خطبه 205 شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبة له عليه السّلام
وَ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ عَدَلَ وَ حَكَمٌ فَصَلَ- وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ سَيِّدُ عِبَادِهِ- كُلَّمَا نَسَخَ اللَّهُ الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِي خَيْرِهِمَا- لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عَاهِرٌ وَ لَا ضَرَبَ فِيهِ فَاجِرٌ- أَلَا وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ لِلْخَيْرِ أَهْلًا- وَ لِلْحَقِّ دَعَائِمَ وَ لِلطَّاعَةِ- عِصَماً- وَ إِنَ‏ لَكُمْ عِنْدَ كُلِّ طَاعَةٍ عَوْناً مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ- يَقُولُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ وَ يُثَبِّتُ الْأَفْئِدَةَ- فِيهِ كِفَاءٌ لِمُكْتَفٍ وَ شِفَاءٌ لِمُشْتَفٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُسْتَحْفَظِينَ عِلْمَهُ- يَصُونُونَ مَصُونَهُ وَ يُفَجِّرُونَ عُيُونَهُ- يَتَوَاصَلُونَ بِالْوِلَايَةِ- وَ يَتَلَاقَوْنَ بِالْمَحَبَّةِ وَ يَتَسَاقَوْنَ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ- وَ يَصْدُرُونَ بِرِيَّةٍ لَا تَشُوبُهُمُ الرِّيبَةُ- وَ لَا تُسْرِعُ فِيهِمُ الْغِيبَةُ- عَلَى ذَلِكَ عَقَدَ خَلْقَهُمْ وَ أَخْلَاقَهُمْ- فَعَلَيْهِ يَتَحَابُّونَ وَ بِهِ يَتَوَاصَلُونَ- فَكَانُوا كَتَفَاضُلِ الْبَذْرِ يُنْتَقَى فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَ يُلْقَى- قَدْ مَيَّزَهُ التَّخْلِيصُ وَ هَذَّبَهُ التَّمْحِيصُ فَلْيَقْبَلِ امْرُؤٌ كَرَامَةً بِقَبُولِهَا- وَ لْيَحْذَرْ قَارِعَةً قَبْلَ حُلُولِهَا- وَ لْيَنْظُرِ امْرُؤٌ فِي قَصِيرِ أَيَّامِهِ وَ قَلِيلِ مُقَامِهِ فِي مَنْزِلٍ- حَتَّى يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَنْزِلًا- فَلْيَصْنَعْ لِمُتَحَوَّلِهِ وَ مَعَارِفِ مُنْتَقَلِهِ- فَطُوبَى لِذِي قَلْبٍ سَلِيمٍ- أَطَاعَ مَنْ يَهْدِيهِ وَ تَجَنَّبَ مَنْ يُرْدِيهِ- وَ أَصَابَ سَبِيلَ السَّلَامَةِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ- وَ طَاعَةِ هَادٍ أَمَرَهُ وَ بَادَرَ الْهُدَى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ- وَ تُقْطَعَ أَسْبَابُهُ وَ اسْتَفْتَحَ التَّوْبَةَ وَ أَمَاطَ الْحَوْبَةَ- فَقَدْ أُقِيمَ عَلَى الطَّرِيقِ وَ هُدِيَ نَهْجَ السَّبِيلِ

اللغة

أقول: نسخ: أزال و غيّر.

و العاهر: الزانى و يصدق على الذكر و الانثى، و كذلك الفاجر.

و الكفاء: الكفاية و المكافاة.

و الريّة بالكسر: الفعلة منه الري و هى الهيئة الّتي عليها المرتوى.

و الريبة الدغل و الغلّ.

و التمحيص: الابتلاء و الاختبار.

و القارعة: الشديدة من شدائد الدهر.

و يرديه: يوقعه في الردى. 

وأماط: أزال.

و الحوبة: الإثم.

المعنى
و أطلق لفظ العدل على العادل مجازا إطلاقا لاسم اللازم على ملزومه، و البارى تعالى عادل بالنظر إلى علمه و قضائه: أى لا يقضى في ملكه بأمر إلّا و هو على وفق النظام الكلّىّ و الحكمة البالغة، و يدخل في ذلك جميع أقواله و أفعاله فإنّه لا يصدر منها شي‏ء إلّا و هو كذلك، و أمّا الجزئيّات المعدودة شرورا و صورة جور في هذا العالم فإنّها إذا اعتبرت كانت شرورا بالنسبة و مع ذلك فهى من لوازم الخير و العدل لا بدّ منها و لا يمكن أن يكون العدل و الخير من دونها كما لا يمكن أن يكون الإنسان إنسانا إلّا و هو ذو شهوة و غضب تلزمها الفساد و الشرّ الجزئيّ، و لمّا كان الخير أكثر و كان ترك الخير الكثير لأجل الشرّ القليل شرّا كثيرا في الجود و الحكمة وجب وجود تلك الشرور الجزئيّة لوجود ملزوماتها، و أشار بقوله: عدل إلى إيجاد العدل بالفعل، و بقوله في وصف الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: سيّد عباده إلى قوله: أنا سيّد ولد آدم و لا فخر. و قوله: كلّما نسخ اللّه الخلق فرقتين. فنسخ الخلق قسمة كلّ قرن و فرقة إلى خيار و أشرار، و القسمة يغيّر للمقسوم و إزالة عن حال إتحاده. و قوله: جعله في خيرهما. إشارة إلى ما روى عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال المطّلب بن أبى وداعة: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب إنّ اللّه خلق الخلق فجعلنى في خيرهم. ثمّ جعلهم فرقتين فجعلنى في خيرهم. ثمّ جعلهم قبايل فجعلنى في خيرهم.
ثمّ جعلهم بيوتا فجعلنى في خيرهم فأنا خيركم بيتا و خيركم نفسا. و قوله: لم يسهم فيه عاهر، و لا ضرب فيه فاجر. أى لم يضرب فيه العاهر بسهم و لم يكن للفجور في أصله شركة يقال: ضرب في كذا بنصيب إذا كان له فيه شرك، و هو إشارة إلى طهارته من قبل أصله عن الزنا كما روى عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يزل ينقلني اللّه تعالى من أصلاب الطاهرين إلى أرحام‏ الطاهرات، و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لمّا خلق اللّه آدم أودع نورى في جبينه فما زال ينقله من الآباء الأخاير إلى الامّهات الطواهر حتّى انتهى إلى عبد المطّلب، و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ولدت من نكاح لا من سفاح. و قوله: ألا و إنّ اللّه. إلى قوله: عصما. ترغيب للسامعين أن يكونوا أهل الجنّة و دعائم الحقّ و عصم الطاعة، و كذلك قوله: و إنّ لكم. إلى قوله: من اللّه. جذب لهم إلى طاعته بذكر العون منه و كأنّه عنّى بالعون القرآن الكريم. و قوله: يقول على الألسنة، و يثبّت الأفئدة. تفصيل لوجوه العون منه تعالى، و عونه من جهة القول على الألسنة وعده المطيعين بالثواب العظيم على الطاعة، و مدحه لهم، و تبشيرهم بالجنّة و الرضوان منه على ألسنة الرسل فإنّ كلّ ذلك مقوّ على الطاعة و معين عليها، و أمّا تثبيت الأفئدة فمن جهة الاستعداد لطاعة اللّه و استلاحة أنواره من كتابه العزيز و استكشاف أسراره كما قال تعالى أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ«» و قوله كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا«» و إنّ في القرآن الكريم من المواعظ و الزواجر المخوّفة ما يوجب الفزع إلى اللّه و تثبّت القلوب على طاعته للخلاص منها.
و قوله: فيه كفاء لمكتف. أى في ذلك القول كفاية لطالبى الاكتفاء: أى من الكمالات النفسانيّة، و شفاء لمن طلب الشفاء من أمراض الرذائل الموبقة. ثمّ نبّه على عباد اللّه الصالحين و صفاتهم ليقتفوا آثارهم و يكونوا منهم فأعلمهم أنّهم هم الّذين استحفظهم علمه و أسرار خلقه.
فمن صفاتهم امور:

أحدها: أنّهم يصرفون ما وجب صرفه من غير أهله، و لا يضعون أسراره إلّا في أهله.

الثاني: يفجّرون عيونه، و لفظ العيون مستعار إمّا لمعادنه و هى أذهان‏ الأنبياء و الأولياء و أئمّة العلماء، و إمّا لاصوله الطيّبة و حملته الّتى علموها، و يكون لفظ التفجير مستعار لإفادتها و تفريقها و تفصيلها.

الثالث: و يتواصلون بالولاية الّتي نصرة بعضهم لبعض في دين اللّه و إقامة ناموس شريعته.

الرابع: و يتلاقون بالمحبّة فيه الّتي هى مطلوب الشارع من شريعته حتّى يصيروا كنفس واحدة. الخامس: و يتساقون بكأس رويّة. و استعار لفظ الكأس للعلم: أى تستفيد بعضهم من بعض. و رشّح بذكر الرويّة، و أراد بها تمام الإفادة.

السادس: و يصدرون بريّة: أى يصدر كلّ منهم عن الآخر بفايدة قد ملأت نفسه كمالا. و لفظ الريّة مستعار.
السابع: كونهم لا تشوبهم الريبة: أى لا يتداخل بعضهم شكّ في بعض، و لا يهمّه بنفاق أو بسوء باطن له من غلّ أو حسد.

الثامن: و لا تسرع فيهم الغيبة. و إنّما نفى عنهم سرعة الغيبة لأنّ فيهم من ليس بمعصوم فلم يكن نفيها عنهم بالكلّيّة بل استبعد وقوعها منهم، و يحتمل أن يريد أنّهم لقلّة عيوبهم لا يكاد أحد يتسرّع فيهم بغيبة.

التاسع: كونهم على ذلك عقد اللّه خلقهم: أى على ذلك الوصف و الكمال قد خلقهم على وفق قضائه لهم بذلك و أوجدهم. فعليه: أى فعلى ما عقد خلقهم عليه من الكمال يتحابّون، و به يتواصلون.

العاشر: كونهم في ذلك كتفاضل البذر. أى فكانوا في فضلهم بالقياس إلى الناس كتفاضل البذر، و أشار إلى وجه الشبه بقوله: ينتقى. إلى قوله: التمحيص، و تقريره أنّهم خلاصة الناس و نقاوتهم الّذين صفاهم منهم و ميّزهم عنهم تخليص عناية اللّه لهم بإفاضة رحمته و هدايته إلى طريقه، و خلّصهم ابتلاؤه و اختباره بأوامره.

و قوله: فليقبل امرء كرامة بقبولها. إلى آخره. عود إلى النصيحة و الموعظة، و أراد كرامة اللّه بطاعته و ما استلزمه من‏ المواهب الجليلة، و أراد بقبولها قبولها الحقّ التامّ على الوجه الّذي ينبغي من مراعاة مصلحتها و مراقبتها عن آثار النفاق كما قال تعالى فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ«» و بالقارعة الّتي حذّر منها قبل حلولها قارعة الموت. ثمّ أمر أن يعتبر المرء قصر أيّام حياته و قلّة مقامه في منزل يستلزم الإقامة القليلة فيه هذه العناية و هى أن يستبدل به منزلا آخر: أى يحلّ محلّ عبرته إقامته القصيرة في الدنيا المستلزمة لانتقاله منها إلى الآخرة فإنّ في تصوّره قلّة المقام في هذا المنزل للعبور إلى منزل آخر عبرة تامّة، و يحتمل أن تكون حتّى غاية من أمره بالنظر في الاعتبار: أى فلينظر في ذلك المنزل يستبدل به غيره، و إذا كان كذلك فينبغى أن يعمل لذلك المنزل المتحوّل إليه، و لمعارف منتقلة: أى لمواضع الّتي يعرف انتقاله إليها. و طوبى فعلى من الطيب قلّبوا ياءها واو للضمّة قبلها، و قيل: هى اسم شجرة في الجنّة، و قلب سليم: أى لم يتدنّس برذيلة الجهل المركّب و لا بنجاسات الأخلاق الرديئة، و من يهديه إشارة إلى نفسه عليه السّلام و أئمّة الدين، و من يرديه في مهاوى الهلاك المنافقون و أئمّة الضلالة، و إصابته لسبيل السلامة وقوفه على سبيل اللّه عند حدوده بهداية من هداه و طاعته لها و أمره بسلوكها، و مبادرته للهدى مسارعته إليه قبل غلق أبوابه، و استعار لفظ الأبواب له و لأئمّة الدين من قبله، و رشّح بذكر الغلق و أراد به عدمهم أو موت الطالب، و كذلك استعار لفظ الأسباب لهم، و وجه الاستعارة كونهم وصلا إلى المراد كالجبال، و رشّح بذكر القطع و أراد به أيضا موتهم، و استفتاح التوبة استقبالها و الشروع فيها، و إماطة الحوبة إزالة الإثم عن لوح نفسه بتوبته.

و قوله: فقد اقيم. إلى آخره. إشعار منه بإقامة أعلام اللّه و هم العلماء و الكتاب المنزل و السنّة النبويّة و الهداية بها إلى واضح سبيله ليقتدى الناس بها و يسلكوا على بصيرة. و باللّه التوفيق و العصمة.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 4 ، صفحه‏ى 36

 

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.