خطبه ۲۱۹ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام
لِلَّهِ بِلَادُ فُلَانٍ فَلَقَدْ قَوَّمَ الْأَوَدَ وَ دَاوَى الْعَمَدَ- وَ أَقَامَ السُّنَّهَ وَ خَلَّفَ الْفِتْنَهَ- ذَهَبَ نَقِیَّ الثَّوْبِ قَلِیلَ الْعَیْبِ- أَصَابَ خَیْرَهَا وَ سَبَقَ شَرَّهَا- أَدَّى إِلَى اللَّهِ طَاعَتَهُ وَ اتَّقَاهُ بِحَقِّهِ- رَحَلَ وَ تَرَکَهُمْ فِی طُرُقٍ مُتَشَعِّبَهٍ- لَا یَهْتَدِی بِهَا الضَّالُّ وَ لَا یَسْتَیْقِنُ الْمُهْتَدِی

اللغه
أقول:

الأود: العرج.

و العمد: مرض، و هو انسداخ داخل سنام البعیر من الحمل و نحوه مع صحّه ظاهره.

المعنى
و قوله: للّه بلاد فلان. لفظ یقال فی معرض المدح کقولهم: للّه درّه، و للّه أبوه. و أصله أنّ العرب إذا أرادوا مدح شی‏ء و تعظیمه نسبوه إلى اللّه تعالى بهذا اللفظ، و روى: للّه بلاء فلان: أى عمله الحسن فی سبیل اللّه، و المنقول أنّ المراد بفلان عمر، و عن القطب الراوندى أنّه إنّما أراد بعض أصحابه فی زمن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ممّن مات قبل وقوع الفتن و انتشارها، و قال ابن أبى الحدید- رحمه اللّه- : إنّ ظاهر الأوصاف المذکوره فی الکلام یدلّ على أنّه أراد رجلا ولّى أمر الخلافه قبله.
لقوله: قوّم الأود و داوى العمد. و لم یرد عثمان لوقوعه فی الفتنه و تشعبّها بسببه، و لا أبا بکر لقصر مدّه خلافته و بعد عهده عن الفتن فکان الأظهر أنّه أراد عمر، و أقول: إرادته لأبى بکر أشبه من إرادته لعمر لما ذکره فی خلافه عمر و ذمّها به فی خطبتها المعروفه بالشقشقیّه کما سبقت الإشاره إلیه.

و قد وصفه بامور: أحدها: تقویمه للأود، و هو کنایه عن تقویمه لا عوجاج الخلق عن سبل اللّه إلى الاستقامه فیها. الثانى: مداواته للعمد، و استعار لفظ العمد للأمراض النفسانیّه باعتبار استلزامها للأذى کالعمد، و وصف المداواه لمعالجه تلک الأمراض بالمواعظ البالغه و الزواجر القارعه القولیّه و الفعلیّه. الثالث: إقامته للسنّه و لزومها. الرابع: تخلیفه للفتنه. أى موته قبلها. و وجه کون ذلک مدحا له هو اعتبار عدم وقوعها بسببه و فی زمنه لحسن تدبیره. الخامس: ذهابه نقّى الثوب، و استعار لفظ الثوب لعرضه، و نقاه لسلامته عن دنس المذامّ. السادس: قلّه عیوبه. السابع: إصابه خیرها و سبق شرّها، و الضمیر فی الموضعین یشبه أن یرجع‏ إلى المعهود ممّا هو فیه من الخلافه. أى أصاب ما فیها من الخیر المطلوب و هو العدل و إقامه دین اللّه الّذی به یکون الثواب الجزیل فی الآخره و الشرف الجلیل فی الدنیا، و سبق شرّها: أى مات قبل وقوع الفتنه فیها و سفک الدماء لأجلها. الثامن: إدّاؤه إلى اللّه طاعته.
التاسع: اتّقاه بحقّه. أى أدّى حقّه خوفا من عقوبته. العاشر: رحیله إلى الآخره تارکا للناس بعده فی طرق متشعّبه من الجهالات لا یهتدی فیها من ضلّ عن سبیل اللّه و لا یستیقن المهتدى فی سبیل اللّه أنّه على سبیله لاختلاف طرق الضلال و کثره المخالف له إلیها. و الواو فی قوله: و ترکتم. للحال.
و أعلم أنّ الشیعه قد أوردوا هنا سؤالا فقالوا: إنّ هذه الممادح الّتی ذکرها علیه السّلام فی حقّ أحد الرجلین تنافی ما أجمعنا علیه من تخطئتهم و أخذهما لمنصب الخلافه. فإمّا أن لا یکون هذا الکلام من کلامه علیه السّلام أو أن یکون إجماعنا خطأ.
ثمّ أجابوا من وجهین: أحدهما: لا نسلّم التنافی المذکور فإنّه جاز أن یکون ذلک المدح منه علیه السّلام على وجه استصلاح من یعتقد صحّه خلافه الشیخین و استجلاب قلوبهم بمثل هذا الکلام. الثانی: أنّه جاز أن یکون مدحه ذلک لأحدهما فی معرض توبیخ عثمان بوقوع الفتنه فی خلافته و اضطراب الأمر علیه و استئثاره ببیت مال المسلمین هو و بنو أبیه حتّى کان ذلک سببا لثوران المسلمین من الأمصار إلیه و قتلهم له، و نبّه على ذلک بقوله: و خلّف الفتنه و ذهب نقىّ الثوب قلیل العیب أصاب خیرها و سبق شرّها. و قوله: و ترکهم فی طرق متشعّبه. إلى آخره. فإنّ مفهوم ذلک یستلزم أنّ الوالى بعد هذا الموصوف قد اتّصف بأضداد هذه الصفات، و اللّه أعلم.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۹۷

 

بازدیدها: ۲

خطبه ۲۱۸ شرح ابن میثم بحرانی

و من دعاء له علیه السّلام
اللَّهُمَّ إِنَّکَ آنَسُ الْآنِسِینَ لِأَوْلِیَائِکَ- وَ أَحْضَرُهُمْ بِالْکِفَایَهِ لِلْمُتَوَکِّلِینَ عَلَیْکَ- تُشَاهِدُهُمْ فِی سَرَائِرِهِمْ وَ تَطَّلِعُ عَلَیْهِمْ فِی ضَمَائِرِهِمْ- وَ تَعْلَمُ مَبْلَغَ بَصَائِرِهِمْ- فَأَسْرَارُهُمْ لَکَ مَکْشُوفَهٌ وَ قُلُوبُهُمْ إِلَیْکَ مَلْهُوفَهٌ- إِنْ أَوْحَشَتْهُمُ الْغُرْبَهُ آنَسَهُمْ ذِکْرُکَ- وَ إِنْ صُبَّتْ عَلَیْهِمُ الْمَصَائِبُ لَجَئُوا إِلَى الِاسْتِجَارَهِ بِکَ- عِلْماً بِأَنَّ أَزِمَّهَ الْأُمُورِ بِیَدِکَ- وَ مَصَادِرَهَا عَنْ قَضَائِکَ‏ اللَّهُمَّ إِنْ فَهِهْتُ عَنْ مَسْأَلَتِی أَوْ عَمِیتُ عَنْ طِلْبَتِی- فَدُلَّنِی عَلَى مَصَالِحِی- وَ خُذْ بِقَلْبِی إِلَى مَرَاشِدِی- فَلَیْسَ ذَلِکَ بِنُکْرٍ مِنْ هِدَایَاتِکَ- وَ لَا بِبِدْعٍ مِنْ کِفَایَاتِکَ- اللَّهُمَّ احْمِلْنِی عَلَى عَفْوِکَ وَ لَا تَحْمِلْنِی عَلَى عَدْلِکَ

اللغه
أقول:

الفهاهه: العىّ.

و العمه: التحیّر.

المعنى
و قد ضرع إلى اللّه تعالى باعتبارات من الصفات الإضافیّه و الحقیقیّه:

الأوّل: کونه آنس الآنسین لأولیائه. و قد علمت أنّ أولیائه هم السالکون لطریقه عن المحبّه الصادقه له و الرغبه التامّه عمّا عداه، و لمّا کان الأنیس هو الّذی یرفع الوحشه و تسکن إلیه النفس فی الوحده و الغربه و کانت أولیاء اللّه فی الحیاه الدنیا غریبا فی أبنائها منفردین عنهم فی سلوک سبیل اللّه مولّین وجوههم شطر کعبه وجوب وجوده مبتهجین بمطالعه أنوار کبریائه لا جرم کان أشدّ الآنسین لهم انسا. إذ ما من عبد تعبّد لغیر اللّه و استأنس به کالولد بوالده و بالعکس إلّا کان لکلّ واحد منهما مع صاحبه نفره من وجه و استیحاش باعتبار. فلم یکن لهم أنیس فی الحقیقه إلّا هو إن کانوا فی الالتفات إلیه منقطعین عمّا عداه مستوحشین من غیره.

الثانی: کونه تعالى أحضرهم بالکفایه للمتوکّلین علیه. إذ کان تعالى هو الغنىّ المطلق و الجواد الّذی لا بخل من جهته و لا منع، و العالم المطلق بحاجّه المتوکّلین و حسن استعدادهم فإذا استعدّ المتوکّلون علیه لحسن توکّلهم لقبول رحمته أفاض على کلّ منهم قدر کفایته من الکمالات النفسانیّه و البدنیّه بلا تعویق عائق أو تردّد فی استحقاق مستحقّ أو مقدار کفایته أو حاجه إلى تحصیل ذلک المقدار. إلى غیر ذلک ممّا هو منسوب إلى غیره تعالى من سلوک الدنیا. فلا جرم‏ أقوم من توکّل علیه بکفایه المتوکّلین و أسرعهم إحضارا لما استعدّ کلّ منهم له من الکمال.

الثالث: کونه تعالى یشاهدهم. إلى قوله: مکشوفه. إشاره إلى علمه تعالى بأحوالهم الباطنه الّذی هو من لوازم کونه أحضر لکفایتهم کما بیّناه. و اطّلاعه علیهم فی ضمائرهم اعتبار لکمال علمه تعالى و براءته عن النقصان، و کذلک علمه بمبلغ بصائرهم: أى بمقادیر عقولهم و تفاوت استعداد نفوسهم لدرک الکمالات، و أکّد بقوله: فأسرارهم لک مکشوفه. ما سبق من الإشاره إلى إحاطه علمه تعالى بأحوالهم الباطنه فی معرض الإقرار بکمال العبودیّه و الخضوع له و الاعتراف بأنّه لا یخفى علیه منهم شی‏ء، و لهف قلوبهم إلیه تحسّرها على الوصول إلیه و الحضور بین یدیه، و هو اعتبار لکمال محبّتهم له و رغبتهم فیما عنده. و قوله: إن أوحشتهم الغربه آنسهم ذکرک. أى الغربه فی هذه الدار کما هنا، و هو اعتبار لحصول الاستیناس من جهتهم به، و الأوّل اعتبار لکونه تعالى أنیسا لهم. و قوله: و إن صبّت. إلى قوله: بک. اعتبار لتحقّق توکّلهم علیه تعالى فی دفع ما یکرهون من مصائب الدنیا عند نزولها بهم. إذ سبق اعتبار کونه تعالى أحضر من توکّل علیه لکفایه المتوکّلین. و لجئوهم إلى الاستجاره به یعود إلى توجیه وجوه نفوسهم إلیه تعالى فی دفع ذلک المکروه دون غیره و هو التوکّل الخالص.

و قوله: علما. إلى قوله: قضائک. فعلما مفعول له: أى لأجل علمهم بأنّ الامور کلّها مربوطه بأسبابها تحت تصریف قدرتک، و أنّ مصادرها و هى أسبابها القریبه منتهیه إلى قضائک، و هو حکم علمک. إذ به و منه کانت أسبابا و مصادر لتلک المصایب کان لجئوهم فی الاستجاره بک. و یحتمل أن یکون علما مصدرا سدّ مسدّ الحال، و هو یستلزم کونهم فی عباداتهم و أحوالهم مقطوعى النظر عن غیره تعالى، و لفظ الأزمّه مستعارلأسباب الأمور، و وجه المشابهه کونها ضابطه لها و بها یحرز نظام وجودها کالأزمّه، و لفظ الید مجاز فی القدره.

و قوله. الّلهمّ. إلى آخره. شروع فی المطلب على وجه کلّىّ، و هو طلب دلالته على مصالحه فی أىّ أمر کان و جذب قلبه بالهدایه إلى مواضع رشده من العقائد و الآراء الصحیحه التامّه على تقدیر إن عىّ عن مسئلته أو تحیّر فی وجه معرفه مصالحه. و قوله: فلیس ذلک. إلى قوله: کفایاتک. استعطاف بما فی العاده أن یستعطف به أهل العواطف و الرحمه من الکلام: أى أنّ هدایاتک لخلقک إلى وجوه مصالحهم و کفایاتک لهم ما یحتاجون إلیه امور متعارفه جرت عادتک بها، و ألفها منک عبادک. و قوله: الّلهمّ احملنى. إلى آخره. سؤال أن تحمله تعالى على عفوه عمّا عساه صدر عنه من ذنب، و لا یحمله على عدله فیحرمه بما فعل حرمانا أو عقوبه، و هو من لطیف ما تستعدّ به النفس لاستنزال الرحمه الإلهیّه، و باللّه التوفیق.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى‏۹۳

 

بازدیدها: ۳

خطبه ۲۱۷ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام
دَارٌ بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَهٌ وَ بِالْغَدْرِ مَعْرُوفَهٌ- لَا تَدُومُ أَحْوَالُهَا وَ لَا تسْلَمُ‏ نُزَّالُهَا- أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَهٌ وَ تَارَاتٌ مُتَصَرِّفَهٌ- الْعَیْشُ فِیهَا مَذْمُومٌ وَ الْأَمَانُ مِنْهَا مَعْدُومٌ- وَ إِنَّمَا أَهْلُهَا فِیهَا أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَهٌ- تَرْمِیهِمْ بِسِهَامِهَا وَ تُفْنِیهِمْ بِحِمَامِهَا- وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّکُمْ وَ مَا أَنْتُمْ فِیهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْیَا- عَلَى سَبِیلِ مَنْ قَدْ مَضَى قَبْلَکُمْ- مِمَّنْ کَانَ أَطْوَلَ مِنْکُمْ أَعْمَاراً وَ أَعْمَرَ دِیَاراً وَ أَبْعَدَ آثَاراً- أَصْبَحَتْ أَصْوَاتُهُمْ هَامِدَهً وَ رِیَاحُهُمْ رَاکِدَهً- وَ أَجْسَادُهُمْ بَالِیَهً وَ دِیَارُهُمْ خَالِیَهً وَ آثَارُهُمْ عَافِیَهً- فَاسْتَبْدَلُوا بِالْقُصُورِ الْمَشَیَّدَهِ وَ النَّمَارِقِ الْمُمَهَّدَهِ- الصُّخُورَ وَ الْأَحْجَارَ الْمُسْنَدَهَ وَ الْقُبُورَ اللَّاطِئَهَ الْمُلْحَدَهَ- الَّتِی قَدْ بُنِیَ عَلَى الْخَرَابِ فِنَاؤُهَا- وَ شُیِّدَ بِالتُّرَابِ بِنَاؤُهَا فَمَحَلُّهَا مُقْتَرِبٌ وَ سَاکِنُهَا مُغْتَرِبٌ- بَیْنَ أَهْلِ مَحَلَّهٍ مُوحِشِینَ وَ أَهْلِ فَرَاغٍ مُتَشَاغِلِینَ- لَا یَسْتَأْنِسُونَ بِالْأَوْطَانِ وَ لَا یَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ الْجِیرَانِ- عَلَى مَا بَیْنَهُمْ مِنْ قُرْبِ الْجِوَارِ وَ دُنُوِّ الدَّارِ- وَ کَیْفَ یَکُونُ بَیْنَهُمْ تَزَاوُرٌ وَ قَدْ طَحَنَهُمْ بِکَلْکَلِهِ الْبِلَى- وَ أَکَلَتْهُمُ الْجَنَادِلُ وَ الثَّرَى- وَ کَأَنْ قَدْ صِرْتُمْ إِلَى مَا صَارُوا إِلَیْهِ- وَ ارْتَهَنَکُمْ ذَلِکَ الْمَضْجَعُ وَ ضَمَّکُمْ ذَلِکَ الْمُسْتَوْدَعُ- فَکَیْفَ بِکُمْ لَوْ تَنَاهَتْ بِکُمُ الْأُمُورُ- وَ بُعْثِرَتِ الْقُبُورُ هُنالِکَ تَبْلُوا کُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ- وَ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ‏ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُونَ

اللغه

أقول:

التاره: المرّه.

و المستهدفه: الّتی جعلت هدفا نصبت لترمى.

و عفت الآثار: انمحت.

و النمارق: جمع نمرق و نمرقه، و هى وساده صغیره. و الکلکل الصدر.

و بعثرت القبور، و بعثرتها: إخراج ما فیها و نبشها. یقال: بعثر الرجل متاعه إذا فرّقه و قلّب أعلاه أسفله.

و غرض الفصل التحذیر من الدنیا و الاشتغال بها عن اللّه، و التنفیر عن ذلک بذکر معایبها، و الجذب به إلى استعمالها على الوجه المطلوب الّذی لأجله وجدت.
فقوله: دار. خبر مبتداء محذوف هو الدنیا، و ذکر من معایبها عدّه: أحدها: کونها مقرونه بالبلاء ملازما لها فکنّى عن ذلک بالحفوف الّذی هو الإحاطه من الجوانب لأنّه أبلغ. الثانی: کونها معروفه بالغدر، و استعار لفظ الغدر لغیرهما عمّا یتوهّم الإنسان دوامها علیه فی حقّه من أحوالها المعجبه له کالمال و الصحّه و الشباب فکأنّه فی مدّه بقاء تلک الأحوال علیه قد أخذ منها عهدا فکان التغیّر العارض لها المستلزم لزوال تلک الأحوال عنه أشبه شی‏ء بالغدر و لمّا کان کثر منها ذلک صارت معروفه به. و ثالثها: کونها لا تدوم أحوالها. و رابعها: لا تسلم نزّالها من آفاتها. و خامسها: اختلاف أحوالها، و أحوال خبر مبتدأ محذوف تقدیره: أحولها أحوال کذلک. و سادسها: تصرّف تاراتها، و هو تغیّر أحوالها تاره بعد اخرى. و سابعها: کون العیش فیها مذموما، و لمّا کان العیش فیها کنایه عن الالتذاذ بها و التنعّم فیها و استلزم ذلک العاقبه المهلکه لا جرم لزم الذمّ، و لأنّه‏ مشوب بتکدیر الأمراض و الأعراض فلا یزال مذموما فی الألسنه حتّى فی لسان صاحبه و المستریح إلیه عند معاناته بعض مراتب الکدر. و ثامنها. عدم الأمان فیها: أى من مخاوفها، و ما یلزم تصرّفاتها من البلاء و کلّ ذلک من ضرورتها و اختلاف استعدادات القوابل فیها عن حرکات الأفلاک و کواکبها، و کون المبادى المفارقه مفیضه على کلّ قابل منها ما استعدّ له. و تاسعها: کون أهلها فیها أغراضا مستهدفه، و استعار لفظ الأغراض، و رشّح بذکر الاستهداف، کذلک استعار لفظ الرمى لإیقاع المصایب بهم و رشّح بذکر السهام. و عاشرها: کونها معهم على سبیل من قد مضى من القرون الخالیه ممّن کان أطول أعمارا و أعمار دیارا و أبعد آثارا: أى کانت آثارهم لا یقدر علیها و لا تنال لعظمها، و کونها معهم على ذلک السبیل إشاره إلى إقبالها لهم کإفناء اولئک و إلحاقهم بأحوالهم. و قوله: أصبحت أصواتهم. إلى قوله: و الثرى. تفصیل لأحوال اولئک و وعید للسامعین بلحوقها لهم. إذ کان سبیل الدنیا مع الجمع واحدا، و رکود ریاحهم کنایه عن سکون أحوالهم و خمول ذکرهم بعد العظمه فی الصدور. و قوله: قد بنى بالخراب فناؤها. أى على خراب ما کان معمورا من الأبدان و المساکن، و ظاهر أنّ القبور اسّست على ذلک و بنیت علیه، و راعى فی قوله: فناؤها و بناؤها و مغترب و مقترب السجع المتوازى مع المطابقه فی القرینتین الاخریین، و أراد أنّ ساکنها و إن اقترب محلّه فهو غریب عن أهله، و نبّه بقوله: موحشین و متشاغلین و کونهم لا یستأنسون بالأوطان و لا یتواصلون تواصل الجیران على أنّ أحوالهم من تجاورهم و فراغهم لیس کأحوال الدنیا المألوفه لهم لیخوّف بها و ینفرّ عنها. ثمّ أشار إلى عدم علّه المزاوره، و استعار لفظ الطحن لإفساد البلى لأجسادهم ورشّح بلفظ الکلکل، و کذلک استعار لفظ الأکل لإفنائها. و قوله: و کأن قد صرتم. إلى قوله: المستودع. فکأن المخفّفه من الثقیله، و اسمها ضمیر الشأن، و التقدیر فیشبه أنّکم قد صرتم إلى مصیرهم و أحوالهم و یقرب من ذلک لأنّ مشابهه الأحوال یستلزم قرب بعضها من بعض، و ارتهنکم ذلک المضجع: أى صار لکم دار إقامه و اتّخذکم سکّانه المقیمین به، و أطلق علیه لفظ المستودع باعتبار کونهم سیخرجون منه یوم القیامه. و قوله: فکیف بکم. إلى قوله: القبور. سؤال لهم عن کیفیّه حالهم عند تناهى امورهم و أحوالهم فی یوم البعث سؤالا على سبیل التذکیر بتلک الأحوال و التخویف بتلک الأهوال لیذکروا شدّتها فیفزغوا إلى العمل، و ذکر منها أمرا واحدا و هو اطّلاع النفوس على ما قدّمت و أسلفت فی الدنیا من خیر و شرّ و الردّ إلى المولى الحقّ الّذی ضلّ مع الرجوع إلیه کلّ ما کان یفترى من دعوى حقیقه سایر الأباطیل المعبوده. و باللّه التوفیق.

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۹۰

بازدیدها: ۱

خطبه ۲۱۶ شرح ابن میثم بحرانی

 و من دعاء له علیه السّلام
اللَّهُمَّ صُنْ وَجْهِی بِالْیَسَارِ وَ لَا تَبْذُلْ جَاهِیَ بِالْإِقْتَارِ- فَأَسْتَرْزِقَ طَالِبِی رِزْقِکَ وَ أَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِکَ- وَ أُبْتَلَى بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِی وَ أُفْتَتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِی- وَ أَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِکَ کُلِّهِ وَلِیُّ الْإِعْطَاءِ وَ الْمَنْعِ- إِنَّکَ عَلى‏ کُلِّ شَیْ‏ءٍ قَدِیرٌ

اللغه
أقول:

الیسار بالفتح: الغنى.

و الإقتار: ضیق الرزق و الفقر.
و حاصل الفصل التجاء إلى اللّه فی طلب الغنى و عدم الابتلاء بالفقر و لوازمه.
و اعلم أنّ الغنى المطلوب لمثله علیه السّلام هو ما دفع ضروره حاجته بحسب الاقتصاد و القناعه لا المفهوم المتعارف بین أرباب الدنیا من جمع المال و ادّخاره و الاتّساع به فوق الحاجه، و طلب الغنى على ذلک الوجه محمود، و على الوجه الثانی هو المذموم، و الفقر هو ما احتاج الإنسان معه إلى سؤال الناس و یلزمه بذلک الاعتبار لوازم صارفه عن وجه اللّه و عبادته: أوّلها: ابتذال الجاه و نقصان الحرمه، و لمّا کان الجاه و الغنى کالمتلازمین لا یلیق أحدهما إلّا بالآخر جعل مزیل الجاه الفقر لأنّه مزیل الغنى، و إلى وجوب تلازمهما أشار ابو الطیّب بقوله:
     فلا مجد فی الدنیا لمن قلّ ماله         و لا مال فی الدنیا لمن قلّ مجده‏

و الجاه أیضا له اعتبارات فما ارید للّه منه کان شرفا به و اعتزازا بدینه، و ما ارید الاستعانه به على أداء حقوق اللّه و طاعته فهو الوجه المحمود الّذی سأل اللّه حفظه علیه بالغنا عن الناس، و هو الّذی امتنّ اللّه تعالى به على الأنبیاء فی قوله یا مَرْیَمُ إِنَّ اللَّهَ یُبَشِّرُکِ بِکَلِمَهٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِیحُ عِیسَى ابْنُ مَرْیَمَ وَجِیهاً فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَهِ«» و ما ارید به الفخر و الترؤّس فی الدنیا فهو المذموم.

الثانی: من لوازمه استرزاق الخلق الّذین من شأنهم أن یسألوا الرزق لا أن یطلب منهم و فی ذلک من الذلّ و الخضوع للمطلوب منه و مهانه النفس و اشتغالها عن التوجّه إلى المعبود ما یجب أن یستعاذ باللّه منه، و من أدعیه زین العابدین علیه السّلام: تمدّحت بالغنى عن خلقک و أنت أهل الغنى عنهم، و نسبتهم إلى الفقر و هم أهل الفقر إلیک فمن حاول سدّ خلّته من عندک ورام صرف الفقر عن نفسه بک فقد طلب حاجته من مظانّها و أتى طلبته من وجهها، و من توجّه بحاجته إلى أحد من خلقک أو جعله سبب نجحها دونک فقد تعرّض للحذمان و استحقّ من عندک فوت الإحسان. و إنّما حکم علیه باستحقاق فوت الإحسان لعدم استعداده لنفحات اللّه بالتوجّه إلى غیره و اشتغال نفسه بذلک الغیر، و نبّه بقوله: طالبى رزقک على عدم أهلیّتهم لأن یطلب منهم. الثالث: استعطاف شرار خلقه، و ظاهر أنّ الحاجه قد تدعو إلى ذلک، و التجربه تقضى بأنّ طلب العاطفه من الأشرار و الحاجه إلیهم یستلذّ معه ذو المروّه طعم العلقم و یستحلى مذاق الصبر. الرابع: الابتلاء بحمد المعطى و الافتنان بذمّ المانع، و ذلک مستلزم للصرف عن اللّه و التوجّه إلى القبله الحقیقیّه، و الواو فی قوله: و أنت. للحال: أى لا تبذل جاهى بالإقتار فیلحقنى بسببه ما یلحقنی من المکاره المعدودات و أنت من وراء ذلک کلّه أولى من أعطى و منع بأن تعطى و تمنع لقدرتک على کلّ شی‏ء، و مفهوم کونه وراء ذلک کلّه إحاطته و کونه مستند الغنى و أهله المحتاج إلیهم من الخلق و أولى بإزاله الفقر و لوازمه لقدرتک على صرفه و الأغنیاء عن الخلق لأنّ کونه محیطا و کونه مستندا مستلزمان للورائیّه فالمستند الوراء المعقول للمعقول و المحسوس للمحسوس، و باللّه التوفیق.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۸۸

 

بازدیدها: ۴

خطبه ۲۱۵ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام
وَ اللَّهِ لَأَنْ أَبِیتَ عَلَى حَسَکِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً- أَوْ أُجَرَّ فِی الْأَغْلَالِ مُصَفَّداً- أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَ رَسُولَهُ یَوْمَ الْقِیَامَهِ ظَالِماً- لِبَعْضِ الْعِبَادِ- وَ غَاصِباً لِشَیْ‏ءٍ مِنَ الْحُطَامِ- وَ کَیْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ یُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا- وَ یَطُولُ فِی الثَّرَى حُلُولُهَا- وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَیْتُ عَقِیلًا وَ قَدْ أَمْلَقَ- حَتَّى اسْتَمَاحَنِی مِنْ بُرِّکُمْ صَاعاً- وَ رَأَیْتُ صِبْیَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الْأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ- کَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ- وَ عَاوَدَنِی مُؤَکِّداً وَ کَرَّرَ عَلَیَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً- فَأَصْغَیْتُ إِلَیْهِ سَمْعِی فَظَنَّ أَنِّی أَبِیعُهُ دِینِی- وَ أَتَّبِعُ قِیَادَهُ مُفَارِقاً طَرِیقَتِی- فَأَحْمَیْتُ لَهُ حَدِیدَهً ثُمَّ أَدْنَیْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِیَعْتَبِرَ بِهَا- فَضَجَّ ضَجِیجَ ذِی دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا- وَ کَادَ أَنْ یَحْتَرِقَ مِنْ مِیسَمِهَا- فَقُلْتُ لَهُ ثَکِلَتْکَ الثَّوَاکِلُ یَا عَقِیلُ- أَ تَئِنُّ مِنْ حَدِیدَهٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ- وَ تَجُرُّنِی إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ- أَ تَئِنُّ مِنَ الْأَذَى وَ لَا أَئِنُّ مِنْ لَظَى- وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِکَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفُوفَهٍ فِی وِعَائِهَا- وَ مَعْجُونَهٍ شَنِئْتُهَا- کَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِیقِ حَیَّهٍ أَوْ قَیْئِهَا- فَقُلْتُ أَ صِلَهٌ أَمْ زَکَاهٌ أَمْ صَدَقَهٌ- فَذَلِکَ مُحَرَّمٌ عَلَیْنَا أَهْلَ الْبَیْتِ- فَقَالَ لَا ذَا وَ لَا ذَاکَ وَ لَکِنَّهَا هَدِیَّهٌ- فَقُلْتُ هَبِلَتْکَ الْهَبُولُ أَ عَنْ دِینِ اللَّهِ أَتَیْتَنِی لِتَخْدَعَنِی- أَ مُخْتَبِطٌ أَمْ ذُو جِنَّهٍ أَمْ تَهْجُرُ- وَ اللَّهِ لَوْ أُعْطِیتُ الْأَقَالِیمَ السَّبْعَهَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاکِهَا- عَلَى أَنْ أَعْصِیَ اللَّهَ فِی نَمْلَهٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِیرَهٍ مَا فَعَلْتُهُ- وَ إِنَّ دُنْیَاکُمْ عِنْدِی لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَهٍ فِی فَمِ جَرَادَهٍ تَقْضَمُهَا- مَا لِعَلِیٍّ وَ لِنَعِیمٍ یَفْنَى وَ لَذَّهٍ لَا تَبْقَى- نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وَ قُبْحِ الزَّلَلِ وَ بِهِ نَسْتَعِینُ

اللغه
أقول:

السعدان: نبت شوکىّ ذو حسک لها ثلاث أرؤس محدّده على أىّ وجه وقعت من الأرض کان لها رأسان قائمان.

و المصفّد: الموثوق شدّا بغلّ أو قید و نحوهما.

و القفول: الرجوع من السفر.

و الإملاق: الافتقار.

و الاستماحه: طلب المنح و هو العطاء.

و العظلم: نبت و هو بالعربیّه النیل، و قیل: نبت آخر یصبغ به.

و الدنف: شدّه المرض.

و المیسم: المکواه.

و سجّرها: و قدها و أحماها.

و شنئتها: أبغضتها.

و هبلته الهبول: ثکلته الثواکل.

و الخباط: مرض کالجنون و لیس به، و المختبط: الّذی یطلب معروفک من غیر سبب سابق بینکما من رحم أو معروفه سابقه أو سابقه معروف لک عنده.

و الجنّه: الجنون.

و الهجر: الهذیان.

و جلب الشعیره: قشرها.

و غرض الفصل التبرّى من الظلم
و ذلک أنّ أحدهم کان یأتیه فیسأله العطاء و هو علیه السّلام لم یکن لیستبقى لنفسه شیئا و لا یرى أن یعطى من بیت المال أحدا دون غیره. فیحرمه، و ربّما کان فی غایه الحاجه فینسبه إلى الظلم و التخصیص بالمال دونه. فتبرّأ بهذا الکلام ممّا نسب إلیه من ذلک.

فقوله: و اللّه. إلى قوله: الحطام.

بیان لمقدار نفرته عن الظلم و غایتها. و علّه ترجیحه أو اختیاره لأحد الأمرین المذکورین على الظلم مع ما یستلزمانه من التألّم و العذاب أنّ ما یستلزمه الظلم من عذاب اللّه أشدّ خصوصا فی حقّ من نظر بعین بصیرته تفاوت العذابین، مؤکّدا لذلک البیان بالقسم البارّ. و لفظ الحطام مستعار لمتاع الدنیا باعتبار حقارته، و أصله ما تکسر من نبت الأرض. و ظالما و غاصبا حالان. و قوله: و کیف. إلى قوله: حلولها. استفهام عن وجه ظلمه لأحد استفهام إنکار على من نسب إلیه ذلک مع ذکر سببین یمنعان العاقل من الظلم، و هما الرجوع إلى البلى من السفر فی الدنیا، و طول الحلول فی الثرى. و قوله: و اللّه لقد رأیت. إلى قوله: لظى. تنبیه لنفى الظلم عنه ببلوغه فی المحافظه على بیت المال و مراعاه العدل إلى الحدّ الّذی فعله مع أخیه عقیل على شدّه فاقته و فاقه عیاله و کونه ذا حقّ فی بیت المال، و معلوم أنّ من لم تدعه هذه الأسباب الثلاثه، و هى الاخوّه و الفاقه و الحقّ الموجود لذى الفاقه. إلى أن یدفعه إلیه أو بعضه خوفا من شبهه الظلم فهو أنزه الناس أن یظلم أو یحوم حول الظلم بوجه، و استعار لفظ السمع لما یوهم من استعاضه لذّه العطاء للأخ الفقیر بما یفوت من الدین لسبب الظلم فی عطیّته على غیر الوجه الشرعىّ، و قیاده ما یقوده به من الاستعطاف و الرحم عن طریقه العدل، و إنّما أحمى له الحدیده لینبّهه بها على النار الاخرویّه، و لذلک احتجّ عند أنینه من حرّها بقوله: أتئنّ من حدیده.
إلى قوله: لغضبه، و وجه الاحتجاج أنّک إذا کنت تئنّ من هذه فبالأولى أن تئنّ من تلک النار، و غایه ذلک أن تترک الظلم بطلب ما لا تستحقّه لاستلزام الأنین من نار اللّه ترک الظلم، و لمّا أثبت علیه وجوب ترک الظلم بذلک الطلب أعقبه بالاحتجاج لنفسه على وجوب ترکها للظلم بإعطائه بقوله: أتئنّ من الأذى و لا أئنّ من لظى: أى إذا کنت تئنّ من الأذى فبالأولى أن أئنّ من لظى. و إنّما قال: و لا أئنّ من لظى مع أنّ لظى غیر حاصله الآن تنزیلا للمتوقّع الّذى لا بدّ منه‏ بسبب الظلم منزله الواقع لیکون أبلغ فی الموعظه، و إنّما أضاف الإنسان إلى الحدیده لأنّه أراد إنسانا خاصّا هو المتولّى لأمر تلک الحدیده فعرّفه بإضافته إلیها، و کذلک الإضافه فی جبّارها، و إنّما قال: للعبه. استسهالا و تحقیرا لما فعل لغرض أن یکبّر فعل الحارّ من سجر النار، و کذلک جعل العلّه الحامله على سجر النار هو غضب الجبّار تعظیما لشأنه. و قوله: و أعجب من ذلک. إلى قوله: أم تهجر. أى و أعجب من عقیل و حاله طارق طرقنا. و الطارق: الآتى لیلا، و کنّى بالملفوفه فی وعائها عن الهدیّه. و قیل: کان شیئا من الحلواء کالفالوذج أو الحنبص و نحوه، و نبّه بقوله: شنئتها. على بعضه للامور اللذیذه الدنیویّه و نفرته عنها زهدا فیها، و وجه تشبیهها بما عجن بریق الحیّه أوقیئها هو ما فی تصوّره فی قبولها من الفساد و ما قصد بها مهدیها فی طلب المیل إلیه المستلزم للظلم و الجور عن سبیل اللّه فإنّ القصد الّذی اشتمل علیه کالسمّ المهلک، و أمّا کون وجه کون المهدى أعجب من عقیل فلأنّ عقیلا جاء بثلاث وسایل کلّ منها یستلزم العاطفه علیه: و هى الأخوّه و الفاقه و کونه ذا حقّ فی بیت المال، و هذا المهدى إنّما أدلى بهدیّته.

فأمّا قوله فی جوابه: فقلت له. إلى قوله: أهل البیت. فإنّه أراد به حصر وجوب البرّ فی العرف لأنّ التقرّب إلى اللّه ببذل المال لعباده إمّا صله رحم أولا، و الثانی فإمّا على وجه الصدقه أو الزکاه الواجبه و لم یذکر الهدیّه لأنّه لم یکن فی وهم عاقل قبول علىّ علیه السّلام لها خصوصا زمان خلافته، و ذلک أنّ مطلوب العاقل منه بالهدیّه إمّا حقّ أو باطل، و الحقّ لا یحتاج فیه إلى الهدیّه و الباطل لا یفعله بوجه، و لذلک لمّا قال له الطارق: إنّها هدیّه. دعا علیه و نسبه إلى الجنون و الهذیان، و لمّا قسّم علیه وجوب البرّ أبطل قسمین منها بقوله: فذلک محرّم علینا أهل البیت. و أراد الصدقه و الزکاه.
و أمّا صله الرحم فلم یحتجّ إلى إبطالها لأنّ الطارق لم یکن ذا رحم له، و قول الطارق: لا هذا و لا ذاک. یجرى فی مجرى إبطال الحصر بإبراز قسم رابع‏ هو الهدیّه. و قوله: هبلتک الهبول. إلى قوله: تهجر. جواب لقوله: و لکنّها هدیّه. قرّر علیه فیه ما فهمه من غرضه بالهدیّه، و هو خداعه عن دینه. إذا الهدیّه لغرض حرام صوره استغرار و خداع، و ذکر الخداع عن الدین تنفیرا لصاحب الهدیه عن فعله ذلک، و لمّا کان ذلک الأمر لو تمّ الغرض به استلزم نقصان الدین کالخداع عن الدین فأطلق علیه لفظه الخداع استعاره. و قوله: أ مختبط أم ذو جنّه أم تهجر. استفهام على سبیل الإنکار و التوبیخ على ذلک الخداع بعد تقریره علیه.
إذ کان المخادع لمثله علیه السّلام عن دینه لا یکون إلّا على أحد الوجوه المذکوره غالبا و لا یتصوّر أن یصدر منه ذلک الخداع عن رویّه صحیحه، و قد ذکر وجوه الخروج عن الصواب ممّا یتعلّق بالعقل. و قوله: و اللّه. إلى قوله: ما فعلت. یحتمل أن یکون ردّا لوهم الطارق فیه أنّه یفعل مطلوبه الحرام بتلک الهدیّه، و إبطال لذلک الوهم عنه. و الأقالیم السبعه: أقسام الأرض، و هو دلیل منه على غایه العدل. و قوله: و إنّ دنیاکم. إلى قوله: تقضمها. دلیل على غایه الزهد منه فی الدنیا کقوله فی الشقشقیّه: و لألفیتم دنیاکم هذه أهون عندى من عفطه عنز. و قوله: ما لعلىّ و لنعیم یفنى و لذّه لا تبقى. استفهام إنکار لملامته نعیم الدنیا و لذّاتها الفانیه، و المعنى أنّ حال علىّ ینافی ذلک النعیم، و اختیاره یضادّ تلک اللذّه. ثمّ تعوّذ باللّه من سبات العقل و هى اختیاراته لتلک اللذّات و لذلک النعیم و میله فی مطاوعه النفس الأمّاره بالسوء، و من قبح الزلل و هو الانحراف عن سبیل اللّه الموقع فی مهاوى الهلاک، و استعان به على دفع ما تعوّذ به منه. و باللّه التوفیق و العصمه.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۸۳

 

بازدیدها: ۱

خطبه ۲۱۴ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام قاله عند تلاوته یا أیها الانسان ما غرک بربک الکریم

أَدْحَضُ مَسْئُولٍ حُجَّهً وَ أَقْطَعُ مُغْتَرٍّ مَعْذِرَهً- لَقَدْ أَبْرَحَ جَهَالَهً بِنَفْسِهِ- یَا أَیُّهَا الْإِنْسَانُ مَا جَرَّأَکَ عَلَى ذَنْبِکَ- وَ مَا غَرَّکَ بِرَبِّکَ وَ مَا أَنَّسَکَ بِهَلَکَهِ نَفْسِکَ- أَ مَا مِنْ دَائِکَ بُلُولٌ أَمْ لَیْسَ مِنْ نَوْمِکَ یَقَظَهٌ- أَ مَا تَرْحَمُ مِنْ نَفْسِکَ‏ مَا تَرْحَمُ مِنْ غَیْرِکَ- فَلَرُبَّمَا تَرَى الضَّاحِیَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَتُظِلُّهُ- أَوْ تَرَى الْمُبْتَلَى بِأَلَمٍ یُمِضُّ جَسَدَهُ فَتَبْکِی رَحْمَهً لَهُ- فَمَا صَبَّرَکَ عَلَى دَائِکَ وَ جَلَّدَکَ عَلَى بِمُصَابِکَ وَ عَزَّاکَ عَنِ الْبُکَاءِ عَلَى نَفْسِکَ- وَ هِیَ أَعَزُّ الْأَنْفُسِ عَلَیْکَ- وَ کَیْفَ لَا یُوقِظُکَ خَوْفُ بَیَاتِ نِقْمَهٍ- وَ قَدْ تَوَرَّطْتَ بِمَعَاصِیهِ مَدَارِجَ سَطَوَاتِهِ- فَتَدَاوَ مِنْ دَاءِ الْفَتْرَهِ فِی قَلْبِکَ بِعَزِیمَهٍ- وَ مِنْ کَرَى الْغَفْلَهِ فِی نَاظِرِکَ بِیَقَظَهٍ- وَ کُنْ لِلَّهِ مُطِیعاً وَ بِذِکْرِهِ آنِساً- وَ تَمَثَّلْ فِی حَالِ تَوَلِّیکَ عَنْهُ- إِقْبَالَهُ عَلَیْکَ یَدْعُوکَ إِلَى عَفْوِهِ- وَ یَتَغَمَّدُکَ بِفَضْلِهِ وَ أَنْتَ مُتَوَلٍّ عَنْهُ إِلَى غَیْرِهِ- فَتَعَالَى مِنْ قَوِیٍّ مَا أَکْرَمَهُ- وَ تَوَاضَعْتَ مِنْ ضَعِیفٍ مَا أَجْرَأَکَ عَلَى مَعْصِیَتِهِ- وَ أَنْتَ فِی کَنَفِ سِتْرِهِ مُقِیمٌ- وَ فِی سَعَهِ فَضْلِهِ مُتَقَلِّبٌ- فَلَمْ یَمْنَعْکَ فَضْلَهُ وَ لَمْ یَهْتِکْ عَنْکَ سِتْرَهُ- بَلْ لَمْ تَخْلُ مِنْ لُطْفِهِ مَطْرَفَ عَیْنٍ- فِی نِعْمَهٍ یُحْدِثُهَا لَکَ أَوْ سَیِّئَهٍ یَسْتُرُهَا عَلَیْکَ- أَوْ بَلِیَّهٍ یَصْرِفُهَا عَنْکَ فَمَا ظَنُّکَ بِهِ لَوْ أَطَعْتَهُ- وَ ایْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَهَ کَانَتْ فِی مُتَّفِقَیْنِ فِی الْقُوَّهِ- مُتَوَازِیَیْنِ فِی الْقُدْرَهِ- لَکُنْتَ أَوَّلَ حَاکِمٍ عَلَى نَفْسِکَ بِذَمِیمِ الْأَخْلَاقِ- وَ مَسَاوِئِ الْأَعْمَالِ- وَ حَقّاً أَقُولُ مَا الدُّنْیَا غَرَّتْکَ وَ لَکِنْ بِهَا اغْتَرَرْتَ- وَ لَقَدْ کَاشَفَتْکَ الْعِظَاتِ وَ آذَنَتْکَ عَلَى سَوَاءٍ- وَ لَهِیَ بِمَا تَعِدُکَ مِنْ نُزُولِ الْبَلَاءِ بِجِسْمِکَ- وَ النَّقْصِ فِی قُوَّتِکَ أَصْدَقُ وَ أَوْفَى مِنْ أَنْ‏ تَکْذِبَکَ أَوْ تَغُرَّکَ- وَ لَرُبَّ نَاصِحٍ لَهَا عِنْدَکَ مُتَّهَمٌ- وَ صَادِقٍ مِنْ خَبَرِهَا مُکَذَّبٌ- وَ لَئِنْ تَعَرَّفْتَهَا فِی الدِّیَارِ الْخَاوِیَهِ وَ الرُّبُوعِ الْخَالِیَهِ- لَتَجِدَنَّهَا مِنْ حُسْنِ تَذْکِیرِکَ- وَ بَلَاغِ مَوْعِظَتِکَ- بِمَحَلَّهِ الشَّفِیقِ عَلَیْکَ وَ الشَّحِیحِ بِکَ- وَ لَنِعْمَ دَارُ مَنْ لَمْ یَرْضَ بِهَا دَاراً- وَ مَحَلُّ مَنْ لَمْ یُوَطِّنْهَا مَحَلًّا- وَ إِنَّ السُّعَدَاءَ بِالدُّنْیَا غَداً هُمُ الْهَارِبُونَ مِنْهَا الْیَوْمَ- إِذَا رَجَفَتِ الرَّاجِفَهُ وَ حَقَّتْ بِجَلَائِلِهَا الْقِیَامَهُ- وَ لَحِقَ بِکُلِّ مَنْسَکٍ أَهْلُهُ وَ بِکُلِّ مَعْبُودٍ عَبَدَتُهُ- وَ بِکُلِّ مُطَاعٍ أَهْلُ طَاعَتِهِ- فَلَمْ یُجْزَ فِی عَدْلِهِ وَ قِسْطِهِ یَوْمَئِذٍ خَرْقُ بَصَرٍ فِی الْهَوَاءِ- وَ لَا هَمْسُ قَدَمٍ فِی الْأَرْضِ إِلَّا بِحَقِّهِ- فَکَمْ حُجَّهٍ یَوْمَ ذَاکَ دَاحِضَهٌ- وَ عَلَائِقِ عُذْرٍ مُنْقَطِعَهٌ- فَتَحَرَّ مِنْ أَمْرِکَ مَا یَقُومُ بِهِ عُذْرُکَ وَ تَثْبُتُ بِهِ حُجَّتُکَ- وَ خُذْ مَا یَبْقَى لَکَ مِمَّا لَا تَبْقَى لَهُ- وَ تَیَسَّرْ لِسَفَرِکَ وَ شِمْ بَرْقَ النَّجَاهِ وَ ارْحَلْ مَطَایَا التَّشْمِیرِ

اللغه
أقول: حجّه داحضه: باطله.

و أبرح جهاله بنفسه: أى بالغ فی تحصیل جهالتها و أعجبه ذلک.

و البلول: الصحّه.

و الضاحى: البارز للشمس.

و الممضّ: المؤلم.

و السطوه: البطش و القهر، و السطوه المرّه منه و الجمع سطوات.

و التجلّد: التقوّى و التصبّر.

و الورطه: الهلاک. و تعمّدک: قصدک.

و الکنف: الحیاطه.

و الکنف: الجانب.

و آذنک: أعلمک.

و المنسک: موضع العباده، و أصله کلّ موضع یتردّد إلیه و یقصد.

و التحرّى: طلب الأحرى و الأولى.

و شم‏ برق النجاه: أى أنظر إلیه.

المعنى

فقوله: أدحض. خبر مبتداء محذوف و التقدیر الإنسان عند سؤال ربّه له ما غرّک بربّک الکریم أدحض مسئول حجّه، و أشدّه انقطاعا فی عذره. و مبالغته فی تجهیل نفسه: کثره إمهالها فی متابعه هواها و ترکها عن الإصلاح، و المنصوبات الثلاثه ممیّزات. و قوله: یا أیّها الإنسان. إلى قوله: بهلکه نفسک. استفهامات عن أسباب جرأته على الذنوب و أسباب غرّته بربّه و غفلته عن شدّه بأسه و عن أسباب انسه بهلکه نفسه بتوریطها فی المعاصى معها استفهاما على سبیل التقریع و التوبیخ، و یحتمل أن یکون قوله: ما آنسک. تعجّبا، و کذلک الاستفهام عن بلوله من داء الجهل و یقظته من نوم الغفله و رحمته لنفسه کما یرحم غیرها إلّا أنّ الاستفهامات الثلاثه الأولى یطلب فیها تصوّر تلک الأسباب و فهم حقیقتها على سبیل تجاهل العارف، و فی هذه الثلاثه الأخیره یطلب فیها التصدیق. ثمّ نبّه على وجوب رحمته لنفسه کما یرحم غیرها بقوله: فلربّما ترى الضاحى.
إلى قوله: رحمه له، و هى فی قوّه صغرى قیاس احتجّ به، و وجه ذلک أنّک قد ترحم من تراه فی حرّ الشمس فتظلّه أو مبتلى بألم فتبکى رحمه له، و کلّ من کان کذلک فأولى أن یرحم لنفسه بانقاذها من بلاء تقع فیه. ینتج إنّک أولى أن ترحم نفسک من دائها. و قوله: فما صبّرک. إلى قوله: الأنفس علیک. استفهام عن أسباب صبره على دائه و تجلّده على مصائبه الّتی تلحقه بسبب ذلک الداء و تعزیّه عن البکاء على نفسه و على أعزّ الأنفس علیه استفهام توبیخ و لائمه حسنها بعد ذلک الاحتجاج ظاهر، و نبّه بقوله: و کیف لا یوقظک. إلى قوله: سطواته. على بعض أسباب الیقظه لعظمه اللّه عن الغفله عنها و هى خوف بیات نقمه أن یوقعها به لیلا کقوله تعالى أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى‏ أَنْ یَأْتِیَهُمْ بَأْسُنا بَیاتاً وَ هُمْ‏
نائِمُونَ«» و مدارج سطواته مجارى بطشه و قهره و هى محالّ المعاصى و أسبابها.
و التورّط فیها: الحصول فیها المستلزم للهلاک الاخروىّ. و قوله: فتداو. إلى قوله: بیقظه. تنبیه على الدواء من الفتره فی القلب عن ذکر اللّه و هو العزیمه على طاعته و الإجماع على ملازمه ذکره، و من نوم الغفله فی ناظر القلب عن ذلک بالیقظه له. ثمّ أمر بما ینبغی أن یکون تلک العزیمه علیه و تلک الیقظه له و هما طاعه اللّه و تحصیل الانس بدوام ذکره. و قوله: و تمثّل. إلى قوله: یصرفها عنک. تنبیه له على ضروب نعم اللّه علیه و مقابلته لها بالکفران و المعصیه لعلّه یتذکّر أو یخشى فأمره أن یتمثّل فی ذهنه فی حال إعراضه عن ربّه و انهما که فی معصیته إقباله علیه بضروب نعمه من دعوته له بکلامه على ألسنه خواصّ رسله إلى عفوه و تعمّده إیّاه بفضله و إقامته فی کنف ستره و تقلّبه فی سعه فضله لم یمنعه فضله و لاهتک عنه ستره لمقابلته تلک النعم بالکفران و المعصیه بل لم یخل من لطفه مقدار طرفه عین، و ذلک الطف فی نعمه یحدثها له أو سیّئه یسترها علیه أو بلیّه یصرفها عنه. فأحسن بهذا التنبیه فإنّ استحضار ذهن العاقل بضروب هذه النعم فی حال الإقبال على المعصیه من أقوى الجواذب إلى اللّه عنها، و إنّما قال: و تمثّل. لأنّ الحاضر فی الذهن لیس هو نفس إقبال اللّه على العبد بل معناه و مثاله. و یدعوه: فی موضع الحال، و کذلک الواو فی قوله: و أنت. و الملازمه أنّ فضله کان علیک حال معصیتک له کثیرا کما تقدّم بیانه فبالطریق الأولى أن یتمّ فضله علیک حال طاعتک إیّاه و حسن ظنّک به.
و قوله: و أیم اللّه. إلى قوله: الأعمال. أى لو کان هذا الوصف الّذی ذکرناه من إقبال اللّه علیک بضروب نعمه و مقابلتک له بالإعراض عنه و الإقبال على معاصیه وصف مثلین من الناس فی القوّه و القدره و المنزله و کنت أنت المسی‏ء منهما لکان فیما ینبغی لک من الحیاء و الأنفه أن تکون أوّل حاکم على نفسک بتقصیرها و ذمیم أخلاقها و مقابح أعمالها. وهو صوره احتجاج یقرّر علیه مساوى أعماله و یجذبه بذلک إلى تبدیلها بمحاسنها فی قیاس ضمیر من الشکل الأوّل ذکر فی الکلام صغراه. تلخیصها: أنّک أوّل حاکم على نفسک بتقصیرها على تقدیر أن یکون مولیک هذه النعم مثلا لک، و تقدیر الکبرى و کلّ من کان کذلک فأولى به أن یکون أوّل حاکم علیها بتقصیرها على تقدیر أن یکون مولیه تلک النعم خالقه و مالک رقّه، و ینتج أنّ الأولى بک أن یکون أوّل حاکم على نفسک بتقصیرها على تقدیر أن یکون مولى تلک النعم خالقک و مالک رقّک. و قوله: و حقّا أقول: ما الدنیا غرّتک و لکن بها اغتررت. تقدیر منع لما عساه أن یجیب به الناس سؤاله تعالى إیّاهم بقوله: ما غرّک بربّک، و هو کثیر فی کلامهم: إنّ الدنیا هى الغارّه، و کما نسب القرآن الکریم إلیها ذلک بقوله وَ غَرَّتْهُمُ الْحَیاهُ الدُّنْیا و کلامه علیه السّلام حقّ من وجهین: أحدهما: أنّ الاستغرار من لواحق العقل و لیست الدنیا لها العقل، و الثانی: أنّها لم تخلق لأنّ یستغرّ بها. إذ کان مقصد العنایه الإلهیّه بوجود الإنسان فیها فلا یجوز أن ینسب إلیها الاستغرار حقیقه لکن لمّا کانت سببا مادیّا للاغترار بها جاز أن ینسب إلیها الاستغرار مجازا، و صدق قوله أیضا: و لکن بها اغتررت. و قوله: و لقد کاشفتک العظات. تقریر لمنع نسبه الاستغرار إلیها بنسبه ضدّه إلیها و هو النصیحه له بما کاشفته بالمواعظ و هى محالّ الاتّعاظ من تصاریفها و عبرها، و بمجاهرتها و إعلامها على عدل منها. إذ خلقت لذلک التغییر و الإعلام و على ذلک التصریف و لم یمکن أن یکون إلّا کذلک فلم یکن تصاریفها بک جورا علیک. و قوله: و لهى بما تعدک. إلى قوله: تغرّک.

زیاده تأکید لنصیحتها و تخویف منها، و استعار لفظ الوعد لإشعارها فی تغییراتها بما یتوقّع من مصائبها کما أنّ الوعد إشعار بإعطاء مطلوب، و استعمل الوعد فی مکان الوعید مجازا إطلاقا لاسم أحد الضدّین على الآخر کتسمیه السیّئه جزاء، و کذلک استعار لها لفظ الصدق و الوفاء ملاحظه لشبهها بالصادق الوفّى فی أنّه لا بدّ من إیقاع ما وعد به.
و قوله: أصدق و أوفى. مع قوله: من أن تکذبک أو تغرّک. من باب اللفّ و النشر و فیه المقابله. و قوله: و لربّ. إلى قوله: مکذّب. تقریر لبعض لوازم الغفله علیه و هى تهمته للمناصح منها و تکذیبه لصادق خبرها، و أطلق لفظ التهمه و التکذیب مجازا فی عدم الالتفات إلى نصیحتها بتصاریفها و ما یعلم من صادق تغیّراتها و عدم اعتبار ذلک منها إطلاقا لاسم ذى الغایه على غایته، و کانت غایه التهمه و التکذیب عدم الالتفات إلى المتّهم و المکذّب و الإعراض عنها. و قوله: و لئن تعرّفتها. إلى قوله. الشحیح بک، صوره احتجاج نبّه فیه على صدقها فی نصیحتها کى تستنصح و لا تتّهم، و هو بقیاس شرطیّ متّصل، و تقریره و لئن تعرّفتها: أى طلبت معرفه حالها فی نصیحتها و غشّها من الدیار الخاویه و الربوع الخالیه للامم السالفه و القرون الماضیه لتعرّفتها بمنزله الشفیق علیک و الشحیح بک، و وجه شبهها بذلک حسن تذکّرها لک و بلاغ موعظتک و عبرتک منها کما أنّ الناصح الشفیق علیک، و بیان الملازمه بحال الوجدان بعد تعرّفها. و الاستثناء فی هذه المتّصله لعین المقدّم لینتج عین التالى. و قوله: و لنعم. إلى قوله: محلّا. مدح للدنیا باعتبار استعمالها على الوجه المقصود بالعنایه الإلهیّه و هو الاعتبار بها دون الرضا بها لذاتها و اتّخاذها وطنا و دار إقامه، و اسم نعم هو دارمن لم یرض، و المخصوص بالمدح هو الدنیا، و دارا و محلا منصوبان على التمیز یقومان مقام اسم الجنس الّذی هو اسم نعم إذا حذف، و هاهنا مسئلتان: إحداهما: أنّ اسم الجنس الّذی هو اسم نعم و بئس تضاف فی العاده إلى ما فیه الألف و اللام کقولک: نعم صاحب القوم، و قد أضافه هاهنا إلى ما لیس فیه الألف و اللام، و قد جاء مثله فی الشعر کقوله: فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم.

الثانیه: أنّه جمع بین اسم الجنس و النکره الّتی تبدل منه، و قد جاء مثله فی قوله: فنعم الزاد زاد أبیک زادا، و إنّما أضاف دارا إلى من لم یرض بها، و محلّا إلى من لم یوطّنها لأنّ الدنیا إنّما یکون دارا ممدوحه باعتبار کونها دار من لم یرض بها و لم یوطنّها لاستلزام عدم رضاهم بها الانتفاع بالعبر بها و اتّخاذ زاد التقوى، و اولئک هم المتّقون السعداء بها. و یحتمل أن یکون دارا و محلّا منصوبین على التمیز عن قوله: لم یرض بها و لم یوطّنها. و قوله: و إنّ السعداء بالدنیا غدا هم الهاربون منها الیوم. فوجه سعادتهم بها استثمارهم للکمالات المسعده فی الآخره منها، و لن یحصل ذلک إلّا بالهرب منها الیوم، و کنّى بالهرب منها عن الإعراض الحقیقى عن لذّاتها، و التباعد من اقتنائها و لذّاتها لاستلزام الهرب عن الشی‏ء التباعد عنه و الزهد فیه، و ظاهر أنّ التباعد منها بالقلوب إلّا ما دعت الضروره إلیه و اتّخاذها مع ذلک سببا إلى الآخره من أسباب السعاده و مستلزماتها کما أشار إلیه سیّد المرسلین صلّى اللّه علیه و آله و سلّم من حاله فیها بقوله: ما أنا و الدنیا إنّما مثلى فیها کمثل راکب سار فی یوم صایف فرفعت له شجره فنزل فقعد فی ظلّها ساعه ثمّ راح و ترکها. و دلّ بقوله: إذا رجفت. على الوقت المذکور المدلول علیه بقوله: غدا. و هو یوم القیامه لقوله تعالى یَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَهُ«» قال المفسّرون: الراجفه: هى النفخه الاولى فی الصور و هى صیحه عظیمه فیها تردّد و اضطراب کالرعد یصعق فیها الخلایق و تَتْبَعُهَا الرَّادِفَهُ و هى النفخه الثانیه تردف الأوّل. و جلائل القیامه: محنها الجلیله العظیمه. و قوله: و لحق بکلّ منسک أهله. إشاره إلى لحقوق کلّ نفس یوم القیامه لعبودها و مطاعها و ما ألفته و أحبّته من أمر دنیوىّ أو اخروىّ فأقبلت علیه و عملت له، و نحوه أشار الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: یحشر المرء مع من أحبّ، و لو أحبّ أحدکم حجرا لحشر معه. و قوله: فلم یجز. إلى قوله: بحقّه. تقریر لعدله تعالى فی ذلک الیوم. و المعنى أنّ کلّ حرکه و لو طرفه عین فی الهواء أو همس قدم فی الأرض فإنّها لا تجرى فی عدله إلّا بحقّها لا یزاد علیه و لا ینقص عنه. ثمّ أشار إلى کثره الحجج الباطله یومئذ و الأعذار المنقطعه ترغیبا فی تحصیل الکمالات البرهانیّه و لزوم آثار المرسلین و الأولیاء الأبرار فی سلوک سبیل اللّه، و إنّما ذکر مخاوف ذلک الیوم و أهواله بعد ذکر السعداء فیه و تعیین أنّهم هم الهاربون من الدنیا الیوم لیرغّب إلى الاقتداء بهم فی ذلک الهرب لغایه تلک السعاده. ثمّ أمر أن یطلب الإنسان من اموره و أحواله أحراها و أولاها ممّا یقوم به عذره فی ذلک الیوم و تثبت به حجّته فی محفل القیامه، و ذلک الأمر هو ما أشرنا إلیه من البرهان و اقتفاء أثر المرسلین، و کذلک أمره أن یأخذ ما یبقى له من الکمالات المسعده فی الآخره ممّا لا یبقى له و هو الدنیا و متاعها، و قد بیّنا کیفیّه ذلک الأخذ غیر مرّه، و أن تیسّر لسفره: أى یستعدّ لسفره إلى اللّه بالریاضه بالزهد و العباده، و أن یشیم برق النجاه: أى یوجّه سرّه إلى اللّه تعالى بعد الزهد الحقیقى و العباده الکاسره للنفس الأمّاره بالسوء لتشرق لوامع الأنوار الإلهیّه و بروقها الّتى هى بروق النجاه و أبواب السلامه کما أشار إلیه فیما قبل هذا الفصل بفصلین بقوله: و تدافعته الأبواب إلى باب السلامه، و أن یرحل مطایا التشمیر و هو إشاره إلى الجدّ فی سلوک سبیل اللّه و الاجتهاد فی العمل لما بعد الموت، و استعار لفط المطایا لآلات العمل، و لفظ الإرحال لإعمالها، و باللّه التوفیق.

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی) ، ج ۴ ، صفحه‏ ى ۷۵

 

بازدیدها: ۱۱

خطبه ۲۱۳ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام قاله عند تلاوته: رِجَالٌ لَا تُلْهِیهِمْ تِجَارَهٌ وَ لَا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللّهِ
إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى جَعَلَ الذِّکْرَ جِلاءً لِلْقُلُوبِ- تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَهِ وَ تُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْعَشْوَهِ- وَ تَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَهِ- وَ مَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلَاؤُهُ فِی الْبُرْهَهِ بَعْدَ الْبُرْهَهِ- وَ فِی أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِی فِکْرِهِمْ- وَ کَلَّمَهُمْ فِی ذَاتِ عُقُولِهِمْ- فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ یَقَظَهٍ فِی الْأَبْصَارِ وَ الْأَسْمَاعِ وَ الْأَفْئِدَهِ- یُذَکِّرُونَ بِأَیَّامِ اللَّهِ وَ یُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ- بِمَنْزِلَهِ الْأَدِلَّهِ فِی الْفَلَوَاتِ- مَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَیْهِ طَرِیقَهُ وَ بَشَّرُوهُ بِالنَّجَاهِ- وَ مَنْ أَخَذَ یَمِیناً وَ شِمَالًا ذَمُّوا إِلَیْهِ الطَّرِیقَ- وَ حَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَکَهِ- وَ کَانُوا کَذَلِکَ مَصَابِیحَ تِلْکَ الظُّلُمَاتِ- وَ أَدِلَّهَ تِلْکَ الشُّبُهَاتِ- وَ إِنَّ لِلذِّکْرِ لَأَهْلًا أَخَذُوهُ مِنَ الدُّنْیَا بَدَلًا- فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَهٌ وَ لَا بَیْعٌ عَنْهُ- یَقْطَعُونَ بِهِ أَیَّامَ الْحَیَاهِ- وَ یَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فِی أَسْمَاعِ الْغَافِلِینَ- وَ یَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَ یَأْتَمِرُونَ بِهِ- وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ یَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ- فَکَأَنَّمَا قَطَعُوا الدُّنْیَا إِلَى الْآخِرَهِ وَ هُمْ فِیهَا- فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذَلِکَ- فَکَأَنَّمَا اطَّلَعُوا غُیُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ فِی طُولِ الْإِقَامَهِ فِیهِ- وَ حَقَّقَتِ الْقِیَامَهُ عَلَیْهِمْ عِدَاتِهَا- فَکَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِکَ لِأَهْلِ الدُّنْیَا- حَتَّى کَأَنَّهُمْ یَرَوْنَ مَا لَا یَرَى النَّاسُ وَ یَسْمَعُونَ مَا لَا یَسْمَعُونَ- فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِکَ فِی مَقَاوِمِهِمُ الْمَحْمُودَهِ- وَ مَجَالِسِهِمُ الْمَشْهُودَهِ- وَ قَدْ نَشَرُوا دَوَاوِینَ أَعْمَالِهِمْ- وَ فَرَغُوا لِمُحَاسَبَهِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى کُلِّ صَغِیرَهٍ وَ کَبِیرَهٍ- أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فیهَا وَ حَمَّلُوا ثِقَلَ أَوْزَاِرِهمْ ظُهُورَهُمْ- فَضَعُفُوا عَنِ الِاسْتِقْلَالِ بِهَا- فَنَشَجُوا نَشِیجاً وَ تَجَاوَبُوا نَحِیباً- یَعِجُّونَ إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَمٍ وَ اعْتِرَافٍ- لَرَأَیْتَ أَعْلَامَ هُدًى وَ مَصَابِیحَ دُجًى- قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِکَهُ- وَ تَنَزَّلَتْ عَلَیْهِمُ السَّکِینَهُ- وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَ أُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الْکَرَامَاتِ- فِی مَقْعَدٍ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ فِیهِ- فَرَضِیَ سَعْیَهُمْ وَ حَمِدَ مَقَامَهُمْ- یَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ التَّجَاوُزِ- رَهَائِنُ فَاقَهٍ إِلَى فَضْلِهِ وَ أُسَارَى ذِلَّهٍ لِعَظَمَتِهِ- جَرَحَ طُولُ الْأَسَى قُلُوبَهُمْ وَ طُولُ الْبُکَاءِ عُیُونَهُمْ- لِکُلِّ بَابِ رَغْبَهٍ إِلَى اللَّهِ مِنْهُمْ یَدٌ قَارِعَهٌ- یَسْأَلُونَ مَنْ لَا تَضِیقُ لَدَیْهِ الْمَنَادِحُ- وَ لَا یَخِیبُ عَلَیْهِ الرَّاغِبُونَ- فَحَاسِبْ نَفْسَکَ لِنَفْسِکَ فَإِنَّ غَیْرَهَا مِنَ الْأَنْفُسِ لَهَا حَسِیبٌ غَیْرُکَ

اللغه

أقول: الوقره: الغفله من الوقر و هو الصمم.

و العشوه: الغفله من العشاء و هو ظلمه العین باللیل دون النهار.

و البرهه: المدّه الطویله من الزمان.

و یهتفون: یصیحون.

و البرزخ: ما بعد الموت من مکان و زمان.

و النشج: الصوت فی تردید النفس عند البکاء.

و المنادح: جمع مندح و هو المتّسع.

المعنى
فقوله: إنّ اللّه سبحانه. إلى قوله: بعد المعانده.

إنّما یتّضح بالإشاره إلى الذکر و فضیلته و فائدته: الذکر هو القرآن الکریم لقوله تعالى وَ هذا ذِکْرٌ مُبارَکٌ أَنْزَلْناهُ«» و نحوه، و قیل: هو إشاره إلى تحمیده تعالى و تسبیحه و تکبیره و تهلیله و الثناء علیه و نحو ذلک، و أمّا فضیلته فمن القرآن قوله تعالى فَاذْکُرُونِی أَذْکُرْکُمْ«» و قوله اذْکُرُوا اللَّهَ ذِکْراً کَثِیراً«» و قوله فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْکُرُوا اللَّهَ«» الآیه، و قوله فَإِذا قَضَیْتُمْ مَناسِکَکُمْ فَاذْکُرُوا اللَّهَ«» الآیه. و أمّا من الأخبار فقوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: ذاکر اللّه فی الغافلین کالمقاتل فی الفارّین، و قوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: یقول اللّه: أنا مع عبدى ما ذکرنى و تحرّکت بى شفتاه، و قوله: ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب اللّه من ذکر اللّه. قالوا: یا رسول اللّه و لا الجهاد فی سبیل اللّه. قال: و لا الجهاد فی سبیل اللّه إلّا أن تضرب بسیفک إلى أن ینقطع ثمّ تضرب به حتّى ینقطع- ثلاثا- و قوله: من أحبّ أن یرتع فی ریاض الجنّه فلیکثر منه ذکر اللّه. و نحو ذلک. فأمّا فائدته: فاعلم أنّ المؤثّر من الذکر و النافع منه ما کان على الدوام أو فی أکثر الأوقات مع حضور القلب، و بدونهما فهو قلیل الجدوى. و بذینک الاعتبارین هو المقدّم على سایر العبادات بل هو روح العبادات العملیّه و غایه ثمرتها، و له أوّل یوجب الانس باللّه و آخر یوجبه الانس باللّه، و ذلک أنّ المرید فی مبدء أمره قد یکون متکلّفا لذکر أمر لیصرف إلیه قلبه و لسانه عن الوسواس فإن وفّق للمداومه أنس به و انغرس فی قلبه حبّ المذکور، و ممّا ینبّه على ذلک أنّ أحدنا یمدح بین یدیه شخص و یذکر بحمید الخصال فیحبّه و یعشقه بالوصف و کثره الذکر ثمّ إذا عشق بکثره الذکر اضطرّ إلى کثره الذکر آخرا بحیث لا یصبر عنه فإنّ من أحبّ شیئا أکثر ذکره و من أکثر من ذکر شی‏ء و إن کان متکلّفا أحبّه، و قد شاهدنا ذلک کثیرا.
کذلک أوّل ذکر اللّه متکلّف إلى أن یثمر الانس به و الحبّ له. ثمّ یمتنع الصبر عنه آخرا فیثمر الثمره، و لذلک قال بعضهم: کابدت القرآن عشرین سنه. ثمّ تنعّمت به عشرین سنه. و لا یصدر التنعّم إلّا عن الانس و الحبّ و لا یصدر الانس إلّا من المداومه على المکابده حتّى یصیر التکلّف طبعا. ثمّ إذا حصل الانس باللّه انقطع عن غیر اللّه، و ما سوى اللّه یفارقه عند الموت فلا تبقى معه فی القبر أهل و لا مال و لا ولد و لا ولایه و لا تبقى إلّا المحبوب المذکور فیتمتّع به و یتلذّذ بانقطاع العوائق الصارفه عنه من أسباب الدنیا و محبوباتها. إذا عرفت ذلک فقوله: جعله جلاء. إشاره إلى فائدته و هى استعداد النفوس بمداومته على الوجه الّذی ذکرناه لمحبّه المذکور و الإعراض عمّا سواه، و استعار لفظ الجلاء لإزاله کلّ ما سوا المذکور عن لوح القلب بالذکر کما یزال خبث المرآه بالصقال، و تجوّز بلفظ السمع فی إقبالها على ما ینبغی أن یسمع من أوامر اللّه و نواهیه و سایر کلامه، و الوقره لإعراضها عنها، و کذلک بلفظ البصر فی إدراکها للحقایق و ما ینبغی لها، و لفظ العشوه لعدم ذلک الإدراک إطلاقا فی المجازات الأربعه لاسم السبب على المسبّب. و انقیاد هاله: أی للحقّ، و سلوک طریقه بعد المعانده فیه و الانحراف عنه. و قوله: و ما برح. إلى قوله: عقولهم. إشاره إلى أنّه لم یخلو المدد و أزمان الفترات قطّ من عباد اللّه و أولیاء له و ألهمهم معرفته و أفاض على أفکارهم و عقولهم صور الحقّ و کیفیّه الهدایه إلیه مکاشفه، و تلک الإفاضه و الإلهام هو المراد بالمناجات و التکلّم منه. و قوله: فاستصبحوا.
إلى قوله: و الأفئده. أى استضاءوا بمصباح نور الیقظه، و الیقظه فی الافئده فطانتها و استعدادها الکامل لما ینبغی لها من الکمالات العقلیّه، و نور تلک الیقظه هو ما یفاض علیها بسبب استعدادها بتلک الفطانه و یقظه الأبصار و الأسماع بتتّبعها لإبصار الامور النافعه المحصّله منها عبره و کمالا نفسانیّا و سماع النافع من الکلام، و أنوار الیقظه فیهما ما یحصل بسبب ذلک الإبصار و السماع من أنوار الکمالات النفسانیّه.

ثمّ شرع فی وصف حالهم فی هدیهم لسبیل اللّه بأیّامه، و هى کنایه عن شدایده النازله بالماضین من الامم، و أصله أنّها یقع فی الأیّام، و یحتمل أن یکون مجازا إطلاقا لاسم المحلّ على الحالّ، و مقام اللّه کنایه عن عظمته و جلالته المستلزمه للهیبه و الخوف. و شبّههم بالأدلّه فی الفلوات، و وجه الشبه کونهم هادین لسبیل اللّه کما تهدى الأدلّه، و کما أنّ الأدلّه تحمد من أخذ القصد فی الطریق طریقه و تبشّره بالنجاه و من انحرف عنها یمینا و شمالا ذمّوا إلیه طریقه و حذّروه من الهلکه کذلک الهداه إلى اللّه من سلک سبیل اللّه العدل إلیه و قصد فیها حمدوا إلیه طریقه و بشّروه بالنجاه من المهالک، و من انحرف عنها یمینا و شمالا: أى سلک أحد طرفی الإفراط و التفریط ذمّوا إلیه مسلکه و حذّروه من الهلاک الأبدیّ. و قوله: و کانوا کذلک. أى کما و صفناهم، و استعار لفظ المصابیح باعتبار إضاءتهم بکمالاتهم بطریق اللّه، و لفظ الأدلّه باعتبار هداهم إلى الحقّ و تمییزه عن شبهاب الباطل. و قوله: و إن للذکر لأهلا. إلى قوله: أیّام الحیاه. فأهله هو من ذکرنا أنّهم اشتغلوا به حتّى أحبّوا المذکور و نسوا ما عداه من المحبوبات الدنیویّه، و إنّ من حبّ محبّه المذکور محبّه ذکره و ملازمته حتّى اتّخذوه بدلا من متاع الدنیا و طیّباتها و لم یشغلهم عنه تجاره و لا بیع و قطعوا به أیّام حیاتهم الدنیا.
و قوله: و یهتفون. إلى قوله: و یتناهون عنه. إشاره إلى وجوه طاعتهم للّه و عبادتهم له و هى من ثمرات الذکر و محبّه المذکور لأنّ من أحبّ محبوبا سلک مسلکه و لم یخالف رسمه و کان له فی ذلک الابتهاج و اللذّه. و قوله: فکأنّما قطعوا. إلى قوله: عداتها. تشبیه لهم فی ثقتهم باللّه و بما جاءت به کتبه و رسله، و تحقّقهم لأحوال القیامه و وعدها و وعیدها بعین الیقین عن قطع الدنیا من أحوال أهل البرزخ وطول إقامتهم فیه فکشفوا غطاء تلک الأحوال لأهل الدنیا بالعبادات الواضحه و البیانات اللایحه حتّى کأنّهم فی وصفهم لها عن صفاء سرائرهم و صقال جواهر نفوسهم بالریاضه التامّه یرون بأبصارهم ما لا یرى الناس، و یسمعون بآذانهم ما لا یسمعون الناس. إذ یخبرون عن مشاهدات و مسموعات لا یدرکها الناس، و لمّا کان السبب فی قصور النفوس عن إدراک أحوال الآخره هو تعلّقها بهذه الأبدان و اشتغالها بتدبیرها و الانغماس فی الهیئات الدنیویّه المکتسبه عنها، و کان هؤلاء الموصوفون قد غسلوا درن تلک الهیئات عن ألواح نفوسهم بمداومه ذکر اللّه و ملازمه الریاضه التامّه حتّى صارت نفوسهم کمرأى مجلوّه حوذى بها شطر الحقائق الإلهیّه فتجلّت و انتقشت بها لا جرم شاهدوا بعین الیقین سبیل النجاه و سبیل الهلاک و ما بینهما فسلکوا على بصیره و هدوا الناس على یقین و أخبروا عن امور شاهدوها بأعین بصائرهم و سمعوا بآذان عقولهم فکأنّهم فی وضوح ذلک لهم و ظهوره و إخبارهم عنه قد شاهدوا ما شاهده الناس بحواسّهم فشاهدوا ما لم یشاهده الناس و سمعوا ما لم یسمعوه. و قوله: فلو مثّلتهم بعقلک.
أى استحضرت صورهم و أعمالهم فی مقاومهم المحموده و مجالسهم المشهوده و هى مقامات العباده و مجالسها. و دواوین أعمالهم: أذهانهم و ما ثبت فیها من أفعالهم. و نشرها: تتّبع نفوسهم بأفکارها و تخیّلاتها لصور تلک الأعمال و تصفّحها لها المشبّهه لتصفّح الأوراق. و الواو فی قوله: و فرغوا لمحاسبه أنفسهم على کلّ صغیره و کبیره للبیان. لیستدعى بیان معنى المحاسبه، و لمّا کان معناها لیستدعى محاسبا حتّى یکون النظر معه فی رأس المال فی الربح و الخسران لیبیّن له الزیاده و النقصان، و إن کان من فضل حاصل استوفاه و إن کان من خسران طالبه بضمانه و کلّفه تدارکه فی المستقبل فکذلک العبد معامله نفسه الأمّاره بالسوء، و رأس ماله الفرائض و ربحه النوافل و الفضائل، و الخسران المعاصى، و موسم هذه التجاره جمله النهار فینبغى أن یکون للعبد فی آخره ساعه یطالب بها نفسه و یحاسبها على جمیع حرکاتها و سکاناتها فإن کان قد أدّى الفرائض على وجهها شکر اللّه تعالى علیه و رغبّها فی مثلها، و إن فوّتها من أصلها کلّفها بالقضاء، و إن أدّتها ناقصه کلّفها بالجبران بالنوافل، و إن ارتکب معصیه اشتغل بعقابها و تعذیبها و معاتبتها و استوفى منها ما یتدارک به تفریطها کما یصنع التاجر بشریکه. و کما أنّه ینقش فی حساب الدنیا عن الحبّه و القیراط فیحفظ مداخل الزیاده و النقصان کذلک ینبغی أن تتّقى خدعه النفس و مکرها فإنّها مخادعه مکّاره فلیطالبها أوّلا بتصحیح الجواب عمّا تکلّم به طول نهاره و لیتولّى من حسابها بنفسه ما سیتولّاه غیره فی محفل القیامه، و کذلک عن نظره و خواطره و أفکاره و قیامه و قعوده و أکله و شربه، و حتّى عن سکونه و سکوته. فإذا عرف أنّها أدّت الحقّ فی الجمیع کان ذلک القدر محسوبا له فیظهر بها الباقى و یقرّره علیها و یکتبه على صحیفه قلبه. ثمّ إنّ النفس غریم یمکن أن یستوفى منه الدیون أمّا بعضها فبالغرامه و الضمان و بعضها بردّ عینها بالعقوبه لها على ذلک و لا یمکن شی‏ء من ذلک إلّا بعد تحقّق الحساب و تمیّز باقى الحقّ الواجب علیه.
ثمّ یشتغل بعده بالمطالبه. و ینبغی أن یحاسب الإنسان النفس على جمیع العمر یوما یوما و ساعه فی جمیع الأعضاء الظاهره و الباطنه کما نقل عن توبه بن الصمه و کان بالرقّه و کان محاسبا لنفسه فحسب یوما فإذا هو ستّین سنه فحسب أیّامها فإذا أحد و عشرون ألف یوم و خمس مائه یوم فصرخ فقال: یا ویلتى ألقى الملک بأحد و عشرین ألف ذنب. ثمّ خرّ مغشیّا علیه فإذا هو میّت فسمعوا قائلا یقول: یا لک رکضه إلى الفردوس الأعلى. فهکذا ینبغی أن تکون المحاسبه، و لو رمى العبد بکلّ معصیه حصاه فی داره لامتلأت داره فی مده یسیره من عمره و لکنّه یتساهل فی حفظها و الملکان یحفظان علیه کما قال تعالى أَحْصاهُ اللَّهُ وَ نَسُوهُ«».
إذا عرفت ذلک فقوله: و فرغوا لمحاسبه أنفسهم. إلى قوله: ندم و اعتراف. إشاره إلى حال وجدانهم عند محاسبه أنفسهم لتقصیرها و الخسران فی رءوس‏ أموالهم الّتی هى الطاعات و نشیجهم و نحیبهم و عجّهم فی الندم و الاعتراف بالذنب إشاره إلى حالهم فی تدارک ذلک الخسران بالشروع فی الجبران. فأوّل مقاماته التوبه و لوازمها المذکوره، ثمّ العمل. و قوله: لرأیت. إلى قوله: الراغبون. صفات أحوالهم المحموده، و اللام فی قوله: لرأیت. جواب لو فی قوله: فلو مثّلهم، و استعار لهم لفظه الأعلام و المصابیح‏ باعتبار کونهم أدلّه إلى طریق اللّه و ذوى أنوار یستضاء بها فیها، و حفوف الملائکه بهم کنایه عن إحاطه عنایتهم به، و ذلک لکمال استعدادهم لقبول الأنوار عن اللّه بواسطه الملائکه الکروبیّه و وجوب فیضها علیهم عنهم، و فی ذلک الإشاره إلى إکرامهم بذلک. و قوله: و تنزّلت علیهم السکینه. إشاره إلى بلوغ استعداد نفوسهم لإفاضه السکینه علیها و هى المرتبه الثالثه من أحوال السالک بعد الطمأنینه، و ذلک أن تکثّر تلک البروق و اللوامع الّتی کانت تغشیه حتّى یصیر ما کان مخوفا منها مألوفا، و کانت تحصل لا لمشیئه السالک فیصیر حصولها بمشیئته و إرادته. و فتح أبواب السماء لهم إشاره إلى فتح أبواب سماء الجود الإلهىّ بإفاضه الکمالات علیهم کما قال تعالى فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ«» و مقاعد الکرامات مراتب الوصول إلیه. و تلک المقاعد الّتی اطّلع اللّه تعالى علیهم فیها فرضى سعیهم بالأعمال الصالحه المبلّغه إلیها، و حمد مقامهم فیها.

و قوله: یتنسّمون بدعائه روح التجاوز. أى یدعونه و یتوقّعون بدعائه تجاوزه عن ذنوبهم، و أن لا یجعل تقصیرهم فیما عساهم قصّروا فیه سببا لانقطاع فیضه، و قد علمت أنّ سیّئات هؤلاء یعود إلى ترک الأولى بهم. ثمّ استعار لهم لفظ الرهائن لکونهم فی محلّ الحاجه إلى فضله لا معدول و لا ملجأ لهم عنه کالرهائن فی ید المسترهن، و کذلک لفظ الاسارى،و وجه المشابهه کونهم فی مقام الذلّه بحسب عظمته کالأسیر بالنظر إلى عظمه من أسرّه. و قوله: جرح. إلى قوله: عیونهم. فذلک الجرح من لوازم اطّلاعهم على خیانه أنفسهم و خسرانهم فی معاملتهم لها بعد محاسبتها. و قوله: لکلّ باب. إلى قوله: ید قارعه. أشار بقرعهم لکلّ باب من أبواب الرغبه إلى اللّه إلى توجیه أسرارهم و عقولهم إلى القبله الحقیقیّه استشراقا لأنوار اللّه و استسماحا لجوده. و قوله: یسألون. إلى قوله: المنادح. إشاره إلى سعه جوده و فضله و أنّه أکرم الأکرمین لیتبیّن أنّه أحقّ مسئول بإعطاء سؤل و أولى مرغوب إلیه بإسداء مرغوب. و قوله: فحاسب نفسک. إلى آخره. أى فتولّ أنت حساب نفسک. فإنّ حساب غیرها من النفوس و هى الّتی لم یحاسبها صاحبها یتولّاه غیرک و هو أسرع الحاسبین، و ذلک فی معنى تهدید الإنسان على ترک محاسبه نفسه. و باللّه التوفیق.

شرح نهج ‏البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۶۶

 

بازدیدها: ۳

خطبه ۲۱۲ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام قاله بعد تلاوته: (ألهاکم التکاثر حتى زرتم المقابر)
یَا لَهُ مَرَاماً مَا أَبْعَدَهُ وَ زَوْراً مَا أَغْفَلَهُ- وَ خَطَراً مَا أَفْظَعَهُ- لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَیَّ مُدَّکِرٍ وَ تَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَکَانٍ بَعِیدٍ- أَ فَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ یَفْخَرُونَ- أَمْ بِعَدِیدِ الْهَلْکَى یَتَکَاثَرُونَ یَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ وَ حَرَکَاتٍ سَکَنَتْ- وَ لَأَنْ یَکُونُوا عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ یَکُونُوا مُفْتَخَراً- وَ لَأَنْ یَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّهٍ- أَحْجَى مِنْ أَنْ یَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّهٍ- لَقَدْ نَظَرُوا إِلَیْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَهِ- وَ ضَرَبُوا مِنْهُمْ فِی غَمْرَهِ جَهَالَهٍ- وَ لَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْکَ الدِّیَارِ الْخَاوِیَهِ- وَ الرُّبُوعِ الْخَالِیَهِ لَقَالَتْ- ذَهَبُوا فِی الْأَرْضِ ضُلَّالًا وَ ذَهَبْتُمْ فِی أَعْقَابِهِمْ جُهَّالًا- تَطَئُونَ فِی هَامِهِمْ وَ تَسْتَنْبِتُونَ فِی أَجْسَادِهِمْ- وَ تَرْتَعُونَ فِیمَا لَفَظُوا وَ تَسْکُنُونَ فِیمَا خَرَّبُوا- وَ إِنَّمَا الْأَیَّامُ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَهُمْ بَوَاکٍ وَ نَوَائِحُ عَلَیْکُمْ- أُولَئِکُمْ سَلَفُ غَایَتِکُمْ وَ فُرَّاطُ مَنَاهِلِکُمْ- الَّذِینَ کَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ-وَ حَلَبَاتُ الْفَخْرِ مُلُوکاً وَ سُوَقاً سَلَکُوا فِی بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِیلًا سُلِّطَتِ الْأَرْضُ عَلَیْهِمْ فِیهِ- فَأَکَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وَ شَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ- فَأَصْبَحُوا فِی فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لَا یَنْمُونَ- وَ ضِمَاراً لَا یُوجَدُونَ- لَا یُفْزِعُهُمْ وُرُودُ الْأَهْوَالِ- وَ لَا یَحْزُنُهُمْ تَنَکُّرُ الْأَحْوَالِ- وَ لَا یَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ وَ لَا یَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ- غُیَّباً لَا یُنْتَظَرُونَ وَ شُهُوداً لَا یَحْضُرُونَ- وَ إِنَّمَا کَانُوا جَمِیعاً فَتَشَتَّتُوا وَ أُلَّافاً فَافْتَرَقُوا- وَ مَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ وَ لَا بُعْدِ مَحَلِّهِمْ- عَمِیَتْ أَخْبَارُهُمْ وَ صَمَّتْ دِیَارُهُمْ- وَ لَکِنَّهُمْ سُقُوا کَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً- وَ بِالسَّمْعِ صَمَماً وَ بِالْحَرَکَاتِ سُکُوناً- فَکَأَنَّهُمْ فِی ارْتِجَالِ الصِّفَهِ صَرْعَى سُبَاتٍ- جِیرَانٌ لَا یَتَأَنَّسُونَ وَ أَحِبَّاءُ لَا یَتَزَاوَرُونَ- بَلِیَتْ بَیْنَهُمْ عُرَا التَّعَارُفِ- وَ انْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الْإِخَاءِ- فَکُلُّهُمْ وَحِیدٌ وَ هُمْ جَمِیعٌ- وَ بِجَانِبِ الْهَجْرِ وَ هُمْ أَخِلَّاءُ- لَا یَتَعَارَفُونَ لِلَیْلٍ صَبَاحاً وَ لَا لِنَهَارٍ مَسَاءً- أَیُّ الْجَدِیدَیْنِ ظَعَنُوا فِیهِ کَانَ عَلَیْهِمْ سَرْمَداً- شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا- وَ رَأَوْا مِنْ آیَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا- فَکِلْتَا الْغَایَتَیْنِ مُدَّتْ لَهُمْ- إِلَى مَبَاءَهٍ فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ وَ الرَّجَاءِ- فَلَوْ کَانُوا یَنْطِقُونَ بِهَا- لَعَیُّوا بِصِفَهِ مَا شَاهَدُوا وَ مَا عَایَنُوا- وَ لَئِنْ عَمِیَتْ آثَارُهُمْ وَ انْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ- لَقَدْ رَجَعَتْ فِیهِمْ أَبْصَارُ الْعِبَرِ- وَ سَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ- وَ تَکَلَّمُوا مِنْ غَیْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ- فَقَالُوا کَلَحَتِ الْوُجُوهُ النَّوَاضِرُ وَ خَوَتِ الْأَجْسَامُ النَّوَاعِمُ- وَ لَبِسْنَا أَهْدَامَ الْبِلَى وَ تَکَاءَدَنَا ضِیقُ الْمَضْجَعِ- وَ تَوَارَثْنَا الْوَحْشَهَ وَ تَهَکَّمَتْ عَلَیْنَا الرُّبُوعُ الصُّمُوتُ- فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا وَ تَنَکَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا- وَ طَالَتْ فِی مَسَاکِنِ الْوَحْشَهِ إِقَامَتُنَا- وَ لَمْ نَجِدْ مِنْ کَرْبٍ فَرَجاً وَ لَا مِنْ ضِیقٍ مُتَّسَعاً- فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِکَ- أَوْ کُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَکَ- وَ قَدِ ارْتَسَخَتْ أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ فَاسْتَکَّتْ- وَ اکْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَاب فَخَسَفَتْ- وَ تَقَطَّعَتِ الْأَلْسِنَهُ فِی أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلَاقَتِهَا- وَ هَمَدَتِ الْقُلُوبُ فِی صُدُورِهِمْ بَعْدَ یَقَظَتِهَا- وَ عَاثَ فِی کُلِّ جَارِحَهٍ مِنْهُمْ جَدِیدُ بِلًى سَمَّجَهَا- وَ سَهَّلَ طُرُقَ الْآفَهِ إِلَیْهَا- مُسْتَسْلِمَاتٍ فَلَا أَیْدٍ تَدْفَعُ وَ لَا قُلُوبٌ تَجْزَعُ- لَرَأَیْتَ أَشْجَانَ قُلُوبٍ وَ أَقْذَاءَ عُیُونٍ- لَهُمْ فِی کُلِّ فَظَاعَهٍ صِفَهُ حَالٍ لَا تَنْتَقِلُ- وَ غَمْرَهٌ لَا تَنْجَلِی- فَکَمْ أَکَلَتِ الْأَرْضُ مِنْ عَزِیزِ جَسَدٍ وَ أَنِیقِ لَوْنٍ- کَانَ فِی الدُّنْیَا غَذِیَّ تَرَفٍ وَ رَبِیبَ شَرَفٍ- یَتَعَلَّلُ بِالسُّرُورِ فِی سَاعَهِ حُزْنِهِ- وَ یَفْزَعُ إِلَى السَّلْوَهِ إِنْ مُصِیبَهٌ نَزَلَتْ بِهِ- ضَنّاً بِغَضَارَهِ عَیْشِهِ وَ شَحَاحَهً بِلَهْوِهِ وَ لَعِبِهِ فَبَیْنَا هُوَ یَضْحَکُ إِلَى الدُّنْیَا وَ تَضْحَکُ إِلَیْهِ- فِی ظِلِّ عَیْشٍ غَفُولٍ إِذْ وَطِئَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَکَهُ- وَ نَقَضَتِ الْأَیَّامُ قُوَاهُ- وَ نَظَرَتْ إِلَیْهِ الْحُتُوفُ مِنْ کَثَبٍ- فَخَالَطَهُ بَثٌّ لَا یَعْرِفُهُ وَ نَجِیُّ هَمٍّ مَا کَانَ یَجِدُهُ- وَ تَوَلَّدَتْ فِیهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ آنَسَ مَا کَانَ بِصِحَّتِهِ- فَفَزِعَ إِلَى مَا کَانَ عَوَّدَهُ الْأَطِبَّاءُ- مِنْ تَسْکِینِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ وَ تَحْرِیکِ الْبَارِدِ بِالْحَارِّ- فَلَمْ یُطْفِئْ بِبَارِدٍ إِلَّا ثَوَّرَ حَرَارَهً- وَ لَا حَرَّکَ بِحَارٍّ إِلَّا هَیَّجَ بُرُودَهً- وَ لَا اعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْکَ الطَّبَائِعِ- إِلَّا أَمَدَّ مِنْهَا کُلَّ ذَاتِ دَاءٍ- حَتَّى فَتَرَ مُعَلِّلُهُ وَ ذَهَلَ مُمَرِّضُهُ- وَ تَعَایَا أَهْلُهُ بِصِفَهِ دَائِهِ- وَ خَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّاِئِلینَ عَنْهُ- وَ تَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِیَّ خَبَرٍ یَکْتُمُونَهُ- فَقَائِلٌ هُوَ لِمَا بِهِ وَ مُمَنٍّ لَهُمْ إِیَابَ عَافِیَتِهِ- وَ مُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلَى فَقْدِهِ- یُذَکِّرُهُمْ أُسَى الْمَاضِینَ مِنْ قَبْلِهِ- فَبَیْنَا هُوَ کَذَلِکَ عَلَى جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْیَا- وَ تَرْکِ الْأَحِبَّهِ- إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ- فَتَحَیَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ وَ یَبِسَتْ رُطُوبَهُ لِسَانِهِ- فَکَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَیَّ عَنْ رَدِّهِ- وَ دُعَاءٍ مُؤْلِمٍ بِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عَنْهُ- مِنْ کَبِیرٍ کَانَ یُعَظِّمُهُ أَوْ صَغِیرٍ کَانَ یَرْحَمُهُ- وَ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِیَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَهٍ- أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْیَا

اللغه

أقول: المرام: المطلوب.

و الزور: الزائرون.

و الخطر: الإشراف على الهلاک.

و الفظیع: الشدید الّذی جاوز الحدّ فی شدّته.

و استحلوا: أى اتّخذوا تحلیه الذکر و أبهم و شأنهم، و قیل: استخلوا: أى وجدوه خالیا.

و التناوش:التنازل.

و أحجى: أولى بالحجى و هو العقل.

و العشوه: رکوب الأمر على جهل به.

و ترتعون: یتنعمون.

و لفظوا: أرموا و ترکوا.

و الفارط: السابق إلى الماء و المورد.

و حلبات الفخر: جماعاته.

و السوق: جمع سوقه و هى الرعیّه.

و البرزخ: ما بین الدنیا و الآخره من وقت الموت إلى البعث.

و الفجوات: جمع فجوه و هى المتّسع من الأرض.

و الضمار: الغایب الّذی لا یرجى إیابه.

و یحفلون: یبالون.

و الرواجف: الزلازل.

و یأذنون: یسمعون.

و ارتجال الصفه: انتشاؤها.

و السبات: النوم، و أصله الراحه.

و أفظع: أشدّ.

و المباءه: الموضع یبوء الإنسان إلیه: أى یرجع: و عىّ عن الکلام: أى عجز عنه.

و الکلوح: تکشّر فی عبوس.

و الأهدام: جمع هدم، و هو الثوب البالى.

و تکاءدنا: شقّ علینا و صعب.

و تهکّعت: تهدّمت.

و ارتسخت: ثبتت فی قرارها الهوام.

و استکّت: انسدّت.

و ذلاقه اللسان: حدّته و سهوله الکلام به.

و همدت: سکنت و بلیت.

و عاث: انسدّ.

و سمّجها: قبّحها.

و الأشجان: الأحزان.

و الأنیق: العجب للناظر.

و غضاره العیش: طیّبه.

و الکثب: القرب.

و البثّ: الحال من همّ و حزن.

و القارّ و القرور: الماء البارد.

المعنى

و فی الفصل فوائد:

فالاولى: اللام فی قوله: یا له. لام الجرّ للتعجّب کقولهم: یا للدواهى، و الجارّ و المجرور فی محلّ النصب لأنّه المنادى و یروى: یا مراما. و مراما و زورا و خطرا منصوبات على التمیز لمعنى التعجّب من بعد ذلک المرام و هو التکاثر فإنّ الغایه المطلوبه منه لا یدرکها الإنسان لأنّ کلّ غایه بلغها ففوقها غایه اخرى قد أدرکها غیره فنفسه تطمح إلیها، و ذلک التعجّب من شدّه غفله الزور: أى الزائرین للمقابر لأنّ الکلام خرج بسبب الآیه، و ظاهر أنّ غفله الإنسان عمّا یزور و یقدم بعد تلک الزیاره علیه غفله عظیمه و هى محلّ التعجّب، و کذلک التعجّب من فظاعه الخطر و الإشراف على شدائد الآخره فإنّ کلّ خطر دنیائى یستحقر فی جنبه، و الضمیر فی قوله: استحلوا للأحیاء، و فی منهم‏ للأموات، و عنّى بالذکر عمّا خلّفوه من الآثار الّتی هى محلّ العبره. و قوله: أىّ مدّکر. استفهام على سبیل التعجّب من ذلک المدّکر فی أحسن إفادته للعبر لاولى الأبصار، و تناوشوهم من مکان بعید: أى ترکهم ما ینتفعون به و هو المدّکر من جهه الاعتبار به و تناولوهم من جهه بعیده، و الّذی تناولوه هو افتخار کلّ منهم بأبه و قبیلته، و مکاثرته بالماضین من قومه الّذینهم بعد الموت أبعد الناس عنه أو الّذین کمالاتهم أبعد الکمالات عنه، و کنّى بالمکان البعید عن ذلک الاعتبار فإنّ الأموات و کمالاتهم فی أبعد الاعتبارات عن الأحیاء و الأبناء، و لذلک استفهم عن ذلک استفهام إنکار و توبیخ فقال: أ فبمصارع آبائهم یفخرون. إلى قوله: سکنت، و ذلک الارتجاع بالمفاخره بهم فکأنّهم بذکرهم لهم فی الفخر قد ارتجعوهم بعد موتهم، و یحتمل أن یکون ذلک مستفهما عنه أیضا على سبیل الإنکار و إن لم یکن حرف الاستفهام، و التقدیر أ یرتجعون منهم بفخرهم لهم أجسادا خوت.
و قوله: و لأن یکونوا عبرا أحقّ من أن یکونوا مفتخرا. مؤکّد لتوبیخه لهم ترک العبره بالمدّکر الّذی هو وجه النفع و أخذهم بالوجه البعید و هو الافتخار، و کشف لمعناه. و کذلک قوله: لأن یهبطوا بهم جناب ذلّه: أى بالاعتبار بمصارعهم فإنّه یستلزم الخشوع لعزّه اللّه و الخشیه منه. و ذلک أولى بالعقل و التدبیر من أن یقوموا بهم مقام عزّه بالمفاخره و المکاثره، و أضاف الأبصار إلى العشوه لنسبتها إلیها: أى نظروا إلیها بأبصار قلوب غطّى علیها الجهل بأحوالهم فساروا فی تلک الأحوال بجهاله غامره لهم. و قوله: و لو استنطقوا. إلى قوله: لقالت. أى لو طلبت منها النطق لقالت بلسان حالها کذا و کذا. إلى قوله: و تسکنون فیما خرّبوا، و یحتمل أن یکون باقى الفصل کلّه مقولا بلسان حال تلک الدیار، و النصب فی قوله: ضلّالا و جهّالا على الحال: أى ذهبوا فی الأرض هالکین و ذهبتم بعدهم جاهلین بأحوالهم تطئون رؤسهم و تستنبتون الأشجار فی‏ أجسادهم و ذلک فی المواضع الّتی بلیت فیها الأجساد، و استعار لفظ البواکى و النوائح لأیّام الحیاه ملاحظه لشبهها فی مفارقتهم لها بالامّهات الّتی فارقها أولادها بالموت. و قوله: اولئک سلف غایتکم و فرّاط مناهلکم. السابقون لکم إلى غایتکم و هى الموت و ما بعده، و إلى مناهلکم و هى تلک الموارد أیضا، و مقاوم: جمع مقام لأنّ ألفه عن واو، و ملوکا و سوقا نصب على الحال، و بطون البرزخ ما غاب و بطن منه عن علومنا و مشاهداتنا، و السبیل فیه هى مسلک القدر بهم إلى غایاتهم الاخرویّه من سعاده أو شقاوه، و نسبه الأکل و الشرب إلى الأرض مجاز یقارب الحقیقه فی کثره الاستعمال، و إنّما سلب عنهم النموّ و الفزع من ورود أهوال الأرض علیهم، و الحزن من تغیّر الأحوال بهم، و الحفله بزلازل الأرض و سماع الریاح القاصفه، لکون انتظار ذلک من توابع الحیاه و صفاتها.
فإن قلت: فهذا ینافی ما نقل من عذاب القبر فإنّه یستلزم الفزع و الحزن.
قلت: إنّما سلب عنهم الفزع و الحزن من أحوال الدنیا المشاهده لنا، و کذلک الحفله بأهوالها و سماعها. و عذاب القبر لیس من ذلک القبیل بل من أحوال الآخره و أهوالها، و لا یلزم من سلب الفزع الخاصّ سلب العامّ، و نبّه على أنّ غیبتهم و شهودهم لیس کغیبه أهل الدنیا و شهودهم. إذ کان الغائب فی الدنیا من شأنه أن ینتظر و الشاهد فیها حاضر و هم شاهدون بأبدانهم مع صدق الغیبه علیهم عنّا: أى بأنفسهم، و لمّا امتنع ذلک العود لا جرم صدق أنّهم غیّب لا ینتظرون و شهود لا یحضرون. و قوله: و ما عن طول عهدهم. إلى قوله: سکونا. أى عدم علمنا بأخبارهم و صمم دیارهم عند ندائنا لیس لأجل طول عهد بیننا و بینهم و لا بعد محلّتهم و مستقرّهم فإنّ المیّت حال موته و هو بعد مطروح الجسد مشاهد لنا تعمى علینا أخباره و لا یسمع نداءنا دیاره، و لکن ذلک لأجل أنّهم سقوا کأس المنیّه فبدّلتهم بالنطق خرسا و بالسمع صمما و بالحرکات سکونا و إسناد العمى إلى الأخبار و الصمم إلى الدیار مجاز کقولهم: نهاره صائم و لیله قایم. و قوله: فکأنّهم. إلى قوله: سبات. أى إذا أراد أحد ینشى‏ء صفه حالهم، شبّههم بالصرعى عن النوم، و وجه الشبه عدم الحرکات و السماع و النطق مع الهیئه المشاهده من المستغرق فی نومه. ثمّ نبّه على أنّهم فی أحوالهم الاخرویّه من تجاورهم مع وحدتهم و تهاجرهم لیس کتلک الأحوال فی الدنیا. إذ من شأن الجیران فیها أن یأنس بعضهم ببعض، و الأحیاء أن تزاوروا، و الواحد أن لا یکون فی جماعه. و أشار بالجوار إلى تقارب أبدانهم فی القبور، و بالمحابّه إلى ما کانوا علیه من التحابّ فی الدنیا، و بهجرهم إلى عدم تزاورهم، و کذلک خلالهم إلى ما کانوا علیه من المودّه فی الدنیا، و کونهم لا یتعارفون للیل صباحا و لا لنهار مساء لکون اللیل و النهار من لواحق الحرکات الدنیویّه الفانیه عنهم فتساوى اللیل و النهار بالنسبه إلیهم،

و کذلک قوله: أىّ الجدیدین.إلى قوله: سرمدا، و الجدیدان اللیل و النهار لتجدّد کلّ منهما أبدا. و استعار وصف الظعن لانتقالهم إلى الدار الآخره، و کون ذلک الجدید الّذی ظعنوا فیه سرمدا علیهم لیس حقیقه لعدم عوده بعینه بل إسناد السرمدیّه إلیه لکونه جزء من الزمان الّذی یلزمه السرمدیّه لذاته حقیقه.

و قوله: شاهدوا. إلى قوله: عاینوا. إشاره إلى صعوبه أهوال الآخره و عظمه أحوالها بالنسبه إلى ما یخاف منها فی الدنیا، و ذلک أمر عرف بأخبار الشریعه الحقّه و تأکّد باستقراء اللذّات و الآلام العقلیّه و نسبتها إلى الحسیّه. ثمّ إنّ الخوف و الرجاء لامور الآخره إنّما یبعثان منّا بسبب وصف تلک الامور، و إنّما یفعل من تلک الأوصاف ما کان فیه مناسبه و تشبّه بالامور المخوفه و المرجّوه فی الدنیا فنحن نتصوّر تلک على قیاس هذه فذلک سبب سهولتها علینا و ضعف خوفنا منها و رجائنا لها حتّى لو شاهدنا أخطار تلک الدار لشاهدنا أشدّ ممّا نخافه الآن و نتصوّره و نقدّره بأوهامنا. فلا جرم لمّا وصل السابقون شاهدوا أفظع ممّا خافوا، و لو أمکنهم النطق لعیّوا بصفه ما شاهدوا منها و عجزوا عن شرحها.

و قوله: فکلتا الغایتین. أى غایه المؤمنین و الکافرین من سعاده و شقاوه مدّت: أى مدّ لهم أجل ینتهون فیه إلى غایه و مرجع و هو الجنّه أو النار، و ذلک المرجع یفوت مبالغ خوفنا و رجاءنا: أى هو أعظم ممّا نخافه و نرجوه، و أسند المدّ إلى الغایه مجازا. و قوله: لقد رجعت. إلى قوله. النطق. من أفصح الکلام و أبلغه، و أبصار العبر أبصار البصائر الّتی یعتبر بها، و آذان العقول مجاز فی علمها بأحوالهم الّتی من شأنها أن تسمع إطلاقا لاسم السبب على المسبّب.
و قوله: و تکلّموا من غیر جهات النطق. أى من غیر أفواه و ألسنه لحمانیّه و لکن بألسنه أحوالیّه. و قوله: فقالوا. إلى قوله: متّسعا. إشاره إلى ما تنطق به ألسنه أحوالهم و تحکیه منها فی القبور، و روى عوض خلت خوت، و استعار لفظ الأهدام للتغیّر و التقشّف و التمزیق العارض لجسم المیّت لمشابهتها العظم البالى، و یحتمل أن یرید بها الأکفان، و المضجع: القبر. و توارث الوحشه: أى وحشه القبر، و استعار لفظ التوارث لکون تلک الوحشه کانت لآبائهم قبلهم فحصلت لهم بعدهم، و الربوع الصموت: أیضا القبور.
و کذلک مساکن الوحشه. و معارف صورهم: ما کان معروفا منها فی الدنیا. و قوله: فلو مثّلتهم بعقلک. أى تخیّلت صورهم و استحضرتها فی خیالک و کشف عنهم محجوب الغطاء لک: أى ما حجب بأغطیه التراب و السواتر لأجسادهم عن بصرک. و الواو فی قوله: و قد ارتسخت. للحال، و یقظه قلوبهم استعاره لحیاتهم و حرکاتها، و إسناد العبث إلى جدید البلى مجاز، و مستسلمات حال للجوارح و العامل عاث و سهل، واللام فی قوله: لرأیت. جواب لو، و أحسن بقوله: لهم فی کلّ فظاعه صفه حال لا تنتقل و غمره لا تنجلى. وصفا إجمالیّا. فإنّه لا مزید علیه فی البلاغه اللذیذه، و أراد بالغمره من الفظاعه ما یغمرهم من الشدائد، و الغذىّ فعیل بمعنى مفعول: أى مغذى بالترف. و قوله: و یفزع إلى السلوه. أى عن المصیبه النازله له إلى المسرّات و المتنزّهات، و ضحکه إلى الدنیا کنایه عن ابتهاجه بها و ما فیها من القینات و غایه إقباله علیه لأنّ غایه المبتهج بالشی‏ء أن یضحک له، و کذلک ضحک الدنیا مجاز فی إقبالها علیه إطلاقا لاسم السبب الغائى على مسبّبه، و أصل بینا بین و الألف عن إشباع الفتحه، و العیش الغفول الّذی یکثر الغفله فیه لطیبه. و استعار لفظ الحسک للآلام و الأمراض و مصائب الدهر، و وجه المشابهه استلزامها للأذى کاستلزام الحسک له، و رشّح بذکر الوطى، و کذلک استعار وصف النظر لإقبال الحتوف إلیه لاستعداد لها فشابهت فی ذلک الراصد للشی‏ء المصوب إلیه نظره لیقتنصه، و البثّ و النجىّ من الهمّ الحال الّتی یجدها الإنسان عند و هم الموت من الوسواس و التخیّلات و الغموم و الأحزان الّتی عند و هم الموت من الوسواس و التخیّلات و الغموم و الأحزان الّتی لم تکن تعرض له. و قوله: فتولّدت فیه فترات علل آنس ما کان بصحّته. و انتصاب آنس على الحال، و ما بمعنى الزمان، و کان تامّه، و بصحّته متعلّق بآنس: أى حال ما هو آنس زمان مدّه صحّته، و قیل: ما مصدریّه، و التقدیر آنس کونه على أحواله لصحّته. و قوله، فلم یطفى‏ء ببارد إلّا ثوّر حراره. إلى قوله: ذات داء. إشاره إلى لوازم العلاج عند سقوطه العلّه من المرض الحارّه و البارد المقاوم لها، و لیس العلاج بالبارد هو المثوّر للحراره و لا بالعکس لأنّ الدواء معین للطبیعه على مقاومه المرض فلا یکون مثوّرا له، و لکن ما کان مع ذلک العلاج و تلک الإعانه لغلب الحراره و البروده و یظهر بسبب ذلک: أى الدواء، و کذلک‏ قوله: و لا اعتدل بممازج لتلک الطبایع إلّا أمدّ منها کلّ ذات داء: أى و لا اعتدل المریض فی علاجه نفسه بما یمازج تلک الطبایع من الحراره و البروده و الرطوبه و الیبوسه إلّا کان مادّه لداء، و لیس مادّه على الحقیقه و لکن لمّا کان یغلب معه المرض على القوّه فکأنّه مادّه له فنسب إلیه و هى امور عرفیّه یقال کثیرا، و الکلام فیها على المتعارف. و قوله: حتّى فتر معلّله. غایه تلک اللوازم. و معلّله: طبیبه و ممرّضه. و خرس أهله عن جواب السائل: إشاره إلى سکوتهم عند السؤال من حاله، و ذلک أنّهم لا یخبرون عن عافیه لعدمها، و تکره نفوسهم الإخبار عنه بما هو علیه من الحال لشدّتها علیهم، فیکون شأنهم فی ذلک السکوت عن حاله المشبه للخرس فی جوابه. فذلک استعاره له. و قوله: و تنازعوا. إلى قوله: من قبله. إشاره إلى ما یتحاوره أهل المریض المشرف على الموت من أحواله و صوره بما العاده جاریه أن یقولوه. و قوله: فبینا هو کذلک. صفه حال الأخذ فی الموت المعتاد للناس. و قوله: إنّ للموت. إلى آخره. تلک الغمرات و کونها، أفظع من أن یحیط بها وصف الإنسان أو یستقیم شرحها على الإنسان کما یخبر علیه السّلام. و یعلم ذلک على سبیل الجمله و بالحدس و القیاس إلى الأمراض الصعبه الّتی یمارسها الناس و یشتدّ علیهم فیعرف عند مقاساتها و معاناه شدایدها. و کان صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول فی سکرات موته: الّلهمّ أعنّى على سکرات الموت. و ما یستعین علیه الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم مع کمال اتّصاله بالعالم الأعلى فلا شکّ فی شدّته. و باللّه التوفیق.

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۵۶

بازدیدها: ۲۰

خطبه ۲۱۱ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام
قَدْ أَحْیَا عَقْلَهُ وَ أَمَاتَ نَفْسَهُ حَتَّى دَقَّ جَلِیلُهُ- وَ لَطُفَ غَلِیظُهُ وَ بَرَقَ لَهُ لَامِعٌ کَثِیرُ الْبَرْقِ- فَأَبَانَ لَهُ الطَّرِیقَ وَ سَلَکَ بِهِ السَّبِیلَ- وَ تَدَافَعَتْهُ الْأَبْوَابُ إِلَى‏ بَابِ السَّلَامَهِ وَ دَارِ الْإِقَامَهِ- وَ ثَبَتَتْ رِجْلَاهُ بِطُمَأْنِینَهِ بَدَنِهِ فِی قَرَارِ الْأَمْنِ وَ الرَّاحَهِ- بِمَا اسْتَعْمَلَ قَلْبَهُ وَ أَرْضَى رَبَّهُ

أقول: هذا الفصل من أجلّ کلام له فی وصف السالک المحقّق إلى اللّه، و فی کیفیّه سلوکه المحقّق و أفضل اموره
فأشار بإحیاء عقله إلى صرف همّته فی تحصیل الکمالات العقلیّه من العلوم و الأخلاق و إحیاء عقله النظری و العملى بها بعد الریاضه بالزهد و العباده، و أشار بإماته نفسه إلى قهر نفسه الأمّاره بالسوء، و تطویعها بالعباده للنفس المطمئنّه بحیث لا یکون لها تصرّف على حدّ طباعها إلّا بإرسال العقل و باعثه فکانت فی حکم المیّت عن الشهوات و المیول الطبیعیّه الّذی لا تصرّف له من نفسه. و قوله: حتّى دقّ جلیله. أى حتّى انتهت به إماتته لنفسه الشهویّه إلى أن دقّ جلیله، و کنّى بجلیله عن بدنه فإنّه أعظم ما یرى منه، و لطف غلیظه إشاره إلى لطف بدنه أیضا، و یحتمل أن یشیر به إلى لطف قواه النفسانیّه بتلک الریاضه و کسر الشهوه فإنّ إعطاء القوّه الشهویّه مقتضى طباعها من الانهماک فی المآکل و المشارب ممّا یثقل البدن و یکدّر الحواسّ، و لذلک قیل: البطنه تذهب الفطنه و تورث القسوه و الغلظه.
فإذا قصرت على حدّ العقل لطفت الحواسّ عن قلّه الأبخره المتولّده عن التملّؤ بالطعام و الشراب، و لطف بلطف ذلک ما غلظ من جوهر النفس بالهیئات البدنیّه المکتسبه من متابعه النفس الأمّاره بالسوء کلطف المرآه بالصقال حتّى یصیر ذلک اللطف مسبّبا لاتّصالها بعالمها و استشراقها بأنوار من الملأ الأعلى. و قوله: و برق له لا مع کثیر البرق. أشار باللامع إلى ما یعرض للسالک عند بلوغ الإراده بالریاضه به حدّا ما من الخلسات إلى الجناب الأعلى فیظهر له أنوار إلهیّه لذیذه شبیهه بالبرق فی سرعه لمعانه و اختفائه، و تلک اللوامع مسمّاه بالأوقات عند أهل الطریقه، و کلّ وقت فإنّه محفوف بوجد إلیه قبله و وجد علیه بعده لأنّه لمّا ذاق تلک اللذّه ثمّ فارقها وصل فیه حنین و أنین إلى ما فات منها. ثمّ إنّ هذه اللوامع فی مبدء الأمر تعرض له قلیلا فإذا أمعن فی الارتیاض کثرت، فأشار باللامع إلى نفس ذلک النور، و بکثره برقه إلى کثره عروضه بعد الإمعان فی الریاضه. و یحتمل أن یکون قد استعار لفظ اللامع للعقل الفعّال، و لمعانه ظهوره للعقل الإنسانىّ، و کثره بروقه إشاره إلى کثره فیضان تلک الأنوار الشبیهه بالبروق عند الإمعان فی الریاضه، و قوله: فأبان له الطریق. أى ظهر له بسبب ذلک أنّ الطریق الحقّ إلى اللّه هى ما هو علیه من الریاضه، و سلک به السبیل: أى کان سببا لسلوکه فی سبیل اللّه إلیه. و قوله: و تدافعته الأبواب. أى أبواب الریاضه، و هى أبواب الجنّه أعنى تطویع النفس الأمّاره، و الزهد الحقیقىّ، و الأسباب الموصله إلیهما کالعبادات و ترک الدنیا فإنّ کلّ تلک أبواب یسیر منها السالک حتّى ینتهى إلى باب السلامه و هو الباب الّذى إذا دخله السالک تیقّن فیه السلامه من الانحراف عن سلوک سبیل اللّه بمعرفته أنّ تلک هى الطریق و ذلک الباب هو الوقت الّذی أشرنا إلیه، و هو أوّل منزل من منازل الجنّه العقلیّه. و قوله: و ثبتت رجلاه. إلى قوله: و الراحه. ففى قرار الأمن متعلّق ثبتت، و هو إشاره إلى الطور الثانی للسالک بعد طور الوقت و یسمّى طمأنینه و ذلک أنّ السالک ما دام فی مرتبه الوقت فإنّه یعرض لبدنه عند لمعان تلک البروق فی سرّه اضطراب و قلق یحسّ بها خلسه لأنّ النفس إذا فاجأها أمر عظیم اضطربت و تقلقلت فإذا کثرت تلک الغواشى ألفتها بحیث لا تنزعج عنها و لا تضطرب لورودها علیها بل تسکن و تطمئنّ لثبوت قدم عقله فی درجه أعلى من درجات الجنّه الّتى هى قرار الأمن و الراحه من عذاب اللّه.

و قوله: بما استعمل. إلى آخره. فالجار و المجرور متعلّق بثبتت أیضا: أى و ثبتت رجلاه بسبب استعمال قلبه و نفسه فی طاعه اللّه و إرضائه بذلک الاستعمال، و باللّه التوفیق.

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۵۳

بازدیدها: ۱

خطبه ۲۱۰ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام لما مر بطلحه و عبد الرحمن بن عتاب بن أسید و هما قتیلان یوم الجمل

لَقَدْ أَصْبَحَ أَبُو مُحَمَّدٍ بِهَذَا الْمَکَانِ غَرِیباً- أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ کُنْتُ أَکْرَهُ أَنْ تَکُونَ قُرَیْشٌ قَتْلَى- تَحْتَ بُطُونِ الْکَوَاکِبِ- أَدْرَکْتُ وَتْرِی مِنْ بَنِی عَبْدِ مَنَافٍ- وَ أَفْلَتَنِی أَعْیَانُ بَنِی جُمَحَ- لَقَدْ أَتْلَعُوا أَعْنَاقَهُمْ إِلَى أَمْرٍ- لَمْ یَکُونُوا أَهْلَهُ فَوُقِصُوا دُونَهُ

أقول: هو عبد الرحمن بن عتاب بن أسید بن أبى العاص بن امیّه شهد واقعه الجمل و قتل بها، و روى أنّ عقابا احتمل کفّه فاصیب بالیمامه فی ذلک الیوم، و عرفت بخاتمه و کان یدعى یعسوب قریش.

اللغه
و أعیان: جمع عین: هم سادات القوم و أوتادهم.

و جمح: قبیله،

و أتلعوا: مدّوا أعناقهم کالمتطلّعین إلى الأمر.

و وقصوا: کسرت أعناقهم.

المعنى

و أبو محمّد کنیه طلحه.
و فی الفصل إشارات:
فالاولى: أنّ قتله علیه السّلام لمن قتل من مخالفیه
و من قتل من عسکره لم یکن إلّا إقامه للدین و نظام العالم.
فإن قلت: إنّ قتل هؤلاء على کثرتهم فساد حاضر.قلت: إنّه و إن کان فساد إلّا أنّه جرى بالنسبه إلى صلاح جمع المسلمین فی مصر جزئیّه بالنسبه إلى صلاح أکثر بلاد المسلمین، و فعل ما هو بصوره جزئیّه من الفساد لمصلحه کلّیّه واجب فی الحکمه فهو کقطع عضو فاسد لإصلاح باقى البدن.

الثانیه: قوله: تحت بطون الکواکب
کنایه لطیفه عن الفلوات، و أراد أنّى کنت أکره أن یکونوا بهذه الحاله فی الفلوات بحیث لا کنّ و لا ظلّ یواریهم.

الثالثه: لقائل أن یقول: لم قال علیه السّلام: أدرکت و ترى من بنى عبد مناف
و الوتر الحقد و هو رذیله فکیف یجوز منه علیه السّلام أن ینسبه إلى نفسه و یقول: قد أدرکته. و الجواب أنّ الحقد تعود حقیقته إلى ثبات الغضب و بقائه ببقاء صوره الموذى فی الخیال، و من حیث إنّ ثبات ذلک الغضب بتصوّر الموذى فی الدین لا یکون رذیله، فلا یکون أخذ الحقّ به و نصرته مکروهه.

الرابعه: أنّ طلحه و الزبیر کانا من بنى عبد مناف من قبل الامّ دون الأب
فإنّ أبا الزبیر من بنى عبد العزّى بن قصى بن کلاب، و أمّا طلحه من بنى جعد بن تمیم بن مرّه، و کان فی زمن أمیر المؤمنین علیه السّلام من بنى جمح عبد اللّه بن صفوان بن امیّه بن خلف، و عبد الرحمن بن صفوان، و قیل: کان مروان بن الحکم منهم اخذ أسیرا یوم الجمل و استشفع بالحسین إلى أبیه علیهم السّلام، و روى عوض أعیان أغیار بنى جمح و هم السادات أیضا.

و الخامسه: إتلاع رقابهم
استعاره کنّى بها عن تطاولهم لأمر الخلافه مع کونهم لیسوا أهلا لها. و وقصهم کنایه عن قتلهم دون ذلک الأمر و قصورهم عنه.

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن‏ میثم برانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۵۲

 

بازدیدها: ۰

خطبه ۲۰۹ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام فى ذکر السائرین إلى البصره لحربه علیه السّلام

فَقَدِمُوا عَلَى عُمَّالِی وَ خُزَّانِ بَیْتِ مَالِ الْمُسْلِمِینَ الَّذِی فِی یَدَیَّ- وَ عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ کُلُّهُمْ فِی طَاعَتِی وَ عَلَى بَیْعَتِی- فَشَتَّتُوا کَلِمَتَهُمْ وَ أَفْسَدُوا عَلَیَّ جَمَاعَتَهُمْ- وَ وَثَبُواعَلَى شِیعَتِی فَقَتَلُوا طَاِئفَهً منْهُمْ غَدْراً- وَ طَاِئفَهٌ عَضُّوا عَلَى أَسْیَافِهِمْ- فَضَارَبُوا بِهَا حَتَّى لَقُوا اللَّهَ صَادِقِینَ
اللغه
أقول: عضّوا على أسیافهم: أى لزموها
المعنى
و أشار بالمصر إلى البصره، و بالّذین قدموا على عمّاله إلى طلحه و الزبیر و عایشه و أتباعهم فأمّا حالهم مع عمّاله و ما فعلوا بهم و بخزّان بیت المال بالبصره فقد مرّ ذکره مستوفى، و باللّه التوفیق.

شرح‏ نهج‏ البلاغه(ابن‏ میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۵۱

بازدیدها: ۳۱

خطبه ۲۰۸ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام
اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِیکَ عَلَى قُرَیْشٍ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ- فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِی وَ أَکْفَئُوا إِنَائِی- وَ أَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِی حَقّاً کُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَیْرِی- وَ قَالُوا أَلَا إِنَّ فِی الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ- وَ فِی الْحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ فَاصْبِرْ مَغْمُوماً أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً- فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَیْسَ لِی رَافِدٌ وَ لَا ذَابٌّ وَ لَا مُسَاعِدٌ- إِلَّا أَهْلَ بَیْتِی فَضَنَنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَنِیَّهِ- فَأَغْضَیْتُ عَلَى الْقَذَى وَ جَرِعْتُ رِیقِی عَلَى الشَّجَا- وَ صَبَرْتُ مِنْ کَظْمِ الْغَیْظِ عَلَى أَمَرَّ مِنَ الْعَلْقَمِ- وَ آلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْزِ الشِّفَارِ قال الرضى: و قد مضى هذا الکلام فى أثناء خطبه متقدمه إلا أنى کررته ههنا لاختلاف الروایتین.

اللغه
أقول: أستعدیک: أستعینک.

و الاسم العدى و هى الإعانه، و أکفأت الإناء و کفأته: کببته.

و الرافد: المعاون.

و القذى: ما یسقط فی العین فیؤذیها.

و الشجى: ما یعرض فی الحلق عند الغمّ و الحزن من الأثر فیکون الإنسان کالمغتصّ بلقمه و نحوها. و العلقم: شجر مرّ.

و الشفار: جمع شفره و هى السکّین.
و غرض الفصل التظلّم و التشکّى و الاستعانه باللّه على قریش
فیما دفعوه عنه من حقّ الإمامه الّذی هو أولى به، و کنّى عن ذلک بقطع الرحم، و کذلک کنّى بقلب إنائه عن إعراضهم و تفرّقهم عنه فإنّ ذلک من لوازم قلب الإناء کما أنّ من لوازم نصبهم له و تعدیله إقبالهم و اجتماعهم علیه.

و قوله: و أجمعوا. إلى قوله: غیرى. قالت الشیعه: الإشاره بالمجتمعین إلى قریش حین وفات الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، و ذلک الغیر الّذی کان هو أولى منه هم الخلفاء الثلاثه قبله، و قال غیرهم: بل أشار بالمجمعین إلیهم وقت الشورى و اتّفاقهم بعد التردید الطویل على عثمان فلا یدخل الشیخان الأوّلان فی هذه الشکایه، و القول الثانی ضعیف. إذ صرّح بمثل هذه الشکایه من الأئمّه الثلاثه قبله فی الخطبه الشقشقیّه کما بیّناه، و بالجمله مراده من هذا الکلام و أمثاله بعد استقراء أقواله و تصفّح أحواله لا یخفى على عاقل، و یشبه أن یکون صدور هذا الکلام منه حین خروج طلحه و الزبیر إلى البصره تظلّما علیهما فیکون المفهوم من قوله: و أجمعوا على منازعتى حقّا کنت أولى به من غیرى إنکارا لإجماعهم منازعته ذلک الحقّ فإنّه إذا کان أولى به ممّن سبق من الأئمّه على جلاله قدرهم و تقدّمهم فی الإسلام فکیف بهؤلاء مع کونهم أدون حالا منهم، و هو کقوله فیاللّه و للشورى متى اعترض الریب فیّ مع الأوّل منهم حتّى صرت اقرن إلى هذه النظائر. و قوله: و قالوا: ألا إنّ فی الحقّ. إلى قوله: متأسّفا. حکایه لقولهم بلسان حال فعلهم لا أنّهم قالوا له ذلک. قوله: فنظرت. إلى آخره. قد مضى تفسیر من الآلام الحسیّه من حرّ السکین و غیره.

و من طالع الفصلین المتقدّمین علم التفاوت فی الروایه لهما و لهذا الفصل.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۴۹

 

بازدیدها: ۰

خطبه ۲۰۷ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام خطبها بصفین
أَمَّا بَعْدُ- فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِی عَلَیْکُمْ حَقّاً بِوِلَایَهِ أَمْرِکُمْ- وَ لَکُمْ عَلَیَّ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِی لِی عَلَیْکُمْ- فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الْأَشْیَاءِ فِی التَّوَاصُفِ- وَ أَضْیَقُهَا فِی التَّنَاصُفِ- لَا یَجْرِی لِأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَیْهِ- وَ لَا یَجْرِی عَلَیْهِ إِلَّا جَرَى لَهُ- وَ لَوْ کَانَ لِأَحَدٍ أَنْ یَجْرِیَ لَهُ وَ لَا یَجْرِیَ عَلَیْهِ- لَکَانَ ذَلِکَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ- لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ- وَ لِعَدْلِهِ فِی کُلِّ مَا جَرَتْ عَلَیْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ- وَ لَکِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ یُطِیعُوهُ- وَ جَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَیْهِ مُضَاعَفَهَ الثَّوَابِ- تَفَضُّلًا مِنْهُ وَ تَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِیدِ أَهْلُهُ ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً- افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ- فَجَعَلَهَا تَتَکَافَأُ فِی وُجُوهِهَا- وَ یُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً- وَ لَا یُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ- . وَ أَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْکَ الْحُقُوقِ- حَقُّ الْوَالِی عَلَى الرَّعِیَّهِ وَ حَقُّ الرَّعِیَّهِ عَلَى الْوَالِی- فَرِیضَهٌ فَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِکُلٍّ عَلَى کُلٍّ- فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ وَ عِزّاً لِدِینِهِمْ- فَلَیْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِیَّهُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاهِ- وَ لَا تَصْلُحُ الْوُلَاهُ إِلَّا بِاسْتِقَامَهِ الرَّعِیَّهِ- فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِیَّهُ إِلَى الْوَالِی‏ حَقَّهُ- وَ أَدَّى الْوَالِی إِلَیْهَا حَقَّهَا- عَزَّ الْحَقُّ بَیْنَهُمْ وَ قَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّینِ- وَ اعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وَ جَرَتْ عَلَى أَذْلَالِهَا السُّنَنُ- فَصَلَحَ بِذَلِکَ الزَّمَانُ- وَ طُمِعَ فِی بَقَاءِ الدَّوْلَهِ وَ یَئِسَتْ مَطَامِعُ الْأَعْدَاءِ- . وَ إِذَا غَلَبَتِ الرَّعِیَّهُ وَالِیَهَا- أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِی بِرَعِیَّتِهِ- اخْتَلَفَتْ هُنَالِکَ الْکَلِمَهُ- وَ ظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ وَ کَثُرَ الْإِدْغَالُ فِی الدِّینِ- وَ تُرِکَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ فَعُمِلَ بِالْهَوَى- وَ عُطِّلَتِ الْأَحْکَامُ وَ کَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ- فَلَا یُسْتَوْحَشُ لِعَظِیمِ حَقٍّ عُطِّلَ- وَ لَا لِعَظِیمِ بَاطِلٍ فُعِلَ- فَهُنَالِکَ تَذِلُّ الْأَبْرَارُ وَ تَعِزُّ الْأَشْرَارُ- وَ تَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللَّهِ عِنْدَ الْعِبَادِ- . فَعَلَیْکُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِی ذَلِکَ وَ حُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَیْهِ- فَلَیْسَ أَحَدٌ وَ إِنِ اشْتَدَّ عَلَى رِضَا اللَّهِ حِرْصُهُ- وَ طَالَ فِی الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ- بِبَالِغٍ حَقِیقَهَ مَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُهُ مِنَ الطَّاعَهِ لَهُ- وَ لَکِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ- النَّصِیحَهُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ- وَ التَّعَاوُنُ عَلَى إِقَامَهِ الْحَقِّ بَیْنَهُمْ- وَ لَیْسَ امْرُؤٌ وَ إِنْ عَظُمَتْ فِی الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ- وَ تَقَدَّمَتْ فِی الدِّینِ فَضِیلَتُهُ- بِفَوْقِ أَنْ یُعَانَ عَلَى مَا حَمَّلَهُ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ- وَ لَا امْرُؤٌ وَ إِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ- وَ اقْتَحَمَتْهُ الْعُیُونُ- بِدُونِ أَنْ یُعِینَ عَلَى ذَلِکَ أَوْ یُعَانَ عَلَیْهِ فَأَجَابَهُ ع رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ- بِکَلَامٍ طَوِیلٍ یُکْثِرُ فِیهِ الثَّنَاءَ عَلَیْهِ-

وَ یَذْکُرُ سَمْعَهُ وَ طَاعَتَهُ لَهُ فَقَالَ ع إِنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ عَظُمَ جَلَالُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِی نَفْسِهِ- وَ جَلَّ مَوْضِعُهُ مِنْ قَلْبِهِ- أَنْ یَصْغُرَ عِنْدَهُ لِعِظَمِ ذَلِکَ کُلُّ مَا سِوَاهُ- وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ کَانَ کَذَلِکَ لَمَنْ عَظُمَتْ نِعْمَهُ اللَّهِ عَلَیْهِ- وَ لَطُفَ إِحْسَانُهُ إِلَیْهِ فَإِنَّهُ لَمْ تَعْظُمْ نِعْمَهُ اللَّهِ عَلَى أَحَدٍ- إِلَّا ازْدَادَ حَقُّ اللَّهِ عَلَیْهِ عِظَماً- وَ إِنَّ مِنْ أَسْخَفِ حَالَاتِ الْوُلَاهِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ- أَنْ یُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ- وَ یُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْکِبْرِ- وَ قَدْ کَرِهْتُ أَنْ یَکُونَ جَالَ فِی ظَنِّکُمْ أَنِّی أُحِبُّ الْإِطْرَاءَ- وَ اسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ وَ لَسْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ کَذَلِکَ- وَ لَوْ کُنْتُ أُحِبُّ أَنْ یُقَالَ ذَلِکَ- لَتَرَکْتُهُ انْحِطَاطاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ- عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَهِ وَ الْکِبْرِیَاءِ- وَ رُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلَاءِ- فَلَا تُثْنُوا عَلَیَّ بِجَمِیلِ ثَنَاءٍ- لِإِخْرَاجِی نَفْسِی إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ إِلَیْکُمْ مِنَ التَّقِیَّهِ- فِی حُقُوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا وَ فَرَائِضَ لَا بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهَا- فَلَا تُکَلِّمُونِی بِمَا تُکَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَهُ- وَ لَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّی بِمَا یُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَهِ- وَ لَا تُخَالِطُونِی بِالْمُصَانَعَهِ وَ لَا تَظُنُّوا بِی اسْتِثْقَالًا فِی حَقٍّ قِیلَ لِی- وَ لَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِی- فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ یُقَالَ لَهُ- أَوِ الْعَدْلَ أَنْ یُعْرَضَ عَلَیْهِ کَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَیْهِ- فَلَا تَکُفُّوا عَنْ مَقَالَهٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَهٍ بِعَدْلٍ- فَإِنِّی لَسْتُ فِی نَفْسِی بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ- وَ لَا آمَنُ ذَلِکَ مِنْ فِعْلِی- إِلَّا أَنْ یَکْفِیَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِی مَا هُوَ أَمْلَکُ بِهِ مِنِّی- فَإِنَّمَا أَنَا وَ أَنْتُمْ عَبِیدٌ مَمْلُوکُونَ لِرَبٍّ لَا رَبَّ غَیْرُهُ- یَمْلِکُ مِنَّا مَا لَا نَمْلِکُ مِنْ أَنْفُسِنَا- وَ أَخْرَجَنَا مِمَّا کُنَّا فِیهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَیْهِ- فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلَالَهِ بِالْهُدَى وَ أَعْطَانَا الْبَصِیرَهَ بَعْدَ الْعَمَى

اللغه
أقول: أذلالها: وجوهها و طرقها.

و أجحف بهم: ذهب بأصلهم.

و الإدغال: الإفساد.

و اقتحمته: دخلت فیه بالاحتقاد و الازدراد.

و أسخف: أضعف و أصغر.

و البادره: الحدّه.

و غرض الفصل جمع کلمتهم و اتّفاقهم على أوامره
فأشار أوّلا إلى أنّ لکلّ منه و منهم على الآخر حقّ یجب أن یخرج إلیه منه
فحقّه علیهم هو حقّ ولایته لأمرهم، و حقّهم علیه حقّ الرعیّه على الوالى، و هو مثله فی وجوب مراعاته و فی استلزامه اللوازم الّتی سیذکرها. و قوله: فالحقّ أوسع. إلى قوله: قضائه. تقریر لوجوب حقّه علیهم، و کالتوبیخ لهم على قلّه الإنصاف فیه. و معناه أنّه إذا أخذ الناس فی وصف الحقّ و بیانه کان له فی ذلک مجال واسع لسهولته على ألسنتهم، و إذا حضر الناصف بینهم و طلب منهم ضاق علیهم المجال لشدّه العمل بالحقّ و صعوبه الانصاف لاستلزامه ترک بعض المطالب المحبوبه لهم، و إطلاق السعه و الضیق على الحقّ استعاره ملاحظه لتشبیه ما یتوهّم فیه من اتّساعه للقول و ضیقه عن العمل بالمکان الّذی یتّسع لشی‏ء أو یضیق عمّا هو أعظم منه. و قوله: لا یجرى لأحد إلّا جرى علیه. تقریر للحقّ علیهم و توطین لنفوسهم علیه، و لا یجرى علیه إلّا جرى له تسکین لنفوسهم بذکر الحقّ لهم. ثمّ أعاد تقریر الحقّ علیهم بحجّه فی صوره متّصله، و هى لو کان لأحد أن یجرى له الحقّ و لا یجرى علیه لکان اللّه تعالى هو الأولى بخلوص ذلک له دون خلقه. ثمّ بیّن الملازمه بقوله: لقدرته. إلى قوله: صروف قضائه: أى لکونه قادرا على عباده و على الانتصاف منهم مع کونه لا یستحقّ علیه شی‏ء لهم لعدله فیهم فی کلّ ما جرت به مقادیره الّتی هى صروف قضائه فکان أولى بخلوص ذلک دونهم، و بیّن استثناء نقیض التالى باستثناء ملزومه و هو قوله: و لکنّه تعالى جعل. إلى قوله: أهله، و معناه لکنّه تعالى جعل لنفسه على عباده حقّا هو طاعتهم له لیثبت لهم بذلک حقّا یکون جزاء طاعتهم له فقد ثبت أنّه لم یخلص ذلک للّه تعالى بل کما أوجب على عباده حقّا له أوجب لهم على نفسه بذلک حقّا. فإذن لا یجرى لأحد حقّ إلّا جرى علیه و هو نقیض المقدّم، و فی قوله: مضاعفه الثواب. إلى قوله: أهله تنبیه لهم على أنّ الحقّ الّذی أوجبه على نفسه أعظم ممّا أوجب لها مع أنّه لیس بحقّ وجب علیه بل بفضل منه علیهم ممّا هو أهله من مزید النعمه لیتخلّقوا بأخلاق اللّه فی أداء ما وجب علیهم من الحقّ بأفضل وجوهه و یقابلوا ذلک التفضّل بمزید الشکر، و تلک المضاعفه کما فی قوله تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَهِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها«» و نحوه. و قوله: ثمّ جعل سبحانه. إلى قوله: ببعض. کالمقدّمه لما یرید أن ینبّه من کون حقّه علیهم واجبا من قبل اللّه تعالى و هو حقّ من حقوقه لیکون أدعى لهم إلى أدائه. و بیّن فیها أنّ حقوق الخلق بعضهم على بعض من حقّ اللّه تعالى من حیث إنّ حقّه على عباده هو الطاعه، و أداء تلک الحقوق طاعات للّه کحقّ الوالد على ولده و بالعکس، و حقّ الزوج على الزوجه، و حقّ الوالى على الرعیّه و بالعکس. و قوله: فجعلها تتکافأ فی وجوهها. أى جعل کلّ وجه من تلک الحقوق مقابلا لمثله فحقّ الوالى و هو الطاعه من الرعیّه مقابل لمثله منه و هو العدل فیهم و حسن السیره، و لا یستوجب کلّ من‏ الحقّین إلّا بالآخر. ثمّ قال: و أعظم ما افترض اللّه من تلک الحقوق حقّ الوالى على الرعیّه و حقّ الرعیّه على الوالى لأنّ هذین الحقّین أمرین کلّیّین تدور علیها أکثر المصالح فی المعاش و المعاد، و أکّد ذلک بقوله: فریضه فرضها اللّه سبحانه لکلّ على کلّ: أى ذلک فریضه.

و قوله: فجعلها نظاما. إلى قوله: عند العباد.
إشاره إلى لوازم حقّ الوالى على الرعیّه و حقّ الرعیّه على الوالى:
(ا) إنّ اللّه تعالى جعل تلک الحقوق سببا لالفتهم إن أدّى کلّ إلى کلّ حقّه، و قد بیّنا فیما سلف غیر مرّه أنّ الفتهم من أعزّ مطالب الشارع، و أنّها مطلوبه من اجتماع الخلق على الصلاه فی المساجد: فی کلّ یوم خمس مرّات، و فی کلّ اسبوع مرّه فی الجمعه، و فی کلّ سنه مرّتین فی الأعیاد. و التناصف و الاجتماع فی طاعه الإمام العادل من موجبات الانس و الالفه و المحبّه فی اللّه حتّى یکون الناس کلّهم کرجل واحد عالم بما یصلحه و متّبع له و بما یفسده و مجتنب عنه. (ب) أنّه جعل تلک الحقوق عزّا لدینهم، و ظاهر أنّ الاجتماع إذا کان سببا للالفه و المحبّه کان سببا عظیما للقوّه و لقهر الأعداء و إعزاز الدین. ثمّ أکّد القول فی أنّ صلاح الرعیّه منوط بصلاح الولاه، و هو أمر قد شهدت به العقول و توافقت علیه الآراء الحقّه، و إلیه أشار القائل: تهدى الرعیّه ما استقام الرئیس.

و قول الآخر:
تهدى الامور بأهل الرأی ما صلحت فإن تولّت فبا لأشرار تنقاد

و کذلک صلاح حال الولاه منوط بصلاح الرعیّه و استقامتهم فی طاعتهم، و فساد أحوالهم بعصیانهم و مخالفتهم. فإذا أدّى کلّ من الوالى و الرعیّه الحقّ إلى صاحبه عزّ الحقّ بینهم و لم یکن له مخالف. (ج) من لوازم ذلک قیام مناهج الدین و طرقه بالاستقامه على قوانینه و العمل بها.

(د) و اعتدال معالم العدل و مظانّه بحیث لاجور فیها.

(ه) و جریان السنن على وجوهها و مسالکها بحیث لا تحریف فیها.

(و) صلاح الزمان بذلک. و نسبه الصلاح إلیه مجاز. إذ الصلاح فی الحقیقه یعود إلى حال أهل الزمان و انتظام امورهم فی معاشهم و معادهم، و إنّما یوصف بالصلاح و الفساد باعتبار وقوعهما فیه و کونه من الأسباب المعدّه لهما.

(ز) من لوازم ذلک الطمع فی بقاء الدوله و یأس مطامع الأعداء فی فسادها و هدمها. و قوله: فإذا غلبت. إلى قوله: عند العباد. إشاره إلى ما یلزم عصیان الرعیّه للإمام أو حیفه هو علیهم و إجحافه بهم فی الفساد: (ا) اختلاف الکلمه، و کنّى به عن اختلاف الآراء و التفرّق بسببه. (ب) ظهور معالم الجور و علاماته، و هو ظاهر لعدم العدل بعدم أسبابه. (ج) کثره الفساد فی الدین، و ذلک لتبدّد الأهواء و تفّرقها عن رأى الإمام العادل الجامع لها، و أخذ کلّ فیما یشتهیه ممّا هو مفسد للدین و مخالف له. (د) ترک محاجّ السنن و طرقها. فمن الإمام لجوره، و من الرعیّه لتبدّد نظام آرائها. (ه) العمل بالهوى. و علّته ما مرّ. (و) تعطیل الأحکام الشرعیّه، و هو لازم للعمل بالهوى. (ز) و کثره علل النفوس، و عللها أمراضها بملکات السوء کالغلّ و الحسد و العداوات و العجب و الکبر و نحوها، و قیل: عللها وجوه ارتکابها للمنکرات فیأتى فی کلّ منکر بوجه و علّه و رأى فاسد. (ح) فلا یستوحش بعظیم حقّ عطّل، و ذلک للانس بتعطیله، و لا بعظیم باطل فعل، و ذلک لاعتیاده و الاتّفاق علیه و کونه مقتضى الأهویه. (ط) فهنالک تذلّ الأبرار لذلّه الحقّ المعطّل الّذی هم أهله و کان غیرهم بغیره.(ى) و تعزّ الأشرار لعزّه الباطل الّذی هم علیه بعد ذلّهم بعزّه الحقّ. (یا) و تعظم تبعات اللّه على العباد: أى عقوباته بسبب خروجهم عن طاعته. و لمّا بیّن لوازم طاعته و عصیانه قال: فعلیکم بالتناصح فی ذلک: أى فی ذلک الحقّ، و حسن التعاون علیه.

و قوله: فلیس أحد. إلى قوله: من الطاعه له. تأکید لأمره بالمبالغه فی طاعه اللّه: أى قلیل من الناس یبلغ بطاعته للّه تعالى ما هو أهله منها و إن اشتدّ حرصه على إرضائها بالعمل و طال فیه اجتهاده، و لکن على العباد من ذلک مبلغ جهدهم فی النصیحه و التعاون على إقامه حقّ اللّه بینهم بقدر الإمکان لا بقدر ما یستحقّه هو تعالى فإنّ ذلک غیر ممکن. و قوله: و لیس امرؤ و إن عظمت. إلى قوله: حمّله اللّه تعالى من حقّه. أى أنّه و إن بلغ المرء أىّ درجه کانت من طاعه اللّه فهو محتاج إلى أن یعان علیها، و لیس هو بأرفع من أن یعان على ما حمّله اللّه منها، و ذلک أنّ تکلیف اللّه تعالى بطاعته بحسب وسع المکلّف، و الوسع فی بعض العبادات قد یکون مشروطا بمعونه الغیر فیها فلا یستغنى أحد منها. و قوله: و لا امرء و إن صغّرته النفوس. إلى قوله: أو یعان علیه.
إشاره إلى أنّه لا ینبغی أن یزدرى أحد عن الاستعانه فی طاعه اللّه أو أن یعان علیها
فإنّه و إن احتقرته النفوس فلیس بدون أن یعین على طاعه اللّه و أداء حقّه و لو بقبول الصدقات و نحوها أو تعاونوا علیها بإعطاء ما یسدّ خلّتهم أو یدفع عنهم ضررا کالجاه، و لفظ الاقتحام استعاره، و وجهها أنّ الّذی تحتقره النفوس تجبّرا علیه و تعبره العیون عبور الاحتقار فکأنّها قد اقتحمته. و غرض هذا الکلام الحثّ على استعانه بعض ببعض و على الالفه و الاتّحاد فی‏ الدین، و أن لا یزدرى فقیر لفقره و لا ضعیف لضعفه، و أن لا یستغنى غنىّ عن فقیر فلا یلتفت إلیه و لا قوىّ عن ضعیف فیحتقره بل أن یکون الکلّ کنفس واحده. و أمّا قوله لمن أکثر علیه الثناء فحاصله التأدیب على الإطراء أو النهى عن الغلوّ فی الثناء على الإنسان فی وجهه‏ بالفضائل و إن کانت حقّه، و سرّه أنّ ذلک یستلزم فی کثیر من الناس الکبر و العجب بالنفس و العمل.

فقوله: إنّ من حقّ من عظم. إلى قوله: إحسانه إلیه. مقدّمه فی الجواب بیّن فیها أنّ من عظمت نعمه اللّه علیه و لطف إحسانه إلیه فحقّه أن یصغر عنده کلّ ما سواه بقیاس من الشکل الأوّل، و تقدیر صغراه أنّ من عظمت نعم اللّه علیه و لطف إحسانه إلیه فهو أحقّ الناس بتعظیم جلال اللّه فی نفسه و إجلال موضعه من قلبه، و تقدیر کبراه و کلّ من کان أحقّ بذلک فمن حقّه أن یصغر کلّ ما سواه عنده، و دلّ على الکبرى بقوله: لعظم ذلک: أى لعظم جلال اللّه فی قلبه یجب أن یصغر عنده کلّ شی‏ء سواه، و هذه المقدّمه و إن کانت عامّه إلّا أنّ الإشاره الحاضره بها إلى نفسه، و ذلک أنّ أعظم نعمه اللّه فی الدنیا خلافه المسلمین، و فی الآخره ما هو علیه من الکمالات النفسانیّه فکان أحقّ الناس بتعظیم جلال اللّه فی نفسه، و کان بذلک من حقّه أن یصغر کلّ ما سوى اللّه فی قلبه. ثمّ قال: و من أسخف حالات الولات. إلى قوله: و الکبریاء. فکأنّه قال: و من کان من حقّه أن یصغر کلّ ما سوى اللّه فی قلبه فکیف یلیق به أن یحبّ الفخر أو یصنع أمره على الکبر الذین لا یلیقان إلّا بعظمه اللّه، أو یظنّ به ذلک و یعامل بما یعامل به الجبابره من الخطاب به، و صرّح بأنّ المراد نفسه فی قوله: و قد کرهت، إلى آخره. و قوله: و لو کنت احبّ أن یقال فیّ ذلک. یجرى مجرى تسلیم الجدل: أى وهب إنّى احبّ أن یقال ذلک فیّ باعتبار ما فیه اللذّه لکنّى لو کنت کذلک لترکته باعتبار آخر، و هو الانحطاط و التصاغر عن تناول ما هو اللّه أحقّ به من العظمه و الکبریاء، و نبّه فی ذلک على أنّ الإطراء یستلزم التکبّر و التعظیم فکان ترکه له و کراهته لکونه مستلزما لهما. و قوله: و ربّما استحلى الناس الثناء بعد البلاء. یجرى مجرى تمهید العذر لمن أثنى علیه فکأنّه یقول: و أنت معذور فی‏ ذلک حیث رأیتنى اجاهد فی اللّه و أحثّ الناس على ذلک، و من عاده الناس أن یستحلوا الثناء عند أن یبلوا بلاء حسنا فی جهاد أو غیره من سایر الطاعات. ثمّ أجاب عن هذا العذر فی نفسه بقوله: فلا تثنوا علىّ بجمیل ثناء، إلى قوله: من إمضائها، و أراد فلا تثنوا علىّ لأجل ما ترونه منّى من طاعه اللّه فإنّ ذلک إنّما هو إخراج لنفسى إلى اللّه من الحقوق الباقیه علىّ لم أفرغ بعد من أدائها و هى حقوق نعمه، و من فرائضه الّتی لا بدّ من المضى فیها، و کذلک إلیکم من الحقوق الّتی أوجبها اللّه علىّ لکم من النصیحه فی الدین و الارشاد إلى الطریق الأقصد و التعلیم لکیفیّه سلوکه، و فی خطّ الرضى- رحمه اللّه- من التقیّه بالتاء، و المعنى فإنّ الّذی أفعله من طاعه اللّه إنّما هو إخراج لنفسى إلى اللّه و إلیکم من تقیّه الحقّ فیما یجب علىّ من الحقوق إذ کان علیه السّلام إنّما یعبد اللّه للّه غیر ملتفت فی شی‏ء من عبادته و أداء واجب حقّه إلى أحد سواء خوفا منه أو رغبه إلیه، و کأنّه قال: لم أفعل شیئا إلّا و هو ذا حقّ وجب علىّ و إذا کان کذلک فکیف أستحقّ أن یثنى علىّ لأجله بثناء جمیل و اقابل بهذا التعظیم، و هو من باب التواضع للّه و تعلیم کیفیّته و کسر النفس عن محبّه الباطل و المیل إلیه.

و قوله: فلا تکلّمونى. إلى قوله: بعدل.
إرشاد لهم إلى ما ینبغی أن یکونوا علیه من السیره عنده و نهاهم من امور:
(ا) أن لا یکلّموه بکلام الجبابره لما فیه من إغراء النفس، و لأنّه علیه السّلام لیس بجبّار فیکون ذلک منهم وصفا للشی‏ء فی غیر موضعه. (ب) أن لا یتحفّظوا منه بما یتحفّظ به عند أهل البادره و سرعه الغضب من الملوک و غیرهم، و ذلک التحفّظ کتکلّف ترک المساوره و الحدیث إجلالا و خوفا منه أو کترک مشاورته أو إعلامه ببعض الامور أو کالقیام بین یدیه فإنّ ذلک التحفّظ قد یفوت به مصالح کثیره، و لأنّه ممّا یغرى النفس بحبّ الفخر و العجب، و لأنّه وضع للشی‏ء فی غیر موضعه. (ج) أن لا تخالطوه بالمصانعه و النفاق لما فیه من فساد الدین و الدنیا.(د) أن لا یظنّوا به استثقالا لحقّ یقال له و إن کان فیه مراره، و استعار لفظ المرار لشدّه الحقّ و صعوبته فإنّ عدله علیه السّلام و ما یستلزمه من قبول الحقّ کیف کان یرشد إلى أن لا یظنّوا به أنّه یلتمس الإعظام لنفسه، و ذلک لمعرفته بمن هو أهله دونه و هو اللّه تعالى. و قوله: فإنّه من استثقل. إلى قوله: أثقل. قیاس ضمیر من الشکل الثانی بیّن فیه أنّه لا یستثقل قول الحقّ له و عرض العدل علیه لیزول ظنّ من ظنّ ذلک به، و المذکور هو صغرى القیاس و تلخیصها أنّ من استثقل قول الحقّ له و عرض العدل علیه کان العمل الحقّ و العدل علیه ثقیلا بطریق أولى، و تقدیر الکبرى و لا شی‏ء من العمل بهما بثقیل علىّ أمّا الصغرى فظاهره لأنّ تکلّف فعل الحقّ أصعب على النفس من سماع وصفه، و أمّا الکبرى فلأنّه علیه السّلام یعمل بهما من غیر تکلّف و استثقال کما هو المعلوم من حاله فینتج أنّه لا شی‏ء من قول الحقّ له و عرض العدل علیه بثقیل. (ه) أن لا یکفّوا عن قول حقّ و مشوره بعدل لما فی الکفّ عن ذلک من المفسده.
و قوله: فإنّى لست. إلى قوله: منّى. من قبیل التواضع الباعث لهم على الانبساط معه بقول الحقّ، و فی قوله: إلّا أن یکفى اللّه من نفسى: أى من نفسى الأمّاره بالسوء ما هو أقوى منّى على دفعه و کفایته من شرورها، و هو إسناد العصمه إلى اللّه تعالى. و قوله: فإنّما أنا و أنتم. إلى آخر. تأدیب فی الانقیاد للّه و تذلیل لعظمته، و ظاهر کونه تعالى یملک من أنفسنا و میولها و خواطرها. إذ الکلّ منه و هو مبدء فیضه و الاستعداد له. و قوله: و أخرجنا ممّا کنّا فیه.
أى من الضلاله فی الجاهلیّه و عمى الجهل فیها عن إدراک الحقّ و سلوک‏ سبیل اللّه إلى ما صلحنا علیه: أى من الهدى بسبیل اللّه و البصیره لما ینبغی من مصالح الدارین، و ذلک ببعثه الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و ظهور نور النبوّه عنه.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۳۸

بازدیدها: ۹

خطبه ۲۰۶ شرح ابن میثم بحرانی

و من دعائه له علیه السّلام
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَمْ یُصْبِحْ بِی مَیِّتاً وَ لَا سَقِیماً- وَ لَا مَضْرُوباً عَلَى عُرُوقِی بِسُوءٍ- وَ لَا مَأْخُوذاً بِأَسْوَإِ عَمَلِی وَ لَا مَقْطُوعاً دَابِرِی- وَ لَا مُرْتَدّاً عَنْ دِینِی وَ لَا مُنْکِراً لِرَبِّی- وَ لَا مُسْتَوْحِشاً مِنْ إِیمَانِی وَ لَا مُلْتَبِساً عَقْلِی- وَ لَا مُعَذَّباً بِعَذَابِ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِی- أَصْبَحْتُ عَبْداً مَمْلُوکاً ظَالِماً لِنَفْسِی- لَکَ الْحُجَّهُ عَلَیَّ وَ لَا حُجَّهَ لِی- وَ لَا أَسْتَطِیعُ أَنْ آخُذَ إِلَّا مَا أَعْطَیْتَنِی- وَ لَا أَتَّقِیَ إِلَّا مَا وَقَیْتَنِی- اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ أَنْ أَفْتَقِرَ فِی غِنَاکَ- أَوْ أَضِلَّ فِی هُدَاکَ أَوْ أُضَامَ فِی سُلْطَانِکَ- أَوْ أُضْطَهَدَ وَ الْأَمْرُ لَکَ- اللَّهُمَّ اجْعَلْ نَفْسِی أَوَّلَ کَرِیمَهٍ تَنْتَزِعُهَا مِنْ کَرَائِمِی- وَ أَوَّلَ وَدِیعَهٍ تَرْتَجِعُهَا مِنْ وَدَائِعِ نِعَمِکَ عِنْدِی- اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِکَ أَنْ نَذْهَبَ عَنْ قَوْلِکَ- أَوْ أَنْ نُفْتَتَنَ عَنْ دِینِکَ- أَوْ تَتَابَعَ بِنَا أَهْوَاؤُنَا دُونَ الْهُدَى الَّذِی جَاءَ مِنْ عِنْدِکَ

اللغه
أقول: الدابر: بقیّه الرجل و ولده و نسله.

و الدابر: الظهر.

و الالتباس: الاختلاط.

و اضطهد: أظلم.

و التتابع: التهافت فی الشرّ و إلقاء النفس فیه.

المعنى
و قد حمد اللّه تعالى باعتبار ضروب من النعم اعترف بها و عدّ منها عشره: و هى الحیاه، و الصحّه، و السلامه من آفات العروق و أمراضها. و من الأخذ بالجریمه.

و قطع النسل، و یحتمل أن یرید بالدابر الظهر، و کنّى بالقطع عن الرمى بالدواهى العظیمه الّتی من شأنها قصم الظهر و قطع القوّ. ثمّ عن الارتداد. ثمّ عن جحود ربوبیّه اللّه. ثمّ عن الاستیحاش من الإیمان استثقاله و النفره عنه. ثمّ من اختلاط العقل.
ثمّ من التعذیب بعذاب الامم السالفه بالصواعق و الخسف و نحوها. و عقّب ذلک الحمد بالإقرار على نفسه و صفات الخضوع و الذلّه المستلزمه لاستنزال الرحمه و عدّ منها خمسه: و هى کونه عبدا مملوکا للّه تعالى. ثمّ کونه ظالما لنفسه. ثمّ کونه معترفا بحجّه اللّه علیه مقطوع الحجّه فی نفسه. ثمّ کونه معترفا بعدم استطاعه أن یأخذ إلّا ما قسّم اللّه له و سبّب له الوصول إلیه، و أنّه لا یقدر أن یتّقى من المضارّ إلّا ما وقاه اللّه إیّاه. ثمّ لمّا أعدّ نفسه بهذه الإقرارات بقبول الرحمه من اللّه استعاذ به من اموره: و هى أن یفتقر فی غناه تعالى: أى أن یفتقر مع أنّه الغنىّ المطلق، و أن یضلّ فی هداه: أى مع أنّ له الهدى الّذی لا اختلال معه، و أن یظلم فی سلطانه: أى مع أنّ له السلطان الظاهر، و أن یضطهد و له الأمر القاهر. ثمّ سأله أن یجعل نفسه أوّل کریمه ینتزعها من کرائمه. و أراد بکرائمه قواه النفسانیّه و البدنیّه و أعضاه، و غرض السؤال تمتّعه بجمیعها سلیمه من الآفات إلى حین الممات فتکون نفسه أوّل منتزع من کرائمه قبل أن یفقد شی‏ء منها. و نحوه قول الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: الّلهمّ متّعنى بسمعى و بصرى و اجعلهما الوارث منى: أى اجعلهما باقیین صحیحین إلى حین وفاتى. و استعار لفظ الودیعه للنفس باعتبار أنّها فی معرض الاسترجاع کالودیعه. ثمّ استعاذ به من الذهاب عن قوله تعالى: و الافتنان عن دینه. و قد روى الرضى- رضوان اللّه علیه- یفتتن بالبناء للفاعل على أن یکون الفتنه من النفس الأمّاره. و روى و یفتتن بالبناء للمفعول فیکون المستعار منه الفتنه بالغیر. ثمّ من الانخراط فی سلک الأهواء و تتابعها به فی مرامى الشقاوه دون الهدى الّذی جاءت به الکتب الإلهیّه من عند اللّه. و باللّه التوفیق.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم‏بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۳۷

 

بازدیدها: ۰

خطبه ۲۰۵ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام
وَ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ عَدَلَ وَ حَکَمٌ فَصَلَ- وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ سَیِّدُ عِبَادِهِ- کُلَّمَا نَسَخَ اللَّهُ الْخَلْقَ فِرْقَتَیْنِ جَعَلَهُ فِی خَیْرِهِمَا- لَمْ یُسْهِمْ فِیهِ عَاهِرٌ وَ لَا ضَرَبَ فِیهِ فَاجِرٌ- أَلَا وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ لِلْخَیْرِ أَهْلًا- وَ لِلْحَقِّ دَعَائِمَ وَ لِلطَّاعَهِ- عِصَماً- وَ إِنَ‏ لَکُمْ عِنْدَ کُلِّ طَاعَهٍ عَوْناً مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ- یَقُولُ عَلَى الْأَلْسِنَهِ وَ یُثَبِّتُ الْأَفْئِدَهَ- فِیهِ کِفَاءٌ لِمُکْتَفٍ وَ شِفَاءٌ لِمُشْتَفٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُسْتَحْفَظِینَ عِلْمَهُ- یَصُونُونَ مَصُونَهُ وَ یُفَجِّرُونَ عُیُونَهُ- یَتَوَاصَلُونَ بِالْوِلَایَهِ- وَ یَتَلَاقَوْنَ بِالْمَحَبَّهِ وَ یَتَسَاقَوْنَ بِکَأْسٍ رَوِیَّهٍ- وَ یَصْدُرُونَ بِرِیَّهٍ لَا تَشُوبُهُمُ الرِّیبَهُ- وَ لَا تُسْرِعُ فِیهِمُ الْغِیبَهُ- عَلَى ذَلِکَ عَقَدَ خَلْقَهُمْ وَ أَخْلَاقَهُمْ- فَعَلَیْهِ یَتَحَابُّونَ وَ بِهِ یَتَوَاصَلُونَ- فَکَانُوا کَتَفَاضُلِ الْبَذْرِ یُنْتَقَى فَیُؤْخَذُ مِنْهُ وَ یُلْقَى- قَدْ مَیَّزَهُ التَّخْلِیصُ وَ هَذَّبَهُ التَّمْحِیصُ فَلْیَقْبَلِ امْرُؤٌ کَرَامَهً بِقَبُولِهَا- وَ لْیَحْذَرْ قَارِعَهً قَبْلَ حُلُولِهَا- وَ لْیَنْظُرِ امْرُؤٌ فِی قَصِیرِ أَیَّامِهِ وَ قَلِیلِ مُقَامِهِ فِی مَنْزِلٍ- حَتَّى یَسْتَبْدِلَ بِهِ مَنْزِلًا- فَلْیَصْنَعْ لِمُتَحَوَّلِهِ وَ مَعَارِفِ مُنْتَقَلِهِ- فَطُوبَى لِذِی قَلْبٍ سَلِیمٍ- أَطَاعَ مَنْ یَهْدِیهِ وَ تَجَنَّبَ مَنْ یُرْدِیهِ- وَ أَصَابَ سَبِیلَ السَّلَامَهِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ- وَ طَاعَهِ هَادٍ أَمَرَهُ وَ بَادَرَ الْهُدَى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ- وَ تُقْطَعَ أَسْبَابُهُ وَ اسْتَفْتَحَ التَّوْبَهَ وَ أَمَاطَ الْحَوْبَهَ- فَقَدْ أُقِیمَ عَلَى الطَّرِیقِ وَ هُدِیَ نَهْجَ السَّبِیلِ

اللغه

أقول: نسخ: أزال و غیّر.

و العاهر: الزانى و یصدق على الذکر و الانثى، و کذلک الفاجر.

و الکفاء: الکفایه و المکافاه.

و الریّه بالکسر: الفعله منه الری و هى الهیئه الّتی علیها المرتوى.

و الریبه الدغل و الغلّ.

و التمحیص: الابتلاء و الاختبار.

و القارعه: الشدیده من شدائد الدهر.

و یردیه: یوقعه فی الردى. 

وأماط: أزال.

و الحوبه: الإثم.

المعنى
و أطلق لفظ العدل على العادل مجازا إطلاقا لاسم اللازم على ملزومه، و البارى تعالى عادل بالنظر إلى علمه و قضائه: أى لا یقضى فی ملکه بأمر إلّا و هو على وفق النظام الکلّىّ و الحکمه البالغه، و یدخل فی ذلک جمیع أقواله و أفعاله فإنّه لا یصدر منها شی‏ء إلّا و هو کذلک، و أمّا الجزئیّات المعدوده شرورا و صوره جور فی هذا العالم فإنّها إذا اعتبرت کانت شرورا بالنسبه و مع ذلک فهى من لوازم الخیر و العدل لا بدّ منها و لا یمکن أن یکون العدل و الخیر من دونها کما لا یمکن أن یکون الإنسان إنسانا إلّا و هو ذو شهوه و غضب تلزمها الفساد و الشرّ الجزئیّ، و لمّا کان الخیر أکثر و کان ترک الخیر الکثیر لأجل الشرّ القلیل شرّا کثیرا فی الجود و الحکمه وجب وجود تلک الشرور الجزئیّه لوجود ملزوماتها، و أشار بقوله: عدل إلى إیجاد العدل بالفعل، و بقوله فی وصف الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: سیّد عباده إلى قوله: أنا سیّد ولد آدم و لا فخر. و قوله: کلّما نسخ اللّه الخلق فرقتین. فنسخ الخلق قسمه کلّ قرن و فرقه إلى خیار و أشرار، و القسمه یغیّر للمقسوم و إزاله عن حال إتحاده. و قوله: جعله فی خیرهما. إشاره إلى ما روى عنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال المطّلب بن أبى وداعه: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب إنّ اللّه خلق الخلق فجعلنى فی خیرهم. ثمّ جعلهم فرقتین فجعلنى فی خیرهم. ثمّ جعلهم قبایل فجعلنى فی خیرهم.
ثمّ جعلهم بیوتا فجعلنى فی خیرهم فأنا خیرکم بیتا و خیرکم نفسا. و قوله: لم یسهم فیه عاهر، و لا ضرب فیه فاجر. أى لم یضرب فیه العاهر بسهم و لم یکن للفجور فی أصله شرکه یقال: ضرب فی کذا بنصیب إذا کان له فیه شرک، و هو إشاره إلى طهارته من قبل أصله عن الزنا کما روى عنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لم یزل ینقلنی اللّه تعالى من أصلاب الطاهرین إلى أرحام‏ الطاهرات، و قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: لمّا خلق اللّه آدم أودع نورى فی جبینه فما زال ینقله من الآباء الأخایر إلى الامّهات الطواهر حتّى انتهى إلى عبد المطّلب، و قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: ولدت من نکاح لا من سفاح. و قوله: ألا و إنّ اللّه. إلى قوله: عصما. ترغیب للسامعین أن یکونوا أهل الجنّه و دعائم الحقّ و عصم الطاعه، و کذلک قوله: و إنّ لکم. إلى قوله: من اللّه. جذب لهم إلى طاعته بذکر العون منه و کأنّه عنّى بالعون القرآن الکریم. و قوله: یقول على الألسنه، و یثبّت الأفئده. تفصیل لوجوه العون منه تعالى، و عونه من جهه القول على الألسنه وعده المطیعین بالثواب العظیم على الطاعه، و مدحه لهم، و تبشیرهم بالجنّه و الرضوان منه على ألسنه الرسل فإنّ کلّ ذلک مقوّ على الطاعه و معین علیها، و أمّا تثبیت الأفئده فمن جهه الاستعداد لطاعه اللّه و استلاحه أنواره من کتابه العزیز و استکشاف أسراره کما قال تعالى أَلا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ«» و قوله کَذلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَکَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِیلًا«» و إنّ فی القرآن الکریم من المواعظ و الزواجر المخوّفه ما یوجب الفزع إلى اللّه و تثبّت القلوب على طاعته للخلاص منها.
و قوله: فیه کفاء لمکتف. أى فی ذلک القول کفایه لطالبى الاکتفاء: أى من الکمالات النفسانیّه، و شفاء لمن طلب الشفاء من أمراض الرذائل الموبقه. ثمّ نبّه على عباد اللّه الصالحین و صفاتهم لیقتفوا آثارهم و یکونوا منهم فأعلمهم أنّهم هم الّذین استحفظهم علمه و أسرار خلقه.
فمن صفاتهم امور:

أحدها: أنّهم یصرفون ما وجب صرفه من غیر أهله، و لا یضعون أسراره إلّا فی أهله.

الثانی: یفجّرون عیونه، و لفظ العیون مستعار إمّا لمعادنه و هى أذهان‏ الأنبیاء و الأولیاء و أئمّه العلماء، و إمّا لاصوله الطیّبه و حملته الّتى علموها، و یکون لفظ التفجیر مستعار لإفادتها و تفریقها و تفصیلها.

الثالث: و یتواصلون بالولایه الّتی نصره بعضهم لبعض فی دین اللّه و إقامه ناموس شریعته.

الرابع: و یتلاقون بالمحبّه فیه الّتی هى مطلوب الشارع من شریعته حتّى یصیروا کنفس واحده. الخامس: و یتساقون بکأس رویّه. و استعار لفظ الکأس للعلم: أى تستفید بعضهم من بعض. و رشّح بذکر الرویّه، و أراد بها تمام الإفاده.

السادس: و یصدرون بریّه: أى یصدر کلّ منهم عن الآخر بفایده قد ملأت نفسه کمالا. و لفظ الریّه مستعار.
السابع: کونهم لا تشوبهم الریبه: أى لا یتداخل بعضهم شکّ فی بعض، و لا یهمّه بنفاق أو بسوء باطن له من غلّ أو حسد.

الثامن: و لا تسرع فیهم الغیبه. و إنّما نفى عنهم سرعه الغیبه لأنّ فیهم من لیس بمعصوم فلم یکن نفیها عنهم بالکلّیّه بل استبعد وقوعها منهم، و یحتمل أن یرید أنّهم لقلّه عیوبهم لا یکاد أحد یتسرّع فیهم بغیبه.

التاسع: کونهم على ذلک عقد اللّه خلقهم: أى على ذلک الوصف و الکمال قد خلقهم على وفق قضائه لهم بذلک و أوجدهم. فعلیه: أى فعلى ما عقد خلقهم علیه من الکمال یتحابّون، و به یتواصلون.

العاشر: کونهم فی ذلک کتفاضل البذر. أى فکانوا فی فضلهم بالقیاس إلى الناس کتفاضل البذر، و أشار إلى وجه الشبه بقوله: ینتقى. إلى قوله: التمحیص، و تقریره أنّهم خلاصه الناس و نقاوتهم الّذین صفاهم منهم و میّزهم عنهم تخلیص عنایه اللّه لهم بإفاضه رحمته و هدایته إلى طریقه، و خلّصهم ابتلاؤه و اختباره بأوامره.

و قوله: فلیقبل امرء کرامه بقبولها. إلى آخره. عود إلى النصیحه و الموعظه، و أراد کرامه اللّه بطاعته و ما استلزمه من‏ المواهب الجلیله، و أراد بقبولها قبولها الحقّ التامّ على الوجه الّذی ینبغی من مراعاه مصلحتها و مراقبتها عن آثار النفاق کما قال تعالى فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ«» و بالقارعه الّتی حذّر منها قبل حلولها قارعه الموت. ثمّ أمر أن یعتبر المرء قصر أیّام حیاته و قلّه مقامه فی منزل یستلزم الإقامه القلیله فیه هذه العنایه و هى أن یستبدل به منزلا آخر: أى یحلّ محلّ عبرته إقامته القصیره فی الدنیا المستلزمه لانتقاله منها إلى الآخره فإنّ فی تصوّره قلّه المقام فی هذا المنزل للعبور إلى منزل آخر عبره تامّه، و یحتمل أن تکون حتّى غایه من أمره بالنظر فی الاعتبار: أى فلینظر فی ذلک المنزل یستبدل به غیره، و إذا کان کذلک فینبغى أن یعمل لذلک المنزل المتحوّل إلیه، و لمعارف منتقله: أى لمواضع الّتی یعرف انتقاله إلیها. و طوبى فعلى من الطیب قلّبوا یاءها واو للضمّه قبلها، و قیل: هى اسم شجره فی الجنّه، و قلب سلیم: أى لم یتدنّس برذیله الجهل المرکّب و لا بنجاسات الأخلاق الردیئه، و من یهدیه إشاره إلى نفسه علیه السّلام و أئمّه الدین، و من یردیه فی مهاوى الهلاک المنافقون و أئمّه الضلاله، و إصابته لسبیل السلامه وقوفه على سبیل اللّه عند حدوده بهدایه من هداه و طاعته لها و أمره بسلوکها، و مبادرته للهدى مسارعته إلیه قبل غلق أبوابه، و استعار لفظ الأبواب له و لأئمّه الدین من قبله، و رشّح بذکر الغلق و أراد به عدمهم أو موت الطالب، و کذلک استعار لفظ الأسباب لهم، و وجه الاستعاره کونهم وصلا إلى المراد کالجبال، و رشّح بذکر القطع و أراد به أیضا موتهم، و استفتاح التوبه استقبالها و الشروع فیها، و إماطه الحوبه إزاله الإثم عن لوح نفسه بتوبته.

و قوله: فقد اقیم. إلى آخره. إشعار منه بإقامه أعلام اللّه و هم العلماء و الکتاب المنزل و السنّه النبویّه و الهدایه بها إلى واضح سبیله لیقتدى الناس بها و یسلکوا على بصیره. و باللّه التوفیق و العصمه.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۳۶

 

بازدیدها: ۴

خطبه ۲۰۴ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام
القسم الأول
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِیِّ عَنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقِینَ- الْغَالِبِ لِمَقَالِ الْوَاصِفِینَ- الظَّاهِرِ بِعَجَائِبِ تَدْبِیرِهِ لِلنَّاظِرِینَ- وَ الْبَاطِنِ بِجَلَالِ عِزَّتِهِ عَنْ فِکْرِ الْمُتَوَهِّمِینَ- الْعَالِمِ بِلَا اکْتِسَابٍ وَ لَا ازْدِیَادٍ- وَ لَا عِلْمٍ مُسْتَفَادٍ- الْمُقَدِّرِ لِجَمِیعِ الْأُمُورِ بِلَا رَوِیَّهٍ وَ لَا ضَمِیرٍ- الَّذِی لَا تَغْشَاهُ الظُّلَمُ وَ لَا یَسْتَضِی‏ءُ بِالْأَنْوَارِ- وَ لَا یَرْهَقُهُ لَیْلٌ وَ لَا یَجْرِی عَلَیْهِ نَهَارٌ- لَیْسَ إِدْرَاکُهُ بِالْإِبْصَارِ وَ لَا عِلْمُهُ بِالْإِخْبَارِ
أقول: حمد اللّه تعالى باعتبارات إضافیّه و سلبیّه:
أولها: العلىّ عن شبه المخلوقین
أی فی ذاته و صفاته و أفعاله و أقواله، و قد علمت کیفیّه ذلک من غیر مرّه.
الثانی: الغالب لمقال الواصفین
و ذلک الغلب إشاره إلى تعالیه عن إحاطه الأوصاف به و فوته لها و عدم القدره على ذلک منه، و قد أشرنا إلى ذلک مرارا.
الثالث: الظاهر بعجائب تدبیره للناظرین
بأعین بصایرهم و أبصارهم.

الرابع: الباطن بجلال عزّته عن فکر المتوهّمین.
و قد مرّ بیان هذین الوصفین و فایده قوله: بجلال عزّته تنزیه بطونه عن الفکر باعتبار جلالته و عزّته عن أن تناله لا باعتبار حقاره و صغر، و إنّما قال: فکر المتوهّمین لأنّ النفس الإنسانیّه حال التفاتها إلى استلاحه الامور العلویّه المجردّه لا بدّ أنّ یستعین بالقوّه المتخیّله یباعث الوهم فی أن تصوّر تلک الامور بصور خیالیّه مناسبه لتشبیهها بها و تحطّها إلى الخیال، و قد علمت أنّ الوهم إنّما یدرک ما کان متعلّقا بمحسوس أو متخیّل من المحسوسات فکلّ أمر یتصوّره الإنسان و هو فی هذا العالم سواء کان ذات اللّه سبحانه أو صفاته أو غیر ذلک فلا بدّ أن یکون مشوبا بصوره خیالیّه أو معلّقا بها و هو تعالى منزّه بجلال عزّته عن تکیّف تلک الفکر له و باطن عنها.
الخامس: العالم المنزّه فی کیفیّه علمه عن اکتساب له بعد جهل أو ازدیاد
منه بعد نقصان أو استفاده له عن غیر کما علیه علم المخلوقین.
السادس: المقدّر لجمیع الامور
أى الموجد لجمیع الامور على وفق قضائه کلّا بمقدار معلوم تنزّه فیه عن التفکّر و الضمیر، و أراد بالضمیر ما اضمر من الرویّه.
السابع: الّذی لا تغشاه الظلم، و لا یستضی‏ء بالأنوار
لتنزّهه عن الجسمیّه و لواحقها.
الثامن: و لا یرهقه
أى لا یدرکه لیل. و لا یجرى علیه نهار، و ذلک لتنزّهه عن إحاطه الزمان.
التاسع: لیس إدراکه بالأبصار
لتقدّس ذاته عن الحاجه إلى الآله فی الإدراک و غیره.
العاشر: و لا علمه بالأخبار
أى کما علیه کثیر من علومنا لتقدّسه عن حاسّه السمع. و باللّه التوفیق.

القسم الثانی و منها فى ذکر النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم:

أَرْسَلَهُ بِالضِّیَاءِ وَ قَدَّمَهُ فِی الِاصْطِفَاءِ- فَرَتَقَ بِهِ الْمَفَاتِقَ وَ سَاوَرَ بِهِ الْمُغَالِبَ- وَ ذَلَّلَ بِهِ الصُّعُوبَهَ وَ سَهَّلَ بِهِ الْحُزُونَهَ- حَتَّى سَرَّحَ الضَّلَالَ عَنْ یَمِینٍ وَ شِمَالٍ
اللغه
أقول: المساوره: المواثبه.

و سرّح: فرّق.
و قد أشار إلى بعض فضائل النبىّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و بعض فوایده
فمن فضائله إرساله بالضیاء، و لفظ الضیاء مستعار لأنوار الإسلام الهادیه فی سبیل اللّه إلیه، و منها تقدیمه على سائر الأنبیاء ء فی الفضیله و إن کان الکلّ منهم مصطفى، و ذکر من فوایده کونه رتق به المفاتق، و کنّى بها عن امور العالم المتفرّقه و تشتّت مصالحه زمان الفتره، و رتقها به کنایه عن نظمها به بعد تفرّقها کنایه بالمستعار، و منها کونه ساور به المغالب، و أسند المساوره إلى اللّه مجازا باعتبار بعثه للنبىّ بالدین عن أمره لمواثبه مغالبه من المشرکین و غیرهم، و منها کونه ذلّل به الصعوبه: أى صعوبه أهل الجاهلیّه و أعداء دین اللّه، و منها کونه سهّل به الحزونه: أى حزونه طریق اللّه بهدایته فیها إلى غایه أن سرّح الضلال و الجهل عن یمین النفوس و شمالها، و هو إشاره إلى إلقائه رذیلتی التفریط و الإفراط عن ظهور النفوس کسریح جنبتى الحمل عن ظهر الدابه، و هو من ألطف الاستعارات و أبلغها، و باللّه التوفیق.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۲۹

 

بازدیدها: ۱

خطبه ۲۰۳ شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام
اللَّهُمَّ أَیُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِکَ- سَمِعَ مَقَالَتَنَا الْعَادِلَهَ غَیْرَ الْجَائِرَهِ- وَ الْمُصْلِحَهَ غَیْرَ الْمُفْسِدَهِ فِی الدِّینِ وَ الدُّنْیَا- فَأَبَى بَعْدَ سَمْعِهِ لَهَا إِلَّا النُّکُوصَ عَنْ نُصْرَتِکَ- وَ الْإِبْطَاءَ عَنْ إِعْزَازِ دِینِکَ- فَإِنَّا نَسْتَشْهِدُکَ عَلَیْهِ یَا أَکْبَرَ الشَّاهِدِینَ شَهَادَهً- وَ نَسْتَشْهِدُ عَلَیْهِ جَمِیعَ مَا أَسْکَنْتَهُ أَرْضَکَ وَ سمَاوَاتِکَ- ثُمَّ أَنْتَ بَعْدَهُ الْمُغْنِی عَنْ نَصْرِهِ- وَ الْآخِذُ لَهُ بِذَنْبِهِ

اللغه
أقول: النکوص: الرجوع على الأعقاب.

و هذا الفصل من خطبه کان یستنهض بها أصحابه إلى جهاد أهل الشام
قال بعد تقاعد أکثرهم عن نصرته. استشهد فیه اللّه تعالى و ملائکته و عباده على من سمع مقالته العادله المستقیمه الّتی هى طریق اللّه القایده للناس إلى الرشاد فی دینهم ودنیاهم المصلحه غیر المفسده لهم و هى دعوته إیّاهم إلى جهاد أعداء الدین و البغاه علیه. ثمّ أعرض عنها و قعد عن نصرته و تباطى‏ء عن إعزاز دینه و أبى إلّا التأخّر عن طاعته، و فی ذلک الاستشهاد ترغیب إلى الجهاد و تنفیر عن التأخّر عنه. إذ کان کأنّه إعلام للّه بحال المتخاذلین عن نصره دینه و قعودهم عمّا أمرهم به من الذبّ عنه فتتحرّک أوهامهم لذلک بالفزع إلى طاعته، و کذلک فی وصفه لمقالته بالعدل و الإصلاح ترغیب فی سماعها و جذب إلیها. و فی قوله: ثمّ أنت بعد: أى بعد تلک الشهاده علیه المغنى لنا عن نصرته تنبیه على عظمه ملک اللّه، و تحقیر للنفوس المتخاذله عن نصره الدین، و فی ذلک الأخذ بالذنب تذکیر بوعید اللّه و أنّ فی ذلک التخاذل ذنب عظیم یؤخذ به العبد. و باللّه التوفیق.

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن ‏میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۲۸

بازدیدها: ۲

خطبه ۲۰۲شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبه له علیه السّلام
وَ کَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَرُوتِهِ- وَ بَدِیعِ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ- أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ- الْمُتَرَاکِمِ الْمُتَقَاصِفِ یَبَساً جَامِداً- ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقاً- فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا فَاسْتَمْسَکَتْ بِأَمْرِهِ- وَ قَامَتْ عَلَى حَدِّهِ وَ أَرْسَى‏ أَرْضاً یَحْمِلُهَا الْأَخْضَرُ الْمُثْعَنْجِرُ- وَ الْقَمْقَامُ الْمُسَخَّرُ- قَدْ ذَلَّ لِأَمْرِهِ وَ أَذْعَنَ لِهَیْبَتِهِ- وَ وَقَفَ الْجَارِی مِنْهُ لِخَشْیَتِهِ- وَ جَبَلَ جَلَامِیدَهَا وَ نُشُوزَ مُتُونِهَا وَ أَطْوَادِهَا- فَأَرْسَاهَا فِی مَرَاسِیهَا- وَ أَلْزَمَهَا قَرَارَتَهَا- فَمَضَتْ رُءُوسُهَا فِی الْهَوَاءِ- وَ رَسَتْ أُصُولُهَا فِی الْمَاءِ- فَأَنْهَدَ جِبَالَهَا عَنْ سُهُولِهَا- وَ أَسَاخَ قَوَاعِدَهَا فِی مُتُونِ أَقْطَارِهَا وَ مَوَاضِعِ أَنْصَابِهَا- فَأَشْهَقَ قِلَالَهَا وَ أَطَالَ أَنْشَازَهَا- وَ جَعَلَهَا لِلْأَرْضِ عِمَاداً وَ أَرَّزَهَا فِیهَا أَوْتَاداً- فَسَکَنَتْ عَلَى حَرَکَتِهَا مِنْ أَنْ تَمِیدَ بِأَهْلِهَا أَوْ تَسِیخَ بِحِمْلِهَا أَوْ تَزُولَ عَنْ مَوَاضِعِهَا- فَسُبْحَانَ مَنْ أَمْسَکَهَا بَعْدَ مَوَجَانِ مِیَاهِهَا- وَ أَجْمَدَهَا بَعْدَ رُطُوبَهِ أَکْنَافِهَا- فَجَعَلَهَا لِخَلْقِهِ مِهَاداً- وَ بَسَطَهَا لَهُمْ فِرَاشاً- فَوْقَ بَحْرٍ لُجِّیٍّ رَاکِدٍ لَا یَجْرِی وَ قَائِمٍ لَا یَسْرِی- تُکَرْکِرُهُ الرِّیَاحُ الْعَوَاصِفُ- وَ تَمْخُضُهُ الْغَمَامُ الذَّوَارِفُ- إِنَّ فِی ذلِکَ لَعِبْرَهً لِمَنْ یَخْشى‏

اللغه

أقول: تعاصفه: تراد أمواجه و تلاطمها و کسر بعضها بعضا.

و المثعنجر: السیال الکثیر الماء.

و القمقام: البحر. قیل: سمّى بذلک لاجتماعه.

و جبل: خلق. و جلامیدها: صخورها. و أنهد: رفع.

و أساخ: أدخل.

و أنصابها: جمع نصب و هو ما انتصب فیها.

و الأنشاز: جمع نشز و هو العوالى منها.

و أرّزها فیها: أى وکّرها و غرزها، و روى أرزها مخفّفه: أى أثبتها، و علیه نسخه الرضىّ و الاولى أصحّ و أظهر.

و أکنافها: أقطارها.

و تکر کره: تردّده و تصرّفه.

المعنى

و قد أشار فی هذا الفصل إلى أنّ أصل الأجرام الأرضیّه و السماویّه و مادّتها هو الماء، و وصف کیفیّه خلقتها عنه و کیفیّه خلقه الأرض و السماوات و الجبال، و قد مرّ بیان کلّ ذلک مستقصى فی الخطبه الأولى،
و فی هذا الفصل فواید:
الأولى
أنّه لمّا کانت هذه الأجرام فی غایه القوّه و العظمه و مع ذلک ففیها من عجائب الصنع و بدایعه ما یبهر العقول و یعجزها عن کیفیّه شرحه لا جرم نسبها إلى اقتدار جبروته و عظمته و بدیع لطائف صنعته تنبیها بالاعتبار الاولى على أنّه الأعظم المطلق، و بالثانى على لطفه و حکمته التامّه، و کنّى بالیبس الجامد عن الأرض.
الثانیه
الضمیر فی منه للبحر و فی حدّه إمّا للّه أو لأمره و قیامها على حدّه کنایه عن وقوفها على ما حدّه من المقدار و الشکل و الهیئه و النهایات و نحوها و عدم خروجها عن ذلک و تجاوزها له، و الضمیر المنصوب فی یحملها لمعنى الیبس الجامد و هو الأرض، و کذلک فی جلامیدها و ما بعده فی أرساها و ما بعده للجبال، و فی جبالها و سهو لها و أقطارها للأرض، و فی قواعدها و قلالها و أنشازها للجبال، و قد عرفت کیفیّه ذلک الخلق فیما حکاه علیه السّلام فی الخطبه الاولى من ثوران الزبد بالریح و ارتفاعه إلى الجوّ الواسع و تکوین السماوات عنه.
الثالثه
ذلّه البحر لأمره و إذعانه لهیبته دخوله تحت الإمکان و الحاجه إلى قدرته و تصریفها له، و هو من باب الاستعاره.
الرابعه
قوله: على حرکتها: أى حال حرکتها لأنّ على تفید الحال، و قوله: تسیخ بحملها یفهم منه أنّه لو لا الجبال کونها أوتادا للأرض لمادّت و ساخت بأهلها. فأمّا کونها مانعه لها من المیدان فقد عرفت وجهه فی الخطبه الاولى، و أمّا کونها تسیخ لولاها فلأنّها إذا مادّت انقلبت بأهلها فغاص الوجه الّذی هم علیه و ذلک مراده بسیخها فالمانع بها من المیدان هو المانع بها أن تسیخ أو تزول عن موضعها.
الخامسه
أشار بإجمادها بعد رطوبه أکنافها إلى أنّ أصلها من زبد الماء کما اشیر إلیه من قبل، و یحتمل أن یشیر بذلک إلى ما کان مغمورا بالماء منها.
ثمّ سال الماء عنه إلى مواضع أسفل منه فخلا و جفّ و هى مواضع کثیره مسکونه و غیر مسکونه.
السادسه
قوله: تمخضه الغمام الذوارف إشاره إلى أنّ البحر إذا وقع فیه المطر یریح و یتمخض و یضطرب کثیرا و ذلک لتحریک أوقع المطر له بکثرته و قوّته أو لکثره اقتران المطر بالریاح فتموّجه، و أغلبها تحریکا له الریاح الجنوبیّه لانکشافه لها، و قد شاهدنا ذلک کثیرا.
السابعه
لمّا عدّد المخلوقات المذکوره و تصریف القدره الربّانیّه لها قال: إنّ فی ذلک لعبره لمن یخشى تنبیها على وجوه الاعتبار بها لمن یخشى اللّه، و أراد العلماء لانحصار الخشیه فیهم بقوله تعالى إِنَّما یَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ«» و باللّه التوفیق.

 

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۲۵

 

بازدیدها: ۷

خطبه ۲۰۱ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام

و قد سأله سائل عن أحادیث البدع، و عما فى أیدى الناس من اختلاف الخبر فقال علیه السّلام: إِنَّ فِی أَیْدِی النَّاسِ حَقّاً وَ بَاطِلًا- وَ صِدْقاً وَ کَذِباً وَ نَاسِخاً وَ مَنْسُوخاً- وَ عَامّاً وَ خَاصّاً- وَ مُحْکَماً وَ مُتَشَابِهاً وَ حِفْظاً وَ وَهْماً- وَ لَقَدْ کُذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص عَلَى عَهْدِهِ- حَتَّى قَامَ خَطِیباً فَقَالَ- مَنْ کَذَبَ عَلَیَّ مُتَعَمِّداً فَلْیَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ- وَ إِنَّمَا أَتَاکَ بِالْحَدِیثِ أَرْبَعَهُ رِجَالٍ لَیْسَ لَهُمْ خَامِسٌ رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلْإِیمَانِ مُتَصَنِّعٌ بِالْإِسْلَامِ- لَا یَتَأَثَّمُ وَ لَا یَتَحَرَّجُ- یَکْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص مُتَعَمِّداً- فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ کَاذِبٌ لَمْ یَقْبَلُوا مِنْهُ- وَ لَمْ یُصَدِّقُوا قَوْلَهُ- وَ لَکِنَّهُمْ قَالُوا صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ص- رَآهُ وَ سَمِعَ مِنْهُ وَ لَقِفَ عَنْهُ فَیَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ- وَ قَدْ أَخْبَرَکَ اللَّهُ عَنِ الْمُنَافِقِینَ بِمَا أَخْبَرَکَ- وَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَکَ ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ- فَتَقَرَّبُوا إِلَى أَئِمَّهِ الضَّلَالَهِ- وَ الدُّعَاهِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَ الْبُهْتَانِ- فَوَلَّوْهُمُ الْأَعْمَالَ وَ جَعَلُوهُمْ‏ حُکَّاماً عَلَى رِقَابِ النَّاسِ- فَأَکَلُوا بِهِمُ الدُّنْیَا وَ إِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوکِ وَ الدُّنْیَا- إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ فَهَذَا أَحَدُ الْأَرْبَعَهِ وَ رَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ شَیْئاً لَمْ یَحْفَظْهُ عَلَى وَجْهِهِ- فَوَهِمَ فِیهِ وَ لَمْ یَتَعَمَّدْ کَذِباً فَهُوَ فِی یَدَیْهِ- وَ یَرْوِیهِ وَ یَعْمَلُ بِهِ- وَ یَقُولُ أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص- فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِیهِ لَمْ یَقْبَلُوهُ مِنْهُ- وَ لَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ کَذَلِکَ لَرَفَضَهُ وَ رَجُلٌ ثَالِثٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص شَیْئاً- یَأْمُرُ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُ نَهَى عَنْهُ وَ هُوَ لَا یَعْلَمُ- أَوْ سَمِعَهُ یَنْهَى عَنْ شَیْ‏ءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَ هُوَ لَا یَعْلَمُ- فَحَفِظَ الْمَنْسُوخَ وَ لَمْ یَحْفَظِ النَّاسِخَ- فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ- وَ لَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ إِذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ وَ آخَرُ رَابِعٌ- لَمْ یَکْذِبْ عَلَى اللَّهِ وَ لَا عَلَى رَسُولِهِ- مُبْغِضٌ لِلْکَذِبِ خَوْفاً مِنَ اللَّهِ وَ تَعْظِیماً لِرَسُولِ اللَّهِ ص- وَ لَمْ یَهِمْ بَلْ حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلَى وَجْهِهِ- فَجَاءَ بِهِ عَلَى سَمْعِهِ- لَمْ یَزِدْ فِیهِ وَ لَمْ یَنْقُصْ مِنْهُ- فَهُوَ حَفِظَ النَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ- وَ حَفِظَ الْمَنْسُوخَ فَجَنَّبَ عَنْهُ- وَ عَرَفَ الْخَاصَّ وَ الْعَامَّ فَوَضَعَ کُلَّ شَیْ‏ءٍ مَوْضِعَهُ- وَ عَرَفَ الْمُتَشَابِهَ- وَ مُحْکَمَهُ‏ وَ قَدْ کَانَ یَکُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص الْکَلَامُ- لَهُ وَجْهَانِ فَکَلَامٌ خَاصٌّ وَ کَلَامٌ عَامٌّ- فَیَسْمَعُهُ مَنْ لَا یَعْرِفُ مَا عَنَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ- وَ لَا مَا عَنَى رَسُولُ اللَّهِ ص- فَیَحْمِلُهُ السَّامِعُ وَ یُوَجِّهُهُ عَلَى غَیْرِ مَعْرِفَهٍ بِمَعْنَاهُ- وَ مَا قُصِدَ بِهِ وَ مَا خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ- وَ لَیْسَ کُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص مَنْ کَانَ یَسْأَلُهُ وَ یَسْتَفْهِمُهُ- حَتَّى إِنْ کَانُوا لَیُحِبُّونَ أَنْ یَجِی‏ءَ الْأَعْرَابِیُّ وَ الطَّارِئُ- فَیَسْأَلَهُ ع حَتَّى یَسْمَعُوا- وَ کَانَ لَا یَمُرُّ بِی مِنْ ذَلِکَ شَیْ‏ءٌ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَ حَفِظْتُهُ- فَهَذِهِ وُجُوهُ مَا عَلَیْهِ النَّاسُ فِی اخْتِلَافِهِمْ وَ عِلَلِهِمْ فِی رِوَایَاتِهِمْ

اللغه

أقول: أحادیث البدع: أى الأحادیث المبتدعه بعد الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم المنقوله عنه، و ما یبتنى علیها من الأفعال المبتدعه فی الدین بدعه أیضا.

و تبوّء مقعده: نزله و استقرّ فیه.

و لقف عنه: تناول بسرعه.

و وهم بالکسر: غلط، و بالفتح ذهب و همه إلى شی‏ء و هو یرید غیره.

و جنّب عنه: أخذ عنه جانبا.

المعنى

و قوله: إنّ فی أیدى الناس. إلى قوله: و حفظا و وهما. تعدید لأنواع الکلام الواقع إلى الناس نقلا عن الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و الصدق و الکذب من خواصّ الخبر، و الحقّ و الباطل أعمّ منهما لصدقهما على الأفعال و على الناسخ و المنسوخ و العامّ و الخاصّ و المتشابه، و قد مضى تفسیر هذه المفهومات، و أمّا الحفظ فهو ما حفظ عن رسول اللّه کما هو، و الوهم ما غلط فیه و وهم مثلا أنّه عامّ و هو خاصّ أو أنّه ثابت و هو منسوخ إلى غیر ذلک. و قوله: قد کذب على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم على عهده. إلى قوله: النار.

فذلک الکذب نحو ما روى أنّ رجلا سرق رداء الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و خرج إلى قوم و قال هذا رداء محمّد أعطانیه لتمکّنونى من تلک المرأه و استنکروا ذلک فبعثوا من سأل الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عن ذلک فقام الرجل الکاذب فشرب ماء فلدغته حیّه فمات، و کان النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حین سمع بتلک الحال قال لعلىّ: خذ السیف و انطلق فإن وجدته و قد کفیت فاحرقه بالنار فجائه و أمر بإحراقه فکان ذلک سبب الخبر المذکور، و اعلم أنّ العلماء ذکروا فی بیان أنّه لا بدّ أن یکذّب علیه دلیلا فقالوا: قد نقل عنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أنّه قال: سیکذّب علىّ فإن کان الخبر صدقا فلا بد أن یکذّب علیه، و إن کان کذبا فقد کذّب علیه. ثمّ شرع فی قسمه رجال الحدیث و قسّمهم إلى أربعه أقسام، و دلّ الحصر بقوله: لیس لهم خامس، و وجه الحصر فی الأقسام الأربعه أنّ الناقل للحدیث عنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم المتسمّین بالإسلام إمّا منافق أولا، و الثانی إمّا أن یکون قد وهم فیه أولا، و الثانی إمّا أن لا یکون قد عرف ما یتعلّق به من شرائط الروایه أو یکون. فالأوّل و هو المنافق ینقل کما أراد سواء کان أصل الحدیث کذبا أو أنّ له أصلا حرّفه و زاد فیه و نقص بحسب هواه فهو ضالّ مضّل تعمّدا و قصدا، و الثانی یرویه کما فهم و وهم فهو ضالّ مضلّ سهوا، و الثالث یروى ما سمع فضلا له و إضلاله عرضىّ، و الرابع یؤدّیه کما سمعه و کما هو فهو هادّ مهدیّ فأشار علیه السّلام إلى القسم الأوّل بقوله: رجل منافق. إلى قوله: فهذا أحد الأربعه. فقوله: متصنّع بالإسلام.
أی یظهره شعارا له. و قوله: لا یتأثّم. أى: لا یعرف بالإثم و لزوم العقاب علیه فی الآخره فلا یحذر منه، و وجه دخول الشبهه فی قبول قوله: کونه ظاهر الإسلام و الصحبه للرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و سماع قوله مع کون الناس لا یعلمون باطنه و نفاقه و ما أخبر به اللّه تعالى عن المنافقین‏ کقوله إِنَّ الْمُنافِقِینَ فِی الدَّرْکِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ«» و ما وصفهم به کقوله تعالى إِذا جاءَکَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّکَ لَرَسُولُ اللَّهِ«» الآیه دلّت على وصفهم بالکذب فی مطابقه عقایدهم لألسنتهم فی الشهاده بأنّه رسول حقّ و من کان یعتقد أنّه غیر رسول فإنّه مظنّه الکذب علیه، و أئمّه الضلاله بنو امیّه، و دعاتهم إلى النار دعاتهم إلى اتّباعهم فیما یخالف الدین، و ذلک الاتّباع مستلزم لدخول النار، و الزور و البهتان إشاره إلى ما کانوا یتقرّبون به إلى بنى امیّه من وضع الأخبار عن الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی فضلهم و أخذهم على ذلک الأجر من اولئک الأئمّه و تولیتهم الأعمال و الإمره على الناس. و قوله: و إنّما الناس. إلى قوله: إلّا من عصم. إشاره إلى علّه فعل المنافق لما یفعل فظاهر أنّ حبّ الدنیا هو الغالب على الناس من المنافقین و غیرهم لقربهم من المحسوس و جهلهم بأحوال الآخره و ما یراد بهم من هذه الحیاه إلّا من هدى اللّه فعصمه بالجذب فی طریق هدایته إلیه عن محبّه الامور الباطله، و فیه إیماء إلى قلّه الصالحین کما قال تعالى إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ قَلِیلٌ ما هُمْ و قوله یَعْمَلُونَ لَهُ ما یَشاءُ مِنْ و إنّما قال: ثمّ بقوا بعده علیه السّلام. ثمّ حکى حالهم مع أئمّه الضلال و إن کانت الأئمّه المشار إلیهم لم یوجدوا بعد إمّا تنزیلا لما لا بدّ منه من ذلک المعلوم له منزله الواقع أو إشاره إلى من بقى منهم بعد الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و تقرّب إلى معاویه لأنّه إذن ذاک إمام ضلاله، و أشار إلى القسم الثانی بقوله: و رجل سمع من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم شیئا لم یحفظه. إلى قوله: لرفضه، و ذلک أن یسمع من الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کلاما فیتصوّر منه معنى غیر ما یریده الرسول.

ثمّ لا یحفظ اللفظ بعینه فیورده بعبارته الدالّه على ما تصوّره من المعنى فلا یکون قد حفظه و تصوّره على وجهه المقصود للرسول فوهم فیه و لم یتعمّد کذبا لوهمه فهو فی یدیه یرویه و یعمل به على وفق ما تصوّر منه و یسنده إلى الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، و علّه دخول الشبهه على المسلمین فیه هى عدم علمهم بوهمه، و علّه دخولها علیه فی الروایه و العمل هو وهمه حین السماع حتّى لو علم ذلک لترک روایته و العمل به، و أشار إلى القسم الثالث بقوله: و رجل سمع. إلى قوله: لرفضه، و علّه دخول الشبهه على الراوى و على المسلمین واحده و هو عدم علمهم بأنّه منسوخ، و أشار إلى القسم الرابع بقوله: و آخر رابع. إلى قوله: و محکمه. فقوله: و عرف الخاصّ و العامّ فوضع کلّ شی‏ء موضعه. أى عمل بالعامّ فیما عدا صوره التخصیص. و قوله: و قد کان یکون من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم. إلى آخره. تنبیه على صحه القسم الثالث و داخل فیه فإنّ منهم من کان یسمع الکلام ذى الوجهین منه خاصّ و منه عامّ فلا یعرف أنّ أحدهما مخصّص الآخر أو یسمع العامّ دون الخاصّ فینقل العامّ بوجهه على غیر معرفه معناه أو أنّه خرج على سبب خاصّ فهو مقصور علیه و انتقل سببه فیعتقده عامّا أو أنّه عامّ فیعتقده مقصورا على السبب و لا یعمل به فیما عدا صوره السبب فیتّبعه الناس فی ذلک. و کان قوله: و لیس کلّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم. إلى آخره جواب سؤال مقدّر کأن یقال: فکیف یقع الاشتباه علیهم فی قوله مع کثرتهم و تواضعه لهم فلا یسألونه فأجاب أنّهم لیسوا بأسرهم کانوا یسألونه لاحترامهم له و تعظیمه فی قلوبهم، و إنّما کان یسأله آحاده حتّى کانوا یحبّون أن یجی‏ء الأعرابى أو الطارى‏ء فیسأله حتّى یسمعوا و یفتح لهم باب السؤال، و نبّه على أنّه علیه السّلام کان یستقصى فی سؤاله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عن کلّ ما یشتبه و یحفظ جوابه لیرجع الناس إلى فضیلته و الاقتباس من أنواره.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۱۹

 

بازدیدها: ۸

خطبه ۲۰۰ شرح ابن میثم بحرانی

و من کلام له علیه السّلام بالبصره،
و قد دخل على العلاء بن زیاد الحارثى- و هو من أصحابه- یعوده، فلما رأى سعه داره قال: مَا کُنْتَ تَصْنَعُ بِسَعَهِ هَذِهِ الدَّارِ فِی الدُّنْیَا- أَمَا أَنْتَ إِلَیْهَا فِی الْآخِرَهِ کُنْتَ أَحْوَجَ- وَ بَلَى إِنْ شِئْتَ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَهَ- تَقْرِی فِیهَا الضَّیْفَ وَ تَصِلُ فِیهَا الرَّحِمَ- وَ تُطْلِعُ مِنْهَا الْحُقُوقَ مَطَالِعَهَا- فَإِذاً أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَهَ- فَقَالَ لَهُ الْعَلَاءُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَشْکُو إِلَیْکَ أَخِی عَاصِمَ بْنَ زِیَادٍ- قَالَ وَ مَا لَهُ- قَالَ لَبِسَ الْعَبَاءَهَ وَ تَخَلَّى عَنِ الدُّنْیَا- قَالَ عَلَیَّ بِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ- یَا عُدَیَّ نَفْسِهِ لَقَدِ اسْتَهَامَ بِکَ الْخَبِیثُ- أَ مَا رَحِمْتَ أَهْلَکَ وَ وَلَدَکَ- أَ تَرَى اللَّهَ أَحَلَّ لَکَ الطَّیِّبَاتِ وَ هُوَ یَکْرَهُ أَنْ تَأْخُذَهَا- أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِکَ- قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ- هَذَا أَنْتَ فِی خُشُونَهِ مَلْبَسِکَ وَ جُشُوبَهِ مَأْکَلِکَ- قَالَ وَیْحَکَ إِنِّی لَسْتُ کَأَنْتَ- إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى أَئِمَّهِ الْعَدْلِ أَنْ یُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَهِ النَّاسِ- کَیْلَا یَتَبَیَّغَ بِالْفَقِیرِ فَقْرُهُ‏

اللغه

أقول: استهام بک: أى أذهبک لوجهک، و زیّن لک الهیام، و هو الذهاب فی التیه.

و جشوبه المأکل: غلظته و خشونته، و قیل: الطعام الجشب: الّذی لا إدام معه.

و تبیّغ: تهیّج.

المعنى
و قد استفهمه عن غرضه فی توسعه داره استفهام توبیخ و إنکار لما أنّ ذلک ینافی الزهد فی الدنیا و الحرص فی الآخره. ثمّ عن کونه أحوج إلیها فی الآخره استفهام تثبیت و تقریر، و أراد أنّک لو کنت أنفقت ما أخرجته على بنائها من المال فی سبیل اللّه لکان أولى و لکنت إلیه أحوج منها، و فی روایه بإثبات الهمزه مع ما فی قوله: ما أنت. و قوله: و بلى. إلى آخره.
هدایه له إلى وجوه استعمالها فی مرضات اللّه و التقرّب بها إلیه بعد التفریط فی بنائها، و عدّ وجوه المبارّ المتعلّقه بها. و مطالع الحقوق وجوهها الشرعیّه المتعلّقه به کالزکاه و الصدقه و غیرهما، و ظاهر کونها مبلّغه إلى الآخره عند إخراج تلک الحقوق منها و فیها، و مقرّ به إلى اللّه. و قوله: علىّ به. ینوب مناب فعل الأمر: أى جیئوا به، و عدىّ تصغیر عدوّ، و أصله عدیو و فحذفوا إحدى الواوین و قلّبوا الثانیه یاء تخفیفا و ادغموا فیها یاء التصغیر، و إنّما صغّره استصغارا له باعتبار أنّ شیطانه لم یعدّه إلى کبیره بل قاده إلى أمرو إن کان خارجا به عن الشریعه إلّا أنّه قریب من السلامه، و دخل علیه بالخدعه فی رأى الصالحین، و کان شیطانه بذلک الاعتبار صغیرا بالنسبه إلى شیطان آخر و هو باعتبار القیاده لذلک الوسواس عدّى نفسه، و قیل: بل صغّره من جهه حقاره فعله ذلک لکونه عن جهل منه و إنّما منعه من هذه الطریقه لکونه لم یترک الدنیا على وجه الترک بل کان لمشارکه هواه لعقله، و کان ترکه ذلک مستلزما لإهمال حقوق تجب علیه فی الشریعه و تلزمه فنبّه بقوله: لقد استهام بک الخبیث على أنّ فعله ذلک عن مشارکه الشیطان و لم یکن عن عقلیّه خالصه، و بقوله: أما رحمت أهلک و ولدک على الحقوق اللازمه له من قبلهم، و قد أهملها بفعله ذلک.

فقوله: أ ترى اللّه. إلى قوله: ذلک. فی مقام التوبیخ له على ذلک الترک و هو کقوله تعالى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِینَهَ اللَّهِ الَّتِی أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّیِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ«» الآیه، و الحاصل أنّ ترک الدنیا بالکلّیّه لیس هو مطلوب الشارع من الزهد فیها و التخلّى عنها لأنّ الشارع یراعى نظام العالم باشتراک الخلق فی عماره الدنیا و تعاونهم على المصالح بقاء النوع الإنسانىّ و ترک الدنیا و إهمالها بالکلّیّه یعدم ذلک النظام و ینافیه بل الّذی یأمر به الشارع القصد فی الدنیا و استعمال متاعها على القوانین الّتی وردت بها الرسل و الوقوف فیها عند الحدود المضروبه فی شرایعهم دون تعدّیها کما أشار إلیه علیه السّلام من منع هذا الرجل، و أمّا السالکون من الصوفیّه بعد عصر الصحابه فهم على الطریقین: فمنهم من یختار القشف و ترک الطیّبات و هجر اللذّات رأسا، و منهم من یؤثر الترف، و الّذی یفعله المحقّقون من السالکین من التقشّف فلا ینافی الشریعه لعلمهم بأسرارها و طریقتهم تلک أقرب إلى السلامه من طریق المترفین لکون الترف مجال الشیطان، و قد کان سلوک الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و علىّ علیه السّلام و جماعه من أکابر الصحابه أمیل إلى طریق التقشّف لکن مع مشارکتهم لأهل الدنیا فی تدبیر أحوال المدن و صلاح العالم غیر منقطعین عن أهلها و لا منعزلین فأمّا اعتراض عاصم على علىّ علیه السّلام فی نهیه له فحاصله أنّه قاس نفسه فی ترک الدنیا علیه، و تقدیره إنّک إذا نهیتنى عن ذلک فکیف بک: أى فکیف بما أرى من هذه الحال و أنت المقتدى به، أو فکیف أصنع بک مع الحال الّتی أنت علیها، و إنّما ینبغی لى أن أقتدى بک فأجابه علیه السّلام بجواب إقناعىّ بیّن فیه الفرق بینه و بینه، و هو إنّى إنّما فعلت ذلک لکونى إماما و کلّ إمام فرض اللّه علیه أن یقدّر نفسه بضعفه الناس: أى لیسویّها بهم فی حالهم کیلا یهیّج بالفقیر فقره فیضعف عن حلمه فیکفر أو یفسق و قد کان علیه السّلام قبل الخلافه کذلک، و الجواب المحقّق هو ما قلناه من کون هذه الطریق أسلم، و أمّا الفرق بینهما فیرجع إلى أنّ عاصما سلک على غیر علم بکیفیّه السلوک مع ترک الحقوق الّتی تلزمه لأهله و ولده فکانت حاله الّتی فارقها أولى به. و باللّه التوفیق.

شرح نهج البلاغه(ابن میثم بحرانی)، ج ۴ ، صفحه‏ى ۱۷

 

بازدیدها: ۹