106 و من كلام له ع في بعض أيام صفين
وَ قَدْ رَأَيْتُ جَوْلَتَكُمْ- وَ انْحِيَازَكُمْ عَنْ صُفُوفِكُمْ- تَحُوزُكُمُ الْجُفَاةُ الطَّغَامُ- وَ أَعْرَابُ أَهْلِ الشَّامِ- وَ أَنْتُمْ لَهَامِيمُ الْعَرَبِ- وَ يَآفِيخُ الشَّرَفِ- وَ الْأَنْفُ الْمُقَدَّمُ- وَ السَّنَامُ الْأَعْظَمُ- وَ لَقَدْ شَفَى وَحَاوِحَ صَدْرِي- أَنْ رَأَيْتُكُمْ بِأَخَرَةٍ- تَحُوزُونَهُمْ كَمَا حَازُوكُمْ- وَ تُزِيلُونَهُمْ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ كَمَا أَزَالُوكُمْ- حَسّاً بِالنِّصَالِ وَ شَجْراً بِالرِّمَاحِ- تَرْكَبُ أُوْلَاهُمْ- أُخْرَاهُمْ كَالْإِبِلِ الْهِيمِ الْمَطْرُودَةِ- تُرْمَى عَنْ حِيَاضِهَا- وَ تُذَادُ عَنْ مَوَارِدِهَا جولتكم هزيمتكم فأجمل في اللفظ- و كنى عن اللفظ المنفر عادلا عنه إلى لفظ لا تنفير فيه- كما قال تعالى- كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ- قالوا هو كناية عن إتيان الغائط و إجمال في اللفظ- . و كذلك قوله و انحيازكم عن صفوفكم- كناية عن الهرب أيضا- و هو من قوله تعالى إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ- .
و هذا باب من أبواب البيان لطيف- و هو حسن التوصل بإيراد كلام غير مزعج- عوضا عن لفظ يتضمن جبها و تقريعا- . و تحوزكم تعدل بكم عن مراكزكم- و الجفاة جمع جاف و هو الفدم الغليظ- و الطغام الأوغاد و اللهاميم جمع لهموم- و هو الجواد من الناس و الخيل- قال الشاعر
لا تحسبن بياضا في منقصة
إن اللهاميم في أقرابها بلق
و اليآفيخ جمع يافوخ و هو معظم الشيء- تقول قد ذهب يافوخ الليل أي أكثره- و يجوز أن يريد به اليافوخ- و هو أعلى الرأس و جمعه يآفيخ أيضا- و أفخت الرجل ضربت يافوخه- و هذا أليق لأنه ذكر بعده الأنف و السنام- فحمل اليافوخ على العضو إذا أشبه- . و الوحاوح الحرق و الحزازات- و لقيته بأخرة على فعلة أي أخيرا- . و الحس القتل قال الله تعالى- إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ- . و شجرت زيدا بالرمح طعنته- و التأنيث في أولاهم و أخراهم للكتائب- . و الهيم العطاش و تذاد تصد و تمنع- و قد روي الطغاة عوض الطغام- . و روي حشأ بالهمز- من حشأت الرجل أي أصبت حشاه- . و روي بالنضال بالضاد المعجمة- و هو المناضلة و المراماة- . و قد ذكرنا نحن هذا الكلام فيما اقتصصناه- من أخبار صفين فيما تقدم من هذا الكتاب
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 7