نامه ۴۵ صبحی صالح
۴۵- و من کتاب له ( علیه السلام ) إلى عثمان بن حنیف الأنصاری و کان عامله على البصره و قد بلغه أنه دعی إلى ولیمه قوم من أهلها، فمضى إلیها قوله:
أَمَّا بَعْدُ یَا ابْنَ حُنَیْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْیَهِ أَهْلِ الْبَصْرَهِ دَعَاکَ إِلَى مَأْدُبَهٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَیْهَا تُسْتَطَابُ لَکَ الْأَلْوَانُ وَ تُنْقَلُ إِلَیْکَ الْجِفَانُ
وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّکَ تُجِیبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَ غَنِیُّهُمْ مَدْعُوٌّ فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ
مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ فَمَا اشْتَبَهَ عَلَیْکَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ وَ مَا أَیْقَنْتَ بِطِیبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ
أَلَا وَ إِنَّ لِکُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً یَقْتَدِی بِهِ وَ یَسْتَضِیءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَکُمْ قَدِ اکْتَفَى مِنْ دُنْیَاهُ بِطِمْرَیْهِ وَ مِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَیْهِ أَلَا وَ إِنَّکُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِکَ وَ لَکِنْ أَعِینُونِی بِوَرَعٍ وَ اجْتِهَادٍ وَ عِفَّهٍ وَ سَدَادٍ
فَوَاللَّهِ مَا کَنَزْتُ مِنْ دُنْیَاکُمْ تِبْراً وَ لَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً وَ لَا أَعْدَدْتُ لِبَالِی ثَوْبِی طِمْراً
وَ لَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً وَ لَا أَخَذْتُ مِنْهُ إِلَّا کَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَهٍ وَ لَهِیَ فِی عَیْنِی أَوْهَى وَ أَوْهَنُ مِنْ عَفْصَهٍ مَقِرَهٍ بَلَى کَانَتْ فِی أَیْدِینَا فَدَکٌ مِنْ کُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ فَشَحَّتْ عَلَیْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِینَ وَ نِعْمَ الْحَکَمُ اللَّهُ
وَ مَا أَصْنَعُ بِفَدَکٍ وَ غَیْرِ فَدَکٍ وَ النَّفْسُ مَظَانُّهَا فِی غَدٍ جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِی ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا وَ تَغِیبُ أَخْبَارُهَا وَ حُفْرَهٌ لَوْ زِیدَ فِی فُسْحَتِهَا وَ أَوْسَعَتْ یَدَا حَافِرِهَا لَأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَ الْمَدَرُ وَ سَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاکِمُ
وَ إِنَّمَا هِیَ نَفْسِی أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِیَ آمِنَهً یَوْمَ الْخَوْفِ الْأَکْبَرِ وَ تَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ
وَ لَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَیْتُ الطَّرِیقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ وَ لُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ وَ لَکِنْ هَیْهَاتَ أَنْ یَغْلِبَنِی هَوَایَ وَ یَقُودَنِی جَشَعِی إِلَى تَخَیُّرِ الْأَطْعِمَهِ وَ لَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْیَمَامَهِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِی الْقُرْصِ وَ لَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ
أَوْ أَبِیتَ مِبْطَاناً وَ حَوْلِی بُطُونٌ غَرْثَى وَ أَکْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَکُونَ کَمَا قَالَ الْقَائِلُ
وَ حَسْبُکَ دَاءً أَنْ تَبِیتَ بِبِطْنَهٍ وَ حَوْلَکَ أَکْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ
أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِی بِأَنْ یُقَالَ هَذَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ لَا أُشَارِکُهُمْ فِی مَکَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَکُونَ أُسْوَهً لَهُمْ فِی جُشُوبَهِ الْعَیْشِ
فَمَا خُلِقْتُ لِیَشْغَلَنِی أَکْلُ الطَّیِّبَاتِ کَالْبَهِیمَهِ الْمَرْبُوطَهِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَهِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَکْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَ تَلْهُو عَمَّا یُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَکَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَهِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِیقَ الْمَتَاهَهِ
وَ کَأَنِّی بِقَائِلِکُمْ یَقُولُ إِذَا کَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبِی طَالِبٍ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ وَ مُنَازَلَهِ الشُّجْعَانِ أَلَا وَ إِنَّ الشَّجَرَهَ الْبَرِّیَّهَ أَصْلَبُ عُوداً وَ الرَّوَاتِعَ الْخَضِرَهَ أَرَقُّ جُلُوداً وَ النَّابِتَاتِ الْعِذْیَهَ أَقْوَى وَقُوداً وَ أَبْطَأُ خُمُوداً.
وَ أَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ کَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ وَ الذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ وَ اللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِی لَمَا وَلَّیْتُ عَنْهَا وَ لَوْ أَمْکَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَیْهَا
وَ سَأَجْهَدُ فِی أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْکُوسِ وَ الْجِسْمِ الْمَرْکُوسِ حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَهُ مِنْ بَیْنِ حَبِّ الْحَصِیدِ
وَ مِنْ هَذَا الْکِتَابِ وَ هُوَ آخِرُهُ
إِلَیْکِ عَنِّی یَا دُنْیَا فَحَبْلُکِ عَلَى غَارِبِکِ قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِکِ وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِکِ وَ اجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِی مَدَاحِضِکِ
أَیْنَ الْقُرُونُ الَّذِینَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِکِ أَیْنَ الْأُمَمُ الَّذِینَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِکِ فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ وَ مَضَامِینُ اللُّحُودِ
وَ اللَّهِ لَوْ کُنْتِ شَخْصاً مَرْئِیّاً وَ قَالَباً حِسِّیّاً لَأَقَمْتُ عَلَیْکِ حُدُودَ اللَّهِ فِی عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِیِّ وَ أُمَمٍ أَلْقَیْتِهِمْ فِی الْمَهَاوِی وَ مُلُوکٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ إِذْ لَا وِرْدَ وَ لَا صَدَرَ
هَیْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَکِ زَلِقَ وَ مَنْ رَکِبَ لُجَجَکِ غَرِقَ وَ مَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِکِ وُفِّقَ وَ السَّالِمُ مِنْکِ لَا یُبَالِی إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ وَ الدُّنْیَا عِنْدَهُ کَیَوْمٍ حَانَ انْسِلَاخُهُ
اعْزُبِی عَنِّی فَوَاللَّهِ لَا أَذِلُّ لَکِ فَتَسْتَذِلِّینِی وَ لَا أَسْلَسُ لَکِ فَتَقُودِینِی وَ ایْمُ اللَّهِ یَمِیناً أَسْتَثْنِی فِیهَا بِمَشِیئَهِ اللَّهِ لَأَرُوضَنَّ نَفْسِی رِیَاضَهً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَیْهِ مَطْعُوماً وَ تَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً
وَ لَأَدَعَنَّ مُقْلَتِی کَعَیْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِینُهَا مُسْتَفْرِغَهً دُمُوعَهَا
أَ تَمْتَلِئُ السَّائِمَهُ مِنْ رِعْیِهَا فَتَبْرُکَ وَ تَشْبَعُ الرَّبِیضَهُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ وَ یَأْکُلُ عَلِیٌّ مِنْ زَادِهِ فَیَهْجَعَ قَرَّتْ إِذاً عَیْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِینَ الْمُتَطَاوِلَهِ بِالْبَهِیمَهِ الْهَامِلَهِ وَ السَّائِمَهِ الْمَرْعِیَّهِ
طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا وَ عَرَکَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا وَ هَجَرَتْ فِی اللَّیْلِ غُمْضَهَا حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْکَرَى عَلَیْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا وَ تَوَسَّدَتْ کَفَّهَا فِی مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُیُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ وَ تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ
وَ هَمْهَمَتْ بِذِکْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ وَ تَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ أُولئِکَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
فَاتَّقِ اللَّهَ یَا ابْنَ حُنَیْفٍ وَ لْتَکْفُفْ أَقْرَاصُکَ لِیَکُونَ مِنَ النَّارِ خَلَاصُکَ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۲۰
المختار الرابع و الاربعون و من کتاب له علیه السلام الى عثمان بن حنیف الانصارى، و هو عامله على البصره، و قد بلغه أنه دعى الى ولیمه قوم من أهلها فمضى الیها.
[الفصل الأول من الکتاب]
أما بعد، یا ابن حنیف فقد بلغنی أن رجلا من فتیه أهل البصره
دعاک إلى مأدبه فأسرعت إلیها، تستطاب لک الألوان، و تنقل إلیک الجفان، و ما ظننت أنک تجیب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، و غنیهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه علیک علمه فالفظه، و ما أیقنت بطیب وجوهه [وجهه] فنل منه. ألا و إن لکل مأموم إماما یقتدی به، و یستضیء بنور علمه ألا و إن إمامکم قد اکتفى من دنیاه بطمریه، و من طعمه بقرصیه، ألا و إنکم لا تقدرون على ذلک، و لکن أعینونی بورع و اجتهاد و عفه و سداد، فوالله ما کنزت من دنیاکم تبرا، و لا ادخرت من غنائمها وفرا، و لا أعددت لبالی ثوبی طمرا.
اللغه
(الفتیه): ج فتى کفتیان و فتو الشاب و الجواد، (المأدبه) بضم الدال:
طعام یدعى إلیه الجماعه و أدب القوم یأدبهم بالکسر أى دعاهم إلى طعامه، (الألوان): أنواع من الطعام اللذیذ، (الجفان): جمع جفن، و هو القصعه الکبیره، (العائل): الفقیر، (مجفو): مفعول من جفاه أی معرض عنه یقال:
جفوت الرجل أجفوه إذا أعرضت عنه، (المقضم): معلف الدابه، یأکل منه الشعیر بأطراف أسنانه، و الفضم: الأکل بأطراف الأسنان إذا أکل یابسا یقال:
قضمت الدابه شعیرها من باب تعب و من باب ضرب لغه: کسرته بأطراف أسنانها- مجمع البحرین-، و (لفظت) الشیء من فمی ألفظه لفظا من باب ضرب:
رمیت به، (الطمر) بالکسر هو الثوب الخلق العتیق أو الکساء البالی من غیر الصوف- مجمع-.
الاعراب
تستطاب لک الألوان: جمله حالیه عن المخاطب و ما بعدها عطف إلیها، تجیب إلى طعام قوم، مفعول ثان لقوله ظننت، و جمله: عائلهم مجفو، مبتدأ و خبر حال عن القوم و ما بعدها عطف إلیها.
المعنى
عثمان بن حنیف، بضم الحاء، ابن واهب بن الحکم بن ثعلبه بن الحارث الأنصاری الأوسی أخو سهل بن حنیف أحد الأمجاد من الأنصار، أخذ من النبی صلى الله علیه و آله العلم و التربیه و بلغ الدرجه العالیه فنال مناصب کبرى، قال فی الشرح المعتزلی: «عمل لعمر ثم لعلی و ولاه عمر مساحه الأرض و جبایتها بالعراق، و ضرب الخراج و الجزیه على أهلها، و ولاه علی علیه السلام على البصره، فأخرجه طلحه و الزبیر منها حین قدماها».
و یظهر من ذلک أنه کان رجلا بارعا فی علم الاقتصاد و السیاسه معا فاستفاد منه عمر من الناحیه الاقتصادیه و فوض إلیه أمر الخراج و الجزیه و هو من أهم الامور فی هذا العصر و خصوصا فی أرض العراق العامره، و کان من خواص علی علیه السلام و من السابقین الذین رجعوا إلیه و أخلصوا له، قال فی الرجال الکبیر بعد ترجمته: «هو من السابقین الذین رجعوا إلى أمیر المؤمنین علیه السلام، قاله الفضل ابن شاذان» و کلمه السابقین فی وصفه مأخوذ من قوله تعالى فی سوره البراءه الایه ۱۰۰ «و السابقون الأولون من المهاجرین و الأنصار و الذین اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم و رضوا عنه و أعد لهم جنات تجری تحتها الأنهار خالدین فیها أبدا ذلک الفوز العظیم» و کفى له بذلک مدحا و إخلاصا له علیه السلام فإن الایه تخصص السابقین الأولین من الأنصار و المهاجرین بهذه الفضیله التی لا فضیله فوقها، و السبق و التقدم إنما هو بقبول ولایه أمیر المؤمنین فإنها میزان الایمان و الإخلاص لله و رسوله و دلیل البراءه من النفاق و المطامع الدنیویه.
و مؤاخذته علیه السلام بمجرد إجابه دعوه من بعض فتیان البصره و تشدیده فی توبیخه بهذه الجمل البالغه فی الطعن و المذمه دلیل آخر على علو رتبته و سمو درجه ایمانه و أنه لا ینبغی من مثله إجابه مثل تلک الدعوه و الاشتراک فی حفله ضیافه تعقد لکسب الشهره، أو جلب المنفعه، أو الانهماک فی اللذه و الغفله، أو الاستمتاع بالأغذیه اللذیذه، فظاهر الکتاب الموجه على عثمان بن حنیف بالعتاب توبیخ عنیف على ارتکابه خلافا عظیما یستحق به هذا التوبیخ الشدید الذی آلم من الضرب بالسوط، أو الحبس إلى حین الموت، فلا بد من التدبر فی امور:
الاول: ما هو جوهر هذا الخلاف الذی ارتکبه هذا الوالی الذی فوض إلیه إداره امور ثغر هام من الثغور الاسلامیه فی هذا الزمان، فالبصره أحد الثغور الهامه الاسلامیه فی تینک العصور تضاهی مرکزیه الکوفه و مصر و الشام، و قد انتخبه علیه السلام والیا له و فوض إلیه إداره شئونه و سیاسه نظامه فی هذا الموقف الرهیب، فکیف یؤبخه و یؤنبه بهذه الجمل القاسیه ملؤها الوهن و الاستضعاف فهذا الخلاف یحتمل وجوها:
۱- أنه مجرد إجابه دعوه الاشتراک فی ولیمه لذیذه هیئت للتفریح و الانس مع الأحباب و الأقران.
۲- اعدت هذه الولیمه على حساب استماله الوالی و النفوذ فیه للاستفاده منه فی شتى المقاصد المرجوعه إلیه و للاعتماد علیه فی تنفیذ الحوائج کما هو عاده ذوی النفوذ و الجاه فی کل بلد، فإن شأنهم تسخیر عمال الدوله بالتطمیع و الإحسان للاستمداد منه فی مقاصدهم.
۳- إن هذه الولیمه اعدت من عصابه مخالفه لعلی علیه السلام و موالیه لمعاویه و أعوانه فهی حفله مؤامره ضد علی علیه السلام و الهدف منها جلب الوالی إلى الموافقه مع مقاصد سیاسه هامه و صرف عثمان بن حنیف عن موالاته علیه السلام إلى معاداته کما فعل معاویه مع زیاد بن أبیه بعد ذلک، فانه أحد أعوان علی علیه السلام و أحد ولاته المسیسن، و له ید فی تقویه حکومته فاستجلبه معاویه بالمکائد و المواعید و أثبته أخا لجلبه من موالاه علی علیه السلام إلى معاداته، و استفاد منه أکثر استفاده فی حکومته.
و ما ذکره علیه السلام فی کتابه هذا یناسب الوجه الثالث، فانه موقف خطر یحتاج إلى الحذر منه أشد الحذر فشرع علیه السلام یوبخ عثمان فی قبول هذه الدعوه و الإسراع إلیها و تقبل ما أعدوه له من النذل من إعداد الأطعمه الطیبه المختلفه الألوان و تقدیم الأقداح الکبیره فی الخوان، و أشار علیه السلام إلى أن هذه الولیمه مما لم یقصد به رضاء الله و إکرام والی ولی الله، و إلا فیشترک فیه ذووا الحاجه و الفقراء من الجیران و سائر المسلمین و لم یخصصوا الدعوه بالأغنیاء و ذوی النفوذ و الثروه.
ثم أشار علیه السلام إلى أن الحاضرین حول هذه الخوان من الغافلین المنهمکین فی اللذات المادیه، فعبر عن الخوان بالمقضم و هو ما یعد فیه علف الدابه من التبن و الشعیر، و تعبیره علیه السلام یعم کل خوان و مطعم مهیا لأمثال هؤلاء المفتونین بأمر الدنیا.
و قوله علیه السلام (فما اشتبه علیک علمه فالفظه) یحتمل وجهین:
۱- أن یکون المقصود منه بیان الأصل فی الأموال و أن الأصل فیها التحریم و لزوم الاحتیاط و التحرز إلا ما ثبت حله بوجه شرعی کما ورد فی الحدیث أنه: لا یحل مال إلا من حیث ما أحله الله، فالأصل فی المال المشتبه الحل و الحرمه التحریم و إن قلنا فی غیره بالحلیه و هو الظاهر من قوله علیه السلام «فما اشتبه علیک علمه فالفظه» و لکن یشکل علیه بأنه لا ینطبق على المورد لأن مورد الکتاب الأکل من مأدبه الضیافه و دلیل حلها هو ظاهر ید المسلم و إصاله الید دلیل عام یتکى علیه فی اکثر المعاملات و المبادلات.
۲- أن یکون المقصود تحقیق الحلال الواقعی و عدم الاکتفاء بالأمارات و الأدله المحتمله للخلاف تحصیلا للورع عن الحرام الواقعی، کما یستفاد من قوله علیه السلام (و ما أیقنت بطیب وجوهه فنل منه) فیستفاد منه أنه قرر على عماله احتیاطا فی الدین فوق حد العداله التی کانت شرطا فی تصدی هذه المناصب الجلیله.
قال ابن میثم فی شرح المقام: «و یفهم منه بحسب التأدیب الأول أن التنزه عن هذا المباح أفضل له من تناوله» فحمل کلامه علیه السلام على الوجه الثانی و هو أوضح، لأن مقام هذا الصحابی الکبیر أجل من أن ینال ما لا یحل له من الطعام جهلا بالمسأله أو تسامحا فی أمر دینه فکان هذا التشدد منه علیه السلام علیه لعلو رتبته، فنبه علیه السلام على أنه لا یلیق هذا العمل بمثله و إن کان لا بأس علیه لغیره ممن لم ینل مقامه فی العلم و الورع.
ثم توجه علیه السلام إلى بیان منظمه لعماله أو مطلق شیعته، و لخصها فی کلمتین:
۱- الاقتداء بالامام فی العمل و السیره.
۲- الاستضائه من نور علمه و الأخذ بدستوره فی کل الامور، و الاقتداء بالامام عملا و أخذ دستور العمل منه، کلاهما سلوک طریق النجاه و لکن الثانی أعم، فانه یشمل الغایب عن محضر الامام و یشمل التکالیف الخاصه بالمأموم دون الامام، و هى کثیره جدا.
ثم لخص علیه السلام سیرته فی کلمتین لتکون مدار العمل لعماله و للاقتداء به علیه السلام:
۱- الاکتفاء من ریاش الدنیا و لباسها و زینتها بطمرین أى ثوبین بالیین إزار و رداء من غیر صوف یلبسه أحوج الناس.
۲- الاکتفاء من طعامها و غذائها و لذائذها بقرصین من خبز الشعیر الیابس الفارغ عن الادام.
و قد مثل علیه السلام فی هذه الکلمتین الزهد بأدق معانیه و أشق ما فیه بحیث جعله من کراماته و أنه مما لا یقدر على العمل به غیره فقال علیه السلام: (ألا و إنکم لا تقدرون على ذلک).
ثم نظم برنامجا تربویا لعماله و من یتصدی إداره امور حکومته فی أربع مواد:
۱- الورع- و هو تحصن النفس عن الرذائل و الاجتناب عن المحارم و المحرمات.
۲- الاجتهاد- فی تحری الحقیقه و العمل على مقتضی الوظیفه و تحمل الکد و الاذى فی سبیل الحق.
۳- العفه- و هى ضبط النفس عما لا یحل و لا ینبغی من المشتهیات و ما فیه الرغبات.
۴- السداد- و هو تحکیم المعرفه بالامور و الأخذ بالیقین و تحکیم العمل و الدقه فی تقریر شرایطه و کیفیاته و عدم التسامح فیه.
و قد بقی فی المقام نکته و هى أنه ربما یزهد بعض الناس فی معاشهم حبا بجمع المال و ادخاره، فیعیشون عیش الفقراء و یکنزون الذهب و الفضه و یقتنون العقار و الدار فقال علیه السلام (فو الله ما کنزت من دنیاکم تبرا و لا ادخرت من غنائمها وفرا و لا أعددت لبالی ثوبی طمرا)، و زاد فی متن الکتاب فی شرح ابن أبی الحدید «ج ۱۶ ط مصر»: «و لا حزت من أرضها شبرا، و لا أخذت منه إلا کقوت اتان دبره» و هى التی عقر ظهرها فقل أکلها.
ثم بین إحساسه من الدنیا التی یطلبها أهلها و یجهدون فی طلبها و أنه من النفره و الانزجار إلى أقصى حد، فقال «دنیاکم فی عینی أهون من عفصه مقره» و العفصه حبه کالبندقه تستعمل فی دبغ الجلود و یتخذ منها الحبر- کما فی مجمع البحرین- أى من طعم هذه الحبه المره و هى فی نهایه النفور.
بقیه من المختار الرابع و الاربعین من کتبه علیه السلام
بلى کانت فی أیدینا فدک من کل ما أظلته السماء، فشحت علیها نفوس قوم، و سخت عنها نفوس [قوم] آخرین، و نعم الحکم الله و ما أصنع بفدک و غیر فدک، و النفس مظانها فی غد جدث، تنقطع فی ظلمته آثارها، و تغیب أخبارها، و حفره لو زید فی فسحتها، و أوسعت یدا حافرها لأضغطها الحجر و المدر، و سد فرجها التراب المتراکم، و إنما هى نفسی أروضها بالتقوى لتأتى آمنه یوم الخوف الأکبر، و تثبت على جوانب المزلق.
اللغه
(فدک): قریه من قرى الیهود بینها و بین مدینه النبی صلى الله علیه و آله یومان، و بینها و بین خیبر دون مرحله- مجمع البحرین-، (الشح): البخل مع حرص فهو أشد من البخل، (سخوت) نفسی عن الشیء: ترکته، (الجدث): القبر، (أضغطها الحجر): جعلها ضاغطه، (المظان) جمع مظنه: موضع الشیء و مألفه الذی یکون فیه.
الاعراب
فی أیدینا: ظرف مستقر خبر کانت و قوله: فدک، اسم لها، من کل:جار و مجرور و ما موصولیه و جمله أظلته السماء صلتها و جمله الظرف فی محل الحال من فدک، و النفس مظانها فی غد جدث: جمله حالیه، و قوله: حفره، عطف على جدث.
المعنى
لما قال علیه السلام «و لا حزت من أرضها شبرا» توجه إلى ماض بعید و هو بعید وفاه النبی صلى الله علیه و آله فقال: (کانت فی أیدینا فدک) فبخلت بها قوم، سلبوها و أخذوها من أیدینا غصبا و هم المتصدون لغصب خلافته خوفا منهم أن یجمع الناس حول أهل البیت برجاء هذا المال فأیدوهم و استردوا حقهم (و سخت عنها نفوس آخرین) یظهر من بعض الشراح أن المراد من نفوس آخرین هم أهل البیت أى ترکوها فی أیدی الغاصبین و انصرفوا عنها قال الشارح المعتزلی: و سخت عنها نفوس آخرین أى سامحت و أغضت و لیس یعنی بالسخاء ها هنا إلا هذا لا السخاء الحقیقی لأنه علیه السلام و أهله لم یسمحوا بفدک إلا غصبا و قسرا.
أقول: یمکن أن یکون المراد من الاخرین هم الأنصار حیث سکتوا عن مطالبه حقهم و قعدوا عن نصرتهم لاسترداده و إن لم یبخلوا بکونها فی أیدیهم و هذا هو الظاهر لأنه علیه السلام فی مقام الشکوى إلى الله عمن ظلمه و أهله فی غصب فدک و قد سامح الأنصار فی نصرته لردها بعد مطالبتها من جانب فاطمه علیها السلام.
قال فی الشرح المعتزلی: قال أبو بکر: حدثنی أبو زید عمر بن شبه قال:حدثنا حیان بن بشر، قال: حدثنا یحیى بن آدم، قال: أخبرنا ابن أبی زائده عن محمد بن إسحاق، عن الزهری، قال: بقیت بقیه من أهل خیبر تحصنوا، فسألوا رسول الله صلى الله علیه و آله أن یحقن دمائهم و یسیرهم ففعل، فسمع ذلک أهل فدک، فنزلوا على مثل ذلک، و کانت للنبی صلى الله علیه و آله خاصه، لأنه لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب.
و قال ابن میثم: ثم المشهور بین الشیعه و المتفق علیه عندهم أن رسول الله صلى الله علیه و آله أعطاها فاطمه علیها السلام و رووا ذلک من طرق مختلفه.
منها: عن أبی سعید الخدری قال لما انزلت «و آت ذا القربى حقه ۳۱- الروم:» أعطى رسول الله صلى الله علیه و آله فاطمه فدک، فلما تولى أبو بکر الخلافه عزم على أخذها منها فأرسلت إلیها یطالبها بمیراثها من رسول الله صلى الله علیه و آله و تقول: إنه أعطانی فدکا فی حیاته و استشهدت على ذلک علیا علیه السلام و ام أیمن فشهدا لها بها فأجابها عن المیراث بخبر رواه هو: نحن معاشر الأنبیاء لا نورث فما ترکناه فهو صدقه، و عن دعوى فدک: أنها لم تکن للنبی و إنما کانت للمسلمین فی یده یحمل بها الرجال و ینفقه فی سبیل الله و أنا ألیه کما کان یلیه.
و فی شرح المعتزلی قال: أبو بکر و حدثنی محمد بن أحمد بن یزید، عن عبد الله بن محمد بن سلیمان، عن أبیه، عن عبد الله بن الحسن بن حسن قالوا جمیعا:لما بلغ فاطمه علیها السلام إجماع أبی بکر على منعها فدک، لاثت خمارها، و أقبلت فی لمه من حفدتها و نساء قومها تطأ فی ذیولها، ما تخرم مشیتها مشیه رسول الله صلى الله علیه و آله حتى دخلت على أبی بکر و قد حشد الناس من المهاجرین و الأنصار، فضرب بینها و بینهم ریطه بیضاء و قال بعضهم: قبطیه و قالوا قبطیه، بالکسر و الضم، ثم أنت أنه أجهش لها القوم بالبکاء، ثم أمهلت طویلا حتى سکنوا من فورتهم، ثم قالت:
أبتدء بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد، الحمد لله على ما أنعم و له الشکر بما ألهم، و ذکر خطبه جیده قالت فی آخرها:فاتقوا الله حق تقاته، و أطیعوه فیما أمرکم به، فانما یخشى الله من عباده العلماء، و احمدوا الله الذی بعظمته و نوره یبتغی من فی السماوات و الأرض إلیه الوسیله، و نحن وسیلته فی خلقه، و نحن خاصته، و محل قدسه، و نحن حجته فی غیبه، و نحن ورثه أنبیائه،
ثم قالت:أنا فاطمه بنت محمد، أقول عودا على بدء و ما أقول ذلک سرفا و لا شططا فاسمعوا بأسماع واعیه، و قلوب داعیه، ثم قالت: «لقد جاءکم رسول من أنفسکم عزیز علیه ما عنتم حریص علیکم بالمؤمنین رؤف رحیم: ۱۲۸- التوبه» فان تعزوه تجدوه أبی دون آبائکم، و أخا ابن عمی دون رجالکم.
ثم ذکرت کلاما طویلا، سنذکره فیما بعد فی الفضل الثانی، ثم أنتم الان تزعمون أن لا إرث لی «أ فحکم الجاهلیه یبغون و من أحسن من الله حکما لقوم یوقنون: ۵۰- المائده» ایها معاشر المسلمین، ابتز إرث أبی، أبى الله أن ترث یا ابن أبی قحافه أباک و لا أرث أبی، لقد جئت شیئا فریا، فدونکها مخطومه مرحوله تلقاک یوم حشرک، فنعم الحکم الله، و الزعیم محمد، و الموعد القیامه، و عند الساعه یخسر المبطلون، و لکل نبأ مستقر و سوف تعلمون، من یأتیه عذاب یخزیه و یحل علیه عذاب مقیم، ثم التفت إلى قبر أبیها فتمثلت بقول هند بنت أثاثه:
قد کان بعدک أنباء و هیمنه |
|
لو کنت شاهدها لم تکثر الخطب |
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم |
|
لما قضیت و حالت دونک الکتب |
تجهمتنا رجال و استخف بنا |
|
إذ غبت عنا فنحن الیوم نغتصب |
|
|
|
قال: و لم یر الناس أکثر باک و لا باکیه منهم یومئذ: ثم عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت: یا معشر البقیه، و أعضاد المله، و حضنه الاسلام، ما هذه الفتره عن نصرتی، و الونیه عن معونتی، و الغمزه فی حقی، و السنه عن ظلامتی، أما کان رسول الله صلى الله علیه و آله یقول: «المرء یحفظ فی ولده» سرعان ما أحدثتم، و عجلان ما أتیتم، الان مات رسول الله صلى الله علیه و آله أمتم دینه، ها إن موته لعمری خطب جلیل استوسع و هنه، و استبهم فتقه، و فقد راتقه، و اظلمت الأرض له، و خشعت الجبال و أکدت الامال، اضیع بعده الحریم، و هتکت الحرمه، و اذیلت المصونه، و تلک نازله أعلن بها کتاب الله قبل موته، و أنبأکم بها قبل وفاته، فقال «و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابکم و من ینقلب على عقبیه فلن یضر الله شیئا و سیجزی الله الشاکرین: ۱۴۴- آل عمران».
ایها بنى قیله أ أهتضم تراث أبی، و أنتم بمرأى و مسمع، تبلغکم الدعوه و یشملکم الصوت، و فیکم العده و العدد، و لکم الدار و الجنن، و أنتم نخبه الله التی انتخب، و خیرته التی اختار، بادیتم العرب، و بادهتم الامور، و کافحتم البهم، حتى دارت بکم رحى الاسلام، و در حلبه، و خبت نیران الحرب، و سکنت فوره الشرک، و هدأت دعوه الهرج، و استوثق نظام الدین، أفتأخرتم بعد الإقدام، و نکصتم بعد الشده، و جبنتم بعد الشجاعه عن قوم «إن نکثوا أیمانهم من بعد عهدهم و طعنوا فی دینکم فقاتلوا أئمه الکفر إنهم لا أیمان لهم لعلهم ینتهون» ألا و قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، و رکنتم إلى الدعه، فجحدتم الذی وعیتم، و سغتم الذی سوغتم، و إن تکفروا أنتم و من فی الأرض جمیعا فان الله لغنی حمید.
ألا و قد قلت لکم ما قلت على معرفه منی بالخذله التی خامرتکم، و خور القناه، و ضعف الیقین، فدونکموها فاحتووها مدبره الظهر، ناقبه الخف، باقیه العار، موسومه الشعار، موصوله ب نار الله الموقده التی تطلع على الأفئده، فبعین الله ما تعملون، و سیعلم الذین ظلموا أی منقلب ینقلبون.
و حدث بسنده عن عوانه بن الحکم قال: لما کلمت فاطمه علیها السلام أبا بکر بما کلمته به حمد أبو بکر الله و أثنى علیه و صلى على رسوله، ثم قال: یا خیره النساء و ابنه خیر الاباء: و الله ما عدوت رأى رسول الله صلى الله علیه و آله، و ما عملت إلا بأمره، و إن الرائد لا یکذب أهله، و قد قلت فأبلغت و أغلظت فأهجرت، فغفر الله لنا و لک، أما بعد، فقد دفعت آله رسول الله و دابته و حذاءه إلى على علیه السلام، و أما ما سوى ذلک فانی سمعت رسول الله صلى الله علیه و آله یقول «إنا معاشر الأنبیاء لا نورث ذهبا و لا فضه و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا و لکنا نورث الایمان و الحکمه و العلم و السنه» فقد عملت بما أمرنی و نصحت له، و ما توفیقی إلا بالله علیه توکلت و إلیه انیب.
قال أبو بکر: و روى هشام بن محمد، عن أبیه قال: قالت فاطمه لأبی بکر:إن أم أیمن تشهد لی أن رسول الله صلى الله علیه و آله أعطانی فدک، فقال لها: یا ابنه رسول الله، و الله ما خلق الله خلقا أحب إلى من رسول الله صلى الله علیه و آله أبیک و لوددت أن السماء وقعت على الأرض یوم مات أبوک، و الله لأن تفتقر عائشه أحب إلی من أن تفتقری، أ ترانی اعطى الأحمر و الأبیض حقه و أظلمک حقک، و انت بنت رسول الله صلى الله علیه و سلم، إن هذا المال لم یکن للنبی صلى الله علیه و سلم، و إنما کان مالا من أموال المسلمین یحمل به النبی الرجال، و ینفقه فی سبیل الله، فلما توفی رسول الله صلى الله علیه و سلم ولیته کما کان یلیه،
قالت:و الله لا کلمتک أبدا، قال: و الله لا هجرتک أبدا، قالت: و الله لأدعون الله علیک قال: و الله لأدعون الله لک، فلما حضرتها الوفاه أوصت ألا یصلى علیها، فدفنت لیلا، و صلى علیها عباس بن عبد المطلب، و کان بین وفاتها و وفاه أبیها اثنتان و سبعون لیله.
قال أبو بکر: و حدثنی محمد بن زکریا، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عماره بالإسناد الأول قال: فلما سمع أبو بکر خطبتها شق علیه مقالتها، فصعد المنبر و قال: أیها الناس ما هذه الرعه إلى کل قاله، أین کانت هذه الأمانی فی عهد رسول الله صلى الله علیه و سلم، ألا من سمع فلیقل، و من شهد فلیتکلم، إنما هو ثعاله شهیده ذنبه، مرب لکل فتنه، هو الذی یقول کروها جذعه بعد ما هرمت، یستعینون بالضعفه، و یستنصرون بالنساء، کام طحال أحب أهلها إلیها البغی ألا إنی لو أشاء أن أقول لقلت، و لو قلت لبحت، إنی ساکت ما ترکت.
ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغنی یا معشر الأنصار مقاله سفهائکم، و أحق من لزم عهد رسول الله صلى الله علیه و سلم أنتم، فقد جاءکم فاویتم و نصرتم، ألا إنی لست باسطا یدا و لا لسانا على من لم یستحق ذلک منا، ثم نزل، فانصرفت فاطمه إلى منزلها.
أقول: هذا شطر مما ورد فی أمر فدک عن طرق أهل السنه، ذکرناه بنصه عن الشرح المعتزلی، و قد بحث الفریقان فی هذه المسأله بحثا وافیا لا مزید علیه، و أولوا ما ورد فیه و ما صدر من النصوص بکل وجه ممکن لتأیید کل فریق مذهبه و کفى فی ذلک ما نقله الشارح المعتزلی عن قاضى القضاه و ما نقله من النقد و الرد علیه من السید المرتضى- رحمه الله- و ما علق على نقوض السید المرتضى انتصارا لقاضى القضاه، من أراد الاطلاع فلیرجع إلیه، و نحن نلخص البحث فی أمر فدک بما یلی:
الاول: لا خلاف و لا شک فی أن فدک کانت ملکا صافیا خالصا لرسول الله صلى الله علیه و آله و سلم، لأن أهلها ملکوها إیاها صلحا على أن یزرعوها بنصف عوائدها، و ما روی من أنه صلى الله علیه و آله صالحهم على النصف محمول على العوائد لا على صلب الملک و لا ینافی مع ما دل على أن أهلها صالحوه على جمیعها، و الدلیل على ذلک من وجوه:
۱- قوله تعالى: «و ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم علیه من خیل و لا رکاب و لکن الله یسلط رسله على من یشاء و الله على کل شیء قدیر: ۶- الحشر».
ظاهر هذه الایه أن ما أعطاه الله رسوله من أهل القرى من غیر ایجاف الخیل و الرکاب و زحف المجاهد و المحارب فهو خاصه للرسول لا یشترک فیه سائر المسلمین کأرض صالح أهلها مع النبی صلى الله علیه و آله و سلموها إلیه أو باد أهلها أو ترکوها و هاجروا منها، و فدک مما سلمها أهلها إلى النبی صلى الله علیه و آله من دون حرب و زحف، فهی له خاصه، و الایه التالیه تنظر إلى الفىء الذی اخذ عنوه، فهو للنبی صلى الله علیه و آله و ذوى القربى و غیرهم.
۲- اعتراف أبی بکر بأنه للنبی صلى الله علیه و آله حیث تمسک بمنعها عن فاطمه علیها السلام بحدیث رواه عن النبی و هو قوله «لا نورث، ما ترکناه صدقه» مع أنه لو لم یعترف بکونها ملک النبی صلى الله علیه و آله لا یحتاج إلى التمسک بهذا الحدیث، بل یمنعها باعتبار عدم ارتباطها بها.
۳- أنه بعد ما ادعت فاطمه علیها السلام أنها نحله أبی و قد وهبها لی، طلب ابو بکر منها الشهود، و طلب الشهود على النحله، یدل على اعترافه بأنها ملک مخصوص بالنبی صلى الله علیه و آله، لأنه لا هبه إلا فی ملک، نعم قال فی الشرح المعتزلی:
قال أبو بکر: و روى هشام بن محمد، عن أبیه قال: قالت فاطمه لأبی بکر: إن ام أیمن تشهد لی أن رسول الله صلى الله علیه و آله أعطانی فدک، فقال لها: یا ابنه رسول الله و الله ما خلق الله خلقا أحب إلى من رسول الله صلى الله علیه و آله أبیک- إلى أن قال- إن هذا المال لم یکن للنبی صلى الله علیه و سلم و إنما کان مالا من أموال المسلمین یحمل النبی به الرجال و ینفقه فی سبیل الله، فلما توفى رسول الله ولیته کما کان یلیه، قالت: و الله لا کلمتک أبدا- إلخ.
و یرد الإشکال على هذا الحدیث بوجوه:
۱- معارضته صریحا مع ما رواه فی الشرح أیضا:قال أبو بکر: حدثنی أبو زید عمر بن شبه قال: حدثنا یحیى بن بشر، قال: حدثنا یحیى بن آدم، قال: أخبرنا ابن أبی زائده عن محمد بن إسحاق، عن الزهری، قال: بقیت بقیه من أهل خیبر تحصنوا، فسألوا رسول الله صلى الله علیه و آله أن یحقن دمائهم و یسیرهم ففعل، فسمع ذلک أهل فدک، فنزلوا على مثل ذلک، و کانت للنبی صلى الله علیه و آله خاصه، لأنه لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب.
و هذا الحدیث صریح و معلل و موافق للقرآن و له وجوه من الترجیح سندا.
۲- قال الشارح المعتزلی: و أما الخبر الثانی و هو الذی رواه هشام بن محمد الکلبی عن أبیه ففیه إشکال أیضا، لأنه قال: إنها طلبت فدک و قالت: إن أبی أعطانیها، و إن ام أیمن تشهد لی بذلک، فقال لها أبو بکر فی الجواب: إن هذا المال لم یکن لرسول الله صلى الله علیه و سلم و إنما کان مالا من أموال المسلمین یحمل به الرجال و ینفقه فی سبیل الله، فلقائل أن یقول له: أ یجوز للنبی صلى الله علیه و آله أن یملک ابنته أو غیر ابنته من أفناء الناس ضیعه مخصوصه، أو عقارا مخصوصا من مال المسلمین، لوحی أوحى الله إلیه- إلى أن قال: و هذا لیس بجواب صحیح.
۳- مخالفته مع الایه السابقه السادسه من سوره الحشر کما بیناه، فالقول بأن فدک لم یکن للنبی صلى الله علیه و آله مردود و مخالف لما علیه الفریقان، فاذا ثبت أن فدک کانت خاصه لرسول الله یثبت أن انتقالها إلى فاطمه علیها السلام کان بهبه رسول الله إیاها لا بالارث فانه لو کان بالارث لا یختص بفاطمه سلام الله علیها، فانها لم تک وارثه منحصره له صلى الله علیه و آله بل تشترک معیا أزواج النبی التسع و عصبه النبی صلى الله علیه و آله، على مذهب العامه فلا یصح لها دعوى کل فدک.
و لم یرد فی روایه اشتراک غیرها معها فی دعوى فدک إلا ما رواه فی الشرح عن أبی بکر بسنده عن عروه عن عائشه أن فاطمه و العباس أتیا أبا بکر یلتمسان میراثهما من رسول الله صلى الله علیه و آله و هما حینئذ یطلبان أرضه بفدک و سهمه بخیبر، فقال لهما أبو بکر: إنی سمعت رسول الله صلى الله علیه و سلم یقول: «لا نورث، ما ترکناه صدقه» إنما یأکل آل محمد صلى الله علیه من هذا المال، و إنی و الله لا احیز أمرا رأیت رسول الله صلى الله علیه و آله یصنعه إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمه فلم تکلمه حتى ماتت.
و هذه روایه شاذه تتضمن إرث العصبه مع الأولاد، و هو مخالف لمذهب الامامیه، مع احتمال أن یکون ارضه بفدک غیر ضیعه فدک، بل قطعه ارض مخصوصه فیها.
الثانی لا بد و أن یکون فی بحث فاطمه علیها السلام مع أبی بکر دعویان:
۱- دعوى فدک بعنوان النحله لا بعنوان المیراث.
۲- دعوى میراث النبی مما ترکه من غیر فدک، و هو امور، منها سهمه صلى الله علیه و آله بخیبر، و منها سهم الخمس الذی کان له فی حیاته من سهم الله و سهم الرسول، و منها سائر ما یملکه من الدار و المتاع و غیرهما و قد حازها کلها أبو بکر بحجه ما تفرد بروایته من قوله «لا نورث ما ترکناه صدقه» فدعوى الهبه و الارث لم تتعلق بموضوع واحد و هو فدک، بل الهبه متعلقه بفدک و دعوى الارث بغیرها، کما یستفاد مما رواه فی الشرح المعتزلی عن أبی بکر بسنده إلى ام هانی، أن فاطمه قالت لأبی بکر: من یرثک إذا مت؟ قال: ولدی و أهلی، قالت: فمالک ترث رسول الله صلى الله علیه و آله دوننا؟ قال: یا ابنه رسول الله، ما ورث أبوک دارا و لا مالا و لا ذهبا و لا فضه، قالت: بلى سهم الله الذی جعله لنا، و صار فیئنا الذی بیدک، فقال لها: سمعت رسول الله صلى الله علیه و آله یقول: إنما هی طعمه أطعمنا الله، فاذا مت کانت بین المسلمین.
و لا بد من القول بأن الدعویین مختلفتان و لم تتواردا على مورد واحد، فانهما متکاذبان، لأن دعوى الهبه تقتضی الاعتقاد بخروج المورد عن ملک النبی صلى الله علیه و آله فی حیاته، و دعوى الارث تقتضی بقائه فی ملکه إلى حین الموت اللهم إلا أن یقال: إن دعوى الهبه مقدمه على دعوى الارث فلما ردت طرحت دعوى الارث على وجه التنزل عنها و على وجه الجدال مع الخصم، و فیه بعد.
و قد اختلف کلامهم فی أن أی الدعویین مقدمه، قال فی الشرح المعتزلی فی الفصل الثالث من مباحثه التی طرحها فی أمر فدک «ص ۲۶۹ ج ۱۶ ط مصر»:و قد أنکر أبو علی ما قاله السائل من أنها لما ردت فی دعوى النحله ادعته إرثا و قال: بل کانت طلبت الارث قبل ذلک، فلما سمعت منه الخبر کفت و ادعت النحله.
و العجب کل العجب من أبی علی، کیف خفى علیه أنه لو کانت دعوى الارث مقدمه فقد اعترفت فاطمه علیها السلام ببقاء المورد فی ملک أبیه إلى حین الوفات، فکیف یصح منها أن تدعی النحله بعد ذلک.
و العجب من السید المرتضى- رحمه الله- حیث لم یتوجه فی جوابه عن کلامه هذا فی الشافی إلى خبطه فقال: و أما إنکار أبی علی أن یکون النحل قبل ادعاء المیراث و عکسه الأمر فیه، فأول ما فیه أن لا نعرف له غرضا صحیحا فی إنکار ذلک لأن کون أحد الأمرین قبل الاخر لا یصحح له مذهبا فلا یعتد على مخالفه مذهبا، ثم قال رحمه الله:ثم إن الأمر فی أن الکلام فی النحل کان المتقدم ظاهرا، و الروایات کلها به وارده، و کیف أن تبتدأ بطلب المیراث فیما تدعیه بعینه نحلا أو لیس هذا یوجب أن تکون قد طالبت بحقها من وجه لا تستحقه منه مع الاختیار و کیف یجوز ذلک و المیراث یشترکها فیه غیرها، و النحل تنفرد به».
أقول: قد ترى أن السید رحمه الله لم یشر إلى التکاذب و التناقض الذی یلزم على المدعی للمیراث قبل ادعاء النحل، فانه لو ادعى المیراث أولا فقد اعترف ببقاء الملک على ملک المورث إلى حین الموت، فلو ادعى النحل بعد ذلک فقد ناقض دعواه الاولى و کذب نفسه، و لا یصح صدوره من فاطمه علیها السلام مع عصمته و طهارته، فلا بد من القطع بتقدم دعوى النحل على دعوى الارث، و لا یصح جعله ظاهر الحال أو ظاهر الأخبار، کما یستفاد من کلام السید رحمه الله.
و قد انتصر الشارح المعتزلی لأبی على بما یلی «ص ۲۸۵ ج ۱۶ ط مصر»:
فأما تعجب المرتضى من قول أبی علی أن دعوى الارث کانت متقدمه على دعوى النحل و قوله: إنا لا نعرف له غرضا فی ذلک، فانه لا یصح له بذلک مذهب و لا یبطل على مخالفیه مذهب، فان المرتضى لم یقف على مراد الشیخ أبی علی فی ذلک، و هذا شیء یرجع إلى اصول الفقه، فان أصحابنا استدلوا على جواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد باجماع الصحابه، لأنهم أجمعوا على تخصیص قوله تعالى: «یوصیکم الله فی أولادکم» بروایه أبی بکر عن النبی صلى الله علیه و آله «لا نورث ما ترکناه صدقه»، قالوا: و الصحیح فی الخبر أن فاطمه علیها السلام طالبت بعد ذلک بالنحل لا بالمیراث، فلهذا قال الشیخ أبو علی: إن دعوى المیراث تقدمت على دعوى النحل، و ذلک لأنه ثبت أن فاطمه انصرفت عن ذلک المجلس غیر راضیه و لا موافقه لأبی بکر، فلو کانت دعوى الارث متأخره، و انصرفت عن سخط لم یثبت الاجماع على تخصیص الکتاب بخبر الواحد، أما إذا کانت دعوى الارث متقدمه فلما روى لها الخبر أمسکت و انتقلت إلى النزاع من جهه اخرى، فانه یصح حینئذ الاستدلال بالاجماع على تخصیص الکتاب بخبر الواحد، فأما أنا فالأخبار عندی متعارضه، یدل بعضها على أن دعوى الارث متأخره، و بعضها على أنها متقدمه و أنا فی هذا الموضع متوقف، و ما ذکره المرتضى من أن الحال تقتضی أن تکون البدایه بدعوى النحل فصحیح، انتهى.
أقول: لا یخفى ما فی کلام الشارح المعتزلی من الاضطراب و التناقض، فتاره ینتصر لأبی علی جزما لیصحح الاجماع، و اخرى یحکم بتعارض الأخبار و یتوقف و ثالثه یصحح کلام المرتضى فی تقدم دعوى النحل.
و الأصح أن مورد دعوى النحل خصوص فدک و لم یرد علیها دعوى الارث أصلا لا قبلها و لا بعدها، و مورد دعوى الارث سائر ما ترکه رسول الله من سهمه بخیبر و سهمه فی الخمس و غیر ذلک من متاعه، و قد تصرف أبو بکر فی جمیع ذلک و قام مقامه کلا و لم یمسک عن أموال رسول الله یدا إلا من آله رسول الله و دابته و حذائه حیث دفعها إلى علی علیه السلام، کما فی روایه عوانه بن الحکم.
و العجب من الشارح المعتزلی حیث انتصر لأبی علی بما یوجب تکاذب فاطمه علیها السلام لنفسها و سقوط کلامها عن الاعتبار بالتناقض الظاهر، و کیف یصح لها علیها السلام دعوى النحل فی فدک بعد الاعتراف بأنها میراث لرسول الله صلى الله علیه و آله، و قد أصر فی غیر موضع من کلامه على اعتراف فاطمه بصحه ما رواه أبو بکر من قوله «لا نورث، ما ترکناه صدقه» و موافقتها معه فی ذلک، و من یتدبر فی کلام فاطمه تجاه أبی بکر و من وافقه یفهم أن فاطمه علیها السلام أنکر حدیثه و نسبت المعترف به إلى الکفر و الالحاد و الخروج عن الاسلام و متابعه القرآن، فانظر إلى قولها فیما ذکره الشارح المعتزلی بأسناد عده:
«ثم أنتم الان تزعمون أن لا إرث لی «أ فحکم الجاهلیه یبغون و من أحسن من الله حکما لقوم یوقنون» ایها معاشر المسلمین ابتز إرث أبی، أبى الله أن ترث یا ابن أبی قحافه أباک و لا أرث أبی، لقد جئت شیئا فریا، فدونکها مخطومه مرحوله تلقاک یوم حشرک، فنعم الحکم الله، و الزعیم محمد، و الموعد القیامه، و عند الساعه یخسر المبطلون، و لکل نبإ مستقر و سوف تعلمون، من یأتیه عذاب یخزیه و یحل علیه عذاب مقیم»، و قالت فیما خاطبت و عاتبت به الأنصار:
«ما هذه الفتره عن نصرتی، و الونیه عن معونتی، و الغمزه فی حقی، و السنه عن ظلامتی- إلى أن قالت علیها السلام: ایها بنی قیله، أ أهتضم تراث أبی، و أنتم بمرأى و مسمع، تبلغکم الدعوه، و یشملکم الصوت، و فیکم العده و العدد، و لکم الدار و الجنن، و أنتم نخبه الله التی انتخب، و خیرته التی اختار، بادیتم العرب، و بادهتم الامور، و کافحتم البهم، حتى دارت بکم رحى الاسلام، و در حلبه، و خبت نیران الفتنه، و سکنت فوره الشرک، و هدأت دعوه الهرج و استوثق نظام الدین، أفتأخرتم بعد الإقدام، و نکصتم بعد الشده، و جبنتم بعد الشجاعه، عن قوم «نکثوا أیمانهم من بعد عهدهم و طعنوا فی دینکم فقاتلوا أئمه الکفر إنهم لا أیمان لهم لعلهم ینتهون».
أقول: من تدبر هذه الکلمات التی خرجت من قلب ملتهب و أسف عمیق یفهم بوضوح عدم طریق للموافقه بین بنت الرسول المظلومه الممنوعه عن حقها مع مخالفیها بوجه من الوجوه، و قد صرحت فیها بنکث العهد و مخالفه الرسول عن اولئک المخالفین.
الثالث مما یهم فی المقام، بیان أن فدک کانت فی تصرف فاطمه علیها السلام فانتزعها منها أبو بکر؟ أو کانت فی ضمن ما ترکه النبی صلى الله علیه و آله فمنعها أبو بکر من التصرف فیها؟
حکى فی الشرح المعتزلی عن قاضى القضاه ما یلی «ص ۲۶۹ ج ۱۶ ط مصر»:و لسنا ننکر صحه ما روی من ادعائها فدک، فأما أنها کانت فی یدها فغیر مسلم، بل إن کانت فی یدها لکان الظاهر أنها لها، فاذا کانت فی جمله الترکه فالظاهر أنها میراث.
و نقل عن السید المرتضى فی رد کلامه «ص ۲۷۵ ج ۱۶ ط مصر»: فأما إنکار صاحب الکتاب لکون فدک فی یدها فما رأیناه اعتمد فی إنکار ذلک على حجه، بل قال: لو کان ذلک فی یدها لکان الظاهر أنها لها، و الأمر على ما قال، فمن أین أنه لم یخرج عن یدها على وجه یقتضى الظاهر خلافه، و قد روى من طرق مختلفه غیر طریق أبی سعید الذی ذکره صاحب الکتاب أنه لما نزل قوله تعالى «فآت ذا القربى حقه: ۳۸- الروم» دعا النبی صلى الله علیه و آله فاطمه علیها السلام فأعطاها فدک، و إذا کان ذلک مرویا فلا معنى لدفعه بغیر حجه.
أقول: لا إشکال فی أن ظاهر «فأعطاها فدک» الوارده فی غیر واحد من الأخبار هو إقباض النبی صلى الله علیه و آله إیاها، لا مجرد إنشاء صیغه الهبه، فان العطاء حقیقه فی العمل الخارجی، و من هذه الجهه عنون الفقهاء المعاطاه فی مقابل العقد و المعامله الانشائیه، فالمعاطاه معامله بالعمل و بالأخذ و الرد، و أدل دلیل على کونها فی تصرف فاطمه علیها السلام علیها السلام حین موت النبی صلى الله علیه و آله کلام أمیر المؤمنین علیه السلام فی هذا الکتاب الموجه إلى عثمان بن حنیف من کبار الصحابه حیث یقول صلوات الله علیه:«بلى کانت فی أیدینا فدک» فانه کاد أن یکون صریحا فی کونها تحت تصرف أهل البیت.
الرابع: لقضیه فدک جهتان هامتان:الاولى النظر إلیها عن الوجهه الحقوقیه و القضائیه و البحث من حیث إن فدک کانت حقا لفاطمه سلام الله علیها بهبه من النبی صلى الله علیه و آله کما هو الظاهر، أو بالارث کما ذکره غیر واحد من الأصحاب و جم من المخالفین فاخذت منها غصبا و تعمدا، أو على وجه الشبهه باعتماد الحدیث الذی رواه أبو بکر عن النبی صلى الله علیه و آله «لا نورث، ما ترکناه صدقه» و البحث فی هذا الحدیث یقع من وجهین:
الأول: من جهه السند، و یضعف من وجوه شتى، کتفرد أبی بکر بنقله مع وفور الصحابه و توفر الداعی ببیانه للناس لإزاله الشبهه، و کعدم اطلاع أهل البیت علیهم السلام و أزواج النبی صلى الله علیه و آله عنه مع مسیس الحاجه إلى إبلاغهم هذا الحکم من النبی لیعرفوا تکلیفهم فی ترکته من حین موته، و یکاد یقطع باستحاله إخفاء النبی صلى الله علیه و آله هذا الحکم عنهم مع ولعه بتقوى ذویه و أهل بیته.
الثانی: من جهه دلالته حیث إن للنبی صلى الله علیه و آله جهتان متمایزتان: الاولى جهه شخصیه و أنه کسائر أفراد البشر و المسلمین یملک و یتزوج و یصیر أبا و یکون ابنا لأبیه، و له حقوق متساویه مع غیره فیملک و یملک و یرث و یورث، الثانیه جهه نبوته و ما یتعلق به بعنوان أنه نبی فیکون والد الامه و مالک الوجوه العامه من الغنائم و السبایا، و بیده مفتاح بیت المال یتصرف فیه على ما یراه صلاحا، فیمکن أن یکون مقصوده من قوله صلى الله علیه و آله «لا نورث» الجهه الثانیه و معناه أن ما یملکه النبی بعنوان أنه نبی غیر مورث و تترک صدقه عامه للامه و لا یشمل ما یملکه باعتبار شخصه من أمواله الخاصه فانها متروکه لوارثه کسائر الأفراد.
و حیث کانت فدک مطرحا لدعوى فاطمه علیها السلام من جهه النحله و طلب أبو بکر منها البینه فشهد لها علی علیه السلام و ام أیمن فردت شهادتهما أو لم یکتف بهما لنقصانهما عن حد البینه الشرعیه فانها تتحقق بشهاده رجلین أو رجل و امرأتین عرضت القضیه لبحث قضائی من وجوه شتى.
منها، هل یصح أو یجب الاکتفاء بمجرد الدعوى من فاطمه علیها السلام للحکم لها؟ أم حالها حال سائر الناس و لا بد من عرض دعویها على الموازین القضائیه العامه؟
و تحقیق البحث فیه یرجع إلى النظر فی أمرین:الأول فی أن البینه حجه لاثبات دعوى المدعی باعتبار صرف الحکایه عن الواقع و من جهه الکاشفیه فقط، فکل کاشف عن الواقع یساویها فی البیان أو یقوى علیها یقوم مقامها، أم هی حجه قضائیه بخصوصها و لها موضوعیه لفصل الدعوى و إثبات المدعى؟ و الظاهر هو الأول لأن البینه کاشفه عن الواقع و حجه بهذا الاعتبار و لذا یقوم مقامها الشیاع، و حینئذ فعصمه فاطمه علیها السلام و طهارتها عن الکذب بحکم آیه التطهیر الشامل لها مما یوجب العلم بصدق دعویها فیحکم لها لهذا العلم الناشی عن خصوصیه المدعی و إن منعنا عن جواز حکم القاضی فی موضوع النزاع بمجرد علمه الغیر المستند إلى طرح الدعوى کالوحى أو الاستظهار بالغیب من الریاضه أو مثل علوم الجفر و الرمل و نحوهما لمن هو أهله.
ففی الشرح المعتزلی: قال المرتضى: نحن نبتدىء فندل على أن فاطمه علیها السلام ما ادعت من نحل فدک إلا ما کانت مصیبه فیه، و أن مانعها و مطالبها بالبینه متعنت، عادل عن الصواب، لأنها لا تحتاج إلى شهاده و بینه- إلى أن قال- أما الذی یدل على ما ذکرناه فهو أنها معصومه من الغلط، مأمون منها فعل القبیح و من هذا صفته لا یحتاج فیما یدعیه إلى شهاده و بینه.
ثم استشهد لاثبات عصمتها، بایه التطهیر و حدیث «فاطمه بضعه منی، من آذاها فقد آذانی و من آذانی فقد آذى الله عز و جل» و هذا یدل على عصمتها، لأنها لو کانت ممن یقترف الذنوب لم یکن من یؤذیها مؤذیا له على کل حال، بل متى فعل المستحق من ذمها، أو إقامه الحد علیها، إن کان الفعل یقتضیه سارا له و مطیعا، على أننا لا نحتاج فی هذا الموضع على الدلاله على عصمتها، بل یکفی فی هذا الموضع العلم بصدقها فیما ادعته، و هذا لا خلاف فیه بین المسلمین لأن أحدا لا یشک أنها لم تدع ما ادعته کاذبه، و لیس بعد أن لا تکون کاذبه إلا أن تکون صادقه، و إنما اختلفوا فی أنه هل یجب بعد العلم بصدقها تسلیم ما ادعته بغیر بینه أم لا یجب ذلک؟
ثم استدل على أن البینه من جهه الکاشفیه لا من جهه الموضوعیه بوجوه:
۱- اشتراط العداله فی البینه للاعتماد بصدقها.
۲- جواز حکم الحاکم بعلمه من غیر شهاده.
۳- کون الإقرار أقوى من البینه من حیث إنه أکشف للواقع- إلى أن قال:
«و الذی یدل على صحه ما ذکرناه أیضا أنه لا خلاف بین أهل النقل فی أن أعرابیا نازع النبی صلى الله علیه و آله فی ناقه، فقال علیه السلام «هذا لی و قد خرجت إلیک من ثمنها» فقال الأعرابی: من یشهد لک بذلک؟ فقال خزیمه بن ثابت: أنا أشهد بذلک، فقال النبی صلى الله علیه و آله: «من أین علمت، و ما حضرت ذلک؟» قال: لا و لکن علمت ذلک من حیث علمت أنک رسول الله، فقال: «قد أجزت شهادتک و جعلتها شهادتین» فسمی ذا الشهادتین، و هذه القضیه شبیهه لقصه فاطمه علیها السلام.
و منها أنه حیث کانت فاطمه علیها السلام مدعیه لفدک باتفاق أهل الحدیث یستفاد أنها کانت متصرفه فیها و صاحبه ید علیها، فلا یصح مطالبتها بالبینه إلا أن یقال بأن دعویها مقرونه بالاستناد إلى ادعاء الهبه و بهذا الاعتبار تحتاج إلى البینه، و قد شهد لها علی علیه السلام و ام أیمن، و یظهر مما نسب إلى أبی بکر التوقف فی الحکم لها باعتبار نقصان البینه، فانها تتحقق برجلین أو رجل و امرأتین، فیبحث عن خطأ أبی بکر فی ذلک باعتبار أن علیا مشمول لایه التطهیر و معصوم، فیقوم شهادته مقام رجلین و ام أیمن ممن ثبت کونها من أهل الجنه فیقطع بصدقها و یقوم شهادتها مقام امرأتین و أکثر، و نسب إلى عمر رد شهادتهما باتهام علی علیه السلام بأنه یجر النار إلى قرصه، و القدح فی ام أیمن بأنها عجمیه مردوده الشهاده فیا لهما من خطأ و جور.
الثانیه النظر إلیها من الوجهه السیاسیه، و هی أن أخذ فدک من فاطمه علیها السلام
و أخذ سائر مواریث النبی منها و من سائر الوراث تابع للاستیلاء على الخلافه و الحکم، فلا یستقر بیعه سقیفه على أبی بکر إلا بهذین الأمرین، لأن الریاسه على الامه من أهم مواریث النبی صلى الله علیه و آله و من أوفر ما ترکه بعده فتتعلق بذویه الأقربین من اهل بیته، و لا یکفی مجرد بیعه الناس مع ابی بکر لسلب هذا الحق عن اهل البیت إلا بمنع التوریث عن النبی صلى الله علیه و آله، و منع الارث یحتاج إلى قضیه عامه و هی جمله «لا نورث، ما ترکناه صدقه» التى ابتکرها أبو بکر و تفرد بنقلها و لم یکن لمن بایع معه من المهاجرین و الأنصار إلا التسلیم لها و ترک النکیر علیها، فانهم لو أنکروها و قاموا فی وجه أبی بکر لردها یضطرون إلى نقض بیعتهم معه بالرئاسه و الخلافه فلا یستقیم قبول وراثه فاطمه و سائر أهل البیت عما ترکه النبی صلى الله علیه و آله مع بیعتهم لأبی بکر بالخلافه.
و یدل على ذلک ما حکی أن هارون العباسی قال لموسى بن جعفر علیه السلام:حد لی فدک حتى أرده، فقال علیه السلام: حدها من سیف البحر إلى دومه الجندل إلى عریش مصر، فقال هارون: حتى أنظر فیها، فالظاهر أن مقصوده علیه السلام أن فدک نموذج ما ترکه النبی صلى الله علیه و آله لأهل بیته و هو ما استقر حکومته علیه فی حیاته.
و قال الشارح المعتزلی «ص ۲۸۴ ج ۱۶ ط مصر»: «و سألت علی بن الفارقی مدرس المدرسه الغربیه ببغداد، فقلت له: أ کانت فاطمه صادقه؟ قال:نعم، قلت: فلم لم یدفع إلیها ابو بکر فدک و هی عنده صادقه؟ فتبسم، ثم قال کلاما لطیفا مستحسنا مع ناموسه و حرمته و قله دعابته، قال: لو أعطاها الیوم فدک بمجرد دعواها لجائت إلیه غدا و ادعت لزوجها الخلافه، و زحزحته عن مقامه، و لم یکن یمکنه الاعتذار و الموافقه بشىء لأنه یکون قد أسجل على نفسه أنها صادقه فیما تدعی کائنا ما کان من غیر حاجه إلى بینه و لا شهود، و هذا کلام صحیح، و إن کان قد أخرجه مخرج الدعابه و الهزل».
ثم إن عمق سیاسه قضیه فدک یظهر من التدبر فی خطب ابی بکر و مکالمته مع فاطمه علیها السلام حیث یستفاد منها أن أبا بکر کان داهیه دهیاء و لا یکون فی المسلمین یومئذ أدهى منه و أمکر، و صور خطه سیاسته فی هذه القضیه من ثلاث:
الاولى رقته و لینه تجاه فاطمه علیها السلام بما لا مزید علیه و تمسکه بالإطاعه لرسول الله صلى الله علیه و آله و ولعه على العمل بسنته و سیرته حرفا بحرف و قدما على قدم، و تحریش الناس على فاطمه علیها السلام بأنها یرید خلاف قول أبیها طلبا لحطام الدنیا فانظر فیما یلی:
فی الشرح المعتزلی «ص ۲۱۴ ج ۱۶ ط مصر»: و روى هشام بن محمد عن أبیه قال: قالت فاطمه لأبی بکر: إن أم أیمن تشهد لی أن رسول الله صلى الله علیه و آله أعطانی فدک، فقال لها: یا ابنه رسول الله، و الله ما خلق الله خلقا أحب إلى من رسول الله صلى الله علیه و آله أبیک، و لوددت أن السماء وقعت على الأرض یوم مات أبوک، و الله لأن تفتقر عایشه أحب إلی من أن تفتقری، أ ترانی اعطی الأحمر و الأبیض حقه و أظلمک حقک، و أنت بنت رسول الله صلى الله علیه و سلم، إن هذا المال لم یکن للنبی صلى الله علیه و سلم، و إنما کان مالا من أموال المسلمین، یحمل النبی به الرجال، و ینفقه فی سبیل الله، فلما توفى رسول الله صلى الله علیه و سلم ولیته کما کان یلیه، قالت: و الله لا کلمتک أبدا، قال: و الله لا هجرتک أبدا، قالت: و الله لأدعون الله علیک، قال: و الله لأدعون الله لک، فلما حضرتها الوفاه أوصت ألا یصلی علیها. فدفنت لیلا …
و فی الشرح أیضا «ص ۲۱۳ ج ۱۶ ط مصر»: عن عوانه بن الحکم، قال:لما کلمت فاطمه علیها السلام أبا بکر بما کلمته به، حمد أبو بکر الله و أثنى علیه و صلى على رسوله ثم قال: یا خیره النساء و ابنه خیر الاباء، و الله ما عدوت رأی رسول الله صلى الله علیه و آله، و ما عملت إلا بأمره، و إن الرائد لا یکذب أهله، و قد قلت فأبلغت و أغلظت فأهجرت، فغفر الله لنا و لک، أما بعد، فقد دفعت آله رسول الله، و دابته و حذاءه إلى علی علیه السلام، فأما ما سوى ذلک فانی سمعت رسول الله صلى الله علیه و آله یقول: إنا معاشر الأنبیاء لا نورث ذهبا و لا فضه و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا،و لکنا نورث الایمان و الحکمه و العلم و السنه، فقد عملت بما أمرنی، و نصحت له، و ما توفیقی إلا بالله علیه توکلت و إلیه انیب.
فقد ترى أبا بکر فی هذه المکالمه و هذه الخطبه القصیره التی أجاب بها عن خطبه فاطمه الطویله القاصعه یظهر الخضوع و التذلل لفاطمه علیها السلام و الطوع و الانقیاد لأمر أبیها حتى یصور فاطمه علیها السلام فی نظر الناس عاقه لأبیها و طالبه لحطام الدنیا.
الثانیه استصغار علی و أهل بیته و إهانتهم فی نظر الناس لیسقط عندهم هیبه أهل البیت و ینتهک حرمتهم التی اکتسبوها فی ضوء توصیات النبی صلى الله علیه و آله و حرمه مهبط الوحی و الرساله، و یجترءوا على الصول علیهم، بما یقتضیه السیاسه فی مواقفها الاتیه.
فانظر إلى قوله فی تلک الخطبه «أما بعد، فقد دفعت آله رسول الله و دابته و حذاءه إلى علی» فإن فیه من الإهانه بمقام علی علیه السلام ما لا یخفى، فیغصب أبو بکر منبر رسول الله و سیفه و یدفع إلى علی علیه السلام حذاءه.
ثم انظر إلى ما أفاده فی خطبته الثانیه کما فی الشرح المعتزلی «ص ۲۱۴ ج ۱۶ ط مصر»: قال أبو بکر: و حدثنی محمد بن زکریا قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عماره بالإسناد الأول قال: فلما سمع أبو بکر خطبتها شق علیه مقالتها، فصعد المنبر و قال: أیها الناس، ما هذه الرعه إلى کل قاله، أین کانت هذه الأمانی فی عهد رسول الله صلى الله علیه و سلم، ألا من سمع فلیقل و من شهد فلیتکلم، إنما هو ثعاله شهیده ذنبه، مرب لکل فتنه هو الذی یقول: کروها جذعه بعد ما هرمت، یستعینون بالضعفه و یستنصرون بالنساء کام طحال أحب أهلها إلیها البغی ألا أنی لو أشاء أن أقول لقلت، و لو قلت لبحت، إنی ساکت ما ترکت …
قال الشارح المعتزلی: قرأت هذا الکلام على النقیب أبی یحیى جعفر بن یحیى بن أبی زید البصری و قلت له: بمن یعرض؟ فقال: بل یصرح، قلت:لو صرح لم أسألک، فضحک و قال: بعلی بن أبی طالب علیه السلام، قلت: هذا الکلام کله لعلی یقوله؟ قال: نعم، إنه الملک یا بنی، و یظهر نهایه استخفافه بعلی و فاطمه علیها السلام و استصغاره لشأنهما بما فسره من غریب ألفاظ الخطبه، قال: فسألته عن غریبه، فقال: أما الرعه بالتخفیف، أى الاستماع و الاصغاء، و القاله: القول، و ثعاله: اسم الثعلب علم غیر مصروف مثل ذؤاله للذئب، و شهیده ذنبه: أی لا شاهد له على ما یدعى إلا بعضه و جزء منه، و أصله مثل، قالوا: إن الثعلب أراد أن یغری الأسد بالذئب فقال: إنه قد أکل الشاه التی قد أعددتها لنفسک، و کنت حاضرا، قال: فمن یشهد لک بذلک؟ فرفع ذنبه و علیه دم، و کان الأسد قد افتقد الشاه فقبل شهادته، و قتل الذئب، و مرب: ملازم، أرب بالمکان، و کروها جذعه: أعیدوها إلى الحال الاولى، یعنی الفتنه و الهرج، و ام طحال امرأه بغی فی الجاهلیه، فیضرب بها المثل فیقال: أزنى من ام طحال، انتهى.
فقد اتهم علیا علیه السلام فی کلامه هذا بأنه یجر النار إلى قرصه و یشهد لجر النفع و جلب المنفعه و أنه یرید إلقاء الفتنه بین المسلمین و ایقاد نیران الحرب و رد الاسلام قهقرى، فیستعین بالضعفه و النساء، و کفى و هنا به و بفاطمه قوله:کام طحال أحب أهلها إلیها البغی، و هل قصد تشبیه علی علیه السلام بام طحال أو فاطمه علیها السلام أو هما معا، و کفى به توهینا لهما و إظهارا للکفر و الزندقه.
و یقصد فی ضمن ذلک سلب الفوائد عن علی علیه السلام بحیث لا یملک درهما و لا دینارا، فیکون قد اشتغل بتحصیل القوت و یکون آکلا سهمه من بیت المال بنظارته کأحد اجرائه و امرائه لئلا یتوجه إلیه الناس فیعتز بهم و یطلب حقه من الخلافه.
قال فی الشرح المعتزلی (ص ۲۳۶ ج ۱۶ ط مصر): و قال لی علوی من الحله، یعرف بعلی بن مهنا، ذکی ذو فضائل: ما تظن قصد أبى بکر و عمر بمنع فاطمه فدک؟ قلت: ما قصدا؟ قال: أرادا أن لا یظهرا لعلی- و قد اغتصباه الخلافه- رقه ولینا، و لا یرى عندهما خورا، فاتبعا القرح بالقرح.
و قلت لمتکلم من متکلمى الإمامیه یعرف بعلی بن تقی من بلده النیل و هل کانت فدک إلا نخلا یسیرا و عقارا لیس بذلک الخطیر؟ فقال لی: لیس الأمر کذلک، بل کانت جلیله جدا، و کان فیها من النخل نحو ما بالکوفه الان من النخل، و ما قصد أبو بکر و عمر بمنع فاطمه عنها إلا یتقوى علی بحاصلها و غلتها على المنازعه فی الخلافه، و لهذا اتبعا ذلک بمنع فاطمه و علی و سائر بنی هاشم و بنی المطلب حقهم فی الخمس، فان الفقیر الذی لا مال له تضعف همته و یتصاغر عند نفسه و یکون مشغولا بالاحتراف و الاکتساب عن طلب الملک و الرئاسه، فانظر إلى ما قد وقر فی صدور هؤلاء …
الثالثه إرعاب الناس و تخویفهم إلى حیث ینقادون لحکمهم و یتهیأون لکل ما یقررونه بعد ذلک من مؤامراتهم، فتشدیدهم الأمر على أهل بیت النبی إلى حیث هددوهم بإحراق بیتهم أو أشعلوا النار فی باب فاطمه علیها السلام و فی روایات عده أنهم ضربوها بالسیاط تقریر لهذه السیاسه الحدیدیه الناریه التی یرتکبها الطامعون فی استقرار حکومتهم و کبح مخالفیهم.
قال فی الشرح المعتزلی «ص ۲۸۳ ج ۱۶ ط مصر»: فیما نقله عن السید المرتضى فی جواب قاضى القضاه: فأما قوله إن حدیث الإحراق لم یصح، و لو صح لساغ لعمر مثل ذلک فقد بینا أن خبر الاحراق قد رواه غیر الشیعه و قوله أنه یسوغ مثل ذلک، فکیف یسوغ إحراق بیت علی و فاطمه علیها السلام و هل فی ذلک عذر یصغى إلیه أو یسمع، و إنما یکون علی و أصحابه خارقین للاجماع و مخالفین للمسلمین لو کان الاجماع قد تقرر و ثبت، و لیس بمتقرر و لا ثابت مع خلاف علی وحده فضلا عن أن یوافقه على ذلک غیره …
و تهدید أبی بکر للناس و خصوص الأنصار الذین هم العده و العدد و صاحبوا الدار و الجنن یظهر من ذیل خطبته السابقه «ص ۲۱۵ ج ۱۶ ط مصر»:ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغنی یا معشر الأنصار مقاله سفهائکم، و أحق من لزم عهد رسول الله أنتم، قد جائکم فاویتم و نصرتم، ألا أنى لست باسطا یدا و لا لسانا على من لم یستحق ذلک منا، ثم نزل، فانصرفت فاطمه علیها السلام إلى منزلها.
قال الشارح المعتزلی فی ضمن ما سأله عن النقیب أبی یحیى «قلت: فما مقاله الأنصار؟ قال: هتفوا بذکر علی فخاف من اضطراب الأمر علیهم، فنهاهم».
و بهذه السیاسه الحدیدیه المقرونه بأشد الارعاب أخمدوا نار الثوره الفاطمیه التی أشعلتها علیهم بخطبتها الرنانه الفائقه و تمسکوا بالملک و الخلافه بکل قوه و شده، و سیعلم الذین ظلموا أی منقلب ینقلبون.
الترجمه
از نامه آن حضرت علیه السلام است که بعثمان بن حنیف انصارى نگاشته- عثمان ابن حنیف کار گزار آن حضرت بود بر استان بصره، و از وى به آن حضرت گزارش رسیده بود که براى صرف ولیمه جشن جمعى از مردم بصره دعوت شده و این دعوت را پذیرفته و در آن ولیمه شرکت کرده، و در ضمن نامه بدو نوشته است:
أما بعد أى زاده حنیف، بمن خبر رسیده که مردى از جوانان اهل بصره از تو بر سر خوان مهمانى دعوت کرده و توهم بدان شتافتى، خوراکهاى رنگارنگ برایت آورده اند و قدحهاى چند در برابرت چیده اند (تو حریصانه از آنها خوردى و استخوانهاى گوشت را بدندان پاک کردى).
من گمان نمى بردم تو پذیراى دعوت مردمى شوى بر سر خوان خوراکشان که بینوایان آنها گرسنه اند و توانگرانشان دعوت شده اند، بنگر از این آخر دنیا چه مى جوى، آنچه را یقین ندارى که حلال است بدور انداز و از آنچه بیقین مى دانى حلال است استفاده کن.
هلا براستى که هر مأمومى را امامى است که از او پیروى کند و از پرتو دانشش روشنى گیرد، هلا براستى امام و پیشواى شما از دنیاى خود بدو پاره کرباس و دو قرصه نان جوین قناعت کرده، معلومست که شما نتوانید چنین زندگى کنید و تا این اندازه قناعت ورزید، ولى بورع و کوشش خود در کار دین بمن کمک کنید، و با پارسائى و درستکارى مرا مدد کنید، بخدا سوگند، من از دنیاى شما گنجینه زرى نیندوختم و از دست آورده اى آن برى برنگرفتم، و ذخیره و پس اندازى نیندوختم، و براى کهن جامه تن خود پارچه کرباسینى آماده نساختم، و از زمین این دنیا یک وجب بچنگ نیاوردم، و از این دنیا جز قوتى اندک باندازه خوراک ماده الاغى پشت ریش بر نگرفتم، و هر آینه این دنیا در چشم من سستتر و پستتر است از دانه بلوطى گرف و نامطبوع.
آرى در زیر دست ما تنها یک فدک بود از هر آنچه آسمان بر آن سایه دارد و دلهاى مردمى بر آن دریغ آورد و دلهاى دیگران بر آن بخششگر شد و از دست ما ربوده گردید، و چه خوب دادگرى است خداوند، مرا چه کار است با فدک یا جز فدک با این که منزل فرداى هر کس گور است، گورى که در تاریکیش آثار و کردار هر کس منقطع مى گردد و اخبارش نهان مى شود گودالى که اگر در میدانش بیفزایند و دست حفارش پهناور سازد سنگ و کلوخش تنگ سازد و خاکهاى انباشته سوراخ و روزنش را مسدود سازد، همانا منم و این نفس سرکشم که بوسیله تقوى و پرهیزکارى آنرا سوقان مى دهم تا بلکه در روز هراس بزرگتر در آسایش باشد و بر اطراف پرتگاه دوزخ پابرجا و استوار گذر کند.
بقیه من المختار الرابع و الاربعین من کتبه علیه السلام
و لو شئت لاهتدیت الطریق إلى مصفى هذا العسل، و لباب هذا القمح، و نسائج هذا القز، و لکن هیهات أن یغلبنی هواى، و یقودنی جشعی إلى تخیر الأطعمه و لعل بالحجاز أو الیمامه من لا طمع له فی القرص، و لا عهد له بالشبع!! أو أبیت مبطانا و حولی بطون غرثى، و أکباد حرى، أو أکون کما قال القائل:و حسبک داء [عارا] أن تبیت ببطنه و حولک أکباد تحن إلى القد.
أ أقنع من نفسی بأن یقال أمیر المؤمنین و لا أشارکهم فی مکاره الدهر؟ أو أکون أسوه لهم فی جشوبه العیش، فما خلقت لیشغلنی أکل الطیبات کالبهیمه المربوطه همها علفها، أو المرسله شغلها تقممها تکترش من أعلافها، و تلهو عما یراد بها، أو أترک سدى، أو أهمل عابثا، أو أجر حبل الضلاله، أو أعتسف طریق المتاهه.
اللغه
(القمح): الحنطه: (الجشع): أشد الحرص، (المبطان)، الذی لا یزال عظیم البطن من کثره الأکل، فأما المبطن: فالضامر البطن، و أما البطین فالعظیم البطن بالخلقه، و أما البطن: فهو الذی لا یهمه إلا بطنه، و أما المبطون فالعلیل البطن، (و البطون الغرثى): الجائعه، (البطنه): الکظه، و ذلک أن یمتلى الانسان من الطعام امتلاء شدیدا، (القد): إناء من جلد یدخر فیها الغذاء أو بمعنى القدید: اللحم المشوى المقدد الذی یجف بالشمس و یدخره أهل البادیه یتغذون به (التقمم): أکل الشاه ما بین یدیها بمقمتها أی بشفتها (تکترش من أعلافها): أی تملأ کرشها من العلف، و الکرش للشاه بمنزله المعده للإنسان، و یقال (أجررته) رسنه: أى أهملته، (الاعتساف): السلوک فی غیر طریق (المتاهه): أرض یتاه فیها لعدم وجود الطریق.
الاعراب
هیهات اسم فعل بمعنى بعد، بالحجاز جار و مجرور متعلق بفعل مقدر و الجمله خبر مقدم لقول لعل، و من لا طمع له اسم لها، أو أبیت، عطف على قوله یغلبنی و منصوب مثله، حولی، ظرف مستقر خبر لقوله بطون غرثى و الجمله حالیه عن الضمیر فی قوله أبیت، همها علفها، جمله حالیه عن البهیمه، شغلها تقممها مبتدأ و خبر و الجمله حال عن المرسله، أو اترک سدى عطف على قوله یشغلنی و کذلک قوله اهمل و اجر و اعتسف.
المعنى
بین علیه السلام فی هذا الفصل من کتابه إلى عثمان بن حنیف أن تجنبه عن الأکل الطیب الهنىء و القناعه بقرصین جافین من شعیر لیس من الضروره لعدم القدره على ما زاد من الماکل الهنیئه، و أشار إلى اقتداره على أطیب الأکل و أهنى العیش من وجوه:
۱- من فوائد ما استنبطه من العیون و ما غرسه من النخیل فی ینبع أیام اعتزاله فی المدینه و اشتغاله بالحرث و الزراعه فی نواحیها، فمن ضیاعه العین المعروفه بعین نیزر أحد موالیه المشتغلین بالزراعه من قبله علیه السلام فی ینبع، فقد ورد فی الحدیث أنه حضر یوما یحفر فیه بئرا فأصاب حجرا فألقى علیه السلام ردائه و أخذ المعول و ضرب الحجر حتى کسره فطلع من تحته عین ماء کأنها عنق البعیر.
و فی حدیث آخر: أن مغیره بن شعبه مر علیه علیه السلام یوما و قد رکب بعیرا و تحته حمل فقال له علیه السلام: ما تحتک یا علی؟ فأجابه: مائه ألف نخله إن شاء الله فکان یحمل نوایا التمر لیغرسه. و على الجمله کان له علیه السلام ضیاع و نخیل أنشأها و جعلها صدقه و صرفها على الفقراء.
۲- أنه علیه السلام یقدر على الاحتراف و الکسب بوجوه شتى و یهتدى إلى تهیه أطیب العیش من کد یده مضافا إلى ما یستحقه من العطایا و الحقوق من بیت المال و هو رئیس المسلمین و أمیر المؤمنین، فیقدر على ما یرید من العیش الرغید، و لکنه ترک ذلک و لازم الزهد و الریاضه لیکون اسوه للزاهدین.
بقیه من المختار الرابع و الاربعین من کتبه علیه السلام
و کأنی بقائلکم یقول: إذا کان هذا قوت ابن أبی طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران، و منازله الشجعان؟! ألا و إن الشجره البریه أصلب عودا، و الروائع الخضره أرق جلودا، و النابتات العذیه [و النباتات البدویه] أقوى وقودا و أبطأ خمودا! و أنا من رسول الله کالصنو من الصنو و الذراع من العضد، و الله لو تظاهرت العرب على قتالی لما ولیت عنها، و لو أمکنت الفرص من رقابها لسارعت إلیها، و سأجهد فی أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعکوس، و الجسم المرکوس حتى تخرج المدره من بین حب الحصید.
اللغه
(الأقران): جمع قرن و هو الکفو فی المبارزه و القتال، (الشجره البریه):التی تنبت فی البر الذی لا ماء فیه، (الروائع): جمع رائعه و هی الشجره النابته على الماء، (النابتات العذیه) بسکون الذال: الزرع لا یسقیه إلا ماء المطر، (الصنو):إذا خرجت نخلتان أو أکثر من أصل واحد فکل واحده منها هی صنو أو صنو، (رکس) رکسا الشیء: قلب أوله على آخره.
المعنى
کان المخالفون لعلی علیه السلام یعترضون علیه حتى فی زهده و ریاضته و یذمون قله أکله باعتبار أنه مخل بما یجب علیه من وظیفه الجهاد و الدفاع عن العدو، لأنه موجب لضعفه و قله مقاومته تجاه العدو الشجاع اللدود، و کأنه ارتفع صدى هذا الاعتراض من الکوفه إلى البصره فتذکر علیه السلام فی هذا الکتاب وجه الدفاع عنه بقوله: (ألا و إن الشجره البریه أصلب عودا و الروائع الخضره أرق جلودا).
و یمکن أن یکون هذا الکلام جوابا عن اعتراض ربما یرد على تحریص أصحابه بالزهد و قله الأکل و المواظبه على جشوبه العیش، فدفعه علیه السلام بأن القوه و الشجاعه ذاتیه للمؤمن و لا تتوقف على تقویه الجسم بالأغذیه اللذیذه.
ثم أید سیرته هذه بمتابعته للنبی صلى الله علیه و آله فقال: (أنا من رسول الله) کغصنان من أصل واحد فأصلهما عبد المطلب علیه السلام تفرع منه عبد الله أبو النبی و أبو طالب أبو علی علیه السلام أو أنهما مشتقان من أصل نوری واحد فی تسلسل الوجود و انبعاثه عن المصدر الأزلی کما فی غیر واحد من الأخبار، و عن النبی صلى الله علیه و آله قال: أنا و علی من شجره واحده و سائر الناس من شجر شتى. و هذه الروایه تؤید النسخه التی روت قوله (کالصنو من الصنو) بالصاد المهمله بعدها نون معجمه.
و نسخه شرح ابن أبى الحدید «۲۸۹ ج ۱۶ ط مصر»: «کالضوء من الضوء» بالضاد المعجمه، و بهذا الاملاء فسره فی شرحه فقال: (ص ۲۹۰) و ذلک لأن الضوء الأول یکون عله فی الضوء الثانی، ألا ترى أن الهواء المقابل للشمس یصیر مضیئا من الشمس، فهذا الضوء هو الضوء الأول.
ثم إنه یقابل وجه الأرض فیضیء وجه الأرض منه، فالضوء الذی على وجه الأرض هو الضوء الثانی، و ما دام الضوء الأول ضعیفا فالضوء الثانی ضعیف، فإذا ازداد الجو إضاءه ازداد وجه الأرض إضاءه لأن المعلول یتبع العله، فشبه علیه السلام نفسه بالضوء الثانی، و شبه رسول الله صلى الله علیه و آله بالضوء الأول، و شبه منبع الأضواء و الأنوار سبحانه و جلت أسماؤه بالشمس التی توجب الضوء الأول، ثم الضوء الأول یوجب الضوء الثانی، و ها هنا نکته و هی أن الضوء الثانی یکون أیضا عله لضوء ثالث، و ذلک أن الضوء الحاصل على وجه الأرض- و هو الضوء الثانی- إذا أشرق على جدار مقابل ذلک الجدار قریبا منه مکان مظلم، فان ذلک المکان یصیر مضیئا بعد أن کان مظلما.
أقول: قد اعتبر الشارح المذکور لفظه من فی کلامه نشویه فیصیر المعنى و أنا من رسول الله کالضوء الناشی من الضوء، و استفاد منه تسلسل أنواع العلوم و الافاضات إلى سائر الناس بوساطته جیلا بعد جیل إلى أن یضعف و یضمحل و یعود الإسلام غریبا، و یمکن استفاده تسلسل الإمامه منه نسلا بعد نسل کما هو معتقد الامامیه و لا یلزم أن یکون الضوء الثانی أضعف من الضوء الأول إذا تساوت القابلیات و الانعکاسات المثالیه کما لا یخفى.
ثم التفت علیه السلام إلى شجاعته فی ذات الله و أنه لا یخاف تظاهر العرب تجاهه و بین أنهم ارتدوا عن الإسلام و صاروا کالمشرکین یجب قتالهم و تطهیر الأرض من وجودهم و أن من یجاهد الکفار یجب علیه أن یغلظ علیهم و یستأصل شافتهم، و أشار إلى معاویه رأس النفاق و الشقاق و وصفه بأنه شخص معکوس انقلب على وجهه و ارتد عن حقیقه إنسانیته، و سقط فی مهوى شهواته حتى أثر باطنه فی ظاهره فصار جسمه مرکوسا إلى ظلمات الطبیعه و درکات الهوى و البهیمیه، فوجوده بین المسلمین کالمدره بین حب الحصید یوجب الفساد و یضل العباد قالوا: و إلى ذلک وقعت الاشاره بقوله تعالى: «أ فمن یمشی مکبا على وجهه أهدى أمن یمشی سویا على صراط مستقیم: ۲۲- الملک».
بقیه من المختار الرابع و الاربعین من کتبه علیه السلام
إلیک عنی یا دنیا فحبلک على غاربک، قد انسللت من مخالبک، و أفلت من حبائلک، و اجتنبت الذهاب فی مداحضک أین القرون الذین غررتهم بمداعبک؟ أین الأمم الذین فتنتهم بزخارفک؟ ها هم رهائن القبور، و مضامین اللحود، و الله لو کنت شخصا مرئیا، و قالبا حسیا، لأقمت علیک حدود الله فی عباد غررتهم بالأمانی، و أمم ألقیتهم فی المهاوی، و ملوک أسلمتهم إلى التلف، و أوردتهم موارد البلاء، إذ لا ورد و لا صدر.
هیهات من وطیء دحضک زلق، و من رکب لججک غرق، و من ازور عن حبائلک وفق، و السالم منک لا یبالی إن ضاق به مناخه، و الدنیا عنده کیوم حان انسلاخه.
أعزبی عنی فوالله لا أذل لک فتستذلینی، و لا أسلس لک فتقودینی، و أیم الله- یمینا أستثنی فیها بمشیئه الله- لأروضن نفسی ریاضه تهش معها إلى القرص إذا قدرت علیه مطعوما، و تقنع بالملح مأدوما، و لأدعن مقلتی کعین ماء نصب معینها مستفرغه دموعها، أ تمتلئ السائمه من رعیها فتبرک؟ و تشبع الربیضه من عشبها فتربض؟ و یأکل علی من زاده فیهجع؟ قرت إذا عینه إذ اقتدى بعد السنین المتطاوله بالبهیمه الهامله، و السائمه المرعیه! طوبى لنفس أدت إلى ربها فرضها، و عرکت بجنبها بؤسها، و هجرت فی اللیل غمضها، حتى إذا غلب الکرى علیها افترشت أرضها و توسدت کفها، فی معشر أسهر عیونهم خوف معادهم، و تجافت عن مضاجعهم جنوبهم، و همهمت بذکر ربهم شفاههم، و تقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم «أولئک حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ۲۲- المجادله». فاتق الله یا ابن حنیف، و لتکفک أقراصک، لیکون من النار خلاصک.
اللغه
(الغارب) جمع غوارب: الکاهل، أو بین الظهر او السنام و العنق، کنایه حبلک على غاربک: کنایه من کنایات الطلاق، أى اذهبی حیث شئت، لأن الناقه إذا القی حبلها على غاربها فقد فسح لها أن ترعى حیث شاءت و تذهب حیث شاءت.
(المخالب) جمع مخلب و هى للطیور الجوارح، (المداحض): المزالق، (المداعب) جمع مدعبه: الدعابات، (زخارف) جمع زخرف: ما یتزین به، (رهائن) جمع رهینه و هى الوثیقه، استعاره (مضامین): أى الذی تضمنتهم القبور فاستعارها للموتى لشبههم فی اللحود بالأجنه فی بطون الامهات، (المهاوی) جمع مهواه: المهلکه، (الدحض): المکان الزلق، (ازور): تنحى، (مناخ البعیر):
مبرکه، (اعزبی): ابعدی، (اسلس): انقاد، (ایم الله): من صیغ الحلف، (تهش): تفرح (نضب): غار فی الأرض، (ماء معین): جار على وجه الأرض، (فتبرک): أى تنام، (الربیضه): جمع الغنم (فیهجع): فینام، (البهیمه الهامله): المسترسله المهمله من الزمام، (السائمه المرعیه): جمع الغنم مع الراعی، (عرکت بجنبها): أى تحمل الشده فی العباده ناقلا من جنب إلى جنب.
المعنى
کتب على علیه السلام هذا الکتاب إلى أحد عماله فی ناحیه کبیره من دار حکومته الواسعه و هو فی ابان قدرته و على عرش حکومته الاسلامیه التی حازها بحق، فینبغی أن یتوجه إلیها و یطمئن بها، و لکن یتوجه إلى أنها مظهر من مظاهر الدنیا الغراره الفتانه یکاد یغلب علیه ببهرجها و زینتها و عواملها الخلاعه الخلابه من توجه عموم الناس إلى بابه، و من انقیاد الامراء و الحکام و الضابطین إلى جنابه، و من ورود سیل الخراج و الأموال و الغنائم من شتى نواحى البلاد الاسلامیه تحت یده، فمن هو الرجل الذی لا یغر بهذه المظاهر الفتانه الدنیویه و یقدر على ضبط نفسه عن التأثر بها و الافتتان منها، فکان علیه السلام یلقن بهذه الجمل النافذه کره الدنیا و کیدها و غرورها و عواقبها على نفسه و على قلوب أعوانه و حکامه و یطرد الدنیا عن حوله و عن فنائه بقوله علیه السلام: (إلیک عنی یا دنیا) فأنت مطلقه عنی لا سبیل لک إلی، و یهددها أشد التهدید بأنها لو کانت جسما محسوسا کالواحد من البشر یقیم علیها الحد و یعرضها للمجازات بما ارتکبته من الخلاف فی حق ذویها:
۱- بجرم التغریر و إرائه ما لا واقع له لطلابها فکانت مدلسه یتوجه إلیها مجازات التدلیس.
۲- التسبیب إلى الهلاک و التلف لأبنائها و جرهم إلى موارد البلاء و الدمار.
ثم بین أنه لا نجاه لمن غربها و صار فی طلبها فلیس لها إلا مزالق هائله و لجج مهلکه، فمن سلم عنها فهو على طریق النجاه، و إن ضاق علیه أمر الدنیا، فان الدنیا لمحه یسیره تنصرم عاجلا و یفوز المؤمن السالم فیها عن مکائدها إلى الفوز الأبد و الراحه الطویله.
ثم یبین علیه السلام سیرته فی معیشه الدنیا مقرونا بالحلف بالله تعالى فی التمسک بالریاضه و تقلیل الطعام إلى حیث یفرح نفسه بأکل قرصه من الشعیر لسد جوعتها و تقنع بالملح للإدام، و مع ذلک یبکى من خشیه الله و موقف الحساب إلى حیث ینضب عینه من الدموع، و أشار إلى أن النفس الانسانیه أشرف من الاقتداء بالبهائم من الابال و البقر و الغنم فی الأکل و طلب الراحه، فلا بد من حفظ الامتیاز، و هو ملازمه الجوع و الخوف من الله و العباده فی جوف اللیل، و الهمهمه بذکر الله بالشفاه، و غسل الذنوب بالاستغفار فی باب الله.
بازدیدها: ۱۵۹