فشكوا إليه فقرهم- وقالوا لقد صدق رسول الله ص في قوله لنا ستلقون بعدي أثرة فقد لقيناها- قال معاوية فما ذا قال لكم- قالوا قال لنا فاصبروا حتى تردوا علي الحوض- قال فافعلوا ما أمركم به- عساكم تلاقونه غدا عند الحوض كما أخبركم- و حرمهم و لم يعطهم شيئا- . قال الزبير و قال خالد بن سعيد بن العاص في ذلك-

تفوه عمرو بالذي لا نريده
و صرح للأنصار عن شنأة البغض‏

فإن تكن الأنصار زلت فإننا
نقيل و لا نجزيهم بالقرض‏

فلا تقطعن يا عمرو ما كان بيننا
و لا تحملن يا عمرو بعضا على بعض‏

أ تنسى لهم يا عمرو ما كان منهم‏
ليالي جئناهم من النفل و الفرض‏

و قسمتنا الأموال كاللحم بالمدى
و قسمتنا الأوطان كل به يقضي‏

ليالي كل الناس بالكفر جهرة
ثقال علينا مجمعون على البغض‏

فساووا و آووا و انتهينا إلى المنى
و قر قرارانا من الأمن و الخفض‏

قال الزبير- ثم إن رجالا من سفهاء قريش و مثيري الفتن منهم- اجتمعوا إلى عمرو بن العاص- فقالوا له إنك لسان قريش- و رجلها في الجاهلية و الإسلام- فلا تدع الأنصار و ما قالت- و أكثروا عليه من ذلك فراح إلى المسجد- و فيه ناس من قريش و غيرهم- فتكلم و قال إن الأنصار ترى لنفسها ما ليس لها- و ايم الله لوددت أن الله خلى عنا و عنهم- و قضى فيهم و فينا بما أحب- و لنحن الذين أفسدنا على أنفسنا أحرزناهم عن كل مكروه- و قدمناهم إلى كل محبوب حتى أمنوا المخوف- فلما جاز لهم ذلك صغروا حقنا- و لم يراعوا ما أعظمنا من حقوقهم- . ثم التفت فرأى الفضل بن العباس بن عبد المطلب- و ندم على قوله- للخئولة التي بين ولد عبد المطلب و بين الأنصار- و لأن الأنصار كانت تعظم عليا- و تهتف باسمه حينئذ- فقال الفضل يا عمرو- إنه ليس لنا أن نكتم ما سمعنا منك- و ليس لنا أن نجيبك و أبو الحسن شاهد بالمدينة- إلا أن يأمرنا فنفعل- .

ثم رجع الفضل إلى علي فحدثه فغضب و شتم عمرا- و قال آذى الله و رسوله ثم قام فأتى المسجد- فاجتمع إليه كثير من قريش و تكلم مغضبا-فقال يا معشر قريش إن حب الأنصار إيمان و بغضهم نفاق- و قد قضوا ما عليهم‏و بقي ما عليكم- و اذكروا أن الله رغب لنبيكم عن مكة- فنقله إلى المدينة و كره له قريشا- فنقله إلى الأنصار ثم قدمنا عليهم دارهم- فقاسمونا الأموال و كفونا العمل- فصرنا منهم بين بذل الغني و إيثار الفقير- ثم حاربنا الناس فوقونا بأنفسهم- و قد أنزل الله تعالى فيهم آية من القرآن- جمع لهم فيها بين خمس نعم- فقال وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ- يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ- وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا- وَ يُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ- وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- . ألا و إن عمرو بن العاص قد قام مقاما- آذى فيه الميت و الحي- ساء به الواتر و سر به الموتور- فاستحق من المستمع الجواب و من الغائب المقت- و إنه من أحب الله و رسوله أحب الأنصار- فليكفف عمرو عنا نفسه- .

قال الزبير فمشت قريش عند ذلك إلى عمرو بن العاص- فقالوا أيها الرجل أما إذا غضب علي فاكفف- . و قال خزيمة بن ثابت الأنصاري يخاطب قريشا-

أيا ل قريش أصلحوا ذات بيننا
و بينكم قد طال حبل التماحك‏

فلا خير فيكم بعدنا فارفقوا بنا
و لا خير فينا بعد فهر بن مالك‏

كلانا على الأعداء كف طويلة
إذا كان يوم فيه جب الحوارك‏

فلا تذكروا ما كان منا و منكم‏
ففي ذكر ما قد كان مشي التساوك‏

قال الزبير و قال علي للفضل- يا فضل انصر الأنصار بلسانك و يدك- فإنهم منك و إنك منهم
– فقال الفضل-

قلت يا عمرو مقالا فاحشا
إن تعد يا عمرو و الله فلك‏

إنما الأنصار سيف قاطع
من تصبه ظبة السيف هلك‏

و سيوف قاطع مضربها
و سهام الله في يوم الحلك‏

نصروا الدين و آووا أهله
منزل رحب و رزق مشترك‏

و إذا الحرب تلظت نارها
بركوا فيها إذا الموت برك‏

و دخل الفضل على علي فأسمعه شعره ففرح به- و قال وريت بك زنادي يا فضل أنت شاعر قريش و فتاها- فأظهر شعرك و ابعث به إلى الأنصار- فلما بلغ ذلك الأنصار- قالت لا أحد يجيب إلا حسان الحسام- فبعثوا إلى حسان بن ثابت فعرضوا عليه شعر الفضل- فقال كيف أصنع بجوابه إن لم أتحر قوافيه فضحني- فرويدا حتى أقفو أثره في القوافي- فقال له خزيمة بن ثابت اذكر عليا و آله يكفك عن كل شي‏ء- فقال

جزى الله عنا و الجزاء بكفه
أبا حسن عنا و من كأبي حسن‏

سبقت قريشا بالذي أنت أهله‏
فصدرك مشروح و قلبك ممتحن‏

تمنت رجال من قريش أعزة
مكانك هيهات الهزال من السمن‏

و أنت من الإسلام في كل موطن‏
بمنزلة الدلو البطين من الرسن‏

غضبت لنا إذ قام عمرو بخطبة
أمات بها التقوى و أحيا بها الإحن‏

فكنت المرجى من لؤي بن غالب‏
لما كان منهم و الذي كان لم يكن‏

حفظت رسول الله فينا و عهده
إليك و من أولى به منك من و من‏

أ لست أخاه في الهدى و وصيه‏
و أعلم منهم بالكتاب و بالسنن‏

فحقك ما دامت بنجد وشيجة
عظيم علينا ثم بعد على اليمن‏

قال الزبير و بعثت الأنصار بهذا الشعر إلى علي بن أبي طالب- فخرج إلى المسجدو قال لمن به من قريش و غيرهم- يا معشر قريش إن الله جعل الأنصار أنصارا- فأثنى عليهم في الكتاب فلا خير فيكم بعدهم- إنه لا يزال سفيه من سفهاء قريش وتره الإسلام- و دفعه عن الحق و أطفأ شرفه و فضل غيره عليه- يقوم مقاما فاحشا فيذكر الأنصار- فاتقوا الله و ارعوا حقهم- فو الله لو زالوا لزلت معهم- لأن رسول الله قال لهم أزول معكم حيثما زلتم- فقال المسلمون جميعا رحمك الله يا أبا الحسن- قلت قولا صادقا- . قال الزبير و ترك عمرو بن العاص المدينة- و خرج عنها حتى رضي عنه علي و المهاجرون- قال الزبير ثم إن الوليد بن عقبة بن أبي معيط- و كان يبغض الأنصار لأنهم أسروا أباه يوم بدر- و ضربوا عنقه بين يدي رسول الله- قام يشتم الأنصار و ذكرهم بالهجر- فقال إن الأنصار لترى لها من الحق علينا ما لا نراه- و الله لئن كانوا آووا لقد عزوا بنا- و لئن كانوا آسوا لقد منوا علينا- و الله ما نستطيع مودتهم- لأنه لا يزال قائل منهم يذكر ذلنا بمكة و عزنا بالمدينة- و لا ينفكون يعيرون موتانا و يغيظون أحياءنا- فإن أجبناهم قالوا غضبت قريش على غاربها- و لكن قد هون علي ذلك منهم حرصهم على الدين أمس- و اعتذارهم من الذنب اليوم- ثم قال

تباذخت الأنصار في الناس باسمها
و نسبتها في الأزد عمرو بن عامر

و قالوا لنا حق عظيم و منة
على كل باد من معد و حاضر

فإن يك للأنصار فضل فلم تنل
بحرمته الأنصار فضل المهاجر

و إن تكن الأنصار آوت و قاسمت‏
معايشها من جاء قسمة جازر

فقد أفسدت ما كان منها بمنها
و ما ذاك فعل الأكرمين الأكابر

إذا قال حسان و كعب قصيدة
بشتم قريش غنيت في المعاشر

و سار بها الركبان في كل وجهة
و أعمل فيها كل خف و حافر

فهذا لنا من كل صاحب خطبة
يقوم بها منكم و من كل شاعر

و أهل بأن يهجو بكل قصيدة
و أهل بأن يرموا بنبل فواقر

 قال ففشا شعره في الناس فغضبت الأنصار- و غضب لها من قريش قوم- منهم ضرار بن الخطاب الفهري و زيد بن الخطاب- و يزيد بن أبي سفيان فبعثوا إلى الوليد فجاء- . فتكلم زيد بن الخطاب فقال يا ابن عقبة بن أبي معيط- أما و الله لو كنت من الفقراء المهاجرين الذين- أخرجوا من ديارهم و أموالهم- يبتغون فضلا من الله و رضوانا لأحببت الأنصار- و لكنك من الجفاة في الإسلام البطاء عنه- الذين دخلوا فيه بعد أن ظهر أمر الله و هم كارهون- إنا نعلم أنا أتيناهم و نحن فقراء فأغنونا- ثم أصبنا الغنى فكفوا عنا و لم يرزءونا شيئا- فأما ذكرهم ذلة قريش بمكة و عزها بالمدينة- فكذلك كنا و كذلك قال الله تعالى- وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ- تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ- فنصرنا الله تعالى بهم و آوانا إلى مدينتهم- . و أما غضبك لقريش فإنا لا ننصر كافرا- و لا نواد ملحدا و لا فاسقا و لقد قلت- و قالوا فقطعك الخطيب و ألجمك الشاعر- .

و أما ذكرك الذي كان بالأمس فدع المهاجرين و الأنصار- فإنك لست من ألسنتهم في الرضا- و لا نحن من أيديهم في الغضب- . و تكلم يزيد بن أبي سفيان- فقال يا ابن عقبة الأنصار أحق بالغضب لقتلى أحد- فاكفف لسانك فإن من قتله الحق لا يغضب له- . و تكلم ضرار بن الخطاب- فقال أما و الله لو لاأن رسول الله ص قال‏الأئمة من قريش- لقلنا الأئمة من الأنصار و لكن جاء أمر غلب الرأي- فاقمع شرتك أيها الرجل و لا تكن امرأ سوء- فإن الله لم يفرق بين الأنصار و المهاجرين في الدنيا- و كذلك الله لا يفرق بينهم في الآخرة- . و أقبل حسان بن ثابت مغضبا- من كلام الوليد بن عقبة و شعره- فدخل المسجد و فيه قوم من قريش- فقال يا معشر قريش- إن أعظم ذنبنا إليكم قتلنا كفاركم- و حمايتنا رسول الله ص- و إن كنتم تنقمون منا منة كانت بالأمس- فقد كفى الله شرها فما لنا و ما لكم- و الله ما يمنعنا من قتالكم الجبن و لا من جوابكم العي- إنا لحي فعال و مقال و لكنا قلنا إنها حرب- أولها عار و آخرها ذل- فأغضينا عليها عيوننا و سحبنا ذيولنا حتى نرى و تروا- فإن قلتم قلنا و إن سكتم سكتنا- . فلم يجبه أحد من قريش- ثم سكت كل من الفريقين عن صاحبه- و رضي القوم أجمعون و قطعوا الخلاف و العصبية- .

انتهى ما ذكره الزبير بن بكار في الموفقيات- و نعود الآن إلى ذكر ما أورده أبو بكر- أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة- . قال أبو بكر حدثني أبو يوسف يعقوب بن شيبة- عن بحر بن آدم عن رجاله عن سالم بن عبيد قال- لما توفي رسول الله و قالت الأنصار منا أمير و منكم أمير- أخذ عمر بيد أبي بكر- و قال سيفان في غمد واحد إذا لا يصلحان- ثم قال من له هذه الثلاث- ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ من هما- إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ من صاحبه- إِنَّ اللَّهَ مَعَنا مع من- ثم بسط يده إلى أبي بكر فبايعه- فبايعه الناس أحسن بيعة و أجملها- .

قال أبو بكر حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي- عن أبي بكر بن عياش عن زيد بن عبد الله قال- إن الله تعالى نظر في قلوب العباد- فوجد قلب محمد ع خير قلوب العباد- فاصطفاه لنفسه و ابتعثه برسالته- ثم نظر في قلوب الأمم بعد قلبه- فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد- فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون عن دينه- فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن- و ما رأى المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ- . قال أبو بكر بن عياش- و قد رأى المسلمون أن يولوا أبا بكر بعد النبي ص- فكانت ولايته حسنة- .

قال أبو بكر و حدثنا يعقوب بن شيبة قال- لما قبض رسول الله ص- و قال الأنصار منا أمير و منكم أمير- قال عمر أيها الناس- أيكم يطيب نفسا أن يتقدم قدمين- قدمهما رسول الله ص في الصلاة- رضيك الله لديننا أ فلا نرضاك لدنيانا- قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال- حدثني زيد بن يحيى الأنماطي قال- حدثنا صخر بن جويرية عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه- قال أخذ أبو بكر بيد عمر و يد رجل من المهاجرين- يرونه أبا عبيدة حتى انطلقوا إلى الأنصار- و قد اجتمعوا عند سعد في سقيفة بني ساعدة- فقال عمر قلت لأبي بكر دعني أتكلم- و خشيت جد أبي بكر و كان ذا جد-

فقال أبو بكر لا بل أنا أتكلم- فما هو و الله إلا أن انتهينا إليهم- فما كان في نفسي شي‏ء أريد أن أقوله إلا أتى أبو بكر عليه- فقال لهم يا معشر الأنصار ما ينكر حقكم مسلم- إنا و الله ما أصبنا خيرا قط إلا شركتمونافيه- لقد آويتم و نصرتم و آزرتم و واسيتم- و لكن قد علمتم أن العرب لا تقر- و لا تطيع إلا لامرئ من قريش- هم رهط النبي ص أوسط العرب وشيجة رحم- و أوسط الناس دارا- و أعرب الناس ألسنا و أصبح الناس أوجها- و قد عرفتم بلاء ابن الخطاب في الإسلام و قدمه- هلم فلنبايعه- . قال عمر بل إياك نبايع- قال عمر فكنت أول الناس مد يده إلى أبي بكر فبايعه إلا رجلا من الأنصار- أدخل يده بين يدي و يد أبي بكر فبايعه قبلي- و وطئ الناس فراش سعد فقيل قتلتم سعدا- فقال عمر قتل الله سعدا فوثب رجل من الأنصار- فقال أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب- فأخذ و وطئ في بطنه و دسوا في فيه التراب- .

قال أبو بكر و حدثني يعقوب عن محمد بن جعفر- عن محمد بن إسماعيل عن مختار اليمان عن عيسى بن زيد قال- لما بويع أبو بكر جاء أبو سفيان إلى علي- فقال أ غلبكم على هذا الأمر أذل بيت من قريش و أقلها- أما و الله لئن شئت لأملأنها على أبي فصيل خيلا و رجلا- و لأسدنها عليه من أقطارها- فقال علي يا أبا سفيان طالما كدت الإسلام و أهله- فما ضرهم شيئا أمسك عليك- فإنا رأينا أبا بكر لها أهلا- . قال أبو بكر و حدثنا يعقوب عن رجاله قال- لما بويع أبو بكر تخلف علي فلم يبايع- فقيل لأبي بكر إنه كره إمارتك- فبعث إليه أ كرهت إمارتي قال لا- و لكن القرآن خشيت أن يزاد فيه- فحلفت ألا أرتدي رداء حتى أجمعه- اللهم إلا إلى صلاة الجمعة- .

فقال أبو بكر لقد أحسنت- قال فكتبه ع كما أنزل بناسخه و منسوخه- . قال أبو بكر حدثنا يعقوب عن أبي النضر- عن محمد بن راشد عن مكحول- أن رسول الله ص استعمل خالد بن سعيد بن العاص على عمل- فقدم بعد ما قبض رسول الله ص- و قد بايع الناس أبا بكر فدعاه إلى البيعة فأبى- فقال عمر دعني و إياه- فمنعه أبو بكر حتى مضت عليه سنة- ثم مر به أبو بكر و هو جالس على بابه- فناداه خالد يا أبا بكر هل لك في البيعة قال نعم- قال فادن فدنا منه- فبايعه خالد و هو قاعد على بابه- .

قال أبو بكر و حدثنا أبو يوسف يعقوب بن شيبة عن خالد بن مخلد عن يحيى بن عمر قال حدثني أبو جعفر الباقر قال جاء أعرابي إلى أبي بكر على عهد رسول الله ص- و قال له أوصني فقال لا تأمر على اثنين- ثم إن الأعرابي شخص إلى الربذة- فبلغه بعد ذلك وفاة رسول الله ص- فسأل عن أمر الناس من وليه فقيل أبو بكر- فقدم الأعرابي إلى المدينة- فقال لأبي بكر- أ لست أمرتني ألا أتأمر على اثنين- قال بلى قال فما بالك- فقال أبو بكر لم أجد لها أحدا غيري أحق مني- قال ثم رفع أبو جعفر الباقر يديه و خفضهما فقال صدق صدق- .

قال أبو بكر- و قد روي هذا الخبر برواية أتم من هذه الرواية- حدثنا يعقوب بن شيبة قال حدثنا يحيى بن حماد قال- حدثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش عن سليمان بن ميسرة- عن طارق بن شهاب عن رافع بن أبي رافع الطائي قال- بعث رسول الله ص جيشا- فأمر عليهم عمرو بن العاص و فيهم أبو بكر و عمر- و أمرهم‏ أن يستنفروا من مروا به- فمروا علينا فاستنفرونا- فنفرنا معهم في غزاة ذات السلاسل- و هي التي تفخر بها أهل الشام- فيقولون استعمل رسول الله ص عمرو بن العاص- على جيش فيه أبو بكر و عمر قال فقلت- و الله لأختارن في هذه الغزاة لنفسي رجلا- من أصحاب رسول الله ص أستهديه- فإني لست أستطيع إتيان المدينة- فاخترت أبا بكر و لم آل- و كان له كساء فدكي يخله عليه إذا ركب- و يلبسه إذا نزل- و هو الذي عيرته به هوازن بعد النبي ص- و قالوا لا نبايع ذا الخلال- قال فلما قضينا غزاتنا قلت له يا أبا بكر- إني قد صحبتك و إن لي عليك حقا- فعلمني شيئا أنتفع به فقال- قد كنت أريد ذلك لو لم تقل لي- تعبد الله لا تشرك به شيئا- و تقيم الصلاة المكتوبة- و تؤدي الزكاة المفروضة و تحج البيت- و تصوم شهر رمضان و لا تتأمر على رجلين-

فقلت أما العبادات فقد عرفتها- أ رأيت نهيك لي عن الإمارة- و هل يصيب الناس الخير و الشر إلا بالإمارة- فقال إنك استجهدتني فجهدت لك- إن الناس دخلوا في الإسلام طوعا و كرها- فأجارهم الله من الظلم- فهم جيران الله و عواد الله و في ذمة الله- فمن يظلم منكم إنما يحقر ربه- و الله إن أحدكم ليأخذ شويهة جاره أو بعيره- فيظل عمله بأسا بجاره و الله من وراء جاره- قال فلم يلبث إلا قليلا حتى أتتنا وفاة رسول الله ص- فسألت من استخلف بعده قيل أبو بكر- قلت أ صاحبي الذي كان ينهاني عن الإمارة- فشددت على راحلتي فأتيت المدينة- فجعلت أطلب خلوته حتى قدرت عليها- فقلت أ تعرفني أنا فلان بن فلان- أ تعرف وصية أوصيتني بها- قال نعم إن رسول الله قبض- و الناس حديثو عهد بالجاهلية- فخشيت أن يفتتنوا و أن أصحابي حملونيها- فما زال يعتذر إلي حتى عذرته- و صار من أمري بعد أن صرت عريفا- قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة عن رجاله عن الشعبي قال قام الحسن بن علي ع إلى أبي بكر و هو يخطب على المنبر- فقال له انزل عن منبر أبي فقال‏ أبو بكر صدقت- و الله إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي- فبعث علي إلى أبي بكر إنه غلام حدث و إنا لم نأمره- فقال أبو بكر صدقت إنا لم نتهمك- .

قال أبو بكر و روى أبو زيد- عن حباب بن يزيد عن جرير عن المغيرة- أن سلمان و الزبير و بعض الأنصار- كان هواهم أن يبايعوا عليا بعد النبي ص- فلما بويع أبو بكر قال سلمان للصحابة أصبتم الخير- و لكن أخطأتم المعدن- قال و في رواية أخرى أصبتم ذا السن منكم- و لكنكم أخطأتم أهل بيت نبيكم- أما لو جعلتموها فيهم ما اختلف منكم اثنان- و لأكلتموها رغدا- . قلت هذا الخبر هو الذي- رواه المتكلمون في باب الإمامة عن سلمان أنه قال- كرديد و نكرديد تفسره الشيعة- فتقول أراد أسلمتم و ما أسلمتم و يفسره أصحابنا- فيقولون معناه أخطأتم و أصبتم- . قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال- حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا غسان بن عبد الحميد قال- لما أكثر في تخلف علي عن البيعة- و اشتد أبو بكر و عمر في ذلك خرجت أم مسطح بن أثاثة- فوقفت عند قبر النبي ص و نادته يا رسول الله-

قد كان بعدك أنباء و هينمة
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب‏

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها
فاختل قومك فاشهدهم و لا تغب‏

قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز- و سمعت أبا زيد عمر بن شبة- يحدث رجلا بحديث لم أحفظ إسناده قال- مر المغيرة بن شعبة بأبي بكر و عمر- و هما جالسان على باب النبي حين قبض فقال- ما يقعدكما قالا ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه- يعنيان عليا- فقال أ تريدون أن تنظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت- وسعوها في قريش تتسع- .قال فقاما إلى سقيفة بني ساعدة أو كلاما هذا معناه- .

قال أبو بكر و أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الملك الواسطي عن يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أنس بن مالك قال لما مرض رسول الله مرضه الذي مات فيه- أتاه بلال يؤذنه بالصلاة فقال بعد مرتين- يا بلال قد أبلغت فمن شاء فليصل بالناس و من شاء فليدع- .

قال و رفعت الستور عن رسول الله- فنظرنا إليه كأنه ورقة بيضاء و عليه خميصة له- فرجع إليه بلال فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس- قال فما رأيناه بعد ذلك ع- . و قال أبو بكر- و حدثني أبو الحسن علي بن سليمان النوفلي قال- سمعت أبيا يقول- ذكر سعد بن عبادة يوما عليا بعد يوم السقيفة- فذكر أمرا من أمره نسيه أبو الحسن يوجب ولايته- فقال له ابنه قيس بن سعد- أنت سمعت رسول الله ص- يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ثم تطلب الخلافة- و يقول أصحابك منا أمير و منكم أمير- لا كلمتك و الله من رأسي بعد هذا كلمة أبدا- .

قال أبو بكر و حدثني أبو الحسن علي بن سليمان النوفلي قال حدثني أبي قال حدثني شريك بن عبد الله عن إسماعيل بن خالد عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده قال قال علي كنت مع الأنصار لرسول الله ص على السمع و الطاعة- له في المحبوب و المكروه- فلما عز الإسلام و كثر أهله قال يا علي زد فيها- على أن تمنعوا رسول الله و أهل بيته- مما تمنعون منه أنفسكم و ذراريكم- قال فحملها على ظهور القوم- فوفى بها من وفى و هلك من هلك- .

قلت هذا يطابق ما رواه أبو الفرج الأصفهاني في كتاب مقاتل الطالبيين أن‏جعفر بن محمد ع وقف مستترا في خفية- يشاهد المحامل التي حمل عليها عبد الله بن الحسن- و أهله في القيود و الحديد من المدينة إلى العراق- فلما مروا به بكى- و قال ما وفت الأنصار و لا أبناء الأنصار لرسول الله ص- بايعهم على أن يمعنوا محمدا و أبناءه و أهله و ذريته- مما يمنعون منه أنفسهم و أبناءهم و أهلهم و ذراريهم- فلم يفوا اللهم اشدد وطأتك على الأنصارقال أبو بكر و حدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد قال حدثنا أحمد بن الحكم قال حدثنا عبد الله بن وهب عن ليث بن سعد قال تخلف علي عن بيعة أبي بكر- فأخرج ملببا يمضى به ركضا- و هو يقول معاشر المسلمين- علام تضرب عنق رجل من المسلمين- لم يتخلف لخلاف و إنما تخلف لحاجة- فما مر بمجلس من المجالس إلا يقال له انطلق فبايعقال أبو بكر و حدثنا علي بن جرير الطائي قال حدثنا ابن فضل عن الأجلح عن حبيب بن ثعلبة بن يزيد قال سمعت عليا يقول أما و رب السماء و الأرض ثلاثا- إنه لعهد النبي الأمي إلي- لتغدرن بك الأمة من بعدي- .

قال أبو بكر- و حدثنا أبو زيد عمر بن شبة بإسناد رفعه إلى ابن عباس- قال إني لأماشي عمر في سكة من سكك المدينة يده في يدي- فقال يا ابن عباس ما أظن صاحبك إلا مظلوما- فقلت في نفسي و الله لا يسبقني بها- فقلت يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته- فانتزع يده من يدي- ثم مر يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته- فقال لي يا ابن عباس- ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا أنهم استصغروه- فقلت في نفسي هذه شر من الأولى- فقلت و الله ما استصغره الله- حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر

ذكر أمر فاطمة مع أبي بكر

فأما ما رواه البخاري و مسلم في الصحيحين- من كيفية المبايعة لأبي بكر بهذا اللفظ- الذي أورده عليك-و لإسناد إلى عائشة أن فاطمة و العباس أتيا أبا بكر- يلتمسان ميراثهما من النبي ص- و هما حينئذ يطلبان أرضه من فدك و سهمه من خيبر- فقال لهما أبو بكر إني سمعت رسول الله ص يقول- إنا معشر الأنبياء لا نورث- ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال- و إني و الله لا أدع أمرا- رأيت رسول الله ص يصنعه إلا صنعته- فهجرته فاطمة و لم تكلمه في ذلك حتى ماتت- فدفنها علي ليلا و لم يؤذن بها أبا بكر- و كان لعلي وجه من الناس في حياة فاطمة- فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي- فمكثت فاطمة ستة أشهر ثم توفيت- فقال رجل للزهري و هو الراوي لهذا الخبر عن عائشة- فلم يبايعه على ستة أشهر- قال و لا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي فلما رأى ذلك ضرع إلى مبايعة أبي بكر- فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا و لا يأت معك أحد- و كره أن يأتيه عمر لما عرف من شدته- فقال عمر لا تأتهم وحدك- فقال أبو بكر و الله لآتينهم وحدي و ما عسى أن يصنعوا بي- فانطلق أبو بكر حتى دخل على علي و قد جمع بني هاشم عنده-فقام علي فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله- ثم قال أما بعد- فإنه لم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكار لفضلك- و لا منافسة لخير ساقه الله إليك- و لكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا- فاستبددتم به علينا- و ذكر قرابته من رسول الله ص و حقه- فلم يزل علي يذكر ذلك حتى بكى أبو بكر- فلما صمت علي تشهد أبو بكر- فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله- ثم قال أما بعدفو الله لقرابة رسول الله ص أحب إلي- أن أصلها من قرابتي- و إني و الله ما آلوكم من هذه الأموال- التي كانت بيني و بينكم إلا الخير-و لكني سمعت رسول الله ص يقول لا نورث ما تركناه صدقة- و إنما يأكل آل محمد في هذا المال- و إني و الله لا أترك أمرا- صنعه رسول الله ص إلا صنعته إن شاء الله- قال علي موعدك العشية للبيعة- فلما صلى أبو بكر الظهر- أقبل على الناس ثم عذر عليا ببعض ما اعتذر به- ثم قام علي فعظم من حق أبي بكر و ذكر فضله و سابقته- ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه فأقبل الناس إلى علي- فقالوا أصبت و أحسنت- و كان علي قريبا إلى الناس حين قارب الأمر بالمعروف- . و روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز قال- حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال- حدثني إبراهيم بن المنذر قال حدثنا ابن وهب- عن ابن لهيعة عن أبي الأسود قال- غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة- و غضب علي و الزبير فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح- فجاء عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير- و سلمة بن سلامة بن قريش و هما من بني عبد الأشهل- فاقتحما الدار فصاحت فاطمة و ناشدتهما الله- فأخذوا سيفيهما فضربوا بهما الحجر حتى كسروهما- فأخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا- . ثم قام أبو بكر فخطب الناس فاعتذر إليهم- و قال إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها و خشيت الفتنة- و ايم الله ما حرصت عليها يوما قط- و لا سألتها الله في سر و لا علانية قط- و لقد قلدت أمرا عظيما ما لي به طاقة و لا يدان- و لقد وددت أن أقوى الناس عليه مكاني- .

فقبل المهاجرون- و قال علي و الزبير ما غضبنا إلا في المشورة- و إنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها- إنه لصاحب الغار و ثاني اثنين و إنا لنعرف له سنه- و لقد أمره رسول الله ص بالصلاة و هو حي- . قال أبو بكر و ذكر ابن شهاب بن ثابت- أن قيس بن شماس أخا بني الحارث من الخزرج- كان مع الجماعة الذين دخلوا بيت فاطمة- . قال و روى سعد بن إبراهيم- أن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر ذلك اليوم- و أن محمد بن مسلمة كان معهم- و أنه هو الذي كسر سيف الزبير- . قال أبو بكر و حدثني أبو زيد عمر بن شبة عن رجاله قال- جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار- و نفر قليل من المهاجرين فقال- و الذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة- أو لأحرقن البيت عليكم- فخرج إليه الزبير مصلتا بالسيف- فاعتنقه زياد بن لبيد الأنصاري و رجل آخر- فندر السيف من يده فضرب به عمر الحجر فكسره- ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقا عنيفا- حتى بايعوا أبا بكر- .

قال أبو زيد و روى النضر بن شميل قال- حمل سيف الزبير لما ندر من يده إلى أبي بكر- و هو على المنبر يخطب فقال اضربوا به الحجر- قال أبو عمرو بن حماس- و لقد رأيت الحجر و فيه تلك الضربة- و الناس يقولون هذا أثر ضربة سيف الزبير- . قال أبو بكر و أخبرني أبو بكر الباهلي- عن إسماعيل بن مجالد عن الشعبي- قال- قال أبو بكر يا عمر أين خالد بن الوليد- قال هو هذا- فقال انطلقا إليهما يعني عليا و الزبير فأتياني بهما- فانطلقا فدخل عمر و وقف خالد على الباب من خارج- فقال عمر للزبير ما هذا السيف- قال أعددته لأبايع عليا- قال و كان في البيت ناس كثير- منهم المقداد بن الأسود و جمهور الهاشميين- فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت‏ فكسره- ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه فأخرجه- و قال يا خالد دونك هذا فأمسكه خالد- و كان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس- أرسلهم أبو بكر ردءا لهما- ثم دخل عمر فقال لعلي قم فبايع- فتلكأ و احتبس فأخذ بيده- و قال قم فأبى أن يقوم- فحمله و دفعه كما دفع الزبير- ثم أمسكهما خالد و ساقهما عمر و من معه سوقا عنيفا- و اجتمع الناس ينظرون- و امتلأت شوارع المدينة بالرجال-و رأت فاطمة ما صنع عمر فصرخت و ولولت- و اجتمع معها نساء كثير من الهاشميات و غيرهن- فخرجت إلى باب حجرتها- و نادت يا أبا بكر- ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله- و الله لا أكلم عمر حتى ألقى الله- .

قال فلما بايع علي و الزبير و هدأت تلك الفورة- مشى إليها أبو بكر بعد ذلك فشفع لعمر- و طلب إليها فرضيت عنه- . قال أبو بكر و حدثني المؤمل بن جعفر قال- حدثني محمد بن ميمون قال حدثني داود بن المبارك قال- أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن- بن حسن بن علي بن أبي طالب ع- و نحن راجعون من الحج في جماعة فسألناه عن مسائل- و كنت أحد من سأله فسألته عن أبي بكر و عمر- فقال أجيبك بما أجاب به جدي عبد الله بن الحسن- فإنه سئل عنهما فقال كانت أمنا صديقة ابنة نبي مرسل- و ماتت و هي غضبى على قوم فنحن غضاب لغضبها- . قلت قد أخذ هذا المعنى بعض شعراء الطالبيين من أهل الحجاز- أنشدنيه النقيب جلال الدين عبد الحميد- بن محمد بن عبد الحميد العلوي قال- أنشدني هذا الشاعر لنفسه- و ذهب عني اسمه- قال

يا أبا حفص الهوينى و ما كنت
مليا بذاك لو لا الحمام‏

أ تموت البتول غضبى و نرضى
ما كذا يصنع البنون الكرام‏

يخاطب عمر و يقول له مهلا و رويدا يا عمر- أي ارفق و اتئد و لا تعنف بنا و ما كنت مليا- أي و ما كنت أهلا لأن تخاطب بهذا و تستعطف- و لا كنت قادرا على ولوج دار فاطمة- على ذلك الوجه الذي ولجتها عليه- لو لا أن أباها الذي كان بيتها يحترم و يصان لأجله مات- فطمع فيها من لم يكن يطمع- ثم قال أ تموت أمنا و هي غضبى و نرضى نحن إذا لسنا بكرام- فإن الولد الكريم يرضى لرضا أبيه و أمه و يغضب لغضبهما- . و الصحيح عندي أنها ماتت و هي واجدة على أبي بكر و عمر- و أنها أوصت ألا يصليا عليها- و ذلك عند أصحابنا من الأمور المغفورة لهما- و كان الأولى بهما إكرامها و احترام منزلها- لكنهما خافا الفرقة و أشفقا من الفتنة- ففعلا ما هو الأصلح بحسب ظنهما- و كانا من الدين و قوة اليقين بمكان مكين لا شك في ذلك- و الأمور الماضية يتعذر الوقوف على عللها و أسبابها- و لا يعلم حقائقها إلا من قد شاهدها و لابسها- بل لعل الحاضرين المشاهدين لها يعلمون باطن الأمر- فلا يجوز العدول عن حسن الاعتقاد فيهما بما جرى- و الله ولي المغفرة و العفو- فإن هذا لو ثبت أنه خطأ لم يكن كبيرة- بل كان من باب الصغائر التي لا تقتضي التبرؤ- و لا توجب زوال التولي- . قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال- حدثنا محمد بن حاتم عن رجاله عن ابن عباس قال- مر عمر بعلي و أنا معه بفناء داره فسلم عليه- فقال له علي أين تريد قال البقيع- قال أ فلا تصل صاحبك و يقوم معك قال بلى- فقال لي علي قم معه فقمت فمشيت إلى جانبه- فشبك أصابعه في أصابعي و مشينا قليلا- حتى إذا خلفنا البقيع قال لي يا ابن عباس أما و الله- إن صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله ص- إلا أنا خفناه على اثنين- قال ابن عباس فجاء بكلام لم أجد بدا من‏ مسألته عنه- فقلت ما هما يا أمير المؤمنين- قال خفناه على حداثة سنه و حبه بني عبد المطلب- . قال أبو بكر و حدثني أبو زيد قال حدثني محمد بن عباد قال- حدثني أخي سعيد بن عباد عن الليث بن سعد عن رجاله- عن أبي بكر الصديق أنه قال- ليتني لم أكشف بيت فاطمة و لو أعلن علي الحرب- .

قال أبو بكر و حدثنا الحسن بن الربيع عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن علي بن عبد الله بن العباس عن أبيه قال لما حضرت رسول الله ص الوفاة- و في البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب- قال رسول الله ص ائتوني بدواة و صحيفة- أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي– فقال عمر كلمة- معناها أن الوجع قد غلب على رسول الله ص- ثم قال عندنا القرآن حسبنا كتاب الله- فاختلف من في البيت و اختصموا- فمن قائل يقول القول ما قال رسول الله ص- و من قائل يقول القول ما قال عمر- فلما أكثروا اللغط و اللغو و الاختلاف غضب رسول الله-فقال قوموا إنه لا ينبغي لنبي أن يختلف عنده هكذا- فقاموا فمات رسول الله ص في ذلك اليوم-فكان ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية- ما حال بيننا و بين كتاب رسول الله ص- يعني الاختلاف و اللغط- . قلت هذا الحديث قد خرجه الشيخان- محمد بن إسماعيل البخاري- و مسلم بن الحجاج القشيري في صحيحيهما- و اتفق المحدثون كافة على روايته- .

قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد عن رجاله عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله‏ ص إن تولوها أبا بكر تجدوه ضعيفا في بدنه قويا في أمر الله- و إن تولوها عمر تجدوه قويا في بدنه قويا في أمر الله- و إن تولوها عليا و ما أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا- يحملكم على المحجة البيضاء و الصراط المستقيمقال أبو بكر و حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح عن أحمد بن سيار عن سعيد بن كثير الأنصاري عن رجاله عن عبد الله بن عبد الرحمن أن رسول الله ص في مرض موته- أمر أسامة بن زيد بن حارثة على جيش- فيه جلة المهاجرين و الأنصار- منهم أبو بكر و عمر و أبو عبيدة بن الجراح- و عبد الرحمن بن عوف و طلحة و الزبير- و أمره أن يغير على مؤتة حيث قتل أبوه زيد- و أن يغزو وادي فلسطين- فتثاقل أسامة و تثاقل الجيش بتثاقله- و جعل رسول الله ص في مرضه يثقل و يخف- و يؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث- حتى قال له أسامة بأبي أنت و أمي- أ تأذن لي أن أمكث أياما حتى يشفيك الله تعالى-

فقال اخرج و سر على بركة الله- فقال يا رسول الله إن أنا خرجت و أنت على هذه الحال- خرجت و في قلبي قرحة منك- فقال سر على النصر و العافية- فقال يا رسول الله إني أكره أن أسأل عنك الركبان- فقال انفذ لما أمرتك به- ثم أغمي على رسول الله ص- و قام أسامة فتجهز للخروج- فلما أفاق رسول الله ص سأل عن أسامة و البعث- فأخبر أنهم يتجهزون- فجعل يقول انفذوا بعث أسامة لعن الله من تخلف عنه و كرر ذلك- فخرج أسامة و اللواء على رأسه و الصحابة بين يديه- حتى إذا كان بالجرف نزل و معه أبو بكر و عمر و أكثر المهاجرين و من الأنصار أسيد بن حضير- و بشير بن سعد و غيرهم من الوجوه- فجاءه رسول أم أيمن يقول له- ادخل فإن رسول الله يموت فقام من فوره- فدخل المدينة و اللواء معه- فجاء به حتى ركزه بباب رسول الله- و رسول الله قد مات في تلك الساعة- . قال فما كان أبو بكر و عمر يخاطبان أسامة- إلى أن ماتا إلا بالأمير

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي‏ الحديد) ج 6 

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=