نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۹۹ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۲۰۰ صبحی صالح

۲۰۰- و من کلام له ( علیه‏ السلام  ) فی معاویه

وَ اللَّهِ مَا مُعَاوِیَهُ بِأَدْهَى مِنِّی وَ لَکِنَّهُ یَغْدِرُ وَ یَفْجُرُ

وَ لَوْ لَا کَرَاهِیَهُ الْغَدْرِ لَکُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ وَ لَکِنْ کُلُّ غُدَرَهٍ فُجَرَهٌ وَ کُلُّ فُجَرَهٍ کُفَرَهٌ وَ لِکُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ یُعْرَفُ بِهِ یَوْمَ الْقِیَامَهِ

وَ اللَّهِ مَا أُسْتَغْفَلُ بِالْمَکِیدَهِ وَ لَا أُسْتَغْمَزُ بِالشَّدِیدَهِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۱۲  

و من کلام له علیه السّلام و هو المأه و التاسع و التسعون من المختار فى باب الخطب

و اللّه ما معاویه بأدهى منّی، و لکنّه یغدر و یفجر، و لو لا کراهیّه الغدر لکنت من أدهى النّاس، و لکنّ کلّ غدره فجره، و کلّ فجره کفره، و لکلّ غادر لواء یعرف به یوم القیامه، و اللّه ما أستغفل بالمکیده، و لا أستغمز بالشّدیده.

اللغه

(الدّهی) بسکون الهاء و الدّهاء الفکر و الارب و جوده الرّأی و (غدر) غدرا من باب ضرب و نصر نقض عهده و (فجر) یفجر من باب قتل و (الغدره) و (الفجره) و (الکفره) کلّها فی بعض النسخ بفتح الفاء و سکون العین وزان تمره فالتّاء للمرّه، و فی بعضها بتحریک الفاء و العین وزان مرده فیکون جمع غادر و فاجر و کافر، و فی بعضها بضمّ الفاء و فتح العین وزان همزه فالتّاء للمبالغه أى الکثیر الغدر و الفجور و الکفر، فان أسکنت العین فالبناء للمفعول تقول: رجل سخره، کهمزه یسخر من الناس، و سخره کغرفه من یسخر منه.

(و لا أستغمز) بالزاء المعجمه من الغمز و هو العصر بالید یقال غمزه غمزا من باب ضرب، و الغمز محرّکه الرّجل الضعیف قال الشارح البحرانی: و روى بالرّاء المهمله أى لا استجهل بشداید المکاید، انتهى. و لعلّه من الغمر بالتحریک و هو من لم یجرّب الامور و الأوّل أصوب و أنسب

الاعراب

الباء فی قوله: بأدهى زایده فی الخبر جی‏ء بها لتأکید معنی النّفی کما فی قوله تعالى وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ و قوله: بالشدیده، صفه محذوفه الموصوف أى بالدّواهى الشدیده و نحو ذلک.

المعنى

اعلم أنّ الغرض من هذا الکلام دفع توهّم من کان معتقدا أنّ معاویه أجود رأیا و أکثر تدبیرا منه، و تعرّض به على معاویه من أجل عدم تحرّزه فی تدبیر الامور عن الغدر و الفجور، و صدّر الکلام بالقسم البارّ تأکیدا للمقصود فقال: (و اللّه ما معاویه بأدهى منّی) أی لیس بأجود رأیا و أحسن تدبیرا و أبعد غورا و أعمق فکرا و أشدّ دهاء منّی، و إن فسّر الدّهاء بخصوص استعمال العقل و الرّأى فیما لا ینبغی فعله من الامور الدّنیویّه المعبّر عنه بالنّکراء فلا بدّ من جعل قوله علیه السّلام أدهى بمعنى أعرف بطرق الدّهاء و أبصر بها، لعدم اتّصافه بالدّهاء بهذا المعنى فضلا عن کونه أدهى.

(و لکنّه یغدر و یفجر) أى یستعمل الغدر فی اموره السیّاسیّه فیزعم أهل الجهل أنّه أدهى.
و قوله: و یفجر، إشاره إلى نتیجه الغدر یعنی أنّه من أجل إقدامه على الغدر یکون فاجرا، و ذلک لأنّ الغدر مقابل الوفاء، و الوفاء فضیله داخله تحت العفّه، فیکون الغدر رذیله داخله تحت الفجور.
و أیضا الوفاء توأم الصّدق و الغدر توأم الکذب حسبما عرفت تفصیلا فی الخطبه الحادیه و الأربعین و شرحها، و الکذب من أعظم الفجور.

و ایضاح هذه الفقره ما تقدّم فی الخطبه المذکوره حیث قال علیه السّلام هناک: و لقد أصبحنا فی زمان قد اتّخذ أکثر أهله الغدر کیسا و نسبهم أهل الجهل فیه إلى حسن الحیله، ما لهم قاتلهم اللّه قد یرى الحوّل القلّب وجه الحیله و دونه‏مانع من أمر اللّه و نهیه فیدعها رأى عن بعد القدره علیها و ینتهز فرصتها من لا حریجه له فی الدّین.

و روى فی الکافی فی حدیث مرفوع عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قلت له: ما العقل قال: ما عبد به الرّحمن و اکتسب به الجنان، قال: قلت: فالّذى کان فی معاویه فقال: تلک النکراء تلک الشّیطنه، و هی شبیهه بالعقل و لیست بالعقل.

و لمّا نبّه على أنّ اتّصاف معاویه بالدّهاء من جهه عدم مبالاته بالغدر و الفجور، عقّبه بالتّنبیه على ما هو المانع من اتّصافه علیه السّلام به مع کونه أعرف و أغدر به منه فقال: (و لو لا کراهیّه الغدر) و المکر و استلزامه للکذب و الغشّ و الخیانه و الفجور المنافی لمرتبه العصمه (لکنت من أدهی النّاس) فیدلّ هذه الجمله بمقتضی مفاد لو لا الامتناعیّه على امتناع اتّصافه بالدّهاء الملازم للغدر.

و المراد بالکراهه هنا الحرمه لا معناها المعروف فی مصطلح المتشرّعه کما صرّح به فی عبارته الّتی نقلناها آنفا من الخطبه الحادیه و الاربعین أعنی قوله: قد یرى الحوّل القلّب وجه الحیله و دونه مانع من أمر اللّه و نهیه فیدعها رأى عین بعد القدره علیها.

و أصرح منه ما رواه فى الکافى عن علیّ بن إبراهیم عن أبیه عن ابن أبى عمیر عن هشام بن سالم رفعه قال: قال أمیر المؤمنین علیه السّلام: لو لا أنّ المکر و الخدیعه فى النّار لکنت أمکر النّاس.
و أصرح منهما قوله: (و لکن کلّ غدره فجره و کلّ فجره کفره) و قد روى نظیر هذه العباره عنه علیه السّلام فى الکافى باسناده عن الاصبغ بن نباته قال: قال أمیر المؤمنین علیه السّلام ذات یوم و هو یخطب على المنبر بالکوفه: أیّها الناس لو لا کراهیّه الغدر کنت أدهى النّاس ألا إنّ لکلّ غدره فجره و لکلّ فجره کفره، ألا و إنّ الغدر و الفجور و الخیانه فى النّار.

قال بعض شرّاح الکافى: الظاهر أنّ اللّام فى لکلّ مفتوحه للمبالغه فى‏التأکید، و قوله: الغدر و الخیانه فى النّار، إمّا على حذف المضاف أى صاحبها، أو المصدر بمعنى الفاعل، هذا.
فان قلت: استلزام الغدر للفجور المستفاد من قوله علیه السّلام: و لکن کلّ غدره فجره قد عرفنا وجهه سابقا، و أمّا استلزام الفجور للکفر المستفاد من قوله: و کلّ فجره کفره فما الوجه فیه، قلت: قال بعض الشّارحین: وجه لزوم الکفر هنا إنّ الغادر على وجه استباحه ذلک و استحلاله کما کان هو المشهور من حال عمرو بن العاص و معاویه فی استباحه ما علم تحریمه بالضروره من دین محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و جحده هو الکفر.

و قال الشارح البحرانی: و یحتمل أن یرید کفر نعم اللّه و سترها باظهار معصیه کما هو المفهوم اللغوى من لفظ الکفر، انتهى.
و یتوجّه على الأوّل أوّلا أنّه أخصّ من المدّعى لأنّ المدّعى هو کفر کلّ غادر کما هو ظاهر المتن لا الغادر المستبیح المستحلّ للغدر فقط، و ثانیا کون حرمه الغدر من ضروریّات الدّین غیر معلوم.
و على الثّانی أنّه خلاف الظاهر.

و الأظهر أنّه داخل فی القسم الرّابع من أقسام الکفر التی تقدّم تفصیلها فی حدیث الکافی فی شرح الفصل الثامن عشر من الخطبه الاولى، فقد روینا هناک عن الکلبی باسناده عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: الکفر فی کتاب اللّه عزّ و جلّ على خمسه أوجه «إلى أن قال» الوجه الرّابع من الکفر ترک ما أمر اللّه و هو قول اللّه تعالى وَ إِذْ أَخَذْنا مِیثاقَکُمْ لا تَسْفِکُونَ دِماءَکُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَکُمْ مِنْ دِیارِکُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ. ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَکُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِیقاً مِنْکُمْ مِنْ دِیارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَیْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ إِنْ یَأْتُوکُمْ أُسارى‏ تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَیْکُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْکِتابِ وَ تَکْفُرُونَ بِبَعْضٍ فکفرهم بترک ما أمر اللّه و نسبهم إلى الایمان و لم یقبله منهم و لم ینفعهم فقال ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَکُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِیقاً مِنْکُمْ مِنْ دِیارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَیْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ إِنْ.

و قوله (و لکلّ غادر لواء یعرف به یوم القیامه) قال الشّارح المعتزلی: حدیث صحیح مرویّ عن النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أقول: و هو تنفیر عن الغدر.
و نحوه ما رواه فی الکافی عن علىّ بن إبراهیم عن أبیه عن النّوفلی عن السّکونی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: یجی‏ء کلّ غادر یوم القیامه بامام مایل شدقه حتّى یدخل النّار، و یجی‏ء کلّ ناکث بیعه إمام أجذم حتّى یدخل النّار، هذا.

و لمّا ذکر أنّ معاویه لیس بأدهى منه و نبّه على معرفته بطرق الدّهاء و خبرویّته بها أکّده بقوله: (و اللّه ما استغفل بالمکیده) أى لا یطمع فی اغفالی بالکید علیّ، لأنّی أحذر من الغراب و إن کان الطامع فی الکید أروغ من الثّعلب، فانّ من کان أعرف بطرق الخداع و وجوه التّدابیر و الحیل لا یتمکّن من إغفاله و لا یلحقه الغفله عمّا یراد فی حقّه من الکید و الخدیعه کما قال علیه السّلام فی الکلام السّادس: و اللّه لا أکون کالضّبع تنام على طول اللّدم حتّى یصل إلیها طالبها و یختلها راصدها.

(و لا استغمز بالشّدیده) أى لا استضعف بالخطوب الشّدیده و الدّواهی العظیمه لأنّى البطل الأهیس و الحازم الأکیس و الشّجاع الأسوس.
فقد اتّضح کلّ الوضوح بما أتى به فی هذا الکلام بطلان توهّم من زعم أنّ معاویه کان أدهى منه علیه السّلام و أصحّ تدبیرا.
و قد بسط الکلام فى هذا المرام أبو عثمان الجاحظ على أحسن تقریر و تبیان و فصّل الشارح المعتزلی تفصیلا عجیبا أحببت نقل ما قالا، لأنه من لسانهما أحلى فأقول: أما الجاحظ فقد قال فی محکیّ کلامه: و ربما رأیت بعض من بطن بنفسه العقل و التحصیل و الفهم و التمییز و هو من العامه و یظنّ أنه من الخاصه یزعم أنّ معاویه کان أبعد غورا و أصحّ فکرا و أجودرویّه و أبعد غایه و أدقّ مسلکا، و لیس الأمر کذلک و ساری إلیک بجمله تعرف بها موضع غلطه و المکان الّذى دخل علیه الخطاء من قبله.

کان علیّ علیه السّلام لا یستعمل فی حربه إلّا ما وافق الکتاب و السنّه.
و کان معاویه یستعمل خلاف الکتاب و السّنّه کما یستعمل الکتاب و السنه، و یستعمل جمیع المکائد حلالها و حرامها و یسیر فی الحرب بسیره ملک الهند إذا لاقی کسرى، و خاقان إذا لاقی رتبیل.
و علیّ علیه السّلام یقول: لا تبدءوا بالقتال حتّى یبدؤکم، و لا تتبعوا مدبرا، و لا تجهزوا على جریح، و لا تفتحوا بابا مغلقا، و هذه سیرته فی ذى الکلاع و فی أبی أعور السلّمی، و فی عمرو بن العاص، و حبیب بن مسلمه و فی جمیع الرّؤساء کسیرته فی الحاشیه و الحشو و الأتباع و السّفله.

و أصحاب الحروب إن قدروا على البیات تبیّتوا. و إن قدروا على رضخ الجمیع بالجندل و هم نیام فعلوا و إن أمکن ذلک فى طرفه عین، و لم یؤخّروا الحرق إلى وقت الغرق، و إن أمکن الهدم لم یتکلّفوا الحصار، و لم یدعوا أن ینصبوا المجانیق و العراوات و النّقب و الشریب و الدّبابات و الکمین، و لم یدعوا دسّ السّموم و لا التضریب بین النّاس بالکذب و طرح الکتب فی عساکرهم بالسّعایات و توهیم الامور و ایحاش بعضهم من بعض و قتلهم بکلّ آله و حیله کیف وقع القتل و کیف دارت بهم الحال.

فمن اقتصر من التدبیر حفظک اللّه على ما فی الکتاب و السنّه و کان قد منع نفسه الطویل العریض من التدّبیر و ما لا یتناهى من المکاید، و الکذب أکثر من الصّدق و الحرام أکثر عددا من الحلال، و کذلک الایمان و الکفر و الطاعه و المعصیه و الحقّ و الباطل، و کذلک الصّحه و السّقم و الصّواب و الخطاء.

فعلیّ علیه السّلام کان ملجما بالورع عن جمیع القول إلّا ما هو للّه عزّ و جلّ رضى، و ممنوع الیدین عن کلّ بطش إلّا ما هو للّه رضى، و لا یرى الرّضاء إلّا فیما یرضاه اللّه و یحبّه، و لا یرى الرّضاء إلّا فیما دلّ علیه الکتاب و السنّه دون ما یقول علیه أصحاب الدّهاء و النّکراء و المکاید و الاراء.

فلمّا أبصرت العوام کثره بوادر معاویه فى المکاید، و کثره غرایبه فى الخدع، و ما اتّفق له و تهیّأ على یده، و لم یروا ذلک من علىّ، ظنّوا بقصر عقولهم أنّ ذلک من رجحان عند معاویه و نقصان عند علىّ فقالوا لو لم ما یعدّ له من الخدع إلّا رفع المصاحف.

ثمّ انظر هل خدع بها إلّا من عصى رأى علیّ و خالف أمره، فان زعمت أنّه قد نال ما أراد من الاختلاف فقد صدقت و لیس فى هذا اختلفنا، و لا عن غراره أصحاب علىّ علیه السّلام و عجلتهم و تسرّعهم و تنازعهم دفعنا، و إنّما کان قولنا فى التمیز بینهما فى الدّهاء و النکراء و صحّه الرّأى و العقل.

على أنّا لا نصف الصالحین بالدّهاء و النکراء، و لا یقول أحد عنده شی‏ء من الخیر: کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أدهى العرب و العجم و أنکر قریش و أنکر کنانه.
لأنّ هذه الکلمه إنّما وضعت فى مدیح أصحاب الارب و من یتعمّق فى الرأى فى توکید أمر الدّنیا و زبرجها و تشدید أرکانها.

فأمّا أصحاب الاخره الّذین یرون النّاس لا یصلحون على تدبیر البشر و انّما یصلحون على تدبیر خالق البشر لا یمدحون بالدّهاء و النکراء، و لم یمنعوا إلّا لیعطوا أفضل منه.
و أما الشارح المعتزلی فقد قال: إنّ السّایس لا یتمکّن من السّیاسه البالغه إلّا إذا کان یعمل برأیه و بما یرى فیه صلاح ملکه و تمهید أمره، سواء وافق الشریعه أو لم یوافقها، و متى لم یعمل فى السّیاسه بمقتضى ما قلناه فبعید أن ینتظم أمره أو یستوسق حاله.

و أمیر المؤمنین علیه السّلام کان مقیّدا بقیود الشریعه، مدفوعا إلى اتّباعها و رفض ما یصلح من آراء الحرب و الکید و التدبیر إذا لم یکن للشرع موافقا، فلم یکن قاعده فى خلافته قاعده غیره ممّن لم یلتزم بذلک.
و لسنا زارین بهذا القول على عمر بن الخطّاب، و لکنّه کان مجتهدا یعمل بالقیاس و الاستحسان و المصالح المرسله و یرى تخصیص عمومات النّصّ بالاراء و بالاستنباط من اصول یقتضى خلاف ما یقتضیه عموم النّصوص، و یکید خصمه و یأمرأمراءه بالکید و الحیله، و یؤدّب بالدّرّه و السّوط من یتغلّب على ظنّه أنّه یستوجب ذلک، و یصفح عن آخرین قد اجترموا ما یستحقّون به التّأدیب کلّ ذلک بقوّه اجتهاده و ما یؤدّیه إلیه نظره.

و لم یکن أمیر المؤمنین علیه السّلام یرى ذلک، و کان یقف مع النصوص و الظواهر و لا یتعدّاها إلى الاجتهاد و الأقیسه، و یطبّق امور الدّنیا على امور الدّین، و یسوق الکلّ مساقا واحدا، و لا یضع و لا یرفع إلّا بالکتاب و النّصّ، فاختلف طریقتاهما فى الخلافه و السّیاسه.
و کان عمر مع ذلک شدید الغلظه، و کان علىّ علیه السّلام کثیر الحلم و الصّفح و التجاوز فازدادت خلافه ذلک قوّه، و خلافه هذا لینا.

و لم یمن عمر بما منى علیّ به من فتنه عثمان الّتى أحوجته إلى مداراه أصحابه و جنده و مقاربتهم للاضطراب الواقع بطریق تلک الفتنه.
ثمّ تلى تلک الفتنه فتنه الجمل و فتنه صفّین ثمّ فتنه النّهروان و کلّ ذلک الامور مؤثره فى اضطراب أمر الوالى و اغلال معاقد ملکه، و لم یتّفق لعمر شی‏ء من ذلک فشتّان بین الخلافتین فیما یعود إلى انتظام المملکه و صحّه تدبیر الخلافه.
فان قلت: فما قولک فى سیاسه الرّسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و تدبیره أ لیس کان منتظما سدیدا مع أنّه کان لا یعمل إلّا بالنّصوص و التوقیف من الوحى، فهلا کان تدبیر علیّ علیه السّلام و سیاسته کذلک.
قلت: أمّا سیاسه الرّسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و تدبیره فخارج عمّا نحن فیه، لأنّه معصوم لا یتطرّق العلّه إلى أفعاله، و لیس بواحد من هذین الرّجلین بواجب العصمه عندنا «إلى أن قال»: و کان أبو جعفر بن أبى زید الحسنى نقیب البصره إذا حدّثناه فى هذا یقول: إنّه لا فرق عند من قرء السیر بین سیره النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و سیاسه أصحابه أیّام حیاته، و بین سیره أمیر المؤمنین و سیاسه أصحابه أیّام حیاته، فکما أنّ علیّا علیه السّلام لم یزل أمره مضطربا معهم بالمخالفه و العصیان و الهرب إلى أعدائه و کثره اختلافه و الحروب‏فکذلک کان النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ممنوا بنفاق المنافقین و اذاهم و خلاف أصحابه علیه و هرب بعضهم إلى أعدائه و کثره الحروب و الفتن.

و کان یقول: أ لست ترى القرآن العزیز مملوّا بذکر المنافقین و الشّکوى منهم و التّألّم من أذاهم له، کما أنّ کلام علیّ مملوّ بالشکوى من منافقى أصحابه و التّألّم من أذاهم له.
ثمّ ذکر کثیرا من الایات المتضمنّه لنفاق المنافقین و الشکوى منهم لا حاجه بنا إلى ذکرها ثمّ قال: فمن تأمّل کتاب العزیز علم حاله صلوات اللّه علیه مع أصحابه کیف کانت و لم ینقله اللّه إلى جواره إلّا و هو مع المنافقین له و المظهرین خلاف ما یضمرون من تصدیقه فی جهاد شدید، حتّى لقد کاشفوه مرارا فقال لهم یوم الحدیبیّه: احلقوا و انحروا، فلم یحلقوا و لم ینحروا و لم یتحرّک أحد منهم عند قوله، و قال له بعضهم و هو یقسم الغنائم: اعدل یا محمّد فانّک لم تعدل، و قالت الأنصار له مواجهه یوم حنین أ تأخذ ما أفشاه اللّه علینا بسیوفنا فتدفعه إلى أقاربک من أهل مکه، حتى أفضى إلى أن قال لهم فی مرض موته: ایتونى بدواه و کتف أکتب لکم ما لا تضلّون بعده، فعصوه و لم یأتوه بذلک ولیتهم اقتصروا على عصیانه و لم یقولوا له ما قالوا و هو یسمع قال: و کان أبو جعفر یقول من هذا ما یطول شرحه و القلیل منه ینبى‏ء عن الکثیر و کان یقول: إنّ الاسلام ما جلا عندهم و لا ثبت فی قلوبهم إلّا بعد موته صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حین فتح علیهم الفتوح و جائتهم الغنائم و الأموال و کثرت علیهم المکاسب و ذاقو الذّه الحیاه و عرفوا لذّه الدّنیا و لبسوا الناعم و أکلوا الطیب و تمتّعوا بنساء الرّوم و ملکوا خزائن کسرى، و تبدّلوا بذلک التقشّف و اللبس الخشن و أکل الضباب و القنافذ و الیرابیع و لبس الصّوف و الکرابیس أکل اللّوز ینجات و الفالوزجات و لبس الحریر و الدّیباج فاستدلّوا بما فتحه اللّه علیهم و أتاخه لهم على صحّه الدّعوه و صدق الرّساله.

و قد کان صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، وعدهم بأنّه سیفتح علیهم کنوز کسرى و قیصر، فلماوجدوا الأمر قد وقع بموجب ما قاله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عظّموه و أحبّوه و انقلبت تلک الشکوى و ذلک النفاق و ذلک الاستهزاء إیمانا و یقینا و إخلاصا، و طاب لهم العیش، و تمسّکوا بالدین لأنّهم رأوه طریقا إلى نیل الدّنیا، فعظّموا ناموسه، و بالغوا فی إجلاله و إجلال الرسول الذى جاء به.

ثمّ انقرض الأسلاف و جاء الأخلاف على عقیده ممهّده و أمر أخذوه تقلیدا من أسلافهم الذین دبّوا فی حجورهم، ثمّ انقرض ذلک القرن و جاء من بعدهم کذلک و هلم جرّا قال: و لو لا الفتوح و النّصر و الظفر الذى منحهم اللّه تعالى إیّاه و الدوله الّتی ساقها إلیهم لا نقرض دین الاسلام بعد وفاه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، و کان یذکر فی التواریخ کما یذکر نبوّه خالد بن سنان العنسى حیث ظهر و دعا إلى الدّین و کان النّاس یعجبون من ذلک و یتذاکرونه کما یعجبون و یتذاکرون أخبار من نبغ من الرّؤساء و الملوک و الدّعاه الذین انقرض أمرهم و بقیت أخبارهم، و کان یقول: من تأمّل الرّجلین وجدهما متشابهین فی جمیع امورهما أو فی أکثرها.

و ذلک لأنّ حرب رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم مع المشرکین کانت سجالا انتصر یوم بدر و انتصر المشرکون علیه یوم احد، و کان یوم الخندق کفافا خرج هو و هم سواء لاله و لا علیه، لأنّهم قتلوا رئیس الأوس و هو سعد بن معاذ و قتل منهم فارس قریش و هو عمرو بن عبدود و انصرفوا عنه بغیر حرب بعد تلک السّاعه الّتی کانت، ثمّ حارب قریشا بعدها یوم الفتح فکان الظفر له.

و هکذا کانت حروب علیّ علیه السّلام انتصر یوم الجمل و خرج بینه و بین معاویه على سواء قتل من أصحابه رؤساء، و من أصحابه رؤساء و انصرف کلّ واحد من الفریقین عن صاحبه بعد الحرب على مکانه، ثمّ حارب بعد صفّین أهل النهروان فکان الظفر له قال: و من العجب أنّ أوّل حروب رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کانت بدرا و کان هو المنصورفیها، و أوّل حروب علیّ علیه السّلام الجمل و کان هو المنصور.

ثمّ کان من صحیفه الصلح و الحکومه یوم صفین نظیر ما کان من صحیفه الصلح و الهدنه یوم الحدیبیّه ثمّ دعا معاویه فی آخر أیّام علیّ علیه السّلام إلى نفسه و تسمّى بالخلافه کما أنّ مسیلمه و الأسود العنسى دعوا إلى أنفسهما فی آخر أیّام رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و تسمّیا بالنّبوه، و اشتدّ على علیّ علیه السّلام ذلک کما اشتدّ على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله أمر الأسود و مسیلمه، و بطل أمرهما بعد وفاه النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و کذلک بطل أمر معاویه و بنی امیه بعد وفاه علیّ علیه السّلام.

و لم یحارب رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أحد من العرب إلّا قریش ما عدا یوم حنین، و لم یحارب علیّا علیه السّلام أحد من العرب إلّا قریش ما عدا یوم النّهروان.
و مات علىّ علیه السّلام شهیدا بالسّیف، و مات رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم شهیدا بالسمّ.
و هذا لم یتزوّج على خدیجه امّ أولاده حتّى ماتت، و هذا لم یتزوّج على فاطمه أمّ أشرف أولاده حتّى ماتت.
مات رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله عن ثلاث و ستّین سنه و مات علیّ علیه السّلام عن مثلها، و کان یقول: انظروا إلى أخلاقهما و خصائصهما: هذا شجاع و هذا شجاع، و هذا فصیح و هذا فصیح، و هذا سخیّ جواد و هذا سخیّ جواد، و هذا عالم بالشرایع و الامور الالهیه و هذا عالم بالفقه و الشریعه و الامور الدقیقه الغامضه و هذا زاهد فی الدّنیا غیرنهم علیها و لا مستکثر منها و هذا زاهد فی الدّنیا تارک لها غیر متمتّع بلذّاتها، و هذا مذیب نفسه فی الصّلاه و العباده و هذا مثله، و هذا غیر محبّ إلیه شی‏ء من الامور العاجله إلّا النساء و هذا مثله، و هذا ابن ابن عبد المطلب بن هاشم و هذا فی تعداده، و أبوهما أخوان لأب واحد دون غیرهما من بنی عبد المطلب و ربّى محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی حجر والده هذا و هو أبو طالب فکان عنده جاریا مجرى أحد أولاده، ثمّ لمّا شبّ و کبر استخلص من بنی أبی طالب و هو غلام فربّاه فی حجره مکافاه لصنیع أبی طالب به، فامتزج الخلقان و تماثلت السّجیّتان، و إذا کان القرین‏مقتدیا بالقرین فما ظنک بالتّربیه و التثقیف الدّهر الطویل.

فوجب أن یکون أخلاق محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کأخلاق أبی طالب، و أن یکون أخلاق علىّ کأخلاق أبی طالب أبیه و أخلاق محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم مربّیه و أن یکون الکلّ شیمه واحده وسوسا واحدا و طینه مشترکه و نفسا غیر منقسمه و لا متجزیّه، و أن لا یکون بین بعض هؤلاء و بعض فرق و لا فصل لو لا أنّ اللّه اختصّ محمّدا صلّى اللّه علیه و آله برسالته و اصطفاه لوحیه لما یعلمه من مصالح البریه فی ذلک، فامتاز رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بقوله: أخصّک بالنّبوه فلا نبوّه بعدى، و تخصم النّاس بسبع و قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم له أیضا: أنت منّی بمنزله هارون من موسى إلّا أنّه لا نبىّ بعدی، فأبان نفسه بالنّبوه و أثبت له ما عداها من جمیع الفضایل و الخصائص مشترکا بینهما.

قال الشّارح المعتزلی: و کان النّقیب أبو جعفر غزیر العلم صحیح العقل منصفا بالجدل غیر متعصّب للمذهب و إن کان علویا و کان یعترف بفضایل الصّحابه و یثنى على الشّیخین و یقول: إنهما مهّدا دین الاسلام و أرسیا قواعده و لقد کان شدید الاضطراب فی حیاه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و إنّما مهّداه بما تیسّر للعرب من الفتوح و الغنایم فی دولتهما و کان یقول فی عثمان: إنّ الدوله فى أیّامه کانت على إقبالها و علوّ جدّها بل کانت الفتوح فی أیّامه أکثر و الغنایم أعظم لو لا أنّه لم یراع ناموس الشیخین و لم یستطع أن یسلک مسلکهما و کان مضعفا فی أصل القاعده مغلوبا علیه و کثیر الحبّ لأهله و اتیح له من مروان وزیر سوء ما أفسد القلوب علیه و حمل النّاس على خلعه و قتله.

قال الشّارح: و کان أبو جعفر لا یجحد الفاضل فضله و الحدیث ذو شجون قلت له مرّه: ما سبب حبّ النّاس لعلىّ بن أبی طالب علیه السّلام و عشقهم له و تهالکهم فی هواه و دعنى فی الجواب من حدیث الشّجاعه و العلم و الفصاحه و غیر ذلک من الخصائص التی رزقه اللّه سبحانه الکثیر الطیّب منها.

فضحک و قال لى: لم تجمع حرا میزک علیّ ثمّ قال: ههنا مقدّمه ینبغی أن تعلم و هى: إنّ أکثر النّاس موتورون من الدنیا أمّا المستحقّون فلا ریب فی أنّ أکثرهم محرومون.
نحو عالم یرى أنّه لا حظّ له من الدّنیا، و یرى جاهلا غیره مرزوقا موسّعا علیه.
بضروراته، و یرى غیره و هو جبان فشل ینفر من ظلّه مالکا بقطر عظیم من الدّنیا و قطعه وافره من المال و الرزق.
و عاقل سدید الرّأى صحیح العقل قد قدر علیه رزقه و هو یرى غیره أحمق مایقا تدرّ علیه الخیرات له أخلاف الرّزق و ذى دین قویم و عباده حسنه و اخلاص و توحید و هو محروم ضیق الرزق و یرى غیره یهودیّا أو نصرانیا أو زندیقا کثیر المال حسن الحال حتّى أنّ هذه الطبقات المستحقّه یحتاجون فی أکثر الوقت إلى الطبقات الّتی لا استحقاق لها، و تدعوهم الضّروره إلى الذلّ لهم و الخضوع بین أیدیهم إمّا لدفع ضرر أو لاستجلاب نفع.

و دون هذه الطبقات من ذوى الاستحقاق أیضا ما یشاهد عیانا من تجّار حاذق أو بنّاء عالم أو نقاش بارع أو مصوّر لطیف على غایه ما یکون من ضیق رزقهم و قلّه الحیله بهم، و یرى غیرهم ممّن لیس یجرى مجراهم و لا یلحق طبقتهم مرزوقا مرغوبا کثیر المکسب طیب العیش واسع الرّزق.
فهذا حال ذوى الاستحقاق و الاستعداد.

و أما الذین لیسوا من أهل الفضایل کحثو العامّه فانّهم أیضا لا یخلون من الحقد على الدّنیا و الذمّ لها و الحنق و الغیظ منها لما یلحقهم من حسد أمثالهم و جیرانهم و لا ترى أحدا منهم قانعا بعیشه و لا راضیا بحاله یتزیّد و یطلب حالا فوق حاله قال:فاذا عرفت هذه المقدّمه فمعلوم أنّ علیّا علیه السّلام کان مستحقا محروما بل هو أمیر المستحقّین المحرومین و سیّدهم و کبیرهم، و معلوم أنّ الّذین یلحقهم النّزله و ینالهم الضّیم یتعصّب بعضهم لبعض و یکونون البا و یدا واحده على المرزوقین الّذین ظفروا بالدّنیا لاشتراکهم فی الأمر الذى ألمهم و ساءهم و عضّهم و مضّهم، و اشتراکهم فی الأنفه و الحمیه و الغضب و المنافسه لمن علیهم و قهر علیهم و بلغ من الدّنیا ما لم یبلغوه.
فاذا کان هؤلاء أعنی المحرومین متساوین فی المنزله و المرتبه و تعصّب بعضهم لبعض فما ظنّک بما إذا کان رجل عظیم القدر جلیل الخطر کامل الشرف جامع للفضایل محتو على الخصائص و المناقب و هو مع ذلک محروم محدود قد جرّعته الدّنیا علاقمها، و علته عللا بعد نهل من صابها و صبرها، و لقى منها برحا بارحا و جهدا جهیدا و علا علیه من هو دونه و حکم فیه و فی بیته و أهله و رهطه من لم یکن ما ناله من الامره و السّلطان فی حسابه، و لا دائرا فی خلده، و لا خاطرا بباله، و لا کان أحد من الناس یرتقب ذلک له و لا یراء له، ثم کان فی آخر الامر أن قتل هذا الرجل الجلیل فی محرابه و قتل بنوه بعده و سبى حریمه و نساؤه و تتّبع أهله و بنو عمّه بالطرد و القتل و الشّرید و السّجون مع فضلهم و زهدهم و عبادتهم و سخائهم و انتفاع الخلق بهم.

فهل یمکن أن لا یتعصّب البشر کلّهم مع هذا الشّخص و هل تستطیع أن لا تحبّه و تهواه و تذوب فیه و تفنى فی عشقه انتصارا له و حمیّه من أجله و آنفه ممّا ناله و امتعاضا ممّا جرى علیه.
و هذا أمر مرکوز فی الطّبایع مخلوق فی الغرائز کما یشاهد النّاس على الجرف إنسانا قد وقع فی الماء العمیق و هو لا یحسن السّباحه فانّهم بالطّبع البشرى یرقّون علیه رقّه شدیده.

و قد بلغنی أنّه رمى قوم منهم أنفسهم فی الماء نحوه یطلبون تخلیصه و لا یتوقّعون على ذلک مجازاه منه بمال أو شکر و لا ثواب فی الاخره فقد یکون منهم من لا یعتقد أمر الاخره، و لکنّها رقّه بشریّه و کان الواحد منهم یتخیّل فی نفسه أنّه ذلک الغریق‏فکما یطلب خلاص نفسه لو کان هذا الغریق کذلک یطلب تخلیص من هو فی تلک الحال الصّعبه للمشارکه الجنسیّه.
و کذلک لو أنّ ملکا ظلم أهل بلد من بلاده ظلما عنیفا لکان أهل ذلک البلد یتعصّب بعضهم لبعض فی الانتصار من ذلک الملک و الاستعداء علیه.
فلو کان من جملتهم رجل عظیم القدر جلیل الشّأن قد ظلمه الملک أکثر من ظلمه إیّاهم و أخذ أمواله و ضیاعه و قتل أولاده و أهله کان لیاذهم به و انضوائهم إلیه و اجتماعهم و التفافهم به أعظم و أعظم، لأنّ الطّبیعه البشریّه تدعو إلى ذلک على سبیل الایجاب و الاضطرار و لا یستطیع الانسان منه امتناعا.

قال الشّارح: هذا محصول قول النقیب أبی جعفر قد حکیته و الألفاظ لی و المعنى له، و کان لا یعتقد فی الصّحابه ما یعتقده أکثر الامامیّه فیهم و یسفّه رأى من یذهب فیهم إلى النّفاق و التّکفیر، و کان یقول: حکمهم حکم مسلم مؤمن عصى فی بعض الافعال فحکمه إلى اللّه إن شاء أخذه و إن شاء غفر له قلت له مرّه: أ فتقول إنّهما من أهل الجنّه فقال: إى و اللّه أعتقد ذلک لأنّهما إمّا أن یعفو اللّه عنهما ابتداء أو بشفاعه الرّسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أو بشفاعه علىّ أو یؤاخذهم بعقاب أو عتاب ثمّ ینقلهما إلى الجنه لا استریب فی ذلک أصلا و لا أشکّ فی ایمانهما برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و صحّه عقیدتهما فقلت له: فعثمان قال: و کذلک عثمان ثمّ قال: رحم اللّه عثمان و هل کان إلّا واحدا منّا و غصنا من شجره عبد مناف، و لکن أهله کدروه علینا و أوقعوا العداوه و البغضاء بینه و بیننا قلت له: فیلزم ذلک على ما تراه فی أمر هؤلاء أن یجوز دخول معاویه الجنّه لأنه لم تکن منه إلّا المخالفه و ترک امتثال أمر النبویّ.

فقال: کلّا إنّ معاویه من أهل النار لا لمخالفته علیا و لا بمحاربته ایّاه، و لکن عقیدته لم تکن صحیحه و لا ایمانه حقا کان من رءوس المنافقین هو و أبوه، و لم یسلم قلبه قطّ و إنما أسلم لسانه، و کان یذکر من حدیث معاویه و من فلتات‏قوله و ما حفظ من کلام یقتضی فساد العقیده شیئا کثیرا لیس هنا موضع ذکره فأذکره و قال لی مرّه: حاش للّه أن یثبت معاویه فی جریده الشیخین الفاضلین أبی بکر و عمر و اللّه ما هما إلّا کالذّهب الابریز و لا معاویه إلّا کالدّرهم الزایف أو قال کالدّرهم القمی.

ثمّ قال لى: فما یقول أصحابکم فیهما قلت: أما الذى استقرّ علیه رأى المعتزله بعد اختلاف کثیر بین قدمائهم فى التفضیل و غیره إنّ علیا علیه السّلام أفضل الجماعه و إنّهم ترکوا الأفضل لمصلحه رأوها و إنه لم یکن هناک نصّ قاطع العذر و إنما کانت إشاره و ایماء لا یتضمّن شی‏ء منها صریح النصّ و إنّ علیا نازع ثمّ بایع، و جمح ثمّ اسحب، و لو قام على الامتناع لم نقل بصحّه البیعه له و لا بلزومها، و لو جرّد السیف کما جرّده فی آخر الأمر لقلنا بفسق کلّ من خالفه على الاطلاق إنه فاسق کافر و لکن رضی بالبیعه أخیرا و دخل فى الطاعه، و بالجمله أصحابنا یقولون: إنّ الأمر کان له و کان هو المستحقّ و المتعیّن فان شاء أخذه بنفسه و إن شاء ولّاه غیره فلما رأیناه قد وافق على ولایه غیره اتبعناه و رضیناه.

فقال: قد بقی بینی و بینکم قلیل أنا أذهب إلى النصّ و أنتم لا تذهبون إلیه فقلت: إنه لم یثبت النصّ عندنا بطریق یوجب العلم، و ما تذکرونه أنتم صریحا فانتم تنفردون بنقله، و ما عدا ذلک من الأخبار التی نشارککم فیها فلها تأویلات معلومه.
فقال و هو ضجر: یا فلان لو فتحنا باب التأویلات لجاز أن نتأوّل قولنا لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه، دعنی من التأویلات البارده التی تعلم القلوب و النفوس أنها غیر مراده و أنّ المتکلّمین تکلّفوها و تعسّفوها، فانما أنا و أنت فى الدّار و لا ثالث لنا فیستحیى أحدنا من صاحبه أو یخافه.

قال الشارح: فلما بلغنا إلى هذا الموضع دخل قوم ممن کان یخشاه، فترکنا ذلک الاسلوب من الحدیث و خضنا فی غیره، انتهى.

قال الشارح المحتاج إلى رحمه ربّ العالمین المتمسّک بحبل اللّه المتین ولایه أمیر المؤمنین: للّه در الشارح المعتزلی و النّقیب أبی جعفر الحسنی، فلقد أجاد کلّ منهما فیما أفاد، و أسفرا النّقاب عن وجه المراد، و حقّقا ما هو الحقّ الأحقّ بالاتباع، و أفصحا عن صریح مذهب الشّیعه الامامیّه رضی اللّه عنهم لو لا إنکار الأوّل للنّص الجلی و تعصّب الثّانی فی حقّ الشیخین و قوله: بأنّهما من أهل الجنّه بشفاعه الرّسول صلّى اللّه علیه و آله أو بشفاعه علیّ علیه السّلام و بعباره اخرى عدم تبرّیه من الشّیخین مع تولّیه لأمیر المؤمنین فان کان ما قالاه مقتضى التّقیّه الّتی هی شعار الامامیّه أى یکون ما أضمراه خلاف ما أظهراه، فطوبى لهم و حسن ماب و جنّات خلد مفتّحه الأبواب.
و إن کان سریرتهما وفق علانیتهما فویل لهما من دیّان الدّین یوم حشر الأوّلین و الاخرین.

و ما أدرى ما ذا یعتذران به إذا لاقیا أمیر المؤمنین فی موقف حساب ربّ العالمین و کیف یمکن إنکار النصّ مع وجود النّصوص القاطعه المتواتره العامیه و الخاصیّه حسبما عرفت فی تضاعیف الشرح و تعرف أیضا فی المواقع اللایقه، أم کیف یمکن اجتماع ولایه أمیر المؤمنین علیه السّلام و محبّته فی القلب مع محبّه الشیخین و ما جعل اللّه لرجل فی جوفه من قلبین و لنعم ما

قال مجنون العامرى:

و لو کان لی قلب یذوب بحبّها
و قلب باخرى إنّها لقلوب‏

و قد تقدّم فی شرح الخطبه المأه و السابعه و الأربعین أخبار کثیره فى عدم اجتماع محبّته علیه السّلام مع محبّه غیره فلیتذکّر، هذا.
مضافا إلى النصّ الذى هو مسلّم النقیب کما أنه مثبت لخلافه أمیر المؤمنین ناف لخلافه المنتحلین المبطلین، و بالجمله لازمه الولایه الحقّه الثبات فی عداوه الثلاثه.
و هنا لطیفه مناسبه للمقام یعجبنی ذکرها و هو: إنّ الشیخ صالح بن حسن سأل عن الشیخ الأجلّ بهاء الملّه و الدّین قدّس اللّه‏روحه و قال: ما قول سیدى و سندى فی هذه الأبیات لبعض النواصب فالمأمول أن تشرفوا بجواب منظوم یکسر سورته:

أهوى علیا أمیر المؤمنین
و لا أرضى بسبّ أبی بکر و لا عمرا

و لا أقول إذا لم یعطیا فدکا
بنت النبیّ رسول اللّه قد کفرا

اللّه یعلم ما ذا یأتیان به
یوم القیامه من عذر إذا اعتذرا

فأجابه الشیخ قدّس سرّه العزیز: التمست أیها الأخ الأفضل الصفیّ الوفیّ أطال اللّه بقاک و أدام فى معارج العزّ ارتقاک الاجابه عما هذر به هذا المخذول فقابلت التماسک بالقبول و طفقت أقول:

یا أیها المدّعی حبّ الوصیّ
و لم تسمح بسبّ أبی بکر و لا عمرا

کذبت و اللّه فى دعوى محبّته‏
تبّت یداک ستصلى فی غد سقرا

فکیف تهوى أمیر المؤمنین و قد أراک
فى سبّ من عاداه مفتکرا

فان تکن صادقا فیما نطقت به‏
فابرء إلى اللّه ممّن خان أو غدرا

و أنکر النصّ فی خمّ و بیعته و قال
إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قد هجرا

أتیت تبغی قیام العذر فى فدک‏
أ نحسب الأمر فى التمویه مستترا

إن کان فى غصب حقّ الطهر
فاطمه سیقبل العذر ممّن جاء معتذرا

فکلّ ذنب له عذر غداه غد
و کلّ ظلم ترى فى الحشر مغتفرا

فلا تقولوا لمن أیّامه صرفت
فى سبّ شیخیکم قد ضلّ أو کفرا

بل سامحوه و قولوا لا نؤاخذه‏
عسى یکون له عذر إذا اعتذرا

فکیف و العذر مثل الشمس
اذ بزغت و الأمر متّضح کالصّبح إذ ظهرا

لکنّ إبلیس أغواکم و صیّرکم‏
عمیا و صمّا فلا سمعا و لا بصرا

الترجمه

مى‏ فرماید قسم بخدا نیست معاویه زیرکتر از من در تدبیر امورات دنیویّه،و لکن آن ملعون مکر و حیله می کند و مرتکب فسق و فجور مى‏ شود، و اگر حیله کردن حرام نمى‏ شد هر آینه مى‏ بودم من از زیرکترین خلق و لکن هر حیله کننده فاسق و فاجر است، و هر فاسق و فاجر کافر، و هر صاحب حیله را علمى است شناخته مى‏ شود با او در روز قیامت، بخدا سوگند طلب نمى ‏شود غفلت از من بجهت کید و حیله و طمع نمى ‏شود در ضعف من بجهت شداید و سختیهاى روزگار.

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۸۸

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۹۸ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۱۹۹ صبحی صالح

۱۹۹- و من کلام له ( علیه ‏السلام  ) کان یوصی به أصحابه‏

الصلاه

تَعَاهَدُوا أَمْرَ الصَّلَاهِ وَ حَافِظُوا عَلَیْهَا وَ اسْتَکْثِرُوا مِنْهَا وَ تَقَرَّبُوا بِهَا فَإِنَّهَا کانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ کِتاباً مَوْقُوتاًأَ لَا تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أَهْلِ النَّارِ حِینَ سُئِلُوا ما سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ قالُوا لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ‏

وَ إِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الْوَرَقِ وَ تُطْلِقُهَا إِطْلَاقَ الرِّبَقِ

وَ شَبَّهَ هَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى‏ الله ‏علیه ‏وآله‏ وسلم  )بِالْحَمَّهِ تَکُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ فَهُوَ یَغْتَسِلُ مِنْهَا فِی الْیَوْمِ وَ اللَّیْلَهِ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَمَا عَسَى أَنْ یَبْقَى عَلَیْهِ مِنَ الدَّرَنِ

وَ قَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ الَّذِینَ لَا تَشْغَلُهُمْ عَنْهَا زِینَهُ مَتَاعٍ وَ لَا قُرَّهُ عَیْنٍ مِنْ وَلَدٍ وَ لَا مَالٍ یَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَهٌ وَ لا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاهِ وَ إِیتاءِ الزَّکاهِ

وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى‏الله‏علیه‏وآله  )نَصِباً بِالصَّلَاهِ بَعْدَ التَّبْشِیرِ لَهُ بِالْجَنَّهِ لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ أْمُرْ أَهْلَکَ بِالصَّلاهِ وَ اصْطَبِرْ عَلَیْهافَکَانَ یَأْمُرُ بِهَا أَهْلَهُ وَ یَصْبِرُ عَلَیْهَا نَفْسَهُ

الزکاه

ثُمَّ إِنَّ الزَّکَاهَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلَاهِ قُرْبَاناً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَعْطَاهَا طَیِّبَ النَّفْسِ بِهَا فَإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ کَفَّارَهً وَ مِنَ النَّارِ حِجَازاً وَ وِقَایَهً

فَلَا یُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ وَ لَا یُکْثِرَنَّ عَلَیْهَا لَهَفَهُ فَإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَیْرَ طَیِّبِ النَّفْسِ بِهَا یَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّهِ مَغْبُونُ الْأَجْرِ ضَالُّ الْعَمَلِ طَوِیلُ النَّدَمِ

الأمانه

ثُمَّ أَدَاءَ الْأَمَانَهِ فَقَدْ خَابَ مَنْ لَیْسَ مِنْ أَهْلِهَا إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى السَّمَاوَاتِ الْمَبْنِیَّهِ وَ الْأَرَضِینَ الْمَدْحُوَّهِ وَ الْجِبَالِ ذَاتِ الطُّولِ‏الْمَنْصُوبَهِ فَلَا أَطْوَلَ وَ لَا أَعْرَضَ وَ لَا أَعْلَى وَ لَا أَعْظَمَ مِنْهَا

وَ لَوِ امْتَنَعَ شَیْ‏ءٌ بِطُولٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ قُوَّهٍ أَوْ عِزٍّ لَامْتَنَعْنَ وَ لَکِنْ أَشْفَقْنَ مِنَ الْعُقُوبَهِ وَ عَقَلْنَ مَا جَهِلَ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُنَّ وَ هُوَ الْإِنْسَانُ إِنَّهُ کانَ ظَلُوماً جَهُولًا

علم اللّه تعالى‏

إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى لَا یَخْفَى عَلَیْهِ مَا الْعِبَادُ مُقْتَرِفُونَ فِی لَیْلِهِمْ وَ نَهَارِهِمْ لَطُفَ بِهِ خُبْراً وَ أَحَاطَ بِهِ عِلْماً أَعْضَاؤُکُمْ شُهُودُهُ وَ جَوَارِحُکُمْ جُنُودُهُ وَ ضَمَائِرُکُمْ عُیُونُهُ وَ خَلَوَاتُکُمْ عِیَانُهُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۱۲  

و من کلام له علیه السّلام و هو المأه و الثامن و التسعون من المختار فى باب الخطب

و هو مروىّ فی الکافی ببسط و اختلاف کثیر تطلع علیه بعد الفراغ من شرح ما أورده السیّد (ره) هناتعاهدوا أمر الصّلاه و حافظوا علیها، و استکثروا منها، و تقرّبوا بها، فانّها کانت على المؤمنین کتابا موقوتا، ألا تسمعون إلى جواب أهل النّار حیث سئلوا ما سلککم فی سقر، قالوا لم نک من المصلّین و انّها لتحتّ الذّنوب حتّ الورق، و تطلقها إطلاق الرّبق، و شبّهها رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بالحمّه تکون على باب الرّجل، فهو یغتسل منها فی الیوم و اللّیله خمس مرّات، فما عسى أن یبقى علیه من الدّرن، و قد عرف حقّها رجال من المؤمنین الّذین لا تشغلهم عنها زینه متاع، و لا قرّه عین من ولد و لا مال، یقول اللّه سبحانه: رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَهٌ وَ لا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاهِ وَ إِیتاءِ الزَّکاهِ» و کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم نصبا بالصّلاه بعد التّبشیر له بالجنّه، لقول اللّه سبحانه «وَ أْمُرْ أَهْلَکَ بِالصَّلاهِ وَ اصْطَبِرْ عَلَیْها» فکان یأمر أهله و یصبّر علیها نفسه.

ثمّ إنّ الزّکاه جعلت مع الصّلاه قربانا لأهل الإسلام، فمن أعطیها طیّب النّفس بها فإنّها تعجل له کفّاره، و من النّار حجازا و وقایه، فلا یتبعنّها أحد نفسه، و لا یکثرنّ علیها لهفه، فانّ من أعطاها غیر طیّب النّفس بها یرجو بها ما هو أفضل منها، فهو جاهل بالسّنّه، مغبون الاجر، ضالّ العمل، طویل النّدم.

ثمّ أداء الامانه فقد خاب من لیس من أهلها، إنّها عرضت على السّماوات المبنیّه، و الارضین المدحوّه، و الجبال ذات الطّول المنصوبه فلا أطول، و لا أعرض، و لا أعلى، و لا أعظم منها، و لو امتنع شی‏ء بطول، أو عرض، أو قوّه، أو عزّ، لامتنعن و لکن أشفقن من العقوبه، و عقلن ما جهل من هو أضعف منهنّ، و هو الانسان إنّه کان ظلوما جهولا. إنّ اللّه سبحانه لا یخفى علیه ما العباد مقترفون فی لیلهم و نهارهم، لطف به خبرا، و أحاط به علما، أعضائکم شهوده، و جوارحکم جنوده، و ضمائرکم عیونه، و خلواتکم عیانه.

اللغه

(تعاهدوا أمر الصّلاه) و روى تعهّدوا بدله یقال تعهّدت الشی‏ء و تعاهدته تردّدت إلیه و تفقّدته و أصلحته، و حقیقته تجدید العهد به، و فى الدّعاء عند الحجر الأسود: میثاقی تعهّدته لتشهد لی بالموافاه یوم القیامه، و فی روایه العلل عن أبی عبد اللّه علیه السّلام تعاهدته بدله، أى جدّدت العهد به، قال الفیومی: قال الفارابى: تعهّدته أفصح من تعاهدته، و قال ابن فارس و لا یقال تعاهدته، لأنّ التعاهد لا یکون إلّا من اثنین و یردّه کلام أمیر المؤمنین علیه السّلام على روایه السیّد، و دعاء الحجر على روایه العلل و ما فی الحدیث من قوله: تعاهدوا نعالکم عند أبواب مساجدکم.

و (حتّ) الرّجل الورق من الشجر حتا من باب مدّ أسقطه و أزاله، و تحاتت‏الشّجره تساقط ورقها و (الرّبق) وزان عنب جمع ربق بالکسر وزان حمل حبل فیه عدّه عرى یشدّ به البهم، و کلّ عروه ربقه و (الحمه) بفتح الحاء المهمله کلّ عین فیها ماء حارّ ینبع یستشفى بها الأعلاء، و فی بعض النّسخ بالجیم و هى البئر الکثیره الماء و (الدّرن) محرّکه الوسخ.

و (اقام الصّلاه) أصله إقوام مصدر أقوم مثل أکثر أکرم إکراما، و التّاء فی إقامه عوض من العین السّاقط بالاعلال، فلما اضیفت اقیمت الاضافه مقام حرف التّعویض و (نصب) نصبا کتعب وزنا و معنى فهو نصب.

و (یصبّر علیها نفسه) بالتثقیل أى یأمرها بالصّبر من صبّرته أى حملته على الصّبر بوعد الأجر، و قلت له: اصبر و یروى بالتّخفیف أى یحبس علیها نفسه و (القربان) کفرقان اسم لما یتقرّب به إلى اللّه من أعمال البرّ.

و قوله (فلا یتبعنّها) بنون التّوکید مثقّله من اتبعت فلانا لحقته قال تعالى فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ أى لحقهم و (العیان) بالکسر المعاینه یقال لقاه عیانا أى معاینه لم یشکّ فی رؤیته إیّاه.

الاعراب

قوله: على المؤمنین، متعلّق بقوله: موقوتا قوله: فما عسى أن یبقى علیه من الدّرن، کلمه ما نافیه و عسى تامّه بمعنى کاد، و أن یبقى علیه، فی موضع رفع بأنّه فاعل عسى کما فی قوله تعالى عَسى‏ أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً و فاعل یبقى محذوف و من الدّرن بیان للفاعل المحذوف أى یبقى علیه شی‏ء من الدّرن.

و قوله تعالى: رجال، فاعل یسبّح المذکور قبل ذلک، قال سبحانه یُسَبِّحُ لَهُ فِیها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ و على قراءه یسبّح مبنیّا للمفعول فالجار و المجرور أعنی له نایب عن الفاعل و رجال مرفوع بفعل محذوف یدل علیه الفعل المذکور کأنّه بعد ما قیل یسبّح له سئل عن المسبّح فقیل: رجال، أى یسبّح له‏رجال على حدّ قول الشّاعر:

لیبک یزید ضارع لخصومه            و مختبط ممّا تطیح الطوایح‏

أى یبکیه ضارع، و قوله: طیّب النّفس، منصوب على الحال من فاعل أعطى، و قوله: غیر طیّب النّفس، و جمله یرجو بها منصوبان لفظا و محلا أیضا على الحال و قوله: لا یخفى علیه ما العباد مقترفون، کلمه ما موصوله منصوبه محلا مفعول یخفى و ما بعدها صله لها و العاید محذوف أى مقترفون له.

المعنى

اعلم أنّ مدار هذا الکلام الشّریف على فصول ثلاثه الفصل الاول فی الأمر بالصّلاه و الحثّ علیها و الفصل الثانی فی الترغیب فی الزّکاه و الالزام بها و الفصل الثالث فی التحضیض على أداء الأمانه و التّحذیر من المعاصی.

اما الفصل الاول

فهو قوله (تعاهدوا أمر الصلاه) أى جدّدوا العهد بها و راقبوا علیها فی أوقاتها المخصوصه و لا تضیّعوها و لا تغفلوا عنها، لأنها عماد الدّین، و معراج المؤمنین، و قربان کلّ تقىّ و مؤمن نقیّ، و أوّل ما یحاسب به العبد إن قبلت قبل ما سواها و إن ردّت ردّ ما سواها.

و قد ذمّ اللّه أقواما توانوا عنها و استهانوا بأوقاتها فقال: «فَوَیْلٌ لِلْمُصَلِّینَ الَّذِینَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ» قال أمیر المؤمنین علیه السّلام فی روایه الخصال: یعنی أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها.

(و حافظوا علیها) أى على أوقاتها و رعایه آدابها و سننها و حدودها و مراسمها و شروطها و أرکانها.

فلقد قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم من ترک صلاته متعمّدا فقد هدم دینه.

و قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لا تضیعوا صلاتکم فانّ من ضیع صلاته حشره اللّه تعالى مع قارون و فرعون و هامان لعنهم اللّه و أخزاهم و کان حقا على اللّه أن یدخله النار مع المنافقین فالویل لمن لم یحافظ على صلاته.

و قال أبو جعفر علیه السّلام إنّ الصلاه إذا ارتفعت فی أوّل وقتها رجعت إلى صاحبها و هی بیضاء مشرقه، تقول: حفظتنی حفظک اللّه و إذا ارتفعت فی غیر وقتها بغیر حدودها رجعت إلى صاحبها و هى سوداء مظلمه، تقول: ضیّعتنى ضیّعک اللّه.

و قد أمر اللّه عزّ و جل بمحافظتها فی الکتاب العزیز بقوله: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاهِ الْوُسْطى‏ وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِینَ.

قال أمین الاسلام الطبرسى: أى داوموا على الصلوات المکتوبات فی مواقیتها بتمام أرکانها، ثمّ خص الوسطى تفخیما لشأنها فقال: و الصّلوه الوسطى و قال المحدّث العلّامه المجلسى: و یدلّ بناء على کون الأمر مطلقا أو خصوص أمر القرآن للوجوب على وجوب المحافظه على جمیع الصّلوات إلّا ما أخرجها الدلیل، و ربما یستدلّ بها على وجوب صلاه الجمعه و العیدین و الایات، و لکن فی بعض الرّوایات أنّ المراد بها الصّلوات الخمس، و على تقدیر العموم یمکن تعمیمها بحیث یشمل النّوافل و التّطوّعات أیضا، فلا یکون الأمر على الوجوب، و یشمل رعایه السّنن فی الصلاه الواجبه أیضا کما یفهم من بعض الأخبار.

و خصّ الصلاه الوسطى بذلک بعد التعمیم لشدّه الاهتمام بها لمزید فضلها أو لکونها معرضه للضّیاع من بینها فهى الوسطى بین الصلاه وقتا أو عددا او الفضلى من قولهم للأفضل الأوسط.

و قد قال بتعیین کلّ من الصلوات الخمس قوم إلّا أنّ أصحابنا لم یقولوا بغیر الظهر و العصر کما یظهر من المنتهى و غیره.

فقال الشیخ فی الخلاف: إنّها الظهر و تبعه جماعه من أصحابنا و به قال زید بن ثابت عایشه و عبد اللّه بن شداد، لأنّها بین صلاتین بالنّهار، و لأنّها فى وسط النّهار، و لأنّها تقع‏ فى شدّه الحرّ و الهاجره وقت شدّه تنازع الانسان إلى النّوم و الرّاحه فکانت أشقّ، و أفضل العبادات أحمزها، و أیضا الأمر بمحافظه ما کان أشقّ أنسب و أهمّ و لأنّها أوّل صلاه فرضت و لأنها فی الساعه الّتی یفتح فیها أبواب السماء فلا تغلق حتّى تصلّى الظهر و یستجاب فیها الدّعاء.

و روى الجمهور عن زید بن ثابت قال: کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یصلّى الظهر بالهاجره و لم یکن یصلّى صلاه أشدّ على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم منها فنزلت الایه.

و روى التّرمدى و أبو داود عن عایشه عن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أنّه قرء حافظوا على الصلوات و الصلاه الوسطى و صلاه العصر.

قال فی المنتهى: و العطف یقتضى المغایره لا یقال: الواو زایده کما فی قوله تعالى وَ لکِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَ خاتَمَ النَّبِیِّینَ لأنّا نقول: الزّیاده منافیه للأصل فلا یصار إلیه إلّا لموجب و المثال الذى ذکروه نمنع زیاده الواو فیه بل هى للعطف على بابها و قال فی مجمع البیان: کونها الظهر هو المرویّ عن الباقر و الصادق علیهما السّلام و روى فیه عن علیّ علیه السّلام أنّها الجمعه یوم الجمعه و الظهر فى سایر الأیام.

و قال السید المرتضى هى صلاه العصر و تبعه جماعه من أصحابنا، و به قال أبو هریره و أبو أیّوب و أبو سعید عبیده السلمانى و الحسن و الضّحاک و أبو حنیفه و أصحابه و أحمد و نقله الجمهور عن علیّ علیه السّلام قالوا لأنّها بین صلاتی لیل و صلاتی نهار.

و احتجّ السید ره باجماع الشیعه.

و المخالفون بما رووا عن النّبی صلّى اللّه علیه و آله أنّه قال یوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاه الوسطى صلاه العصر ملأ اللّه بیوتهم و قبورهم نارا.

و فی الوسائل بعد روایه الأخبار الدّالّه على أنّها الظهر قال: و تقدّم ما یشعر بأنها العصر، و هو محمول على التّقیه فی الرّوایه.

و قیل: إنّها إحدى الصلوات الخمس لم یعیّنها اللّه و أخفاها فی جمله الصلوات‏ المکتوبه لیحافظوا على جمیعها کما أخفى لیله القدر فی لیالى شهر رمضان، و اسمه الأعظم فی جمیع الأسماء، و ساعه الاجابه فی ساعات الجمعه لئلا یتطرّق التّشاغل بغیرها بل یهتمّ غایه الاهتمام بالکلّ فیدرک کمال الفضل.

(و استکثروا منها) فانّها خیر موضوع فمن شاء أقلّ و من شاء أکثر.

روى فی البحار من البصایر عن محمّد بن الحسین عن عبد الرّحمن بن أبی هاشم ابن العتبه العابده قال: سمعت أبا جعفر علیه السّلام و ذکر عنده الصلاه فقال: إنّ فى کتاب علیّ علیه السّلام الذى إملا رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّ اللّه لا یعذّب على کثره الصلاه و الصیام و لکن یزیده جزاء «خیرا خ» و فى الوسایل عن الشیخ باسناده عن محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السّلام قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم رجل فقال: ادع اللّه أن یدخلنی الجنّه فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أعنّى بکثره السّجود.

و فیه عن الصدوق باسناده عن أبی جعفر العطار قال: سمعت الصادق جعفر ابن محمّد علیهما السّلام یقول: جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال: یا رسول اللّه کثرت ذنوبى و ضعف عملى، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: أکثر السّجود فانّه یحطّ الذنوب کما تحتّ الرّیح ورق الشجر.

(و تقرّبوا بها) إلى اللّه سبحانه فانّها قربان کلّ تقىّ.

کما رواه فی البحار من العیون باسناده عن محمّد بن الفضیل عن الرّضا علیه السّلام قال: الصلاه قربان کلّ تقىّ.

و فیه من ثواب الأعمال باسناده عن موسى بن بکر عن أبی الحسن علیه السّلام قال: صلاه النّوافل قربان کلّ مؤمن.

بل هى أفضل ما یتقرّب به إلیه تعالى.

کما یدلّ علیه ما رواه فی الکافى باسناده عن معاویه بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السّلام عن أفضل ما یتقرّب به العباد إلى ربّهم فقال: ما أعلم شیئا بعد المعرفه أفضل من هذه الصلاه، ألا ترى أنّ العبد الصالح عیسى بن مریم علیهما السّلام قال: و أوصانى‏ بالصلاه و الزّکوه ما دمت حیّا، هذا.

و لمّا أمر بتعاهدها و محافظتها و التّقرّب بها عقّب علیه السّلام ذلک و علّله بوجوه مرغبه.

أحدها قوله (فانّها کانت على المؤمنین کتابا موقوتا) اقتباس من الایه الشریفه فى سوره النساء.

قال فی مجمع البیان: اختلف فی تأویله فقیل: إنّ الصلاه کانت على المؤمنین واجبه مفروضه و هو المرویّ عن الباقر و الصادق علیهما السّلام، و قیل: معناه فرضا موقوتا أى منجما تؤدّونها فی أنجمها.

و فی الکافى باسناده عن داود بن فرقد قال: قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام: قوله تعالى إِنَّ الصَّلاهَ کانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ کِتاباً مَوْقُوتاً قال: کتابا ثابتا و لیس إن عجّلت قلیلا أو أخّرت قلیلا بالذى یضرّک ما لم تضیّع تلک الاضاعه فانّ اللّه عزّ و جلّ یقول لقوم فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاهَ وَ اتَّبَعُوا.

و فیه عن زراره عن أبی جعفر علیه السّلام فی هذه الایه أى کتابا موجوبا «موجبا خ ل» هذا و تخصیص المؤمنین بالذکر فی الایه الشریفه لتحریصهم و ترغیبهم على حفظها و حفظ أوقاتها حالتى الأمن و الخوف و مراعاه جمیع حدودها فی حال الأمن و ایماء بأنّ ذلک من مقتضى الایمان و شعار أهله فلا یجوز أن تفوتهم و إنّ التّساهل فیها یخلّ بالایمان و انّهم هم المنتفعون بها لعدم صحّتها من غیرهم.

الثانی قوله (ألا تسمعون إلى جواب أهل النار) و الاستفهام للتقریر بما بعد النّفى أو للتوبیخ و التقریع، و الغرض منه تنبیه المخاطبین على أنّ ترک الصلاه یوجب دخول النار و سخط الجبار لیتحرزوا من ترکها و یحافظوا علیها.

و ذلک انّ أهل النار (حین سئلوا) أى سألهم أهل الجنّه على ما حکى اللّه عنهم فی سوره المدّثر بقوله: کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ رَهِینَهٌ. إِلَّا أَصْحابَ الْیَمِینِ. فِی جَنَّاتٍ یَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِینَ. ما سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ. قالُوا لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ‏وَ لَمْ نَکُ نُطْعِمُ الْمِسْکِینَ. وَ کُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِینَ. وَ کُنَّا نُکَذِّبُ بِیَوْمِ الدِّینِ. حَتَّى أَتانَا الْیَقِینُ.

قال أمین الاسلام الطبرسى فی تفسیر الایه: کلّ نفس بما کسبت رهینه أى محبوسه بعملها مطالبه بما کسبته من طاعه أو معصیه، ثمّ استثنى سبحانه أصحاب الیمین وهم الذین یعطون کتبهم بأیمانهم و قال الباقر علیه السّلام نحن و شیعتنا أصحاب الیمین.

فی جنّات یتساءلون، أى یسأل بعضهم بعضا و قیل: یسألون عن المجرمین أى عن حالهم و عن ذنوبهم الّتی استحقوا بها النار.

ما سلککم فی سقر، هذا سؤال توبیخ أى تطلع أهل الجنّه على أهل النار فیقولون: ما أوقعکم فی النار.

قالوا لم نک من المصلّین، أى کنا لا نصلّى الصلاه المکتوبه على ما قرّرها الشرع، و فی هذا دلاله على أنّ الاخلال بالواجب یستحقّ به الذّم و العقاب، لأنهم علّقوا استحقاقهم العقاب بالاخلال بالصلاه، و فیه دلاله أیضا على أنّ الکفار مخاطبون بالعبادات الشرعیّه، لأنه حکایه عن الکفار بدلیل قوله: و کنا نکذّب بیوم الدّین.

و قوله: و لم نک نطعم المسکین، معناه لم نک نخرج الزّکوات الّتى کانت واجبه علینا، و الکفارات التی وجب دفعها إلى المساکین، و هم الفقراء.

و کنّا نخوض مع الخائضین أى کلّما غوى غاو بالدّخول فی الباطل غوینا معه و المعنى کنا نلوث أنفسنا فی المرور بالباطل کتلویث الرّجل بالخوض، فهؤلاء لما کانوا یجرون مع من یکذّب بالحقّ مشیعین لهم فى القول کانوا خائضین معهم.

و کنا نکذّب بیوم الدّین، مع ذلک أى نجحد یوم الجزاء و هو یوم القیامه.

حتّى أتینا الیقین، أى أتانا الموت على هذه الحاله، و قیل: حتّى جاءنا علم الیقین من ذلک بأن عاینّاه، هذا.

و فى الصافى عن الکافى عن الصادق علیه السّلام فی قوله: لم نک من المصلّین،قال علیه السّلام: لم نک من أتباع الأئمه الذین قال اللّه فیهم: و السابقون السابقون اولئک المقرّبون، أما ترى الناس یسمّون الذى یلی السابق فی الحلبه مصلّیا، فذلک الذى عنى حیث قال: لم نک من المصلّین أى لم نک من أتباع السابقین.

و عن الکاظم علیه السّلام یعنى أنا لم نتولّ وصیّ محمّد و الأوصیاء من بعده و لم نصلّ علیهم، و هذان لا ینافیان التفسیر المتقدّم لأنّ المتقدّم تنزیلها و هذا تأویلها.

(و) الثالث (انها لتحتّ الذّنوب حتّ الورق) أى تسقطها من الرّقاب سقوط الأوراق من الأشجار.

کما وقع التّصریح به فی روایه الوسایل من مجالس ابن الشّیخ باسناده عن سلمان الفارسى قال: کنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله فى ظلّ شجره فأخذ غصنا منها فنفضه فتساقط ورقه فقال: ألا تسألونى عمّا صنعت فقالوا: أخبرنا یا رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال: إنّ العبد المسلم إذا قام إلى الصلاه تحاطت خطایاه کما تحاطت ورق هذه الشجره، هذا.

و التشبیه فی کلامه علیه السّلام من قبیل تشبیه المعقول بالمحسوس، و کذلک فی قوله: (و تطلقها إطلاق الرّبق) و الکلام على القلب و المراد أنّها تطلق أعناق النفوس أى تفکّها من أغلال الذّنوب إطلاق أعناق البهایم من الأرباق.

و لمّا ذکر إسقاطها للذّنوب أیّده بقوله (و شبّهها رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله بالحمه تکون على باب الرّجل) و أشار إلى وجه الشّبه بقوله (فهو یغتسل منها) و یطهر جسده من الأوساخ (فی الیوم و اللّیله خمس مرّات فما عسى أن یبقى علیه) شی‏ء (من الدّرن) و کذلک من صلّى الصلوات الخمس لا یبقى علیه شی‏ء من الذّنوب.

و قد تقدّم فی شرح الخطبه المأه و التاسعه روایه متن الحدیث النّبوى من الفقیه عن الصادق علیه السّلام قال: قال النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّما مثل الصلاه فیکم کمثل السرى و هو النهر على باب أحدکم یخرج إلیه فی الیوم و اللّیله یغتسل منه خمس مرّات فلم یبق الدرن على الغسل خمس مرّات، و لم یبق الذنوب على الصلاه خمس مرّات.

و الرابع ما أشار إلیه بقوله (و قد عرف حقّها) و قدرها (رجال من المؤمنین) و هو علیه السّلام رئیسهم و سیّدهم و أفضلهم حسبما تطلع علیه فی الأخبار الاتیه و هم (الذین لا تشغلهم عنها زینه متاع و لا قرّه عین من ولد و لا مال) لعلمهم بأنّ المال و البنین زینه الحیاه الدنیا و الباقیات الصالحات خیر عند ربهم ثوابا و خیر أملا.

(یقول اللّه سبحانه) فی وصفهم فی سوره النّور: فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ یُسَبِّحُ لَهُ فِیها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ (رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَهٌ وَ لا بَیْعٌ) من عطف الخاص على العام لشمول التجاره سایر أنواع المکاسب (عن ذکر اللّه و إقام الصّلوه و ایتاء الزکاه) یخافون یوما تتقلّب فیه القلوب و الأبصار.

قال فى مجمع البیان: روى مرفوعا أنّه سئل النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لما قرء الایه أىّ بیوت هذه فقال: بیوتات الأنبیاء، فقام أبو بکر فقال: یا رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله هذا البیت منها لبیت علیّ و فاطمه، قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: نعم من أفاضلها.

و المراد بالرّفع التعظیم و رفع القدر من الأرجاس و التطهیر من المعاصى، و یذکر فیها اسمه أى یتلى فیها کتابه یسبّح له فیها بالغدوّ و الاصال أى یصلّى فیها بالبکر و العشایا، رجال لا تلهیهم، أى لا تشغلهم و لا تصرفهم، تجاره و لا بیع عن ذکر اللّه و إقام الصلاه، أى إقامه الصّلاه و ایتاء الزکاه أى إخلاص الطاعه للّه و قیل یرید الزکاه المفروضه.

و روى فی کتاب غایه المرام من تفسیر مجاهد و الى یوسف یعقوب بن سفین «کذا» قال ابن عبّاس فی قوله تعالى: وَ إِذا رَأَوْا تِجارَهً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَیْها وَ تَرَکُوکَ قائِماً إنّ دحیه الکلبی جاء یوم الجمعه من الشّام بالمسیره فنزل عند أحجار الزّیت ثمّ ضرب بالطبول لیأذن بقدومه و مضوا النّاس الیه إلّا علىّ و الحسن و الحسین و فاطمه و سلمان و أبو ذر و المقداد و صهیب و ترکوا النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قائما یخطب على المنبر، فقال النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لقد نظر اللّه یوم الجمعه إلى مسجدى فلو لا هؤلاء الثمّانیه الّذین جلسوا فی مسجدى لاضطرمت المدینه على أهلها نارا و حصبوا بالحجاره کقوم لوط، فنزل فیهم: رجال لا تلهیهم تجاره و لا بیع.

و فیه عن محمّد بن العباس عن محمّد بن همّام عن محمّد بن إسماعیل عن عیسى بن‏ داود قال: حدّثنا الامام موسى بن جعفر عن أبیه علیهما السّلام فی قول اللّه عزّ و جلّ فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ الایه قال: بیوت آل محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بیت علیّ و فاطمه و الحسن و الحسین و حمزه و جعفر علیهم السّلام، قلت: بالغدوّ و الاصال، قال: الصّلاه فی أوقاتها، قال: ثمّ وصفهم اللّه عزّ و جل: رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَهٌ وَ لا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاهِ وَ إِیتاءِ الزَّکاهِ یَخافُونَ یَوْماً تَتَقَلَّبُ فِیهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ، قال: هم الرّجال لم یخلط اللّه معهم غیرهم، ثمّ قال: لِیَجْزِیَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ یَزِیدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، قال: ما اختصّهم به من المودّه و الطّاعه المفروضه و صیّر مأواهم الجنّه و اللّه یرزق من یشاء بغیر حساب.

(و) الخامس انّ فی المحافظه على الصلاه أسوه بالنّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فلقد (کان رسول اللّه نصبا بالصلاه) أى تعبا بها کلّ التعب.

حتى روى انّه کان یصلّى اللّیل کلّه و یعلّق صدره بحبل حتّى لا یغلبه النّوم فعاتبه اللّه على ذلک و أنزل علیه «طه ما أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى‏» و أمره بأن یخفّف على نفسه و ذکر أنّه ما أنزل علیه الوحى لیتعب کلّ هذا التّعب.

روى فى الصافى من الاحتجاج عن الکاظم عن أبیه عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیهم السّلام قال: لقد قام رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عشر سنین على أطراف أصابعه حتّى تورّمت قدماه و اصفرّ وجهه یقوم اللّیل أجمع حتّى عوتب فی ذلک فقال اللّه عزّ و جلّ طه ما أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى‏ بل لتسعد.

قیل: الشقاء شایع بمعنى التّعب و منه أشقى من رایض المهر و سیّد القوم أشقاهم، و لعلّه عدل الیه للاشعار بأنّه انزل إلیه لیسعد.

و قوله (بعد التبشیر له بالجنّه) إشاره إلى أنّه لم یکن مواظبته على الصّلاه شوقا إلى الجنّه و لا خوفا من النّار بل قد کان نصبا بها مع وجود تلک البشاره متحملا کلّ التعب امتثالا (لقول اللّه سبحانه) و أمره له بالصبر علیها فی سوره طه حیث قال:«»(وَ أْمُرْ أَهْلَکَ بِالصَّلاهِ وَ اصْطَبِرْ عَلَیْها) لا نَسْئَلُکَ رِزْقاً. نَحْنُ نَرْزُقُکَ وَ الْعاقِبَهُ لِلتَّقْوى‏.

قال فی مجمع البیان: معناه و أمر یا محمّد أهل بیتک و أهل دینک بالصلاه و اصبر على فعلها، و فى الصافى و داوم علیها، لا نسألک أن ترزق نفسک و لا أهلک، بل کلّفناک العباده و أداء الرّساله و ضمنا رزق الجمیع، نحن نرزقک و إیّاهم ففرّغ بالک للاخره، و العاقبه المحموده لذوى التقوى.

قال فى مجمع البیان روى أبو سعید الخدرى قال: لمّا نزلت هذه الایه کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یأتی باب فاطمه و علیّ تسعه أشهر عند کلّ صلاه فیقول: الصلاه رحمکم اللّه إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً.

قال و قال أبو جعفر علیه السّلام أمره اللّه أن یخصّ أهله دون النّاس لیعلم النّاس أنّ لأهله عند اللّه منزله لیست للنّاس، فأمرهم مع النّاس عامّه ثمّ أمرهم خاصّه.

و فى الصافى من العیون عن الرّضا علیه السّلام فی هذه الایه قال: خصّنا اللّه هذه الخصوصیّه إذ أمرنا مع الامّه باقامه الصّلاه ثمّ خصّنا من دون الامّه فکان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یجی‏ء إلى باب علىّ و فاطمه بعد نزول هذه الایه تسعه أشهر کلّ یوم عند حضور کلّ صلاه خمس مرّات فیقول: الصّلاه رحمکم اللّه و ما أکرم اللّه أحدا من ذرارى الأنبیاء بمثل هذه الکرامه الّتی أکرمنا بها و خصّنا من دون جمیع أهل بیتهم.

(فکان) صلّى اللّه علیه و آله و سلّم (یأمر) بها (أهله و یصبّر علیها نفسه) أى یأمر نفسه بالصبر و التحمّل على تعبها، هذا.

و قد تقدّم فی شرح الخطبه المأه و التاسعه تفصیل الکلام فی فضل الصّلاه و آدابها و أسرارها و عقاب تارکها. فلیراجع هناک.

و أما الفصل الثانی

فقد أشار الیه بقوله (ثمّ إنّ الزکاه جعلت مع الصّلاه قربانا لأهل الاسلام)یعنی کما جعل اللّه سبحانه الصّلاه قربانا للمسلمین یتقرّبون بها إلیه تعالى، جعل الزکاه أیضا قربانا لهم مثلها.

و یدلّ على ذلک أنّه سبحانه عقّب الأمر باقام الصّلاه فی أکثر آیات کتابه العزیز بالأمر بایتاء الزّکاه، فجعل الزکاه تالی الصّلاه فی المطلوبیّه.

و یشهد به أیضا ما فی الوسایل عن الصّدوق باسناده عن المجاشعی عن الرّضا علیه السّلام عن آبائه عن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال: بنی الاسلام على خمس خصال: على الشّهادتین، و القرینتین، قیل له: أمّا الشهادتان فقد عرفناهما، فما القرینتان قال: الصّلاه و الزّکاه، فانّه لا یقبل إحداهما إلّا بالاخرى، و الصیام و حجّ البیت من استطاع إلیه سبیلا، و ختم ذلک بالولایه.

و قد مضی الکلام فی فضلها و عقوبه تارکها و أقسامها فی شرح الخطبه المأه و التاسعه بما لا مزید علیه فلیراجع ثمّه.

و لما ذکر کونها قربانا لأهل الاسلام نبّه على شرط قربانیّتها و هو کون اتیانها عن وجه الخلوص و طیب النفس، و سرّ ذلک ما قدّمناه فی شرح الخطبه الّتی أشرنا الیه، و محصّل ما قدّمناه أنّ الاسلام موقوف على توحید الربّ عزّ و جلّ و کمال توحیده عباره عن الاخلاص له، و معنى الاخلاص إفراده بالمعبودیّه و المحبوبیّه و اخلاء القلب عن محبّه ما سواه فلا یجتمع محبه المال مع محبّته تعالى.

(ف) علم من ذلک أنّ (من أعطاها طیّب النفس بها) حبّا له تعالى و امتثالا لأمره و ابتغاء لمرضاته و تقرّبا إلیه عزّ و جلّ (فانها) حینئذ تقرّبه إلیه و توجب حبّه تعالى له و القرب و الزّلفى لدیه و (تجعل له) من الذّنوب (کفاره و من النار حجازا و وقایه) أى حاجزا مانعا من النار و وقایه من غضب الجبار.

کما یشهد به ما رواه فی الفقیه عن الصادق علیه السّلام قال: خیارکم سمحاؤکم و شرارکم بخلاؤکم، و من خالص الایمان البرّ بالاخوان، و السعى فى حوائجهم، و انّ البارّ بالاخوان لیحبّه الرّحمن، و فی ذلک مرغمه للشیطان، و تزحزح عن النیران‏ و دخول الجنان ثمّ قال علیه السّلام لجمیل: یا جمیل أخبر بهذا غرر«» أصحابک، قلت: جعلت فداک من غرر أصحابی قال: هم البارّون بالاخوان فى العسر و الیسر، ثمّ قال: یا جمیل اعلم أنّ صاحب الکثیر یهوّن علیه ذلک و إنما مدح اللّه فى ذلک صاحب القلیل فقال فى کتابه وَ الَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِیمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ یُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَیْهِمْ وَ لا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمْ.

و بعد ذلک (ف) اللّازم أن (لا یتبعنها أحد) من المعطین لها (نفسه و لا یکثرنّ علیها لهفه) و تحسّره، لأنّ اتباع النّفس و إکثار اللّهف کاشف عن محبّته لها و هو ینافی محبّته تعالى فکیف یتقرّب باعطائها إلیه و یبتغی القرب و الزّلفى لدیه (فانّ من أعطاها) على وجه الاکراه (غیر طیّب النّفس بها) و الحال أنّه (یرجو) و یتوقّع (بها ما هو أفضل منها) من رضوان اللّه تعالى و الخلد فی جنانه (فهو) کاذب فى دعوى المحبّه (جاهل بالسّنه) لأنّ السّنه فى أدائها أن یکون بطیب النفس، و لذلک مدح اللّه الباذلین للمال کذلک بقوله وَ یُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ کانَ بِهِمْ خَصاصَهٌ و قوله وَ یُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْکِیناً وَ یَتِیماً وَ أَسِیراً. إِنَّما نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِیدُ مِنْکُمْ جَزاءً وَ لا شُکُوراً.

(مغبون الأجر) لأنّ الأجر مترتّب على العمل، فاذا کان العمل لا على وجه الرّضا یکون الجزاء المترتّب علیه کذلک، و من هنا قیل: کما تدین تدان، و قد قال سبحانه وَ ما آتَیْتُمْ مِنْ رِباً لِیَرْبُوَا فِی أَمْوالِ النَّاسِ فَلا یَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَ ما آتَیْتُمْ مِنْ زَکاهٍ تُرِیدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ.

(ضالّ العمل) حیث أتا به على غیر الوجه المطلوب شرعا (طویل النّدم) فی الاخره على ما فوّته على نفسه من الأجر الجزیل و الجزاء الجمیل

و اما الفصل الثالث

فهو ما أشار إلیه بقوله (ثمّ أداء الامانه) الّتى جعل اللّه المحافظه علیها من وصف المؤمنین الموصوفین فى قوله قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ إلى قوله وَ الَّذِینَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ و الأخبار فى فضلها بالغه حدّ الاستفاضه.

منها ما فى البحار من الکافى عن الحسین بن أبى العلا عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ لم یبعث نبیّا إلّا بصدق الحدیث و أداء الامانه إلى البرّ و الفاجر.

و من قرب الاسناد عن ابن طریف عن ابن علوان عن جعفر عن أبیه علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: الأمانه تجلب الغنى و الخیانه تجلب الفقر.

و من الامالى عن عمر بن یزید قال: سمعت الصادق علیه السّلام یقول: اتّقوا اللّه و علیکم بأداء الأمانه إلى من ائتمنکم. فلو أنّ قاتل أمیر المؤمنین ائتمننى على أمانه لأدّیتها إلیه.

و عن الثمالى عن علیّ بن الحسین علیهما السّلام قال: سمعته علیه السّلام یقول لشیعته: علیکم بأداء الأمانه فو الذى بعث محمّدا بالحقّ نبیّا لو أنّ قاتل أبی الحسین بن علیّ علیهما السّلام ائمننى على السیف الذى قتله به لأدّیته إلیه.

و عن أحمد بن محمّد الهمدانی عن أبی جعفر الثّانى عن آبائه علیهم السّلام عن النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال: لا تنظروا إلى کثره صلاتهم و صومهم و کثره الحجّ و المعروف و طنطنتهم باللّیل، و لکن انظروا إلى صدق الحدیث و أداء الأمانه.

و عن الحسین بن أبی العلا عن الصادق علیه السّلام قال: سمعته یقول: أحبّ العباد إلى اللّه عزّ و جلّ رجل صدوق فی حدیثه محافظ على صلاته و ما افترض اللّه علیه مع أداء الأمانه، ثمّ قال علیه السّلام: من اؤتمن على أمانه فأدّاها فقد حلّ ألف عقده من عنقه من عقد النّار، فبادروا بأداء الأمانه، فانّ من اؤتمن على أمانه وکّل به إبلیس مأئه شیطان من مرده أعوانه لیضلّوه و یوسوسوا إلیه حتّى یهلکوه إلّا من عصم اللّه عزّ و جلّ.

(فقد) علم من ذلک أنّه (خاب من لیس من أهلها) أى خسر فی الدنیا و فی الاخره من لم یکن من أهلها، بل کان من أهل الخیانه، فانّ الخیانه حسبما عرفت تجلب الفقر فی الدّنیا و النار فی العقبى و خسر أهلها خسرانا عظیما.

و ان شئت أن تعرف عظم الخطب و مزید ثقل التّکلیف فیها فاستمع لما یتلى علیک من قوله: (إنّها عرضت على السّماوات المبنیّه و الأرضین المدحوّه) المبسوطه على الماء (و الجبال) الرّاسیات (ذات الطول المنصوبه) المرفوعه على الأرض و لکنّها مع أنّها أعظم ما خلق اللّه عزّ و جلّ فی الکون (فلا أطول و لا أعرض و لا أعلى و لا أعظم منها) امتنعن من حمل هذا التکلیف، أى تکلیف الأمانه و أبین أن یحملنها لثقلها و صعوبتها لا للعظمه و الاستکبار عن الطاعه، بل للخوف و الاشفاق من المعصیه.

(و لو امتنع شی‏ء بطول أو عرض أو قوّه أو عزّ لامتنعن) بل کنّ أولى بالامتناع بما لهنّ من أوصاف العظمه التی لیست فی غیرهنّ (و لکن أشفقن من العقوبه و غفلن ما جهل من هو أضعف منهن و هو الانسان) فحملها مع ما به من الضعف و النقصان (انّه کان ظلوما جهولا) قال الشارح البحرانى: و ذکر کون السماوات مبنیّه و الأرض مدحوّه و الجبال بطولها و عرضها و عظمتها، تنبیه للانسان على جرئته على المعاصى و تضییع هذه الأمانه إذا هى لها و حملها و تعجب منه فی ذلک، فکأنّه یقول: إذا کانت هذه الأجرام العلویه التی لا أعظم منها قد امتنعت من حمل هذه الأمانه حین عرضت علیها فکیف حملها من هو أضعف منها.

أقول: تحقیق هذا المقام یحتاج إلى بسط الکلام.

قال اللّه تعالى فی سوره الأحزاب إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَهَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ کانَ ظَلُوماً جَهُولًا.

و قد اختلف أقوال المفسّرین کالأخبار فی تفسیر هذه الایه فی مواضع:

الاول

أنّ المراد بالأمانه المعروضه ما ذا فقیل: هی ما أمر اللّه به من طاعته و نهى عنه من معصیته، و بعباره اخرى هى التکالیف و الأحکام الشرعیّه المطلوبه من الانسان، فانّ اللّه سبحانه لما اقتضت عنایته لایجاد هذه العباده المخصوصه، و أن یجعل فی الأرض خلیفه لعمارتها، خلق الانسان و جعله واسطه بین الملک و الحیوان. فهو کالحیوان فی الشهوه و الغضب و التناسل و سایر القوى البدنیّه المخصوصه بالحیوان، و کالملک فی العقل و العلم و العباده و سایر الکمالات النفسانیّه، فلو کان خالیا من العقل و الفهم لم یتأهل لمعرفته و عبادته الخاصه کسایر أصناف الحیوان، و لو کان خالیا عن الشهوه و الغضب مثل الملک لم یصلح لعماره الأرض و خلافته. و لذلک قال اللّه للملائکه وَ إِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَهِ فاذا هذه العباده الخاصه لا یصلح لها إلّا الانسان، و هى المراد بالامانه فی الایه.

و یؤید هذا القول ما فی الصافى من العوالى أنّ علیّا علیه السّلام إذا حضر وقت الصّلاه یتململ و یتزلزل و یتلوّن فیقال له: ما لک یا أمیر المؤمنین فیقول: جاء وقت الصلاه وقت أمانه عرضها اللّه على السموات و الأرض و الجبال فأبین أن یحملنها و أشفقن منها.

و قیل: هى أمانات الناس و الوفاء بالعهود.

و یؤیده ما فى البحار من مشکاه الأنوار نقلا من کتاب المحاسن قال: و سئل أبو عبد اللّه علیه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَهَ الایه ما الذى عرض علیهنّ و ما الذى حمل الانسان و ما کان هذا قال: فقال: عرض علیهنّ الأمانه بین الناس و ذلک حین خلق الخلق.

و عن بعض أصحابه رفعه قال: قال لابنه یا بنیّ أدّ الأمانه یسلم لک دنیاک و آخرتک و کن أمینا تکن غنیّا.

و قیل: إنّ المراد بها الامامه قال فى تفسیر القمّی: الأمانه هى الامامهو الأمر و النّهى، و الدلیل على أنّ الأمانه هى الامامه قول اللّه عزّ و جلّ للائمّه إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها یعنى الامامه، فالأمانه هى الامامه عرضت على السماوات و الأرض و الجبال فأبین أن یحملنها أن یدّعوها أو یغصبوها أهلها و أشفقن منها، و حملها الانسان، یعنى الأوّل إنّه کان ظلوما جهولا، انتهى.

و یدل على ذلک أخبار کثیره مثل ما فى البحار من کنز الفواید عن إسحاق ابن عمّار عن أبى عبد اللّه علیه السّلام فى هذه الایه، قال: یعنى ولایه أمیر المؤمنین.

و من جامع الأخبار و العیون عن الحسین بن خالد قال: سألت الرّضا علیه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَهَ الایه قال: الأمانه الولایه من ادّعاها بغیر حقّ فقد کفر.

و من جامع الأخبار عن أبی بصیر قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَهَ الایه قال: الامانه الولایه و الانسان أبو الشرور المنافق.

و من البصایر عن جابر عن أبی جعفر علیه السّلام فی قول اللّه تبارک و تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَهَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ قال: الولایه أبین أن یحملنها کفرا بها، و حملها الانسان، و الانسان الذى حملها أبو فلان. إلى غیر هذه مما لا نطیل بروایتها.

قال المحدّث العلامه المجلسیّ بعد روایه هذه الرّوایات: على تأویلهم علیهم السّلام یکون اللام فی الانسان للعهد و هو أبو الشرور أى أبو بکر أو للجنس و مصداقه الأوّل فی هذا الباب أبو بکر، و المراد بالحمل الخیانه، و المراد بالولایه الخلافه و ادعائها بغیر حقّ، فعرض ذلک على أهل السّماوات و الأرض أو علیهما بأن یبیّن لهم عقوبه ذلک و قیل لهم: هل تحملون ذلک، فأبوا إلّا هذا المنافق و أضرابه حیث حملوا ذلک مع ما بیّن لهم من العقاب المترتّب علیه

الثانی

اختلفوا فی المراد بعرض الأمانه على السّماوات و الأرض.

فقیل: إنّ المراد به عرضها على نفس الأرض و السّماء و إنّه تعالى لمّا خلق هذه الأجرام خلق فیها فهما و قال: إنّى فرضت فریضه و خلقت جنّه لمن أطاعنی و نارا لمن عصانی: فقلن: نحن مسخّرات لأمرک لا نحتمل فریضه و لا نبتغى ثوابا و لا عقابا، و لمّا خلق آدم عرض علیه مثل ذلک فحمله و کان ظلوما لنفسه بتحمّلها ما یشقّ علیها، جهولا لو خامه عاقبته.

و هذا القول أعنی عرضها على نفس السّماوات و الأرض مرویّ عن ابن عبّاس و یدلّ علیه ظاهر کلام أمیر المؤمنین علیه السّلام فی المتن حیث قال: و عقلن ما جهل من هو أضعف منهنّ.

و یشهد به أیضا ما رواه فى البحار و غایه المرام من مناقب أبى بکر الشیرازى فى نزول القرآن فى شأن علىّ علیه السّلام بالاسناد عن مقاتل عن محمّد بن حنفیّه عن أمیر المؤمنین فى قوله «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَهَ» عرض اللّه أمانتی على السماوات السبع بالثواب و العقاب فقلن ربنا لا نحملنها بالثواب و العقاب و لکنا نحملها بلا ثواب و لا عقاب، و انّ اللّه عرض أمانتی و ولایتی على الطیور، فأوّل من آمن بها البزاه البیض و القنابر و أوّل من جحدها البوم و العنقا، فلعنهما اللّه تعالى من بین الطیور، فأما الیوم فلا تقدر أن تظهر بالنهار لبغض الطیر لها، و أما العنقا فغابت فى البحار و إنّ اللّه عرض أمانتى على الأرضین فکلّ بقعه آمنت بولایتى جعلها طیبه زکیه و جعل نباتها و ثمرتها حلوا عذبا و جعل ماءها زلالا، و کلّ بقعه جحدت إمامتى و أنکرت ولایتى جعلها سبخا و جعل نباتها مرّا علقما، و جعل ثمرها العوسج و الحنظل، و جعل ماءها ملحا اجاجا ثمّ قال: و حملها الانسان، یعنى امتک یا محمّد ولایه أمیر المؤمنین و امامته بما فیها من الثواب و العقاب، إنه کان ظلوما لنفسه جهولا لأمر ربّه، من لم یؤدّها بحقّها ظلوم غشوم.

و محصّل هذا القول أنّ المراد بالأمانه التکلیف بالعبودیّه على وجهها و التقرّب بها إلى اللّه سبحانه کما ینبغی لکلّ عبد بحسب استعداده لها، و أعظمها الولایه و الخلافه الالهیّه، ثمّ تسلیم من لم یکن من أهلها لأهلها و عدم ادّعاء منزلتها لنفسه، ثمّ سایرالتکالیف الشرعیه، و المراد بعرضها على السماوات و الأرض و الجبال اعتبارها بالاضافه إلى استعدادهنّ و بابائهنّ الاباء الطبیعى الذى هو عباره عن عدم اللّیاقه و الاستعداد، و بحمل الانسان قابلیّته و استعداده لها و تحمّله إیاها و کونه ظلوما جهولا، تقصیره فى أدائها لما غلب علیه من القوّه الشهویّه و الغضبیه.

و قیل: إنّ المراد العرض على أهلها فحذف المضاف و اقیم المضاف الیه مقامه، و عرضها علیهم هو تعریفها إیاهم انّ فی تضییع الامانه الاثم العظیم، و کذلک فى ترک أوامر اللّه و احکامه، فبیّن سبحانه جرءه الانسان على المعاصى و اشفاق الملائکه من ذلک، فیکون المعنى عرضنا الأمانه على أهل السماوات و الأرض و الجبال من الملائکه و الجنّ و الانس فابى أهلهنّ أن یحملوا ترکها و عقابها و الماثم فیها و أشفقن أهلها من حملها، و حملها الانسان إنه کان ظلوما لنفسه بارتکاب المعاصى، جهولا بموضع الامانه فى استحقاق العقاب على الخیانه فیها.

و قیل: إنه على وجه التقدیر الّا أنه جرى علیه لفظ الواقع، لأنّ الواقع أبلغ من المقدّر، و المعنى انه لو کانت السماوات و الأرض و الجبال عاقله ثمّ عرضت علیها الأمانه و هى وظایف الدّین اصولا و فروعا و بما فیها من الوعد و الوعید، لاستثقلت ذلک مع کبر أجسامها و شدّتها و قوّتها و لامتنعت من حملها خوفا من القصور عن أداء حقّها، ثمّ حملها الانسان مع ضعف جسمه و لم یخف الوعید لظلمه و جهله.

الثالث

قوله: و حملها الانسان.

المراد بالانسان إمّا نوع الانسان أى بنو آدم، أو خصوص امّه محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، فالمراد بحملهم لها قبولهم للاتیان بما کلّف علیهم من الطاعات و العبادات و التسلیم لامامه أئمه الدین، و کونه ظلوما جهولا لعدم خروجهم عن عهده التکلیف و عدم وفائهم بما حملوه من طاعه الأئمّه و تقصیرهم فی أداء الأمانه، و هو وصف للجنس باعتبار أغلب أفراده إذ الأنبیاء و الأولیاء و المؤمنون القائمون بوظایف العبودیّه الرّاعون‏ لعهد الامامه خارجون من عموم الایه قطعا.

و إمّا خصوص فرد منه و هو أبو بکر حسبما تقدّم فی الأخبار، و علیه فالمراد بحمله للامانه أى الخلافه ادّعائه لها لنفسه من غیر استحقاق و أهلیّه، و بعباره اخرى خیانته و تقصیره فیها و ظلمه على من کان مستحقّا به و جهله بمرتبه نفسه حیث وضعها موضعا لیس له.

و قیل: إنّ المراد بالانسان هو آدم علیه السّلام، و اعترض علیه فی مجمع البیان بقوله و لا یجوز أن یکون الانسان محمولا على آدم لقوله «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ» فکیف یکون من اصطفاه اللّه من بین خلقه موصوفا بالظلم و الجهل.

هذا تفصیل ما قیل أو یقال فی تفسیر الایه الشریفه، و قد ظهر منه اختلافهم فی المراد بالأمانه المذکوره فیها على أقوال.

و أمّا فی کلام أمیر المؤمنین علیه السّلام فالظاهر أنّ المراد بها خصوص الأمانه المعهوده بین الخلق حسبما عرفتها فى الأخبار المتقدّمه، و انّما قلنا: إنّ الظاهر ذلک، لاشعار تقدیم ذکر الصلاه و الزکاه علیها على عدم کون المراد بها مطلق التکالیف الشرعیّه، بل التکلیف المخصوص الّذى فی عداد الصّلاه و الزکاه القسیم لهما.

لکن الأظهر بمقتضى الحال و المقام، و أنّ وصیّته بهذا الکلام إلى أصحابه کان فی مقام الحرب مع النّاکثین و القاسطین و المارقین حسبما تعرفه فى التکمله الاتیه هو: أنّ المراد بها الامامه و الولایه، فیکون غرضه بقوله: ثمّ أداء الأمانه فقد خاب من لیس من أهلها آه الطعن و التعریض على المعارضین له و الجاحدین لولایته و النّاصبین له العداوه من معاویه و طلحه و الزّبیر و أتباعهم و أهل النهر و أمثالهم بکونهم خائبین خاسرین، لعدم کونهم أهلا للامانه أى الخلافه و الولایه، و بأنّهم حملوا و ادّعوا ما أبت السماوات و الأرض و الجبال على کبر أجرامهما من حملها و ادّعائها، و أشفقن من ذلک، و بأنّهم کانوا متّصفین بالظّلم و الجهل حیث ظلموه علیه السّلام حقّه و جهلوا بشأنه و مقامه.

و کیف کان فلمّا أمر و أوصى أصحابه بالصّلاه و الزّکاه و أداء الأمانه، و شدّدالترغیب فیها و التحذیر من مخالفتها بکون الخائن أو المقصّر ظلوما جهولا، عقّبه بالتّنبیه على أنّ کلّ ما یفعله العباد من خیر أو شرّ بعین اللّه الّتی لا تنام و علمه الّذى لا تخفى علیه خافیه لتأکید تحضیض المخاطبین بمواظبه هذه العبادات الثلاث و سایر الحسنات و تحذیرهم من مخالفتها فقال: (إنّ اللّه سبحانه لا یخفى علیه) و لا یعزب عن علمه (ما العباد مقترفون) أى مکتسبون له من خیر أو شرّ حسن أو قبیح (فى لیلهم و نهارهم) یعنی أنّ اللیل و النهار سیّان بالنسبه إلى علمه، و لیس کغیره من مخلوقاته یکون إدراکه للمحسوسات بطریق الاحساس حتّى تکون ظلمه اللّیل حجابا و حجازا عن إدراکه.

و قدّم اللیل على النهار لمزید الاهتمام من حیث کونها مظنّه لاختفاء ما یفعل فیها من المعاصی، و أردف بالنهار لدفع توهّم الاختصاص.

(لطف به خبرا) أراد به علمه بخفیّات أفعال العباد و خبرویّته بها، و اللّطیف الخبیر حسبما تقدّم فی شرح الخطبه السابقه من جمله أسمائه الحسنى عزّ و علا.

و تسمیته باللّطیف من جهه علمه بالشی‏ء اللّطیف مثل البعوضه و أخفى منها و موضع النشوء منها و العقل و الشهوه للفساد و الحدب على نسلها و نقلها الطعام و الشراب إلى أولادها فی المفاوز و الأودیه و القفار.

و معنى الخبیر هو الّذى لا تعزب عنه الأخبار الباطنه فلا یجرى شی‏ء فی الملک و الملکوت و لا تتحرّک ذرّه و لا تضطرب نفس و لا تطمئنّ إلّا و یکون عنده خبره، و هو بمعنى العلیم إلّا أنّ العلم إذا اضیف إلى الخفایا الباطنه سمّى خبره، و قد مرّ تفصیل نفاذ علمه فی خفاء الأشیاء فی الفصل الثامن من الخطبه التسعین.

(و أحاط به علما) و قد تقدّم فی شرح غیر واحده من الخطب المتقدّمه کالخطبه الاولى و الخطبه التاسعه و الأربعین و الخامسه و الثمانین و غیرها تحقیق إحاطه علمه تعالى بالکلّیات و الجزئیات و لا حاجه إلى الاعاده.

(أعضاؤکم شهوده) یعنی أنّها تشهد على العباد بما اقترفوه من المعاصی و الاثام.

(و جوارحکم جنوده) یعنی أنّها تکون معینه له علیهم، و ذلک لأنّ جنودالملک عباره عن أعوانه على أعدائه فتلک الأعضاء و الجوارح لما شهدت على المجرمین بما فعلوه صارت بمنزله المعین له بذلک الاعتبار.

و یشهد بشهاده الأعضاء و الجوارح قول اللّه تعالى فی سوره یس «الْیَوْمَ نَخْتِمُ عَلى‏ أَفْواهِهِمْ وَ تُکَلِّمُنا أَیْدِیهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ أى نستنطق الأعضاء الّتی کانت لا تنطق فی الدّنیا لتشهد علیهم و نختم على أفواههم الّتی عهد منها النطق و هذا حقیقه الختم یوضع على أفواه الکفار بمنعها من النطق و الکلام.

قال علیّ بن إبراهیم القمّی قال: إذا جمع اللّه عزّ و جل الخلق یوم القیامه دفع إلى کلّ انسان کتابه فینظرون فیه فینکرون أنّهم عملوا من ذلک شیئا، فتشهد علیهم الملائکه فیقولون: یا ربّ ملائکتک یشهدون لک، ثمّ یحلفون أنّهم لم یعملوا من ذلک شیئا و هو قول اللّه عزّ و جلّ یَوْمَ یَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِیعاً فَیَحْلِفُونَ لَهُ کَما یَحْلِفُونَ لَکُمْ فاذا فعلوا ذلک ختم اللّه على ألسنتهم و تنطق جوارحهم بما کانوا یکسبون و قال تعالى فی سوره فصّلت وَ یَوْمَ یُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ یُوزَعُونَ. حَتَّى. إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَیْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما کانُوا یَعْمَلُونَ. وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَیْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِی أَنْطَقَ کُلَّ شَیْ‏ءٍ وَ هُوَ خَلَقَکُمْ أَوَّلَ مَرَّهٍ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ. وَ ما کُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ یَشْهَدَ عَلَیْکُمْ سَمْعُکُمْ وَ لا أَبْصارُکُمْ وَ لا جُلُودُکُمْ وَ لکِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا یَعْلَمُ کَثِیراً مِمَّا تَعْمَلُونَ.

قال أمین الاسلام الطبرسیّ: أى یحبس أوّلهم على آخرهم لیتلاحقوا و لا یتفرّقوا، حتّى إذا جاءوا النّار الّتی حشروا إلیها شهد علیهم سمعهم بما قرعه من الدّعاء إلى الحقّ فأعرضوا عنه و لم یقبلوه، و أبصارهم بما رأوا من الایات الدّالّه على وحدانیّه اللّه تعالى فلم یؤمنوا، و سایر جلودهم بما باشروه من المعاصی و الأفعال القبیحه.

و قیل فی شهاده الجوارح قولان: أحدهما أنّ اللّه تعالى یبیّنها بیّنه الحیّ و یلجئها إلى الاعتراف و الشهاده بما فعله أصحابها، و الاخر أنّ اللّه یفعل فیها الشهاده أى یجعل فیها کلاما، و إنّما نسب الکلام إلیها لأنّه لا یظهر إلّا من جهتها.

و قیل فیه وجه ثالث: و هو أنّ معنى شهادتها و کلامها أنّ اللّه تعالى یجعل‏فیها من الایات ما یدلّ على أنّ أصحابها عصوا اللّه بها، فسمّى ذلک شهاده منها کما یقال: عیناک تشهدان بسهرک.

و قیل: إنّ المراد بالجلود الفروج.

أقول: و هو المروىّ فى الصافى عن الکافى عن الصادق علیه السّلام و من الفقیه عن أمیر المؤمنین علیه السّلام.

ثمّ أنطق اللّه ألسنتهم فیقولون لجلودهم: لم شهدتم علینا، فتقول فی جوابهم أنطقنا اللّه الّذى أنطق کلّ شی‏ء، ثمّ قال سبحانه: و هو خلقکم الایه، و لیس هذا من جواب الجلود.

و قوله: و ما کنتم تستترون أن یشهد علیکم سمعکم و لا أبصارکم و لا جلودکم، معناه و ما کنتم تستخفون أى لم یکن یتهیّأ لکم أن تستتروا أعمالکم عن هذه الأعضاء لأنّکم کنتم بها تعملون، فجعلها اللّه شاهده علیکم یوم القیامه، و لکن ظننتم أنّ اللّه لا یعلم کثیرا ممّا تعملون فاجترأتم على المعاصی لذلک، و قیل: بل معناهما کنتم تترکون المعاصی حذرا أن یشهد علیکم جوارحکم بها لأنکم ما کنتم تظنّون ذلک، و لکن ظننتم أنّ اللّه لا یعلم کثیرا ممّا تعملون، لجهلکم باللّه فهان علیکم ارتکاب المعاصی لذلک، هذا.

و فى الصافى من الکافى عن الباقر علیه السّلام و لیست تشهد الجوارح على مؤمن إنّما تشهد على من حقّت علیه کلمه العذاب، فأمّا المؤمن فیعطى کتابه بیمینه قال اللّه عزّ و جلّ یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِیَ کِتابَهُ بِیَمِینِهِ فَأُولئِکَ یَقْرَؤُنَ».

و قوله (و ضمائرکم عیونه) قال الشارح البحرانی: أی طلایعه و جواسیسه کقوله تعالى یا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَ لَمْ و تلک الشهاده بلسان الحال، انتهى.

أقول: یعنی أنّ الضمائر لا تخفى ما فیها من الأسرار و لا تکتمها علیه تعالى کما أنّ من شأن الجاسوس المراقب بشی‏ء أن لا یکتمه ممّن و کلّه به، و على ذلک‏فالمراد بالضّمایر القلوب، و یحتمل أن یکون المراد بالضّمایر ما یضمره القلوب من الأسرار و الخفیّات.

و العیون جمع العین بمعنى الحاضر و هو أحد معانیه کما فی القاموس و غیره، فیکون المعنى أنّ جمیع ما أضمره نفوسکم فهو حاضر لدیه سبحانه غیر محجوب عنه کما قال تعالى وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما کُنْتُمْ تَکْتُمُونَ و قال قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِی صُدُورِکُمْ أَوْ تُبْدُوهُ یَعْلَمْهُ اللَّهُ.

و محصّل المراد أنّه لا یخفى ما فی النفوس علیه عزّ و جل کما یخفى على غیره، فیکون مساقه مساق قوله علیه السّلام فی الخطبه التسعین: عالم السرّ من ضمایر المضمرین و نجوى المتحافتین، و قوله فی الخطبه المأه و السابعه: خرق علمه باطن غیب السترات و أحاط بغموض عقاید السّریرات.

و قوله (و خلواتکم عیانه) قال البحرانی: کنی بالخلوات عمّا یفعل فیها من معاصی اللّه مجازا، و إنّما خصصها لأنها مظنّه المعصیه، و یحتمل أن یرید بالخلوه مصدر قولک خلوت اخلو لا المکان، فیکون حقیقه، و ظاهر کونها عیانا للّه أى معاینه له.

و کلّ ذلک تحذیر و تنفیر عن تحریک الجوارح و الخلوه بها فیما لا ینبغی من المعاصی، و باللّه التوفیق و العصمه.

تذییل

الایه الّتی استدل بها أمیر المؤمنین علیه السّلام فی هذا الکلام على وجوب المحافظه على الصلاه أعنی قوله تعالى حکایه عن المجرمین لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ مما استدلّ بها أکثر أصحابنا الاصولیّون کالمعتزله على أنّ الکفار مکلّفون بالفروع حسبما أشار إلیه أمین الاسلام الطبرسیّ «ره» أیضا فی تفسیر الایه على ما حکیناه عنه سابقا، و حیث إنّ هذه المسأله من المسائل الغامضه المعظمه، و یتفرّع علیها کثیر من الأحکام الشرعیّه فلا بأس بتحقیق الکلام و بسطه فیها لکونها حقیقا بذلک.

فأقول و باللّه التوفیق: المشهور بین أصحابنا بل کاد أن یکون اجماعا أنّ الکفّار مکلّفون بفروع العبادات کما أنّهم مکلّفون باصول الاعتقادات و هو مذهب جمهور العامّه أیضا، و لم ینقلوا فیها خلافا إلّا عن أبی حنیفه و لم أجد منّا مخالفا أیضا إلّا شرذمه من الأخباریّه کالأمین الاسترابادى و صاحب الحدائق و صاحب الوافی، و هو الحقّ الموافق للتحقیق، و استدلّ له بوجوه: الاول عموم الأدلّه على التکالیف مثل قوله تعالى وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ و قوله وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ و قوله یا أَیُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّکُمُ و یا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمُ و غیرها، فانّها یشمل الکافر مثل شمولها للمؤمن.

و الاعتراض علیه بحملها على المؤمنین حملا للمطلق على المقیّد و العامّ على الخاصّ کما فی الحدائق فاسد، لما تطلع علیه عند ذکر أدلّه الخصم.

الثانی أنّ الکفر لا یصلح للمانعیّه حیث إنّ الکافر متمکّن من الاتیان بالایمان أوّلا حتّى یصیر متمکّنا من الفروع.

و اعترض علیه صاحب الحدائق أیضا بأنّه مصادره محضه.

و فیه مع عدم کونه مصادره لأنّ المدعى أنّ الکفّار مکلّفون بالعبادات و مخاطبون بها، و الدّلیل أنّ ما زعمه الخصم مانعا من توجّه الخطاب علیهم و من الاتیان بها على الوجه الصحیح و هو الکفر لا یصلح للمانعیّه فکیف یکون مصادره.

و محصّله أنّ ما دلّ على التکلیف بالفروع عام و لا یمنع من ذلک عدم التمکن من الصحیح حال الکفر لأنّ الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار، على أنّ الایمان من شرایط الوجود الّتی یجب تحصیلها على المکلّف لا شرایط الوجوب، فلا مانع من التکلیف حال عدمها مع التمکّن منها.

الثالث قوله تعالى لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ فانّه حکایه عن الکفّار و أنّهم علّلوا دخولهم النّار بترکهم للصّلاه على ما تقدّم تفصیله سابقا.

و اعترض صاحب الحدائق أیضا ما یحمل على المخالفین المقرّین بالاسلام إذ لا تصریح فیه بالکفّار، و یدلّ علیه ما ورد فی تفسیر علیّ بن إبراهیم من تفسیرها باتّباع الائمه، أى لم نک من أتباع الأئمه و هو مروىّ عن الصادق علیه السّلام حسبما عرفت سابقا و عن الکاظم علیه السّلام یعنی أنّا لم نتولّ وصیّ محمّد من بعده و لم نصلّ علیهم.

و فیه إنّ الصلاه حقیقه شرعیّه فی الأرکان المخصوصه و ظاهر معنى المصلّین هو المقیمون للصلاه أى الأرکان المخصوصه و الحمل على المعنى اللّغوى أى التابعین خلاف الظاهر المتبادر منه فلا وجه لحملها على المخالفین، و إنکار التصریح فیه بالکفار مورد تعجّب لأنّ قوله حکایه عنهم: و کنّا نکذّب بیوم الدّین، صریح فی کونهم کافرین منکرین للمعاد فکیف یکونون مقرّین بالاسلام و أمّا الخبران المروّیان عن الصّادق و الکاظم علیهما السّلام فلا دلاله فیهما، لکونهما تفسیرا بالباطن کما قلناه عند شرح المتن فلا یوجبان رفع الید عن الظاهر، و یشهد بذلک استدلال أمیر المؤمنین علیه السّلام فی هذا الکلام الّذى نحن فی شرحه بظاهرها على وجوب المحافظه على الصلوات الخمس و تعاهدها.

الرابع قوله تعالى فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى. وَ لکِنْ کَذَّبَ وَ تَوَلَّى.

و اعترض علیه أیضا بجواز حمل الصّلاه فیها على ما دلّت علیه الأخبار فی الایه الاولى و أنّ اللفظ من الألفاظ المجمله المتشابهه المحتاج فی تعیین المراد منها إلى التوقیف، فالاستدلال بها و الحال کذلک مردود بتصادم الاحتمالات و الدّخول تحت قوله فَیَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ الایه، على أنّ ما ذکرنا من المعنى هو الموجود فی تفسیر علیّ بن إبراهیم کما لا یخفى على من راجعه.

و فیه أوّلا منع کون الایه من المتشابهات الّتی یتّبعها الّذین فی قلوبهم زیغ، بل من المحکمات الّتی تؤخذ بظواهرها و هنّ امّ الکتاب، و ظاهر الایه کما ترى أنّه لم یصدّق بکتاب اللّه و رسوله و لا صلّى للّه و لکن کذّب بالکتاب و الرّسول و أعرض عن الایمان، و هذا وصف الکافر لا المخالف.

و یدلّ على ذلک ما فى مجمع البیان قال: و جاءت الرّوایه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أخذ بید أبى جهل ثمّ قال له: أَوْلى‏ لَکَ فَأَوْلى‏«» فأولى. ثمّ أولى لک فقال أبو جهل: بأىّ شی‏ء تهدّدنى لا تستطیع أنت و ربّک أن تفعلا بى شیئا و انّی لأعزّ أهل هذا الوادى، فأنزل اللّه سبحانه کما قال له رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم هذا.

و أمّا ما فى تفسیر علىّ بن إبراهیم من أنه کان سبب نزولها أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله دعا إلى بیعه علىّ یوم غدیر خم فلمّا بلّغ الناس و أخبرهم فى علىّ ما أراد أن یخبر رجع الناس فاتکى معاویه على المغیره بن شعبه و أبى موسى الأشعرى ثمّ أقبل یتمطّى«» نحوه و یقول: ما نقرّبا لولایه لعلىّ أبدا و لا نصدّق محمّدا مقالته، فأنزل اللّه جلّ ذکره فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى الایات، فصعد رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم المنبر و هو یرید البراءه منه فأنزل اللّه عزّ و جلّ لا تُحَرِّکْ بِهِ لِسانَکَ لِتَعْجَلَ بِهِ فسکت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.

فالجواب عنه أنّ ظاهر قوله سبحانه: فلا صدّق و لا صلّى و لکن کذّب و تولّى، یفید أنّه لم یصدّق أصلا لا ظاهرا و لا باطنا، و لم یقم الصّلاه بل کذّب و أعرض ظاهرا و باطنا، و هذا شأن الکافر لا المخالف المصدّق ظاهرا فقط، و المکذّب المعرض باطنا فقط.

و على ذلک فاللّازم ترجیح الرّوایه المفیده لکون المراد بهذه الایه هو أبو جهل الکافر کما فى مجمع البیان على ما تفسیر القمىّ المفید کون المراد بها معاویه لأنّ فى الأخذ بالرّوایه الأولى إبقاء الایه على ظاهرها و الأخذ بالثانى یوجب صرفها إلى خلاف ما هو الظاهر المتبادر.

و یؤید کون المراد به أبو جهل أنّ هذه الایه فى سوره القیامه و هى مکیّه کما صرّح به فى مجمع البیان فى تفسیر هذه السوره و رواه أیضا فى تفسیر سوره هل أتى فانّه یقوى الظنّ بکون نزولها بمکّه فى حقّ أبى جهل لا فى غدیر خم فى حقّ معاویه، و اللّه العالم.

الخامس قوله تعالى وَ وَیْلٌ لِلْمُشْرِکِینَ الَّذِینَ لا یُؤْتُونَ الزَّکاهَ و هو نصّ صریح فی المطلوب.

السادس قوله تعالى وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ ارْکَعُوا لا یَرْکَعُونَ ذمّ اللّه المکذّبین بترکهم للرّکوع.

قال فی الصّافی: روی أنها نزلت فی ثقیف حین أمرهم رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بالصّلاه فقالوا لا نحنى، و فی روایه لا نجبّى فانّها سبّه، رواها فی المجمع قال: فقال: لا خیر فی دین لیس فیه رکوع و سجود أقول: أى لا نحنى بالمهمله و النّون أى لا نعطف ظهورنا و على الرّوایه بالجیم و الباء الموحّده المشدّده أى لا ننکبّ على وجوهنا و هما متقاربان.

و أما ما فی تفسیر علیّ بن إبراهیم عن الصّادق علیه السّلام قال: إذا قیل لهم تولّوا الامام لم یتولّوه، فهو تفسیر بالباطن لا یوجب صرف الید عن الظاهر کما لا یخفى و احتج القائلون بالعدم بوجوه، فصّلها صاحب الحدائق فی مبحث غسل الجنابه من الکتاب المذکور لا بأس بذکر عبارته على تفصیلها ثمّ نتبع کلّ وجه وجه بما یتوجّه علیه من وجوه الکلام و ضروب الملام.

فأقول: قال فی الحدائق: المشهور بین الأصحاب رضی اللّه عنهم بل کاد أن یکون إجماعا أنّه یجب الغسل على الکافر لأنّ الکفّار مکلّفون بالفروع و لم ینقلوا فی المسأله خلافا من أحد من الخاصه بل من العامه إلّا عن أبی حنیفه، قالوا: لکن لا یصحّ منه حال کفره لاشتراط الصحّه بالاسلام و لا یجبّه الاسلام و إنّ جبّ الصّلاه لخروجها بدلیل خاص و ما ذکروه منظور عندی من وجوه: الاول عدم الدّلیل على التّکلیف المذکور و هو دلیل العدم کما هو مسلّم بینهم، و ما استدلّوا به هما سیأتى ذکره مدخول بما سنذکره.

أقول: و فیه انک قد عرفت الأدلّه المحکمه على هذا التکلیف کما عرفت اندفاع الاعتراضات التی اعترض بها علیها.

الثانی الأخبار الدّاله على توقف التکلیف على الاقرار و التصدیق بالشهادتین منها ما رواه فى الکافى فی الصحیح عن زراره قال: قلت للباقر علیه السّلام: أخبرنی عن معرفه الامام منکم واجبه على جمیع الخلق قال: إنّ اللّه تعالى بعث محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلى الناس أجمعین رسولا و حجّه للّه على خلقه فی أرضه، فمن آمن باللّه و بمحمّد رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و اتبعه و صدّقه فانّ معرفه الامام منّا واجبه علیه، و من لم یؤمن باللّه و رسوله و لم یتبعه و لم یصدّقه و یعرف حقّهما فکیف یجب علیه معرفه الامام، و هو لا یؤمن باللّه و رسوله و یعرف حقّهما الحدیث.

و هو کما ترى صریح الدّلاله على خلاف ما ذکروه و أنه متى لم یجب معرفه الامام قبل الایمان باللّه و رسوله فبالطریق الأولى معرفه سایر الفروع التی هی متلقّاه من الامام، و الحدیث صحیح السند باصطلاحهم صریح الدّلاله فلا وجه لردّه و طرحه و العمل بخلافه إلّا مع الغفله عن الوقوف علیه.

قال: و إلى العمل بالخبر المذکور ذهب المحدّث الکاشانی حیث قال فی الوافی بعد نقله ما صورته: و فی هذا الحدیث دلاله على أنّ الکفار لیسوا مکلّفین بشرایع الاسلام کما هو الحقّ، خلافا لما اشتهر بین أصحابنا، انتهى.

قال: و یظهر ذلک أیضا من الأمین الاسترابادى فی الفواید المدنیّه حیث صرّح فیها بأنّ حکمه اللّه اقتضت أن یکون تعلّق التکالیف بالناس على التدریج بأن یکلّفوا أوّلا بالاقرار بالشهادتین ثمّ بعد صدور الاقرار عنهم یکلّفون بسایر ما جاء به النبیّ صلّى اللّه علیه و آله.

و من الأحادیث الدّاله على ذلک صحیحه زراره فی الوافی ثمّ ساق الرّوایه بتمامها.

قال: و قال أیضا بعد نقل جمله من أخبار المیثاق المأخوذ على العباد فی عالم الذّرّ بالتوحید و الامامه و نقل جمله من الأخبار الدّاله على فطره الناس على التوحید و أنّ المعرفه من صنع اللّه تعالى ما لفظه: أقول: هنا فوائد إلى أن قال: الثالثه أنه یستفاد منها أنّ ما زعمه الأشاعره من أنّ مجرّد تصوّر الخطاب من غیر سبق معرفه إلهامیه بحقایق العالم، و بأنّ له رضا و سخطا و أنه لا بدّ له من معلّم من جهته لیعلّم الناس ما یصلحهم و ما یفسدهم کاف فی تعلّق التکلیف لهم لیس بصحیح، انتهى و اعترض علیه أوّلا بأنّ الاستدلال یتوقف على القیاس بطریق الأولى، و هو ممن أنکره فی مقدّمات الکتاب و أنکره أشدّ الانکار فکیف یجوز له التمسک به فی هذا المقام مضافا إلى أنه مع القول بحجّیته کما هو الحقّ الحقیق بالاتباع الموافق للایه و للأخبار المسلّم عند کافّه علمائنا الأبرار حتى عند المستدلّ فی مواضع عدیده و منها هذا الموضع یتوقّف على ثبوت الحکم فی المقیس علیه و مسلمیّته و قبوله و عدم مخالفته للضروره، و الأمر فی المقام لیس کذلک و ذلک فانّه لا خلاف و لا إشکال عند أحد حتّى عند المستدلّ حیث جعل محلّ نزاعه مع کافّه العلماء عدا أبی حنیفه فی خصوص الفروع، و الامامه من الاصول لا من الفروع إجماعا منه و من علمائنا.

و ثانیا أنّ مقتضى هذه الصحیحه عدم التکلیف بالامامه و سایر الفروع إلّا بتصدیق اللّه و رسوله و هو حقیقه فی التّصدیق و الاذعان القلبی لا مجرّد الاقرار باللّسان، و على تقدیر تسلیم العموم فالمراد هنا التّصدیق القلبی جزما لقوله علیه السّلام و یعرف حقّهما، فانّ المعرفه لیس ممّا یتوهّم فیه حصوله باللّسان خاصّه بل هو أمر قلبیّ جزما و إذعان نفسانیّ قطعا فحینئذ تدلّ هذه الصحیحه على أنّ المنافقین و منهم الخلفاء الثلاثه لم یکونوا مأمورین بالامامه و لا سایر الفروع، و مقتضى هذا أنّه لم یکن علیهم اثم فی غصب الخلافه و سایر ما فعلوه بالنّسبه إلى أهل البیت من ضرب فاطمه علیها السّلام و غصب حقّها و إضرام النّار حول بیتها و إلقاء الحبل على رقبه مولینا أمیر المؤمنین علیه السّلام و غیر ذلک ممّا فعلوه بالنّسبه إلیهم و إلى غیرهم من البدع الّتی ابتدعوها فی الدّین و تضییع دین خاتم النّبیین و سیّد المرسلین، و کذا ما فعله یزید و سایر جنود المخالفین مع سبط الرّسول الأمین و ما فعله المخالفون بالنسبه إلى شیعتهم و غیر ذلک، و فی جمیع ذلک لم یکونوا مأثومین أصلا بل هم و غیرهم من الکفّار الّذین لم یصدر منهم شی‏ء من ذلک متساویین فی عقاب واحد، و هو عدم الایمان باللّه و رسوله، و ذلک من حیث عدم تصدیقهم للّه و رسوله و معرفه حقّهما فانّهم‏و إن أقرّوا باللّسان إلّا أنّهم لم یصدقوهما قلبا و لم یعرفوا حقّهما، فبمقتضى الصّحیحه نظرا إلى عدم إیمانهم باللّه و رسوله و معرفتهم حقّهما کیف یکلّفهم اللّه تعالى بالامامه و سایر الفروع، و لیس فی الصحیحه أنّ مجرّد الاقرار باللّسان کان فی ذلک، و على هذا لم یکن لشکاویهم علیهم السّلام عن المخالفین و الخلفاء الثلاثه و طعنهم و لعنهم و إثبات الویل علیهم و تکفیرهم من الجهات الّتی ذکرت و تفسیقهم و کذا طعن علمائنا و منهم المستدلّ علیهم وجه، بل کان لغوا محضا و یلزمه أنّه لو فعل ذلک أو شیئا من ذلک غیر المنافقین من سایر الکفّار الذین لم یقروا بالاسلام بالنّسبه إلى ساده الأنام و فاطمه بنت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و سبطیه علیهما السّلام و غیرهم من شیعتهم و أولادهم و ذراریهم بالقتل و النهب و الاسر أنّه لم یکن علیهم فی ذلک شی‏ء، و یکونون هم و سایر من لم یحدث أمثال هذا عنه فی العقاب متساویین، و قطعیّ أنّ المستدلّ لا یقول به أیضا إذا القول بذلک من أشنع الشّنایع و أقبح الفضایح، و هل کان مراد النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله بقوله فی حقّ فاطمه علیها السّلام من آذاها فقد آذانی و غیر ذلک بالنّسبه إلیها و إلى غیرها من الحسنین و أمیر المؤمنین علیهم السّلام و أولادهم خصوص المؤمنین المصدّقین للّه و لرسوله العارفین بحقّهما، أو المراد منه الأعمّ بل ملحوظ نظره خصوص المخالفین أ فیجوّز المستدلّ ذلک بالنّسبه إلى غیرهم فیحکم بجواز اسر غیرهم للسادات و العلویّات و الفاطمیّات و قتلهم و نهب أموالهم و هتک عرضهم و غیر ذلک من النّاس بل الأنبیاء ما هذا إلّا شی‏ء عجیب أقرب من الکفر لو لم یکن کفرا.

و ثالثا انّ المخالفین عند المستدلّ کفار حقیقه بالکفر المقابل للاسلام، فیلزمه جریان أحکامهم فیه و منها القول الذى استحدثه من عدم العقاب على ترک شی‏ء من التکالیف ما هذا إلّا أمر غریب و شی‏ء عجیب و بالجمله فانّ الصحیحه صریحه فی عدم تکلیف المخالفین بالامامه و لا بشی‏ء من الفروع، و یفصح عنه قوله علیه السّلام: فکیف یجب علیه معرفه الامام و هو لا یؤمن باللّه و رسوله، و یعرف حقّهما، و ذلک بالتّقریب الذى تقدّم، و نزید حینئذ وجه دلالته على ذلک هنا فنقول: إنّ مقتضاها أنّ التّکلیف بالامامه فرع الایمان باللّه و رسوله و هو على ما عرفوه و ورد به الخبر و قد ذکره فی أوّل کتاب الصّلاه هو الاقرار باللّسان و التصدیق بالجنان و العمل بالأرکان و لا ریب فی أنّ ذلک لم یتحقّق فی حقّ الخلفاء الثلاث لعدم تصدیقهم بالجنان، هذا أ فتجوّز أیّها العاقل أنّ الکفّار المحاربین للنّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و الکاسرین لأسنانه و القاتلین للمسلمین فی زمنه صلّى اللّه علیه و آله و المتصدّین لایقاع البلایا و المحن علیه أن یکونوا فی جمیع ذلک معذورین غیر مأثومین و أنّ دعاءه صلّى اللّه علیه و آله علیهم فی بعض الحروب کان عبثا و لغوا بلا منشاء و أنّ المنشأ هو عدم الاقرار مع أنّه لا وجه لدعائه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم علیهم فی ذلک الحین خاصّه دون غیرهم أولهم فی غیر تلک الحال.

و رابعا أنّ هذه الصحیحه معارضه بما فی التهذیب فی باب أنّ الجزیه واجبه على جمیع أهل الکتاب عن محمّد بن یعقوب الکلینی عن علیّ بن إبراهیم عن أبیه عن حماد عن حریز قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السّلام عن صدقات أهل الذّمّه و ما یؤخذ من جزیتهم من ثمن خمورهم و لحم خنازیرهم و میتتهم، قال علیه السّلام: علیهم الجزیه فی أموالهم یؤخذ منهم من ثمن لحم الخنزیر أو خمر کل ما أخذوا منهم من ذلک فوزر ذلک علیهم و ثمنه للمسلمین حلال، یأخذونه فی جزیتهم.

و هذا الخبر لیس فی سنده من یتوقّف فیه سوى إبراهیم بن هاشم و هو على المشهور حسن کالصحیح و عند المحقّقین من المتأخّرین کما ذکره المستدلّ و ارتضاه ثقه، و السّند المشتمل علیه إذا کان الباقی من رجال السّند لا یتوقّف فیه صحیح، هذا مع أنّه لم یقل بهذا الاصطلاح الذى تصدّى لنا سلبه متأخّر و أصحابنا شکر اللّه سعیهم، فالحدیث حجّه عنده و لو کان راویه من أکذب البریّه و صرّح بکذبه الأئمه و تصحیح سنده منّا تبرعیّ و سدّ لباب فرار الخصم لو ادّعى مراعاه الصّحه فى السّند بعد وقوع المعارضه بینه و بین ما صحّ سنده، و مع صحّه سنده کما ترى صریح فی ثبوت الوزر علیهم فی استحلالهم ثمن ما لا یحلّ ثمنه فی ملّه الاسلام و مع ثبوت الوزر علیهم فی ذلک یثبت فی المعاصى الّتی ذکرناها الّتی هى أشدّ منها و مقتضى الأولویّه الّتی تمسّک بها فی اثبات مطلبه ثبوت الوزر علیهم فی المعاصى التی هى أشدّ بطریق الأولویّه هذا، مضافا إلى عدم القول بالفصل‏

 

منهاج‏البراعهفی‏شرح‏نهج‏البلاغه(الخوئی)، ج ۱۲   ، صفحه‏ى ۳۵۲

قال المحقّق الثانی المحقق الشیخ على بعد ذکر هذا الخبر: فیه دلاله على أنّ الکافر یؤخذ بما یستحلّه إذا کان حراما فی شریعه الاسلام و أنّ ما یأخذونه على اعتقاد الحلّ حلال علینا و إن کان ذلک الأخذ حراما عندنا.

و مراده بقوله: یؤخذ بما یستحلّه المؤاخذه علیه و ایجاب ذلک العقاب لا أخذ الجزیه لتبادر الأوّل من العباره.

و به اعترف من کتاب الزّکاه فی مسأله استحباب ما سوى الزّکاه من الحقوق التی فى المال من الضّغث بعد الضغث و الحفنه بعد الحفنه یوم الجذاذ حیث إنه من القائلین بالاستحباب مستندا إلى روایه معاویه بن شریح قال: سمعت الصادق علیه السّلام یقول: فی الزّرع حقّ تؤخذ به و حقّ تعطیه.

حیث قال: المتبادر من هذه العباره العقاب على ترکه، و هو کنایه عن الوجوب و الالزام به شرعا.

و استشهد لذلک بما فی المصباح المنیر من قوله: و أخذ بذنبه، عاقبه علیه، و إن کان فی الاستشهاد نوع تأمّل.

و هذه الصّحیحه مع صراحتها فی ذلک معتضده بعمل کافّه العلماء إلّا أبا حنیفه على اعترافه و معتضده بأدلّه العقلاء الّتی دیدنه التمسّک بها فکیف یعارضها التی ذکرها المستدلّ.

مضافا إلى معارضه الکتاب العزیز لها قال اللّه تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ و قد نهاهم اللّه عن القرب من المسجد الحرام و بمقتضى الصّحیحه لم یکن لهذا التّکلیف وجه، و کذا تکلیفهم بالجزیه و أخذها منهم و ایجابها علیهم.

و یدلّ على أنّهم مکلّفون بشریعه الاسلام و فروعها زیاده على الایمان قوله عزّ من قائل: قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ وَ لا یُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا یَدِینُونَ دِینَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ حَتَّى یُعْطُوا الْجِزْیَهَ عَنْ یَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ‏

انظر ایّدک اللّه تعالى إلى ظهور هذه الایه فی کونهم مکلّفین بتحریم ما حرّم اللّه و التّدین بدین الحق بل و صراحتها فی ذلک، فانّهم لو لم یکونوا مکلّفین بذلک لما کان لإرداف قوله: لا یحرّمون ما حرّم اللّه، إلى آخره بقوله: لا یؤمنون باللّه و لا بالیوم الاخر و إیراد ذلک فی بیان منشاء مقابلتهم و أخذ الجزیه منهم وجه، إذ کان عدم الایمان کافیا فی ذلک، فیصیر الإرداف المذکور لغوا بحتا و خالیا عن الفایده بالمرّه تعالى اللّه عن ذلک علوّا کبیرا.

و قال سبحانه أیضا وَ الَّذِینَ لا یَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا یَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ لا یَزْنُونَ وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ یَلْقَ أَثاماً. یُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ یَوْمَ الْقِیامَهِ انظر إلى صراحه هذه الایه أیضا فجعل العذاب المضاعف جزاء لهم على الأفعال المذکوره و من جملتها قتل النفس و الزّنا، فلو لا أنّ کلا من الامور المذکوره یصیر سببا لضعف العذاب یوم القیامه أو المجموع من حیث المجموع لما کان لتأخیر الاشاره أى لفظه ذلک عن جمیع ذلک وجه، بل کان المناسب بل اللازم دفعا لتوهّم الاشتراک إردافها بالأمر الأوّل فقط و هو الشّرک لیفید انفراده فی السّببیّه.

و الایات الظاهره فی ذلک کثیره، و العمل بالصّحیحه یوجب ردّها بأجمعها و أىّ عاقل یرضى بهذا و قد أمروا علیهم السّلام فی أخبار کثیره مستفیضه بالأخذ بما وافق الکتاب، و هذه الأخبار متلقّاه بالقبول حتّى عند المستدلّ فالصّحیحه الموافقه له و هى ما ذکرناها ترجّح على الصحیحه المخالفه له و هى ما ذکرها.

و بعد هذا کلّه نقول: الذى یفهم من الصحیحه غیر ما فهمه المستدلّ و ذکره، بل المراد منها و اللّه العالم و قائله أعلم: أنّ مخاطبه الکفّار المنکرین غیر المقرّین باللّه و رسوله إلى معرفه الامام الذى هو نائبه و خلیفته و من تجب إطاعته و توجیه الخطاب بذلک إلیهم یکاد أن یکون ذلک لغوا، و ذلک لا یستلزم عدم إرادتها و مطلوبیّتها منهم.

و نظیر ذلک فی الشّرع کثیر منه تکلیف النائم و کذا الغافل و کذا فاقدالطهور عند المحقّقین فی الأخیر و عند الکلّ فی الأوّلین بقضاء الصلاه التی فاتتهما الذى هو عباره عن تدارک ما فات اتفاقا، فلو لا أنّ الصلاه مراده و مطلوبه منهم فی تلک لأحوال لما کان للأمر بالقضاء معنى.

و لذلک مثال فی العرف کأن یکون لشخص عبد لا یطیعه و یعصیه فلا یأمره باطاعه وکیله مثلا، و لا یوجه إلیه الخطاب باطاعه الوکیل مع أنّه لو وجّهه لا یطیعه جزما، فانّ ذلک لا یوجب عدم المطلوبیّه منه و عدم إرادته على وجه الوجوب و اللزوم لینحصرا فیما دلّ علیه الأمر الخطابىّ.

فالمراد بقوله علیه السّلام: کیف یجب علیه معرفه الامام، أنّه کیف یوجّه الخطاب إلیه.

و لذلک مثال آخر و هو أنّ الأمر بالشی‏ء عند المحقّقین لا یستلزم الامر بما هو مقدّمه لوجوده، و یقولون بعدم حرمته من حیث إنّها مقدّمه و مع ذلک یقولون إنّ الخطاب بالاباحه و عدم الحرمه یکون لغوا و إن کان ما تضمّنه الخطاب حقّا، و یکون مثله کبیان الواضحات مثل أنّ النّائم لا یبصر و الأسود الزّنجى لا یعلم الغیوب و أمثال ذلک، فعدم توجّه الخطاب من حیث القبح فی الصدور لا یستلزم عدم ما تضمّنه لو صدر و قبحه و ذلک واضح لا یخفى.

قال صاحب الحدائق: و منها ما رواه الثقه الجلیل أحمد بن أبی طالب الطبرسی فی الاحتجاج عن أمیر المؤمنین علیه السّلام فی حدیث الزّندیق الذى جاء إلیه مستدّلا علیه باى القرآن قد اشتبهت حیث قال علیه السّلام: فکان أوّل ما قیّدهم به الاقرار بالوحدانیّه و الرّبوبیّه و شهاده أن لا إله إلّا اللّه، فلمّا أقرّوا بذلک تلاه بالاقرار لنبیّه صلّى اللّه علیه و آله بالنّبوه و الشهاده بالرّساله، فلمّا انقادوا لذلک فرض علیهم الصلاه ثمّ الصوم ثمّ الحجّ، الحدیث.

و فیه بعد تسلیم حجّیته بحسب السند حیث إنّه لیس من أخبار الکتب التی یدعى قطعیّتها، أنّ التکلیفات فی صدر الاسلام و أوّل البعثه صدرت تدریجا و لم ینسخ‏الشریعه السابقه دفعه، بل إنّما نسخ شیئا فشیئا، و لیس ذلک من محلّ النزاع فی شی‏ء، فانّه لا ریب أنّهم متعبّدون بشریعتهم السابقه، و لکن النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لم ینسخها عنهم دفعه بل أبقاهم فی أوّل الشریعه على شریعتهم و نسخ منها شیئا فشیئا فأوجب علیهم بعض التکالیف تدریجا، و ذلک لا یستلزم عدم کونها مکلّفین بالتکالیف فی شریعتنا بعد انتساخ شریعتهم، قال: و منها ما رواه الثقه الجلیل علىّ بن إبراهیم القمّى فی تفسیره عن الصادق علیه السّلام فی تفسیر قوله تعالى وَ وَیْلٌ لِلْمُشْرِکِینَ الَّذِینَ لا یُؤْتُونَ الزَّکاهَ وَ هُمْ بِالْآخِرَهِ هُمْ کافِرُونَ حیث قال علیه السّلام: أ ترى أنّ اللّه عزّ و جلّ طلب من المشرکین زکاه أموالهم و هم یشرکون به حیث یقول: و ویل للمشرکین الذین لا یؤتون الزّکوه و هم بالاخره هم کافرون، إنّما دعى اللّه العباد للایمان به فاذا آمنوا باللّه و رسوله افترض علیهم الفرض.

قال المحدّث الکاشانی فی کتاب الصافی بعد نقل الحدیث المذکور: أقول: هذا الحدیث یدلّ على ما هو التحقیق عندی من أنّ الکفّار غیر مکلّفین بالأحکام الشرعیّه ما داموا باقین على الکفر، انتهى.

و فیه بعد تسلیم السّند الحمل على التّقیّه لکونه مذهب أبی حنیفه کما اعترف، و هو قد کان فی زمان مولینا الصادق علیه السّلام و من تلامذته، و مذهبه کان مشهورا بینهم فی زمانه.

و الشاهد على الحمل على التّقیّه و تعیّنه أنّه مع عدم هذا الحمل یلزم مناقضه مضمون الخبر لنصّ الایه، فانّها صریحه فى أنّ المراد بالمشرکین هم الکفّار الذین لا یؤمنون بالاخره حیث وصفهم فیها بقوله: وَ هُمْ بِالْآخِرَهِ هُمْ کافِرُونَ.

و حینئذ فمقتضى الخبر أنّ مورد الایه إمّا المسلمون أو الذین لا نعرفهم أولا مورد لها، و الأخیران باطلان جزما و کذلک الأوّل لأنّه یلزم أن یکون المسلمون و المؤمنون مشرکین کافرین بیوم الاخر، فیحکم بنجاستهم و کفرهم و عدم قربهم من المسجد الحرام و غیر ذلک من أحکام الکفر، کما فعل ذلک المستدلّ فی الحکم‏ بکفر المخالفین من حیث إطلاق الکفر علیهم فی الأخبار و جعلهم بذلک کفارا حقیقه بالکفر المقابل للاسلام فاذا کان مؤمن لا یؤتى الزّکاه یلزم الحکم بکفره و شرکه و نجاسته و استحقاقه للخلود فی النار و هو قطعىّ الفساد عند المستدلّ و عند الکلّ، هذا.

مع أنّ الشرک و الکفر بالاخره الواقعین فی الایه وصفا لمن لا یؤتی الزکاه حقیقه فیمن صدر عنه هذان الوصفان، و لیس المسلم کذلک جزما و وجدانا، و حینئذ فالعمل بالخبر یستلزم إلغاء الایه و عدم وجود مصداق لها أو القول بکفر من لا یؤت الزّکاه من المؤمنین و شرکه و ترتّب أحکامهما علیه و لا أراه یقول به.

و بالجمله ظاهر الخبر مناقض لصریح الایه و قد قالوا فی أخبار کثیره: ما خالف الکتاب فاضربوه على الحائط، و أىّ مخالفه أشدّ من هذه المخالفه.

و لو قیل بکون هذا الخبر تفسیرا لها و وجوب المصیر إلیه لزم منه طرح تلک الأخبار و یلزم منه أن لا یوجد مصداق تلک الأخبار الامره لضرب المخالف للقرآن على الحائط إذ کلّ خبر مخالف یحتمل أن یکون تفسیرا للقرآن و إن لم یرد فی تفسیره فأىّ خبر یعلم منه المخالفه للقرآن.

و بمقتضى جمیع ما ذکر یتعیّن الحمل على التقیّه الّتی هی باعتراف المستدلّ رأس کلّ آفه و بلیّه.

مع أنّه یحتمل أن یکون المراد بهذا الخبر ما قدّمناه فی الاعتراض على الخبر الأوّل من أنّ عدم توجّه الخطاب إلیهم لا ینافی مطلوبیّته منهم، أو ما قدّمناه فی الاعتراض على الخبر الثانی من أنّهم فی صدر الاسلام و أوّل البعثه لم یؤمروا بذلک، و إنّما کلّفوا بالتکالیف شیئا فشیئا، و إلیه یشیر قوله علیه السّلام فی آخر الخبر: إنّما دعا اللّه العباد للایمان، و على ذلک فلا دلاله فیه على ما رامه.

قال صاحب الحدائق: و مما یدلّ على ذلک ما ورد عن الباقر علیه السّلام فی تفسیر قوله تعالى یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ حیث قال: کیف یأمر بطاعتهم و یرخّص فی‏منازعتهم، إنّما قال ذلک للمأمورین الذین قیل لهم أطیعوا اللّه و أطیعوا الرّسول.

أقول: تمام الحدیث ما رواه فی الکافی عن برید العجلى قال: تلا أبو جعفر علیه السّلام أطیعوا اللّه و أطیعوا الرّسول و اولى الأمر منکم فان خفتم تنازعا فی الأمر فارجعوه إلى اللّه و إلى الرّسول و إلى اولى الأمر منکم، ثمّ قال: کیف یأمر بطاعتهم و یرخّص فی منازعتهم إنما قال ذلک للمأمورین الذین قیل لهم أطیعوا اللّه و أطیعوا الرّسول.

و هو کما ترى لا دلاله فیه على ما رامه المستدلّ بوجه، بل محصّل معناه أنّه کان فی مصحفهم علیهم السّلام فارجعوه مکان فردّوه و یحتمل أن یکون تفسیرا له کما أنّ قوله فان خفتم تنازعا للأمر تفسیر لقوله فان تنازعتم فی شی‏ء، و یستفاد منه أیضا أنّه کان فی مصحفهم و إلى اولى الأمر منکم، فیدلّ على أنّه لا یدخل أولو الأمر فی المخاطبین بقوله: إن تنازعتم، کما زعمه المفسّرون من المخالفین، فقوله: کیف یأمر بطاعتهم و یرخّص فى منازعتهم، یرید به أنّ اللّه سبحانه أمر بطاعتهم أولا بقوله: و أطیعوا الرّسول و اولى الأمر منکم، و مع ذلک فلا یجوز إدخالهم فی المخاطبین بقوله: فان تنازعتم إذ وجوب الاطاعه لا یجتمع مع التّرخیص فی المنازعه فلا بدّ أن یکون المقصود بالخطاب غیرهم، و هم الذین امروا أوّلا باطاعه اللّه و الرّسول و اولى الأمر، فامروا ثانیا عند التّنازع بالرّد و الرّجوع إلیهم أیضا، فافهم جیّدا.

الثالث لزوم تکلیف ما لا یطاق إذ تکلیف الجاهل بما هو جاهل به تصوّرا و تصدیقا عین تکلیف ما لا یطاق، و هو ممّا منعته الأدله العقلیّه و النّقلیه لعین ما تقدّم فی حکم معذوریه الجاهل، و إلیه یشیر کلام الذخیره فی مسأله الصلاه مع النّجاسه عامدا حیث نقل عن بعضهم الاشکال فی إلحاق الجاهل بالعامد، و قال بعده: و الظاهر أنّ التکلیف متعلّق بمقدّمات الفعل کالنّظر و السعى و التعلّم، و إلّا لزم تکلیف الغافل أو التکلیف بما لا یطاق، و العقاب یترتّب على ترک النظر «إلی أن قال» و لا یخفى أنّه یلزم على هذا أن لا یکون الکفّار مخاطبین بالأحکام و إنّما یکونون‏مخاطبین بمقدّمات الأحکام، و هذا خلاف ما قرّره الأصحاب رضی اللّه عنهم و تحقیق المقام من المشکلات.

قال صاحب الحدائق بعد نقل هذا الکلام: لا إشکال بحمد اللّه سبحانه فیما ذکره بعد ورود الأخبار بمعذوریّه الجاهل حسبما مرّ، و ورودها بخصوص الکافر کما نقلنا هنا، و لکنّهم یدورون مدار الشّهره فی جمیع الأحکام و إن خلت عن الدّلیل فی المقام سیّما مع عدم الوقوف على ما یضادّها من أخبار أهل الذکر علیهم السّلام.

و فیه أوّلا أنّ هذا الدّلیل أخصّ من المدّعى لا یشمل من تصوّر أحکام الاسلام و عرفه.

و ثانیا إن کان مراده بذلک الجاهل المستضعف الذى لا یعرف الاسلام، و لم یسمع صیته أصلا فلا کلام فیه.

و إن أراد من سمع صیت الاسلام و عرفه فلا نسلم أنّه جاهل تصوّرا و تصدیقا بل لا ریب أنّه عالم بالشّرایع الموظفه و لو إجمالا.

نعم لیس عالما بذلک تفصیلا فهو متصوّر لما فی الاسلام من شریعه و أحکام کما أنّا مثلا عارفون بدین أهل الکفر و أنّ لهم شرایع و أحکاما و إن کنّا جاهلین بذلک تفصیلا، و هذا القدر من العلم یکفى.

و لذلک انّ أصحابنا لا یعذرون الجاهل فی الأحکام نظرا إلى علمه بذلک إجمالا و لو لم یکف هذا المقدار لزم أن لا یکلّف المقرّ باللّه و رسوله بمعرفه الامام و الفروع أصلا حتّى الصّلاه و الزّکاه و الحجّ و لا یعاقب بترکها أیضا، و یکون الأمر بالمعرفه الوارده فی الأخبار لیس فیه فایده، و من الفروع وجوب تحصیل المعرفه بالأحکام و على ما ذکره یلزم أن لا یکونوا مکلّفین، و هو ممّن یقول بوجوب تحصیل المعرفه على المسلمین.

و على قوله لم یکن فرق بینها و بین سایر الواجبات و المحرّمات إذ الجهل الذى هو علّه لعدم تعلّق التکلیف بما وراء المعرفه من حیث استلزامه التکلیف بمالا یطاق جاء فی نفس المعرفه أیضا فأنّى له بالفارق، هذا.

مع أنّه لو صحّ ما ذکر یلزم قبح التکلیف بالاصول أیضا لاتّحاد العلّه بل ازدیادها فیها، و ذلک فانّ من تیقّن بطلان الاسلام فضلا عن أن یجهله مکلّف بالاصول جزما فتکلیف من هو جاهل بها أولى کما لا یخفى.

و یلزم على ذلک خروج اکثر الکفار لو لم یکن کلّهم عن التکلیف بالاسلام لاستحاله تکلیف الجاهل فضلا عن العالم، و لا ریب أنّ کلّ من دان بدین إلّا من شذّ متیقّن بدینه جازم بصحّته، ففی حال الجزم و الیقین کیف یکلّف بالعلم ببطلان ما علمه و فساد ما تیقّن به.

و بذلک یظهر أنّهم لیسوا مکلّفین بالاصول و الحال أنّ المستدلّ لا یقول به، و لیت شعرى کیف لا یلتزم به مع اقتضاء دلیله ذلک و جریانه فیه بل أولى بالجریان کما عرفت، هذا.

و قد یقرّر هذا الدّلیل أعنی لزوم التکلیف بما لا یطاق بوجه آخر و هو أنّ الکافر غیر قادر على الاتیان بالعباده الصّحیحه المشروطه بالایمان.

و اجیب عنه بأنّا نقول انّهم مکلّفون بالفروع حال الکفر لا بشرط الکفر فالکفر ظرف للتّکلیف لا للمکلّف فلا یلزم التکلیف بما لا یطاق.

الرابع الأخبار الدّاله على وجوب طلب العلم کقولهم علیهم السّلام طلب العلم فریضه على کلّ مسلم فانّ موردها المسلم دون مجرّد البالغ العاقل.

و فیه أنّ الاستدلال بتلک الأخبار موقوف على القول بحجیّه مفهوم اللّقب و هو مع کونه خلاف التّحقیق لا یقول به المستدلّ أیضا فلا وجه لاستدلاله بها على المدّعى.

الخامس اختصاص الخطاب القرآنى بالذین آمنوا، و ورود یا أیّها النّاس فی بعض و هو الأقلّ یحمل على المؤمنین حملا للمطلق على المقیّد و العام على الخاص کما هو القاعده المسلّمه بینهم.

و الجواب ما قدّمنا فی الدّلیل السّابق، و هو أنّ دلالته من حیث مفهوم‏اللّقب الذى لیس بحجّه عنده و عند المحقّقین.

تکمله

هذا الکلام الشّریف له علیه السّلام حسبما أشرنا إلیه مروىّ فی الکافی عن على ابن إبراهیم عن أبیه عن بعض أصحابه عن أبی حمزه عن عقیل الخزاعى أنّ أمیر المؤمنین صلوات اللّه علیه کان إذا حضر الحرب یوصى للمسلمین بکلمات یقول: تعاهدوا الصّلاه و حافظوا علیها، و استکثروا منها، و تقرّبوا بها فانّها کانت على المؤمنین کتابا موقوتا، و قد علم ذلک الکفّار حین سئلوا، ما سلککم فی سقر قالوا لم نک من المصلّین و قد عرف حقّها من طرقها و أکرم بها من المؤمنین الذین لا یشغلهم عنها زین متاع و لا قرّه عین من مال و لا ولد یقول اللّه عزّ و جلّ: رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَهٌ وَ لا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاهِ، و کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم منصبا«» لنفسه بعد البشرى له بالجنّه من ربّه فقال عزّ و جلّ: وَ أْمُرْ أَهْلَکَ بِالصَّلاهِ وَ اصْطَبِرْ عَلَیْها، الایه، فکان یأمر بها أهله و یصبر علیها نفسه.

ثمّ إنّ الزکاه جعلت مع الصلاه قربانا لأهل الاسلام على أهل الاسلام، و من لم یعطها طیب النّفس بها یرجو بها من الثّمن ما هو أفضل منها فانّه جاهل بالسنه مغبون الأجر ضالّ العمر طویل النّدم بترک أمر اللّه عزّ و جلّ و الرغبه عمّا علیه صالحو عباد اللّه یقول اللّه عزّ و جلّ: وَ یَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى من الأمانه فقد خسر من لیس من أهلها و ضلّ عمله عرضت على السّماوات المبنیّه و الأرض المهاد و الجبال المنصوبه فلا أطول و لا أعرض و لا أعلى و لا أعظم و لو امتنعن «امتنعت خ ل» من طول أو عرض أو عظم أو قوّه أو عزّه امتنعن، و لکن أشفقن من العقوبه.

ثمّ إنّ الجهاد أشرف الأعمال بعد الاسلام، و هو قوام الدّین و الأجر فیه عظیم مع العزّه و المنعه و هو الکرّه فیه الحسنات و البشرى بالجنّه بعد الشّهاده و بالرّزق غدا عند الرّب و الکرامه یقول اللّه عزّ و جلّ: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْیاءٌ، الایه.

ثمّ إنّ الرّعب و الخوف من جهاد المستحقّ للجهاد و المتوازرین على الضلال ضلال فی الدّین و سلب للدّنیا مع الذلّ و الصّغار، و فیه استیجاب النار بالفرار من الزّحف عند حضره القتال یقول اللّه عزّ و جلّ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ.

فحافظوا على أمر اللّه عزّ و جلّ فی هذه المواطن الّتی الصّبر علیها کرم و سعاده، و نجاه فی الدّنیا و الاخره من فظیع الهول و المخافه، فانّ اللّه عزّ و جلّ لا یعبأ بما العباد مقترفون لیلهم و نهارهم لطف به علما، و کان «کل خ ل» ذلک فی کتاب لا یضلّ ربّى و لا ینسى، فاصبروا و صابروا و اسألوا النّصر، و وطنوا أنفسکم على القتال و اتّقوا اللّه عزّ و جلّ، فانّ اللّه مع الّذین اتّقوا و الّذینهم محسنون.

بیان

رواه المحدّث العلامه المجلسیّ فی البحار من الکافی کما رویناه و قال بعد نقله: قوله: من طرقها، لعلّه من الطروق بمعنى الاتیان باللّیل أى واظب علیها فی اللّیالى و قیل: أى جعلها دأبه و صنعته من قولهم هذا طرقه رجل أى صنعته.

و لا یخفى ما فیه و لا یبعد أن یکون تصحیف طوّق بها على المجهول أى ألزمها کالطّوق بقرینه اکرم بها على بناء المجهول أیضا.

قوله على أهل الاسلام، الظاهر أنّه سقط هنا شی‏ء قوله: من الأمانه، لعلّه بیان لسبیل المؤمنین، أى المراد بسبیل المؤمنین ولایه أهل البیت علیهم السّلام و هی الامانه المعروفه.

قوله علیه السّلام: و هو الکرّه، أى الحمله على العدوّ و هی فی نفسها أمر مرغوب فیه اذ لیس هو الّا مرّه واحده و حمله فیها سعاده الأبد، و یمکن أن یقرأ الکرّه بالهاء، أى هو مکروه للطباع فیکون إشاره إلى قوله تعالى: کُتِبَ عَلَیْکُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ کُرْهٌ لَکُمْ، و لعلّه أصوب.

و قال الجوهرى: زحف إلیه زحفا، مشى و الزّحف الجیش یزحفون إلى العدوّ، و قوله: لطف به، الضمیر راجع إلى الموصول فی قوله: ما العباد مقترقون.

الترجمه

از جمله کلام بلاغت نظام آن امام است وصیّت می کرد با آن أصحاب خود را مى ‏فرمود: مواظبت نمائید بأمر نماز و محافظت نمائید بر آن و بسیار کنید از گذاردن آن و تقرّب جوئید بدرگاه پروردگار با آن، پس بدرستى که بوده است آن نماز بر مؤمنین فرض واجب، آیا گوش نمى ‏کنید بسوى جواب اهل آتش وقتى که سؤال کرده شدند که چه باعث شد بامدن شما در دوزخ، گفتند نبودیم ما در دنیا از نماز گذارندگان، و بدرستى که آن نماز مى‏ ریزد گناهان را مثل ریختن برک از درختان و بر مى‏ دارد قید گناهان را از گردن گناه کاران مثل برداشتن بند ریسمان از گردن حیوان.

و تشبیه فرموده است نمازهاى پنج گانه را حضرت رسالتماب صلوات اللّه و سلامه علیه و آله بچشمه آب گرمى که باشد در خانه مرد پس بشوید آن مرد بدن خود را در آن چشمه در روز و شب پنج دفعه، پس نزدیک نیست که باقى ماند بر بدن او چرکى و کثافتى، و بتحقیق که شناخت قدر نماز را مردانى از مؤمنین که مشغول نمى‏ کند ایشان را از آن نماز زینت متاع دنیا و نه چشم روشنى از اولاد و نه مال آن مى‏ فرماید حق تعالى در شان ایشان: رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ الایه، یعنى تسبیح کند خداوند را مردانى که مشغول نمى‏ نماید ایشان را تجارت و خرید و فروش از ذکر پروردگار و از اقامه نماز و از دادن زکاه و بود حضرت رسول خدا بغایت متحمل بمشقّت و زحمت نماز با وجود این که بشارت بهشت داده بود او را بجهت فرمایش خدا که خطاب فرمود او را که: امر کن اهل خود را بنماز و صبر کن برحمت آن، پس بود آن بزرگوار امر مى ‏فرمود اهل خود را و وادار مى‏ نمود نفس خود را بر آن.

پس از آن بدرستى که زکاه گردانیده شده با نماز مایه تقرّب خدا از براى اهل اسلام پس کسى که عطا نماید زکاه را در حالتى که با طیب نفس بدهد آنرا پس بدرستى که باشد آن از براى او کفّاره گناهان و حاجب و مانع از آتش سوزان، پس البتّه نباید احدى چشمش بر پشت آن بدوزد، و البته نباید غمگین و پریشان شود بان از جهت این که هر کسى که بدهد زکاه را با وجه إکراه و عدم طیب نفس در حالتى که امیدوار باشد بجهت دادن آن ثوابى را که أفضل باشد از آن پس آن کس جاهلست بسنّت، مغبونست در اجرت، گمراهست در عمل، دراز است پشیمانى و ندامت آن.

پس از آن أداء أمانت است پس بتحقیق که نومید شد کسى که نبوده از أهل آن، بدرستى که آن امانت اظهار شد بر آسمانهاى بنا شده، و بر زمینهاى فرش شده، و بر کوههائى که صاحب بلندى و منصوبست بر زمین، پس نیست هیچ چیز درازتر و پهن‏تر و بلندتر و بزرگتر از آنها، و اگر امتناع مى‏ نمودى چیزى بجهت درازى یا پهنى یا بجهت قوّت یا عزّت هر آینه آنها امتناع مى‏ کردند، و لکن ترسیدند از عذاب پروردگار، و فهمیدند چیزى را که جاهل شد بان کسى که ضعیفتر از ایشان بود که عبارت باشد از انسان، بدرستى که آن انسان بسیار ظالمست بسیار نادان، بدرستى که خداى تعالى مخفى نمى‏ ماند بر او چیزى که بندگان کسب نمایند آنرا در شب و روز خودشان، لطیف خبیر است به کار ایشان، و محیط است با علم خود بان، أعضاء شما شاهدان اویند، و جوارح شما لشکران او، و قلبهاى شما جاسوسان او، و خلوتهاى شما آشکار است در نظر آن

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۱۳۶

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۹۷ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۱۹۸ صبحی صالح

۱۹۸- و من خطبه له ( علیه ‏السلام  ) ینبه على إحاطه علم اللّه بالجزئیات، ثم یحث على التقوى، و یبین فضل الإسلام و القرآن‏

یَعْلَمُ عَجِیجَ الْوُحُوشِ فِی الْفَلَوَاتِ وَ مَعَاصِیَ الْعِبَادِ فِی الْخَلَوَاتِ وَ اخْتِلَافَ النِّینَانِ فِی الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ وَ تَلَاطُمَ الْمَاءِ بِالرِّیَاحِ الْعَاصِفَاتِ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً نَجِیبُ اللَّهِ وَ سَفِیرُ وَحْیِهِ وَ رَسُولُ رَحْمَتِهِ

الوصیه بالتقوى‏

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أُوصِیکُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِی ابْتَدَأَ خَلْقَکُمْ وَ إِلَیْهِ یَکُونُ مَعَادُکُمْ وَ بِهِ نَجَاحُ طَلِبَتِکُمْ وَ إِلَیْهِ مُنْتَهَى رَغْبَتِکُمْ وَ نَحْوَهُ قَصْدُ سَبِیلِکُمْ وَ إِلَیْهِ مَرَامِی مَفْزَعِکُمْ

فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِکُمْ وَ بَصَرُ عَمَى أَفْئِدَتِکُمْ وَ شِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِکُمْ وَ صَلَاحُ فَسَادِ صُدُورِکُمْ وَ طُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِکُمْ وَ جِلَاءُ عَشَا أَبْصَارِکُمْ‏وَ أَمْنُ فَزَعِ جَأْشِکُمْ وَ ضِیَاءُ سَوَادِ ظُلْمَتِکُمْ

فَاجْعَلُوا طَاعَهَ اللَّهِ شِعَاراً دُونَ دِثَارِکُمْ وَ دَخِیلًا دُونَ شِعَارِکُمْ وَ لَطِیفاً بَیْنَ أَضْلَاعِکُمْ وَ أَمِیراً فَوْقَ أُمُورِکُمْ

وَ مَنْهَلًا لِحِینِ وُرُودِکُمْ وَ شَفِیعاً لِدَرَکِ طَلِبَتِکُمْ وَ جُنَّهً لِیَوْمِ فَزَعِکُمْ وَ مَصَابِیحَ لِبُطُونِ قُبُورِکُمْ وَ سَکَناً لِطُولِ وَحْشَتِکُمْ وَ نَفَساً لِکَرْبِ مَوَاطِنِکُمْ

فَإِنَّ طَاعَهَ اللَّهِ حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفَ مُکْتَنِفَهٍ وَ مَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَهٍ وَ أُوَارِ نِیرَانٍ مُوقَدَهٍ

فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا وَ احْلَوْلَتْ لَهُ الْأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا وَ انْفَرَجَتْ عَنْهُ الْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاکُمِهَا وَ أَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا

وَ هَطَلَتْ عَلَیْهِ الْکَرَامَهُ بَعْدَ قُحُوطِهَا. وَ تَحَدَّبَتْ عَلَیْهِ الرَّحْمَهُ بَعْدَ نُفُورِهَا وَ تَفَجَّرَتْ عَلَیْهِ النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا وَ وَبَلَتْ عَلَیْهِ الْبَرَکَهُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا

فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِی نَفَعَکُمْ بِمَوْعِظَتِهِ وَ وَعَظَکُمْ بِرِسَالَتِهِ وَ امْتَنَّ عَلَیْکُمْ بِنِعْمَتِهِ فَعَبِّدُوا أَنْفُسَکُمْ لِعِبَادَتِهِ وَ اخْرُجُوا إِلَیْهِ مِنْ حَقِّ طَاعَتِهِ

فضل الإسلام‏

ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْإِسْلَامَ دِینُ اللَّهِ الَّذِی اصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ وَ اصْطَنَعَهُ عَلَى عَیْنِهِ وَ أَصْفَاهُ خِیَرَهَ خَلْقِهِ وَ أَقَامَ دَعَائِمَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ

أَذَلَّ الْأَدْیَانَ‏بِعِزَّتِهِ وَ وَضَعَ الْمِلَلَ بِرَفْعِهِ وَ أَهَانَ أَعْدَاءَهُ بِکَرَامَتِهِ وَ خَذَلَ مُحَادِّیهِ بِنَصْرِهِ وَ هَدَمَ أَرْکَانَ الضَّلَالَهِ بِرُکْنِهِ وَ سَقَى مَنْ عَطِشَ مِنْ حِیَاضِهِ وَ أَتْأَقَ الْحِیَاضَ بِمَوَاتِحِهِ

ثُمَّ جَعَلَهُ لَا انْفِصَامَ لِعُرْوَتِهِ وَ لَا فَکَّ لِحَلْقَتِهِ وَ لَا انْهِدَامَ لِأَسَاسِهِ وَ لَا زَوَالَ لِدَعَائِمِهِ وَ لَا انْقِلَاعَ لِشَجَرَتِهِ وَ لَا انْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ وَ لَا عَفَاءَ لِشَرَائِعِهِ

وَ لَا جَذَّ لِفُرُوعِهِ وَ لَا ضَنْکَ لِطُرُقِهِ وَ لَا وُعُوثَهَ لِسُهُولَتِهِ وَ لَا سَوَادَ لِوَضَحِهِ وَ لَا عِوَجَ لِانْتِصَابِهِ وَ لَا عَصَلَ فِی عُودِهِ وَ لَا وَعَثَ لِفَجِّهِ وَ لَا انْطِفَاءَ لِمَصَابِیحِهِ وَ لَا مَرَارَهَ لِحَلَاوَتِهِ

فَهُوَ دَعَائِمُ أَسَاخَ فِی الْحَقِّ أَسْنَاخَهَا وَ ثَبَّتَ لَهَا آسَاسَهَا وَ یَنَابِیعُ غَزُرَتْ عُیُونُهَا وَ مَصَابِیحُ شَبَّتْ نِیرَانُهَا وَ مَنَارٌ اقْتَدَى بِهَا سُفَّارُهَا وَ أَعْلَامٌ قُصِدَ بِهَا فِجَاجُهَا وَ مَنَاهِلُ رَوِیَ بِهَا وُرَّادُهَا.

جَعَلَ اللَّهُ فِیهِ مُنْتَهَى رِضْوَانِهِ وَ ذِرْوَهَ دَعَائِمِهِ وَ سَنَامَ طَاعَتِهِ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ وَثِیقُ الْأَرْکَانِ رَفِیعُ الْبُنْیَانِ مُنِیرُ الْبُرْهَانِ مُضِی‏ءُ النِّیرَانِ عَزِیزُ السُّلْطَانِ مُشْرِفُ الْمَنَارِ مُعْوِذُ الْمَثَارِ

فَشَرِّفُوهُ وَ اتَّبِعُوهُ وَ أَدُّوا إِلَیْهِ حَقَّهُ وَ ضَعُوهُ مَوَاضِعَهُ

الرسول الأعظم‏

ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ( صلى‏ الله ‏علیه ‏وآله  )بِالْحَقِ‏حِینَ دَنَا مِنَ الدُّنْیَا الِانْقِطَاعُ وَ أَقْبَلَ مِنَ الْآخِرَهِ الِاطِّلَاعُ وَ أَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ إِشْرَاقٍ وَ قَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى سَاقٍ وَ خَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ

وَ أَزِفَ مِنْهَا قِیَادٌ فِی انْقِطَاعٍ مِنْ مُدَّتِهَا وَ اقْتِرَابٍ مِنْ أَشْرَاطِهَا وَ تَصَرُّمٍ مِنْ أَهْلِهَا وَ انْفِصَامٍ مِنْ حَلْقَتِهَا وَ انْتِشَارٍ مِنْ سَبَبِهَا وَ عَفَاءٍ مِنْ أَعْلَامِهَا وَ تَکَشُّفٍ مِنْ عَوْرَاتِهَا وَ قِصَرٍ مِنْ طُولِهَا

جَعَلَهُ اللَّهُ بَلَاغاً لِرِسَالَتِهِ وَ کَرَامَهً لِأُمَّتِهِ وَ رَبِیعاً لِأَهْلِ زَمَانِهِ وَ رِفْعَهً لِأَعْوَانِهِ وَ شَرَفاً لِأَنْصَارِهِ

القرآن الکریم‏

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَیْهِ الْکِتَابَ نُوراً لَا تُطْفَأُ مَصَابِیحُهُ وَ سِرَاجاً لَا یَخْبُو تَوَقُّدُهُ وَ بَحْراً لَا یُدْرَکُ قَعْرُهُ وَ مِنْهَاجاً لَا یُضِلُّ نَهْجُهُ وَ شُعَاعاً لَا یُظْلِمُ ضَوْءُهُ

وَ فُرْقَاناً لَا یُخْمَدُ بُرْهَانُهُ وَ تِبْیَاناً لَا تُهْدَمُ أَرْکَانُهُ وَ شِفَاءً لَا تُخْشَى أَسْقَامُهُ وَ عِزّاً لَا تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ وَ حَقّاً لَا تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ

فَهُوَ مَعْدِنُ الْإِیمَانِ وَ بُحْبُوحَتُهُ وَ یَنَابِیعُ الْعِلْمِ وَ بُحُورُهُ وَ رِیَاضُ الْعَدْلِ وَ غُدْرَانُهُ وَ أَثَافِیُّ الْإِسْلَامِ وَ بُنْیَانُهُ وَ أَوْدِیَهُ الْحَقِّ وَ غِیطَانُهُ

وَ بَحْرٌ لَا یَنْزِفُهُ الْمُسْتَنْزِفُونَ وَ عُیُونٌ لَا یُنْضِبُهَا الْمَاتِحُونَ وَ مَنَاهِلُ‏

لَا یَغِیضُهَا الْوَارِدُونَ وَ مَنَازِلُ لَا یَضِلُّ نَهْجَهَا الْمُسَافِرُونَ وَ أَعْلَامٌ لَا یَعْمَى عَنْهَا السَّائِرُونَ وَ آکَامٌ لَا یَجُوزُ عَنْهَا الْقَاصِدُونَ

جَعَلَهُ اللَّهُ رِیّاً لِعَطَشِ الْعُلَمَاءِ وَ رَبِیعاً لِقُلُوبِ الْفُقَهَاءِ وَ مَحَاجَّ لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ وَ دَوَاءً لَیْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ وَ نُوراً لَیْسَ مَعَهُ ظُلْمَهٌ وَ حَبْلًا وَثِیقاً عُرْوَتُهُ وَ مَعْقِلًا مَنِیعاً ذِرْوَتُهُ

وَ عِزّاً لِمَنْ تَوَلَّاهُ وَ سِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ وَ هُدًى لِمَنِ ائْتَمَّ بِهِ وَ عُذْراً لِمَنِ انْتَحَلَهُ وَ بُرْهَاناً لِمَنْ تَکَلَّمَ بِهِ وَ شَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ وَ فَلْجاً لِمَنْ حَاجَّ بِهِ

وَ حَامِلًا لِمَنْ حَمَلَهُ وَ مَطِیَّهً لِمَنْ أَعْمَلَهُ وَ آیَهً لِمَنْ تَوَسَّمَ وَ جُنَّهً لِمَنِ اسْتَلْأَمَ وَ عِلْماً لِمَنْ وَعَى وَ حَدِیثاً لِمَنْ رَوَى وَ حُکْماً لِمَنْ قَضَى

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۱۲  

و من خطبه له علیه السّلام و هى المأه و السابعه و التسعون من المختار فى باب الخطب

و شرحها فی فصول ثلاثه:

الفصل الاول

یعلم عجیج الوحوش فی الفلوات، و معاصی العباد فی الخلوات، و اختلاف النّینان فی البحار الغامرات، و تلاطم الماء بالرّیاح العاصفات، و أشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه علیه و آله نجیب اللّه و سفیر وحیه، و رسول رحمته. أمّا بعد فإنّی أوصیکم بتقوى اللّه الّذی ابتدء خلقکم، و إلیه یکون معادکم، و به نجاح طلبتکم، و إلیه منتهى رغبتکم، و نحوه قصد سبیلکم، و إلیه مرامی مفزعکم، فإنّ تقوى اللّه دواء داء قلوبکم، و بصر عمى أفئدتکم، و شفاء مرض أجسادکم، و صلاح فساد صدورکم و طهور دنس أنفسکم، و جلاء غشاء أبصارکم، و أمن فزع جاشکم، و ضیاء سواد ظلمتکم.

فاجعلوا طاعه اللّه شعارا دون دثارکم، و دخیلا دون شعارکم، و لطیفا بین أضلاعکم، و أمیرا فوق أمورکم، و منهلا لحین ورودکم، و شفیعا لدرک طلبتکم، و جنّه لیوم فزعکم، و مصابیح لبطون قبورکم، و سکنا لطول وحشتکم، و نفسا لکرب مواطنکم. فإنّ طاعه اللّه حرز من متالف مکتنفه، و مخاوف متوقّعه، و أوار نیران موقده، فمن أخذ بالتّقوى غربت «عزبت خ» عنه الشّداید بعد دنوّها، و احلولت له الامور بعد مرارتها، و انفرجت عنه الأمواج بعد تراکمها، و أسهلت له الصّعاب بعد انصابها، و هطلت علیه الکرامه بعد قحوطها، و تحدّبت علیه الرّحمه بعد نفورها، و تفجّرت علیه النّعم بعد نضوبها، و وبلت علیه البرکه بعد إرذاذها. فاتّقوا اللّه الّذی نفعکم بموعظته، و وعظکم برسالته، و امتنّ علیکم بنعمته، فعبّدوا أنفسکم لعبادته، و اخرجوا إلیه من حقّ طاعته.

اللغه

(عجّ) عجّا من باب ضرب و عجیجا أیضا رفع صوته بالتّلبیه، و منه الحدیث أفضل الأعمال إلى اللّه العجّ و الثجّ، فالعجّ رفع الصّوت فی التّلبیه، و الثجّ إساله الدّماء من الذّبح و النحر فی الأضاحی.

و (النّینان) جمع نون و هو الحوت قال تعالى وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباًو نهر (غامر) أى کثیر الماء یغمر من یدخله أى یغطّیه و یستره، و غمره البحر من باب نصر أى إذا علاه و غطاه و (الطلبه) بکسر الّام ما طلبته.

و (غشاء) أبصارکم فی بعض النسخ بالغین المعجمه و المدّ وزان کساء و هو الغطاء قال تعالى فَأَغْشَیْناهُمْ فَهُمْ لا یُبْصِرُونَ أى جعلنا على أبصارهم غشاوه و غطاء و فی بعضها بالعین المهمله و القصر سوء البصر باللیل و النّهار مصدر عشى یقال عشى عشى من باب تعب ضعف بصره فهو أعشى و المرأه عشواء، و (الجاش) القلب.

و (الشّعار) الثّوب الملاصق للبدن و هو الذی یلی شعر الجسد و (الدّثار) ما فوق الشّعار من الثیاب و (دخله) الرّجل و دخله و دخیلته و دخیله نیّته و مذهبه و خلده و (المنهل) المشرب و الشرب و الموضع الذى فیه المشرب و (الطلبه) بکسر اللّام کالطلب محرّکه اسم من طالبه بحقه مطالبه، و قال الشارح المعتزلی: الطلبه ما طلبته من شی‏ء فیکون اسم عین.

و (النفس) محرّکه اسم وضع موضع المصدر الحقیقی من نفس تنفیسا و نفسا أى فرّج تفریجا و (الاوار) بضمّ الهمزه وزان غراب حرّ النّار و الشّمس و العطش و اللهب و (هطل) السّماء تهطل من باب ضرب امطرت هطلا و هو بالفتح تتابع المطر المتفرّق العظیم القطر و المطر الضعیف الدائم و (نضب) الماء نضوبا غار و (وبلت) السماء تبل امطرت وابلا و هو المطر الشدید الضخم القطر و (ارذّت) السماء بتشدید الذال المعجمه أمطرت رذاذا، و هو بالفتح کسحاب المطر الضّعیف أو الساکن الدائم الصغار القطر کالغبار.

الاعراب

الباء فی قوله: بالرّیاح سببیّه و نحوه منصوب بنزع الخافض، و الفاء فی قوله فانّ تقوى اللّه للتعلیل، و فی قوله: فاجعلوا فصیحه

المعنى

اعلم أنّ الغرض الأصلى من هذا الفصل من الخطبه الشریفه هو النصح و الموعظه و الوصیه بالتقوى و الطاعه و الترغیب علیهما بالتنبیه على عظم ما یترتب علیهما من الثمرات و المنافع المرّغبه، و صدّر الفصل باقتضاء صناعه البلاغه و رعایه براعه الاستهلال بذکر إحاطه علمه بجزئیات الموجودات تنبیها به على أنه عزّ و جلّ لا یخفى علیه طاعه المطیعین و معصیه المذنبین فقال علیه السّلام: (یعلم عجیج الوحوش فی الفلوات) أى صیاحها فیها بالتسبیح و رفع أصواتها إلى عزّ جنابه تبارک و تعالى بالتّقدیس و تضرّعها إلیه سبحانه فی إنجاح طلباتها و تنفیس کرباتها و سؤالها منه لدفع شدایدها.

و فیه حثّ للمخاطبین على الطلب و السّؤال و التّضرّع و الابتهال و الانابه إلیه عزّ و علا على کلّ حال، لأنهم أولى بذلک من الحیوانات العجم.

و یشهد بذلک الحدیث الذی قدّمناه: أفضل الأعمال إلى اللّه العجّ و الثجّ.

و فى حدیث آخر مروىّ فى الوسایل من الکافی عن حریز رفعه قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله لمّا أحرم أتاه جبرئیل فقال له: مر أصحابک بالعجّ و الثجّ، و العجّ رفع الصّوت بالتلبیه، و الثجّ نحر البدن.

و فى الکافی فی کتاب الدّعاء باسناده عن حنان بن سدیر عن أبیه قال: قلت لأبی جعفر علیه السّلام: أىّ العباده أفضل قال: ما من شی‏ء أفضل عند اللّه عزّ و جلّ من أن یسأل و یطلب ممّا عنده، و ما أحد أبغض إلى اللّه عزّ و جلّ ممّن یستکبر عن عبادته و لا یسأل ما عنده.

و فیه عن علیّ بن إبراهیم عن أبیه عن حمّاد بن عیسى عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال سمعته یقول: ادع و لا تقل قد فرغ من الأمر، فانّ الدّعاء هو العباده إنّ اللّه عزّ و جلّ یقول وَ قالَ رَبُّکُمُ ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ إِنَّ الَّذِینَ و قال: ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ.

و فیه بسنده عن میسر بن عبد العزیز عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال لی: یا میسر ادع و لا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه، إنّ عند اللّه عزّ و جلّ منزله لا تنال إلّا بمسأله، و لو أنّ عبدا سدّفاه و لم یسأل لم یعط شیئا فاسأل تعط، یا میسر إنه لیس من باب یقرع إلّا یوشک أن یفتح لصاحبه.

(و) یعلم (معاصى العباد فی الخلوات) بمقتضى عموم علمه بالسرّ و الخفیّات و ما تحت الثرى و فوق الأرضین و السّماوات، و فیه تحذیر للسامعین عن ارتکاب الخطیئات و حثّ لهم عن الازعاج من السیئات و تخصیصها بها لکون الخلوه مظنّه الوقوع فی المعصیه بعدم وجود الرّادع و الحاجز.

(و اختلاف النینان فی البحار الغامرات) أى تردّدها فیها و سبحها فی البحر صعودا و هبوطا طولا و عرضا (و تلاطم الماء بالرّیاح العاصفات) أى اضطراب ماء البحار و تراکم أمواجها بالرّیاح الشّدیده الهبوب، ثمّ عقّب بالشهاده بالرّساله فقال: (و أشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم نجیب اللّه) أى الکریم الحسیب أفضل الناس حسبا و نسبا شرّفه اللّه تعالى بهذا الوصف الشامخ و اختاره به من خلقه.

(و سفیر وحیه و رسول رحمته) کما قال عزّ من قائل وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلَّا رَحْمَهً لِلْعالَمِینَ أى نعمه علیهم لأنّ ما بعث به سبب لصلاح معاشهم و معادهم موجب للسّعاده الدائمه و کونه رحمه للکفّار أمنهم به من الخسف و المسخ و عذاب الاستیصال قال فی مجمع البیان: قال ابن عباس: رحمه للبرّ و الفاجر و المؤمن و الکافر فهو رحمه للمؤمن فی الدنیا و الاخره و رحمه للکافر بأن عوفى ممّا أصاب الامم من الخسف و المسخ.

قال: و روی أنّ النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال لجبرئیل علیه السّلام لما نزلت هذه الایه: هل أصابک من هذه الرّحمه شی‏ء قال: نعم إنّى کنت أخشى عاقبه الأمر فامنت بک لما أثنى اللّه علىّ بقوله «ذِی قُوَّهٍ عِنْدَ ذِی الْعَرْشِ مَکِینٍ» و قیل: إنّ الوجه فی أنّه نعمه على الکافر أنّه عرّضه للایمان و الثّواب الدائم و هداه و إن لم یهتد کمن قدّم‏الطعام إلى جائع فلم یأکل فانّه منعم علیه و إن لم یقبل.

(أمّا بعد فانّى اوصیکم) عباد اللّه (ب) ما لا أزال اوصیکم به أعنى (تقوى اللّه الذى ابتدء خلقکم) و فى الاتیان بهذه الجمله و ما یتلوها من الجملات الوصفیه تعظیم لشأنه عزّ و جلّ و تأکید للغرض المسوق له الکلام، لأنّ العلم باتّصافه بهذه الصفات یوجب مزید الملازمه بالتقوى و المواظبه على أوامره و نواهیه عزّ و تعالى.

و المراد بهذه الجمله انّ اللّه الذى حباکم خلعه الخلقه و أخرجکم من العدم و أفاض علیکم نعمه الوجود الّتی هى أصل جمیع النّعم صغیرها و کبیرها و جلیلها و حقیرها أحرى بأن یخشى منه و یتّقى و لا یقابل نعمه العظام بالکفران و آلائه الجسام بالتّمرّد و الطغیان.

(و إلیه یکون معادکم) أى عودکم و رجوعکم یوم حشرکم و نشرکم، فانّ الکلّ إلیه راجعون فیجازیهم بما کانوا یعملون، و أمّا الذین اتّقوا، فأولئک هم الفائزون و أما الذین ظلموا فلا ینفع معذرتهم و لا هم یستعتبون کما قال عزّ من قائل: إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی ظِلالٍ وَ عُیُونٍ. وَ فَواکِهَ مِمَّا یَشْتَهُونَ. کُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِیئاً بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. إِنَّا کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ.

(و به نجاح طلبتکم و إلیه منتهى رغبتکم) أى الظفر بمطالبکم و قضاء مقاصدکم و نیل حوائجکم، فانّه تعالى قاضى حوائج السائلین و منجح طلبات الرّاغبین، و من کان هذا شأنه یجب أن یطاع و یعبد لا أن یعصى لحکمه و یتمرّد.

(و نحوه قصد سبیلکم) لأنّه منتهى سیر السالکین و غایه مراد المریدین، فلا بدّ من سلوک صراطه المستقیم المؤدّى إلى قربه و زلفاه، و هو صراط الملازمین لطاعته و تقواه و أمّا غیرهم فانّهم عن الصراط لناکبون، و عن لقائه محرومون.

(و إلیه مرامى مفزعکم) یعنى إذا دهمکم الخوف و الفزع ترمیکم الأفزاع نحوه، لأنه یجیب المضطرّ إذا دعاه و یکشف السوء عنه إذا ناداه.

و فى الحدیث لیس وراء اللّه مرمى، قال الطریحی: أى مقصد ترمى إلیه الامال و یوجه نحوه الرّجاء، تشبیها بالهدف الّتی ترمى إلیها السّهام، و إذا کان شأنه العزیز انّه إذا فاجاکم الفزع فالیه تضرّعون، و إذا مسّکم الضرّ فالیه تجأرون، فلا بدّمن أن یطاع و لا یعصى و یذکر و لا ینسى.

ثمّ لمّا وصف اللّه عزّ و علا بأوصاف توجب منه الاتّقاء أردفه بالتنبیه على منافع التّقوى و الثمرات المترتّبه علیها فی الدّین و الدّنیا لمزید الحثّ و الترغیب إلیها فقال: (فانّ تقوى اللّه دواء داء قلوبکم) یعنى أنّها رافعه للأمراض القلبیّه و الرّزائل النّفسانیه الموبقه من البخل و الحسد و النفاق و العداوه و البغضاء و غیرها، لأنها مضادّه لها کما أنّ الدواء ضدّ الدّاء (و بصر عمى افئدتکم) بیان ذلک أنّ حصول وصف العمى للأعمى لمّا کان موجبا لعجزه عن إدراکه للمحسوسات، و سببا لضلاله عن الطریق، فکذلک حصول هذا الوصف للأفئده الناشی من اتّباع الهوى و الانهماک فی الشهوات، موجب لقصورها عن إدراک المعقولات، و عن الاهتدا إلى الصراط المستقیم.

و کما أنّ بحسّ البصر یرتفع عمى الأبصار الظاهره و یحصل إدراک المحسوسات فکذلک بالتقوى یرتفع عمى الأفئده و یتمکّن من إدراک المعقولات و یهتدى إلى الصراط المستقیم، لکونها مانعه من متابعه الهوى و انهماک الشهوات الموجبین لعماها، و هذا معنى کونها بصرا لعمى أبصار الأفئده.

روى فی الصافی فی تفسیر قوله تعالى أَ فَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَتَکُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ یَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ یَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لکِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ من التوحید و الخصال عن السجاد علیه السّلام أنّ للعبد أربع أعین: عینان یبصر بهما أمر دینه و دنیاه، و عینان یبصر بهما أمر آخرته، فاذا أراد اللّه بعبد خیرا فتح اللّه له العینین اللّتین فی قلبه فأبصر بهما الغیب و أمر آخرته، و إذا أراد اللّه به غیر ذلک ترک القلب بما فیه.

و فیه من الکافی عن الصادق علیه السّلام إنّما شیعتنا أصحاب الأربعه أعین: عینان فی الرّأس، و عینان فی القلب، ألا و إنّ الخلایق کلّهم کذلک إلّا أنّ اللّه عزّ و جلّ فتح أبصارکم و أعمى أبصارهم.

(و شفاء مرض أجسادکم) هذا وارد مورد الغالب، لأنّ عمده سبب المرض هوالشبع و البطنه و أهل التقوى لکونه متّصفا بقلّه الأکل و قناعته بالحلال حسبما عرفت فی الخطبه المأه و الثانیه و التّسعین و شرحها یسلم جسده غالبا من الأمراض و الأسقام.

و یرشد إلى ذلک ما رواه المحدّث الجزائرى فی زهر الرّبیع أنّ حکیما نصرانیا دخل على الصادق علیه السّلام فقال: أ فى کتاب ربّکم أم فى سنّه نبیّکم شی‏ء من الطب فقال: أما فی کتاب ربّنا فقوله تعالى کُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا و أما فی سنّه نبیّنا: الاسراف فی الاکل رأس کلّ داء و الحمیّه منه أصل کلّ دواء.

و فیه أیضا عنه علیه السّلام أنه لو سئل أهل القبور عن السبب و العلّه فی موتهم لقال اکثرهم: التخمه.

و فیه أیضا قال: و روى أنّ المؤمن یاکل فی معاء واحد و الکافر یا کل فی سبعه أمعاء.

و قد تقدّم فی شرح الفصل الثانی من الخطبه المأه و التاسعه و الخمسین فصل واف فی فواید الجوع و آفات الشّبع فلیراجع ثمه.

(و صلاح فساد صدورکم) لأنّ فساد الصدور و هو کونها ساقطه عن الاعتبار خالیه عن المنفعه إنّما ینشأ من طریان ما یفسدها من الغلّ و الحقد و الحسد و نحوها من الوساوس النّفسانیه علیها، و بالتقوى یرتفع هذه کلّها و یحصل صلاحها، و به یظهر أیضا معنى قوله: (و طهور دنس أنفسکم) لأنّ هذه الطوارى أیضا أوساخ موجبه لتدنّس النّفوس بها، و التقوى مطهره لذلک الدّنس و الوسخ.

(و جلاء غشاء أبصارکم) یعنى أنّ التّقوى تجلو و تکشف غطاء أبصار البصایر و تستعدّ بذلک لادراک المعقولات، کما أنّ الباصره إذا ارتفع حجابها و انجلى غشاوتها تصلح لادراک المبصرات.

(و أمن فزع جاشکم) إذ بها تحصل قوّه القلب فی الدّنیا، و هى أمان من أفزاع یوم القیامه و أخاویفها کما قال تعالى فی سوره الأعراف فَمَنِ اتَّقى‏ وَ أَصْلَحَ‏فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ و فی سوره النّمل مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَهِ فَلَهُ خَیْرٌ مِنْها وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ یَوْمَئِذٍ آمِنُونَ و فی سوره الأنبیاء لا یَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَکْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِکَهُ هذا یَوْمُکُمُ الَّذِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ (و ضیاء سواد ظلمتکم) الظاهر أنّ المراد بالظلمه هو ظلمه القلوب الحاصله لها من اکتساب الاثام و انهماک الشهوات، فانّ المعاصى توجب ظلمه القلب و اسوداد الوجه، و بالتّقوى و الطاعه یحصل له نور و ضیاء و استعداد لقبول الافاضات الالهیّه، هذا.

و لا یخفى ما فی هذه الفقره و ما تقدّمت علیها من الفقرات السّبع من حسن المطابقه و لطفها.

و لمّا أوصى بالتّقوى و رغّب فیها بالتنبیه على ما یترتّب علیها من الثمرات العظیمه أکّد ذلک بالأمر بملازمه الطاعه المحصّله لها و بالغ فی المواظبه علیها فقال: (فاجعلوا طاعه اللّه شعارا دون دثارکم) أى بمنزله الشّعار الملاصق للبدن لا الدّثار الذى فوق الشعار، و هو إشاره إلى المواظبه علیها باطنا لا ظاهرا فقط، و أکّد استبطانها بقوله: (و دخیلا دون شعارکم) أى داخلا فی باطنکم تحت الشعار، و بقوله (و لطیفا بین أضلاعکم) و هو غایه المبالغه فی ادخالها فی الباطن، و آکد دلاله علیه من سابقیه و الغرض منه جعلها مکنونا فی الخلد متمکّنا فی القلوب.

و قوله: (و أمیرا فوق امورکم) أى یکون ورودکم و صدورکم فی امورکم الدنیویّه بأمره و نهیه کسایر الامراء بالنّسبه إلى الرّعیّه.

(و منهلا لحین ورودکم) أى مشربا تشربون من صفوها و عذبها حین الورود یوم القیامه کما قال عزّ من قائل إِنَّ الْأَبْرارَ یَشْرَبُونَ مِنْ کَأْسٍ کانَ مِزاجُها کافُوراً. عَیْناً یَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ یُفَجِّرُونَها تَفْجِیراً.

(و شفیعا لدرک طلبتکم) أى واسطه و وسیله لادراک مطالبکم الدّنیویّه و الاخرویهإذ بالتّقوى و الطاعه یحصل الاستعداد لدرکها کما قال تعالى فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَیْ عَدْلٍ مِنْکُمْ وَ أَقِیمُوا الشَّهادَهَ لِلَّهِ ذلِکُمْ یُوعَظُ بِهِ مَنْ کانَ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ فقد دلّ قوله: یجعل له مخرجا، على أنّها حصن حصین و حرز حریز بها یحصل النّجاه من الشدائد و الوقایه من المکاره، و قوله: و یرزقه من حیث لا یحتسب على أنّها کنز کاف بها یدرک المطالب و یفاز بالمارب، و قوله: و من یتوکل على اللّه فهو حسبه، على أنّه تعالى کاف لمن توکّل علیه و اکتفاه، قادر على إنجاح ما یبتغیه و یتمنّاه (و جنّه لیوم فزعکم) أى وقایه یوم القیامه من النّار و غضب الجبّار کما قال تعالى ثُمَّ نُنَجِّی الَّذِینَ اتَّقَوْا.

و مصابیح لبطون قبورکم) فانّ القبر بیت الظّلمه، و العمل الصّالح یضی‏ء قبر صاحبه کما یضی‏ء المصباح الظلمه على ما جاء فی الخبر.

(و سکنا لطول وحشتکم) أی فی القبور فانّها بیت الغربه و الوحده و الوحشه و الأعمال الصّالحه کما ورد فی أخبار کثیره تتصوّر فی صور حسنه یستأنس بها صاحبها و یسکن إلیها و یطیب بها نفسه و یرفع عنه وحشه القبر.

روى فی الکافی بسنده عن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: ما من موضع قبر إلّا و هو ینطق کلّ یوم ثلاث مرّات: أنا بیت التراب أنا بیت البلا أنا بیت الدّود.

قال علیه السّلام: فاذا دخله عبد مؤمن قال مرحبا و أهلا أما و اللّه لقد کنت احبّک و أنت تمشی على ظهری فکیف إذا دخلت بطنى فسترى ذلک.

قال: فیفسح له مدّ البصر و یفتح له باب یرى مقعده من الجنّه.

قال: و یخرج من ذلک رجل لم تر عیناه شیئا قطّ أحسن منه فیقول: یا عبد اللّه ما رأیت شیئا قط أحسن منک فیقول: أنا رأیک الحسن الّذى کنت علیه و عملک الصّالح الّذى کنت تعمله قال: ثمّ یؤخذ روحه فتوضع فی الجنّه حیث رأى منزله ثمّ یقال له: نم قریر العین فلا تزال نفحه من الجنّه یصیب جسده و یجد لذّتها و طیبها حتّى یبعث.

و فى البحار من المحاسن باسناده عن أبی بصیر عن أحدهما علیها السّلام قال: إذا مات العبد المؤمن دخل معه فی قبره ستّه صور فیهنّ صوره أحسنهنّ وجها و أبهاهنّ هیئه و أطیبهنّ ریحا و أنظفهنّ صوره.

قال: فیقف صوره عن یمینه و اخرى عن یساره و اخرى بین یدیه و اخرى خلفه و اخرى عند رجله، و تقف الّتى هی أحسنهنّ فوق «رأسه ظ»، فان اتى عن یمینه منعته الّتى عن یمینه، ثم کذلک إلى أن یؤتى من الجهات السّتّ قال: فتقول أحسنهنّ صوره: و من أنتم جزاکم اللّه خیرا فتقول الّتى عن یساره: أنا الزکاه، و تقول الّتی بین یدیه: أنا الصّیام، و تقول الّتی خلفه: أنا الحجّ و العمره، و تقول الّتی عند رجلیه: أنا برّ من وصلت من إخوانک، ثمّ یقلن: من أنت فأنت أحسننا وجها و أطیبنا ریحا و أبهانا هیئه فتقول: أنا الولایه لال محمّد صلوات اللّه علیهم أجمعین.

(و نفسا لکرب مواطنکم) أى سعه و روحا لکرب منازل الاخره و مواقف القیامه (فانّ طاعه اللّه حرز من متالف مکتنفه) أى عوذه من المهالک المحیطه (و مخاوف متوقّعه) أى مخاوف الاخره المنتظره الوقوع (و آوار نیران موقده) أراد به حرّ نار الجحیم.

(فمن أخذ بالتّقوى) و عمل صالحا (غربت) أى بعدت و غابت (عنه الشّدائد بعد دنوّها) أى شداید الاخره و أهاویلها، و یجوز أن یراد بها الأعمّ لأنّ المتّقى بقناعته و خفّه مؤنته و اعتزاله من مخالطه أبناء الدّنیا و مجالستهم سالم غالبا من المحن و الشّداید و ایذاء أبناء النّوع.

(و احلولت له الامور بعد مرارتها) أى صارت الأمرار الدّنیویه و الاخرویه حلوا له، أمّا الدّنیویه کضیق العیش و الجوع و الفقر و العرى و ما ضاهاها فلما له من الرّضا بالقضاء، و أما الاخرویه کمشاقّ الطاعات و العبادات فلکونها أحلى و ألذّ عنده من کلّ شی‏ء و إن کان مرّا فی ذوقه فی مبدء السلوک، و ذلک لما له من علم الیقین بأنّ هذه المشقّه القلیله توجب راحه طویله، و تلک المراره الیسیره تجلب لذّه دائمه.

(و انفرجت عنه الأمواج بعد تراکمها) أى انکشفت عنه أمواج الفتن الدّنیویه بعد تراکمها و کثرتها، و ذلک لأنّ الاخذ بالتقوى لکونه بمعزل من الدّنیا و أهلها سالم من الفتن و المحن التی ابتلی بها أهلها.

(و أسهلت له الصّعاب بعد انصبابها) أى صارت الامور الصعبه و المشاق النفسانیه سهله له بعد ایقاعها ایاه فی النصب و التعب، و ذلک لما عرفت آنفا من أنّ المتّقى لمعرفته بعظم ما یترتّب على طاعته و تقواه من الثمرات الاخرویه یسهل علیه کلّ خطب و یهون له الشدائد (و هطلت علیه الکرامه بعد قحوطها) شبه کرامه اللّه سبحانه الشامله للمتقى بالمطر العظیم القطر المتتابع على سبیل الاستعاره المکنیه، و إثبات الهطل تخییل و القحوط ترشیح. و نظیرها الفقرتان المتقدّمتان فانهما أیضا من قبیل الاستعاره المکنیه التخییلیه الترشیحیه.

و المراد أنّ أهل التقوى انصبت علیه و تتابعت فی حقه کرامه اللّه العزیز عزّ و جلّ بسبب اتصافه بالتقوى بعد احتباسها و منعها عنه، و ذلک قبل أن یستعدّ بالتقوى لها و یشهد بذلک أی بافاضه کرامته على المتقی صریحا نصّ قوله سبحانه یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناکُمْ.

(و تحدبت علیه الرحمه بعد نفورها) أى تعطفت علیه الرحمه الالهیه بعد ما کانت نافره عنه حین ما لم یکن متصفا بالتقوى و مستعدا لها، و هذه الفقره أیضا مثل سوابقها حیث شبه الرحمه بالناقه العاطفه على ولدها على سبیل الاستعاره بالکنایه و أثبت التحدّب تخییلا و النفور ترشیحا.

(و تفجّرت علیه النّعم بعد نضوبها) إمّا استعاره مکنیه مثل ما مرّت تشبیها للنعم بالینابیع الجاریه المنفجره، فیکون ذکر التفجّر و النضوب تخییلا و ترشیحا، أى انفجرت علیه ینابیع النعم بعد اغورارها.

و یجوز أن یراد بالتفجر التتابع بعلاقه الملازمه فیکون مجازا مرسلا، و النعم قرینه التجوز أو ارید بالتفجر الافاضه و الجامع التتابع و الدوام فیکون استعاره تبعیه و على هذین الاحتمالین فیراد بالنضوب الفقدان مجازا و لا یخفى على المتدبّر أنّ هذین الاحتمالین یأتیان أیضا فی بعض القراین المتقدّمه کالقرینه المتأخّره أعنى قوله:

(و وبلت علیه البرکه بعد ارذاذها) فیجوز أن تکون الاستعاره بالکنایه بأن یشبه البرکه بالمطر الشدید العظیم القطر و الوبل و الارذاذ تخییل و ترشیح، و أن تکون استعاره تبعیه بأن یستعار الوبل للفیض الکثیر و الجامع الکثره، و أن یکون مجازا مرسلا و یراد بالوبل النزول، و على التقدیرین فیراد بالارذاذ القلّه و الضعف مجازا.

ثمّ بعد التنبیه على جمله من ثمرات التقوى و المنافع العظیمه المترتّبه علیها عاد إلى الأمر بها تأکیدا و تقویه لما قدّم فقال: (فاتّقوا اللّه الذی نفعکم بموعظته) و هى ما وعظکم بها فی کتابه المبین و لسان نبیّه الأمین و هداکم بها إلى الجنّه و أنقذکم بها من النار و أىّ منفعه أعظم من هذه و أنفع.

(و وعظکم برسالته) التی بعث بها رسله و لم یبق عذر لعاذر بعد مواعظهم البلیغه فی ترک التقوى و الطاعه.

(و امتنّ علیکم بنعمته) الغیر المحصاه التی لا یجوز للعاقل أن یقابلها بالکفران و یکافئها بترک التقوى و الطاعه و العصیان.

(فعبّدوا أنفسکم لعبادته) أى ذللوها لحمل أثقال العباده.

(و اخرجوا إلیه من حقّ طاعته) أى من طاعته التی هو حق علیکم و ثابت فی ذمتکم، أو من طاعته التی حقیق به عزّ و جلّ أى اخرجوا إلیه من کمال طاعته التی یلیق بحضرته.

الترجمه

می داند خداوند تبارک و تعالى صداى وحشیان را در بیابانها، و معصیتهاى بندگان را در مکان خلوت، و تردّد ماهیان را در دریاهاى گود، و تلاطم آب دریاها را با بادهاى تند و زنده، و شهادت مى ‏دهم باین که محمّد مصطفى صلوات اللّه و سلامه علیه و آله بنده نجیب خداست و ایلچى وحى او و پیغمبر رحمت اوست.

اما پس از ثناى خدا پس بدرستى که من وصیّت می کنم شما را بتقوى و پرهیزکارى خداوندى که ایجاد فرموده خلقت شما را و بسوى اوست بازگشت شماو با عنایت اوست رسیدن مطالب شما و بطرف اوست قصد راه شما و بسوى اوست نشانگاه فزع و خوف شما پس بدرستى که تقوى دواى درد قلبهاى شماست، و چشم کورى دلهاى شما، و شفاى ناخوشى بدنهاى شما، و صلاح فساد سینهاى شما، و پاکیزگى کثافت نفسهاى شماست، و جلاى پردهاى بصرهاى شما، و خاطر جمعى خوف قلبهاى شما، و روشنى سیاهى تاریکى قلب شما است.

پس بگردانید طاعت و عبادت پروردگار را لباس باطنى خودتان نه لباس ظاهرى و داخل در باطن خود نه شعار ظاهرى، و چیزى لطیف در میان دندهاى خودتان، و أمیر حکمران بالاى جمیع کارهاى خودتان و محل آب خور از براى زمان ورود آن، و واسطه از براى درک مطالب خودتان، و سپر از براى روز فزع خود و چراغها از براى بطون قبرهاى خود، و مایه انس از براى طول وحشت خود، و فرج و راحت از براى اندوه و محنت مواطن خودتان.

پس بدرستى که طاعت خدا حرز است، از مهلکه ‏هاى محیطه و از محلّهاى خوفى که متوقعست و از حرارت آتشهاى روشن شده، پس کسى که اخذ نمود تقوى را غایب شد از آن شدتها بعد از نزدیکى آنها باو، و شیرین شد از براى او کارها بعد از تلخى آنها، و منکشف شد از او موجها بعد از تراکم و تلاطم آنها، و آسان شد از براى او کارهاى صعب بعد از مشقت انداختن آنها، و بارید باو باران‏هاى کرامت بعد از قحطى آن، و برگشت با مهربانى بر او رحمت خدا بعد از رمیدن آن، و منفجر شد بر او چشمهاى نعمتها بعد از نایابى آنها، و بارید بأو باران برکت با شدّت بعد از ضعف و قلّت آن.

پس پرهیز نمائید از خدا چنان خداوندى که نفع بخشید بشما با موعظه بالغه خود، و موعظه فرمود بشما با رسالت رسولان خود، و منت گذاشت بر شما با نعمت فراوان خود، پس ذلیل نمائید نفسهاى خودتان را با بار عبادت او، و خارج شوید بسوى او از حق اطاعت او که لایق حضرت او است

الفصل الثانی

ثمّ إنّ هذا الإسلام دین اللّه الّذی اصطفاه لنفسه، و اصطنعه على عینه، و أصفاه خیره خلقه، و أقام دعائمه على محبّته، أذلّ الادیان بعزّته، و وضع الملل برفعه، و أهان أعدائه بکرامته، و خذل محادّیه بنصره، و هدم أرکان الضّلاله برکنه، و سقى من عطش من حیاضه، و أتاق الحیاض بمواتحه. ثمّ جعله لا انفصام لعروته، و لا فکّ لحلقته، و لا انهدام لاساسه و لا زوال لدعائمه، و لا انقلاع لشجرته، و لا انقطاع لمدّته، و لا عفاء لشرایعه، و لا جذّ لفروعه، و لا ضنک لطرقه، و لا وعوثه لسهولته و لا سواد لوضحه، و لا عوج لانتصابه، و لا عصل فى عوده، و لا وعث لفجّه، و لا انطفاء لمصابیحه، و لا مراره لحلاوته. فهو دعائم أساخ فی الحقّ أسناخها، و ثبّت لها أساسها، و ینابیع غزرت عیونها، و مصابیح شبّت نیرانها، و منار اقتدى بها سفّارها، و أعلام قصد بها فجاجها، و مناهل روى بها ورّادها، جعل اللّه فیه منتهى رضوانه، و ذروه دعائمه، و سنام طاعته.

فهو عند اللّه وثیق الارکان، رفیع البنیان، منیر البرهان، مضی‏ء النّیران، عزیز السّلطان، مشرف المنار، معوز المثار، فشرّفوه، و أدّوا إلیه حقّه، وضعوه مواضعه.

اللغه

(اصطنعه على عینه) افتعال من الصنع و الصنع اتّخاذ الخیر لصاحبه کذا فی مجمع البیان، و قیل: من الصنیعه و هى العطیه و الاحسان و الکرامه یقال اصطنعتک لنفسى اخترتک لأمر أستکفیکه و اصطنع خاتما أمر أن یصنع له قال تعالى فی سوره طه مخاطبا لموسى علیه السّلام وَ اصْطَنَعْتُکَ لِنَفْسِی. اذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوکَ بِآیاتِی. وَ لا تَنِیا فِی ذِکْرِی.

و قال الشارح المعتزلی: اصطنعه على عینه کلمه یقال لما یشتدّ الاهتمام به، تقول للصانع: اصنع لى خاتما على عینى، أى اصنعه صنعه کالصّنعه التی تصنعها و أنا حاضر اشاهدها.

و قال الزّمخشرى فی الکشاف فی تفسیر قوله تعالى أَنِ اقْذِفِیهِ فِی التَّابُوتِ لتربى و یحسن إلیک و أنا مراعیک و راقبک کما یرعى الرّجل الشی‏ء بعینه إذا اعتنى به، و تقول للصانع اصنع هذا على عینى أنظر إلیک لئلّا تخالف به عن مرادى و (الخیره) بفتح الیاء وزان عنبه کالخیره بسکونها اسم من اخترت الرّجل أى فضلته على غیره و (الدّعائم) جمع الدّعامه بالکسر عماد البیت و الخشب المنصوب للتعریش و (حادّه) محادّه عادّه و غاضبه و خالفه مأخوذ من الحدد و هو الغضب قال تعالى یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ.

و (تئق) الحوض من باب فرح امتلأ ماء و أتاق الحیاض ملأها و (المواتح) جمع الماتح و هو الذى یستقى بالدّلو من المتح و هو الاستقاء یقال متحت الدّلوأى استخرجتها و (عروه) الکوز مقبضه و (الجذ) بالذّال المعجمه القطع أو القطع المستأصل، و فی بعض النسخ بالحاء المهمله و هو القطع و فی بعضها بالجیم و الدّال المهمله و هو القطع أیضا و الفعل فی الجمیع کمدّ.

و (وعث) الطریق و عوثه من باب قرب و تعب إذا شقّ على السالک فهو وعث و قیل: الوعث رمل دقیق تغیب فیه الأقدام فهو شاق، ثمّ استعیر لکلّ أمر شاقّ من تعب و أثم و غیر ذلک، و منه و عثاء السفر أى شدّه النصب و التعب.

و (الوضح) محرّکه بیاض الصبح و القمر و محجّه الطریق و (العصل) محرّکه الاعوجاج فی صلابه و منه العصال بالکسر و هو السهم المعوّج و (الفج) الطریق الواسع بین الجبلین و (ساخت) قوائمه فی الأرض أى غابت و ساخت بهم الأرض أى خسفت و یعدى بالهمزه فیقال: أساخه اللّه و (الینبوع) العین ینبع منه الماء أى یخرج و قیل: الجدول الکثیر الماء و هو أنسب و (غزر) الماء بضمّ الزّاء المعجمه غزاره کثر فهو غزیر و (شبت نیرانها) بضمّ الشین بالبناء على المفعول أى اوقدت و (ورّادها) جمع وارد قال الشارح المعتزلی: و روى روّادها جمع رائد و هو الذى یسبق القوم فیرتاد لهم الماء و الکلاء و (ذروه) الشی‏ء بالکسر و الضمّ أعلاه و (سنام) بالفتح وزان سحاب أیضا أعلاه و (عوز) الشی‏ء عوزا من باب تعب عزّ فلم یوجد، و عزت الشی‏ء أعوزه من باب قال احتجت إلیه فلم أجده، و أعوزنى مثل أعجزنى وزنا و معنى، و أعوز الرّجل إعوازا افتقر، و أعوزه الدّهر أفقره و (ثار) الغبار یثور ثورا و ثورانا هاج، و ثار به الناس أى وثبوا علیه، و فلان أثار الفتنه أى هیّجها، و المثار مصدر أو اسم للمکان.

الاعراب

قوله: على عینه ظرف مستقرّ حال من فاعل اصطنع، و قوله: على محبّه یحتمل أن یکون ظرف لغو متعلّق بقوله أقام فالضمیر راجع إلى اللّه، و أن یکون ظرفا مستقرّا حالا من فاعل أقام أو من الضمیر فی دعائمه، فالضمیر فیه على الأوّل‏أیضا راجع إلى اللّه، و على الثانی فیعود إلى الاسلام، و یجوز جعل على بمعنى اللّام للتعلیل کما فى قوله تعالى وَ لِتُکَبِّرُوا اللَّهَ عَلى‏ ما هَداکُمْ و على هذا فایضا ظرف لغو و الضّمیر یصحّ عوده إلى اللّه و إلى الاسلام فتدبّر، و الباء فی قوله: بعزّته للسّببیّه، و قوله: ثمّ جعله لا انفصام لعروته المفعول الثّانی لجعل محذوف و جمله لا انفصام لعروته صفه له.

المعنى

اعلم أنّه علیه السّلام لمّا أوصى فی الفصل السّابق بالتّقوى و الطّاعه أردفه بهذا الفصل المتضمّن لشرف الاسلام و فضایله لکونهما من شئونه فقال: (ثمّ إنّ هذا الاسلام دین اللّه) أى لا دین مرضىّ عند اللّه سوى الاسلام و هو التّوحید و التّدرّع بالشّرع الّذی جاء به محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کما قال تعالى إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ و قال وَ مَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الْإِسْلامِ دِیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِی الْآخِرَهِ مِنَ الْخاسِرِینَ أى من یطلب غیره دینا یدین به لن یقبل منه بل یعاقب علیه و هو من الهالکین فی الاخره، و فیه دلاله على أنّ الدّین و الاسلام واحد و هما عبارتان عن معبر واحد، و هو التّسلیم و الانقیاد بما جاء به النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.

و هو (الّذی اصطفاه) اللّه و اختاره من بین سایر الأدیان (لنفسه) أى لأن یکون طریقا إلى معرفته و طاعته مؤدّیا إلى جنّته.

(و اصطنعه على عینه) أى اتّخذه صنعه و اختاره حالکونه مراعیا حافظا له مراقبا علیه مشاهدا ایّاه، و یجوز جعل العین مجازا فی العلم فیکون المعنى أنّه اصطنعه و أسّس قواعده على ما ینبغی و على علم منه به أى حالکونه عالما بدقایقه و نکاته أو بشرفه و فضله.

و یحتمل أن یکون معنى اصطنعه أنّه طلب صنعته أى انّه أمر بصنعته و القیام به حالکونه بمرئى منه أى کالمصنوع المشاهد له، و ذلک أنّ من صنع لغیره شیئا و هو ینظر إلیه صنعه کما یحبّ و لا یتهیّأ له خلافه أو أنّه أمر بأن یصنع أی بصنعه‏و صنیعته أى بکرامته و الاتیان به على وجه الکمال.

و على هذا الاحتمال فالصّانع له أى المأمور بالصّنعه و الصنع و الصنیعه المکلّفون المطلوب منهم الاسلام.

و هذا نظیر ما قاله المفسّرون فی قوله تعالى وَ لِتُصْنَعَ عَلى‏ عَیْنِی على قراءه لتصنع بلفظ الأمر مبنیّا للمفعول. إنّ المعنى لیصنعک غیرک أى لتربّى و تغذّى و یحسن إلیک بمرئى منّی أى یجرى امرک على ما ارید من الرّفاهه.

(و أصفاه خیره خلقه) أى آثر و اختار للبعثه به خیره خلقه محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، أو جعل خیره خلقه خالصا لتبلیغه دون غیره.

(و أقام دعائمه على محبّته) أى أثبت أرکان الاسلام فوق محبّته تعالى، فانّ من أحبّه سبحانه أسلم له، أو أنّه قام دعائم حالکونه تعالى محبّا له أو حال کون الاسلام محبوبا له تعالى، أو لأجل حبّه إیاه، أو لأجل محبوبیّته عنده على الاحتمالات المتقدّمه فی الاعراب.

ثمّ المراد بدعائمه إما مطلق أرکانه التی یأتی تفصیلها منه علیه السّلام فی أوائل باب المختار من حکمه و هو الأنسب.

أو خصوص ما اشیر إلیه فی الحدیث المرویّ فی البحار من أمالى الصدوق بسنده عن المفضل عن الصادق علیه السّلام قال: بنی الاسلام على خمس دعائم: على الصّلاه، و الزّکاه، و الصوم، و الحجّ، و ولایه أمیر المؤمنین و الأئمّه من ولده صلوات اللّه علیهم (أذلّ الأدیان بعزّته) أراد بذلّتها نسخها أو المراد ذلّه أهلها على حذف المضاف و یحتملهما قوله (و وضع الملل برفعه) و یصدّق هاتین القرینتین صریحا قوله تعالى هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَى.

(و أهان أعداءه بکرامته) أى أهان أعداء الاسلام و هم الیهود و النصارى و المشرکون و کلّ من عانده و لم یتدیّن به من أهل الملل المتقدّمه، و إهانتهم بالقتل و الاستیصال و أخذ الجزیه و الذلّ و الصّغار.

(و خذل محادّیه بنصره) أى ترک نصره المخالفین للاسلام المحادّین له و أخزاهم‏بنصرته للاسلام و أهله.

(و هدم أرکان الضّلاله برکنه) رکن الشی‏ء جانبه الّذى یستند إلیه و یقوم به، فاستعار أرکان الضلاله للعقاید المضلّه أو رؤساء أهل الضّلاله أو الأصنام، و أراد برکنه أصوله و قواعده أو النّبی أو کلمه التوحید.

(و سقى من عطش من حیاضه) المراد بمن عطش الجاهل بقواعد الاسلام المبتغی له، و بالحیاض النّبی و الأئمّه سلام اللّه علیهم المملوون بمیاه العلوم الحقّه، أو الأعمّ الشامل للعلماء الرّاشدین أیضا و یسقیه هدایته له إلى الاستفاده و أخذ علوم الدّین عنهم علیهم السّلام.

(و أتاق الحیاض بمواتحه) أى ملأ صدور اولى العلم علیهم السّلام من زلال المعارف الحقّه و العلوم الدّینیه بوساطه المبلّغین من اللّه تعالى من الملائکه و روح القدس و الالهامات الالهیّه. و إن ارید بالحیاض الأعمّ الشامل للعلماء فیعمّم المواتح للأئمه لأنهم یستفیدون من علومهم علیهم السّلام و یستضیئون بأنوارهم علیهم السّلام و قیل هنا: معان اخر، و الأظهر ما قلناه.

(ثمّ جعله) وثیقا (لا انفصام لعروته) کما قال تعالى قَدْ تَبَیَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَیِّ فَمَنْ یَکْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ یُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَهِ الْوُثْقى‏ لَا انْفِصامَ لَها.

قال أمین الاسلام الطبرسی «قد» قد ظهر الایمان من الکفر و الحقّ من الباطل، فمن یکفر بما خالف أمر اللّه و یصدق باللّه و بما جاءت به رسله فقد تمسّک و اعتصم بالعصمه الوثیقه و عقد لنفسه من الدّین عقدا وثیقا لا یحلّه شبهه، لا انفصام لها أى لا انقطاع لها کما لا ینقطع من تمسک بالعروه کذلک لا ینقطع أمر من تمسّک بالایمان، و محصّله أنّ من اعتصم بعروه الاسلام فهی تؤدّیه إلى غایه مقصده من رضاء الحقّ و رضوانه و نزول غرفات جنانه لأنّها وثیقه لا ینقطع و لا تنفصم.

(و) جعله محکما (لا فکّ لحلقته) قال الشّارح البحرانی: کنایه عن عدم انقهار أهله و جماعته.

(و) مشیّدا (لا انهدام لأساسه) قال البحرانی: استعار لفظ الأساس للکتاب و السّنه الّذین هما أساس الاسلام، و لفظ الانهدام لاضمحلالهما انتهى، و لا بأس به، و قد یفسّر فی بعض الرّوایات بالولایه.

و هو ما رواه فی البحار من أمالی الشیخ باسناده عن جابر بن یزید عن أبی جعفر محمّد بن علیّ بن الحسین عن أبیه عن جدّه علیهم السّلام قال: لمّا قضى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم مناسکه من حجّه الوداع رکب راحلته و أنشأ یقول: لا یدخل الجنّه إلّا من کان مسلما، فقام الیه أبو ذر الغفارى فقال: یا رسول اللّه و ما الاسلام فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: الاسلام عریان و لباسه التقوى، و زینته الحیاء، و ملاکه«» الورع و کماله الدّین، و ثمرته العمل، و لکلّ شی‏ء أساس و أساس الاسلام حبّنا أهل البیت.

(و) ثابتا (لا زوال لدعائمه) قال البحرانی: استعار لفظ الدّعائم لعلمائه أو للکتاب و السنه و قوانینهما، و أراد بعدم زوالها عدم انقراض العلماء أو عدم القوانین الشرعیّه، انتهى.

و الأولى أن یراد بالدّعائم ما یأتی تفصیلها منه علیه السّلام فی أوائل باب المختار من حکمه علیه السّلام و هو ثالث أبواب النّهج.

(و) راسخا (لا انقلاع لشجرته) الظاهر أنّه من قبیل اضافه المشبّه به على المشبّه کما فی لجین الماء، و المراد أنّ الاسلام کشجره ثابته أصلها ثابت و فرعها فى السماء کما اشیر الیه فی قوله مثل کلمه طیّبه کَشَجَرَهٍ طَیِّبَهٍ الایه.

قال الطبرسی: قال ابن عبّاس: هی کلمه التوحید شهاده أن لا إله إلّا اللّه کشجره زاکیه نامیه راسخه اصولها فى الأرض عالیه أغصانها، و ثمارها فی السماء، و أراد به المبالغه فی الرّفعه و الأصل سافل و الفرع عال إلّا أنه یتوصّل من الأصل إلى الفرع.

قال: و قیل: انّه سبحانه شبّه الایمان بالنّخله لثبات الایمان فی قلب المؤمن کثبات النخله فی منبتها، و شبّه ارتفاع عمله إلى السماء بارتفاع فروع النخله،و شبّه ما یکسبه المؤمنون من برکه الایمان و ثوابه فی کلّ وقت و حین بما ینال من ثمره النخله فی أوقات السّنه کلّها من الرّطب و التّمر.

و فى البحار من علل الشرائع باسناده عن معمّر بن قتاده عن أنس بن مالک فی حدیث قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال حبیبی جبرئیل علیه السّلام: إنّ مثل هذا الدّین کمثل شجره ثابته الایمان أصلها، و الصّلاه، عروقها، و الزّکاه ماؤها، و الصّوم سعفها، و حسن الخلق ورقها، و الکفّ عن المحارم ثمرها، فلا تکمل شجره إلّا بالثمر کذلک الایمان لا یکمل إلّا بالکفّ عن المحارم.

(و) متمادیا (لا انقطاع لمدّته) لاستمراره و بقائه إلى یوم القیامه.

(و) جدیدا (لا عفاء لشرایعه) أى لا اندراس لما شرع اللّه منه لعباده و لا انمحاء لطرقه و شعبه الّتی یذهب بسالکها إلى حظایر القدس و محافل الانس (و) زاکیا (لا جذّ لفروعه) أى لا ینقطع ما یتفرّع علیه من الأحکام الّتی یستنبطها المجتهدون بأفکارهم السلیمه من الکتاب و السّنه، و یحتمل أن یراد بها ما یتفرّع علیه من الثّمرات و المنافع الدنیویّه و الاخرویه.

(و) وسیعا (لا ضنک لطرقه) أى لا ضیق لمسالکه بحیث یشقّ على السّالکین سلوکه، و المراد أنها ملّه سمحه سهله لیس فیها ثقل على المکلّفین کما کان فی الملل السّابقه.

قال تعالى الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الْأُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوباً عِنْدَهُمْ فِی التَّوْراهِ وَ الْإِنْجِیلِ یَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ یُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّباتِ وَ یُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبائِثَ وَ یَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِی کانَتْ عَلَیْهِمْ.

قال أمین الاسلام الطبرسی: معناه یبیح لهم المستلذّات الحسنه و یحرّم علیهم القبایح و ما تعافه الأنفس، و قیل: یحلّ لهم ما اکتسبوه من وجه طیّب و یحرّم علیهم ما اکتسبوه من وجه خبیث، و قیل: یحلّ لهم ما حرّمه علیهم رهبانیّهم و أحبارهم و ما کان یحرّمه أهل الجاهلیه من البحائر و السوائب و غیرها، و یحرّم علیهم المیته و الدّم و لحم الخنزیر و ما ذکر معها.

و یضع عنهم إصرهم أى ثقلهم شبّه ما کان على بنی إسرائیل من التکلیف الشدیدبالثقل، و ذلک إن اللّه سبحانه جعل توبتهم أن یقتل بعضهم و جعل توبه هذه الامّه الندم بالقلب حرمه للنّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.

و الاغلال الّتی کانت علیهم قیل: یرید بالأغلال ما امتحنوا به من قتل نفوسهم فی التوبه و قرض ما یصیبه البول من أجسادهم و ما أشبه ذلک من تحریم السّبت و تحریم العروق و الشحوم و قطع الأعضاء الخاطئه و وجوب القصاص دون الدّیه انتهى.

و قیل: الاصر الثقل الّذى یأصر حامله أى یحبسه فى مکانه لفرط ثقله.

و قال الزّمخشرى: هو مثل لثقل تکلیفهم و صعوبته نحو اشتراط قتل الأنفس فى صحّه توبتهم، و کذلک الاغلال مثل لما کان فى شرایعهم من الأشیاء الشّاقه نحو بت القضاء بالقصاص عمدا کان أو خطاء من غیر شرع الدّیه، و قطع الأعضاء الخاطئه، و قرض موضع النّجاسه من الجلد و الثوب و إحراق الغنایم، و تحریم العروق فى اللّحم و تحریم السبت.

و عن عطا کانت بنو اسرائیل إذا قامت تصلّى لبسوا المسوح و غلّوا أیدیهم إلى الأعناق، و ربّما ثقب الرّجل ترقوته و جعل فیها طرف السّلسله و أوثقها إلى السّاریه یحبس نفسه على العباده.

(و) سهلا (لا وعوثه لسهولته) یعنی أنّه على حدّ الاعتدال من السهوله، و لیس سهلا مفرطا کالوعث من الطریق یتعسّر سلوکه و یشقّ المشى فیه لرسوب الأقدام.

(و) واضحا (لا سواد لوضحه) یعنى أنّ بیاضه لا یشوبه الظلام کما قال النّبى صلّى اللّه علیه و آله: بعثت الیکم بالحنیفیّه السمحقه السهله البیضاء، و بیاضه کنایه عن صفائه عن کدر الباطل.

(و) مستقیما (لا عوج لانتصابه) أى لا اعوجاج لقیامه کما قال تعالى قُلْ إِنَّنِی هَدانِی رَبِّی إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ. دِیناً قِیَماً مِلَّهَ إِبْراهِیمَ حَنِیفاً وَ ما کانَ مِنَ الْمُشْرِکِینَ و المراد أنّه صراط مستقیم مؤدّ لسالکه إلى الجنّه، و رضوان اللّه تعالى لیس فیه عوج و لا أمت.

(و) مستویا (لا عصل فى عوده) و هو أیضا کنایه عن استقامته و ادائه إلى الحقّ.

(و) یسیرا (لا وعث لفجّه) أراد بالفجّ مطلق الطریق مجازا من إطلاق المقیّدعلى المطلق و یمکن إراده المعنى الحقیقى و یکون النظر فى التشبیه إلى أنه الجادّه الوسطى بین طرفى الافراط و التفریط، کما أنّ الفجّ هو الطریق الواسع بین الجبلین.

(و) مضیئا (لا انطفاء لمصابیحه) الظاهر أنّ المراد بمصابیحه أئمه الدّین و أعلام الیقین الذینهم مصابیح الدّجى و منار الهدى، و أراد بعدم انطفائها عدم خلوّ الأرض منهم علیهم السّلام.

(و) حلوا (لا مراره لحلاوته) لأنه أحلى و ألذّ فى أذواق المتدیّنین من کلّ حلو، و لذیذ لا یشوبه مراره مشقّه التکلیف.

کما قال الصادق علیه السّلام فی قوله تعالى یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیامُ: لذّه ما فى النداء أزال تعب العباده و العناء.

(فهو دعائم أساخ فى الحقّ أسناخها) یعنى أنّ الاسلام دعائم العبودیّه فلا ینافی حملها علیه هنا لما تقدّم سابقا من إضافتها إلیه فى قوله: أقام دعائمه على محبّته، و قوله: و لا زوال لدعائمه، نظرا إلى أنّ ظهور الاضافه فی التغایر.

وجه عدم المنافاه أنّ الغرض فیما سبق تشبیه الاسلام و الدّین بالبیت فأثبت له الدّعائم على سبیل الاستعاره المکنیّه التخییلیه، فهو لا ینافی کون الاسلام نفسه أیضا دعائم لکن للعبودیّه.

و یمکن دفع المنافاه بوجه آخر و هو أنّا قد بیّنا فیما سبق أنّ المراد بدعائم الاسلام إمّا الدعائم الّتی یأتی تفصیلها منه علیه السّلام فی باب المختار من حکمه أو خصوص العبادات الخمس أعنى الصلاه و الزّکاه و الصّوم و الحجّ و الولایه حسبما اشیر إلیه فی الحدیث الذى رویناه من البحار و فی أحادیث کثیره غیره ترکنا ذکرها، و على أىّ تقدیر فلمّا کان قوام الاسلام بتلک الدّعائم و ثباته علیها حتّى أنّه بدونها لا ینتفع بشی‏ء من أجزائه فجعله نفس تلک الدّعائم مبالغه من باب زید عدل.

و یوضح ذلک ما فی البحار من الکافی عن زراره عن أبی جعفر علیه السّلام فی حدیث قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله قال: الصّلاه عمود دینکم.

و فى الکافى أیضا باسناده عن عبید بن زراره عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال‏رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: مثل الصّلاه مثل عمود الفسطاط إذا ثبت العمود نفعت الأطناب و الأوتاد و الغشاء، و إذا انکسر العمود لم ینفع طناب و لاوتد و لا غشاء.

و أما قوله: أساخ فی الحقّ أسناخها، فمعناه أنّه تعالى أثبت اصولها فی الحقّ یعنی أنّه بناء محکم بنی على الحقّ و ثبت قوائمه علیه دون الباطل کما قال تعالى فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ أى ذلک الدّین المستقیم الحقّ.

(و ثبّت لها أساسها) أى أحکم لهذه الدّعائم أبنیتها.

(و ینابیع غزرت عیونها) یعنی جداول و أنهار کثیره ماء عیونها الّتى تجریان منها، و الظاهر أنّه من التّشبیه البلیغ، و المراد أنّ الاسلام بما تضمّنه من الأحکام الکثیره الاسلامیّه بمنزله ینابیع وصفها ما ذکر، و وجه الشّبه أنّ الینابیع منبع مادّه حیاه الأبدان و الأحکام الاسلامیّه منشأ مادّه حیاه الأرواح، إذ بامتثالها یحصل القرب من اللّه المحصّل لحیاه الأبد.

و فی وصف المشبّه به بغزاره العیون إشاره إلى ملاحظه ذلک الوصف فی جانب المشبّه أیضا لأنّ الأحکام الاسلامیّه صادره عن صدر النّبوّه و صدور الأئمه الّتی هى معادن العلوم الالهیّه و عیونها، و کفى بها کثره و غزاره.

(و مصابیح شبّت نیرانها) و هو أیضا من التّشبیه البلیغ، یعنی أنّ الاسلام بما فیه من الطّاعات و العبادات الّتی من وظایفه مثل المصابیح الموقده النّیران المشتعله الّتی هی فی غایه الاضاءه، و وجه الشّبه أنّ المصابیح الّتی وصفها ذلک کما أنها ترفع الظلام المحسوسه، فکذلک الطاعات الموظفه فی دین الاسلام إذا اقیست علیها تنوّر القلوب و تجلو ظلمتها المعقوله.

(و منار اقتدى بها سفّارها) یعنی أنّه بما فیه من الأدلّه السّاطعه و البراهین القاطعه الّتی یستدلّ بها العلماء فی المقاصد، مثل منائر یهتدى بها المسافرون فی الفلوات، و إضافه سفار إلى ضمیر المنار من التّوسع.

و مثله قوله (و أعلام قصد بها فجاجها) أى مثل أعلام قصد بنصب تلک الأعلام‏إهداء المسافرین فی تلک الفجاج.

(و مناهل روى بها ورّادها) یعنی أنّه بما فیه من العلوم الاسلامیّه النقلیّه و العقلیّه بمنزله مشارب تروى بمائها العطاش الواردون إلیها.

(جعل اللّه فیه منتهى رضوانه) أى غایه رضاه لکونه أتمّ الوسایل و أکملها فی الایصال إلى قربه و زلفاه کما اشیر إلیه فی قوله حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَهُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِیرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَیْرِ و قوله إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ.

(و ذروه دعائمه) الظاهر أنّ المراد بالدعائم العبادات التی بنیت علیها بیت العبودیّه، و لما کان دین الاسلام أشرف الأدیان و أفضلها تکون العبادات الموظفه فیه أفضل العبادات و أعلاها، و إضافه الدعائم إلى اللّه من باب التّشریف و التکریم باعتبار أنّها مجعولات له سبحانه أو من أجل کونها مطلوبه له تعالى.

و به یظهر أیضا معنى قوله (و سنام طاعته) و یستفاد من بعض الأخبار أنّ ذروه الاسلام و سنامه هو خصوص الجهاد.

و هو ما رواه فی البحار من الکافی باسناده عن سلیمان بن خالد عن أبی جعفر علیه السّلام قال: ألا اخبرک بأصل الاسلام و فرعه و ذروه سنامه قلت: بلى جعلت فداک، قال: أمّا أصله فالصّلاه، و فرعه الزّکاه، و ذروه سنامه الجهاد.

قال المحدّث العلامه المجلسی: الاضافه فی ذروه سنامه بیانیّه أو لامیّه إذ للسّنام الذى هو ذروه البعیر ذروه أیضا هو أرفع أجزائه، و إنما صارت الصلاه أصل الاسلام لأنه بدونها لا یثبت على ساق، و الزّکاه فرعه لأنه بدونها لا تتمّ، و الجهاد ذروه سنامه لأنه سبب لعلوّه و ارتفاعه، و قیل: لأنه فوق کل برّ کما ورد فی الخبر و کیف کان (فهو عند اللّه وثیق الأرکان) لابتنائه على أدلّه محکمه و اصول متقنه (رفیع البنیان) کنایه عن علوّ شأنه و رفعه قدره على سایر الأدیان.

(منیر البرهان) أى الدّلیل الدّال على حقیّته من الایات و المعجزات الباهره منیر واضح.

(مضی‏ء النیران) کنایه عن کون أنواره أى العلوم و الحکم الثاقبه التی فیه فی غایهالضیاء بحیث لا تخفى على الناظر المتدبّر.

(عزیز السلطان) یرید أنّ حجّته قویّه أو أنّ سلطنته غالبه على سایر الأدیان کما قال تعالى لِیُظْهِرَهُ عَلَى الدِّینِ کُلِّهِ.

(مشرف المنار) أى مرتفع المناره قال الشارح البحرانی: و کنى به عن علوّ قدر علمائه و أئمته و انتشار فضلهم و الهدایه بهم.

(معوز المثار) قیل: أى یعجز الناس ازعاجه و إثارته لقوّته و ثباته و متانته و قال البحرانی: أى یعجز الخلق إثاره دفائنه و استخراج ما فیه من کنوز الحکمه و لا یمکنهم استقصاؤها، و فی بعض النسخ معوز المثال أى یعجز الخلق عن الاتیان بمثله، و فی بعضها معوز المنال أى یعجزون عن النیل و الوصول إلى نکاته و دقائقه و أسراره.

(فشرّفوه) أى عظّموه و عدّوه شریفا و اعتقدوه کذلک (و اتّبعوه و أدّوا إلیه حقّه) أى ما یحقّه من الاتّباع الکامل (و ضعوه مواضعه) أراد به الکفّ عن تغییر أحکامه و العلم بمرتبته و مقداره الذى جعله اللّه له، أو العمل بجمیع ما تضمّنه من الأوامر و النواهی، و فّقنا اللّه لذلک بجاه محمّد و آله سلام اللّه علیه و علیهم.

الترجمه

فصل ثانى از این خطبه شریفه در وصف اسلام است و ذکر فضایل آن مى‏ فرماید: پس بدرستى این اسلام دین خداست که پسند فرموده آنرا از براى خودش و برگزیده آنرا در حالتى که عالمست بفضیلت آن، و خالص گردانیده بأو بهترین خلق خود را که پیغمبر آخر الزّمان صلّى اللّه علیه و آله باشد، و بر پا داشته ستونهاى آن را بر بالاى محبّت خود، ذلیل نموده دینها را بسبب عزیزى آن، و پست فرموده ملّتها را بجهت بلندى آن، و خوار نموده دشمنهاى خود را بجهت گرامى داشتن آن، و ذلیل کرده معاندین خود را با یارى کردن آن، و خراب کرده أرکان ضلالت و گمراهى را با رکن آن، و سیراب فرموده تشنگان را از حوضهاى آن، و پر کرده حوضها رابا آب کشندگان آن.

پس گردانیده آن را که گسیخته نمى‏ شود جاى دستگیر آن، و فک نمى ‏شود حلقه آن، و خرابى نیست اساس آن را و زوال نیست ستونهاى آن را، و بر کندگى نیست درخت آن را، و انقطاع نیست مدّت او را، و اندراس نیست شریعتهاى او را و بریدگى نیست شاخهاى او را، و تنگى نیست راههاى آنرا، و دشوارى نیست أز براى سهولت آن، و سیاهى نیست از براى سفیدى آن، و کجى نیست أز براى استقامت آن و اعوجاج نیست از براى چوب آن، و صعوبت نیست از براى راههاى آن، و خاموشى نیست چراغهاى آن را، و تلخى نیست شیرینی آنرا.

پس آن اسلام ستونهائیست که ثابت و محکم کرده خدا در حقّ اصلهاى آنها را، و بغایت مستحکم نموده از براى آنها بنیانهاى آنها را، و نهرهاى پر آبیست که زیاده است آبهاى چشمهاى آنها، و چراغهائیست که أفروخته شده آتشهای آنها و مناره‏هائیست که هدایت یافته با آنها مسافران آنها، و علمهائیست که قصد کرده شده با آنها راه روندگان گدوکهاى آنها، و سرچشمه‏ هائیست که سیراب شده با آنها واردین به آنها، گردانیده است خداوند تبارک و تعالى در او غایت رضاى خود را، و بلندتر ستونهاى خود را، و کوهان طاعت خود را.

پس او است در نزد خدا که محکم است رکنهاى آن، و بلند است بنائى آن نورانى است دلیل آن، روشن است آتشهاى آن، عزیز است سلطنت آن، بلند است مناره آن، نا یابست معارضه گرى آن، پس مشرّف و گرامى دارید او را، و تبعیّت نمائید بان، و أدا کنید بأو حقّ او را و بگذارید او را جائى که لایق او است

الفصل الثالث و الرابع فى بعثه النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و نبذ من فضایل القران

ثمّ إنّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه علیه و آله حین دنا من الدّنیا الانقطاع، و أقبل من الاخره الاطّلاع، و أظلمت بهجتها بعد إشراق، و قامت بأهلها على ساق، و خشن منها مهاد، و أزف منها قیاد، فی انقطاع من مدّتها، و اقتراب من أشراطها، و تصرّم من أهلها، و انفصام من حلقتها، و انتشار من سببها، و عفاء من أعلامها، و تکشّف من عوراتها، و قصر من طولها جعله اللّه سبحانه بلاغا لرسالته، و کرامه لامّته، و ربیعا لاهل زمانه، و رفعه لاعوانه، و شرفا لأنصاره. ثمّ أنزل علیه الکتاب نورا لا تطفا مصابیحه، و سراجا لا یخبو توقّده و بحرا لا یدرک قعره، و منهاجا لا یضلّ نهجه، و شعاعا لا یظلم ضوئه و فرقانا لا یخمد برهانه، و بنیانا لا تهدم أرکانه، و شفاء لا تخشى أسقامه و عزّا لا تهزم أنصاره، و حقّا لا تخذل أعوانه. فهو معدن الایمان و بحبوحته، و ینابیع العلم و بحوره، و ریاض العدل و غدرانه و أثافیّ الاسلام و بنیانه، و أودیه الحقّ و غیطانه، و بحرلا ینزفه المستنزفون «المنتزفون خ ل»، و عیون لا ینضبها الماتحون، و مناهل لا یغیضها الواردون و منازل لا یضلّ نهجها المسافرون، و أعلام لا یعمى عنها السّایرن، و آکام لا یجوز عنها القاصدون. جعله اللّه ریّا لعطش العلماء، و ربیعا لقلوب الفقهاء، و محاجّ لطرق الصّلحاء، و دواء لیس معه «بعده خ ل» داء، و نورا لیس معه ظلمه و حبلا وثیقا عروته، و معقلا منیعا ذروته، و عزّا لمن تولّاه، و سلما لمن دخله، و هدى لمن ائتمّ به، و عذرا لمن انتحله، و برهانا لمن تکلّم به، و شاهدا لمن خاصم به، و فلجا لمن حاجّ به، و حاملا لمن حمله، و مطیّه لمن أعمله، و آیه لمن توسّم، و جنّه لمن استلام، و علما لمن وعى، و حدیثا لمن روى، و حکما لمن قضى.

اللغه

(الاطلاع) الاشراف من موضع عال و (السّاق) الشّدّه قال تعالى وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ أى اتّصلت آخر شدّه الدّنیا بأوّل شدّه الاخره و (المهاد) بالکسر کالمهد موضع یهیّا للصّبی و الفراش و (قاد) الرّجل الفرس قودا من باب قال و قیادا بالکسر و هو نقیض السّوق قال الخلیل: القود أن یکون الرّجل أمام الدّابه آخذا بقیادها، و السّوق أن یکون خلفها، فان قادها لنفسه قیل: اقتادها، و المقود بالکسر الحبل یقاد به، و القیاد مثله مثل لحاف و ملحف.

و (العوره) السوءه و کلّ أمر یستحى منه و (الطول) الامتداد یقول طال الشی‏ءطولا بالضمّ امتدّ و خلاف العرض، و فی بعض النسخ من طولها وزان عنب و هو حبل تشدّ به قائمه الدّابه أو تشدّ و تمسک طرفه و ترسلها ترعى، و طال طولک و طیلک و طیالک أى عمرک أو مکثک أو غیبتک.

(و منهاجا لا یضلّ نهجه) المنهاج و النهج وزان فلس الطریق الواضح، و نهج الطریق نهجا من باب منع سلکه، و یضلّ من باب الافعال و فی بعض النسخ بصیغه المجرّد.

و (الغدران) جمع الغدیر و هو النهر و (الأثافی) بفتح الهمزه و تشدید الیاء کاثاف جمع الاثفیه بالضمّ و بالکسر و هو الحجر یوضع علیه القدر و الأثافی الأحجار الموضع علیها القدر على شکل مثلّث و (نضب) الماء نضوبا من باب قعد غار فی الأرض و ینضب بالکسر من باب ضرب لغه.

و (غاض) الماء غیضا من باب سار نضب و قلّ، و غاضه اللّه بتعدّى و لا یتعدّى فالماء مغیض قال الشارح المعتزلی و روى لا یغیضها بالضمّ على قول من قال أغضت الماء و هی لغه غیر مشهوره.

و (الأکمه) بالتحریک التلّ، و قیل: شرفه کالرّابیه و هو ما اجتمع من الحجاره فی مکان واحد، و ربّما غلظ و الجمع اکم و اکمات مثل قصبه و قصب و قصبات و جمع الاکم اکام مثل جبل و جبال، و جمع الاکام اکم بضمّتین مثل کتاب و کتب و جمع الاکم أکام مثل عنق و أعناق هکذا قال الفیومی.

و (المحجّه) بالفتح جادّه الطریق و (الفلج) بالضّم اسم من الفلج و هو الظفر و الفوز و فلج بحجّته أثبتها، و أفلج اللّه حجّته أظهرها و (وعى) الحدیث وعیا من باب وعد حفظه و جمعه و تدبّره.

الاعراب

قوله: فی انقطاع من مدّتها ظرف لغو متعلّق بقوله أزف و فی بمعنى مع و یحتمل أن یکون ظرفا مستقرّا متعلّقا بمقدّر حالا من قیاد، و قوله: نورا بدل من الکتاب، و قوله: و منهاجا لا یضلّ نهجه إن کان من باب الافعال فنهجه منصوب على‏المفعول و الفاعل ضمیر مستکن راجع إلى منهاجا، و إن کان بصیغه المجرّد فهو مرفوع على الفاعل و اسناد الفعل الیه من المجاز العقلی أو المصدر بمعنى الفاعل فمجاز لغویّ و الاسناد حینئذ على حقیقته.

المعنى

اعلم أنّه علیه السّلام لمّا ذکر فی الفصل السّابق فضل الاسلام و شرفه أردفه بهذا الفصل و أشار فیه إلى بعثه من جاء بالاسلام، و شرح حال زمان البعثه تنبیها بذلک على عظم ما ترتّب على بعثه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم من الفوائد العظیمه، ثمّ عقّب بذکر أعظم نعمه أنعم اللّه به على عباده ببعثه و هو تنزیل الکتاب العزیز و ذلک قوله: (ثمّ إن اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم) بالهدى و دین الحقّ (حین دنا من الدّنیا الانقطاع و أقبل من الاخره الاطلاع) الظاهر أنّ المراد به قرب انقطاع دنیا کلّ امّه و إقبال آخرتهم بحضور موتهم حسبما عرفت تفصیله فى شرح قوله: أمّا بعد فانّ الدّنیا قد أدبرت و آذنت بوداع و أنّ الاخره قد أقبلت و أشرفت باطلاع، من الخطبه الثامنه و العشرین.

و یحتمل أن یراد به قرب زوالها بالکلّیه و إشراف الاخره و القیامه الکبرى بناء على أنّ ما مرّ من عمر الدّنیا أکثر ممّا بقى، و یعضده بعض الأخبار.

مثل ما رواه فی البحار من البرسی فی مشارق الأنوار عن الثمالی عن علیّ ابن الحسین علیهما السّلام قال: إنّ اللّه خلق محمّدا و علیّا و الطیّبین من ذریّتهما من نور عظمته و أقامهم أشباحا قبل المخلوقات، ثمّ قال الظنّ إنّ اللّه لم یخلق خلقا سواکم بلى و اللّه لقد خلق اللّه ألف ألف آدم و ألف ألف عالم و أنت و اللّه فی آخر تلک العوالم.

و فیه أیضا من جامع الأخبار قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: إنّ موسى سأل ربّه عزّ و جلّ أن یعرّفه بدء الدّنیا منذکم خلقت فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى موسى تسألنی عن غوامض علمی فقال: یا ربّ أحبّ أن أعلم ذلک، فقال: یا موسى خلقت الدّنیا منذ مأئه ألف ألف عام عشر مرات و کانت خرابا خمسین ألف عام، ثمّ بدءت فی عمارتها فعمرتها خمسین ألف عام، ثمّ خلقت فیها خلقا على مثال البقر یأکلون رزقى‏و یعبدون غیرى خمسین ألف عام، ثمّ امتّهم کلّهم فی ساعه واحده، ثمّ خربت الدّنیا خمسین ألف عام، ثمّ بدءت فی عمارتها فمکثت عامره خمسین ألف عام، ثمّ خلقت فیها بحرا فمکث البحر خمسین ألف عام لا شی‏ء مجاجا من الدّنیا یشرب، ثمّ خلقت دابّه و سلّطتها على ذلک البحر فشربه بنفس واحد، ثمّ خلقت خلقا أصغر من الزّنبور و أکبر من البقّ فسلّطت ذلک الخلق على هذه الدّابّه فلدغها و قتلها، فمکثت الدّنیا خرابا خمسین ألف عام، ثمّ بدءت فی عمارتها فمکثت خمسین ألف سنه، ثمّ جعلت الدّنیا کلّها آجام القصب و خلقت السّلاحف و سلّطتها علیها فأکلتها حتّى لم یبق منها شی‏ء، ثمّ أهلکتها فی ساعه واحده فمکثت الدّنیا خرابا خمسین ألف عام، ثمّ بدءت فی عمارتها فمکثت عامره خمسین ألف عام، ثمّ خلقت ثلاثین آدم ثلاثین ألف سنه من آدم إلى آدم ألف سنه، فأفنیتهم کلّهم بقضائی و قدرى، ثمّ خلقت فیها ألف ألف مدینه من الفضّه البیضاء، و خلقت فی کلّ مدینه مأئه ألف ألف قصر من الذّهب الأحمر، فملئت المدن خردلا عند الهواء یومئذ ألذّ من الشهد و أحلى من العسل و أبیض من الثلج، ثمّ خلقت طیرا أعمى و جعلت طعامه فی کلّ ألف سنه حبّه من الخردل أکلها کلّها حتّى فنیت، ثمّ خرّبتها فمکثت خرابا خمسین ألف عام ثمّ بدءت فی عمارتها فمکثت عامره خمسین ألف عام، ثمّ خلقت أباک آدم بیدى یوم الجمعه وقت الظهر و لم أخلق من الطین غیره، و أخرجت من صلبه النبیّ محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.

و هذان الخبران کما ترى یعضدان ما ذکرناه من کون الغابر من الدّنیا أکثر من الباقی.

لکن العلامه المجلسی «قد» قال فی المجلّد التاسع من البحار بعد ایراد روایه البرسی: لا أعتمد على ما تفرّد بنقله، و قال فی المجلّد الرّابع عشر بعد روایه الخبر الثانی من جامع الأخبار: هذه من روایات المخالفین أوردها صاحب الجامع فأوردتها و لم أعتمد علیها.

فعلى ذلک لا یمکن التعویل علیهما مع منافاتهما لما رواه المحدّث الجزائرى‏فى الأنوار عن ابن طاوس «ره» أنّ عمر الدّنیا مأئه ألف سنه یکون منها عشرون ألف سنه ملک جمیع أهل الدّنیا، و یکون ثمانون ألف سنه منها مدّه ملک آل محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و الأولى ردّ علم ذلک إلى اللّه و الرّاسخون فى العلم علیهم السّلام هذا.

و قوله (و أظلمت بهجتها بعد اشراق) أراد به أنّه سبحانه بعث محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم على حین فتره من الرّسل بعد ما کانت الدّنیا مبتهجه بوجودهم مشرقه مضیئه بأنوار هدایتهم، فأظلمت بهجتها أى ذهب حسنها و نضارتها بطول زمان الفتره و تمادى مدّه الغفله و الضلاله.

(و قامت بأهلها على ساق) قد مضى تحقیق معنى هذه الجمله فی شرح الخطبه المأه و الثامنه و الثلاثین فلیراجع ثمّه و محصّل المراد بلوغها حین بعثته إلى غایه الشدّه بأهلها لما کانت علیه العرب حینئذ من ضیق العیش و الضّر و الحروب و القتل و الغاره و إثاره الفتن و تهییج الشرور و المفاسد کما قال علیه السّلام فی الخطبه السّادسه و العشرین: إنّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم نذیرا للعالمین و أمینا على التنزیل، و أنتم معشر العرب على شرّ دین و فى شرّ دار منیخون بین حجاره خشن و حیات صمّ، تشربون الکدر، و تأکلون الجشب، و تسفکون دمائکم و تقطعون أرحامکم آه.

(و خشن منها مهاد) کنایه عن عدم الاستقرار بها و فقدان طیب العیش و الرّاحه، لأنّ ذلک إنّما یتمّ بانتظام الشرائع و ثبات قوانین العدل و یرتفع بارتفاعها.

(و أزف منها قیاد) أى قرب منها اقتیاد أهلها و تعریضهم بالهلاک و الفناء، أو انقیادها بنفسها للعدم و الزّوال، و الثانی أظهر بملاحظه الظروف الّتی بعدها أعنی قوله.

(فی انقطاع من مدّتها) و انخراطها فی سلک العدم.

(و اقتراب من أشراطها) أی آیاتها و علاماتها الدّالّه على زوالها، و المراد بها أشراط السّاعه الّتی اشیر الیها فی قوله تعالى فَهَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَهَ أَنْ تَأْتِیَهُمْ بَغْتَهً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها و قوله وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَهِ فَلا تَمْتَرُنَّ و قوله فَارْتَقِبْ یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ. مُبِینٍ یَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ.

و انّما جعلها من أشراط الدّنیا مع کونها من أشراط السّاعه لوقوعها فی الدّنیا مع أنّها کما تدلّ على قرب القیامه تدلّ على انقطاع الدّنیا و تمامها، فتکون أشراطا لهما معا، و مضى تفصیل هذه الأشراط فی شرح الخطبه المأه و التاسعه و الثمانین.

و روى فی الصافی فی حدیث أشراط السّاعه: أوّل الایات الدّخان و نزول عیسى و نار تخرج من قعر عدن ابین تسوق النّاس إلى المحشر.

و فى البحار من مجمع البیان و روى عن النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أنّه قال: بادروا بالأعمال ستّا: طلوع الشمس من مغربها، و الدّابّه، و الدّجّال، و الدّخان، و خویصه أحدکم أى موته، و أمر العامّه یعنی القیامه.

(و تصرّم من أهلها) أى انقطاع منهم (و انفصام من حلقتها) أى انکسار و اندراس من نظام أهلها و اجتماعهم على الشریعه و الدّین (و انتشار من سببها) أى تفرّق من حبلها و ربقتها المشدوده بها رقاب أهلها و هو حبل الاسلام.

(و عفاء من اعلامها) أى دروس منها و هو کنایه عن فقدان الأنبیاء و العلماء الصّالحین الذین یهتدى بهم فی ظلمات الجهاله و یستضاء بأنوارهم فی بوادى الضّلاله.

(و تکشّف من عوراتها) أى ظهور من معایبها و مساویها الّتی کانت مستوره بحجاب الشرائع و استار الاسلام.

(و قصر من طولها) أى من تمادیها و امتدادها أو المراد قصر عمرها على روایه طول بکسر الطّاء و فتح الواو.

و تعدید هذه الحالات الّتی کان علیها النّاس حین بعثه صلّى اللّه علیه و آله و شرحها و بسطها تذکیرا للمخاطبین بأنّ بعثه فی مثل تلک الحالات أعظم من منّ اللّه تعالى به على عباده، لیؤدّ السامعون بتذکّره و ذکراه وظایف شکر تلک النعمه العظمى، و یقوموا بمراسم حمده حیث أنقذهم ببعثه سلام اللّه علیه و آله من ورطات الکفر و الضّلال، و أنجاهم من العقاب و الوبال.

(جعله اللّه سبحانه بلاغا لرسالته) أى تبلیغا لها کما فی قوله تعالى قُلْ أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ أى إلّا أداء الرّساله و بیان الشریعه أو کفایه لها کما فی قوله‏تعالى فی وصف القرآن هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَ لِیُنْذَرُوا بِهِ أى موعظه بالغه کافیه، و على المعنیین فلا بد من جعل المصدر بمعنى الفاعل أى جعله عزّ و جلّ مبلّغا للرساله أو کافیا لها أى غیر محتاج معه إلى رسول آخر، و لذلک کان صلّى اللّه علیه و آله خاتم النّبوه.

(و کرامه لامّته) أى أکرمهم عزّ و جلّ بجعله رسولا لهم و جعلهم امّه له صلّى اللّه علیه و آله و فضّلهم بذلک على سایر الامم.

(و ربیعا لأهل زمانه) تشبیهه بالرّبیع إمّا من أجل ابتهاجهم ببهجه جماله و بدیع مثاله کما یبتهج النّاس بالرّبیع و نضراته و طراوته، أو من أجل أنّ أهل زمانه قد خرجوا بوجوده الشریف من ضنک المعیشه إلى الرّخا و السعه، کما أنّ الناس یخرجون فی الرّبیع من جدب الشتاء و ضیق عیشها إلى الدّعه و الرفاهه.

(و رفعه لأعوانه و شرفا لأنصاره) یحتمل رجوع الضمیرین الى اللّه کما فی الفقره الاولى و إلى محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کما فی الفقرتین الأخیرتین، و على أىّ تقدیر فالمراد بالأعوان و الأنصار المسلمون أمّا کونهم أنصارا له صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فواضح، و أمّا جعلهم أنصارا و عونا للّه عزّ و جلّ على الاحتمال الأول فلکونهم أنصار دین اللّه و أعوان رسوله، أضافهما إلیه تعالى تشریفا و تکریما.

و کیف کان فقد شرف اللّه تعالى المسلمین و رفع شأنهم فى الدّنیا و الاخره بمتابعتهم لرسوله و معاونتهم له و سلّطهم على محادّیه و جاحدیه لعنهم اللّه تعالى و عذّبهم عذابا ألیما، هذا.

و لمّا ذکر بعثه النّبی صلّى اللّه علیه و آله و أشار إلى بعض فواید بعثه أردفه بذکر أعظم معجزات النّبوه و هو الکتاب العزیز، و أشار إلى جمله من أوصافه و مزایاه تنبیها على علوّ قدره و عزّه شأنه فقال: (ثمّ أنزل علیه الکتاب) و عدّ به اثنین و أربعین منقبه.

أولها کونه (نورا لا تطفى مصابیحه) أمّا أنّه نور فلاهتداء النّاس به من ظلمات الجهل کما یهتدى بالنور المحسوس فی ظلمه اللّیل قال تعالى إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ یَهْدِی لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ و أمّا مصابیحه فاستعاره لطرق الاهتداء و فنون العلوم الّتی تضمّنها القرآن.

(و) الثانیه کونه (سراجا لا یخبو توقده) أمّا أنّه سراجا فلما مرّ آنفا، و أمّا، أنّه لا یخبو توقّده فالمراد به عدم انقطاع اهتداء النّاس به و استضاءتهم بنوره.

(و) الثالثه کونه (بحرا لا یدرک قعره) استعاره البحر له باعتبار اشتماله على النکات البدیعه و الأسرار الخفیّه و دقایق العلوم الّتی لا یدرکها بعد الهمم و لا ینالها غوص الفطن کما لا یدرک الغائص قعر البحر العمیق.

(و) الرابعه کونه (منهاجا لا یضلّ نهجه) أى طریقا واضحا مستقیما إلى الحقّ لا یضلّ سالکه أو لا یضلّ سلوکه.

(و) الخامسه کونه (شعاعا لا یظلم ضوءه) أى حقّا لا یدانیه شکّ و ریب أى لا یشوبه ظلمه الباطل فیغطیه و یستره کما قال تعالى ذلِکَ الْکِتابُ لا رَیْبَ فِیهِ و قال لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ مِنْ حَکِیمٍ حَمِیدٍ.

قال الطبرسی: قیل: إنّ الباطل الشیطان و معناه لا یقدر الشیطان أن ینقص منه حقّا أو یزید فیه باطلا، و قیل: لا یأتیه الباطل من جهه من الجهات فلا تناقض فی ألفاظه.

و لا کذب فی اخباره و لا یعارض و لا یزاد فیه و لا یغیّر بل هو محفوظ حجه على المکلّفین إلى یوم القیامه، و یؤیّده قوله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.

(و) السادسه کونه (فرقانا لا یخمد برهانه) أى فارقا بین الحقّ و الباطل و فاصلا بینهما لا ینتفی براهینه الجلیّه و بیّناته الّتی بها یفرق بینهما کما قال تعالى إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ و قال هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَیِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَ الْفُرْقانِ.

(و) السابعه کونه (بنیانا لا تهدم أرکانه) شبّهه ببنیان مرصوص وثیق الأرکان فاستعار له لفظه و الجامع انتظام الاجزاء و اتّصال بعضها ببعض، و قوله: لا تهدم أرکانه، ترشیح للاستعاره، و فیه إشاره إلى أنّ البنیان الوثیق کما أنّه مأمون من التّهافت و الهدم و الانفراج فکذلک الکتاب العزیز محفوظ من طروّ النقص و الخلل و الاندراس.

(و) الثامنه کونه (شفاء لا تخشى أسقامه) یعنی انّه شفاء للأبدان و الأرواح.

أمّا الأبدان فبالتجربه و العیان مضافا إلى الأحادیث الوارده فی خواصّ أکثر الایات المفیده للاستشفاء و التعویذ بها.

مثل ما فی الکافی باسناده عن السّکونی عن أبی عبد اللّه عن آبائه علیهم السّلام قال: شکى رجل إلى النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم وجعا فی صدره فقال: استشف بالقرآن فانّ اللّه عزّ و جلّ یقول: وَ شِفاءٌ لِما فِی الصُّدُورِ.

و عن سلمه بن محرّز قال: سمعت أبا جعفر علیه السّلام یقول: من لم یبرءه الحمد لم یبرءه شی‏ء.

و عن إبراهیم مهزم عن رجل سمع أبا الحسن علیه السّلام یقول: من قرء آیه الکرسی عند منامه لم یخف الفالج انشاء اللّه، و من قرءها فی دبر کلّ فریضه لم یضرّه ذو حمه.

و فى مجمع البیان من کتاب العیاشی باسناده انّ النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال لجابر بن عبد اللّه الأنصارى: ألا اعلمک أفضل سوره أنزلها اللّه فی کتابه قال: فقال له جابر: بلى بأبى أنت و أمّی یا رسول اللّه علّمنیها، قال: فعلّمه الحمد أمّ الکتاب، ثمّ قال: یا جابر ألا اخبرک عنها قال: بلى بأبى أنت و امّى فأخبرنی، فقال: هى شفاء من کلّ داء إلّا السّام، و السّام الموت، إلى غیر هذه ممّا لا حاجه إلى ایرادها.

و أمّا الأرواح فلأنّه بما تضمّنه من فنون العلوم شفاء لأمراض الجهل.

فقد ظهر بذلک کونه شفاء للأبدان من الأوجاع و الأسقام، و شفاء للقلوب من کلّ شک و ریب و شبهه، و یصدق ذلک قوله تعالى فی سوره السجده قُلْ هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ و فی سوره بنی اسرائیل وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَهٌ لِلْمُؤْمِنِینَ. وَ لا یَزِیدُ الظَّالِمِینَ إِلَّا خَساراً.

قال أمین الاسلام الطبرسی وجه الشّفاء فیه من وجوه: منها ما فیه من البیان الّذى یزیل عمى الجهل و حیره الشکّ.

و منها ما فیه من النظم و التألیف و الفصاحه البالغه حدّ الاعجاز الّذى یدلّ على صدق النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فهو من هذه الجهه شفاء من الجهل و الشکّ و العمى فی الدّین و یکون شفاء للقلوب.

و منها أنّه یتبرّک به و بقراءته و یستعان به على دفع العلل و الأسقام و یدفع اللّه به کثیرا من المکاره و المضارّ على ما یقتضیه الحکمه.

و منها ما فیه من أدّله التوحید و العدل و بیان الشرائع فهو شفاء للنّاس فی دنیاهم‏و آخرتهم، و رحمه للمؤمنین أى نعمه لهم، و إنّما خصّهم بذلک لأنّهم المنتفعون به، انتهى.

فقد تحصّل من ذلک أنّه شفاء لا یخاف أن یعقب سقما، لأنّ الکمالات النفسانیه الحاصله من قراءته و تفکّره و تدبّر آیاته تصیر ملکات راسخه لا تتبدّل بأضدادها و لا تتغیّر.

(و) التاسعه کونه (عزا لا تهزم أنصاره) أى لا تغلب و لا تقهر.

(و) العاشره کونه (حقّا لا تخذل أعوانه) و المراد بأعوانه و أنصاره هم المسلمون العارفون بحقّه العاملون بأحکامه و عدم هزمهم و خذلانهم نصّ قوله تعالى لَنْ یَجْعَلَ اللَّهُ لِلْکافِرِینَ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلًا.

قال فی مجمع البیان فیه أقوال: أحدها أنّ المراد لن یجعل اللّه للیهود على المؤمنین نصرا و لا ظهورا.

و قیل: لن یجعل اللّه للکافرین على المؤمنین سبیلا بالحجّه و إن جاز أن یغلبوهم بالقوّه، لکن المؤمنین منصورون بالدّلاله و الحجّه.

و قیل: لن یجعل لهم فی الاخره علیهم سبیلا لأنّه مذکور عقیب قوله فَاللَّهُ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَهِ بیّن اللّه سبحانه أنّه إن یثبت لهم سبیل على المؤمنین فی الدّنیا بالقتل و القهر و النهب و الاسر و غیر ذلک من وجوه الغلبه فلن یجعل لهم یوم القیامه علیهم سبیلا.

و الحادیه عشر ما أشار إلیه بقوله (فهو معدن الایمان و بحبوحته).

أمّا أنّه معدن الایمان، فلأنّ المعدن عباره عن منبت الجوهر من ذهب و فضّه و نحوهما، و لمّا کان الایمان باللّه و رسوله جوهرا نفیسا لا جوهر أنفس منه و لا أغلى عند ذوى العقول، و کان یستفاد من القرآن و یستخرج منه جعله معدنا له.

و أمّا أنّه بحبوحته و وسطه فلأنّ الایمان بجمیع أجزائه و شرایطه و مراسمه یدور علیه، فهو بمنزله القطب و المرکز لدائره الایمان کما هو ظاهر.

(و) الثانیه عشر أنّه (ینابیع العلم و بحوره)أمّا أنّه ینابیع العلم فلأنّ العلوم بجمیع أقسامه منه تفیض کالعیون الجاریه منها الماء.و أمّا أنّه بحوره فلاحتوائه بفنون العلم کاحتواء البحر بمعظم الماء

(و) الثالثه عشر أنّه (ریاض العدل و غدرانه).أمّا کونه ریاض العدل فلأنّ الرّیاض عباره عن مجامع النّبات و الزّهر و الرّیاحین الّتی تبتهج النفوس بخضرتها و نضرتها، و تستلذّ الطباع بحسنها و بهجتها کما قال تعالى حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَهٍ فشبّه التّکالیف الشرعیّه المجعوله عن وجه العدل و الحکمه بالزّهر و النبات الحسن لایجابها لذّه الأبد و جعل الکتاب العزیز ریاضا لها لاجتماعها فیه و استنباطها منه.

و أمّا کونه غدران العدل فلأنّ الغدیر عباره عن مجمع الماء فشبّه الأحکام العدلیّه بالماء لما فیها من حیاه الأرواح کما أنّ بالماء حیاه الأبدان و جعله غدیرا لجامعیّته لها.

(و) الرابعه عشر أنّه (أثافیّ الاسلام و بنیانه) لما قد عرفت من أنّ الأثافی عباره عن الأحجار الّتی علیها القدر، فجعله أثافى للاسلام لاستقراره و ثباته علیه مثل استقرار القدر على الأثافی.

و بهذا الاعتبار أیضا جعل الصلاه و الزّکاه و الولایه أثافیه فی حدیث البحار من الکافی عن الصّادق علیه السّلام قال: أثافی الاسلام ثلاثه: الصلاه، و الزکاه، و الولایه لا تصحّ واحده منهنّ إلّا بصاحبتها.

قال العلّامه المجلسیّ: و إنّما اقتصر علیها لأنها أهمّ الأجزاء و یدلّ على اشتراط قبول کلّ منها بالاخرین، و لا ریب فی کون الولایه شرطا لصحّه الاخریین.

(و) الخامسه عشر أنّه (أودیه الحقّ و غیطانه) یعنی أنّ طالب الحقّ إنّما یجده فی هذه الأودیه و الأراضى المطمئنه قال الشارح البحرانی: و اللّفظان مستعاران باعتبار کونه معدنا للحقّ و مظنّه له، کما أنّ الأودیه و الغیطان مظانّ الکلاء و الماء.

(و) السادسه عشر أنّه (بحر لا ینزفه المستنزفون) أى لا ینزحه کلّه و لا یفنیه‏المستقون، و هو إشاره إلى عدم انتهاء العلوم المستفاده منه، فانّ فیه علم ما کان و ما یکون و ما هو کائن إلى یوم القیامه حسبما عرفت فی شرح الفصل السّابع عشر من الخطبه الاولى.

(و) السابعه عشر أنّه (عیون لا ینضبها الماتحون) أى لا یغیّرها المستسقون.

(و) الثامنه عشر أنّه (مناهل لا یغیضها الواردون) أى مشارب لا ینقص مائها الواردون على کثره ورودهم علیها.

(و) التاسعه عشر أنّه (منازل لا یضلّ نهجها المسافرون) یعنی أنّه منازل السّالکین إلى اللّه لا یضلّ مسافروه منهاج تلک المنازل لکونه واضحا جلیّا و جادّه مستقیمه

(و) العشرون أنّه (أعلام لا یعمى عنها السّائرون) لاستنارتها و اضاءتها.

(و) الحادیه و العشرون أنّه (آکام لا یجوز عنها القاصدون) قال الشّارح البحرانی: استعار لفظ الاعلام و الاکام للأدلّه و الامارات فیه على طریق إلى معرفته و احکامه باعتبار کونها هادیه إلیها کما تهدى الأعلام و الجبال على الطّرق.

و الثانیه و العشرون أنّه (جعله اللّه تعالى ریّا لعطش العلماء) شبّه شدّه اشتیاق نفوس العلماء و حرصهم على المعارف الحقّه الالهیّه بعطش العطاش، و حیث إنّ الکتاب العزیز کان رافعا لغللهم جعله مرویّا لهم کما یروى الماء الغلیل.

(و) الثالثه و العشرون أنّه جعله سبحانه (ربیعا لقلوب الفقهاء) لابتهاج قلوبهم به و استلذاذهم منه کما یبتهج النّاس بالرّبیع.

(و) الرابعه و العشرون أنّه جعله (محاجّ لطرق الصلحاء) أى جواد واضحه مستقیمه لا عوج فیها و لا خفاء، لأنّه یهدى للّتی هی أقوم.

(و) الخامسه و العشرون أنّه جعله (دواء لیس معه داء) حسبما عرفته فی شرح قوله: و شفاء لا تخشى أسقامه.

(و) السادسه و العشرون أنّه جعله (نورا لیس معه ظلمه) أى حقّا لا یشوبه باطل حسبما عرفته فی شرح قوله، و شعاعا لا یظلم نوره.

و فى الکافى باسناده عن أبى جمیله قال: قال أبو عبد اللّه علیه السّلام: کان فی وصیّه أمیر المؤمنین علیه السّلام أصحابه: إنّ هذا القرآن هدى النهار و نور اللّیل المظلم على ما کان من جهد و فاقه.

و فیه عن طلحه بن زید عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: إنّ هذا القرآن فیه منار الهدى و مصابیح الدّجى فلیجل جال بصره و یفتح للضیاء نظره فانّ التّفکّر حیاه قلب البصیر کما یمشی المستنیر فی الظّلمات بالنور.

(و) السابعه و العشرون أنّه جعله (حبلا وثیقا عروته) لا یخشى من انفصامه من تمسّک به و اتّبع بأحکامه نجا و من ترکه هلک.

(و) الثامنه و العشرون أنّه جعله (معقلا منیعا ذروته) أى ملجأ و حصنا حصینا یمنع الملتجى إلیه من أن یناله المکروه و سوء العذاب.

(و) التاسعه و العشرون أنّه جعله (عزّا لمن تولّاه) یعنی من اتّخذه ولیّا و ألقى إلیه أزمّه اموره و عمل بأوامره و نواهیه فهو عزّه له فی الدّارین.

(و) الثلاثون أنّه جعله عزّ و جلّ (سلما لمن دخله) قال الشارح البحرانی أى أمنا، و دخوله الخوض فی تدبّر مقاصده و اقتباسها و بذلک الاعتبار یکون مأمنا من عذاب اللّه و من الوقوع فی الشّبهات الّتی هی مهاوى الهلاک، و قیل: استعار لفظ السّلم باعتبار عدم اذاه لمن دخله فهو کالمسالم له.

(و) الحادیه و الثلاثون أنّه جعله (هدى لمن ائتمّ به) و هو واضح کما قال تعالى ذلِکَ الْکِتابُ لا رَیْبَ فِیهِ هُدىً لِلْمُتَّقِینَ.

(و) الثانیه و الثلاثون أنه جعله (عذرا لمن انتحله) و لعلّ المراد کونه عذرا منجیا من العذاب یوم القیامه لمن دان به و جعله نحلته و قیل: إنّ المراد أنّ من انتسب الیه بأن جعل نفسه من أهل القرآن و افتخر بذلک کان القرآن نفسه عذرا له، لعلوّ شأنه، و ما ذکرناه أقرب.

(و) الثالثه و الثلاثون أنّه جعله (برهانا لمن تکلّم به) أى حجّه واضحه و بیانا جلیا لمن احتجّ به.

(و) الرابعه و الثلاثون أنه جعله (شاهدا لمن خاصم به) أى دلیلا محکما للمستدلّ.

(و) الخامسه و الثلاثون أنّه جعله (فلجأ لمن حاجّ به) أى ظفرا و فوزا للمخاصم یعنی أنّ من خاصم و احتجّ به فاز بمقصده و غلب خصمه.

روى فی البحار من کنز الفواید باسناده عن أبی جعفر علیه السّلام قال: یا معشر الشّیعه خاصموا بسوره إنّا أنزلناه فی لیله القدر تفلجوا، فو اللّه إنّها لحجّه اللّه تبارک و تعالى على الخلق بعد رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و إنّها لسیّده دینکم و إنّها لغایه علمنا، یا معشر الشّیعه خاصموا بحم و الکتاب المبین فانّها لولاه الأمر خاصه بعد رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.

(و) السادسه و الثلاثون أنه جعله (حاملا لمن حمله) یعنی أنّ من حمل القرآن و حفظه و عمل به و اتّبع أحکامه حمله القرآن إلى دار القدس و غرفات الجنان.

روى فی الکافی باسناده عن جابر عن أبی جعفر علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: یا معاشر قرّاء القرآن اتّقوا اللّه عزّ و جلّ فیما حملکم من کتابه فانی مسئول و انکم مسئولون، إنّی مسئول عن تبلیغ الرّساله، و أما أنتم فتسألون عما حملتم من کتاب اللّه و سنّتی.

و فیه عن السکونى عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: حمله القرآن عرفاء أهل الجنّه و المجتهدون قوّاد أهل الجنّه و الرّسل سادات أهل الجنّه.

و عن عمرو بن جمیع عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: إنّ أحقّ النّاس بالتخشّع فی السّرّ و العلانیه لحامل القرآن، و إنّ أحقّ النّاس فی السرّ و العلانیه بالصلاه و الصّوم لحامل القرآن، ثمّ نادى بأعلى صوته یا حامل القرآن تواضع به یرفعک اللّه و لا تعزّ زبه فیذلّک اللّه، یا حامل القرآن تزیّن به للّه یزیّنک اللّه به و لا تزیّن به للنّاس فیشینک اللّه به، من ختم القرآن فکأنّما ادرجت النّبوه بین جنبیه و لکنّه لا یوحى إلیه، و من جمع القرآن فنوله لا یجهل مع من یجهل علیه و لا یغضب فیمن یغضب علیه و لا یحدّ فیمن‏یحدّ علیه و لکنّه یعفو و یصفح و یغفر و یحلم لتعظیم القرآن، و من اوتى القرآن فظنّ أنّ أحدا من النّاس اوتى أفضل ممّا اوتى فقد عظّم ما حقّر اللّه، و حقّر ما عظّم اللّه.

(و) السابعه و الثلاثون أنّه جعله (مطیّه لمن أعمله) أى مرکبا سریع السّیر یبلغ بمن أعمله إلى منزله و مقصده، و هو حظایر القدس و مجالس الانس، و المراد باعماله هو حفظه و المواظبه علیه و عدم الغفله عنه.

روى فی الکافی باسناده عن ابن أبی یعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول: إنّ الرّجل إذا کان یعلم السّوره ثمّ نسیها و ترکها و دخل الجنّه أشرفت علیه من فوق فى أحسن صوره فتقول: تعرفنی فیقول: لا، فتقول: أنا سوره کذا و کذا لم تعمل بی و ترکتنی أما و اللّه لو عملت بی لبلغت بک هذه الدّرجه، و أشارت بیدها إلى فوقها.

و عن یعقوب الأحمر قال: قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام: إنّ علیّ دینا کثیرا و قد دخلنی شی‏ء ما کاد القرآن یتفلّت منی، فقال أبو عبد اللّه علیه السّلام: القرآن القرآن إنّ الایه من القرآن و السّوره لتجی‏ء یوم القیامه حتّى تصعد ألف درجه یعنی فی الجنّه، فتقول: لو حفظتنی لبلغت بک ههنا.

و عن أبی بصیر قال: قال أبو عبد اللّه علیه السّلام: من نسی سوره من القرآن مثّلت له فی صوره حسنه و درجه رفیعه فی الجنّه، فاذا رآها قال: ما أنت ما أحسنک لیتک لی، فیقول: أما تعرفنی أنا سوره کذا و کذا و لو لم تنسنی لرفعتک إلى هذا.

(و) الثامنه و الثلاثون أنّه جعله (آیه لمن توسّم) أى دلاله للمتفکّر المعتبر و علامه یستدلّ بها المتفرّس، و أصل التوسّم هو النظر فی السمه أى العلامه الدّاله قال تعالى إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِینَ أى دلالات للمتفکّرین المعتبرین.

قال فی مجمع البیان: و قد صحّ عن النّبی صلّى اللّه علیه و آله أنّه قال: اتّقوا فراسه المؤمن و انّه ینظر بنور اللّه، و قال: إن للّه عبادا یعرفون الناس بالتوسّم ثمّ قرء هذه الایه.

(و) التاسعه و الثلاثون أنه جعله (جنّه لمن استلام) أى وقایه و سلاحا لطالب‏الدّرع و السلاح، و المراد کونه وقایه لقارئه من مکاره الدّنیا و الاخره أما الاخره فواضحه، لأنه یوجب النجاه من النار و الخلاص من غضب الجبار جلّ جلاله.

و أما الدّنیا فیدلّ على کونه وقایه من مکارهها صریح قوله تعالى وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَیْنَکَ وَ بَیْنَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَهِ حِجاباً مَسْتُوراً.

قال الطبرسیّ: قال الکلبیّ: و هم أبو سفیان و النّضر بن الحرث و أبو جهل و امّ جمیل امرأه أبی لهب، حجب اللّه رسوله عن أبصارهم و کانوا یأتونه و یمرّون به و لا یرونه.

و فى الصافى من قرب الاسناد عن الکاظم علیه السّلام انّ امّ جمیل امرأه أبی لهب أتته صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حین نزلت سوره تبّت و مع النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أبو بکر بن أبی قحافه، فقال: یا رسول اللّه هذه امّ جمیل منخفضه أو مغضبه تریدک و معها حجر ترید أن ترمیک به فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: إنّها لا ترانی، فقالت لأبی بکر: أین صاحبک قال: حیث شاء اللّه، قالت: لقد جئته و لو أراه لرمیته فانّه هجانی و اللّات و العزّى إنّی لشاعره، فقال أبو بکر: یا رسول اللّه لم ترک قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: لا، ضرب اللّه بینی و بینها حجابا مستورا.

و أما سایر النّاس فیشهد بکونه جنّه لهم من المکاره.

ما رواه فی الکافی باسناده عن الاصبغ بن نباته عن أمیر المؤمنین علیه السّلام أنّه قال: و الّذى بعث محمّدا بالحقّ و أکرم أهل بیته ما من شی‏ء تطلبونه من حرز من حرق أو غرق أو سرق أو إفلات دابه من صاحبها أو آبق إلّا و هو فی القرآن، فمن أراد ذلک فلیسألنی عنه.

قال: فقام الیه رجل فقال: یا أمیر المؤمنین أخبرنی عمّا یؤمن من الحرق و الغرق فقال علیه السّلام: اقرء هذه الایات إِنَّ وَلِیِّیَ اللَّهُ الَّذِی نَزَّلَ الْکِتابَ وَ هُوَ… وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ-  الى قوله سُبْحانَهُ-  وَ تَعالى‏ عَمَّا یُشْرِکُونَ فمن قرأها فقد أمن من الحرق و الغرق، قال: فقرأها رجل و اضطرمت النار فی بیوت جیرانه و بیته وسطها فلم یصبه شی‏ء.

ثمّ قام الیه رجل آخر فقال: یا أمیر المؤمنین إنّ دابتی استصعبت علیّ و أنا منها على وجل فقال: اقرء فی اذنها الیمنی أَ فَغَیْرَ دِینِ اللَّهِ یَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً فقرأها فذلّت له دابّته.

و قام إلیه آخر فقال: یا أمیر المؤمنین إنّ أرضی أرض مسبعه إنّ السباع تغشى منزلی و لا تجوز حتى تأخذ فریستها فقال: اقرء لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ فقرأهما الرّجل فاجتنبته السباع.

ثمّ قام إلیه آخر فقال: یا أمیر المؤمنین إنّ فی بطنی ماء أصفر فهل من شفاء فقال: نعم بلا درهم و لا دینار و لکن اکتب على بطنک آیه الکرسی و تغسلها و تشربها و تجعلها ذخیره فی بطنک فتبرء باذن اللّه عزّ و جلّ، ففعل الرّجل فبرء باذن اللّه.

ثمّ قام إلیه آخر فقال: یا أمیر المؤمنین أخبرنی عن الضّالّه فقال علیه السّلام اقرء یس فی رکعتین و قل: یا هادى الضالّه ردّ علیّ ضالّتی ففعل فردّ اللّه علیه ضالّته.

ثمّ قام إلیه آخر فقال: یا أمیر المؤمنین أخبرنی عن الابق فقال علیه السّلام: اقرء «أَوْ کَظُلُماتٍ فِی بَحْرٍ لُجِّیٍّ یَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ-  إلى قوله-  وَ مَنْ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ» فقالها الرّجل فرجع إلیه الابق.

ثمّ قام إلیه آخر فقال: یا أمیر المؤمنین أخبرنی عن السّرق فانّه لا یزال قد یسرق لی الشی‏ء بعد الشی‏ء لیلا، فقال له: اقرء إذا آویت إلى فراشک «قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ-  إلى قوله-  وَ کَبِّرْهُ تَکْبِیراً» ثمّ قال أمیر المؤمنین علیه السّلام: من بات بأرض قفر فقرأ هذه الایه إِنَّ رَبَّکُمُ اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّهِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى‏ عَلَى الْعَرْشِ-  إلى قوله-  تَبارَکَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِینَ حرسته الملائکه و تباعدت عنه الشّیاطین.

قال: فمضى الرّجل فاذا هو بقریه خراب فبات فیها و لم یقرأ هذه الایه فغشاه الشّیاطین و إذا هو آخذ بخطمه فقال له صاحبه: انظره، و استیقظ الرّجل فقرأ الایه فقال الشیطان لصاحبه: ارغم اللّه أنفک احرسه الان حتّى یصبح.

فلمّا أصبح رجع الى أمیر المؤمنین علیه السّلام فأخبره فقال له رأیت فی کلامک الشفاء و الصّدق و مضى بعد طلوع الشمس فاذا هو بأثر شعر الشّیاطین مجتمعا فی الأرض.

(و) الاربعون أنّه جعله (علما لمن وعى) أى علما کاملا بالمبدإ و المعاد لمن حفظه و عقله و جعله فی وعاء قلبه قال الطریحی: و فی الحدیث لا یعذّب اللّه قلبا وعی القرآن، أى عقل القرآن ایمانا منه و عملا، فأمّا من حفظ ألفاظه و ضیّع حدوده فهو غیر واع له، و فیه: خیر القلوب أوعاها، أى أحفظها للعلم و أجمعها له.

(و) الحادیه و الاربعون أنّه جعله (حدیثا لمن روى) قال أمین الاسلام الطبرسی فی تفسیر قوله تعالى اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِیثِ کِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِیَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ یعنى القرآن، و إنّما سمّاه اللّه حدیثا لأنّه کلام اللّه و الکلام سمّى حدیثا کما یسمّى کلام النبىّ حدیثا، لأنه حدیث التنزیل بعد ما تقدّمه من الکتب المنزله على الأنبیاء، و هو أحسن الحدیث لفرط فصاحته و لاعجازه و لاشتماله على جمیع ما یحتاج المکلّف إلیه من التنبیه على أدلّه التوحید و العدل و بیان أحکام الشرائع و غیر ذلک من المواعظ و قصص الأنبیاء و الترغیب و الترهیب، کتابا متشابها یشبه بعضه بعضا و یصدق بعضه بعضا لیس فیه اختلاف و تناقض، و قیل: إنه یشبه کتب اللّه المتقدّمه و ان کان أعم و أجمع و أنفع.

(و) الثانیه و الاربعون أنه جعله (حکما لمن قضى) یعنى من یقضى بین الناس، فالقرآن حکم له لا حکم له غیره لأنه الحکم الحقّ و غیره باطل کما قال تعالى وَ مَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ و فى آیه اخرى فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ و فى ثالثه فَأُولئِکَ هُمُ الْکافِرُونَ.

قیل فى توجیهه: إنّ الحاکم بغیر ما أنزل اللّه إن کان لا مع الاعتقاد فهو إمّا ظالم أو فاسق، و ان حکم بذلک مع اعتقاد أنّه غیر ما أنزل اللّه فهو کافر، هذا.

و قد تقدّم فی شرح الفصل السابع عشر من الخطبه الاولى و غیره فصل واف فی فضل الکتاب العزیز و ما یتعلّق به فلیراجع هناک، و نسأل اللّه سبحانه أن یجعلنا من العارفین بفضله، و العاملین بأحکامه، و الواعین لعلمه، و الرّاوین لحدیثه، و القاضین‏بحکمه بجاه محمّد و آله سلام اللّه علیه و علیهم.

الترجمه

فصل سیّم و چهارم از این خطبه در بیان بعثت حضرت رسالتماب صلوات اللّه و سلامه علیه و آله و اشاره بر فواید بعثت است و ذکر نزول کتاب کریم و إشاره بر مناقب آن مى‏ فرماید: پس بدرستى که خداوند تعالى مبعوث فرمود محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه علیه و آله را با حقّ هنگامى که نزدیک شده از دنیاى فانى بریده شدن آن، و اقبال کرده بود از آخرت مشرف بودن آن، و ظلمانى شده بود شکفتگى دنیا بعد از روشنائى آن، و بر پا ایستاده بود بأهل خود بغایت شدّت، و ناهموار شده بود از آن بساط آن، و نزدیک شده بود از آن انقیاد آن بزوال در انقطاع مدّت آن، و نزدیکى علامتهاى فناى آن، و بریده شدن أهل آن، و گسیخته شدن حلقه آن، و تفرّق ریسمان آن، و اندراس علمهاى آن، و انکشاف قبایح آن، و کوتاهى درازى آن.

گردانید او را حق تعالى کفایت کننده از براى رسالت خود، و کرامت از براى امّت او، و بهار از براى أهل زمان او، و سر بلندى بجهت اعوان او، و شرف مر یاران او را.

پس نازل فرمود بر آن بزرگوار کتاب عزیز خود را نورى که خاموش نمى باشد چراغهاى آن، و چراغى که نابود نمى‏گردد اشتعال آن، و دریائى که درک نمى‏ شود ته آن، و جاده واضحى که ضلالت نمى ‏افتد سالک آن، و شعائى که تاریک نمى‏ باشد روشنائى آن، و فرقانى که خاموش نمى‏ شود برهان و دلیل آن، و بنیادى که خراب نمى ‏شود رکنهاى آن، و شفائى که ترسیده نمى ‏شود مرض‏هاى آن، و عزیزى که مغلوب نمى‏ باشد ناصران آن، و حقى که خوار نمى‏ باشد یاران آن.

پس آن کتاب معدن ایمان و وسط او است، و چشمهاى علم و دریاهاى او است و باغهاى عدالت و گودالهاى آب او است، و پایهاى اسلام و بنیان او است، و بیابانهاى‏حق و گودیهاى او است، و دریائیست که نمى ‏تواند بکشد آب آن را آب کشندگان و چشمهائیست که تمام نمى‏ کند آب آنرا آب بردارندگان، و سرچشمه‏ هائى است که ناقص نمى‏ نماید آن را واردان، و منزلهائیست که گم نمى‏ کند راه آن را مسافران، و علامتهائیست که نابینا نمى‏ شود از آنها سیر کنندگان، و تلهائیست که تجاوز نمى‏ نماید از آنها قاصدان.

گردانید خداوند آن را سیرابى از براى تشنگى عالمیان، و بهار از براى قلبهاى فقیهان، و راههاى روشن از براى طرق صالحان، و دوائى که نیست بعد از آن دردى، و نورى که نیست با وجود آن ظلمتى، و ریسمانى که محکم است جاى دستگیر آن، و پناهگاهى که مانع است بلندى آن، و عزیزى از براى کسى که آنرا بجهت خود دوست اخذ نموده باشد، و أمن امان أز براى کسى که داخل آن شود و هدایت از براى کسى که اقتدا نماید بان، و عذر از براى کسى که نسبت آنرا بخود بدهد، و برهان واضح بجهت کسى که با آن تکلّم نماید، و شاهد صادق بجهت کسى که مخاصمه نماید با آن، و غلبه و ظفر براى کسى که احتجاج کند با آن، و بردارنده مر حاملان خود را، و مرکب از براى کسى که إعمال نماید آنرا، و علامت از براى کسى که تفکر نماید، و زره از براى کسى که طالب سلاح باشد، و علم کامل کسی را که حفظ کند آنرا، و حدیث صحیح کسى را که روایت نماید، و حکم بحق از براى کسى که حکم نماید.

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۱۸۸

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۹۶ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۱۹۷ صبحی صالح

۱۹۷- و من کلام له ( علیه‏ السلام  ) ینبه فیه على فضیلته لقبول قوله و أمره و نهیه‏

وَ لَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ( صلى‏ الله‏ علیه‏ وآله  )أَنِّی لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللَّهِ وَ لَا عَلَى رَسُولِهِ سَاعَهً قَطُّ وَ لَقَدْ وَاسَیْتُهُ بِنَفْسِی فِی الْمَوَاطِنِ الَّتِی تَنْکُصُ فِیهَا الْأَبْطَالُ وَ تَتَأَخَّرُ فِیهَا الْأَقْدَامُ نَجْدَهً أَکْرَمَنِی اللَّهُ بِهَا

وَ لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى‏ الله‏ علیه‏ وآله  )وَ إِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِی وَ لَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِی کَفِّی فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِی وَ لَقَدْ وُلِّیتُ غُسْلَهُ (صلى‏ الله‏ علیه‏ وآله )وَ الْمَلَائِکَهُ أَعْوَانِی

فَضَجَّتِ الدَّارُ وَ الْأَفْنِیَهُ مَلَأٌ یَهْبِطُ وَ مَلَأٌ یَعْرُجُ وَ مَا فَارَقَتْ سَمْعِی هَیْنَمَهٌ مِنْهُمْ یُصَلُّونَ عَلَیْهِ حَتَّى وَارَیْنَاهُ فِی ضَرِیحِهِ فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّی حَیّاً وَ مَیِّتاً

فَانْفُذُوا عَلَى بَصَائِرِکُمْ وَ لْتَصْدُقْ‏نِیَّاتُکُمْ فِی جِهَادِ عَدُوِّکُمْ فَوَالَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنِّی لَعَلَى جَادَّهِ الْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّهِ الْبَاطِلِ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِی وَ لَکُمْ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۱۲  

و من خطبه له علیه السّلام و هى المأه و السادسه و التسعون من المختار فى باب الخطب

و لقد علم المستحفظون من أصحاب محمّد صلّى اللّه علیه و آله أنّی لم أردّ على اللّه و لا على رسوله ساعه قطّ، و لقد واسیته بنفسی فی المواطن الّتی تنکص فیها الأبطال، و تتأخّر فیها الأقدام، نجده أکرمنی اللّه بها، و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و إنّ رأسه لعلى صدری، و لقد سالت نفسه فی کفّی، فأمررتها على وجهی، و لقد ولّیت غسله-  صلّى اللّه علیه و آله-  و الملائکه أعوانی، فضجّت الدّار و الأفنیه، ملاء یهبط، و ملاء یعرج، و ما فارقت سمعی هینمه منهم، یصلّون علیه حتّى و اریناه فی ضریحه، فمن ذا أحقّ به منّی حیّا و میّتا، فانفذواعلى بصائرکم، و لتصدق نیّاتکم فی جهاد عدوّکم، فو الّذی لا إله إلّا هو إنّی لعلى جادّه الحقّ، و إنّهم لعلى مزلّه الباطل، أقول ما تسمعون، و أستغفر اللّه لی و لکم.

اللغه

(المستحفظون) بصیغه المفعول من استحفظه الشی‏ء أى أودعه عنده و طلب منه أن یحفظه فهو مستحفظ و ذاک مستحفظ و (واسیته) من المواساه یقال واسیته و آسیته و بالهمزه أفصح و (نکص) عن الشی‏ء نکوصا من باب قعد أحجم عنه، و نکص على عقبیه رجع قال تعالى فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَکَصَ عَلى‏ عَقِبَیْهِ».

و (النّجده) البأس و الشدّه و الشجاعه و (النفس) بسکون الفاء الدّم و بالتحریک واحد الأنفاس و (فناء) الدّار وزان کساء ما اتّسع أمامها أو ما امتدّ من جوانبها و الجمع أفنیه و فنى و (الضجیج) الصّیاح عند المکروه و الجزع و (الهینمه) بفتح الهاء الصّوت الخفىّ و قیل الکلام الخفىّ لا یفهم و (الضّریح) القبر أو الشقّ وسطه و الأول هو المراد هنا و (المزلّه) الموضع الذى تزلّ فیه قدم الانسان کالمزلفه

الاعراب

الواو فی قوله: و لقد فی المواضع الخمسه کلّها للقسم و المقسم به محذوف و اللّام جواب القسم، قوله: نجده، منصوب على المفعول له و العامل واسیته قال الشّارح المعتزلی: منصوب على المصدر و العامل محذوف و الأوّل أظهر.

و قوله: ملاء یهبط و ملاء یعرج، مرفوعان بالابتداء و لا یضرّ کونهما: نکرتین لتضمّن الفایده العظیمه، و جمله و ما فارقت، فی محلّ النصب على الحال من فاعل یهبط و یعرج، و جمله یصلّون استینافیّه بیانیّه و تحتمل الانتصاب محلّا على الحال‏ من هینمه أى ما فارقت سمعى هینمتهم حالکونهم یصلّون، و الأوّل أولى لاحتیاج الثّانی إلى نوع تکلّف و قوله: حیّا و میّتا، حالان من الضمیر المجرور فی به و الفاء فی قوله: فانفذوا، فصیحه

المعنى

اعلم أنّ هذه الخطبه الشریفه مسوقه لبیان جمله من مناقبه الجمیله و خصائصه المختصّه به المفید لمزید اختصاصه برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و قربه منه استدلالا بذلک على أنّه أحقّ و أولى بالخلافه و القیام مقامه صلّى اللّه علیه و آله و أنّه على الحقّ و غیره على الباطل، و غرضه منه تنبیه المخاطبین على وجوب إطاعته فیما یأمرهم به من جهاد الأعداء المبطلین.

إذا عرفت ذلک فأقول: إنّه ذکر خمسا من فضایله و صدّر کلا بالقسم البارّ تأکیدا للغرض المسوق له الکلام و تنبیها على أنّ اتّصافه بها جمیعا حقّ لا یعتریه ریب و لا یدانیه شکّ.

اولها ما أشار إلیه بقوله (و لقد علم المستحفظون من أصحاب محمّد صلّى اللّه علیه و آله انّى لم أردّ على اللّه و لا على رسوله ساعه قطّ) المراد بالمستحفظون خیار الصحابه المطلعون على أسرار رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و سیرته و معجزاته و کراماته و عهوده و مواثیقه و الملاحم الواقعه فی زمانه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و نحو ذلک ممّا یتعلّق به صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، فی نفسه و فی أوصیائه و أتباعه من الأمور المعظمه الّتی یهتمّ بها فی الشریعه و لها مدخل فی قوام أرکان الدّین و إعلاء لواء الشرع المبین الذین کلّفوا بحفظ ذلک کلّه و امروا بأن یبلغوها و یؤدّوها فی مقام الضروره و الحاجه.

و إنّما خصّ علم ما ذکره بهؤلاء مع عدم اختصاصه بهم لأنّ هؤلاء بمقتضى تصلّبهم فی الدّین لا یکتمون الشهاده و لا یغیّرونها و لا یبدّلونها فی مقام الحاجه للأغراض الدّنیویّه الفاسده کما کتمها جمع منهم مثل زید بن أرقم و أنس بن مالک و نظرائهم.

کما روى فی البحار من الخصال و الأمالى عن جابر الجعفی عن جابر بن عبد اللّه الأنصارى قال: خطبنا علیّ بن أبی طالب علیه الصلاه و السلام فحمد اللّه و أثنى علیه ثمّ قال: أیّها الناس إنّ قدام منبرکم هذا أربعه رهط من أصحاب محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم منهم انس بن مالک و البراء بن عازب الأنصارى و الأشعث بن قیس الکندى و خالد بن یزید البجلى ثمّ أقبل بوجهه على أنس بن مالک فقال: یا أنس إن کنت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یقول: من کنت مولاه فهذا علىّ مولاه ثمّ لم تشهد لی الیوم بالولایه فلا أماتک اللّه حتّى یبتلیک ببرص لا تغطیه العمامه و أمّا أنت یا أشعث فان کنت سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و هو یقول: من کنت مولاه فهذا علىّ مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه ثمّ لم تشهد لى الیوم بالولایه فلا أماتک اللّه حتّى یذهب بکر یمتیک.

و أمّا أنت یا خالد بن یزید إن کنت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: من کنت مولاه فهذا علىّ مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه ثمّ لم تشهد لى الیوم بالولایه فلا أماتک اللّه إلّا میته جاهلیّه.

و أمّا أنت یا براء بن عازب إن کنت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یقول: من کنت مولاه فهذا علىّ مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه ثمّ لم تشهد لى بالولایه فلا أماتک اللّه إلّا حیث هاجرت منه.

قال جابر بن عبد اللّه الأنصارى: و اللّه لقد رأیت أنس بن مالک قد ابتلى ببرص یغطیه بالعمامه فما یستتره.

و لقد رأیت الأشعث بن قیس و قد ذهبت کریمتاه و هو یقول: الحمد للّه الذى جعل دعاء أمیر المؤمنین علىّ بن أبی طالب علیه السّلام بالعمى فى الدّنیا و لم یدع علىّ بالعذاب فی الاخره فأعذّب.

و أمّا خالد بن یزید فانّه مات فأراد أهله أن یدفنوه و حفر له فی منزله فسمعت بذلک کنده فجاءت بالخیل و الابل فعقرتها على باب منزله فمات میته جاهلیه.

و أمّا البراء بن عازب فانّه ولّاه معاویه الیمن فمات بها و منها کان هاجر.

فقد ظهر بذلک أنّ المستحفظین هم المکلّفون بحفظ الامور المهمّه المعتدّ بها فی أمر الدین، و أنّ تخصیصهم بالعلم لعدم کتمانهم لما حملوه لو رجع الخاطئون الیهم.

و اما أنّه علیه السّلام ما ردّ على اللّه و رسوله أبدا فهو معلوم محقّق لا خفاء فیه بل من ضروریّات المذهب لملکه العصمه المانعه من مخالفته للّه و لرسوله صلّى اللّه علیه و آله.

و قال الشّارح المعتزلی: و الظاهر أنّه یرمز فی قوله علیه السّلام: لم أردّ على اللّه و لا على رسوله ساعه قط، إلى أمور وقعت من غیره کما جرى یوم الحدیبیّه عند سطر کتاب الصّلح، فانّ بعض الصحابه أنکر ذلک، و قال: یا رسول اللّه أ لسنا المسلمین قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: بلى قال: أ و لیسوا الکافرین قال: بلى، قال: فکیف نعطی الدّنیه من دنیانا و اللّه لو أجد أعوانا لم أعط الدّنیه أبدا، فقال أبو بکر لهذا القائل: ویحک الزم غرزه«» فو اللّه إنّه لرسول اللّه و إنّ اللّه لا یضیعه، ثمّ قال له: أ قال لک أنّه سیدخلها هذا العام قال: لا، قال: فسیدخلها، فلمّا فتح النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم مکّه و أخذ مفاتیح الکعبه دعاه فقال: هذا الّذى وعدتم به.

قال الشّارح: و اعلم أنّ هذا الخبر صحیح لا ریب فیه، و النّاس کلّهم رووه و لیس عندى بقبیح و لا بمستهجر أن یکون سؤال هذا الشخص رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عما سأله عنه على سبیل الاسترشاد و التماسا لطمأنینه النّفس. فقد قال اللّه تعالى لخلیله إبراهیم وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ رَبِّ أَرِنِی کَیْفَ تُحْیِ الْمَوْتى‏ قالَ.

و قد کانت الصحابه یراجع رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی الامور و تسأله عمّا یثبتهم علیها و تقول له أ هذا منک أم من اللّه.

و أمّا قول أبی بکر له: الزم غرزه فو اللّه انّه لرسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله، فانّما هو تاکید و تثبیت على عقیدته الّتی فی قلبه، و لا یدلّ ذلک على الشّک فقد قال اللّه تعالى لنبیّه صلّى اللّه علیه و آله «وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناکَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلًا» و کلّ أحد لا یستغنى عن زیاده الیقین و الطمأنینه.

قال: و قد کانت وقعت من هذا القائل أمور دون هذا القصه، کقوله: دعنى أضرب عنق أبی سفیان، و قوله: دعنى أضرب عنق عبد اللّه ابن أبیّ، و قوله: دعنى أضرب عنق حاطب بن أبی بلتعه، و نهی النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عن التّسرع إلى ذلک و جذبه ثوب رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله حین قام على جنازه ابن سلول یصلّى و قوله: تستغفر لرأس المنافقین.

و لیس فی ذلک جمیعه ما یدلّ على وقوع القبیح منه و إنّما کان الرّجل مطبوعا على الشدّه و الشّراسه و الخشونه و کان یقول ما یقول على مقتضى السجیّه الّتی طبع علیها، و على أیّ حال کان فلقد نال الاسلام بولایته و خلافته خیرا کثیرا، انتهى.

أقول: مراد الشارح بهذا الرّجل الذى حکى عنه هذه الأباطیل هو عمر بن الخطاب، و إنّما ترک التّصریح باسمه ملاحظه لجانبه، و لقد عکس فی شرح قوله علیه السّلام: فصیّرها فی حوزه خشناء، من الخطبه الثالثه و قال هناک: قال عمر للنّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لم تقل لنا ستدخلونها فى ألفاظ نکره حکایتها حتّى شکاه النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلى أبى بکر و حتى قال له أبو بکر: الزم بغرزه فو اللّه إنه لرسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله، انتهى.

فصرّح باسمه و طوى عن تحصیل مقاله و فضول کلامه استکراها و استهجانا لما صدر منه من الرّدّ و المخالفه و إساءه الأدب على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و استحیاء منه علیه السّلام.

و لکن غیر خفىّ على المنصف البعید عن العصبیّه و الهوى أنّ شناعه ما صدر من هذا الرّجل لا یمکن أن یتدارک بالستر و الکتمان و الابهام عن اسمه تاره و الاجمال عن هذیانه اخرى، و نعم ما قیل:

و لن یصلح العطار ما أفسد الدّهر

فلقد صدر منه من القول الشنیع القبیح ما هو أشدّ و أعظم من ذلک، و هو ما قاله لرسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله فى مرضه الذى مات فیه لما قال صلّى اللّه علیه و آله: ائتونى بکتف و دواه اکتب لکم کتابا لا تضلّوا بعده أبدا، فقال عمر: إنّ الرّجل لیهجر.

و فى البحار من المجلّد الثانی من صحیح مسلم فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یهجر.

و أما ما اعتذر به الشارح عن مثالبه بأنه لیس بقبیح أن یکون سؤال هذا الرّجل على سبیل الاسترشاد و التماسا لطمأنینه النفس.

ففیه أنه لو کان غرضه الاسترشاد دون الاعتراض لا کتفى بما سمعه من النبىّ صلّى اللّه علیه و آله له و أمسک عن فضول کلامه و لم یغضبه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حتى یشکو إلى أبى بکر، فعلم بذلک أنه أراد التعریض و الاعتراض کما علم عدم جواز قیاس سؤاله بسؤال الخلیل علیه السّلام الذى کان غرضه منه الطمأنینه کما صرّح به بقوله: بلى و لکن لیطمئنّ قلبى، و ستعرف مزید توضیحه بما نحکیه من البحار فى التنبیه الاتى.

و أما سؤال سایر الصّحابه عنه صلّى اللّه علیه و آله فی الامور و قولهم له: أ هذا من اللّه أو منک.

ففیه أنّ سؤالهم ذلک أیضا کان ناشیا عن جهالتهم، لأنّهم لو کانوا معتقدین بما أنزل اللّه فی حقّه من قوله: و ما ینطق عن الهوى إن هو إلّا وحى یوحى، و مذعنین بأنّ جمیع ما یقوله و یفعله بوحى من اللّه سبحانه و اذن منه عزّ و جلّ، لم یکن لهم حاجه إلى السّؤال، و لسلّموا فی جمیع أفعاله و أقواله تسلیما.

و أما التّمثیل على نفى الشّکّ عن عمر بقوله تعالى وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناکَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلًا.

ففیه أنّ النّبی صلّى اللّه علیه و آله قد قامت الأدلّه القاطعه من العقل و النقل على عصمته و على رسوخه فی الدّین، و الایه و إن کان الخطاب فیها ظاهرا متوجها إلى النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلّا أنّ المراد بها امّته من قبیل ایّاک أعنى و اسمعى یا جاره.

و على إبقائه على ظاهره فالمراد بتثبیته صلّى اللّه علیه و آله، هو تثبیته بالنّبوه و العصمه و الألطاف الخفیّه الالهیّه، لما قد دللنا على أنه کان معصوما، و أمّا عمر فأىّ دلیل على أنّه لم یکن شاکا فی الدّین حتّى یقال إنّ قول أبی بکر له: فو اللّه إنه لرسول اللّه، لم یکن لأجل الشکّ بل لتثبیته على عقیدته، فافهم جیّدا.

و اما دنس جذبه بثوب رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله حین إرادته الصّلاه على ابن سلول فلا یطهره النّیل و لا الرّسّ.

إذ فیه من القباحه و المخالفه و الاعتراض و سوء الأدب و التّعریض ما لا مزید علیه.

مضافا إلى قوله: کیف تستغفر لرأس المنافقین أ کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و العیاذ باللّه جاهلا بتکلیفه الشّرعى فعلّمه عمر، و قد کان معالم الدّین منه ظهرت و أحکام الشّرع المبین منه اخذت، و هو صلّى اللّه علیه و آله و سلّم شارعها و صادعها.

و قیامه على جنازه ابن سلول و صلاته علیه إمّا من جهه أداء حقّ ولده و هو عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبی سلول فلقد کان مؤمنا.

و إمّا من جهه أنّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم صلّى علیه لا ترحّما له بل دعا علیه بالنار و العذاب و لم یکن به بأس.

و أمّا استغفاره صلّى اللّه علیه و آله فلکونه صلّى اللّه علیه و آله، مخیّرا بین الاستغفار و عدم الاستغفار.

و یوضح ما ذکرته ما رواه فی الکافی عن علیّ بن إبراهیم عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن حماد بن عثمان عن الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: لمّا مات عبد اللّه بن أبی سلول حضر النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم جنازته فقال عمر لرسول اللّه: یا رسول اللّه أ لم ینهک اللّه أن تقوم على قبره فسکت فقال: یا رسول اللّه أ لم ینهک اللّه أن تقوم على قبره فقال له: ویلک و ما یدریک ما قلت إنّى قلت: اللهمّ احش جوفه نارا و املاء قبره نارا و اصله نارا، قال أبو عبد اللّه صلوات اللّه علیه: فأبدى من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ما کان یکره.

و فى الصافى من تفسیر علیّ بن إبراهیم فی قوله تعالى اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّهً فَلَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ انّها نزلت لمّا رجع رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله إلى المدینه و مرض عبد اللّه بن أبی و کان ابنه عبد اللّه مؤمنا فجاء إلى النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و أبوه یجود بنفسه فقال: یا رسول اللّه بأبی أنت و امّی إن لم تأت أبی کان ذلک عارا علینا، فدخل علیه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و المنافقون عنده، فقال ابنه عبد اللّه بن عبد اللّه: یا رسول اللّه استغفر له، فاستغفر له، فقال عمر: أ لم ینهک یا رسول اللّه أن‏تصلّی علیهم أو تستغفر لهم فأعرض عنه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله، فأعاد علیه، فقال له: ویلک إنّى خیّرت إنّ اللّه یقول استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، الایه.

فلمّا مات عبد اللّه جاء ابنه إلى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله فقال: بأبی أنت و امّی یا رسول اللّه أ رأیت تحضر جنازته فحضر رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و قام على قبره فقال له عمر: یا رسول اللّه أ و لم ینهک اللّه أن تصلّى على أحد منهم مات أبدا و أن تقوم على قبره فقال له رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: ویلک و هل تدرى ما قلت، إنّما قلت: اللهمّ احش قبره نارا و جوفه نارا و اصله النار، فبدا من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ما لم یکن یحبّ.

و فى الصافى عن العیاشی عن الباقر علیه السّلام أنّ النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال لابن عبد اللّه بن أبیّ اذا فرغت من أبیک فأعلمنى، و کان قد توفّى فأتاه فأعلمه فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم نعلیه للقیام فقال له عمر: أ لیس قد قال اللّه تعالى: و لا تصلّ على أحد منهم مات أبدا و لا تقم على قبره، فقال صلّى اللّه علیه و آله له: ویلک أو ویحک إنّما أقول: اللهمّ املاء قبره نارا و املاء جوفه نارا، و اصله یوم القیامه نارا و فى روایه اخرى أنّه أخذ بید ابنه فی الجنازه فمضى فتصدّى له عمر ثمّ قال: أما نهاک ربک عن هذا أن تصلّی على أحد منهم مات أبدا أو تقوم على قبره فلم یجبه، فلما کان قبل أن ینتهوا به إلى القبر أعاد عمر ما قاله أوّلا، فقال النبیّ صلّى اللّه علیه و آله لعمر عند ذلک: ما رأیتنا صلّینا له على جنازه و لا قمنا له على قبر.

ثمّ قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: إنّ ابنه رجل من المؤمنین و کان یحقّ علینا أداء حقّه، فقال عمر: أعوذ باللّه من سخط اللّه و سخطک یا رسول اللّه.

قال فى الصّافی بعد ایراد هذه الرّوایات: أقول: و کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حییا کریما کما قال اللّه عزّ و جلّ: فیستحیى منکم و اللّه لا یستحیى من الحقّ، فکان یکره أن یفتضح رجل من أصحابه ممّن یظهر الایمان، و کان یدعو على المنافق و یورّى أنّه یدعو له، و هذا معنى قوله صلّى اللّه علیه و آله لعمر: ما رأیتنا صلّینا له على جنازه و لا قمنا له على قبر، و کذا معنى قوله فی حدیث القمّی: خیّرت فاخترت، فورّى علیه السّلام باختیار الاستغفارو أمّا قوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فیه: فاستغفر له فلعلّه استغفر لابنه لمّا سأل لأبیه الاستغفار و کان یعلم أنه من أصحاب الجحیم، و یدلّ على ما قلنا قوله: فبدا من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ما لم یکن یحبّ، انتهى.

فقد اتّضح بما ذکرنا کلّ الوضوح نکته قیام رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله على قبر ابن سلول و صلاته علیه، و علّه ما صدر منه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم من الاستغفار.

و مع الغضّ عن ذلک أیضا فهو صلّى اللّه علیه و آله أعلم بعلل ما یقول و یفعل، و بوجوه المصالح الکامنه فیما یأتی و یأمر به، فلا حقّ للجلف الجافى ابن حنتمه و أمثاله من الأوغاد الطعام أن یعترضوا على سیّد الأنام و رسول الملک العلّام علیه و آله آلاف التحیّه و الاکرام.

و أما ما اعتذر به الشارح المعتزلی أخیرا من أنّ الرّجل کان مطبوعا على الشدّه و الشراسه و الخشونه و کان یقول ما یقول على مقتضى سجیّته التی طبع علیها.

فقد تقدّم جوابه فی شرح الفصل الثانی من الخطبه الشقشقیه.

و محصّل ما قلناه هناک إنّ خشونه سجیّته و جفاوه طبیعته إن کانت بالغه إلى مرتبه لم یبق له معها اختیار فی الامساک عن فضول کلامه و سقطات لسانه و الکفّ عن هجره و هذیانه، فیتوجّه علیه أنّ من کان کذلک یعدّ فی زمره المجانین فکیف یصلح لامامه الأمه و خلافه النبوّه.

و إن لم تکن بالغه إلى تلک المرتبه فذلک الاعتذار لا یدفع عنه العار و الشنار کما لم یدفع عن ابلیس استحقاق النار و سخط الجبّار، و لم یرفع عنه لؤم الاستکبار حین استکبر بمقتضى الجبله الناریه و اعتذر به فی قوله: خلقتنی من نار و خلقته من طین، بل استحقّ اللّعنه و الابعاد إلى یوم الدّین و خلّد فی الجحیم أبد الابدین.

و أما قول الشارح و على أىّ حال کان فلقد نال الاسلام بولایته و خلافته خیرا کثیرا.

فیه أنه هب أنّ إنهاض الجیوش و بعث العساکر و فتح بعض البلاد کان فی زمان‏خلافته و بأمره، و لکن إذا کان أصل الخلافه باطله حسبما عرفته فی تضاعیف الشرح مرارا فأیّ ثمر اخرویّ له فی هذه الخیرات النائله منه إلى الاسلام على فرض تسلیمها لأنّه عزّ و جلّ إنّما یتقبّل من المتّقین، بل کلّ ما صدر منه فی أیّام ولایته و خلافته و مخالفته للّه و لرسوله کان علیه وزرا و وبالا دون أن یکون له ثوابا و نوالا

کمطعمه الرّمان ممّا زنت به
جرت مثلا للخائن المتصدّق‏

فقال لها أهل البصیره و التّقى‏
لک الویل لا تزنى و لا تتصدّق‏

بل لو قیست سیئه من سیئاته و هی غصب الخلافه من آل بیت الرّسول و إحراقه لباب ابنته البتول و ما کان بأمره من کسر ضلعها و سقوط جنینها، و ما نشأت من تلک الشجره الملعونه الخبیثه و ثمرته من أعظم الظّلم فی وقعه الطّف الّذی لا یتصوّر ظلم فوقه، إلى سیّئات جمیع الامّه لرجحت علیها فضلا عن سایر جرایمه و بدعاته و محدثاته التی بقیت على صفحات الأیام، و استمرّت إلى یوم القیامه و القیام، فلیحملنّ أوزارها کامله و من أوزار الّذین بها یعملون، و سیعلم الذین ظلمو آل محمّد حقّهم أىّ منقلب ینقلبون.

الثانیه ما أشار إلیه بقوله (و لقد واسیته فی المواطن الّتی تنکص) و ترجع (فیها الأبطال) و الأنجاد (و تتأخّر فیها الأقدام) من أجل (نجده) و شجاعه (أکرمنى اللّه بها) و جعلها مخصوصه بی و آثرنی بها على غیری.

قال الشّارح المعتزلی: و هذا یعنی المواساه ممّا اختصّ علیه السّلام بفضیلته غیر مدافع ثبت معه یوم احد و فرّ النّاس و ثبت معه یوم حنین و فرّ النّاس، و ثبت تحت رایته یوم خیبر حتّى فتحها و فرّ من کان بعث من قبله.

أقول: أوّل مواساته علیه و آله آلاف التحیّه و الثناء مبیته على فراش خاتم الأنبیاء حتى باهى اللّه به ملائکه السماء، فوهب نفسه للّه تعالى و بذلها لنبیّه المصطفى و بات على فراشه لینجو به من کید الأعداء، و یتمّ له بذلک السلامه و البقاء، و ینتظم له به الغرض فی الدّعاء إلى الحنیفیّه البیضاء، فکان ذلک سبب نجاه النبىّ صلّى اللّه علیه و آله و بقائه و حقن دمه حتى صدع بأمر ربّه.

و لولاه علیه السّلام لما تمّ لرسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم التبلیغ و الأداء و لا استدام له العمر و البقاء و لظفر به الحسده و الأعداء فلما أصبحوا و عرفوا تفرّقوا عنه و انصرفوا و قد ضلّت لهم الحیل و انقطع بهم الأمل و انتقض ما بنوه من التدبیر و خابت لهم الظنون.

و کان بذلک انتظام الایمان و إرغام الشیطان و خذلان أهل الکفر و العدوان، و هذه منقبه لم یشرکه علیه السّلام فیها أحد من أهل الاسلام و قد انزل فیه محکم التبیان و هو قول اللّه وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ و أما مواساته له صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی مواطن جهاده، و مواطن جدّه و اجتهاده، و مقامات جداله بالسنه الاسنه و جلاده، فهو فوق حدّ الاحصاء، متجاوز عن حدّ العدوّ الاستقصاء.

منها غزوه بدر التی هدّت قوى الشرک، و قذفت طواغیته فی قلیب الهلک، و دوّخت مرده الکفار، و سقتهم کاسات الدّمار و البوار، و نقلتهم من القلیب إلى النار.

فیومها الیوم الذى لم یأت الدّهر بمثله، و أفاض اللّه فیه من أحسن فضله، أنزل فیه الملائکه لتأیید رسوله تفضیلا له على جمیع رسله، و حباه من علوّ القدر ما لم ینله أحد من قبله، و أشرب صنادید قریش کاس أسره و قتله، و جبرئیل ینادى أقدم حیزوم لاظهار دینه على الدّین کلّه، و أمیر المؤمنین کان فارس تلک الملحمه فما تعدّ الأسد الغضاب بشسع نعله، و مسعّر تلک الحرب العوان ینصب على الأعداء انصباب السحاب و وبله، و نار سطوته و نجدته تتسعّر تسعر النار فی دقیق الغضا و جزله.

و قد عرفت فی شرح الفصل الثامن من الخطبه المأه و الحادیه و التسعین أنّ نصف القتلی فی تلک الوقعه و کانوا سبعین رجلا کان قتیله باشر بنفسه قتله من دون شرکه غیره له.

و منها غزوه أحد قال فی کشف الغمّه فی حدیث عمران بن حصین قال: لمّا تفرّق النّاس عن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم جاء علیّ علیه السّلام متقلّدا بسیفه حتّى‏قام بین یدیه فرفع رأسه إلیه و قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم له: ما لک لم تفرّ مع النّاس فقال: یا رسول اللّه أرجع کافرا بعد إسلامی فأشار إلى قوم انحدروا من الجبل، فحمل علیهم فهزمهم فجاء جبرئیل، و قال: یا رسول اللّه قد عجبت الملائکه من حسن مواساه علیّ لک بنفسه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: ما یمنعه من ذلک و هو منّی و أنا منه فقال جبرئیل: و أنا منکما.

و فیه عن زید بن وهب قال: قلت لابن مسعود: انهزم النّاس عن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حتّى لم یبق معه إلّا علیّ علیه السّلام و أبو دجانه و سهل قال: انهزم النّاس إلّا علیّ وحده، و ثاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله نفر کان أوّلهم عاصم بن ثابت و أبو دجانه و سهل بن حنیف، و لحقهم طلحه بن عبید اللّه، فقلت له: فأین کان أبو بکر و عمر قال: کانا فیمن تنحّى، فقلت: فأین کان عثمان قال: جاء بعد ثالثه من الوقعه فقال له رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: لقد ذهبت فیها عریضه، قلت: فأین کنت قال: فیمن تنحّى، قلت: فمن حدّثک بهذا قال: عاصم بن ثابت و سهل بن حنیف، قلت: إنّ ثبوت علیّ فی ذلک المقام لعجب، قال: إن تعجب منه فقد تعجّبت منه الملائکه أما علمت أنّ جبرئیل قال فی ذلک الیوم و هو یعرج إلى السّماء: لا سیف إلّا ذو الفقار لا فتى إلّا علیّ، فقلنا: و من أین علم أنّ جبرئیل قال ذلک قال: سمع النّاس النّداء بذلک و أخبرهم به النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.

قال کاشف الغمه: و روى عن عکرمه قال: سمعت علیّا یقول: لمّا انهزم النّاس عن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یوم احد لحقنى من الجزع علیه ما لم أملک نفسی و کنت أضرب بسیفی بین یدیه فرجعت أطلبه فلم أره فقلت. ما کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لیفرّ و ما رأیته فی القتلی و أظنّه رفع من بیننا إلى السّماء، فکسرت جفن سیفی و قلت: لاقاتلنّ به حتّى اقتل، و حملت على القوم فأفرجوا فاذا أنا برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و قد وقع مغشیّا علیه، فنظر إلىّ و قال: ما فعل النّاس یا علیّ قلت: کفروا یا رسول اللّه و ولّوا الدّبر و أسلموک، فنظر إلى کتیبه قد أقبلت فقال: ردّهم عنّی، فحملت‏علیهم أضربهم یمینا و شمالا حتّى فرّوا فقال صلّى اللّه علیه و آله: أما تسمع مدیحک فی السّماء إنّ ملکا اسمه رضوان ینادى: لا سیف إلّا ذو الفقار و لا فتى إلّا علیّ، فبکیت سرورا و حمدت اللّه على نعمته.

قال: و قد ذکر أهل السّیر قتلى احد من المشرکین و کان جمهورهم قتلی أمیر المؤمنین علیه السّلام و انصرف المشرکون إلى مکّه و انصرف النبیّ صلّى اللّه علیه و آله إلى المدینه فاستقبلته فاطمه و معها إناء فیه ماء فغسل به وجهه، و لحقه أمیر المؤمنین علیه السّلام، و قد خضب الدّم یده إلى کتفه و معه ذو الفقار، فناوله فاطمه و قال: خذى هذا السّیف فقد صدقنى الیوم و قال علیه السّلام:

أفاطم هاک السّیف غیر ذمیم
فلست برعدید و لا بملیم‏

«» أمیطى دماء الکفر عنه فانّه‏
سقا آل عبد الدّار کاس حمیم‏

لعمرى لقد أعذرت فی نصر أحمد
و طاعه ربّ بالعباد علیم‏

و قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: خذیه یا فاطمه فقد أدّى بعلک ما علیه، و قد قتل اللّه صنادید قریش بیده.

و منها غزوه الأحزاب المعروفه بغزاه خندق قال المفید فی الارشاد: و قد روى قیس بن الرّبیع قال: حدّثنا أبو هارون العبدى عن ربیعه السّعدى قال: أتیت حذیفه بن الیمان فقلت یا أبا عبد اللّه إنّا لنتحدّث عن علیّ علیه السّلام و مناقبه فیقول لنا أهل البصره: إنّکم لتفرطون فی على علیه السّلام، فهل أنت تحدّثنى بحدیث فیه قال حذیفه: یا ربیعه و ما تسألنى عن علىّ فو الذى نفسى بیده لو وضع جمیع أعمال أصحاب محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی کفّه المیزان منذ بعث اللّه محمّدا إلى یوم الناس هذا، و وضع عمل علىّ علیه السّلام فی الکفّه الأخرى لرجح عمل علىّ علیه السّلام على جمیع أعمالهم، فقال ربیعه: هذا الذى لا یقام و لا یقعد، فقال حذیفه: یا لکع و کیف لا یحمل و أین کان أبو بکر و عمر و حذیفه و جمیع أصحاب محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یوم عمرو بن عبدود و قد دعا إلى المبارزه فأحجم الناس کلّهم ما خلاعلیّا علیه السّلام، فانّه برز إلیه و قتله اللّه على یده، و الذى نفس حذیفه بیده لعمله ذلک الیوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلى یوم القیامه قال فی کشف الغمّه: رأیت فی بعض الکتب أنّ النبیّ صلّى اللّه علیه و آله قال حین بارز علىّ عمرو بن عبدود: خرج الاسلام کلّه إلى الشرک کلّه.

قال: و روى أنّ عبد اللّه بن مسعود کان یقرأ: و کفى اللّه المؤمنین القتال بعلىّ و کان اللّه قویّا عزیزا.

قال: و فی قتل عمرو یقول حسان بن ثابت:

أمسى الفتى عمرو بن عبد یبتغى
بجنوب یثرب غاره لم تنظر

فلقد وجدت سیوفنا مشهوره
و لقد وجدت جیادنا لم تقصر

و لقد رأیت غداه بدر عصبه
ضربوک ضربا غیر ضرب المحشر

أصبحت لا تدعى لیوم عظیمه
یا عمرو أو لجسیم أمر منکر

قال: و لمّا بلغ شعر حسان بنى عامر أجابه فتى منهم فقال یردّ علیه فخره:

کذبتم و بیت اللّه لا تقتلوننا
و لکن بسیف الهاشمیّین فافخروا

بسیف ابن عبد اللّه أحمد فی الوغا
بکفّ علىّ نلتم ذاک فاقصروا

فلم تقتلوا عمرو بن ودّ و لا ابنه
و لکنه الکفّ الجسور الغضنفر

علىّ الذى فی الفخر طال بناؤه‏
فلا تکثروا الدّعوى علینا فتحقروا

ببدر خرجتم للبراز فردّکم
شیوخ قریش جهره و تأخّروا

فلما أتاهم حمزه و عبیده
و جاء علىّ بالمهنّد یخطر

فقالوا نعم أکفاء صدق و أقبلوا
إلیهم سراعا إذ بغوا و تجبّروا

فجال علىّ جوله هاشمیّه
فدمّر هم لما عتوا و تکبّروا

فلیس لکم فخر علینا بغیرنا
و لیس لکم فخر یعدّ و یذکر

و منها غزوه وادى الرّمل و تسمى غزوه ذات السلسله.

و قد کان الفتح فیها لأمیر المؤمنین علیه السّلام خاصه بعد أن کان فیها من غیره من الافساد ما کان، و فیها نزل على النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم سوره و العادیات فتضمّنت ذکر مافعله أمیر المؤمنین فیها.

قال المفید: روى عن امّ سلمه قالت: کان نبیّ اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قائلا فی بیتى إذ انتبه فزعا من منامه فقلت له: اللّه جارک قال: صدقت و اللّه جارى لکن هذا جبرئیل یخبرنی أنّ علینا قادم، ثمّ خرج إلى الناس فأمرهم أن یستقبلوا علیا علیه السّلام فقام المسلمون له صفّین مع رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، فلما بصر النبىّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ترجّل عن فرسه و أهوى إلى قدمیه یقبلهما، فقال له علیه السّلام: ارکب فانّ اللّه تعالى و رسوله عنک راضیان فبکى أمیر المؤمنین علیه السّلام فرحا و انصرف إلى منزله، و تسلّم المسلمون الغنایم «إلى أن قال» ثمّ قال صلّى اللّه علیه و آله له: یا على لو لا أننى أشفق أن تقول فیک طوایف من امتى ما قالت النصارى فى عیسى بن مریم لقلت فیک الیوم مقالا لا تمرّ بملاء منهم إلّا أخذوا التراب من تحت قدمیک.

و منها غزوه الحدیبیّه.

و فیها أقبل سهیل بن عمرو إلى النبىّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال له یا محمّد إنّ أرقاءنا لحقوا بک فارددهم علینا، فغضب رسول اللّه حتّى تبیّن الغضب فى وجهه ثمّ قال: لتنتهنّ یا معاشر قریش أو لیبعثنّ اللّه علیکم رجلا امتحن اللّه قلبه بالایمان یضرب رقابکم على الدین، فقال بعض من حضر: یا رسول اللّه أبو بکر ذلک الرّجل قال: لا، قال: فعمر، قال: لا، و لکنه خاصف النعل فى الحجره، فتبادر الناس إلى الحجره ینظرون من الرّجل فاذا هو أمیر المؤمنین علىّ بن أبى طالب علیه السّلام رواه المفید فى الارشاد، و رواه فى کشف الغمه و صحیح الترمذى نحوه.

و منها غزوه خیبر قال المفید: ثمّ تلت الحدیبیّه خیبر و کان الفتح فیها لأمیر المؤمنین علیه السّلام بلا ارتیاب فظهر من فضله فى هذه الغزاه ما أجمع علیه نقله الرّواه و تفرّد فیها مناقب لم یشرکه فیها أحد من الناس.

و قال کاشف الغمه: قال ابن طلحه: و تلخیص المقصد فیها على ما ذکره أبو محمّد عبد الملک بن هشام فى کتاب السیره النبویّه یرفعه بسنده عن ابن الأکوع قال:

بعث النبىّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أبا بکر برایته و کانت بیضاء إلى بعض حصون خیبر فقاتل ثمّ رجع و لم یکن فتح و قد جهد، ثمّ بعث عمر بن الخطاب فکان کذلک، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: لاعطینّ الرایه غدا رجلا یحبّ اللّه و رسوله و یحبّه اللّه و رسوله یفتح اللّه على یدیه لیس بفرّار، قال سلمه: فدعا علیّا و هو أرمد فتفل فی عینیه ثم قال: خذ هذه الرّایه فامض بها حتّى یفتح اللّه علیک، فخرج یهرول و أنا خلفه نتبع أثره حتى رکز رایته فی رضم«» من حجاره تحت الحصن، فاطلع علیه یهودىّ من الحصن فقال: من أنت قال: أنا علىّ بن أبی طالب فقال الیهودى: علوتم حصننا و ما انزل على موسى أو کما قال، فما رجع حتّى فتح اللّه على یدیه.

و منها فتح مکّه.

قال المفید ره: و فیما ذکرناه من أعمال أمیر المؤمنین علیه السّلام، فی قتل من قتل من أعداء اللّه بمکه و إخافه من أخاف و معونه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم على تطهیر المسجد من الأصنام و شدّه بأسه فی اللّه و قطع الأرحام فی طاعه اللّه عزّ و جلّ أوّل دلیل على تخصیصه من الفضل بما لم یکن لأحد منهم سهم فیه حسبما قدمناه.

و منها غزوه حنین.

فاستظهر فیها رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله بکثره الجمع، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و معه عشره آلاف من المسلمین فظنّ أکثرهم أنهم لن یغلبوا لما شاهدوا من کثره جمعهم و عددهم و عدّتهم و أعجب أبا بکر الکثره یومئذ فقال لن نغلب الیوم من قلّه فکان الأمر بخلاف ما ظنّوه و عانهم«» أبو بکر.

فلمّا التقوا لم یلبثوا و انهزموا بأجمعهم فلم یبق مع النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلّا تسعه من بنی هاشم و عاشرهم أیمن بن امّ ایمن، و قتل رحمه اللّه و ثبت التّسعه الهاشمیّون رئیسهم أمیر المؤمنین علیه السّلام و رجعوا بعد ذلک و تلاحقوا و کانت الکرّه لهم على المشرکین فأنزل اللّه فی إعجاب أبی بکر بالکثره وَ یَوْمَ حُنَیْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْکُمْ کَثْرَتُکُمْ‏ فَلَمْ تُغْنِ عَنْکُمْ شَیْئاً وَ ضاقَتْ عَلَیْکُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّیْتُمْ مُدْبِرِینَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَکِینَتَهُ عَلى‏ رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ یرید علیّا علیه السّلام و من ثبت معه من بنی هاشم.

قال کاشف الغمّه بعد شرح هذه الغزوه: فانظر إلى مفاخر أمیر المؤمنین علیه السّلام فی هذه الغزاه و مناقبه، و جل بفکرک فی بدایع فضله و عجایبه، و احکم فیها برأى صحیح الرّاى صایبه، و أعجب من ثباته حین فرّ الشّجاع على أعقابه، و لم ینظر فی الأمر و عواقبه، و اعلم أنّه علیه السّلام أحقّ بالصّحبه حین لم یر مفارقه صاحبه، و تیقّن أنّه إذا حمّ الحمام لم ینتفع المرء بغیر أهله و أقاربه، فاذا صحّ ذلک عندک بدلایله و بیّناته، و عرفته بشواهده و علاماته، فاقطع أنّ ثبات من ثبت من نتایج ثباته، و أنّهم کانوا أتباعا له فی حروبه و مقاماته، و أنّ رجوع من رجع من هزیمته فانّما کان عند ما بان لهم من النّصر و أماراته.

قال الشارح الفقیر: هذا قلیل من کثیر و یسیر من جم غفیر من مناقبه و مفاخره و مجاهداته و مواساته لرسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أوردته باقتضاء المقام و شرحا لمعنى قوله علیه السّلام: و لقد واسیته فی المواطن الّتی تنکص فیها الأبطال و تتأخر فیها الأقدام و کم له علیه السّلام من الاثار و المناقب و الأخبار الّتی لا تستر، و المفاخر و الفضائل و المجاهدات المثبته فی کتب التواریخ و السّیر، و کم له من المزایا و الخلال و البلاء المذکور فی النّزال، و لا صدرت منه علیه السّلام، هذه الأفعال إلّا عن نجده و شجاعه تذلّ لها الأبطال، و تقلّ لدیها الأهوال، و لا تقوم بوصفها الأقلام و الأقوال، و لا یحتاج فی اثباتها إلى تجشّم الاستدلال، و على الجمله و التفصیل فمقام بأسه و نجدته لا ینال و ما ذا بعد الحقّ إلّا الضّلال.

الثالثه ما أشار إلیه بقوله (و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و انّ رأسه لعلى صدرى) قیل: لعلّه علیه السّلام أسنده صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلى صدره عند اشتداد مرضه، و قیل: انّه کان رأسه على رکبته فیکون رأسه صلّى اللّه علیه و آله، فی صدره عند اکبابه علیه، و الأول أظهر.

و یؤیده ما فی البحار عن أمالی الشّیخ عن أمیر المؤمنین علیه السّلام قال: کنت‏عند رسول اللّه صلّى اللّه علیه و اله و سلّم فی مرضه الّذى قبض فیه و کان رأسه فی حجرى و العبّاس یذبّ عن وجه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله، فاغمى علیه اغماء ثمّ فتح عینه فقال: یا عبّاس یا عمّ رسول اللّه اقبل وصیّتى و اضمن دینى و عداتى، فقال العباس: یا رسول اللّه أنت أجود من الرّیح المرسله و لیس فی مالى وفاء لدینک و عداتک، فقال النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ذلک ثلاثا یعیده علیه و العبّاس فى کلّ ذلک یجیبه بما قال أوّل مرّه.

قال: فقال النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: لأقولنّها لمن یقبلها و لا یقول یا عبّاس مثل مقالتک، فقال: یا على اقبل وصیّتى و اضمن دینى و عداتى.

قال: فخنقتنى العبره و ارتج جسدى و نظرت إلى رأس رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یذهب و یجی‏ء فی حجرى فقطرت دموعى على وجهه و لم اقدر أن اجیبه، ثمّ ثنّى فقال: اقبل وصیّتى و اضمن دینى و عداتى قال: قلت: نعم بأبی و امّى قال: اجلسنى، فأجلسته فکان ظهره فی صدرى فقال: یا على أنت أخی فی الدّنیا و الاخره، و وصیّى و خلیفتى فی أهلی.

ثمّ قال صلّى اللّه علیه و آله: یا بلال هلمّ سیفى و درعى و بغلتى و سرجها و لجامها و منطقتی الّتی أشدّ بها على درعى، فجاء بلال بهذه الأشیاء فوقف بالبغله بین یدی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال: یا على قم فاقبض، فقال: قمت و قام العبّاس فجلس مکانی فقمت فقبضت ذلک، فقال: انطلق به إلى منزلک، فانطلقت ثمّ جئت فقمت بین یدی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قائما فنظر إلىّ ثمّ عمد إلى خاتمه فنزعه ثمّ دفعه إلىّ فقال: هاک یا علیّ هذا لک فى الدّنیا و الاخره و البیت غاصّ من بنی هاشم و المسلمین.

فقال: یا بنیّ هاشم یا معشر المسلمین لا تخالفوا علیّا فتضلّوا و لا تحسدوه فتکفروا، یا عبّاس قم من مکان علیّ علیه السّلام، فقال: تقیم الشیخ و تجلس الغلام فأعادها ثلاث مرّات فقام العبّاس فنهض مغضبا و جلست مکانى.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: یا عبّاس یا عمّ رسول اللّه لا اخرج من الدّنیا و أنا ساخط علیک فیدخلک سخطى علیک النّار فرجع و جلس.

و من الامالی أیضا عنه علیه السّلام فی حدیث قال:

فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یا علی أجلسنی، فأجلسته و أسندته إلى صدرى قال علیّ علیه السّلام: فلقد رأیت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لیثقل ضعفا و هو یقول یسمع أهل البیت أعلاهم و أدناهم: إنّ أخی و وصیّی و وزیری و خلیفتی فی أهلی علیّ بن أبی طالب علیه السّلام، یقضی دینی و ینجز وعدی، یا بنی هاشم یا بنی عبد المطلب لا تبغضوا علیّا و لا تخالفوا عن أمره فتضلّوا، و لا تحسدوه و ترغبوا عنه فتکفروا، أضجعنى یا علی فأضجعته، الحدیث.

و فى البحار من الأمالی أیضا باسناده عن ابن أبی رافع عن علیّ بن أبی طالب علیه السّلام قال: دخلت على نبیّ اللّه و هو مریض فاذا رأسه فی حجر رجل أحسن ما رأیت من الخلق و النّبی نائم، فلمّا دخلت علیه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، قال الرّجل: ادن إلى ابن عمّک فأنت أحقّ به منّى، فدنوت منهما فقام الرّجل و جلست مکانه و وضعت رأس النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی حجرى کما کان فی حجر الرّجل، فمکث ساعه ثمّ إنّ النّبی صلّى اللّه علیه و آله استیقظ فقال: أین الرّجل الّذى کان رأسى فی حجره فقلت: لمّا دخلت علیک دعانى إلیک ثمّ قال: ادن إلى ابن عمّک فأنت أحقّ به منّى ثمّ قام فجلست مکانه، فقال النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: فهل تدرى من الرّجل قلت: لا بأبی و امّى، فقال النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: ذاک جبرئیل کان یحدّثنى حتّى خفّ عنّى وجعى و نمت و رأسى فی حجره.

و أما کیفیه وفاته صلوات اللّه و سلامه علیه و آله

ففى البحار من امالی الصّدوق باسناده عن ابن عبّاس قال: لمّا مرض رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و عنده أصحابه، قام إلیه عمّار بن یاسر فقال له: فداک أبی و امّی یا رسول اللّه فمن یغسلک منّا إذا کان ذلک منک قال: ذلک علیّ ابن أبی طالب لأنّه لا یهم بعضو من أعضائی إلّا أعانته الملائکه على ذلک.

فقال له: فداک أبی و امّی یا رسول اللّه فمن یصلّى علیک منّا إذا کان ذلک‏منک قال: منه رحمک اللّه.

ثمّ قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لعلیّ علیه السّلام: یا ابن أبی طالب إذا رأیت روحى قد فارقت جسدى فاغسلنى و انق غسلى و کفنى فی طمرىّ هذین أو فی بیاض مصر حبره و بردیمان، و لا تغال فی کفنى و احملونى حتّى تضعونى على شفیر قبرى، فأوّل من یصلّى علیّ الجبّار جلّ جلاله من فوق عرشه، ثمّ جبرئیل و میکائیل و إسرافیل فی جنود من الملائکه لا یحصى عددهم إلّا اللّه جلّ و عزّ ثمّ الحافّون بالعرش ثمّ سکّان أهل سماء فسماء ثمّ جلّ أهل بیتی و نسائی الأقربون فالأقربون یؤمون ایماء و یسلمون تسلیما لا یؤذونی بصوت نادبه «نائحه خ» و لا مرنّه ثمّ قال: یا بلال هلمّ علیّ بالناس، فاجتمع الناس فخرج رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله متعصّبا بعمامته متوکئا على قوسه حتّى صعد المنبر فحمد اللّه و أثنی علیه ثمّ قال: معاشر أصحابی أىّ نبیّ کنت لکم أ لم اجاهد بین أظهرکم أ لم تکسر رباعیّتی أ لم یعفر جبینی أ لم تسل الدّماء على حرّ وجهى حتّى کنفت«» لحیتى أ لم اکابد الشدّه و الجهد مع جهّال قومى أ لم أربط حجر المجاعه على بطنى قالوا: بلى یا رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و لقد کنت للّه صابرا، و عن منکر بلاء اللّه ناهیا، فجزاک اللّه عنّا أفضل الجزاء.

قال صلّى اللّه علیه و آله: و أنتم فجزاکم اللّه ثمّ قال: إنّ ربّی عزّ و جلّ حکم و اقسم أن لا یجوزه ظلم ظالم، فناشدتکم باللّه أىّ رجل منکم کانت له قبل محمّد مظلمه إلّا قام فلیقتصّ منه فالقصاص فی دار الدّنیا أحبّ إلىّ من القصاص فی دار الاخره على رءوس الملائکه و الأنبیاء.

فقام إلیه رجل من أقصى القوم یقال له: سواده بن قیس فقال له: فداک أبی و امّى یا رسول اللّه إنّک لمّا أقبلت من الطایف استقبلتک و أنت على ناقتک الغضباء و بیدک القضیب الممشوق، فرفعت القضیب و أنت ترید الرّاحله فأصاب بطنى فلا أدرى عمدا أو خطاء.

فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: معاذ اللّه أن أکون تعمّدت، ثمّ قال: یا بلال قم إلى منزل فاطمه فائتنى بالقضیب الممشوق.

فخرج بلال و هو ینادى فی سکک المدینه: معاشر الناس من ذا الذى یعطى القصاص من نفسه قبل یوم القیامه فهذا محمّد صلّى اللّه علیه و آله یعطى القصاص من نفسه قبل یوم القیامه.

و طرق بلال الباب على فاطمه علیها السّلام و هو یقول: یا فاطمه قومى فوالدک یرید القضیب الممشوق فأقبلت فاطمه علیها السّلام و هى تقول: یا بلال و ما یصنع والدى بالقضیب و لیس هذا یوم القضیب، فقال بلال: یا فاطمه أما علمت أنّ والدک قد صعد المنبر و هو یودّع أهل الدّین و الدّنیا، فصاحت فاطمه علیها السّلام و قالت: و اغماه لغمک یا أبتاه من للفقراء و المساکین و ابن السبیل یا حبیب اللّه و حبیب القلوب، ثمّ ناولت بلالا القضیب، فخرج حتّى ناوله رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أین الشیخ فقال الشیخ: ها أنا ذا یا رسول اللّه بأبی أنت و امّى فقال: فاقتصّ منّى حتى ترضى، فقال الشیخ: فاکشف لى عن بطنک یا رسول اللّه، فکشف عن بطنه فقال الشیخ: بأبی أنت و امّى یا رسول اللّه أ تأذن لى أن أضع فمى على بطنک فأذن له فقال: أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم من النار.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، یا سواده بن قیس أ تعفو أم تقتصّ فقال: بل أعفو یا رسول اللّه، فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: اللهمّ اعف عن سواده بن قیس کما عفى عن محمّد نبیک.

ثمّ قام رسول اللّه فدخل بیت امّ سلمه و هو یقول، ربّ سلّم امه محمّد من النار و یسّر علیهم الحساب، فقالت امّ سلمه: یا رسول اللّه ما لی أراک مغموما متغیّر اللون فقال صلّى اللّه علیه و آله، نعیت إلى نفسى هذه الساعه فسلام لک فی الدّنیا فلا تسمعین بعد هذا الیوم صوت محمّد أبدا، فقالت أمّ سلمه: واحزناه حزنا لا تدرکه الندامه علیک یا محمّد ثمّ قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: ادع لی حبیبه قلبی و قرّه عینی فاطمه، فجاءت فاطمه و هی تقول: نفسى لنفسک الفداء و وجهى لوجهک الوفاء یا أبتاه ألا تکلّمنى کلمه فانى أنظر إلیک و أراک مفارق الدّنیا و أرى عساکر الموت تغشاک شدیدا.

فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لها: یا بنیه إنّى مفارقک فسلام علیک منّى، قالت: یا أبتاه فأین‏

الملتقى یوم القیامه قال صلّى اللّه علیه و آله: عند الحساب، قالت: فان لم ألقک عند الحساب قال: عند الشفاعه لامتى، قالت: فان لم ألقک عند الشفاعه لأمتک قال: عند الصراط جبرئیل عن یمینی و میکائیل عن یسارى و الملائکه خلفى و قدّامى ینادون ربّ سلم امه محمّد من النار و یسّر علیهم الحساب، قالت فاطمه: فأین والدتى خدیجه قال: فی قصر له أربعه أبواب إلى الجنه.

ثمّ اغمى على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فدخل بلال و هو یقول: الصّلاه رحمک اللّه، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و صلّى بالنّاس و خفّف الصّلاه.

ثمّ قال: ادعوا لى علیّ بن أبی طالب و اسامه بن زید، فجاءا فوضع صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یده على عاتق علیّ و الاخرى على اسامه ثمّ قال: انطلقا بی إلى فاطمه، فجاءا به حتى وضع رأسه فی حجرها فاذا الحسن و الحسین یبکیان و یصطرخان و هما یقولان: أنفسنا لنفسک الفداء و وجوهنا لوجهک الوقاء.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: من هذان یا علیّ فقال علیه السّلام: ابناک الحسن و الحسین، فعانقهما و قبّلهما و کان الحسن علیه السّلام أشدّ بکاء فقال صلّى اللّه علیه و آله: کفّ یا حسن فقد شققت على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.

فنزل ملک الموت قال: السلام علیک یا رسول اللّه قال: و علیک السّلام یا ملک الموت لی إیاک حاجه، قال: و ما حاجتک یا نبیّ اللّه قال: حاجتی أن لا تقبض روحى حتى یجیئنی جبرئیل فتسلم علىّ و اسلم علیه.

فخرج ملک الموت و هو یقول: یا محمّداه، فاستقبله جبرئیل فى الهواء فقال: یا ملک الموت قبضت روح محمّد قال: لا یا جبرئیل سألنى أن لا أقبضه حتى یلقاک فتسلم علیه و یسلم علیک، فقال جبرئیل: یا ملک الموت أما ترى أبواب السماء مفتّحه لروح محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أما ترى الحور العین قد تزیّن لروح محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.

ثم نزل جبرئیل فقال: السلام علیک یا أبا القاسم فقال: و علیک السلام یا جبرئیل ادن منى حبیبى جبرئیل، فدنا منه، فنزل ملک الموت فقال له جبرئیل: یا ملک الموت احفظ وصیه اللّه فی روح محمّد، و کان جبرئیل عن یمینه و میکائیل عن یساره و ملک الموت‏

 

منهاج‏البراعهفی‏شرح‏نهج‏البلاغه(الخوئی)، ج ۱۲   ، صفحه‏ى ۲۳۶

آخذ بروحه، فلما کشف الثوب عن وجه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله نظر إلى جبرئیل فقال له عند الشدائد تخذلنی، فقال: یا محمّد إنک میّت و انهم میّتون، کلّ نفس ذائقه الموت.

فروى عن ابن عباس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فى ذلک المرض کان یقول: ادعوا الى حبیبى فجعل یدعا له رجل بعد رجل فیعرض عنه فقیل لفاطمه علیها السّلام امضى إلى علىّ فما نرى رسول اللّه یرید غیر علیّ، فبعث فاطمه إلى علىّ علیه السّلام فلما دخل فتح رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عینیه و تهلّل وجهه ثم قال: إلیّ یا علی إلیّ یا علی فما زال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یدنیه حتى أخذه بیده و أجلسه عند رأسه ثمّ اغمى علیه فجاء الحسن و الحسین علیهما السّلام یصیحان و یبکیان حتى وقعا على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، فأراد علىّ أن ینحیهما عنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فأفاق رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله ثمّ قال یا على دعنى أشمّهما و یشمّانى و أتزوّد منهما و یتزوّدان منّی أما أنهما سیظلمان بعدی و یقتلان ظلما فلعنه اللّه على من یظلمهما یقول ذلک ثلاثا.

ثمّ مدّ یده إلى علىّ فجذبه إلیه حتى أدخله تحت ثوبه الذى کان علیه، و وضع فاه على فیه و جعل یناجیه مناجاه طویله حتى خرجت روحه الطیبه صلوات اللّه علیه و آله.

فانسلّ علىّ من تحت ثیابه و قال: اعظم اللّه اجورکم فى نبیّکم فقد قبضه اللّه إلیه، فارتفعت الأصوات بالضجه و البکاء فقیل لأمیر المؤمنین علیه السّلام: ما الذى ناجاک به رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حین أدخلک تحت ثیابه فقال: علّمنى ألف باب کلّ باب یفتح ألف باب قال الشارح عفى اللّه عنه: ما فى هذا الحدیث من قصه سواده مناف للاصول المحکمه و الأدله القاطعه العقلیه و النقلیه الدّاله على کون الأنبیاء معصومین من السهو و الخطاء و النسیان کعصمتهم من المعاصى مطلقا حسبما عرفته تفصیلا فى شرح الفصل الثانی عشر من الخطبه الاولى، فلا بدّ من تأویله على وجه لا ینافی العصمه أو ردّه لمخالفته لاصول مذهب الامامیّه، و لعلّ الصدوق رواه بناء على مذهبه من تجویزه السهو على النبیّ کما صرّح به فى الفقیه و غیره.

و فى کشف الغمه من کتاب أبى إسحاق الثعلبى قال: دخل أبو بکر على النبىّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و قد ثقل فقال: یا رسول اللّه متى الأجل قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: قد حضر، قال أبو بکر: اللّه المستعان على ذلک فالى ما المنقلب‏قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: إلى السدره المنتهى و الجنه المأوى و إلى الرفیق الأعلى و الکاس الأوفى و العیش المهنىّ، قال أبو بکر: فمن یلی غسلک قال: رجال أهل بیتى الأدنى فأدنى قال: ففیم نکفنک قال: فى ثیابى هذه التی علیّ أو فى حلّه یمانیه أو فی بیاض مصر قال: کیف الصلاه علیک فارتجت الأرض بالبکاء.

فقال لهم النبىّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: مهلا عفى اللّه عنکم إذا غسلت فکفنت فضعونى على سریرى فى بیتى على شفیر قبرى ثمّ اخرجوا عنى ساعه فان اللّه تبارک و تعالى أوّل من یصلّی علیّ ثمّ یأذن الملائکه فی الصّلاه علىّ، فأوّل من ینزل جبرئیل ثمّ إسرافیل ثمّ میکائیل ثمّ ملک الموت علیهم السّلام فى جنود کثیر من الملائکه بأجمعها، ثمّ ادخلوا علىّ زمره زمره فصلّوا علیّ و سلموا تسلیما و لا تؤذونی بتزکیه«» و لا رنّه، و لیبدأ بالصلاه علىّ الأدنى فالأدنى من أهل بیتى، ثمّ النساء، ثمّ الصبیان زمرا.

قال أبو بکر: فمن یدخل قبرک قال: الأدنى فالأدنى من أهل بیتى مع ملائکه لا ترونهم، قوموا فأدّوا عنّى إلى من ورائکم فقلت للحارث بن مرّه: من حدّثک بهذا الحدیث قال: عبد اللّه بن مسعود عن علیّ علیه السّلام قال: کان جبرئیل ینزل على النبىّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فى مرضه الذى قبض فیه فى کلّ یوم و لیله فیقول: السلام علیک إنّ ربّک یقرؤک السلام فیقول: کیف تجدک و هو أعلم بک و لکنه أراد أن یزیدک کرامه و شرفا إلى ما أعطاک على الخلق و أراد أن یکون عیاده المریض سنه فى امتک.

فیقول له النبىّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إن کان وجعا: یا جبرئیل أجدنى وجعا، فقال له جبرئیل اعلم یا محمّد أنّ اللّه لم یشدد علیک و ما من أحد من خلقه أکرم علیه منک، و لکنه أحبّ‏أن یسمع صوتک و دعاءک حتّى تلقاه مستوجبا للدّرجه و الثواب الذى أعدّ لک و الکرامه و الفضیله على الخلق.

و إن قال له النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أجدنی مریحا فی عافیه قال له: فاحمد اللّه على ذلک فانّه یحبّ أن تحمده و تشکره لیزیدک إلى ما أعطاک خیرا فانّه یحبّ أن یحمد و یزید من شکر.
قال: و انّه نزل علیه فی الوقت الذى کان ینزل فیه فعرفنا حسّه فقال علیّ علیه السّلام فخرج من کان فی البیت غیرى، فقال له جبرئیل: یا محمّد إنّ ربّک یقرؤک السلام و یسألک و هو أعلم بک کیف تجدک فقال له النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أجدنی میّتا، قال له جبرئیل: یا محمّد ابشر فانّ اللّه إنّما أراد أن یبلّغک بما تجد ما أعدّ لک من الکرامه قال له النّبی صلّى اللّه علیه و آله: إنّ ملک الموت استأذن علیّ فأذنت له فدخل و استنظرته مجیئک فقال له جبرئیل: یا محمّد إنّ ربک إلیک مشتاق فما استاذن ملک الموت على أحد قبلک و لا یستأذن على أحد بعدک فقال له النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: لا تبرح یا جبرئیل حتّى یعود.

ثمّ أذن للنساء فدخلن علیه فقال لابنته: ادنی منّی یا فاطمه فأکبّت علیه فناجاها فرفعت رأسها فعیناها تهملان دموعا، فقال لها: ادنی منّی فدنت منه فأکبّت علیه فناجاها فرفعت رأسها و هی تضحک.
فتعجّبنا لما رأینا، فسألناها فأخبرتنا أنّه نعى إلیها نفسه فبکت فقال لها یا بنیّه لا تجزعی فانّی سألت اللّه أن یجعلک أوّل أهل بیتی لحاقا بی فأخبرنی أنّه قد استجاب لی فضحکت قال: ثمّ دعا النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم الحسن و الحسین علیهما السّلام فقبّلهما و شمّهما و جعل یترشفهما و عیناه تهملان.

قال الشارح عفى اللّه عنه: و لقد کنت عند نقلی هذه الرّوایه للثعلبی کاد أن یشرح قلبی بالسّکاکین ممّا تضمّنه صدرها من شنیع فعل أبی بکر و إصراره فى سؤال الرّسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و من أجله و غسله و دفنه و کفنه و منقلبه فى هذه الحال من شدّهمرضه و ضعفه، و قد أحاطت به غمرات الالام، و غشیته طوارق الأوجاع و الأسقام، و کیف تمالک نفسه و لم تخنقه عبرته و بالغ فى السّؤال حتّى ارتجّت الأرض بالبکاء و ألجأ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله إلى ردعه بقوله: مهلا، فیا للّه ما أقلّ حیاء الرّجل و أسوء أدبه و أقسى قلبه و أقبح فعله.

و فى البحار من المناقب عن سهل بن أبی صالح عن ابن عبّاس أنّه اغمى على النبىّ صلّى اللّه علیه و آله فى مرضه فدقّ بابه، فقالت فاطمه: من ذا قال: أنا رجل غریب أتیت أسأل رسول اللّه أ تأذنون لی فی الدّخول علیه فأجابت امض رحمک اللّه لحاجتک فرسول اللّه عنک مشغول.

فمضى ثمّ رجع فدقّ الباب و قال: غریب یستأذن على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أ تاذنون للغرباء فأفاق رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم من غشیته و قال: یا فاطمه أ تدرین من هذا قالت: لا یا رسول اللّه، قال: هذا مفرّق الجماعات و منقض «منغص» اللّذات، هذا ملک الموت ما استأذن و اللّه على أحد قبلى و لا یستأذن على أحد بعدى، استأذن علیّ لکرامتی على اللّه ائذنى له فقالت: ادخل رحمک اللّه، فدخل کریح هفافه و قال: السلام على أهل بیت رسول اللّه، فأوصى النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إلى علیّ علیه السّلام بالصبر عن الدّنیا و بحفظ فاطمه و بجمع القرآن و بقضاء دینه و بغسله و أن یعمل حول قبره حایط و بحفظ الحسن و الحسین.

و فى کشف الغمه عن أبى جعفر علیه السّلام قال: لمّا حضرت النبیّ الوفاه استأذن علیه رجل فخرج إلیه علیّ علیه السّلام فقال: ما حاجتک قال: ارید الدّخول على رسول اللّه فقال علىّ: لست تصل إلیه فما حاجتک فقال الرّجل: إنه لا بدّ من الدّخول علیه، فدخل علىّ علیه السّلام فاستأذن النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فاذن له فدخل فجلس عند رأس رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.

ثمّ قال: یا نبیّ اللّه إنّی رسول اللّه إلیک، قال: و أیّ رسل اللّه أنت قال: أنا ملک الموت أرسلنى إلیک یخیّرک بین لقائه و الرّجوع إلى الدّنیا، فقال له النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فامهلنى حتّى ینزل جبرئیل فأستشیره.

و نزل جبرئیل فقال: یا رسول اللّه الاخره خیر لک من الاولى و لسوف یعطیک ربک فترضى، لقاء اللّه خیر لک، فقال علیه السّلام لقاء ربّی خیر لى فامض لما امرت به، فقال جبرئیل لملک الموت: لا تعجل حتى أعرج الى السماء «ربى خ» و أهبط، قال ملک الموت: لقد صارت نفسه فی موضع لا أقدر على تأخیرها، فعند ذلک قال جبرئیل: یا محمّد هذا آخر هبوطى إلى الدّنیا إنما کنت أنت حاجتى فیها.

و فى البحار من کتاب اعلام الورى قال الصادق علیه السّلام: قال جبرئیل: یا محمّد هذا آخر نزولى إلى الدّنیا إنما کنت أنت حاجتى منها، قال: و صاحت فاطمه و صاح المسلمون و یضعون التراب على رؤوسهم و مات صلّى اللّه علیه و آله و سلّم للیلتین بقیتا من صفر سنه عشر من الهجره، و روى أیضا لاثنى عشر لیله من ربیع الأوّل صلّى اللّه علیه و آله و سلّم تسلیما کثیرا.

الرابعه ما أشار إلیه بقوله (و لقد سالت نفسه فی کفّى فأمررتها على وجهى) قال الشارح البحرانی: أراد بنفسه دمه یقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قاء وقت موته دما یسیرا و إنّ علیا علیه السّلام مسح بذلک الدّم وجهه، و لا ینافی ذلک نجاسه الدّم لجواز أن یخصّص دم الرّسول کما روى أن أبا طیبه الحجام شرب دمه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حین حجمه فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إذا لا ینجع بطنک، انتهى کلامه، و مثله الشارح المعتزلی.

أقول: أمّا طهاره دم النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فلا ریب فیها کما قال الشاعر:

فان تفق الأنام و أنت منهم
فانّ المسک بعض دم الغزال‏

و یشهد بها آیه التطهیر فان قلت: لو کان طاهرا لم حذّر النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أبا سعید الخدرى من شربه کما رواه فی البحار من تفسیر الامام فی حدیث طویل قال فیه: و أما الدّم فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله احتجم مرّه فدفع الدّم الخارج منه إلى أبى سعید الخدرى و قال له: غیّبه، فذهب فشربه فقال صلّى اللّه علیه و آله له: ما صنعت به قال له: شربته یا رسول اللّه، قال: أ لم أقل لک غیّبه فقال له: غیّبته فی وعاء حریز، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: إیّاک‏ و أن تعود لمثل هذا، ثمّ اعلم أنّ اللّه قد حرّم على النّار لحمک و دمک لما اختلط بلحمى و دمى.

قلت: لعلّ تحذیره عن شربه لأجل حرمته لا لأجل النّجاسه.
و أمّا حمل النفس فی قوله علیه السّلام: و لقد سالت نفسه بمعنى الدّم فلا یخفى بعده بل ضعفه، و الأقوى عندى أن یراد بالنّفس نفسه النّاطقه القدسیّه الّتی هی مبدء الفکر و الذّکر و العلم و الحلم و النّباهه، و لها خاصیّه الحکمه و النّزاهه، فیکون محصّل المراد بالکلام أنّ روحه الطیبه الکامله الّتی هى المصداق الحقیقى لقوله: قل الرّوح من أمر ربّى، و المقصود الأصلى بقوله: و نفخت فیه من روحى، لما فارقت جسده الطاهر فاضت بیدى فمسحت بها على وجهى.

و لعلّ هذا مراد من قال إنّ المراد بسیلان النّفس هبوب النفس عند انقطاع الأنفاس، هذا.
و انّما مسح بها على وجهه إما تیمّنا أو لحکمه عظیمه لا نعرفها.
و انما فعل علیه السّلام ذلک بوصیّه منه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کما رواه فی البحار من مناقب ابن شهر آشوب قال: و من طریقه أهل البیت علیهم السّلام أنّ عایشه دعت أباها فأعرض عنه و دعت حفصه أباها فأعرض عنه و دعت أمّ سلمه علیّا فناجاه طویلا ثمّ اغمى علیه فجاء الحسن و الحسین علیهما السّلام یصیحان و یبکیان حتّى وقعا على رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و أراد علىّ علیه السّلام أن ینحّیهما عنه، فأفاق رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ثمّ قال: یا علیّ دعهما أشمّهما و یشمّانی و أتزوّد منهما و یتزوّدان منّی.

ثمّ جذب علیّا علیه السّلام تحت ثوبه و وضع فاه على فیه و جعل یناجیه، فلمّا حضره الموت قال له: ضع رأسى یا على فی حجرک فقد جاء أمر اللّه فاذا فاضت نفسى فتناولها بیدک و امسح بها وجهک ثمّ وجّهنى إلى القبله و تولّ أمرى و صلّ علىّ أوّل النّاس و لا تفارقنى حتّى توارینى فی رمسى و استعن باللّه عزّ و جلّ.
و أخذ علىّ برأسه فوضعه فی حجره فاغمی علیه فبکت فاطمه فأومى إلیها بالدنوّ منه، فأسرّ إلیها شیئا تهلّل وجهها- القصّه- .

ثمّ قضى صلّى اللّه علیه و آله و مدّ أمیر المؤمنین علیه السّلام یده الیمنى تحت حنکه ففاضت نفسه فیها، فرفعها إلى وجهه فمسحه بها ثمّ وجّهه و مدّ علیه ازاره و استقبل بالنّظر فی أمره.
و فى البحار من کتاب اعلام الورى قضى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و ید أمیر المؤمنین الیمنى تحت حنکه، ففاضت نفسه فیها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها ثمّ وجّهه و غمّضه و مدّ علیه ازاره و اشتغل بالنّظر فی أمره.
الخامسه ما أشار إلیه بقوله (و لقد ولیت) أى باشرت (غسله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و الملائکه أعوانى) باطنا، و الفضل بن عباس یعینه ظاهرا و کان مباشرته بغسله صلّى اللّه علیه و آله أیضا بوصیّته صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.
کما یدل علیه ما رواه فی البحار من المناقب عن أبان بن بطه قال یزید بن بلال قال علىّ علیه السّلام: أوصى النبّی ألّا یغسّله أحد غیرى فانّه لا یرى عورتى أحد إلّا طمست عیناه، قال: فما تناولت عضوا إلّا کأنّما یقلّبه معى ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله.

و روى أنّه لمّا أراد علىّ علیه السّلام غسله استدعا الفضل بن عباس لیعینه و کان مشدود العینین و قد أمره علىّ علیه السّلام بذلک إشفاقا علیه من العمى، و فی هذا المعنى قال العبدى:
من ولى غسل النّبی و من لفّقه من بعد فی الکفن‏

و قال آخر:

غسّله إمام صدق طاهر من دنس
الشرک و أسباب الغیر

فأورث اللّه علیّا علمه‏
و کان من بعد إلیه یفتقر

و فى البحار من کتاب الطرف لابن طاوس نقلا من کتاب الوصیّه للشّیخ عیسى بن المستفاد الضّریر عن موسى بن جعفر عن أبیه علیهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: یا على أضمنت دینى تقضیه عنّى قال: نعم. قال: اللّهمّ فاشهد، ثمّ قال: یا على تغسلنى و لا یغسلنی غیرک فیعمى بصره، قال علىّ علیه السّلام و لم یا رسول اللّه قال: کذلک قال جبرئیل عن ربّى أنّه لا یرى عورتى غیرک إلّا عمى‏بصره، قال علیّ علیه السّلام فکیف أقوى علیک وحدی قال: یعینک جبرئیل و میکائیل و اسرافیل و ملک الموت و إسماعیل صاحب السماء الدّنیا، قلت: فمن یناولنی الماء قال: الفضل بن العباس من غیر أن ینظر إلى شی‏ء منّى فانّه لا یحلّ له و لا لغیره من الرّجال و النساء النظر إلى عورتى، و هى حرام علیهم، فاذا فرغت من غسلى فضعنى على لوح و أفرغ علىّ من بئرى بئر غرس أربعین دلوا مفتّحه الأبواب أو قال أربعین قربه شککت أنا فی ذلک ثمّ ضع یدک یا على على صدرى و احضر معک فاطمه و الحسن و الحسین علیهم السّلام من غیر أن ینظروا إلى شی‏ء من عورتى ثمّ تفهّم عند ذلک تفهم ما کان و ما هو کائن إنشاء اللّه.

و من کتاب فقه الرّضا و قال جعفر علیه السّلام: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله أوصى إلى علىّ أن لا یغسلنی غیرک، فقال علىّ علیه السّلام: یا رسول اللّه من یناولنی الماء و انّک رجل ثقیل لا استطیع أن اقلبّک فقال: جبرئیل معک یعاونک و یناولک الفضل الماء، و قل له فلیغطّ عینیه فانّه لا یرى أحد عورتى غیرک إلّا انفقات عیناه، قال: کان الفضل یناوله الماء و جبرئیل یعاونه و علىّ یغسّله.

و قوله (فضجّت الدّار و الأفنیه ملاء یهبط و ملاء یعرج) نسبه الضجیج إلى الدار و الأفنیه من التوسّع، و الاسناد إلى المکان، و المراد به ضجیج الملائکه النّازلین فیهما حین موته صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و بکاؤهم علیه مثل ضجیج سایر الحاضرین لدیه.

و یشهد بذلک ما فی البحار من کتاب الطرف لابن طاوس فی الحدیث الذى قدّمنا روایته آنفا و فیه بعد قوله صلّى اللّه علیه و آله تفهم ما کان و ما هو کائن: أقبلت یا علیّ قال: نعم قال: اللّهمّ فاشهد.
قال: یا علیّ ما أنت صانع لو قد تأمّر القوم علیک بعدی وتقدّموا علیک و بعث إلیک طاغیتهم یدعوک إلى البیعه ثمّ لبّبت بثوبک تقاد کما یقاد الشّارد من الابل مذموما مخذولا محزونا مهموما و بعد ذلک ینزل بهذه الذّلّ.
قال: فلمّا سمعت فاطمه ما قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم صرخت و بکت، فبکى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لبکائها و قال: یا بنیّه لا تبکین و لا تؤذین جلساءک من الملائکه، هذا جبرئیل‏بکى لبکائک و میکائیل و صاحب سرّ اللّه إسرافیل، یا بنیه لا تبکین فقد بکیت السّماوات و الأرض لبکائک.

فقال علیّ علیه السّلام: یا رسول اللّه انقاد للقوم و أصبر على ما أصابنى من غیر بیعه لهم ما لم اصب أعوانا لم اناجز القوم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: اللّهمّ اشهد.
و فیه من الکتاب المذکور أیضا من کتاب الوصیّه لعیسى الضّریر عن موسى بن جعفر عن أبیه علیهما السّلام قال: لمّا کانت اللّیله الّتی قبض النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله فى صبیحتها دعى علیّا و فاطمه و الحسن و الحسین علیهم السّلام و اغلق علیه و علیهم الباب، و قال: یا فاطمه و أدناها منه فناجاها من اللّیل طویلا، فلمّا طال ذلک خرج علىّ و معه الحسن و الحسین و أقاموا بالباب و الناس خلف الباب و نساء النّبی ینظرون إلى علىّ و معه ابناه.

فقالت عایشه: لأمر ما أخرجک منه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و خلا بابنته دونک فی هذه السّاعه فقال علىّ علیه السّلام قد عرفت الذى خلا بها و أرادها له و هو بعض ما کنت فیه و أبوک و صاحباه ممّا قد سمّاه، فوجمت أن تردّ علیه کلمه قال علیّ علیه السّلام: فما لبثت أن نادتنی فاطمه علیها السّلام فدخلت على النّبی صلّى اللّه علیه و آله و هو یجود بنفسه فبکیت و لم أملک نفسى حین رأیته بتلک الحال یجود بنفسه.

فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لی: ما یبکیک یا على لیس هذا أو ان البکاء فقد حان الفراق بینى و بینک فاستودعک اللّه یا أخى فقد اختار لی ربّی ما عنده، و إنما بکائی و غمّی و حزنى علیک و على هذه- أى فاطمه أن تضیع بعدى، فقد أجمع القوم على ظلمکم و قد استودعکم اللّه و قبلکم منّى ودیعه یا علیّ قد أوصیت فاطمه ابنتی بأشیاء و أمرتها أن تلقیها إلیک فأنفذها فهی الصّادقه المصدّقه.

ثمّ ضمها إلیه و قبّل رأسها و قال: فداک أبوک یا فاطمه، فعلا صوتها بالبکاء ثمّ ضمها إلیه و قال: و اللّه لینتقمنّ اللّه ربّی و لیغضبنّ لغضبک، فالویل ثمّ الویل للظالمین ثمّ بکى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم‏و قال علیّ علیه السّلام: فو اللّه لقد حسبت بضعه منّی قد ذهبت لبکائه صلّى اللّه علیه و آله حتّى هملت عیناه مثل المطر حتّى بلّت دموعه لحیته و ملاءه کانت علیه و هو یلتزم فاطمه لا یفارقها و رأسه على صدرى و أنا مسنده و الحسن و الحسین یقبلان قدمیه و یبکیان بأعلى أصواتهما قال علیّ علیه السّلام: فلو قلت إنّ جبرئیل فی البیت لصدقت لأنّى کنت اسمع بکاء و نغمه لا أعرفها و کنت أعلم أنّها أصوات الملائکه لا أشکّ فیها، لأنّ جبرئیل لم یکن فی مثل تلک اللّیله یفارق النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله، و لقد رأیت بکاء منها أحسب أنّ السّماوات و الأرضین قد بکت لها.

ثمّ قال لها: یا بنیّه اللّه خلیفتی علیکم و هو خیر خلیفه.
و الّذى بعثنی بالحقّ لقد بکى لبکائک عرش اللّه و ما حوله من الملائکه و السّماوات و الأرضون و ما بینهما.
یا فاطمه و الذى بعثنی بالحقّ لقد حرّمت الجنّه على الخلایق حتّى أدخلها و أنّک لأوّل خلق اللّه یدخلها بعدى کاسیه حالیه ناعمه، یا فاطمه هنیئا لک.

و الذى بعثنی بالحقّ إنّک لسیّده من یدخلها من النّساء، و الّذى بعثنی بالحقّ إنّ جهنّم لتزفر زفره لا یبقى ملک مقرّب و لا نبىّ مرسل إلّا صعق، فینادى إلیها أن یا جهنّم یقول لک الجبّار اسکنی بعزّى و استقرّى حتّى تجوز فاطمه بنت محمّد إلى الجنان لا یغشیها قتر و لا ذلّه.
و الذی بعثنی بالحقّ لیدخلنّ حسن و حسین، حسن عن یمینک و حسین عن یسارک و لتشرفنّ من أعلى الجنان بین یدی اللّه فى المقام الشریف و لواء الحمد مع علىّ بن أبی طالب یکسى إذا کسیت و یحبى إذا حبیت.
و الّذی بعثنی بالحقّ لأقومنّ لخصومه أعدائک و لیندمنّ قوم أخذوا حقّک و قطعوا مودّتک و کذبوا علیّا و لیختلجنّ دونی فأقول: امّتى امّتى، فیقال: انّهم بدلوا بعدک و صاروا إلى السّعیر.

قال الشارح عفى اللّه عنه: و إنّما أوردت هذه الرّوایه بتمامها و طولها مع کون موضع الحاجه منها بعضها کأکثر الأخبار المتقدّمه فی شرح هذه الخطبه،لکونها متضمّنه مثل سایر ما تقدّم للغرض الّذى سوق هذه الخطبه لأجله مؤکّده له، و هو إفاده مزید اختصاصه علیه السّلام برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و قرباه منه، على أنا أحببنا أن یکون شرح هذه الخطبه متکفلا لجمل أخبار وفاه الرّسول صلّى اللّه علیه و آله.

و قوله (و ما فارقت سمعى هینمه منهم) أى لم یغب أصواتهم عن سمعى و لم تخف علىّ، و یدلّ علیه عموم الأخبار المفیده لکونه محدثا یسمع صوت الملک و لا یرى شخصه، و قد تقدّمت جمله منها فى التنبیه الثانی من شرح الفصل الثامن من الخطبه المأه و الحادیه و التسعین.

و یدل علیه خصوصا بل یدلّ على رؤیته علیه السّلام لهم أیضا فى تلک الحال ما رواه فى البحار من کتاب بصایر الدّرجات عن أحمد بن محمّد و أحمد بن اسحاق عن القاسم بن یحیى عن بعض أصحابنا عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: لما قبض رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم هبط جبرئیل و معه الملائکه و الرّوح الذین کانوا یهبطون فى لیله القدر، قال: ففتح لأمیر المؤمنین بصره فرآهم فى منتهى السماوات إلى الأرض یغسّلون النبیّ معه و یصلّون علیه معه و یحفرون له، و اللّه ما حفر له غیرهم حتى إذا وضع فى قبره نزلوا مع من نزل، فوضعوه فتکلّم، و فتح لأمیر المؤمنین سمعه فسمعه یوصیهم به فبکى علیه السّلام و سمعهم یقولون لا نالوه جهدا و انما هو صاحبنا بعدک إلّا أنه لیس یعایننا ببصره بعد مرّتنا هذه.

حتّى إذ مات أمیر المؤمنین علیه السّلام رأى الحسن و الحسین علیهما السّلام مثل ذلک الذى رأى و رأیا النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یعین الملائکه مثل الذى صنعوا بالنبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.
حتّى اذا مات الحسن علیه السّلام رأى منه الحسین مثل ذلک و رأى النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و علیا علیه السّلام یعینان الملائکه.

حتى إذا مات الحسین علیه السّلام رأى علیّ بن الحسین علیهما السّلام منه مثل ذلک و رأى النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و علیا و الحسن علیهما السّلام یعینون الملائکه.
حتّى إذا مات علیّ بن الحسین علیهما السّلام رأى محمّد بن علیّ مثل ذلک و رأى النبىّ صلّى اللّه علیه و آله و علیا و الحسن و الحسین علیهم السّلام یعینون الملائکه.

حتى إذا مات محمّد بن علىّ علیهما السّلام رأى جعفر علیه السّلام مثل ذلک و رأى النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و علیا و الحسن و الحسین و علىّ بن الحسین علیهم السّلام یعینون الملائکه.
حتّى إذا مات جعفر علیه السّلام رأى موسى علیه السّلام منه مثل ذلک، هکذا یجری إلى آخر و قوله (یصلّون علیه) صریح فی صلاه الملائکه، و قد مرّ فی شرح قوله علیه السّلام: و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی روایه الأمالی إنّ أوّل من یصلّى علیه هو اللّه سبحانه ثمّ الملائکه، ثمّ المسلمون.

و روى فی الکافی بسنده عن جابر عن أبی جعفر علیه السّلام قال: لما قبض النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم صلّت علیه الملائکه و المهاجرون و الأنصار فوجا فوجا و قال: قال أمیر المؤمنین علیه السّلام سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول فی صحّته و سلامته: إنّما انزلت هذه الایه علىّ فی الصّلاه بعد قبض اللّه لى: إنّ اللّه و ملائکته یصلّون على النّبیّ یا أیّها الّذین آمنوا صلّوا علیه و سلّموا تسلیما.

و فى البحار من الاحتجاج و فی روایه سلیم بن قیس الهلالى عن سلمان الفارسی أنّه قال: أتیت علیّا علیه السّلام و هو یغسل رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و قد کان أوصى أن لا یغسله غیر علیّ علیه السّلام و أخبر عنه أنّه لا یرید أن یقلّب منه عضو إلّا قلب له، و قد قال أمیر المؤمنین لرسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: من یعیننی على غسلک یا رسول اللّه قال: جبرئیل.
فلمّا غسّله و کفّنه أدخلنى و أدخل أبا ذر و المقداد و فاطمه و حسنا و حسینا علیهم السّلام فتقدّم و صففنا خلفه و صلّى علیه، و عایشه فى الحجره لا تعلم قد أخذ جبرئیل ببصرها ثمّ ادخل عشره عشره من المهاجرین و الأنصار فیصلّون و یخرجون، حتى لم یبق أحد من المهاجرین و الأنصار إلّا صلّى علیه، الخبر.

و من کتاب اعلام الورى قال أبان: و حدّثنى أبو مریم عن أبی جعفر علیه السّلام قال قال الناس: کیف الصلاه علیه فقال علیّ علیه السّلام: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إمامنا حیا و میتا فدخل علیه عشره عشره فصلّوا علیه یوم الاثنین و لیله الثلثاء حتّى صلّى علیه کبیرهم و صغیرهم و ذکرهم و انثاهم و ضواحی المدینه بغیر إمام.

و من المناقب قال أبو جعفر علیه السّلام قال الناس: کیف الصلاه فقال علىّ علیه السّلام إن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إمام حیا و میتا فدخل علیه عشره عشره فصلّوا علیه یوم الاثنین و لیله الثلثاء حتى الصّباح و یوم الثلثاء حتّى صلّى علیه الأقرباء و الخواص، و لم یحضر أهل السقیفه و کان علیّ علیه السّلام أنفذ الیهم بریده، و إنّما تمّت بیعتهم بعد دفنه و من المناقب و سئل الباقر علیه السّلام کیف کانت الصّلاه على النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال لمّا غسله أمیر المؤمنین و کفّنه و سجّاه و ادخل علیه عشره فداروا حوله، ثمّ وقف أمیر المؤمنین علیه السّلام فی وسطهم فقال: إنّ اللّه و ملائکته، الایه فیقول القوم مثل ما یقول حتّى صلّى علیه أهل المدینه و أهل العوالى.

قال المحدّث العلامه المجلسی (قد) بعد إیراد هذه الأخبار فی البحار: یظهر من مجموعها أنّ الصّلاه الحقیقیّه هی التی کان أمیر المؤمنین علیه السّلام صلّاها أوّلا مع السته المذکورین فی خبر سلیم، و لم یدخل فی ذلک سوى الخواص من أهل بیته و أصحابه لئلّا یتقدّم أحد من لصوص الخلافه فی الصلاه أو یحضر أحد من هؤلاء المنافقین فیها، ثمّ کان یدخل عشره عشره من الصحاب فیقرأ الایه و یدعون و یخرجون من غیر صلاه.

و قوله (حتّى و اریناه فی ضریحه) روى فى البحار من المناقب قال: و اختلفوا أین یدفن فقال بعضهم: فی البقیع، و قال آخرون: فی صحن المسجد، فقال أمیر المؤمنین علیه السّلام: إنّ اللّه لم یقبض نبیا إلّا فی أطهر البقاع فینبغی أن یدفن فی البقعه التی قبض فیها، فاتّفقت الجماعه على قوله و دفن فی حجرته.

و من فقه الرّضا علیه السّلام و قال جعفر علیه السّلام فلما أن فرغ من غسله و کفنه أتاه العباس فقال: یا علیّ إنّ الناس قد اجتمعوا على أن یدفن النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فى بقیع المصلّى و أن یؤمّهم رجل منهم، فخرج علىّ علیه السّلام إلى الناس فقال: یا أیها الناس أما تعلمون أنّ رسول اللّه إمامنا حیا و میتا و هل تعلمون أنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لعن من جعل القبور مصلّى، و لعن من جعل مع اللّه إلها و لعن من کسر رباعیّته و شقّ لثته، قال: فقالوا: الأمر إلیک فاصنع ما رأیت قال: و إنى أدفن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فى البقعه التی قبض فیها، الحدیث.

و من أعلام الورى عن أبى جعفر علیه السّلام قال: و خاض المسلمون فى موضع دفنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال علىّ علیه السّلام: إنّ اللّه لم یقبض نبیا فى مکان إلّا و ارتضاه لرمسه فیه، و إنى دافنه فى حجرته التی قبض فیها، فرضى المسلمون بذلک.

فلما صلّى المسلمون علیه أنفذ العباس إلى أبى عبیده بن الجراح و کان یحفر لأهل مکه و یضرح، و أنفذ إلى زید بن سهل أبی طلحه و کان یحفر لأهل المدینه و یلحد فاستدعاهما و قال: اللهمّ خر لنبیک، فوجد أبو طلحه فقیل له: احفر لرسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فحفر له لحدا و دخل أمیر المؤمنین علیّ علیه السّلام و العباس و الفضل و اسامه بن زید لیتولّوا دفن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، فنادت الأنصار من وراء البیت: یا على إنا نذکرک اللّه و حقّنا الیوم من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أن یذهب ادخل منّا رجلا یکون لنا حظّ به من مواراه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، فقال لیدخل أوس بن خولى رجل من بنى عوف بن الخزرج و کان بدریا، فدخل البیت و قال له علیّ علیه السّلام: انزل القبر فنزل، و وضع علىّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم على یدیه ثمّ ولاه فى حفرته، ثمّ قال له: اخرج فخرج، و نزل علىّ علیه السّلام فکشف عن وجهه و وضع خدّه على الأرض موجّها إلى القبله على یمینه ثمّ وضع علیه اللبن و أهال علیه التراب.

و من الدّیوان المنسوب إلیه علیه السّلام فی رثائه صلوات اللّه و سلامه علیه و آله:

أ من بعد تکفین النّبی و دفنه
بأثوابه آسى على هالک ثوى‏

رزئنا رسول اللّه فینا فلن نرى‏
بذاک عدیلا ما حیینا من الرّدى‏

و کان لنا کالحصن من دون أهله
له معقل حرز حریز من الرّدى‏

و کنّا بمرآه نرى النّور و الهدى‏
صباحا مساء راح فینا أو اغتدى‏

لقد غشیتنا ظلمه بعد موته
نهارا فقد زادت على ظلمه الدّجى‏

فیا خیر من ضمّ الجوانح و الحشا
و یا خیر میت ضمّه الترب و الثرى‏

کأنّ امور الناس بعدک ضمّنت
سفینه موج حین فی البحر قد سما

و ضاق فضاء الأرض عنهم برجه
لفقد رسول اللّه إذ قیل قد مضى‏

فقد نزلت بالمسلمین مصیبه
کصدع الصفا لا شعب للصدع فی الصفا

فلن یستقلّ الناس تلک مصیبه
و لم یجبر العظم الذى منهم و هى‏

و فی کلّ وقت للصلاه یهیجه‏
بلال و یدعو باسمه کلّما دعا

و یطلب أقوام مواریث هالک
و فینا مواریث النّبوه و الهدى‏

و قالت فاطمه علیها السّلام فی رثائه صلّى اللّه علیه و آله أیضا:

إذا اشتدّ شوقى زرت قبرک باکیا
أنوح و أشکو لا أراک مجاوبی‏

فیا ساکن الصّحراء علّمتنی البکا
و ذکرک أنسانی جمیع المصائب‏

فان کنت عنّى فی التّراب مغیّبا
فما کنت عن قلب الحزین بغائب‏

و لها صلوات اللّه و سلامه علیها أیضا:

إذا مات یوما میّت قلّ ذکره
و ذکر أبی قد مات و اللّه أزید

تذکّرت لمّا فرق الموت بیننا
فعزّیت نفسی بالنّبی محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم‏

فقلت لها إنّ الممات سبیلنا
و من لم یمت فی یومه مات فی غد

و لها أیضا ما اشتهر فی الألسنه و الأفواه:

ما ذا على من شمّ تربه أحمد
أن لا یشمّ مدى الزّمان غوالیا

صبّت علىّ مصائب لو أنّها
صبّت على الأیام صرن لیالیا

هذا، و لمّا مهّد علیه السّلام المقدمات المفیده لمزید اختصاصه برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و قربه منه فی حال حیاته و حین مماته حسبما عرفته تفصیلا تحقیقا فرّع على ذلک قوله: (فمن ذا أحقّ به منى حیّا و میتا) و هو استفهام على سبیل الانکار و الابطال یقتضى أنّ ما بعده غیر واقع و أنّ مدّعیه کاذب فیفید کونه أولى به فی حیاته و أحقّ بالخلافه و الوصایه بعد موته، و هو حقّ لا ریب فیه على رغم الناصب الجاحد و المبغض المعاند.

(فانفذوا) أى أسرعوا إلى قتال عدوّکم مستقرّین (على بصائرکم) و عقایدکم الحقّه (و لتصدق نیاتکم فی جهاد عدوّکم) أى أنهضوا إلى عدوّکم بنیّات صادقه و قلوب طاهره سالمه من اعتراض الشک و الرّیب و الشبهه و لا یوسوسنکم‏الشیطان بکونهم من أهل القبله و الاسلام غیر جایز قتلتهم و قتالهم، لأنکم اتباع الامام الحقّ و هم تابعوا الامام الباطل (فو) اللّه (الذى لا إله الّا هو إنّى لعلی جادّه الحقّ و انّهم لعلى مزلّه الباطل) کما یشهد به النّبوى المعروف بین الفریقین: علىّ مع الحقّ و الحقّ مع علىّ.

و لا یخفى حسن المقابله بین جادّه الحقّ و بین مزلّه الباطل کما لا یخفى لطف إضافه الجادّه إلى الحقّ و إضافه المزلّه إلى الباطل، لأنّ طریق الحقّ لما کان واضحا جلیا ثابتا بالبیّنه و البرهان یوصل سالکها إلى منزل الزلفى و جنّات النعیم و طریق الباطل لما کان تمویها و تدلیسا مخالفا للواقع یزلّ فیه قدم سالکه و یزلق فیهوى إلى درکات الجحیم.
(أقول ما تسمعون) من قول حقّ و کلام صدق (و أستغفر اللّه لی و لکم).

تنبیهان:الاول

روى الشارح المعتزلی فی شرح هذه الخطبه من قصّه وفاه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله ما هو ظاهر بل نصّ فی الطعن على المتخلّفین المنتحلین للخلافه و على المتعصّبین لهم السالکین لطریقتهم من العامّه العمیاء أحببت أن أذکر ملخّص ما أورده مما یطعن به علیهم فأقول: قال الشارح: قد روى من قصّه وفاه رسول اللّه علیه السّلام أنه عرضت له الشّکاه الّتی عرضت فی أواخر من سنه إحدى عشره للهجره فجهّز جیش اسامه بن زید بالمسیر إلى البلقاء حیث أصیب زید و جعفر من الرّوم.

و خرج صلّى اللّه علیه و آله فی تلک اللّیله إلى البقیع و قال: إنّى قد امرت بالاستغفار علیهم فقال صلّى اللّه علیه و آله: یا أهل القبور لیهنکم ما أصبحتم فیه مما أصبح الناس فیه أقبلت الفتن کقطع اللیل المظلم یتبع آخرها أوّلها ثمّ استغفر لأهل البقیع طویلا.

ثمّ انصرف إلى بیته، فخطب الناس فی غده و أعلمهم بموته ثمّ نزل فصلّى‏بالناس صلاه حفیفه، ثمّ دخل بیت امّ سلمه.
ثمّ انتقل إلى بیت عایشه یعلّله النساء و الرّجال، أمّا النساء فأزواجه و بنته، و أما الرّجال فعلیّ علیه السّلام و العباس و الحسن و الحسین و کانا غلامین یومئذ و کان الفضل بن العباس یدخل احیانا إلیهم.
ثمّ حدث الاختلاف بین المسلمین أیّام مرضه.

فأوّل ذلک التنازع الواقع یوم قال: ایتونی بدواه و قرطاس، و تلى ذلک حدیث التخلّف عن جیش اسامه، ثمّ اشتدّ به المرض و کان عند خفّه مرضه یصلّی بالناس بنفسه، فلما اشتدّ به المرض أمر أبا بکر أن یصلّی بالناس.
و قد اختلف فی صلاته بهم فالشیعه تزعم أنه لم یصلّ بهم إلّا صلاه واحده و هى الصلاه التی خرج رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله فیها یتهادى بین علیّ و الفضل فقام فی المحراب مقامه و تأخّر أبو بکر، و الصحیح عندى و هو الأکثر الأشهر أنها لم تکن آخر الصلاه فی حیاته بالناس جماعه و أنّ أبا بکر صلّى بالناس بعد ذلک یومین.

ثمّ مات صلّى اللّه علیه و آله فمن قائل یقول توفّی للیلتین بقیتا من شهر صفر و هو الذى تقوله الشیعه، و الأکثرون أنه توفّى فى شهر ربیع الأوّل بعد مضىّ أیام منه، و قد اختلفت الرّوایه فی موته فأنکر عمر ذلک و قال: إنه لم یمت و إنه غاب و إنه سیعود فثناه أبو بکر هذا القول و تلى علیه الایات المتضمّنه أنه سیموت، فرجع إلى قوله و صلّوا علیه ارسالا لا یؤمّهم أحد، و قیل: إنّ علیا علیه السّلام أشار بذلک فقبلوه و أنا أعجب من ذلک لأنّ الصلاه علیه کانت بعد بیعه أبی بکر فما الذى منع من أن یتقدّم أبو بکر فیصلّی علیه إماما و تنازعوا فی تلحیده و تضریحه فأرسل العباس عمّه إلى أبی عبیده بن الجراح و کان یحفر لأهل مکه و یضرح على عادتهم رجلا و أرسل إلى أبی طلحه الأنصارى و کان یلحد لأهل المدینه على عادتهم، رجلا و قال: اللهمّ اختر لنبیّک، فجاء أبو طلحه فلحد له و ادخل فی اللحد و تنازعوا فیمن ینزل معه القبر فمنع علىّ الناس أن ینزلوا معه و قال: لا ینزل‏قبره غیرى و غیر العباس، ثمّ أذن فی نزول الفضل و اسامه بن زید مولاهم ثمّ ضجّت الأنصار و سألت أن ینزل منها رجل فی قبره فانزلوا أوس بن خولى و کان بدریا.

فأمّا الغسل فانّ علیّا تولّاه بیده و کان الفضل یصبّ علیه الماء، انتهى ما أهمّنا نقله من کلامه و وجوه الطعن فی تلک القضیّه على ما صدر من أهل الخلافه غیر خفیّه على الفطن العارف إلّا أنا ننبّه على بعضها لکونها أشدّ تشنیعا و طعنا.

أولها ما أشار إلیه الشارح بقوله: فأوّل ذلک التنازع الواقع یوم قال ایتونى بدواه و قرطاس، فقد روت العامّه و الخاصه أنّ النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أراد فی مرضه أن یکتب لامّته کتابا لئلّا یضلّوا بعده و لا یختلفوا، فطلب دواه و کتفا أو نحو ذلک فمنع عمر من احضار ذلک و قال: إنه لیهجر، أو ما یؤدّى هذا المعنى، و قد وصفه اللّه سبحانه بأنه لا ینطق عن الهوى و أنّ کلامه لیس إلّا وحیا یوحى، و کثر اختلافهم و ارتفعت أصواتهم حتّى تسأم و تزجّر فقال بعضهم: احضروا ما طلب، و قال بعضهم: القول ما قاله عمر، و قد قال اللّه سبحانه وَ ما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَهٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَهُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ یَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِیناً و قال تعالى فَلا وَ رَبِّکَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّى یُحَکِّمُوکَ فِیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لا یَجِدُوا فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ وَ یُسَلِّمُوا تَسْلِیماً روى فی البحار من کتاب الطرایف للسیّد علیّ بن طاوس رضى اللّه عنه أنّه قال: من أعظم طرایف المسلمین أنّهم شهدوا جمیعا أنّ نبیّهم أراد عند وفاته أن یکتب لهم کتابا لا یضلّون بعده أبدا، و أنّ عمر بن الخطاب کان سبب منعه من ذلک الکتاب و سبب ضلال من ضلّ من امّته و سبب اختلافهم و سفک الدّماء بینهم و تلف الأموال و اختلاف الشریعه و هلاک اثنین و سبعین فرقه من أصل فرق الاسلام و سبب خلود من یخلد فی النار منهم، و مع هذا کلّه فانّ أکثرهم أطاع عمر بن الخطاب الذى قد شهدوا علیه بهذه الأحوال فی الخلافه و عظموه و کفّروا بعد ذلک من یطعن فیه و هم من جمله الطاعنین، و ضلّلوا من یذمّه و هم من جمله الضّالین،و تبرّءوا ممن یقبّح ذکره و هم من جمله المقبّحین فمن روایتهم فی ذلک ما ذکره الحمیدى فی الجمع بین الصحیحین فی الحدیث الرّابع من المتفق علیه فی صحّته من مسند عبد اللّه بن عباس قال: لمّا احتضر النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و فی بیته رجال فیهم عمر بن الخطاب فقال النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: هلمّوا أکتب لکم کتابا لن تضلّوا بعده أبدا، فقال عمر بن الخطاب: إنّ النّبی قد غلبه الوجع و عندکم القرآن حسبکم کتاب ربکم.

و فی روایه ابن عمر من غیر کتاب الحمیدى قال عمر: إنّ الرّجل لیهجر.
و فی کتاب الحمیدى قالوا ما شأنه هجر.
و فی المجلّد الثانی من صحیح مسلم فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یهجر.
قال الحمیدى: فاختلف الحاضرون عند النبیّ صلّى اللّه علیه و آله فبعضهم یقول: القول ما قاله النبی صلّى اللّه علیه و آله فقرّبوا إلیه کتابا یکتب لکم، و منهم من یقول: القول ما قاله عمر.
فلمّا اکثروا اللفظ «اللّغط» و الاختلاط قال النبیّ صلّى اللّه علیه و آله: قوموا عنّى فلا ینبغی عندى التنازع، فکان ابن عباس یبکى حتّى یبلّ دموعه الحصا و یقول: یوم الخمیس و ما یوم الخمیس.
قال راوى الحدیث فقلت: یا ابن عباس و ما یوم الخمیس فذکره عبد اللّه بن عباس یوم منع رسول اللّه من ذلک الکتاب، و کان یقول: الرّزیه کلّ الرّزیه ما حال بین رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و بین کتابه.

و ثانیها حدیث التخلّف عن جیش اسامه، فانّ أبا بکر و عمر و عثمان کانوا من جیشه، و قد کرّر رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لمّا اشتدّ مرضه الأمر بتجهیز جیشه و لعن المتخلّف عنه فتأخّروا عنه و اشتغلوا بعقد البیعه فى سقیفه بنی ساعده و خالفوا أمره، و شملهم اللّعن و ظهر أنّهم لا یصلحون للخلافه.

قال أصحابنا: و لو تنزّلنا عن هذا المقام و قلنا بما ادّعاه بعضهم من عدم کون أبی بکر من الجیش نقول: لا خلاف أنّ عمر منهم، و قد منعه أبو بکر من النّفوذ معهم، و هذا کالأوّل فی کونه معصیه و مخالفه لرسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله،اما انّهم کانوا من جیش اسامه، فقد رواه علم الهدى فی الشّافی بطرق کثیره من العامّه.
قال ره: إنّ کون أبی بکر فی جیش أسامه قد ذکره أصحاب السیر و التواریخ.

قال: و قد روى البلادرى فى تاریخه و هو معروف ثقه کثیر الضّبط و برى‏ء من ممائله الشیعه: إنّ أبا بکر و عمر کانا معا فی جیش اسامه و اورد روایات اخر من أراد الاطلاع علیها فعلیه بالمراجعه إلى الکتاب المذکور، و ستطلع علیه ممّا نحکیه عن المفید فی الارشاد فی الطعن الاتى.
و أما تخلّفهم عن الجیش فلا ینازع فیه أحد.
و أما أنّ ذلک قادح فی خلافتهم و موجب للطعن علیهم، فلاستحقاقهم بسبب التخلف للّعن الصّریح من اللّه و من رسوله، و الملعون لا یصلح للامامه.

أمّا اللعن من اللّه فانّهم لمّا خالفوا أمر رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله بعد تأکیده و تکریره آذوه فیدخلون فی عموم قوله تعالى إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَهِ و قوله وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ و أمّا لعن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله فلما رواه الشهرستانى فی کتاب الملل و النّحل عند ذکر الاختلافات الواقعه فی مرض النّبی صلّى اللّه علیه و آله: الخلاف الثانی أنه قال جهّزوا جیش اسامه لعن اللّه من تخلّف عن جیش اسامه، فقال قوم: یجب علینا امتثال أمره و اسامه قد برز من المدینه، و قال قوم: قد اشتدّ مرض النّبی فلا تسع قلوبنا لمفارقته و الحال هذه، فنصبر حتى نبصر أىّ شی‏ء یکون من أمره.

و ثالثها صلاه أبی بکر بالناس و عدم إقرار رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله علیها دلیل على عدم قابلیّته للامامه فی الصلاه فکیف بامامه الامّه قال المفید فی کتاب الارشاد فی قصّه وفاه النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: و استمرّ به المرض فی بیت عایشه أیّاما و ثقل فجاء بلال عند صلاه الصّبح و رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم مغمور بالمرض فنادى: الصلاه رحمکم اللّه، فاوذن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بندائه فقال: یصلّی بالناس بعضهم فانّی مشغول بنفسی فقالت عایشه: مروا أبا بکر،و قالت حفصه: مروا عمر، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حین سمع کلامهما و رأى حرص کلّ واحده منهما على التنویه بأبیها و افتنانهما بذلک و رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حیّ: اکففن فانّکنّ صویحبات یوسف ثمّ قام علیه السّلام مبادرا خوفا من تقدّم أحد الرّجلین، و قد کان أمرهما بالخروج مع اسامه و لم یک عنده أنّهما قد تخلّفا، فلمّا سمع من عایشه و حفصه ما سمع علم أنهما متأخّران عن أمره، فبدر لکفّ الفتنه و إزاله الشّبهه فقام علیه الصلاه و السلام و أنه لا یستقلّ على الأرض من الضّعف، فأخذ بیده علیّ بن أبی طالب و الفضل بن العباس فاعتمد علیهما و رجلاه تخطان الأرض من الضّعف.

فلمّا خرج إلى المسجد وجد أبا بکر قد سبق إلى المحراب فأومأ إلیه بیده أن تأخّر عنه، فتأخّر أبو بکر، و قام رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله مقامه، فکبّر و ابتدء الصلاه الّتی کان قد ابتدأها و لم یبن على ما مضى من أفعاله، فلمّا سلّم انصرف إلى منزله.

و استدعا أبا بکر و عمر و جماعه ممّن حضر بالمسجد من المسلمین ثمّ قال: أ لم آمرکم أن تنفذوا جیش اسامه فقالوا: بلى یا رسول اللّه، قال: فلم تأخّرتم عن أمرى قال أبو بکر: إنی خرجت ثمّ رجعت لاجدّد بک عهدا، و قال عمر: یا رسول اللّه إنّى لم أخرج لأنّنى لم أحبّ أن أسأل عنک الرّکب، فقال النّبی صلّى اللّه علیه و آله نفّذوا جیش اسامه یکرّرها ثلاث مرات.

ثمّ اغمی علیه من التّعب الذى لحقه و الأسف الذى ملکه فمکث هنیئه مغمى علیه، و بکى المسلمون و ارتفع النحیب من أزواجه و ولده و ساء المسلمین و جمیع من حضر من المسلمین، فأفاق رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فنظر إلیهم.

ثمّ قال: ایتونى بدواه و کتف لأکتب لکم کتابا لا تضلّوا بعده أبدا، ثمّ اغمى علیه فقام بعض من حضره یلتمس دواه و کتفا فقال له عمر: ارجع فانّه یهجر فرجع و ندم من حضر على ما کان منهم من التّضجیع«» فی احضار الدّواه و الکتف و تلاوموا بینهم و قالوا: إنّا للّه و إنّا إلیه راجعون لقد أشفقنا من خلاف رسول‏اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.

فلما أفاق قال بعضهم: أ لا نأتیک بدواه و کتف یا رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال: أ بعد الذى قلتم لا، و لکنّی اوصیکم بأهل بیتى خیرا و أعرض بوجهه عن القوم فنهضوا، انتهى ما أهمّنا نقله من کلامه رضی اللّه عنه.
و قد ذکرناه بطوله لأنّه قد ثبت أنه ثقه مقبول الکلام عند العامه و الخاصه لا مغمز فیه لأحد و لا یطعن بالعصبیّه و الهوى.

ثمّ أقول: یا اولى الأبصار انظروا بنظر الانصاف و الاعتبار إلى سوء حرکات هؤلاء الأوغاد الأشرار کیف آذوا رسول اللّه فی تلک الحال و قد استولت علیه غمرات الأمراض و الالام و طوارق الأوجاع و الأسقام، و لم یترکوه و حاله لیستریح فی فراشه و یشغل بنفسه، حتى ألجئوه إلى الخروج إلى المسجد و رجلاه یخطان الأرض و کابدوه الغصص بالتخلف عن الجیش و نسبوه إلى الهذیان عند طلب الکتف و الدواه لعنهم اللّه و أبعدهم و عذّبهم عذابا ألیما.

رابعها إنکار عمر لموته صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و بلوغه فی الجهل إلى حیث لم یعلم بأنّ کلّ نفس ذائقه الموت و أنه یجوز الموت علیه و أنّه اسوه الأنبیاء فی ذلک، فقال: و اللّه ما مات حتّى یقطع أیدی رجال و أرجلهم، فقال له أبو بکر أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّکَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ و قوله تعالى وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِکُمْ.

قال: فلمّا سمعت ذلک أیقنت بوفاته و سقطت إلى الأرض و علمت أنه قد مات فمن بلغ من غایه الجهل إلى هذه المرتبه کیف یلیق بالخلافه الکلّیه و الرّیاسه الإلهیّه

الثانیلما کان هذه الخطبه الشریفه التی نحن فی شرحها مسوقه لذکر مناقبه‏و خصائصه الجمیله المخصوصه به المفیده لکونه أحقّ و أولى بالخلافه و الامامه من غیره، أحببت أن اورد روایه متضمنه لجلّ کراماته و بیناته التی لم یشرکه فیها أحد تأکیدا للغرض المسوق له الخطبه الشریفه و تکمیلا له و هو: ما رواه فی البحار من الخصال عن القطان و السنان و الدقاق و المکتب و الوراق جمیعا عن ابن زکریّا القطان عن ابن حبیب عن ابن بهلول عن سلیمان بن حکیم عن ثور بن یزید عن مکحول قال: قال أمیر المؤمنین علىّ بن أبی طالب علیه السّلام: لقد علم المستحفظون من أصحاب النبیّ محمّد صلّى اللّه علیه و آله أنه لیس فیهم رجل له منقبه إلّا و قد شرکته فیها و فضلته، و لى سبعون منقبه لم یشرکنی فیها أحد منهم، قلت: یا أمیر المؤمنین فأخبرنی بهنّ فقال علیه السّلام: إنّ أول منقبه لی أنّی لم اشرک باللّه طرفه عین و لم أعبد اللّات و العزّى و الثانیه أنّی لم أشرب الخمر قطّ.

و الثالثه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله استوهبنى من أبى فی صباى فکنت أکیله و شریبه و مونسه و محدّثه.
و الرابعه أنّی أوّل الناس ایمانا و اسلاما.
و الخامسه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله قال: یا علی أنت منّى بمنزله هارون من موسى إلّا أنه لا نبیّ بعدی و السادسه أنّی کنت آخر الناس عهدا برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و ولیته فی حفرته.

و السابعه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله أنا منی على فراشه حیث ذهب إلى الغار و سجّانى ببرده فلما جاء المشرکون ظنّونی محمّدا فأیقظونی و قالوا: ما فعل صاحبک فقلت: ذهب فی حاجته، فقالوا: لو کان هرب لهرب هذا معه.

و أما الثامنه فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم علّمنی ألف باب من العلم یفتح کلّ باب ألف باب، و لم یعلّم ذلک أحدا غیری.
و أما التاسعه فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال لی: یا علیّ إذا حشر اللّه عزّ و جل الأوّلین و الاخرین نصب لی منبرا فوق منابر النّبیّین و نصب لک منبرا فوق منابر الوصیّین‏فترتقى علیه

و أما العاشره فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: لا اعطى فی القیامه شیئا إلّا سألت لک مثله.

و أما الحادیه عشره فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: أنت أخی و أنا أخوک یدک فی یدی حتّى ندخل الجنّه.
و أما الثانیه عشره فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یقول: یا علیّ مثلک فی امّتی کمثل سفینه نوح من رکبهافترتقى علیه و أما العاشره فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: لا اعطى فی القیامه شیئا إلّا سألت لک مثله.

و أما الحادیه عشره فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: أنت أخی و أنا أخوک یدک فی یدی حتّى ندخل الجنّه.
و أما الثانیه عشره فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یقول: یا علیّ مثلک فی امّتی کمثل سفینه نوح من رکبها نجى و من تخلّف عنها غرق.

و أما الثالثه عشره فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله عمّمنی بعمامه نفسه بیده و دعى لی بدعوات النّصر على أعداء اللّه فهزمتهم باذن اللّه عزّ و جلّ.

و أما الرابعه عشره فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله أمرنى أن امسح یدی على ضرع شاه قد یبس ضرعها فقلت: یا رسول اللّه بل امسح أنت، فقال: یا علیّ فعلک فعلی، فمسحت علیها یدی فدرّ علىّ من لبنها فسقیت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله شربه، ثمّ أتت عجوز فشکت الظماء فسقیتها فقال رسول اللّه: انّى سألت اللّه عزّ و جلّ أن یبارک فى یدک ففعل

و أما الخامسه عشره فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أوصى إلیّ و قال: یا علیّ لا یلی غسلی غیرک، و لا یواری عورتی غیرک، فانّه إن رأى عورتی غیرک تفقأت عیناه، فقلت له: کیف لی بتقلیبک یا رسول اللّه فقال: إنّک ستعان، فو اللّه ما أردت أن اقلّب عضوا من أعضائه إلّا قلب لی.

و أما السادسه عشره فانّى أردت أن أجرّده علیه السّلام فنودیت: یا أخ «وصىّ خ» محمّد لا تجرّده فغسلته و القمیص علیه، فلا و اللّه الذی أکرمه بالنّبوه و خصّه بالرساله ما رأیت له عوره خصّنى اللّه بذلک من بین أصحابه.

و أما السابعه عشره فانّ اللّه عزّ و جلّ زوّجنی فاطمه و قد کان خطبها أبو بکر و عمر، فزوّجنى اللّه من فوق سبع سماواته فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: هنیئا لک یا علی فانّ اللّه عزّ و جلّ قد زوّجک فاطمه سیّده نساء أهل الجنّه و هی بضعه منّى فقلت: یا رسول اللّه أ و لست منک قال: بلى یا علیّ أنت منّى و أنا منک کیمینی من شمالی لا أستغنى عنک‏فی الدّنیا و الاخره.

و أما الثامنه عشره فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال: یا علیّ أنت صاحب لواء الحمد فی الاخره و أنت یوم القیامه أقرب الخلایق منّی مجلسا یبسط لی و یبسط لک فأکون فی زمره النّبیّین و تکون فى زمره الوصیّین، و یوضع على رأسک تاج النّور و اکلیل الکرامه یحف بک سبعون ألف ملک حتّى یفرغ اللّه عزّ و جلّ من حساب الخلایق

و أما التاسعه عشره فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال لی: ستقاتل النّاکثین و القاسطین و المارقین فمن قاتلک منهم فانّ لک بکلّ رجل منهم شفاعه فی مأئه ألف من شیعتک فقلت یا رسول اللّه فمن الناکثون قال: طلحه و الزبیر سیبایعانک بالحجاز و ینکثانک بالعراق فاذا فعلا ذلک فحاربهما فانّ فی قتالهما طهاره لأهل الأرض، قلت: فمن القاسطون قال: معاویه و أصحابه، قلت: فمن المارقون قال: أصحاب ذو الثّدیه و هم یمرقون من الدّین کما یمرق السّهم من الرمیه فاقتلهم فانّ فی قتلهم فرجا لأهل الأرض و عذابا مؤجّلا علیهم و ذخرا لک عند اللّه عزّ و جلّ یوم القیامه.

و أما العشرون فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: مثلک فی امتی مثل باب حطه فی بنی إسرائیل فمن دخل فی ولایتک فقد دخل الباب کما أمره اللّه عزّ و جلّ

و أما الحادیه و العشرون فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: أنا مدینه العلم و علیّ بابها و لن یدخل المدینه إلّا من بابها، ثمّ قال: یا علیّ إنّک سترعى ذمّتی و تقاتل على سنّتی و تخالفک امّتی.

و أما الثانیه و العشرون فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: إنّ اللّه تبارک و تعالى خلق ابنیّ الحسن و الحسین من نور ألقاه إلیک و إلى فاطمه، و هما یهتزّان کما یهتزّ القرطان إذا کانا فی الاذنین، و نورهما متضاعف على نور الشهداء سبعین ألف ضعف، یا علیّ إنّ اللّه عزّ و جلّ قد وعدنی أن یکرمهما کرامه لا یکرم بها أحدا ما خلا النبیّین و المرسلین.

و أما الثالثه و العشرون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله أعطانی خاتمه فی حیاته و درعه و منطقه و قلّدنی سیفه و أصحابه کلّهم حضور و عمّی العبّاس حاضر، فخصّنی اللّه‏عزّ و جلّ بذلک دونهم.

و أما الرابعه و العشرون فانّ اللّه عزّ و جلّ أنزل على رسوله یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا ناجَیْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْواکُمْ صَدَقَهً فکان لی دینار فبعته بعشره دراهم فکنت إذا ناجیت رسول اللّه اصدق قبل ذلک بدرهم، و و اللّه ما فعل هذا أحد من أصحابه قبلی و لا بعدی، فأنزل اللّه عزّ و جلّ أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْواکُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللَّهُ عَلَیْکُمْ الایه فهل تکون التّوبه إلّا من ذنب کان

و أما الخامسه و العشرون فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: الجنّه محرّمه على الأنبیاء حتّى أدخلها أنا و هی محرّمه على الأوصیاء حتى تدخلها أنت، یا علی إنّ اللّه تبارک و تعالى بشّرنی فیک ببشرى لم یبشّر بها نبیا قبلی بشّرنی بأنک سیّد الأوصیاء و أنّ ابنیک الحسن و الحسین سیدا شباب أهل الجنه یوم القیامه.

و أما السادسه و العشرون فانّ جعفرا أخی الطیار فی الجنّه مع الملائکه المزیّن بالجناحین من درّ و یاقوت و زبرجد.

و أما السابعه و العشرون فعمّى حمزه سیّد الشهداء.

و أما الثامنه و العشرون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال: إنّ اللّه تعالى وعدنی فیک وعدا لن یخلفه، جعلنی نبیا و جعلک وصیا، و ستلقى من امّتی من بعدی ما لقى موسى من فرعون فاصبر و احتسب حتى تلقانى، فاوالی من والاک و اعادى من عاداک

و أما التاسعه و العشرون فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یقول: یا علیّ أنت صاحب الحوض لا یملکه غیرک و سیأتیک قوم فیستسقونک فتقول: لا و لا مثل ذرّه، فینصرفون مسودّه وجوههم و سترد علیک شیعتی و شیعتک فتقول روّوا رواء مرویّین فیردون مبیّضه وجوههم.

و أما الثلاثون فانّی سمعته صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: یحشر امتی یوم القیامه على خمس رایات: فأوّل رایه ترد علیّ رایه فرعون هذه الامه و هو معاویه، و الثانیه مع سامرى هذه الامه عمرو بن العاص، و الثالثه مع جاثلیق هذه الامه و هو أبو موسى الأشعری و الرابعه مع أبى الأعور السلمى، و أما الخامسه فمعک یا على تحتها المؤمنون و أنت‏إمامهم، ثمّ یقول اللّه تبارک و تعالى للأربعه: ارجعوا ورائکم فالتمسوا نورا فضرب بینهم بسور له باب باطنه فیه الرّحمه، و هم شیعتى و من والانی و قاتل معی الفئه الباغیه و الناکثه عن الصراط، و باب الرحمه هم شیعتى، فینادى هولاء أ لم نکن معکم قالوا: بلى و لکنکم فتنتم أنفسکم و تربّصتم و ارتبتم و غرّتکم الأمانیّ حتّى جاء أمر اللّه و غرّکم باللّه الغرور، فالیوم لا یؤخذ منکم فدیه و لا من الذین کفروا مأویکم النار هى مولیکم و بئس المصیر ثمّ ترد امتی و شیعتی فیروون من حوض محمّد صلّى اللّه علیه و آله و بیدی عصا عوسج اطرد بها أعدائی طرد غریبه الابل.

و أما الحادیه و الثلاثون فانى سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یقول: لو لا أن یقول فیک الغالون من امتی ما قالت النصارى فی عیسى بن مریم لقلت فیک قولا لا تمرّ بملاء من الناس إلّا أخذوا التراب من تحت قدمیک یستشفون.

و أما الثانیه و الثلاثون فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: إنّ اللّه تبارک و تعالى نصرنى بالرّعب فسألته أن ینصرک بمثله فجعل لک من ذلک مثل الذی جعله لى.

و أما الثالثه و الثلاثون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم التقم اذنی و علّمنی ما کان و ما یکون إلى یوم القیامه فساق اللّه عزّ و جلّ ذلک إلى لسان نبیّه.

و أما الرابعه و الثلاثون فانّ النصارى ادّعوا أمرا فأنزل اللّه عزّ و جلّ فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ فکانت نفسی نفس رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، و النساء فاطمه و الأبناء الحسن و الحسین، ثمّ ندم القوم فسألوا الاعفاء فأعفاهم، و الذى أنزل التوراه على موسى و الفرقان على محمّد لو باهلوا لمسخوا قرده و خنازیر.

و أما الخامسه و الثلاثون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله وجّهنى یوم بدر فقال: ایتنى بکفّ حصیاه مجموعه فى مکان واحد، فأخذتها ثمّ شممتها فاذا هی طیبه تفوح منها رایحه المسک، فأتیته بها فرمى بها وجوه المشرکین و تلک الحصیات أربع منها کن من الفردوس و حصاه من المشرق و حصاه من المغرب و حصاه من تحت العرش مع کلّ حصاه مأئه ألف ملک مددا لنا، لم یکرم اللّه عزّ و جلّ بهذه الفضیله أحدا قبل و لا بعد.

و أما السادسه و الثلاثون فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: ویل لقاتلک انه أشقى من ثمود و من عاقر الناقه و إنّ عرش الرّحمن لیهتزّ لقتلک فابشر یا على فانک فى زمره الصدیقین و الشهداء و الصالحین.

و أما السابعه و الثلاثون فانّ اللّه تبارک و تعالى قد خصّنى من بین أصحاب محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بعلم النّاسخ و المنسوخ و المحکم و المتشابه و الخاص و العام، و ذلک ممّا منّ اللّه به علیّ و على رسوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و قال لی الرّسول: یا علیّ إنّ اللّه عزّ و جلّ أمرنی أن ادنیک و لا أقصیک«» و اعلمک و لا أجفوک و حقّ علىّ أن اطیع ربّی و حقّ علیک أن تعى.

و أما الثامنه و الثلاثون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بعثنى بعثا و دعا لى بدعوات و اطلعنى على ما یجری بعده، فحزن لذلک بعض أصحابه صلّى اللّه علیه و آله و قال: لو قدر محمّد أن یجعل ابن عمّه نبیّا لجعله، فشرّفنى اللّه بالاطلاع على ذلک على لسان نبیّه.

و أما التاسعه و الثلاثون فانّى سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: کذب من زعم أنّه یحبّنى و یبغض علیّا، لا یجتمع حبّى و حبّه إلّا فی قلب مؤمن، إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل أهل حبّى و حبّک یا علی فی أوّل زمره السابقین إلى الجنّه، و جعل أهل بغضى و بغضک فی أوّل الضالّین من امّتى إلى النار.

و أما الاربعون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم وجّهنى فی بعض الغزوات إلى رکیّ فاذا لیس فیه ماء، فرجعت إلیه فأخبرته، فقال: أ فیه طین فقلت: نعم فقال: ایتنی منه، فأتیت منه بطین فتکلّم فیه ثمّ قال: ألقه فی الرّکیّ فألقیته فاذا الماء قد نبع حتّى امتلأ جوانب الرّکیّ، فجئت إلیه فأخبرته فقال لی وفّقت یا علیّ و ببرکتک نبع الماء، فهذه المنقبه خاصّه لی من دون أصحاب النّبی.

و أما الحادیه و الاربعون فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: ابشر یا علیّ فانّ جبرئیل علیه السّلام أتانى فقال لی: یا محمّد إنّ اللّه تبارک و تعالى نظر إلى أصحابک فوجد ابن عمّک و ختنک على ابنتک فاطمه خیر أصحابک، فجعله وصیّک و المؤدّی عنک.

و أما الثانیه و الاربعون فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: ابشر یا علیّ فانّ منزلک فی الجنّه مواجه منزلی، و أنت معی فی الرّفیق الأعلى فی أعلى علیّین، قلت: یا رسول اللّه و ما أعلى علیّون فقال: قبّه من درّه بیضاء لها سبعون ألف مصراع مسکن لی و لک یا علی.

و أما الثالثه و الاربعون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ رسخ حبّی فی قلوب المؤمنین، و کذلک رسخ حبّک یا علی فی قلوب المؤمنین و رسخ بغضی و بغضک فی قلوب المنافقین، فلا یحبّک إلّا مؤمن تقی، و لا یبغضک إلّا منافق کافر.

و أما الرابعه و الأربعون فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: لن یبغضک من العرب إلّا دعىّ، و لا من العجم إلّا شقیّ، و لا من النساء إلّا سلقلقیه.

و أما الخامسه و الاربعون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم دعانی و أنا رمد العین فتفل فی عینى و قال: اللّهمّ اجعل حرّها فی بردها و بردها فی حرّها، فو اللّه ما اشتکت عینی إلى هذه السّاعه.

و أما السادسه و الاربعون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أمر أصحابه و عمومته بسدّ الأبواب و فتح بابی بأمر اللّه عزّ و جلّ، فلیس لأحد منقبه مثل منقبتی.

و أما السابعه و الاربعون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أمرنی فی وصیّته بقضاء دیونه و عداته، فقلت: یا رسول اللّه قد علمت أنّه لیس عندی مال، فقال: سیعینک اللّه فما أردت أمرا من قضاء دیونه و عداته إلّا یسّره اللّه لی حتّى قضیت دیونه و عداته و أحصیت ذلک فبلغ ثمانین ألفا و بقى بقیّه فأوصیت الحسن أن یقضیها.

و أما الثامنه و الاربعون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله أتانی فی منزلی و لم یکن طعمنا منذ ثلاثه أیام فقال: یا علیّ هل عندک من شی‏ء فقلت: و الذى أکرمک بالکرامه و اصطفاک بالرّساله ما طعمت و زوجتى و ابناى منذ ثلاثه أیّام فقال النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: یا فاطمه ادخلی البیت و انظری هل تجدین شیئا، فقالت: خرجت الساعه فقلت: یا رسول اللّه أدخله أنا فقال: ادخل باسم اللّه، فدخلت فاذا بطبق موضوع‏علیه رطب و جفنه من ثرید، فحملتها إلى رسول اللّه فقال صلّى اللّه علیه و آله: یا علی رأیت الرسول الذى حمل هذا الطعام فقلت: نعم، فقال: صفه لی، فقلت: من بین أحمر و أخضر و أصفر، فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: تلک خطط جناح جبرئیل مکلّله بالدرّ و الیاقوت، فأکلنا من الثرید حتى شبعنا فما راى إلّا خدش أیدینا و أصابعنا، فخصّنی اللّه عزّ و جلّ بذلک من بین أصحابه «الصحابه».

و أما التاسعه و الاربعون فانّ اللّه تبارک و تعالى خصّ نبیّه بالنّبوه، و خصّنی النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بالوصیّه، فمن أحبّنى فهو سعید یحشر فی زمره الأنبیاء علیهم السّلام.

و أما الخمسون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بعث ببراءه مع أبی بکر، فلمّا مضى أتى جبرئیل فقال: یا محمّد لا یؤدّی عنک إلّا أنت أو رجل منک، فوجّهنی على ناقته الغضباء، فلحقته بذی الحلیفه فأخذتها منه، فخصّنی اللّه عزّ و جلّ بذلک منه.

و أما الحادیه و الخمسون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أقامنی للنّاس کافّه یوم غدیر خم فقال: من کنت مولاه فعلىّ مولاه، فبعدا و سحقا للقوم الظالمین.

و أما الثانیه و الخمسون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال: یا علی ألا اعلّمک کلمات علّمنیهنّ جبرئیل فقلت: بلى، قال: قل «یا رازق المقلّین و یا راحم المساکین و یا أسمع السّامعین و یا أبصر النّاظرین و یا أرحم الرّاحمین ارحمنی و ارزقنی».

و أما الثالثه و الخمسون فانّ اللّه تبارک و تعالى لن یذهب بالدّنیا حتّى یقوم منّا القائم یقتل و لا یقبل الجزیه و یکسر الصلیب و الأصنام و یضع الحرب أوزارها، و یدعو إلى أخذ المال فیقسمه بالسّویه و یعدل فی الرّعیه.

و أما الرابعه و الخمسون فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله یقول: یا علىّ سیلعنک بنو امیّه و یردّ علیهم ملک بکلّ لعنه ألف لعنه، فاذا قام القائم علیه السّلام لعنهم أربعین سنه.

و أما الخامسه و الخمسون سمعت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال: سیفتتن فیک طوایف من امّتى فتقول: إنّ رسول اللّه لم یخلف شیئا فبما ذا أوصى علیّا، أو لیس کتاب ربّی أفضل الأشیاء بعد اللّه عزّ و جلّ، و الذی بعثنی بالحقّ لأن لم تجمعه باتقان‏لم یجمع أبدا، فخصّنی اللّه عزّ و جلّ بذلک من دون الصّحابه.

و أما السادسه و الخمسون فانّ اللّه تبارک و تعالى خصّنی بما خصّ به أولیاءه و أهل طاعته، و جعلنی وارث محمّد صلّى اللّه علیه و آله فمن ساءه ساءه، و من سرّه سرّه، و أومى بیده نحو المدینه.

و أما السابعه و الخمسون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله کان فی بعض الغزوات ففقد الماء فقال لی: یا علیّ قم إلى هذه الصّخره و قل: أنا رسول رسول اللّه انفجری إلیّ ماء، فو اللّه الذی أکرمه بالنّبوه لقد أبلغتها الرّساله فاطلع منها مثل ثدی البقر فسال من کلّ ثدی منها ماء، فلمّا رأیت ذلک أسرعت إلى النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله فأخبرته فقال: انطلق یا علیّ فخذ من الماء، فجاء القوم حتّى ملاؤا قربهم و أدواتهم و سقوا دوابهم و شربوا و توضّؤا، فخصّنی اللّه عزّ و جلّ بذلک من دون الصّحابه.

و أما الثامنه و الخمسون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أمرنی فی بعض غزواته و قد نفد الماء و قال: یا علی ایت بثور، فأتیته به فوضع یده الیمنى و یدی معها فی الثور، فقال: انبع، فنبع الماء من بین أصابعنا.

و أما التاسعه و الخمسون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم وجّهنی إلى خیبر، فلما أتیته وجدت الباب مغلقا فزعزعته شدیدا فقلعته و رمیت به أربعین خطوه فدخلت، فبرز إلیّ مرحب فحمل إلیّ و حملت علیه و سقیت الأرض دمه، و قد کان وجّه رجلین من أصحابه فرجعا منکسفین

و أما الستون فانّی قتلت عمرو بن عبدود و کان یعدّ بألف رجل.

و أما الحادیه و الستون فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: یا علیّ مثلک فی امّتی مثل قل هو اللّه أحد، فمن أحبّک بقلبه فکأنّما قرء ثلث القرآن، و من أحبّک بقلبه و أعانک بلسانه فکأنّما قرء ثلثی القرآن، و من أحبّک بقلبه و لسانه و نصرک بیده فکأنّما قرء القرآن کلّه.

و أما الثانیه و الستون فانّی کنت مع رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی جمیع المواطن‏و الحروب و کانت رایته معی.

و أما الثالثه و الستون فانّی لم أفرّ من الزّحف قطّ، و لم یبارزنی أحد إلّا سقیت الأرض من دمه.

و أما الرابعه و الستون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم اتی بطیر مشویّ من الجنّه فدعى اللّه عزّ و جلّ أن یدخل علیه أحبّ الخلق إلیه، فوفّقنی اللّه تعالى للدّخول علیه حتى أکلت معه من ذلک الطیر.

و أما الخامسه و الستون فانّی کنت اصلّی فی المسجد فجاء سائل فسأل و أنا راکع فناولته خاتمی من اصبعی، فأنزل اللّه تبارک و تعالى إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاهَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاهَ وَ هُمْ راکِعُونَ.

و أما السادسه و الستون فانّ اللّه تبارک و تعالى ردّ علیّ الشّمس مرّتین و لم یردّها على أحد من امّه محمّد صلّى اللّه علیه و آله غیری.

و أما السابعه و الستون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله أمر أن ادعى بامره المؤمنین فی حیاته و بعد موته، و لم یطلق ذلک لأحد غیری

و أما الثامنه و الستون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله قال: یا علیّ إذا کان یوم القیامه نادى مناد من بطنان العرش: أین سیّد الأنبیاء فأقوم، ثمّ ینادی أین سیّد الأوصیاء فتقوم و یأتینی رضوان بمفاتیح الجنّه و یأتینی مالک بمقالید النّار فیقولان: إنّ اللّه جلّ جلاله أمرنا أن ندفعها إلیک و یأمرک أن تدفعها إلى علیّ بن أبی طالب، فتکون یا علی قسیم الجنّه و النّار.

و أما التاسعه و السبعون فانّی سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: لولاک ما عرف المنافقون من المؤمنین.

و أما السبعون فانّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم نام و نومّنى و زوجتى فاطمه و ابنیّ الحسن و الحسین و ألقى علینا عباءه قطوانیّه فأنزل اللّه تبارک و تعالى إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً و قال جبرئیل: أنا منکم یا محمّد فکان سادسنا جبرئیل

الترجمه

از جمله خطب شریفه آن امام مبین است در ذکر مزید اختصاص خود بحضرت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، و أولویّت خود بخلافت مى‏ فرماید: و البته دانسته ‏اند مطلعان بأسرار رسالت که مامور بحفظ آن بودند أز صحابه محمّد صلّى اللّه علیه و آله این که بدرستى من ردّ ننموده ‏ام بر خداى تعالى و بر رسول او هر ساعتى فرمایش آنها را، و بتحقیق مواسات نمودم من با آن بزرگوار بنفس خودم در مواردى که پس برمی گشتند در آنها شجاعان، و تأخیر مى‏ نمودند در آنها قدمها بجهت سطوت و شجاعتى که گرامى داشته بود خداى تعالى مرا بان.

و بتحقیق که قبض شد روح پر فتوح حضرت رسالت ماب صلّى اللّه علیه و آله و سلّم در حالتى که سر مبارک او بالاى سینه من بود، و بتحقیق که سیلان نمود نفس نفیس آن بر گزیده پروردگار در دست من، پس کشیدم من آن را بر روى خودم.

و بتحقیق مباشر شدم غسل آن سیّد أبرار را صلّى اللّه علیه و آله و سلّم در حالتى که ملائکه معین من بودند، پس ناله نمود خانه و اطراف خانه، جماعتى هبوط مى‏ کردند و جماعتى عروج مى ‏نمودند، و مفارقت نکرد قوّه سامعه من از صوت ایشان، نماز مى‏ کردند بر آن تا این که دفن کردیم و پنهان نمودیم آن برگزیده ناس را در قبر خود پس کیست که أولى باشد بأوأز من در حالت زندگى او و در حالت مردگى او پس بشتابید بر بصیرتهاى خودتان و باید که با صدق رفتار نمائید در جهاد دشمن خودتان.

پس قسم بپروردگارى که نیست معبود بحقى غیر از او، بدرستى که من بر راه راست حقّم و بدرستى که ایشان بر محلّ لغزش باطلند، مى‏ گویم آن چیزى را که مى‏ شنوید و طلب مغفرت می کنم از پروردگار عزّ و جلّ از براى خود و از براى شما

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۲۴۷

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۹۵ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۱۹۶ صبحی صالح

۱۹۶- و من خطبه له ( علیه ‏السلام  )

بعثه النبی‏

بَعَثَهُ حِینَ لَا عَلَمٌ قَائِمٌ وَ لَا مَنَارٌ سَاطِعٌ وَ لَا مَنْهَجٌ وَاضِحٌ

العظه بالزهد

أُوصِیکُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ أُحَذِّرُکُمُ الدُّنْیَا فَإِنَّهَا دَارُ شُخُوصٍ وَ مَحَلَّهُ تَنْغِیصٍ سَاکِنُهَا ظَاعِنٌ وَ قَاطِنُهَا بَائِنٌ تَمِیدُ بِأَهْلِهَا مَیَدَانَ السَّفِینَهِ تَقْصِفُهَا الْعَوَاصِفُ فِی لُجَجِ الْبِحَارِ

فَمِنْهُمُ الْغَرِقُ الْوَبِقُ وَ مِنْهُمُ النَّاجِی عَلَى بُطُونِ الْأَمْوَاجِ تَحْفِزُهُ الرِّیَاحُ بِأَذْیَالِهَا وَ تَحْمِلُهُ عَلَى أَهْوَالِهَا فَمَا غَرِقَ مِنْهَا فَلَیْسَ بِمُسْتَدْرَکٍ وَ مَا نَجَا مِنْهَا فَإِلَى مَهْلَکٍ عِبَادَ اللَّهِ الْآنَ فَاعْلَمُوا وَ الْأَلْسُنُ مُطْلَقَهٌ وَ الْأَبْدَانُ صَحِیحَهٌ وَ الْأَعْضَاءُ لَدْنَهٌ وَ الْمُنْقَلَبُ فَسِیحٌ وَ الْمَجَالُ عَرِیضٌ قَبْلَ إِرْهَاقِ الْفَوْتِ وَ حُلُولِ الْمَوْتِ فَحَقِّقُوا عَلَیْکُمْ نُزُولَهُ وَ لَا تَنْتَظِرُوا قُدُومَهُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۱۲  

و من کلام له علیه السّلام و هو المأه و الخامس و التسعون من المختار فى باب الخطب

بعثه حین لا علم قائم، و لا منار ساطع، و لا منهج واضح. أوصیکم عباد اللّه بتقوى اللّه، و أحذّرکم الدّنیا فإنّها دار شخوص، و محلّه تنغیص، ساکنها ظاعن، و قاطنها بائن، تمید بأهلها میدان السّفینه بأهلها، تقصفها العواصف فی لجج البحار، فمنهم الغرق الوبق، و منهم النّاجی على متون الأمواج، تحفزه الرّیاح بأذیالها، و تحمله على أهوالها، فما غرق منها فلیس بمستدرک، و ما نجى منها فإلى مهلک. عباد اللّه الان فاعملوا و الألسن مطلقه، و الأبدان صحیحه، و الأعضاء لدنه، و المنقلب فسیح، و المجال عریض، قبل إرهاق الفوت، و حلول الموت، فحقّقوا علیکم نزوله، و لا تنتظروا قدومه.

اللغه

(العلم) محرّکه ما ینصب فى الطریق لیهتدى به و یقال أیضا للجبل أو الجبل المرتفع و الجمع أعلام و (المنار) موضع النور و المسرجه کالمناره و أصلها منوره و جمعه مناور و ذو المنار أبرهه تبّع بن الرّایش لأنّه أوّل من ضرب المنار على طریقه فی مغازیه لیهتدى به إذا رجع.

و (سطع) الشی‏ء من باب منع سطوعا ارتفع و (شخص) من باب منع أیضا شخوصا خرج من موضع إلى غیره و (نغص) الرّجل من باب فرح لم یتمّ مراده، و البعیر لم یتمّ شربه و أنغص اللّه علیه العیش و نغّصه کدّره فتنغّصت معیشته تکدّرت.

و (قصفه) یقصفه قصفا کسره، و فی بعض النّسخ تصفقها بدل تقصفها من الصّفق و هو الضّرب یسمع له صوت، و منه صفق یده على یده صفقا و صفقه أى ضرب یده على یده، و ذلک عند وجوب البیع.

و (اللّجج) جمع لجّه و هی معظم البحر و (غرق) غرقا من باب فرح فهو غرق و (وبق) من باب وعد و وجل و ورث و بوقا و موبقا هلک فهو وبق و (حفزه) یحفزه من باب ضرب دفعه من خلفه و بالرّمح طعنه و عن الأمر أزعجه و أعجله و حفز اللّیل النّهار ساقه و (اللّدن) و اللّدنه اللّین من کلّ شی‏ء و الجمع لدان ولدن بالضمّ، و الفعل لدن من باب کرم لدانه ولدونه أى لان و (رهقه) من باب فرح غشیه و لحقه أو دنا منه سواء أخذه أو لم یأخذه، و الارهاق أن یحمل الانسان على ما لا یطیقه.

الاعراب

جمله تحفزه فی محلّ النّصب على الحال من النّاجی، و قوله: فالى مهلک‏متعلّق بمقدّر خبر ما، و قوله: الان، منصوب على الظّرف مقدّم على عامله و هو قوله: فاعلموا، و جمله: و الألسن مطلقه، مع الجملات الأربع التّالیه فی موضع النّصب حال من فاعل فاعملوا، و قوله: قبل ارهاق الفوت، یجوز تعلّقه بعریض و بقوله فاعلموا، و الأوّل أقرب لفظا، و الثانی أنسب معنا.

المعنى

اعلم أنّ هذه الخطبه مسوقه للوصیّه بالتّقوى و التنفیر من الدّنیا بذکر معایبها المنفره عنها و للأمر بالأعمال الصّالحه و المبادره إلیها قبل لحوق الفوت و نزول الموت، و قبل أن یشرع فی الغرض افتتح بذکر بعثه الرّسول صلّى اللّه علیه و آله لکونها أعظم ما منّ اللّه به على عباده حیث إنّها مبدء جمیع الالاء و النّعماء فی الاخره، و منشأ السعاده الدّائمه فقال علیه السّلام: (بعثه حین لا علم) من أعلام الدّین (قائم) و استعاره للأنبیاء و المرسلین لأنّه یستدلّ بهم فی سلوک طریق الاخره کما یستدلّ بالأعلام فی طرق الدّنیا (و لا منار) للشّرع المبین (ساطع) استعاره لأولیاء الدّین و قاده الیقین لأنّه یهتدى بهم و یقتبس من علومهم و أنوارهم فی ظلمات الجهاله کما یهتدى بالمنار فی ورطات الضلاله.

و أشار بعدم سطوع المنار و قیام العلم إلى خلوّ الأرض من الرّسل و الحجج و انقطاع الوحى حین بعثه صلّى اللّه علیه و آله، لأنّه کان زمان فتره کما قال علیه السّلام فی الخطبه الثامنه و الثمانین: أرسله على حین فتره من الرّسل و طول هجعه من الامم «إلى قوله» و الدّنیا کاسفه النّور ظاهره الغرور، و قد مضى فی شرحها ما ینفعک المراجعه إلیه فی هذا المقام.

(و لا منهج) للیقین (واضح) و أشار به إلى اندراس نهج الحقّ و انطماس طریق السّلوک إلى اللّه و کون النّاس فی خبط و ضلاله و غفله و جهاله.

ثمّ شرع بالوصیّه بالتقوى و التّحذیر من الدّنیا فقال (اوصیکم عباد اللّه بتقوى اللّه) فانّها الیوم الحرز و الجنّه و غدا الطریق إلى الجنّه (و أحذّرکم الدّنیا فانّها) ظلّ زائل وضوء آفل و سناد مائل (دار شخوص) و ارتحال (و محلّه تنغیص) و تکدیر لتکدّر عیشه بالالام و الأسقام (ساکنها ظاعن) مرتحل (و قاطنها بائن) مفترق یعنی انّ السّاکن فیها لیس بساکن فی الحقیقه، و المقیم بها منتقل عنها البتّه و ذلک لما بیّنا فی تضاعیف شرح الخطب السّابقه أنها فی الحقیقه سفر الاخره و هى الوطن الأصلی للانسان فهو من أوّل یوم خرج من بطن امّه و وضع قدمه فی هذه النشأه دائما فی حرکه و ازیال و ازداف و انتقال و ینقضی عمره شیئا فشیئا یبعد من المبدأ و یقرب من المنتهى فسکونها نفس زوالها، و اقامتها نفس ارتحالها، و بقاؤها عین انتقالها و وجودها حدوثها، و تجدّدها فناؤها، فانّها عند ذوى العقول کفى‏ء الظل، بینا تراه سابغا حتّى قلص، و زایدا حتّى نقص.

ثمّ ضرب للدّنیا و أهلها مثلا عجیبا بقوله (تمید بأهلها میدان السّفینه بأهلها) حال کونها (تقصفها) القواصف و تصفقها (العواصف) من الرّیاح (فی لجج البحار) الغامرات المتلاطمه التیّار المتراکمه الزّخار، و هو من تشبیه المرکب بالمرکب على حدّ قول الشاعر:

         و کأنّ أجرام النجوم طوالعا            درر نشرن على بساط أزرق‏

شبّه علیه السّلام الدّنیا بالسّفینه التّی فی اللّجج حال کونها تضربها الرّیاح الشدیده العاصفه و شبّه أهل الدّنیا بأهل السّفینه، و شبه تقلّباتها بأهلها بالهموم و الأحزان و الغموم و المحن بمیدان السفینه و اضطرابها بأهلها، و شبّه الأمراض و الالام و العلل و الأسقام و نحوها من الابتلاءات الدّنیویّه الموجبه للهموم و الغموم بالرّیاح العاصفه الموجبه لاضطراب السّفینه، و وجه الشّبه أنّ راکبى السّفینه فی لجج البحار الغامره عند هبوب الرّیح العاصفه و الزعزع القاصفه کما لا ینفکّون من علز القلق و غصص الجرض، فکذلک أهل الدّنیا لا ینفکّون من مقاسات الشدائد و ألم المضض.

و أیضا (ف) کما أنّ راکبى السّفینه بعد ما انکسرت بالقواصف على قسمین: قسم (منهم الغرق الوبق) الهالک فی غمار البحر (و) قسم (منهم النّاجی) من الغرق على بعض أخشاب السّفینه و ألواحها (على متون الأمواج) المتلاطمه المتراکمه (تحفزه) و تدفعه (الرّیاح) العاصفه و الزّعازع القاصفه (بأذیالها) من جنب إلى جنب (و تحمله على أهوالها) و تسوقه من رفع إلى خفض و من خفض إلى رفع.

فکذلک أهل الدّنیا ینقسم إلى قسمین: أحدهما الهالک عاجلا بغمرات الالام و طوارق الأوجاع و الأسقام، و الثّانی النّاجی من الهلاک بعد مکابده تعب الأمراض و مقاساه مراره العلل.

و أیضا (ف) کما أنّ (ما غرق منها) أى من السّفینه و أراد به الغریق من أهلها مجازا (فلیس بمستدرک) أى ممکن التدارک (و ما نجى منها) أى النّاجی من أهلها (ف) عاقبته (إلى مهلک) أى إلى الهلاک و إن عاش یسیرا.

فکذلک أهل الدّنیا من مات منهم لا یتدارک و لا یعود، و من حصل له البرء و الشفاء من مرضه و نجا من الموت عاجلا فماله إلیه لا محاله آجلا و إن تراخى أجله قلیلا.

و الغرض من هذه التشبیهات کلّها التّنفیر عن الدّنیا و التنبیه على قرب زوالها و تکدّر عیشها و مراره حیاتها لیرغب بذلک کلّه إلى العمل للدّار الاخره، و لذلک فرّع علیه قوله: (عباد اللّه الان فاعملوا) أى بادروا العمل و استقربوا الأجل و لا یغرّنّکم طول الأمل (و الألسن مطلقه) متمکنه من التّکلم بما هو فرضها من القراءه و الذکر و الأمر بالمعروف و النهى عن المنکر و نحوها قبل ثقلها و اعتقالها بالمرض الحایل بینها و بین منطقها کما فی حاله الاحتضار.

(و الأبدان صحیحه) مقتدره على الاتیان بالتکالیف الشّرعیّه قبل سقمها و عجزها منها.

(و الأعضاء) و الجوارح (لدنه) لینه ببضاضه الشّباب و غضاره الصحّه قادره على‏القیام بالطاعات و الحسنات قبل یبسها بنوازل السقم و عجزها بحوانى الهرم.

(و المنقلب فسیح) أى محلّ الانقلاب و التصرّف وسیع، لأنّ الخناق مهمل و الروح مرسل فی راحه الاجساد و باحه الاحتشاد.

(و المجال عریض) لانفساح الحوبه و إمکان تدارک الذنوب بالتوبه قبل الضنک و الضیق و الرّوع و الزهوق.

و (قبل إرهاق الفوت) و قدوم الغائب المنتظر (و حلول الموت) و أخذه العزیز المقتدر.

(فحقّقوا علیکم نزوله) و لا تستبطئوه (و لا تنتظروا قدومه) و لا تسوّفوه، و هو أمر بالاستعداد للموت و المبادره الى أخذ الزّاد له و لما بعده یقول: إنّ الموت قد أظلکم و أشرف علیکم فکأنّه قد أدرککم و نزل إلى ساحتکم فلا یغرّنکم الأمل و لا یطولنّ بکم الأمد، فبادروا إلى الصّالحات و استبقوا الخیرات و سارعوا إلى مغفره من ربّکم و جنّه عرضها الأرض و السموات، نسأل اللّه سبحانه أن یجعلنا و إیاکم ممّن لا یغرّه الامال، و لا تلهیه الامنیّات، انّه الموفّق و المعین.

الترجمه

از جمله کلام بلاغت نظام آن حضرتست در اشارت به بعثت و وصیّت بتقوى و تحذیر از دنیا مى‏ فرماید: مبعوث فرمود حضرت پروردگار رسول مختار را در زمانى که نبود هیچ علمى بر پا، و نه مناره بلند، و نه راهى روشن وصیّت مى‏ کنم شما را أى بندگان خدا بتقوى و پرهیزکارى خدا، و مى‏ ترسانم شما را از دنیاى بیوفا، پس بدرستى که آن دنیا خانه رحلت است و محلّه کدورت، ساکن او کوچ کننده است، و مقیم او جدا شونده، مضطرب مى‏ شود بأهل خود مثل اضطراب کشتى در حالتى که سخت بوزد به آن کشتى تند بادها در گردابهاى دریاها، پس‏ بعضى از اهل آن کشتى غرق و هلاک شونده باشد، و بعضى دیگر نجات یابنده بر بالاى موجها در حالتى که براند او را بادها با دامنهاى خود، و بر دارد او را به جاهاى هولناک دریا، پس کسى که غرق شده از آن کشتى درک نمى‏شود، و کسى که نجات یافته از آن پس عاقبت کار او بهلاکت است.

اى بندگان خدا پس مواظب عمل باشید این زمان در حالتى که زبانها سلامت است، و بدنها صحیح است، و عضوها تر و تازه، و مکان تصرّف وسیع است و مجال عبادت فراخ، پیش از احاطه وفات و حلول ممات، پس محقق انکارید بخودتان حلول آن را، و منتظر نباشید بقدم و آمدن آن.

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۸۲

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۹۴ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه ۱۹۵ صبحی صالح

۱۹۵- و من خطبه له ( علیه ‏السلام  ) یحمد اللّه و یثنی على نبیه و یعظ

حمد اللّه‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَظْهَرَ مِنْ آثَارِ سُلْطَانِهِ وَ جَلَالِ کِبْرِیَائِهِ مَا حَیَّرَ مُقَلَ الْعُقُولِ مِنْ عَجَائِبِ قُدْرَتِهِ وَ رَدَعَ خَطَرَاتِ هَمَاهِمِ النُّفُوسِ عَنْ عِرْفَانِ کُنْهِ صِفَتِهِ

الشهادتان‏

وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شَهَادَهَ إِیمَانٍ وَ إِیقَانٍ وَ إِخْلَاصٍ وَ إِذْعَانٍ

وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ وَ أَعْلَامُ الْهُدَى دَارِسَهٌ وَ مَنَاهِجُ الدِّینِ طَامِسَهٌ فَصَدَعَ بِالْحَقِّ وَ نَصَحَ لِلْخَلْقِ‏وَ هَدَى إِلَى الرُّشْدِ وَ أَمَرَ بِالْقَصْدِ ( صلى ‏الله‏ علیه ‏وآله ‏وسلم  )

العظه

وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّهُ لَمْ یَخْلُقْکُمْ عَبَثاً وَ لَمْ یُرْسِلْکُمْ هَمَلًا عَلِمَ مَبْلَغَ نِعَمِهِ عَلَیْکُمْ وَ أَحْصَى إِحْسَانَهُ إِلَیْکُمْ

فَاسْتَفْتِحُوهُ وَ اسْتَنْجِحُوهُ وَ اطْلُبُوا إِلَیْهِ وَ اسْتَمْنِحُوهُ فَمَا قَطَعَکُمْ عَنْهُ حِجَابٌ وَ لَا أُغْلِقَ عَنْکُمْ دُونَهُ بَابٌ

وَ إِنَّهُ لَبِکُلِّ مَکَانٍ وَ فِی کُلِّ حِینٍ وَ أَوَانٍ وَ مَعَ کُلِّ إِنْسٍ وَ جَانٍّ

لَا یَثْلِمُهُ الْعَطَاءُ وَ لَا یَنْقُصُهُ الْحِبَاءُ وَ لَا یَسْتَنْفِدُهُ سَائِلٌ وَ لَا یَسْتَقْصِیهِ نَائِلٌ

وَ لَا یَلْوِیهِ شَخْصٌ عَنْ شَخْصٍ وَ لَا یُلْهِیهِ صَوْتٌ عَنْ صَوْتٍ وَ لَا تَحْجُزُهُ هِبَهٌ عَنْ سَلْبٍ وَ لَا یَشْغَلُهُ غَضَبٌ عَنْ رَحْمَهٍ وَ لَا تُولِهُهُ رَحْمَهٌ عَنْ عِقَابٍ وَ لَا یُجِنُّهُ الْبُطُونُ عَنِ الظُّهُورِ وَ لَا یَقْطَعُهُ الظُّهُورُ عَنِ الْبُطُونِ

قَرُبَ فَنَأَى وَ عَلَا فَدَنَا وَ ظَهَرَ فَبَطَنَ وَ بَطَنَ فَعَلَنَ وَ دَانَ وَ لَمْ یُدَنْ

لَمْ یَذْرَأِ الْخَلْقَ بِاحْتِیَالٍ وَ لَا اسْتَعَانَ بِهِمْ لِکَلَالٍ

أُوصِیکُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا الزِّمَامُ وَ الْقِوَامُ

فَتَمَسَّکُوا بِوَثَائِقِهَا وَ اعْتَصِمُوا بِحَقَائِقِهَا تَؤُلْ بِکُمْ إِلَى أَکْنَانِ الدَّعَهِ وَ أَوْطَانِ السَّعَهِ وَ مَعَاقِلِ الْحِرْزِ وَ مَنَازِلِ الْعِزِّ فِی‏ یَوْمٍ تَشْخَصُ فِیهِ الْأَبْصَارُوَ تُظْلِمُ لَهُ الْأَقْطَارُ وَ تُعَطَّلُ فِیهِ صُرُومُ الْعِشَارِ

وَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَزْهَقُ کُلُّ مُهْجَهٍ وَ تَبْکَمُ کُلُّ لَهْجَهٍ وَ تَذِلُّ الشُّمُّ الشَّوَامِخُ وَ الصُّمُّ الرَّوَاسِخُ فَیَصِیرُ صَلْدُهَا سَرَاباً رَقْرَقاً وَ مَعْهَدُهَا قَاعاً سَمْلَقاً فَلَا شَفِیعٌ یَشْفَعُ وَ لَا حَمِیمٌ یَنْفَعُ وَ لَا مَعْذِرَهٌ تَدْفَعُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۱۲  

و من خطبه له علیه السّلام و هى المأه و الرابعه و التسعون من المختار فى باب الخطب

الحمد للّه الّذی أظهر من آثار سلطانه و جلال کبریائه ما حیّرمقل العیون من عجائب قدرته، و ردع خطرات هماهم النّفوس عن عرفان کنه صفته، و أشهد أن لا إله إلّا اللّه شهاده إیمان و إیقان، و إخلاص و إذعان، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، أرسله و أعلام الهدى دارسه، و مناهج الدّین طامسه، فصدع بالحقّ، و نصح للخلق و هدى إلى الرّشد، و أمر بالقصد صلّى اللّه علیه و آله.

و اعلموا عباد اللّه أنّه لم یخلقکم عبثا، و لم یرسلکم هملا، علم مبلغ نعمه علیکم، و أحصى إحسانه إلیکم، فاستفتحوه، و استنجحوه، و اطلبوا إلیه، و استمنحوه، فما قطعکم عنه حجاب، و لا أغلق عنکم دونه باب، و إنّه لبکلّ مکان، و فی کلّ حین و أوان «زمان خ»، و مع کلّ إنس و جانّ، لا یثلمه العطاء، و لا ینقصه الحباء، و لا یستنفده سائل، و لا یستقصیه نائل، و لا یلویه شخص عن شخص، و لا یلهیه صوت عن صوت، و لا تحجزه هبه عن سلب، و لا یشغله غضب عن رحمه، و لا تولهه رحمه عن عقاب، و لا یجنّه البطون عن الظّهور، و لا یقطعه الظّهور عن البطون، قرب فناى، و علا فدنى، و ظهر فبطن، و بطن فعلن، و دان و لم یدن، لم یذرء الخلق باحتیال و لا استعان بهم لکلال.

أوصیکم عباد اللّه بتقوى اللّه، فإنّها الزّمام و القوام، فتمسّکوا بوثائقها، و اعتصموا بحقائقها، تؤل بکم إلى أکنان الدّعه، و أوطان السّعه، و معاقل الحرز، و منازل العزّ، فی یوم تشخص فیه الأبصار، و تظلم له الأقطار، و تعطّل فیه صروم العشار، و ینفخ فی الصّور فتزهق کلّ مهجه، و تبکم کلّ لهجه، و تذلّ الشّمّ الشّوامخ، و الصّمّ الرّواسخ، فیصیر صلدها سرابا رقرقا، و معهدها قاعا سملقا، فلا شفیع یشفع، و لا حمیم یدفع، و لا معذره تنفع.

اللغه

(المقل) جمع مقله کغرف و غرفه و هى شحمه العین الّتی تجمع سوادها و بیضها و (الهمهمه) الکلام الخفی أو صوت یسمع و لا یفهم محصوله و تردّد الزئیر فی الصّدر من الهمّ و نحوه، قاله فی القاموس أقول: و الزئیر مأخوذ من الزئر و هو تردید الصّوت فی الجوف ثمّ مدّه، و یطلق الزئیر على صوت الأسد من صدره و على کلّ صوت فیه بحح کصوت الفیله و نحوها.

و (طمست) الشی‏ء طمسا محوته و طمس هو یتعدّى و لا یتعدّی و طمس الطریق درست و (الجانّ) اسم جمع للجنّ و أبو الجنّ و (استمنحوه) بالنّون من المنحه و هى العطیّه و فی بعض النّسخ بالیاء یقال استمحت الرّجل طلبت عطاءه و محت الرّجل أعطیته و (الثّلمه) فی الحائط و غیره الخلل و الجمع ثلم کغرفه و غرف و (نفد) الشی‏ء ینفد من باب تعب نفادا فنى و انقطع و أنفدته أفنیته و (النّائل)العطاء کالنوال و النّال و (سلبت) ثوب زید من باب قتل أخذته و السّلب بالتحریک الاختلاس و اسم لما یسلب و منه الحدیث من قتل قتیلا فله سلبه.

و قوله (و لا یجنه البطون عن الظهور و لا یقطعه الظهور عن البطون) هکذا فی نسخه الشّارح المعتزلی بتذکیر الفعلین، و علیها فالبطون و الظهور مصدر بطن و ظهر، و فی بعض النّسخ بتأنیثهما و على ذلک فلا بدّ من جعلهما جمعا للبطن و الظهر کما هو مقتضى القواعد الأدبیّه.

و (الدّین) الجزاء و منه الحدیث کما تدین تدان أى کما تجازى تجازى بما فعلت و یقال أیضا على القهر و الغلبه قال ابن الأثیر: و منه الحدیث کان علیّ علیه السّلام دیّان هذه الامّه أى قاهرهم على الطّاعه و فی القاموس الدّین الحساب و القهر و الغلبه و الاستعلاء و السّلطان و الملک و الحکم.

و (الکلال) العجز و الاعیاء و (الاکنان) جمع کن و هو السّتر یستر من الحرّ و البرد قال تعالى مِنَ الْجِبالِ أَکْناناً و (المعاقل) جمع معقل و هو الملجأ.

و (الصّروم) إمّا جمع صرمه بالکسر القطعه من الابل ما بین العشره إلى الأربعین و القطعه من السّحاب و تجمع على صرم مثل سدره و سدر و إمّا جمع صرم و هى الطّائفه المجتمعه من القوم ینزلون بابلهم ناحیه من الماء و یجمع على أصرام مثل حمل و أحمال، أو جمع صرماء و هى النّاقه القلیله اللّبن، و تجمع على صرم وزان قفل و الأخیر أظهر.

و (العشار) من الابل النّوق أتى علیها من یوم ارسل الفحل فیها عشره شهر فزال عنها اسم المخاض و لا یزال ذلک اسمها حتّى تضع، و الواحده عشراء، و قال الفیروز آبادى و العشراء من النّوق الّتى مضى لحملها عشره أشهر أو ثمانیه أو هى کالنّفساء من النساء و الجمع عشراوات و عشار، أو العشار اسم یقع على النّوق حتّى تنتج بعضها و بعضها ینتظر نتاجها.

(و الشمّ) جمع اشم یقول جبل اشم أى فیه شمم و ارتفاع و رجل اشم أى بأنفه ارتفاع قال فی القاموس و (رقرقان) السّراب بالضم ما ترقرق منه أى تحرّک‏ و الرّقراقه التی کان الماء یجرى فى وجهها و (القاع) الأرض السهله المطمئنه قد انفرجت عنها الجبال و الاکام و (السملق) الصفصف و هى المستوى من الأرض.

الاعراب

قوله و اطلبوا إلیه، تعدیه الطلب لتضمینه معنى التضرّع، و قوله: تؤل، بالجزم لوقوعه فی جواب الأمر کما فی نسخه الشارح المعتزلی، و فی أکثر النسخ بالرفع و الظاهر أنه على الاستیناف البیانی، و قوله: فی یوم تشخص، متعلّق بقوله تؤل، و الفاء فی قوله: فتزهق، و قوله: فیصیر، و قوله: فلا شفیع، کلّها فصیحه.

المعنى

اعلم أنّ هذه الخطبه الشریفه مسوقه للنصح و الموعظه و الأمر بالتقوى مع التنبیه على جمله من صفات الکمال و العظمه و الجلال للّه عزّ و جلّ، و افتتحها بحمده و الثناء علیه و الشهاده بالتوحید و الرّساله فقال: (الحمد للّه الذی أظهر) فی الملک و الملکوت و الانفس و الافاق و الأرض و السماوات (من آثار سلطانه و جلال کبریائه ما حیّر مقل العیون) و ابصار البصایر (من عجایب قدرته) و بدایع صنعته و قد تقدّم الاشاره إلى بعضها فی شرح الخطب المسوقه لهذا الغرض و مرّ فصل واف منها فی الخطبه التسعین و شرحها فانظر ما ذا ترى.

و نسبه عجائب القدره إلى سلطانه و جلال کبریائه لأنّ الاثار العظیمه و المبدعات المحکمه المتقنه إنما یناسب صدورها بالسّلطنه الالهیّه و الجلال الالهى.

(و ردع خطرات هماهم النفوس عن عرفان کنه صفته) أى دفع و منع الافکار و الرّویات التی تخطر بالنفوس و توجب همهمتها عن معرفه کنه صفات جماله و جلاله و یحتمل أن یراد بالهماهم نفس تلک الأفکار على سبیل الاستعاره لتردّدها فی الجوف مثل تردّد الهماهم.

و کیف کان فالغرض منه التنبیه على عجز العقول و المشاعر الظاهره و الباطنه عن إدراک حقیقته و ذاته حسبما عرفته فى شرح الفصل الثانی من الخطبه التسعین و فی تضاعیف الشّرح مرارا، و أردف الثّناء علیه تعالى بالشّهاده بتوحیده فقال: (و أشهد أن لا إله إلّا اللّه) و قد مضى الکلام فی تحقیق معناها و الأخبار الوارده فی فضلها بما لا مزید علیه فی شرح الفصل الثانی من الخطبه الثانیه، و وصفها هنا بأوصاف أربعه:

أحدها کونها (شهاده ایمان) أى یطابق القول فیها للعقد القلبی.

(و) ثانیها کونها شهاده (ایقان) أى صادره عن علم الیقین لا عن وجه التقلید و لا تکون کذلک إلّا باعتقاد أن لا إله إلّا هو مع اعتقاد أنّه لا یمکن أن یکون ذلک المعتقد إلّا کذلک.

(و) ثالثها أن تکون عن (اخلاص) أى جعلها خالصا عن شوب غیره من الرّیا و نحوه و قال الشّارح البحرانی: هى أن یحذف عن ذلک المعتقد کلّ أمر عن درجه الاعتبار و لا یلاحظ معه غیره، انتهى و قد مرّ له معنى آخر فی الأخبار المتقدّمه فی شرح الخطبه الثانیه من أنّ إخلاصها أن حجزه لا إله إلّا اللّه عمّا حرّم اللّه.

(و) رابعها أن تکون متلبّسه ب (اذعان) و انقیاد لما هو من توابعها و مقتضیاتها من التّکالیف و الأحکام.

و أردفها بالشهاده بالرّساله لما عرفت فی الأخبار المتقدّمه فی شرح الخطبه الثّانیه من فضل المقارنه بینهما فقال: (و أشهد أنّ محمّدا عبده) المرتضى (و رسوله) المصطفى (أرسله) إلى الخلق بالهدى و دین الحقّ على حین فتره من الرّسل و طول هجعه من الامم و انتقاض من المبرم (و) الحال أنّ (أعلام الهدى دارسه) استعارها للأنبیاء و المرسلین و أولیاء الدّین الّذین یهتدى بأنوارهم فی سلوک سبیل اللّه کما یهتدى بالأعلام فی الطّرق، و دروسها بما کانت من الفتره بعد عیسى إلى بعثه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم (و مناهج الدّین طامسه) أى طرق المعارف الحقّه الالهیّه مندرسه منمحیه بطول المدّه و بعد العهد و غلبه الغفله.

(فصدع بالحقّ) امتثالا لما کان مامورا به بقوله عزّ و جلّ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ و أصل الصّدع عباره عن کسر الزّجاجه و شقّها و تفریقها، فاستعیر عنه للبیان الواضح و التبلیغ الکامل، و الجامع التأثّر.

و قد قیل فی تفسیر الایه: أنّ معناها أبن الأمر إبانه لا تنمحى کما لا یلتئم کسر الزّجاجه، و قیل: أفرق بین الحقّ و الباطل، و قیل: شقّ جماعاتهم بالتّوحید أو بالقرآن.

(و نصح للخلق) بصرفهم عن الرّدى إلى الهدى و ردّهم عن الجحیم إلى النعیم (و هدى إلى الرّشد) أى إلى الصّواب و السّداد فی القول و العمل (و أمر بالقصد) أى بالعدل فی الامور المصون عن الافراط و التّفریط، و یحتمل أن یکون المراد به قصد السبیل الموصل إلى الحقّ أى الصّراط المستقیم (صلّى اللّه علیه و آله) و سلّم ثمّ نبّه المخاطبین على عدم کونه تعالى فی خلقهم و ایجادهم لاغیا عابثا فقال (و اعلموا عباد اللّه أنّه لم یخلقکم عبثا) تعالى عن ذلک علوّا کبیرا، و انما خلقکم للمعرفه و العبودیّه کما قال «وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ».

(و لم یرسلکم هملا) أى لم یترککم سدى مهملین کالبهائم و الأنعام، و إنّما کلّفکم بالتکالیف و الأحکام (علم مبلغ نعمه) و مقدارها کمّا و کیفا (علیکم و أحصى إحسانه) و فضله (إلیکم) لیبلوکم أ تشکرونه أم تکفرون و من شکر فانّما یشکر لنفسه و من کفر فانّه غنىّ کریم (فاستفتحوه) أى اطلبوا منه فتح أبواب النّعم (و استنجحوه) أى اطلبوا منه نجاح عوائد المزید و القسم (و اطلبوا) منه متضرّعین (إلیه) أن یصرف عنکم ما لا یصرفه أحد غیره من عذاب النّار و سخط الجبّار.

(و استمنحوه) أى اطلبوا منه أن یعطیکم ما لا یعطیه أحد غیره من فوز الجنان و رضى الرّحمن، و طلب ذلک کلّه منه سبحانه إنما هو بالقیام بمراسم الحمد و الشکر و بالمواظبه على وظایف الطّاعات و القربات الّتی بها یستعدّ لافاضه الرّحمه و نزول الخیرات، هذا.

و لمّا أمرهم بالطّلب و السّؤال أردفه بما یشوّقهم إلى ذلک و یرغّبهم إلیه بالتّنبیه على انتهاء جمیع السّؤالات و الطلبات إلیه و عدم رادع و مانع من وصولها إلیه و هو قوله: (فما قطعکم عنه حجاب و لا اغلق عنکم دونه باب) یعنی أنّ بابه مفتوح لمن دعاه و لیس بینه و بین خلقه حجاب مانع و لا باب مغلق یمنع من الوصول إلیه و من عرض الحوائج و المقاصد علیه کسایر الملوک و السّلاطین یأخذون لأنفسهم حجّابا و بوّابا، لأنّ ذلک من أوصاف الأجسام و صفات النّقص و الامکان و اللّه تعالى موصوف بالعظمه و الجلال منزّه عن الحیّز و المکان فلا یتصوّر أن یکون له باب أو عنده حجاب کما أفصح عن ذلک بقوله: (و انّه لبکلّ مکان) بالعلم و الاحاطه لا بالتحیّز و الحوایه، فلا یخفى علیه شی‏ء من حوائج السّائلین و إنّما منظره فى القرب و البعد سواء، لم یبعد منه قریب و لم یقرب منه بعید، و لا یحویه مکان و لا یحیط به مکان حتّى إذا کان فی ذلک المکان یحجب عنه أخبار سایر الأمکنه و المکانیّات.

یوضح ذلک ما رواه فی الکافی باسناده عن عیسى بن یونس قال: قال ابن أبی العوجاء لأبی عبد اللّه علیه السّلام فی بعض ما کان یحاوره: ذکرت اللّه فأحلت على غایب فقال أبو عبد اللّه علیه السّلام: ویلک کیف یکون غائبا من هو مع خلقه شاهد و الیهم أقرب من حبل الورید، یسمع کلامهم و یرى أشخاصهم و یعلم أسرارهم، فقال ابن أبى العوجاء أ هو فی کلّ مکان أ لیس إذا کان فی السماء کیف یکون فی الأرض و إذا کان فی الأرض کیف یکون فی السماء فقال أبو عبد اللّه علیه السّلام: إنما وصفت المخلوق الذی إذا انتقل عن مکان اشتغل به مکان و خلا منه مکان فلا یدرى فی المکان الذی صار إلیه ما حدث فی المکان الذى کان فیه، فأما اللّه العظیم الشأن الملک الدّیان فلا یخلو منه مکان و لا یشتغل به مکان و لا یکون إلى مکان أقرب منه إلى مکان.

و قد مرّ هذا الحدیث فی شرح الفصل السادس من الخطبه الاولى و مرّ تحقیق الکلام فی تنزّهه سبحانه من المکان فی شرح الفصل الخامس منها فلیراجع ثمّهفانّ هناک مطالب نفیسه.

و لما نبّه على عدم خلوّ الأمکنه منه عزّ و جلّ أردفه بالتنبّه على عدم خلوّ الأزمنه منه فقال: (و فی کلّ حین و زمان) بالعلم و الاحاطه أیضا لا بمعنى ظرفیّته له، لأنّ الکون فیه بمعنى الظرفیه مستلزم للحدوث المنافی للوجوب، فالواجب الأوّل تعالى منزّه عن ذلک، و قد تقدّم مزید تحقیق لذلک فی شرح الخطبه المأه و الخامسه و الثمانین (و مع کلّ إنس و جانّ) لا معیّه بالاقتران بل بمعنى کونه عالما بهم شاهدا علیهم غیر غایب عنهم کما قال عزّ من قائل «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ ما یَکُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَهٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَهٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى‏ مِنْ ذلِکَ وَ لا أَکْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ ما کانُوا ثُمَّ یُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا یَوْمَ الْقِیامَهِ إِنَّ اللَّهَ بِکُلِّ شَیْ‏ءٍ عَلِیمٌ» و قد مرّ مزید تحقیق لهذا المعنى فی شرح الفصل الخامس و السادس من الخطبه الاولى، هذا.

و لما شوّق المخاطبین إلى الطلب و السؤال بالتنبیه على عموم علمه بحالات السائلین و حاجات الطالبین و عدم خفاء شی‏ء منها علیه أکد تشویقهم بالتنبیه على سعه جوده فقال: (لا یثلمه العطاء و لا ینقصه الحباء) أى لا یوجب کثره عطائه و مزید حبائه خللا و نقصا فی خزانه کرمه و بحر جوده، و ذلک لعدم تناهى مقدوراته.

و یوضح ذلک ما فى الحدیث المرویّ فى الکافی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ یقول: فلو أنّ أهل سماواتی و أهل أرضی أمّلوا جمیعا ثمّ أعطیت کلّ واحد منهم مثل ما أمّل الجمیع ما انتقص من ملکی مثل عضو ذرّه، و کیف ینتقص ملک أنا قیّمه، فیا بؤسا للقانطین من رحمتی، و یا بؤسا لمن عصانى و لم یراقبنی.

و بذلک الحدیث أیضا اتّضح معنى قوله (لا یستنفده سائل و لا یستقصیه نائل) أى لا ینفى جوده سائل و إن بلغ الغایه فى طلبه و سؤاله، و کذا لا یبلغ القصوى و الغایه عطاؤه و نواله بل لو وهب ما تنفّست عنه معادن الجبال و ضحکت عنه أصداق البحار من فلزّ اللّجین و العقیان و نثاره الدّر و حصید المرجان ما أثّر ذلک فى جوده و لاأنفد سعه ما عنده، و لکان عنده من ذخایر الأنعام ما لا تنفده مطالب الأنام، لأنّه الجواد الّذى لا یغیضه سؤال السّائلین، و لا یبخّله إلحاح الملحّین حسبما مرّ فی الخطبه التّسعین.

(و لا یلویه) أى لا یصرفه (شخص عن شخص و لا یلهیه) أى لا یشغله (صوت عن صوت) لأنّ الصّرف و اللّهو یستلزمان الغفله عن أمر و الفطنه لغیره بعد الغفله عنه و هما من عوارض المزاج الحیوانی و توابع الامکان.

(و لا تحجزه هبه عن سلب) أى لا یمنعه البذل و الانعام عن سلب المال و أخذه قال الشّارح المعتزلی: أى لیس کالقادرین منّا فانّ الواحد منّا یصرفه اهتمامه بعطیّه عن سلب مال عمرو حال ما یکون مهتمّا بتلک العطیّه لأنّ اشتغال القلب بأحد الأمرین یشغله عن الاخر، انتهى.

أقول: و محصّله أنّه تعالى لا یشغله شأن عن شأن، و یحتمل أن یراد به أنّه تعالى لا یمنعه هبته لأحد و إنعامه علیه عن سلب نعمه اخرى عنه کالواحد منّا إذا وهب یمنعه هبته عن سلبه، لاستلزام الهبه فینا التلطف و العطف، و استلزام السلب فینا الغیظ و الغضب، و هما أمران متضادّ ان لا یمکن اجتماعهما فی شخص واحد فی حاله واحده، فلا یکون الواهب حال ما هو واهب سالبا و بالعکس، و أمّا الواجب تعالى فلمّا لم یکن منشأ هبته و سلبه العطف و الغضب لکونهما من عوارض المزاج الحیوانى و تنزّهه عنها جاز اتّصافه بهما معا.

و هذان الاحتمالان یأتیان فی قوله (و لا یشغله غضب عن رحمه) و المراد بهما غایتهما، أى العقاب و الاحسان لا معناهما المعروف المستلزم للحدوث و النّقصان.

و أمّا قوله (و لا تولهه رحمه عن عقاب) فقد قال الشارح المعتزلی أى لا یحدث الرّحمه لمستحقها عنده ولها و هو التحیّر و التردّد و یصرفه عن عقاب المستحقّ، و ذلک لأنّ الواحد منّا إذا رحم انسانا حدث عنده رقّه خصوصا إذا توالت منه الرّحمه لقوم متعدّدین فانه یصیر الرّحمه کالملکه عنده فلا یطیق فى تلک الحال أن ینتقم‏و البارى سبحانه بخلاف ذلک، لأنّه لیس بذى مزاج سبحانه، هذا.

و قوله (و لا یجنّه البطون عن الظّهور) قد تقدّم منّا فی شرح الخطبه التّاسعه و الأربعین و الخطبه الرّابعه و السّتین ما هو کاف فی شرح معنى هذه الفقره و ما یتلوها من الفقرات الاتیه إلى قوله: و بطن فعلن.

و أقول هنا مزیدا للتّوضیح: إنّ الغرض بهذه الجملات جمیعا التّنبیه على کمال الحقّ المتعال عزّ و جلّ و على تنزّهه من صفات المخلوقین، فانّ البطون فی الخلق مانع من الظهور، و الظهور من البطون، و القرب من البعد، و البعد من القرب، و العلوّ من الدّنوّ، و الدّنوّ من العلوّ لکون کلّ من هذه الصّفات بمعناه المعروف مضادا للاخر، فلا یمکن اتّصاف شخص واحد بهما معا فی حاله واحده و لا اجتماعهما فی محلّ واحد على ما هو مقتضى التّضادّ.

أمّا اللّه الحىّ القیّوم جلّ جلاله فیتّصف بهما جمیعا بمعنى آخر وراء ذلک المعنى المعروف، فهو تعالى ظاهر باطن قریب بعید عال دان.

و على ذلک فلا یجنّه البطون عن الظهور، أى لا یستره خفاؤه بذاته عن ظهوره بایاته، أو لا یستره اختفاؤه عن الأبصار عن ظهوره للعقول و البصایر، أو لا یحجبه خفاؤه عن الأبصار و الأوهام بذاته عن قهره و غلبته للأشیاء بسلطانه و قدرته.

و محصّله أنّه لیس بطونه بلطافه أو اجتنان، و لا ظهوره برؤیه و عیان حتّى یکون اتّصافه بأحدهما حاجبا و مانعا عن الاخر کما فی المخلوق.

و على ما فی بعض النّسخ من روایه لا تجنّه بصیغه التّأنیث، فالمراد أنّه لا تستره بواطن الأشیاء عن ظواهرها أى لا تحجب علمه بطونها عن ظهورها، لأنّ علمه ببواطن الأشیاء لیس على وجه الاستبطان و الغور فیها، و لا علمه بظواهر الأشیاء من أجل کونه فوقها حتّى تحجبه البطون عن الظّهور و الظّهور عن البطون کما فینا.

و یحتمل أن یکون المراد أنّه تعالى حین ما هو عالم بالباطن عالم بالظاهر لکمال علمه و عموم إحاطته، و لیس کالمخلوق حین علمه بأحدهما یغفل عن الاخر لنقصان علمه و قصوره.

(و) بذلک کلّه ظهر أیضا معنى قوله: (لا یقطعه الظّهور عن البطون) و أمّا قوله (قرب فنأى) فالمراد به أنّه قرب من الخلق بالعلم و الاحاطه و بالرّحمه و الافاضه، و بعد عنهم بالذّات و الحقیقه و لیس قربه قربا مکانیّا حتّى ینافی لبعده، و لا بعده بعدا مکانیّا بتراخى مسافه حتّى ینافی لقربه.

(و علا فدنا) أى علا بحوله و قدرته و غلبته و سلطانه و دنا بطوله و فضله و مننه و احسانه کما مرّ التصریح به منه علیه السّلام فی الخطبه الثّانیه و الثمانین، و یجوز أن یراد علوّه على الأشیاء بجلاله و عزّته و دنوّه منها بعلمه و احاطته، و أن یراد بالعلوّ العلوّ بالعلیّه و بالدّنوّ قربه من الأشیاء قرب العلّه من معلولها، و هذا هو الأولى بالاراده هنا و أنسب بعطفه الدّنوّ على العلوّ بالفاء المفیده لتفریعه علیه فافهم جیّدا و قد مضى تحقیق ذلک فی شرح الخطبه التّاسعه و الأربعین.

(و ظهر فبطن) أى ظهر على الأشیاء بسلطانه و عظمته، و بطن فی الأشیاء بعلمه و معرفته (و بطن فعلن) أى خفى بذاته و کنهه و ظهر باثاره و آیاته، و هاتان الفقرتان تأکیدتان للفقرتین المتقدّمتین، فانّه لمّا نبّه فیهما على عدم حجب بطونه عن ظهوره و ظهوره عن بطونه نبّه هنا على ما یستلزمه عدم الحجب و هو اتّصافه بهما معا روى فی الکافی فی باب الفرق بین المعانی الّتی تحت أسماء اللّه تعالى و أسماء المخلوقین عن علیّ بن محمّد مرسلا عن أبی الحسن الرّضا علیه السّلام قال: قال: و أمّا الظاهر فلیس من أجل أنّه علا الأشیاء برکوب فوقها و قعود علیها و تسنّم لذراها، و لکن ذلک لقهره و غلبته الأشیاء و قدرته علیها، کقول الرّجل ظهرت على أعدائى و أظهرنى اللّه على خصمى، یخبر عن الفلج و الغلبه فهکذا ظهور اللّه على الأشیاء، و وجه آخر أنّه الظّاهر لمن أراده و لا یخفى علیه شی‏ء و أنّه مدبّر لکلّ ما برء فأىّ ظاهر أظهر و أوضح من اللّه تبارک و تعالى، لأنّک لا تعدم صنعته حیثما توجّهت و فیک من آثاره ما یغنیک، و الظّاهر منّا البارز بنفسه و المعلوم بحدّه فقد جمعنا الاسم و لم یجمعنا المعنى.

و أمّا الباطن فلیس على معنى الاستبطان فی الأشیاء بأن یغور فیها، و لکن ذلک منه على استبطانه للأشیاء علما و حفظا و تدبیرا کقول القائل أبطنته یعنی خبرته و علمت مکتوم سرّه، و الباطن منّا الغایب فی الشی‏ء المستتر و قد جمعنا الاسم و اختلف المعنى.

(و) أمّا قوله (دان و لم یدن) فأراد به أنّه جزى العباد بأعمالهم إن خیرا فخیرا و إن شرّا فشرّا، و لم یجز، أو أنّه حاسب و لم یحاسب، أو أنّه استعلا علیهم و لم یستعل علیه، أو أنّه تسلّط على کلّ ما سواه و لم یسلّط علیه، أو أنّه ملک جمیع الخلایق و لم یملک، أو أنّه قهر الکلّ و غلبهم بافتقار الکلّ إلیه و استغنائه عنهم و لم یقهر علیه.

قال الرّضا علیه السّلام فی الحدیث الّذى قدّمناه آنفا: و أما القاهر فانّه لیس على معنى علاج و نصب «و تصلّب خ» و احتیال و مداراه و مکر کما یقهر العباد بعضهم بعضا و المقهور منهم یعود قاهرا و القاهر یکون مقهورا، و لکن ذلک من اللّه عزّ و جلّ على أنّ جمیع ما خلق ملبس به الذّل لفاعله و قلّه الامتناع لما أراد به لم یخرج منه طرفه عین أن یقول له کن فیکون، و القاهر منّا على ما ذکرت و وصفت فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى.

(لم یذرء الخلق باحتیال) أى لم یخلقهم باستخراج وجوه الحیل و إجاله الرّأى و الفکر فی استخراجها کما هو شأن البشر فی صنعهم، و ذلک لأنّ الفکره و الحرکه القلبیه مختصّه بذوى الضمائر، و جلال البارى تعالى شأنه منزّه عنه و إنما أمره إذا أراد شیئا أن یقول له کن فیکون.

(و لا استعان بهم لکلال) أى لعجز و اعیاء، لأنّ منشأ الاعیاء تناهی القوّه الجسمیه المخصوصه بذوى الأجسام، و طلب العون و الحاجه إلى المعین من ضعف القدره، و إذ لا ضعف و لا عجز لکمال ذاته سبحانه قوّه و قدره فلا یتصوّر فی حقه الاستعانه.

و لما فرغ من تمجید الحقّ المتعال بما هو أهله و تنزیهه عن صفات النقص‏و الافتقار أردفه بالایصاء بما لا یزال یوصى به فقال: (اوصیکم عباد اللّه بتقوى اللّه فانها الزّمام) للانسان المانع له عن تقحّم المهالک الجاذب إلى أقوم المسالک و الصارف له عن الرّدى إلى الهدى و عن الجحیم إلى النعیم کما أنّ الزّمام للخیل مانع لها عن اقتحام الهلکات و تورّط الورطات (و) هی أیضا (القوام) أى قوام الدّین و نظام وظایف الشرع المبین.

(فتمسکوا بوثائقها) أى بعریها الوثیقه و حبالها المحکمه من الطاعات و القربات التی هی جزؤها.

(و اعتصموا بحقایقها) أى باصولها الثابته الموافقه للواقع و المطابقه لغرض الشارع.

و أشار إلى ثمره التمسک و الاعتصام بها بقوله (تؤل بکم) أى ترجعکم و تقودکم (إلى أکنان الدّعه) و مواطن الرّاحه متکئین فیها على الأرائک لا یرون فیها شمسا و لا زمهریرا، و دانیه علیهم ظلالها و ذللت قطوفها تذلیلا.

(و أوطان السعه) أى جنه عرضها السموات و الأرض مع عیش سعید و أکل رغید، فالدّاخل فیها فی عیشه راضیه فی جنه عالیه قطوفها دانیه کلوا و اشربوا هنیئا بما أسلفتم فی الأیام الخالیه.

(و معاقل الحرز) المانعه من عذاب النار و من غضب الجبار و ظلّ ذى ثلاث شعب لا ظلیل و لا یغنى من اللّهب.

(و منازل العزّ) أى حظایر القدس و مجالس الانس مع النبیّین و الصدّیقین و الشهداء و الصالحین من الساده الأبرار و القاده الأخیار فی جنات تجرى من تحتها الأنهار، و إذا رأیت ثمّ رأیت نعیما و ملکا کبیرا عالیهم ثیاب سندس خضر و استبرق و حلّوا أساور من فضّه و سقیهم ربّهم شرابا طهورا، إنّ هذا کان لکم جزاء و کان سعیکم مشکورا و لما أوصى بالتقوى و أمر بالتمسک و الاعتصام بها و رغّب فیها بالتنبیه على مالها من المنفعه العظیمه و هى إرجاعها إلى جنّه النعیم أکّد ذلک الترغیب بانجائها من الهول العظیم و أشار إلى ذلک بقوله.

(فی یوم) أى اعتصموا بالتقوى تؤل بکم إلى مساکن الأمن و العزّ و السعه و الراحه فی یوم القیامه و ما أعظم شدایدها و أهوالها، و قد زلزلت الأرض فیها زلزالها و أخرجت الارض أثقالها و قال الانسان ما لها.

(تشخص فیه الأبصار و تظلم له الأقطار) أما شخوص الأبصار فی ذلک الیوم فهو نصّ الکتاب الکریم قال تعالى فى سوره إبراهیم وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا یَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما یُؤَخِّرُهُمْ لِیَوْمٍ تَشْخَصُ فِیهِ الْأَبْصارُ. مُهْطِعِینَ مُقْنِعِی رُؤُسِهِمْ لا یَرْتَدُّ إِلَیْهِمْ طَرْفُهُمْ وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ.

قال الطبرسیّ: معناه إنما یؤخّر عقابهم إلى یوم القیامه و هو الیوم الذی تکون الابصار فیه شاخصه عن مواضعها لا تغمض لهول ما ترى فی ذلک الیوم و لا تطرف، و قیل تشخص أبصارهم إلى إجابه الدّاعی حین یدعوهم، و قیل: تبقى أبصارهم مفتوحه لا تنطبق للتحیر و الرّعب.

مهطعین أى مسرعین، و قیل: یرید دائمى النظر إلى ما یرون لا یطرفون.

مقنعى رؤسهم، أى رافعى رؤوسهم إلى السماء حتى لا یرى الرّجل مکان قدمه من شدّه رفع الرّأس، و ذلک من هول یوم القیامه.

لا یرتدّ إلیهم طرفهم، أى لا یرجع إلیهم أعینهم و لا یطبقونها و لا یغمضونها، و إنما هو نظر دائم.

و أما ظلمه الاقطار فقد اشیر إلیها و إلى ما تقدّم أیضا فی قوله تعالى فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ وَ خَسَفَ الْقَمَرُ وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ یَقُولُ الْإِنْسانُ یَوْمَئِذٍ أَیْنَ الْمَفَرُّ.

فی الصّافی عن القمّی قال: یبرق البصر فلا یقدر أن یطرف و قرء بفتح الرّاء و هو لغه، أو من البریق من شدّه شخوصه، و خسف القمر ذهب ضوءه و نوره، و جمع الشّمس و القمر قال الطبرسیّ: أى جمع بینهما فی ذهاب ضوئهما بالخسوف لیتکامل ظلام الأرض على أهلها حتّى یراهما کلّ أحد بغیر نور و ضیاء.

و فی الصّافی من الاحتجاج عن النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم انّه سئل عن قوله «یَوْمَ تُبَدَّلُ‏ الْأَرْضُ غَیْرَ الْأَرْضِ» و قیل له: فأین النّاس یومئذ فقال: فی الظلمه دون المحشر.

(و تعطل فیه صروم العشار) قد مرّ تفسیرهما فی بیان اللّغه، و قد صرّح بتعطیلها و اشیر إلى ظلمه الأقطار کلیهما فی قوله تعالى إِذَا الشَّمْسُ کُوِّرَتْ. وَ إِذَا النُّجُومُ انْکَدَرَتْ. وَ إِذَا الْجِبالُ سُیِّرَتْ. وَ إِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ قال أمین الاسلام الطبرسیّ: أخبر اللّه سبحانه عن القیامه و شدائدها فقال: إذا الشّمس کوّرت، أى ذهب ضوءها و نورها فاظلمت و اضمحلّت، و إذا النّجوم انکدرت، أى تساقطت و تناثرت، و إذا الجبال سیّرت، عن وجه الأرض فصارت هباء منبثّا، و إذا العشار عطلت، أى النّوق الحوامل الّتی أتت علیها عشره أشهر، و هو أنفس مال عند العرب ترکت هملا بلا راع، هذا.

و لمّا ذکر جمله من أوصاف یوم القیامه و أهاویلها تحذیرا منها أردفها بذکر نفخ الصّور الذى هو من أشراط الساعه و علاماتها الدّاله على قربها تهویلا به أیضا فقال: (و ینفخ فی الصّور) و قد مضى شرح وصفه و تفصیل کیفیّه النفخ فیه فی شرح الفصل الثّالث من الخطبه الثّانیه و الثمانین بما لا مزید علیه.

و أراد به النّفعه الاولى کما یدلّ علیه قوله: (فتزهق کلّ مهجه و تبکم کلّ لهجه) أى تضمحلّ و تهلک کلّ قلب و تخرس کلّ لسان، و هو کنایه عن هلاک العموم، و قد اشیر إلیه فی قوله تعالى وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ.

و یدلّ علیه أیضا قوله (و تذلّ الشّم الشّوامخ) أى الجبال الرّاسیات الشّامخات العالیات (و الصّم الرّواسخ) أى الثابتات المحکمات الرّاسیات و أراد بذلّتها دکّ بعضها بعضا من هیبه جلاله عزّ و جلّ و مخوف سلطنته.

و قد اشیر إلى ذلک فی قوله تعالى فَإِذا نُفِخَ فِی الصُّورِ نَفْخَهٌ واحِدَهٌ.. وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُکَّتا دَکَّهً واحِدَهً. فَیَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَهُ. قال السیّد المحدّث الجزائرى: إنّ النفخه الاولى الّتی هى للهلاک تأتى‏النّاس بغته و هم فی أسواقهم و طلب معایشهم، فاذا سمعوا صوت الصّور تقطعت قلوبهم و أکبادهم من شدّته فیموتوا دفعه واحده، فیبقى الجبّار جلّ جلاله فیأمر عاصفه فتقطع الجبال من أماکنها و تلقیها فی البحار، و تفور میاه البحار و کلّما فی الأرض و تسطح الأرض کلّها للحساب، فلا یبقى جبل و لا شجر و لا بحر و لا وهده و لا تلعه، فتکون أرضا بیضاء حتّى أنّه روی لو وضعت بیضه فی المشرق رأیت فی المغرب.

و إلى ذلک أشار بقوله (فیصیر صلدها سرابا رقرقا) أى یصیر صلبها مثل السّراب المترقرق المتحرّک.

(و معهدها قاعا سملقا) أى ما کان منها معهدا للنّاس و منزلا لهم أرضا خالیه صفصفا مستویه لیس للجبل فیها أثر.

و قد اشیر إلى هذین فی قوله تعالى وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ یَنْسِفُها رَبِّی نَسْفاً فَیَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى‏ فِیها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً و فی قوله وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَکانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا و قوله یَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ وَ کانَتِ الْجِبالُ کَثِیباً مَهِیلًا و قد مضى تفسیر هذه الایات و جمله ممّا ینفع فی هذا المقام فی شرح الفصل الثالث من الخطبه المأه و الثامنه، هذا.

و لمّا ذکر جمله من أهوال یوم القیامه و أفزاعها و شدائدها رتّب على ذلک قوله (فلا شفیع یشفع و لا حمیم یدفع و لا معذره تنفع) تنبیها بذلک على أنه لا ملجأ من أهاویلها و لا منجا ترغیبا به على ملازمه التقوى الّتی هى الغرض الأصلى من سوق هذا الفصل و النتیجه لتمهید تلک المقدّمات لأنّها المعاذ و الملاذ و الملجاء و المنجا من هذه الأهاویل القائده للاخذ بها و الملازم علیها إلى أکنان الدّعه و أوطان السّعه و غرفات الجنان و منازل الرّضوان کما قال تعالى وَ أَنْذِرْ بِهِ الَّذِینَ یَخافُونَ أَنْ یُحْشَرُوا إِلى‏ رَبِّهِمْ لَیْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِیٌّ وَ لا شَفِیعٌ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ و قد اشیر إلى عدم الشفیع و الحمیم فی قوله تعالى فی سوره الشعرا یَوْمَ لا یَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ. وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّهُ لِلْمُتَّقِینَ. وَ بُرِّزَتِ. الْجَحِیمُ لِلْغاوِینَ إلى قوله حکایه عن الغاوین فَما لَنا مِنْ شافِعِینَ. وَ لا صَدِیقٍ حَمِیمٍ‏

قال أمین الاسلام الطبرسیّ: أى لا ینفع المال و البنون أحدا إذ لا یتهیّأ لذى مال أن یفتدى من شدائد ذلک الیوم به، و لا یتحمّل من صاحب البنین بنوه شیئا من معاصیه إلّا من أتى اللّه بقلب سلیم من الشّرک و الشکّ.

و روى عن الصادق علیه السّلام أنه قال: هو القلب الذى سلم من حبّ الدّنیا، و یؤیّده قول النبی صلّى اللّه علیه و آله: حبّ الدّنیا رأس کلّ خطیئه.

و ازلفت الجنّه للمتقین أى قربت لهم لیدخلوها، و برّزت الجحیم للغاوین.

أى أظهرت و کشف الغطاء عنها للضالین عن طریق الحقّ و الصواب.

ثمّ أظهر الغاوون الحسره فقالوا: فما لنا من شافعین یشفعون لنا و یسألون فى أمرنا، و لا صدیق حمیم أى ذى قرابه یهمّه أمرنا أى ما لنا شفیع من الأباعد و لا صدیق من الأقارب، و ذلک حین یشفع الملائکه و النّبیون و المؤمنون.

و اشیر إلى عدم نفع المعذره فى سوره الرّوم بقوله «فَیَوْمَئِذٍ لا یَنْفَعُ الَّذِینَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَ لا هُمْ یُسْتَعْتَبُونَ» أى لا ینفع الظالمین اعتذارهم لعدم تمکنهم من الاعتذار، و لو اعتذروا لم یقبل عذرهم و لا یطلب منهم الاعتاب و الرّجوع إلى الحقّ، و فى سوره المؤمن «یَوْمَ لا یَنْفَعُ الظَّالِمِینَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَهُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ» أى ان اعتذروا من کفرهم لم یقبل منهم و إن تابوا لم ینفعهم التّوبه.

قال الطبرسىّ: و انما نفى أن ینفعهم المعذره فى الاخره مع کونها نافعه فى دار الدّنیا، لأنّ الاخره دار الالجاء إلى العمل و الملجأ غیر محمود على العمل الذى الجأ الیه، و لهم اللعنه و البعد من الرّحمه، و لهم سوء الدّار جهنّم و بئس القرار، نعوذ باللّه من غضب الجبار.

بشاره

اعلم أنّ ظاهر قوله: فلا شفیع یشفع و لا حمیم یدفع، عموم انتفاء الانتفاع بالشفیع و الحمیم یوم القیامه على ما هو مقتضى القاعده الاصولیه المقرّره من إفاده النّکره فی سیاق النفى للعموم، لکن الأدله القاطعه من الکتاب و السّنه قد قامت‏ على التخصیص أمّا القرابه فقد ورد فی الأخبار الکثیره المستفیضه أنّ کلّ سبب و نسب منقطع یوم القیامه إلّا سبب رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و نسبه.

و أمّا الشفاعه فلا خلاف بین علماء الاسلام بل صار من ضرورىّ دین سیّد الأنام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یشفع یوم القیامه لامّته بل لسایر الامم أیضا.

و إنّما الخلاف فی أنّ الشّفاعه هل هى لطلب مزید الأجر و جلب زیاده المنفعه فمختصّه بالمؤمنین المطیعین المستحقّین للثّواب فقط، أو لدفع مضرّه العقوبه أیضا فتعمّ المجرمین المستحقّین للعقاب.

فأکثر العامّه على عدم اختصاصها بأحد الفریقین، و ذهب الخوارج و الوعیدیّه من المعتزله إلى اختصاصها بالفرقه الاولى.

و الذى ذهبت إلیه أصحابنا الامامیّه رضوان اللّه علیهم من دون خلاف بینهم هو عدم الاختصاص، و قالوا: إنّه تنال الشفاعه للمذنبین من الشیعه و لو کان من أهل الکبایر و الذى دلت علیه أخبارهم أیضا عدم اختصاص الشفیع برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بل الأئمّه الهداه من ذرّیته و کذا ابنته الصّدیقه الکبرى سلام اللّه علیها و علیهم تترى أیضا شفعاء دار البقاء بل المستفاد من بعض الأخبار أنّ علماء الشّیعه و الصالحین منهم أیضا یشفعون.

إذا عرفت ذلک فلا بأس بایراد بعض الایات و الأخبار الوارده فی هذا الباب فأقول: قال أمین الاسلام فی مجمع البیان فی تفسیر قوله تعالى عَسى‏ أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً معناه یقیمک ربک مقاما محمودا یحمدک فیه الأَوّلون و الاخرون، و هو مقام الشّفاعه تشرف فیه على جمیع الخلایق تسأل فتعطى و تشفع فتشفع.

و قد أجمع المفسّرون على أنّ المقام المحمود هو مقام الشّفاعه، و هو المقام الذى یشفع فیه للنّاس، و هو المقام الذى یعطى فیه لواء الحمد فیوضع فی کفّه و یجتمع تحته الأنبیاء و الملائکه فیکون أوّل شافع و أوّل مشفّع.

و قال علیّ بن إبراهیم فی تفسیر هذه الایه: حدّثنى أبی عن الحسن بن محبوب عن سماعه عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: سألته‏عن شفاعه النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یوم القیامه قال یلجم الناس یوم القیامه بالعرق فیقولون انطلقوا بنا إلى آدم علیه السّلام یشفع لنا، فیأتون آدم علیه السّلام، فیقولون اشفع لنا عند ربک فیقول: إنّ لى ذنبا و خطیئه فعلیکم بنوح علیه السّلام، فیأتون نوحا فیردهم إلى من یلیه، و یردّهم کلّ نبیّ إلى من یلیه حتّى ینتهوا إلى عیسى علیه السّلام فیقول: علیکم بمحمّد رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، فیعرضون أنفسهم علیه و یسألونه فیقول: انطلقوا فینطلق بهم إلى باب الجنّه و یستقبل باب الرّحمن و یخرّ ساجدا فیمکث ما شاء اللّه فیقول اللّه: ارفع رأسک و اشفع تشفّع و سل تعط، و ذلک قول اللّه عزّ و جل عَسى‏ أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً.

و روى علیّ بن إبراهیم أیضا عن أبیه عن محمّد بن أبی عمیر عن معاویه و هشام عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: لو قد قمت المقام المحمود لشفعت فی أبی و امّى و عمّی و أخ کان لى فی الجاهلیّه.

و فى الصافى عن العیاشی عن أحدهما علیهما السّلام فی هذه الایه قال: هى الشّفاعه.

و فیه عن روضه الواعظین عن النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قال: هو المقام الذى أشفع لامّتی.

قال و قال صلّى اللّه علیه و آله إذا قمت المقام المحمود تشفّعت فی أصحاب الکبایر من امّتی فیشفعنى اللّه فیهم، و اللّه لا تشفعت فیمن أذى ذرّیتى و قال الطبرسیّ فی قوله تعالى وَ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَهُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ إنّه لا تنفع الشّفاعه عند اللّه إلّا لمن رضیه اللّه و ارتضاه و أذن له فی الشفاعه مثل الملائکه و الأنبیاء و الأولیاء، و یجوز أن یکون المعنى إلّا لمن أذن اللّه فی أن یشفع له فیکون مثل قوله وَ لا یَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى‏ و إنّما قال سبحانه ذلک، لأنّ الکفار کانوا یقولون نعبدهم لیقرّبونا إلى اللّه زلفى و هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه، فحکم اللّه ببطلان اعتقاداتهم.

و فى تفسیر علىّ بن إبراهیم فی هذه الایه قال: لا یشفع أحد من أنبیاء اللّه و رسله یوم القیامه حتّى یأذن اللّه له إلّا رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فانّ اللّه قد أذن له الشّفاعه من قبل یوم القیامه و الشفاعه له صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و للأئمه من ولده، ثمّ بعد ذلک للأنبیاء صلوات‏اللّه علیهم و على محمّد و آله قال: حدّثنى أبی عن ابن أبى عمیر عن معاویه بن عمّار عن أبی العبّاس المکبّر قال: دخل مولى لامرأه علیّ بن الحسین علیهما السّلام على أبی جعفر علیه السّلام یقال له أبو أیمن فقال: یا أبا جعفر تغترّون الناس و تقولون شفاعه محمّد شفاعه محمّد، فغضب أبو جعفر علیه السّلام حتّى تربد وجهه ثمّ قال: ویحک یا أبا أیمن أغرّک أن عفّ بطنک و فرجک أما لو قد رأیت أفزاع القیامه لقد احتجت إلى شفاعه محمّد صلّى اللّه علیه و آله و یلک فهل یشفع إلّا لمن وجبت له النّار، ثمّ قال: ما أحد من الأوّلین و الاخرین إلّا و هو محتاج إلى شفاعه محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یوم القیامه ثمّ قال أبو جعفر علیه السّلام: إنّ لرسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم الشفاعه فی امّته و لنا شفاعه فی شیعتنا، و لشیعتنا شفاعه فی أهالیهم، ثمّ قال علیه السّلام: و إنّ المؤمن لیشفع فی مثل ربیعه و مضر، و إنّ المؤمن لیشفع حتّى لخادمه و یقول: یا ربّ حقّ خدمتى کان یقینى الحرّ و البرد.

و قال الطبرسیّ فى قوله عزّ و جلّ لا یَمْلِکُونَ الشَّفاعَهَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً أى لا یقدرون على الشفاعه فلا یشفعون و لا یشفع لهم حین یشفع أهل الایمان بعضهم لبعض، لأنّ تلک الشفاعه على وجهین: أحدهما أن یشفع للغیر، و الاخر أن یستدعى الشفاعه من غیره لنفسه، فبیّن سبحانه أنّ هؤلاء الکفار لا تنفذ شفاعتهم لغیرهم و لا شفاعه لهم لغیرهم، ثمّ استثنى سبحانه فقال: إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً، أى لا یملک الشفاعه إلّا هؤلاء، و قیل: لا یشفع إلّا لهؤلاء و العهد هو الایمان و الاقرار بوحدانیّه اللّه تعالى و تصدیق أنبیائه، و قیل: هو شهاده أن لا إله إلّا اللّه و أن یتبرّء إلى اللّه من الحول و القوّه و لا یرجو إلّا اللّه.

و فى الصافى من الکافی عن الصادق علیه السّلام إلّا من دان اللّه بولایه أمیر المؤمنین و الأئمّه علیهم السّلام من بعده فهو العهد عند اللّه.

و فیه من الجوامع عن النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم أنه قال لأصحابه ذات یوم:

أ یعجز أحدکم أن یتّخذ کلّ صباح و مساء عند اللّه عهدا قالوا: و کیف ذاک قال: یقول: اللّهمّ فاطر السّموات و الأرض عالم الغیب و الشّهاده إنی أعهد إلیک بأنّى أشهد أن لا إله إلّا أنت وحدک لا شریک لک و أنّ محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عبدک و رسولک و أنّک إن تکلنی إلى نفسى تقربنى من الشرّ و تباعدنى من الخیر، و أنّى لا أثق إلّا برحمتک، فاجعل لى عندک عهدا توفینه یوم القیامه إنّک لا تخلف المیعاد، فاذا قال ذلک طبع علیه بطابع وضع تحت العرش، فاذا کان یوم القیامه نادى مناد أین الذین لهم عند اللّه عهد فیدخلون الجنّه.

و قال الطبرسیّ فی قوله تعالى فَما لَنا مِنْ شافِعِینَ وَ لا صَدِیقٍ حَمِیمٍ فی الخبر المأثور عن جابر بن عبد اللّه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: إنّ الرّجل یقول فی الجنّه ما فعل صدیقى و صدیقه فی الجحیم، فیقول اللّه تعالى: أخرجوا له صدیقه إلى الجنّه، فیقول من بقى فی النّار: فما لنا من شافعین و لا صدیق حمیم.

و قال و روى العیاشیّ عن حمران بن أعین عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: و اللّه لنشفعنّ لشیعتنا، و اللّه لنشفعنّ لشیعتنا، و اللّه لنشفعنّ لشیعتنا حتّى یقول النّاس: فما لنا من شافعین و لا صدیق حمیم فلو أنّ لنا کرّه فنکون من المؤمنین، و فی روایه اخرى حتّى یقول عدوّنا.

و عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول: إنّ المؤمن لیشفع یوم القیامه لأهل بیته فیشفع فیهم حتّى یبقى خادمه فیقول و یرفع سبّا بتیه: یا ربّ خویدمى کان یقینی الحرّ و البرد، فیشفع فیه.

و فى الصافى من المحاسن عن الصادق علیه السّلام الشّافعون الأئمّه و الصّدیق من المؤمنین، و اللّه لنشفعنّ من المذنبین فی شیعتنا حتّى یقول أعداؤنا إذا رأوا ذلک: فما لنا من شافعین و لا صدیق حمیم.

و فیه من الکافی عن الباقر علیه السّلام و انّ الشّفاعه لمقبوله و لا تقبل فی ناصب، و إنّ المؤمن لیشفع فی جاره و ما له حسنه فیقول: یا ربّ جارى کان یکفّ عنّى الأذى فیشفع فیه فیقول اللّه تبارک و تعالى: أنا ربّک و أنا أحقّ من کافی عنک فیدخله‏ اللّه الجنّه و ماله حسنه، و إنّ أدنى المؤمنین شفاعه لیشفع لثلاثین إنسانا فعند ذلک یقول أهل النار: فما لنا من شافعین و لا صدیق حمیم و لنقتصر بذلک فی هذا المقام و نسأل اللّه سبحانه بمحمّد صلّى اللّه علیه و آله الکرام علیهم السّلام أن یثبتنا على القول الثّابت فی الحیاه الدّنیا، و أن یخرجنا منها إلى الدّار الأخرى بموالاه أئمّه الهدى، و أن لا یحرمنا من شفاعتهم الکبرى یوم لا ینفع مال و لا بنون و لا یدفع صدیق حمیم إلّا من أتى اللّه بقلب سلیم، إنّه الغفور الرحیم ذو الفضل العظیم.

الترجمه

از جمله خطب شریفه آن بزرگوار است در حمد و ثناى إلهى و وصیّت به تقوى و پرهیزکارى مى ‏فرماید: سپاس خدا راست آن چنان خدائى که آشکار کرد از آثار پادشاهى خود و بزرگى بزرگوارى خود آن چیزى را که متحیّر گردانید دیدهاى عقلها را از مقدورات عجیبه خود، و دفع نمود خطورات فکرهاى نفسها را از شناسائى حقیقت صفت خود و شهادت مى‏ دهم باین که معبود بحقى نیست مگر خدا شهادتى از روى اعتقاد جازم ثابت خالص از شوب ریا ملازم طاعات و عبادات، و شهادت مى ‏دهم که محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بنده خالص اوست و پیغمبر اوست فرستاد او را در حالتى که نشانهاى هدایت مندرس بود، و راههاى دین محو شده بود، پس آشکار کرد حق را و نصیحت کرد خلق را و هدایت نمود براه راست، و امر نمود بعدل و قسط، صلوات خدا بر او و بر أولاد او باد.

و بدانید اى بندگان خدا که بتحقیق خدا خلق نفرموده شما را عبث و بى ‏فایده و رها نکرده شما را سر خود، دانسته است مقدار نعمتهاى خود را بر شما، و شمرده است انعام خود را بر شما، پس طلب فتح و نصرت کنید از او و طلب فوز بمقصود نمائید از او، و متوجّه شوید بسوى او در مطالب، و طلب بخشش او کنید، پس‏نبریده است شما را از او پرده، و بسته نشده است از شما نزد او هیچ درى، و بدرستى که او در هر مکان و در هر وقت و زمان حاضر، و با هر انسان و جانّ مصاحب.

صدمه نمى ‏رساند کرم او را بخشش و عطا، و نقصان نمى ‏رساند خزانه احسان او را کرم او، و تمام نمى ‏نماید بحر عطاى او را هیچ سؤال کننده، و بپایان نمى‏ رساند نعمتهاى او را هیچ عطیه، پیچیده نمى‏ نماید او را شخصى از شخصى، و مشغول نمى‏ گرداند او را آوازى از آوازى، و مانع نمى‏ شود او را بخششى از ربودنى، و رو گردان نمى ‏سازد او را غضبى از رحمتى، و حیران نمى‏ گرداند او را رأفتى از عذابى، و پنهان نمى‏ دارد پنهانى ذات او از آشکارى آثار او، و منقطع نمى‏ سازد ظهور آثار او از خفاء ذات او، نزدیک شد بمخلوقات با علم و قیومیّت پس دور شد از ایشان بحسب ذات، و بلند شد بهمه چیز با استیلا و سلطنت پس نزدیک شد بایشان با علم و احاطه و ظاهر شد پس از کثرت ظهور خفا بهم رساند، و مخفى گشت پس در خفایش آشکار گردید، و لنعم ما قیل:

         از همه کان بى نیاز و بر همه مشفق            و ز همه عالم نهان و بر همه پیدا

و جزا داد بهمه عباد و جزا داده نشد، و خلق نفرمود خلق را با جولان فکر و تدبیر، و طلب اعانت نجست از ایشان بجهت عجز و ضعفى.

وصیّت می کنم شما را اى بندگان خدا بتقوى و پرهیزکارى خدا پس بدرستى که آن تقوى افساریست مانع از دخول هلاکتها، و قوام دین شما با اوست، پس بچسبید بریسمانهاى محکم او، و چنک بزنید بحقیقتهاى آن یعنى اعتقادات حقه یقینیه که راجع مى‏ سازد شما را بمکان‏هاى راحت و وطنهاى با وسعت و حصارهاى محکم و منزلهاى عزت در روزى که شاخص مى‏ شود در آن دیدها، و تاریک مى‏ شود بسبب شدت آن روز اطراف عالم، و معطل و بى صاحب مى‏ ماند در آن روز شتران کم شیر که از مدت حمل او ده ماه گذشته باشد و نزدیک بزائیدن شود.

و دمیده شود در صور اسرافیل پس مضمحل و هلاک مى ‏شود هر قلب، و لال مى‏ شود هر زبان، و ذلیل مى ‏شود کوههاى بلند بالا و سنگهاى سخت محکم پس مى‏ گردد سنگهاى صلب آنها مثل سراب متحرّک، و قرارگاههاى آنها زمین خالى هموار بى بلند و پست، پس نباشد شفیعى که شفاعت نماید، و نه خویشى که دفع عذاب کند و نه عذرى که منفعت بخشد.

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۱۲۸

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۹۳ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)صفات منافقین

خطبه ۱۹۴ صبحی صالح

۱۹۴- و من خطبه له ( علیه ‏السلام  ) یصف فیها المنافقین‏

نَحْمَدُهُ عَلَى مَا وَفَّقَ لَهُ مِنَ الطَّاعَهِ وَ ذَادَ عَنْهُ مِنَ الْمَعْصِیَهِ وَ نَسْأَلُهُ لِمِنَّتِهِ تَمَاماً وَ بِحَبْلِهِ اعْتِصَاماً

وَ نَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ خَاضَ إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ کُلَّ غَمْرَهٍ وَ تَجَرَّعَ فِیهِ کُلَّ غُصَّهٍ

وَ قَدْ تَلَوَّنَ لَهُ الْأَدْنَوْنَ وَ تَأَلَّبَ عَلَیْهِ الْأَقْصَوْنَ وَ خَلَعَتْ إِلَیْهِ الْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا وَ ضَرَبَتْ إِلَى مُحَارَبَتِهِ بُطُونَ رَوَاحِلِهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ بِسَاحَتِهِ عَدَاوَتَهَا مِنْ أَبْعَدِ الدَّارِ وَ أَسْحَقِ الْمَزَارِ

أُوصِیکُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ أُحَذِّرُکُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ وَ الزَّالُّونَ الْمُزِلُّونَ

یَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً وَ یَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً وَ یَعْمِدُونَکُمْ بِکُلِّ عِمَادٍ وَ یَرْصُدُونَکُمْ بِکُلِّ مِرْصَادٍ قُلُوبُهُمْ دَوِیَّهٌ وَ صِفَاحُهُمْ نَقِیَّهٌ

یَمْشُونَ الْخَفَاءَ وَ یَدِبُّونَ الضَّرَاءَ وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ وَ قَوْلُهُمْ شِفَاءٌ وَ فِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَیَاءُ حَسَدَهُ الرَّخَاءِ وَ مُؤَکِّدُو الْبَلَاءِ وَ مُقْنِطُو الرَّجَاءِ

لَهُمْ بِکُلِّ طَرِیقٍ صَرِیعٌ وَ إِلَى کُلِّ قَلْبٍ شَفِیعٌ وَ لِکُلِّ شَجْوٍ دُمُوعٌ یَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ وَ یَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاءَ إِنْ سَأَلُوا أَلْحَفُوا وَ إِنْ عَذَلُوا کَشَفُواوَ إِنْ حَکَمُوا أَسْرَفُوا

قَدْ أَعَدُّوا لِکُلِّ حَقٍّ بَاطِلًا وَ لِکُلِّ قَائِمٍ مَائِلًا وَ لِکُلِّ حَیٍّ قَاتِلًا وَ لِکُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً وَ لِکُلِّ لَیْلٍ مِصْبَاحاً

یَتَوَصَّلُونَ إِلَى الطَّمَعِ بِالْیَأْسِ لِیُقِیمُوا بِهِ أَسْوَاقَهُمْ وَ یُنْفِقُوا بِهِ أَعْلَاقَهُمْ یَقُولُونَ فَیُشَبِّهُونَ وَ یَصِفُونَ فَیُمَوِّهُونَ قَدْ هَوَّنُوا الطَّرِیقَ وَ أَضْلَعُوا الْمَضِیقَ

فَهُمْ لُمَهُ الشَّیْطَانِ وَ حُمَهُ النِّیرَانِ أُولئِکَ حِزْبُ الشَّیْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّیْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۱۲  

و من خطبه له علیه السّلام یصف فیها المنافقین و هى المأه و الثالثه و التسعون من المختار فى باب الخطب

نحمده على ما وفّق له من الطّاعه، و ذاد عنه من المعصیه، و نسأله لمنّته تماما، و بحبله اعتصاما، و نشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عبده و رسوله، خاض إلى رضوان اللّه کلّ غمره، و تجرّع فیه کلّ غصّه، و قد تلوّن له الأدنون، و تألّب علیه الأقصون، و خلعت إلیه العرب أعنّتها، و ضربت إلى محاربته بطون رواحلها، حتّى أنزلت بساحته عداوتها من أبعد الدّار، و أسحق المزار.

أوصیکم عباد اللّه بتقوى اللّه، و أحذّرکم أهل النّفاق، فإنّهم الضّالّون المضلّون، و الزّالّون المزلّون، یتلوّنون ألوانا، و یفتنّون افتنانا، و یعمدونکم بکلّ عماد، و یرصدونکم بکلّ مرصاد، قلوبهم دویّه، و صفاحهم نقیّه، یمشون الخفاء، و یدبّون الضّراء، وصفهم دواء، و قولهم شفاء، و فعلهم الدّآء العیاء، حسده الرّخاء، و مؤکّدواالبلاء، و مقنّطوا الرّجاء، لهم بکلّ طریق صریع، و إلى کلّ قلب شفیع، و لکلّ شجو دموع، یتقارضون الثّناء، و یتراقبون الجزاء، إن سئلوا ألحفوا، و إن عذلوا کشفوا، و إن حکموا أسرفوا، قد أعدّوا لکلّ حقّ باطلا، و لکلّ قائم مائلا، و لکلّ حیّ قاتلا، و لکلّ باب مفتاحا، و لکلّ لیل مصباحا، یتوصّلون إلى الطمع بالیأس لیقیموا به أسواقهم، و ینفّقوا به أعلاقهم، یقولون فیشبّهون و یصفون فیموّهون، قد هیّؤا الطّریق، و أضلعوا المضیق، فهم لمّه الشّیطان، و حمّه النّیران، أولئک حزب الشّیطان ألا إنّ حزب الشّیطان هم الخاسرون.

اللغه

قال فی محکیّ النهایه: قد تکرّر فی الحدیث ذکر النّفاق و ما تصرّف منه اسما و فعلا، و هو اسم لم یعرفه العرب بالمعنى المخصوص، و هو الّذی یستر کفره و یظهر ایمانه و ان کان أصله فی اللغه معروفا یقال نافق ینافق منافقه و نفاقا، و هو مأخوذ من النافقاء احد جحرتی الیربوع إذا طلب من واحد هرب إلى الاخر و خرج منه، و قیل من النفق و هو السّرب الّذى یستتر فیه لستره کفره انتهى.

و قال الطریحی: المنافق هو الّذی یستر الکفر و یظهر غیره من النّفق و هو السّرب فی الأرض أى یستتر بالاسلام کما یستتر فی السّرب.

و (الذّود) الطّرد و الدّفع و (خاض) فی الأمر دخل فیه و أصل الخوض دخول‏القدم فیما کان مایعا من الماء و الطّین، ثمّ کثر استعماله فی کلّ دخول فیه اذى و (الغمره) الشدّه و غمرات الموت شدائده، و فی القاموس غمره الشی‏ء شدّته و مزدحمه و (الغصّه) الشجی فی الحلق و الجمع غصص و (سحق) المکان فهو سحیق مثل بعد فهو بعید لفظا و معنا قال تعالى فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِیرِ أى بعدا و (المزار) المکان الّذى یزار منه أو فیه، و المراد هنا الأوّل و (زلّ) فلان عن الأمر أخطاه و أزلّه غیره أوقعه فی الخطاء.

و رجل (مفنن) ذو فنون فی القول و غیره (و یعمدونکم بکلّ عماد) قال الشّارح المعتزلی: أى یفدحونکم و یهدّونکم یقول عمده المرض یعمده أى هدّه بکلّ عماد أى بأمر فادح و خطب مؤلم، انتهى.

أقول: و یجوز جعل یعمدونکم بمعنى یقصدونکم و (رصدته) رصدا من باب قتل إذا قعدت له على طریقه تترقبه، و قعد فلان بالمرصد وزان جعفر و بالمرصاد بالکسر أى بطریق الارتقاب و الانتظار و (خفى) الشی‏ء یخفى خفاء بالفتح إذا استتر و (دبّ) النّمل دبیبا مشى مشیا رویدا و (الضراء) بالفتح و تخفیف الراء و المدّ الشّجر الملتف فى الوادى و (الدّاء العیاء) الّذى أعیا الأطبّاء و لم ینجع فیه الدّواء و (نفق) البیع نقاقا کسحاب راج و نفّق السّلعه تنفیقا روّجها کأنفقها و (الاعلاق) جمع علق کأحبار و حبر و هو النفیس من کلّ شی‏ء و (التمویه) التزیین و موّه الشی‏ء طلاه بفضّه أو ذهب و تحته نحاس لیزیّنه به.

قوله (قد هیؤا الطریق) فی بعض النسخ هیّؤا بالهمزه من التهیّاء، و فی بعض بالنّون من الهیّن و هو السّهل فکانّه منقول من الواو إلى الیاء، و الأصل هوّنوا الطریق أى سهّلوها و (أضلع) الشی‏ء أماله و جعله معوجا و ضلع الشی‏ء ضلعا من باب تعب أعوج و (اللّمه) بضمّ اللام و فتح المیم مخففه الجماعه و بالتشدید الصاحب و الاصحاب فی السّفر و المونس یستعمل فی الواحد و الجمع و (حمّه النیران) بالتشدید معظم حرّها و بالتّخفیف سمّ العقرب

الاعراب

من فی قوله: من الطاعه و من المعصیه بیان لما، و الضّمیر فی له و عنه عاید إلى ما، و قوله: خاض إلى رضوان اللّه إلى متعلّق بمقدّر حال من فاعل خاض أى متوجّها إلى رضوانه، و الخفاء و الضّراء منصوبان على الظّرفیّه المجازیّه.

المعنى

اعلم أنّ الخطبه السّابقه لما کانت فی وصف المتّقین عقّبها الرّضیّ «قد» بهذه الخطبه الّتی یصف علیه السّلام فیها المنافقین ملاحظه لحسن النّظم و بدیع ترتیب الکتاب، و المنافق حسبما عرفت آنفا هو الّذى یبطن الکفر و یظهر الایمان کما قال الشاعر:

للمؤمنین أمور محزیه
و للمنافق سرّ دونه نفق‏

و اطلاق المنافق بهذا المعنى هو المعروف فی الکتاب و السّنه، و المستفاد من بعض الأخبار أنّه قد یطلق على الناقص الایمان.

مثل ما رواه فی الکافی فی باب أصول الکفر و أرکانه عن عدّه من أصحابنا عن سهل بن زیاد عن بعض أصحابه عن عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: ثلاث من کنّ فیه کان منافقا و إن صام و صلّى و زعم أنّه مسلم: من إذا ائتمن خان، و إذا حدّث کذب، و إذا وعد أخلف إنّ اللّه عزّ و جلّ قال فی کتابه وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ و قال وَ الْخامِسَهُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَیْهِ إِنْ کانَ و فی قوله عزّ و جلّ وَ اذْکُرْ فِی الْکِتابِ إِسْماعِیلَ إِنَّهُ کانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ کانَ رَسُولًا نَبِیًّا.

و فیه فی باب النفاق و المنافق باسناده عن أبی حمزه عن علیّ بن الحسین علیهما السّلام قال: إنّ المنافق ینهى و لا ینتهى و یأمر بما لا یأتی، و إذا قام إلى الصّلاه اعترض، قلت: یا ابن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و ما الاعتراض قال علیه السّلام: الالتفات و إذا رکع ربض، یمسى و همّه العشاء و هو مفطر، و یصبح و همّه النوم و لم یسهر، إن حدّثک کذبک و إن ائتمنته خانک، و إن غبت اغتابک، و إن وعدک أخلفک.

إذا عرفت ذلک فأقول: إنّه علیه السّلام قبل أن یأخذ فى وصف المنافقین افتتح کلامه بما جرى عادته على الافتتاح به فى باب الخطابه من ثناء اللّه تعالى و تعظیمه و تمجید رسوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فقال (بحمده على ما وفق له من الطاعه و ذاد عنه من المعصیه) أى نحمده على ما وفّقنا له من طاعاته الموصله الى جنانه و المحصله لرضوانه، و على ما أبعدنا منه من سیئاته المؤدیه الى نیرانه، و الموجبه لخذلانه.

و حصول هذا التوفیق منه عزّ و جلّ فی حقه علیه السّلام بما أفاض علیه من القوّه العاصمه و ملکه العصمه الدّاعیه إلى المعروف و الرّادعه عن المنکر.

و اما فى حقّ غیره الذین شرّکهم«» معه فی ثنائه فبالأوامر و النواهى الوارده فى الکتاب و السّنه و اجتماع شرایط الطاعه و انقطاع أسباب المعصیه.

(و نسأله لمنّته تماما) أى نسأل منه عزّ و جلّ أن یتمّ علینا نعمته، فانّه المنّان الذى یبدء بالنوال قبل السؤال.

و المراد بنعمته التی سأل تمامها إما خصوص نعمه التوفیق المذکوره فى الجمله السابقه أو الأعمّ منها، و الأوّل أولى بسبق العهد، و الثانی أنسب بمقام السؤال فان قلت: نعم اللّه سبحانه غیر متناهیه کما قال عزّ من قائل «وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَهَ اللَّهِ لا» فکیف سأل تمامیّتها و هى أجلّ عن أن تستقصى و أعظم من أن تستتمّ.

قلت: إن ارید بمنّته خصوص نعمه التوفیق فلا إشکال، و یراد حینئذ بتمامیّتها کمالها و استمرارها إلى آخر العمر، و إن ارید الأعمّ فیراد بتمامیّتها أن ینضمّ ما أنعم به علیه فى الدّنیا إلى نعمه الاخره أى یصل نعمه الدّنیا بنعمه الاخره کما قاله بعض المفسرین فى قوله تعالى وَ کَذلِکَ یَجْتَبِیکَ رَبُّکَ وَ یُعَلِّمُکَ مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ وَ یُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ وَ عَلى‏ آلِ یَعْقُوبَ من أنّ المراد بقوله یتمّ نعمته أن یصل نعمه الدّنیا بنعمه الاخره بأن یجعلهم أنبیاء و ملوکا ثمّ ینقلهم إلى نعیم الاخره و الدّرجات العلى من الجنّه (و) نسأله (بحبله اعتصاما) أى تمسّکا بکتابه المبین، فانّه حبل اللّه المتین‏ کما وصفه علیه السّلام بذلک فى الخطبه المأه و الخامسه و السبعین و کذلک وصفه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله أیضا به فى حدیث الثقلین الذى قدّمنا روایته فى شرح الخطبه السادسه و الثمانین.

و استعیر عنه أیضا فى الکتاب العزیز فى قوله «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِیعاً وَ لا تَفَرَّقُوا» على أحد تفاسیره، و وجه الاستعاره أنّ الاعتصام و التمسک بالحبل الوثیق المحکم کما أنه سبب النجاه من المهاوى و المهالک، فکذلک بالتمسک بالقرآن یحصل النجاه من الکفر و الضلال الموجب للهلاک الدّائم و الخزى العظیم.

و روى الطریحى فى مجمع البحرین عن علىّ بن الحسین علیهما السّلام قال: الامام منّا لا یکون إلّا معصوما و لیست العصمه فی ظاهر الخلقه فتعرف، قیل: فما معنى المعصوم قال علیه السّلام: المعتصم بحبل اللّه، و حبل اللّه هو القرآن لا یفترقان إلى یوم القیامه.

و بما ذکرناه ظهر أنّ جعل المراد بالحبل فی المتن هو القرآن أولى و أظهر من تفسیره بالدّین القویم کما فی شرح البحرانی، هذا.

و لمّا حمد اللّه عزّ و جلّ بما هو أهله عقّبه بالشهاده بالرّساله فقال (و نشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عبده و رسوله) قد مرّ بیان معنى العبد و أنّ مرتبه الرّساله فوق مرتبه العبودیّه فی شرح الخطبه الاحدى و السبعین فلیتذکر.

و لمّا شهد برسالته اتبعه بشرح حاله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حین أداء الرّساله فقال (خاض إلى رضوان اللّه کلّ غمره) استعار لفظ الغمره عن غمره الماء و هی معظمه و مزدحمه للشدائد و المکاره الّتى ابتلى بها حین بعثته، و الجامع للاستعاره أنّ غمره الماء کما تغمر و تغطى الخائض فیها من کلّ جانب فکذلک تلک المکاره و الشدائد حسبما تعرف کانت محیطه به صلّى اللّه علیه و آله و سلّم من کلّ طرف، و رشّح الاستعاره بذکر لفظ الخوض.

و محصّل المراد انّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم تحمل کلّ مکروه توجّها إلى منتهى رضاه عزّ و جلّ (و تجرّع فیه کلّ غصّه) أى تجرّع الغصص فی تحصیل رضوانه تعالى، أى ابتلعها جرعه بعد جرعه و أراد بالغصص الغموم و الهموم العارضه له من مزید أذى المشرکین‏و سوء فعالهم.

(و قد تلوّن له الأدنون) أى تغیّر له أقاربه من قریش ألوانا (و تألّب علیه الأقصون) أى تجمّع على حربه الأباعد منه نسبا من أقصى البلاد (و خلعت) متوجّهه (الیه) معاشر (العرب أعنّتها و ضربت إلى محاربته بطون رواحلها) قال الشارح البحرانی: هذان مثلان کنّی بهما عن المسارعه إلى حربه لأنّ أقوى عدو الخیل إذا خلعت أعنّتها و أقوى عدوّ الرّواحل إذا ضربت بطونها و فیه ایماء إلى أنّهم أتوه فرسانا و رکبانا مسرعین إلى حربه.

(حتى انزلت بساحته) و منزله (عداوتها) أى حربها و اطلاقها علیه من باب اطلاق اسم السبب على المسبب، أى أسرعوا إلى حربه صلّى اللّه علیه و آله (من أبعد الدّار و أسحق المزار) و فیه إشاره إلى غایه عداوتهم، لأنّ الظعن إلى الحرب من مکان بعید لا یکون إلّا عن اهتمام أکید و عناد عنید و عداوه شدیده.

قال الشارح المعتزلی: من قرء کتب السّیر علم ما لاقى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله فی ذات اللّه من المشقّه و استهزاء قریش به فی أوّل الدّعوه و رمیهم إیّاه بالحجاره حتى أدموا عقیبه و صیاح الصبیان به و القاء فرث الکرش على رأسه، و فتل الثوب فى عنقه، و حصره و حصر أهله فی شعب بنی هاشم سنین عدیده محرّمه معاملتهم و مبایعتهم و مناکحتهم و کلامهم حتى کادوا یموتون جوعا لو لا أنّ بعض من کان یحنو علیهم لرحم أو لسبب غیره فهو یسرق الشی‏ء القلیل من الدّقیق أو التمر فیلقیه إلیهم لیلا.

ثمّ ضربهم أصحابه و تعذیبهم بالجوع و الوثاق فی الشمس و طردهم إیاه عن شعاب مکه حتى خرج من خرج منهم إلى الحبشه و خرج صلّى اللّه علیه و آله مستجیرا منهم تاره بثقیف، و تاره ببنى عامر، و تاره بربیعه الفرس و بغیرهم.

ثمّ أجمعوا إلى قتله و الفتک به لیلا حتى هرب منهم لائذا بالأوس و الخزرج، تارکا أهله و أولاده و ما حوته یده، ناجیا بحشاشه نفسه حتى وصل إلى المدینه، فناصبوه الحرب و رموه بالمناسر و الکتائب، و ضربوا له آباط الابل.

و لم یزل منهم فی عناء شدید و حروب متصله حتى أکرمه اللّه تعالى و أیّده و نصر دینه و أظهره، انتهى.

و محصّل الکلام أنه صلّى اللّه علیه و آله قد کابد الشدائد و قاسى الهموم و تجرّع الغصص لتأسیس أساس الاسلام و تشیید قوائم الدّین، هذا.

و انما مهّد علیه السّلام تلک المقدّمه أعنی مقدّمه البعثه لأنّه لما کان غرضه الأصلى من هذه الخطبه التحذیر من المنافقین الذین کان همّهم فی إبطال الدّین و ترویج الباطل، أراد أن ینبّه على مزید خبث طینتهم الموجب لمزید الحذر منهم حیث إنهم یریدون لیطفؤا نور اللّه، و یبطلوا الدّین القویم الذى قد قوسی فیه هذه المکاره، و احتمل تلک المشاق الکثیره.

و قبل التحذیر منهم أوصى المخاطبین بما لا یزال یوصى به فقال (اوصیکم عباد اللّه بتقوى اللّه) و التصلّب فی الدّین (و أحذّرکم) من کید (أهل النفاق) و خدیعه الخائنین أى الذین أظهروا الاسلام و أبطنوا الکفر.

و الظاهر أنّ غرضه علیه السّلام منه التعریض على معاویه و عمرو بن العاص و أمثالهما من المنتحلین للاسلام، و یشعر بذلک قوله علیه السّلام فی عهده الاتی فی المتن إلى محمّد بن أبی بکر حین قلّده مصر حیث قال فیه متعرّضا على معاویه: فانه لا سواء إمام الهدى و إمام الرّدى، و ولیّ النبیّ و عدوّ النبیّ، و لقد قال لی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله إنی لا أخاف على امتى مؤمنا، و لا مشرکا، أمّا المؤمن فیمنعه اللّه بایمانه، و أمّا المشرک فیقمعه اللّه بشرکه، و لکنّی أخاف علیکم کلّ منافق الجنان، عالم اللّسان، یقول ما تعرفون، و یفعل ما تنکرون.

و لما حذّر عن المنافقین اتبعه بذکر مذامّهم و مثالبهم تنفیرا عنهم و قال (فانّهم الضالّون) عن الصراط المستقیم و النهج القویم (المضلّون) لغیرهم عنه بالشبه و التمویه (و الزّالون المزلّون) أى الخاطئون الموقعون لغیرهم فى الخطاء أیضا.

(یتلوّنون ألوانا) أى یتغیّرون فى أقوالهم و أفعالهم من حال إلى حال بحسب‏تبدّل أهوائهم الفاسده فیلاقون کلا بوجه و لسان غیر الاخر.

(و یفتنون افتنانا) أى یتشعّبون بأنحاء مختلفه فى القول و العمل على مقتضى اختلاف آرائهم الباطله.

(و یعمدونکم بکلّ عماد) أى یقصدونکم بکلّ أمر فادح ثقیل و خطب مؤلم على وجه الخدعه و الحیله.

(و یعمدونکم بکلّ عماد) أى یقصدونکم بکلّ أمر فادح ثقیل و خطب مؤلم على وجه الخدعه و الحیله.

(و یرصدونکم بکلّ مرصاد) أى یترقّبونکم و یقعدون منتظرین بکلّ طریق معدّ للارتقاب، یعنی أنّهم لا یغفلون عنکم و لا یدعون مراقبتکم و یهیّئون وجوه الحیل فی اضلالکم و إصابتکم بکلّ مکروه.

(قلوبهم دویّه) أى فاسده من داء أصابها و هو الدّاء النّفسانی الموجب لمرضها کالحقد و الحسد و العداوه و البخل و النّفاق و الشّک و الارتیاب، قد وصفهم اللّه سبحانه أیضا بهذا الوصف حیث قال «فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً.

قال الطبرسى فى تفسیر الایه، إنما سمى الشک فی الدّین مرضا لأنّ المرض هو الخروج عن حدّ الاعتدال، فالبدن ما لم تصبه آفه یکون صحیحا سویّا، و کذلک القلب ما لم یصبه آفه من الشّکّ یکون صحیحا، و قیل: المرض هو الفتور فهو فی القلب فتوره عن الحقّ کما أنّه فی البدن فتور الأعضاء.

(و صفاحهم نقیّه) أى صفحات وجوههم طاهره نظیفه، و هو کنایه عن اتّصاف ظاهرهم بالبشر و البشاشه و المحبّه و النّصح و الصّداقه خلاف ما فی باطنهم من الشرّ و الفساد و اللّدد و العناد.

(یمشون) فی (الخفاء) أى مختفیا قال الشارح البحرانی: و هو کنایه عن کون حرکاتهم القولیّه و الفعلیّه فیما یریدونه فی خفاء أفهام النّاس.

(و یدبّون الضّراء) و هو مثل یضرب لمن أراد أن یختل صاحبه یقال: فلان یدبّ له الضّراء إذا أراد بصاحبه سوء و أذى من حیث لا یعلم، کمن یمشى فی الشّجر الملتف الساتر للاصطیاد.

(وصفهم دواء و قولهم شفاء و فعلهم الدّاء العیاء) یعنی أنّهم یتّصفون ظاهرابأوصاف أهل الایمان أو أنّهم یصفون من الطاعات و الخیرات ما هو دواء الأمراض النفسانیه کالمؤمنین، و یقولون من الأقوال الحسنه و المواعظ البالغه ما هو شفاء الصّدور کالنّاسکین و الزّاهدین، و یفعلون فعل الفاسقین الفاجرین الّذى هو الدّاء الأکبر المعیی للأطباء من العلاح.

و محصّله أنّهم یتّصفون ظاهرا بصفات المؤمنین، و یتکلّمون بمثل کلامهم إلّا أنّ أفعالهم خلاف أقوالهم، و باطنهم مناف لظاهرهم کما قال تعالى فی وصفهم «یَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما یَکْتُمُونَ» و قال أیضا «وَ إِذا لَقُوا الَّذِینَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى‏ شَیاطِینِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَکُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ» و فی سوره آل عمران «ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا یُحِبُّونَکُمْ وَ تُؤْمِنُونَ بِالْکِتابِ کُلِّهِ وَ إِذا لَقُوکُمْ قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَیْکُمُ».

(حسده الرّخاء) أى إن رأوا لأحد سعه و رفاهیّه فی العیش و نعمه أنعم اللّه سبحانه بها علیه یحسدونه و یحزنونه به کما قال تعالى إِنْ تَمْسَسْکُمْ حَسَنَهٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْکُمْ سَیِّئَهٌ یَفْرَحُوا بِها (و مؤکّدوا البلاء) یعنی إذا وقع أحد فی بلاء و مکروه یسعون فی تأکیده و تشدیده بالسّعایه و النمیمه و سایر أسباب التشدید، و لا یسعون فی دفعه و رفعه و اصلاحه و فی بعض النّسخ و مولّدوا البلاء باللّام و هو ظاهر.

(و مقنطوا الرّجاء) قال البحرانی: أى إذا رجا راج أمرا ففی طباعهم أن یقنطوه و یؤیسوه، و هکذا شأن المنافق الکذّاب أن یبعّد القریب و یقرّب البعید أقول: و یحتمل أن یکون المراد أنّهم بمقتضى خبثهم الباطنی یقنّطون الرّاجین من رحمه اللّه عزّ و جلّ و یؤیسونهم منها، و ذلک لقنوطهم فی أنفسهم منها بما لهم من الغیّ و الضّلال کما قال تعالى وَ مَنْ یَقْنَطُ مِنْ رَحْمَهِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (لهم بکلّ طریق صریع) الظّاهر أنّ المراد به أنّ لهم فی کلّ طریق من طرق البرّ صرعى أى هلکى لاضلالهم النّاس عنها، و قال الشّارح البحرانی: إنّه کنایه عن کثره من یقتلونه أو یؤذونه بخدیعتهم و کنّى بالطّریق إمّا عن کلّ مقصدقصدوه أو عن کلّ حیله احتالوها و مکر مکروه، فانّه لا بدّ أن یستلزم أذى و الأظهر ما قلناه.

(و إلى کلّ قلب شفیع) أى إلى صرف کلّ قلب نحوهم و عطفه إلیهم وسیله و واسطه، و هى خلابه ألسنتهم و ملقهم و ما یظهرونه من التّلطّف و التّؤدد و التّملق أو المراد أنّ لهم إلى تحریف کلّ قلب و إضلاله عن الحقّ شفیع، و على أىّ تقدیر فالمراد به التّنبیه على شدّه استیلائهم على القلوب و تمکّنهم من التّصرّف فیها بأىّ نحو کان.

(و لکلّ شجو دموع) یعنی أنّهم یسکبون دموعهم و یبکون ریاء عند کلّ محزون و مصاب تخییلا بأنّهم مشارکوهم فی الحزن و الأسف و قصدهم بذلک التوصّل إلى حصول أغراضهم الفاسده.

(یتقارضون الثّناء) أى یثنى أحدهم على الاخر لیثنى الاخر علیه کأنّه یقرض الثناء لیأخذ عوضه.

(و یتراقبون الجزاء) أى یترقّب کلّ واحد منهم جزاء محمدته و ثنائه من صاحبه إذا أثنى علیه و ینتظر أن یجزیه بمثل ثنائه أو بغیره من وجوه الجزاء.

(إن سألوا ألحفوا) أى أسرّوا فی سؤالهم و ألحوّا فیه (و إن عذلوا کشفوا) یعنی إن لاموا أحدا ببعض المعایب کشفوا عیوبه عند الأجانب و الأقارب، و ربما یظهرونها عند من لا یرضى بالاظهار عنده، و ذلک لعدم کون نصحهم عن وجه الصدق و الخلوص حتى یناصحوه فی الخلوه لا فى الملاء.

(و ان حکموا أسرفوا) أى إذا ولى أحدهم ولایه أسرف فیها بالظلم و الطغیان و أفرط فی الأکل و الشرب و الانهماک فى شهوات نفسه کما فعل معاویه فی ولایه الشام.

و یحتمل أن یراد به أنهم إذا فوّض إلیهم الحکم تعدّوا فیه و تجاوزوا عن الاعتدال کما صدر عن عمرو بن العاص و أبی موسى الأشعری فی قضیّه التحکیم.

(قد أعدّوا لکلّ حقّ باطلا) أى هیّؤا لابطال الحقّ شبهه فاسده باطله لیموّهوا

بها کما اعتذر المنافق الثانی فی زوى الخلافه عنه علیه السّلام بأنّ فیه دعابه، و تبعه على ذلک عمرو بن العاص اللّعین کما حکى علیه السّلام عنه فی المختار الثالث و الثمانین بقوله: عجبا لابن النابغه یزعم لأهل الشام إنّ فیّ دعابه و إنّی امرء تلعابه.

(و لکلّ قائم مائلا) أى أعدّوا لکلّ أمر صحیح مستقیم لیس به اعوجاج ما یوجب اعوجاجه من الشّبه و التمویهات.

(و لکلّ حىّ قاتلا) یحتمل أن یراد به خصوص ذى الحیاه من نوع الانسان فیراد بالقاتل معناه المعروف و أن یراد به معناه المجازى أى هیؤا لکلّ ما له قوام و ثبات من امور الدّین ما یوجب فساده و إبطاله کما قال علیه السّلام فی المختار المأه و السابع و العشرین، و انما حکم الحکمان لیحییا ما أحیى القرآن و یمیتا ما أمات القرآن و إحیاؤه الاجتماع علیه و إماتته الافتراق عنه.

(و لکلّ باب مفتاحا) أى لکلّ باب من أبواب الضلال مفتاحا من وجوه التدبیر و الحیل یفتحونه به على الناس لاضلالهم.

(و لکلّ لیل مصباحا) أى لکلّ أمر مظلم یعیی فیه رأیا یستضاء به فیه و یهتدى به إلیه کما دبّره ابن العاص عند ضیق الخناق على أهل الشام بصفّین من رفع المصاحف على الرّماح صبیحه لیله الهریر، فأنجاهم بتلک الحیله و المکیده عن هذه الورطه العظیمه.

(یتوصّلون إلى الطمع بالیأس) لعلّ المراد أنهم یتزهّدون و یظهرون الیأس و الاستغناء عما فی أیدى الناس و صله به إلى مطامعهم، و محصله أنهم یترکون الدنیا للدّنیا و یستغنون عن الناس تزویرا.

(لیقیموا به أسواقهم و ینفقوا به أعلاقهم) شبههم فى قصدهم إلى إضلال الناس بالتاجر الذی یجلس فی السوق و یعرض متاعه على المشترین و یرغبهم إلیه بحسن المعامله قصدا إلى رواج متاعه، فجعلهم بمنزله التاجر، و ما عندهم من متاع الضلال بمنزله المبیع، و من یریدون إضلاله بمنزله المشترى، و ما عنده من الهدى بمنزله الثمن.

فیکون محصّل المعنى أنهم یظهرون الیأس من الناس جلبا لقلوبهم إلیهم، و توصلا به إلى ما یطمعونه منهم من الاضلال و الاغواء و غرضهم بذلک إقامه أسواقهم أى انتظام معاملتهم معهم و ترویج ما لدیهم من متاع الضلال الذی یزعمون أنه متاع نفیس مع أنه خبیث خسیس.

(یقولون فیشبهون) أى یقولون قولا فاسدا فیوقعون به الشبهه فی قلوب الخلق (و یصفون فیموّهون) أى یصفون الباطل و یزیّنونه بصوره الحقّ.

(قد هیّنوا الطریق و أضلعوا المضیق) لعلّ المراد به أنهم جعلوا الطریق المؤدّى إلى الضلال سهلا هینا لمن أرادوا اسلاکهم فیه بالخدع و التمویهات، و جعلوا المسلک الضیق معوجا لمن أراد الخروج من ورطه الضلال بعد تورطه فیها، فسهوله الطریق بالنسبه إلى الوارد، و الضیق و الاعوجاج بالنسبه إلى الخارج.

(فهم لمه الشیطان) أى جماعته و أصحابه و أتباعه (وحمه النیران) أى معظم حرّها و قال الشارح البحرانی مستعار لمعظم شرورهم، و وجه المشابهه استلزامها للأذى البالغ و کذلک حمه التخفیف.

(اولئک حزب الشیطان) لاضلالهم الناس عن الهدى إلى الرّدى (ألا إنّ حزب الشیطان هم الخاسرون) اقتباس من الایه الشریفه فی سوره المجادله قال تعالى اسْتَحْوَذَ عَلَیْهِمُ الشَّیْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِکْرَ اللَّهِ أُولئِکَ حِزْبُ الشَّیْطانِ الایه.

قال الطبرسی فی تفسیره: أى استولی علیهم یعنی المنافقین و غلب علیهم لشدّه اتباعهم ایاه فأنساهم ذکر اللّه حتى لا یخافون اللّه و لا یذکرونه، اولئک حزب الشیطان أى جنوده، ألا انّ حزب الشیطان هم الخاسرون، یخسرون الجنّه و یحصل لهم بدلها النار.

أقول: و بعباره أوضح أنهم فوّتوا على أنفسهم النعیم المؤبّد و عرضوها للعذاب المخلّد بما اتّصفوا به من صفه النفاق.

روى فی الکافی باسناده عن محمّد بن الفضیل قال: کتبت إلى أبی الحسن علیه السّلام‏ أسأله عن مسأله فکتب علیه السّلام إلیّ إنّ المنافقین یخادعون اللّه و هو خادعهم و إذا قاموا إلى الصّلاه قاموا کسالى یراؤن النّاس و لا یذکرون اللّه إلّا قلیلا مذبذبین بین ذلک لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء و من یضلل اللّه فلن تجد له سبیلا، لیسوا من الکافرین و لیسوا من المؤمنین و لیسوا من المسلمین یظهرون الایمان و یصیرون إلى الکفر و التکذیب لعنهم اللّه.

الترجمه

از جمله خطب شریفه آن حضرتست که وصف فرموده در آن منافقین را مى‏ فرماید: حمد می کنم خدا را در مقابل آن چیزى که توفیق داد مر آن چیز را در طاعت و فرمانبردارى، و دفع و منع فرمود بندگان را از آن از معصیت و گردن کشى، و در خواست مى ‏کنیم از او تمام کردن مر منّت او را، و چنگ زدن بریسمان محکم او که عبارتست از اسلام یا قرآن.

و گواهى مى ‏دهیم این که محمّد بنده پسندیده و فرستاده او است، فرو رفت در هر شداید بجهت توجّه برضاى خدا، و جرعه جرعه نوشید هر غصّه در تحصیل رضاى إلهى و حال آنکه متغیّر و متلوّن الحال شدند از براى او نزدیکان و خویشان، و جمع گشتند بر عداوت او بیگانگان، و کندند طایفه عرب بسوى حرب او لجامهاى خود را و زدند بر شکمهاى شتران بارکش خودشان بجهت رفتن بسوى جنگ او تا آنکه فرود آوردند در فضاى خانه و منزل او دشمنى خودشان را از دورترین خانه و دورترین زیارتگاه وصیّت مى‏ کنم شما را اى بندگان خدا به پرهیزکارى خدا و مى‏ ترسانم شما را از أهل نفاق، پس بدرستى که منافقان گمراهان و گمراه کنندگانند، و لغزندگان و لغزانندگانند، رنگ برنگ و مختلف الحال مى‏ شوند و خلق را تفتین مى‏ کنند، قصد مى‏ کنند شما را بهر أمر سنگین، و انتظار شما را مى‏ کشند در هر گذر گاهى،قلبهاى ایشان فاسد است، و صفحه روهاى ایشان پاک و نظیف، راه مى‏ روند در پنهانى و حرکت مى‏ کنند در طرق اذیّت و اضرار.

صفت ایشان دواء است، و گفتار ایشان شفاء است، و کردار ایشان درد بى درمان حسد کنندگان رفاهیّتند، و محکم کنندگان بلا و معصیبت، و مأیوس کنندگان امیدند، ایشان را است در هر راهى افتاده، و بسوى هر قلبى واسطه، و از براى هر اندوهى اشک چشمى، بقرض مى‏ دهند بیکدیگر ثنا و ستایش را، و منتظر مى ‏باشند از یکدیگر جزا و احسان را.

اگر سؤال نمایند اصرار مى ‏کنند، و اگر ملامت نمایند پرده درى مى ‏کنند، و اگر حاکم نمایند ایشان را در حکومتى اسراف مى ‏نمایند، بتحقیق که مهیّا ساخته ‏اند از براى هر حق باطلى را، و از براى هر راست کجى را، و از براى هر زنده قاتلى را، و از براى هر در کلیدى را و از براى هر شب چراغى را.

یعنى صاحبان أنواع و أقسام حیله و خدعه مى‏ باشند، توصّل مى‏ کنند بسوى طمع با اظهار یأس از مردم تا این که بر پا کنند بسبب اظهار یأس بازار کار خودشان را و رواج دهند متاع خود را، حرف مى‏ زنند پس مشتبه مى ‏سازند خلق را، و تعریف مى ‏کنند پس زینت مى‏ دهند و آسان مى‏ گردانند راه باطل را بجهت داخلین، و کج مى‏ کنند راه تنگ را بجهت خارجین، پس ایشان جماعت شیطانند، و چشمه آتشند ایشان دسته شیطانند، آگاه باش بدرستى دسته شیطان ایشانند زیانکاران.

منهاج ‏البراعه فی ‏شرح ‏نهج ‏البلاغه(الخوئی)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

بازدیدها: ۱۰۷

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره ۱۹۲ (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی») همام(صفات متقین)

خطبه ۱۹۳ صبحی صالح

۱۹۳- و من خطبه له ( علیه ‏السلام  ) یصف فیها المتقین‏

روی أن صاحبا لأمیر المؤمنین ( علیه ‏السلام  ) یقال له همام کان رجلا عابدا فقال له یا أمیر المؤمنین صف لی المتقین حتى کأنی أنظر إلیهم فتثاقل ( علیه ‏السلام  ) عن جوابه

ثم قال یا همام اتق الله و أحسن ف إن الله مع الذین اتقوا و الذین هم محسنون فلم یقنع همام بهذا القول حتى عزم علیه فحمد الله و أثنى علیه و صلى على النبی ( صلى ‏الله ‏علیه‏ وآله  ) ثم قال( علیه ‏السلام  )

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ حِینَ خَلَقَهُمْ غَنِیّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِیَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ مَعْصِیَهُ مَنْ عَصَاهُ وَ لَا تَنْفَعُهُ طَاعَهُ مَنْ أَطَاعَهُ فَقَسَمَ بَیْنَهُمْ مَعَایِشَهُمْ وَ وَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْیَا مَوَاضِعَهُمْ

فَالْمُتَّقُونَ فِیهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ وَ مَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ وَ مَشْیُهُمُ التَّوَاضُعُ

غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَ وَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ

نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِی الْبَلَاءِ کَالَّتِی نُزِّلَتْ فِی الرَّخَاءِ وَ لَوْ لَا الْأَجَلُ الَّذِی کَتَبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِی أَجْسَادِهِمْ طَرْفَهَ عَیْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ

عَظُمَ الْخَالِقُ فِی أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِی أَعْیُنِهِمْ فَهُمْ وَ الْجَنَّهُ کَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِیهَا مُنَعَّمُونَ وَ هُمْ وَ النَّارُ کَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِیهَا مُعَذَّبُونَ

قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَهٌ وَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَهٌ وَ أَجْسَادُهُمْ نَحِیفَهٌ وَ حَاجَاتُهُمْ‏خَفِیفَهٌ وَ أَنْفُسُهُمْ عَفِیفَهٌ

صَبَرُوا أَیَّاماً قَصِیرَهً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَهً طَوِیلَهً تِجَارَهٌ مُرْبِحَهٌ یَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ أَرَادَتْهُمُ الدُّنْیَا فَلَمْ یُرِیدُوهَا وَ أَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا

أَمَّا اللَّیْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِینَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ یُرَتِّلُونَهَا تَرْتِیلًا یُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَ یَسْتَثِیرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ

فَإِذَا مَرُّوا بِآیَهٍ فِیهَا تَشْوِیقٌ رَکَنُوا إِلَیْهَا طَمَعاً وَ تَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَیْهَا شَوْقاً وَ ظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْیُنِهِمْ وَ إِذَا مَرُّوا بِآیَهٍ فِیهَا تَخْوِیفٌ أَصْغَوْا إِلَیْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَ ظَنُّوا أَنَّ زَفِیرَ جَهَنَّمَ وَ شَهِیقَهَا فِی أُصُولِ آذَانِهِمْ

فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَ أَکُفِّهِمْ وَ رُکَبِهِمْ وَ أَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ یَطْلُبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِی فَکَاکِ رِقَابِهِمْ

وَ أَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِیَاءُ قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْیَ الْقِدَاحِ یَنْظُرُ إِلَیْهِمُ النَّاظِرُ فَیَحْسَبُهُمْ مَرْضَى وَ مَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ وَ یَقُولُ لَقَدْ خُولِطُوا وَ لَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِیمٌ

لَا یَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِیلَ وَ لَا یَسْتَکْثِرُونَ الْکَثِیرَ فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ وَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ

إِذَا زُکِّیَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا یُقَالُ لَهُ فَیَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِی مِنْ غَیْرِی وَ رَبِّی أَعْلَمُ بِی مِنِّی بِنَفْسِی اللَّهُمَّ لَاتُؤَاخِذْنِی بِمَا یَقُولُونَ وَ اجْعَلْنِی أَفْضَلَ مِمَّا یَظُنُّونَ وَ اغْفِرْ لِی مَا لَا یَعْلَمُونَ

فَمِنْ عَلَامَهِ أَحَدِهِمْ أَنَّکَ تَرَى لَهُ قُوَّهً فِی دِینٍ وَ حَزْماً فِی لِینٍ وَ إِیمَاناً فِی یَقِینٍ وَ حِرْصاً فِی عِلْمٍ وَ عِلْماً فِی حِلْمٍ

وَ قَصْداً فِی غِنًى وَ خُشُوعاً فِی عِبَادَهٍ وَ تَجَمُّلًا فِی فَاقَهٍ وَ صَبْراً فِی شِدَّهٍ وَ طَلَباً فِی حَلَالٍ وَ نَشَاطاً فِی هُدًى وَ تَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ

یَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَهَ وَ هُوَ عَلَى وَجَلٍ یُمْسِی وَ هَمُّهُ الشُّکْرُ وَ یُصْبِحُ وَ هَمُّهُ الذِّکْرُ یَبِیتُ حَذِراً وَ یُصْبِحُ فَرِحاً حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَهِ وَ فَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَ الرَّحْمَهِ

إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَیْهِ نَفْسُهُ فِیمَا تَکْرَهُ لَمْ یُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِیمَا تُحِبُّ قُرَّهُ عَیْنِهِ فِیمَا لَا یَزُولُ وَ زَهَادَتُهُ فِیمَا لَا یَبْقَى یَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ وَ الْقَوْلَ بِالْعَمَلِ

تَرَاهُ قَرِیباً أَمَلُهُ قَلِیلًا زَلَلُهُ خَاشِعاً قَلْبُهُ قَانِعَهً نَفْسُهُ مَنْزُوراً أَکْلُهُ سَهْلًا أَمْرُهُ حَرِیزاً دِینُهُ مَیِّتَهً شَهْوَتُهُ مَکْظُوماً غَیْظُهُ الْخَیْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ وَ الشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ

إِنْ کَانَ فِی الْغَافِلِینَ کُتِبَ فِی الذَّاکِرِینَ وَ إِنْ کَانَ فِی الذَّاکِرِینَ لَمْ یُکْتَبْ مِنَ الْغَافِلِینَ یَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَ یُعْطِی مَنْ حَرَمَهُ

وَ یَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ بَعِیداً فُحْشُهُ لَیِّناً قَوْلُهُ غَائِباً مُنْکَرُهُ حَاضِراً مَعْرُوفُهُ‏مُقْبِلًا خَیْرُهُ مُدْبِراً شَرُّهُ

فِی الزَّلَازِلِ وَقُورٌ وَ فِی الْمَکَارِهِ صَبُورٌ وَ فِی الرَّخَاءِ شَکُورٌ لَا یَحِیفُ عَلَى مَنْ یُبْغِضُ وَ لَا یَأْثَمُ فِیمَنْ یُحِبُّ

یَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ یُشْهَدَ عَلَیْهِ لَا یُضِیعُ مَا اسْتُحْفِظَ وَ لَا یَنْسَى مَا ذُکِّرَ وَ لَا یُنَابِزُ بِالْأَلْقَابِ وَ لَا یُضَارُّ بِالْجَارِ وَ لَا یَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ

وَ لَا یَدْخُلُ فِی الْبَاطِلِ وَ لَا یَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ إِنْ صَمَتَ لَمْ یَغُمَّهُ صَمْتُهُ وَ إِنْ ضَحِکَ لَمْ یَعْلُ صَوْتُهُ

وَ إِنْ بُغِیَ عَلَیْهِ صَبَرَ حَتَّى یَکُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِی یَنْتَقِمُ لَهُ نَفْسُهُ مِنْهُ فِی عَنَاءٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَهٍ أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِآخِرَتِهِ وَ أَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ

بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَ نَزَاهَهٌ وَ دُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِینٌ وَ رَحْمَهٌ لَیْسَ تَبَاعُدُهُ بِکِبْرٍ وَ عَظَمَهٍ وَ لَا دُنُوُّهُ بِمَکْرٍ وَ خَدِیعَهٍ

قَالَ فَصَعِقَ همام صعقه کانت نفسه فیها

فقال أمیر المؤمنین ( علیه‏ السلام  )

أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ کُنْتُ أَخَافُهَا عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَ هَکَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَهُ بِأَهْلِهَا فقال له قائل فما بالک یا أمیر المؤمنین

فقال ( علیه ‏السلام  )وَیْحَکَ إِنَّ لِکُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لَا یَعْدُوهُ وَ سَبَباً لَا یَتَجَاوَزُهُ فَمَهْلًا لَا تَعُدْ لِمِثْلِهَا فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّیْطَانُ عَلَى لِسَانِکَ

بسم اللّه الرحمن الرحیم

الحمد للّه الّذى شرح صدور المؤمنین بمصابیح العرفان و الیقین، و نوّر قلوب المتّقین بأنوار التقوى فى الدّین، فاهتدوا إلى المحجّه البیضاء و لزموا الشرع المبین، و سلکوا الجادّه الوسطى و تمسّکوا بالحبل المتین، و فاز العارفون منهم بعظیم الزلفى و حسن الماب، و خرجت أرواح الواصلین منهم من أبدانهم خوفا من العقاب و شوقا إلى الثواب.

و الصّلاه و السّلام على أشرف الأوّلین و الاخرین محمّد سیّد الأنبیاء و المرسلین‏و وصیّه و وزیره الوارث لعلمه، و الحامل لسرّه، و باب مدینه علمه، و دار حکمته علیّ أمیر المؤمنین و سیّد الوصیین، و آلهما الخائضین فی بحار أنوار الحقائق، و الغائصین فی لجج تیّار الدّقائق، أئمه المسلمین الهداه المهدیّین الأطیبین الأنجبین الغرّ المیامین:

هم هداه الورى و هم اکرم
النّاس أصولا شریفه و نفوسا

معشر حبّهم یجلّی الهموم‏
و مزایاهم تحلّی طروسا

کرموا مولدا و طابوا اصولا
و زکوا محتدا و طالوا غروسا

ملاؤا بالولاء قلبی رجاء
و بمدحى لهم ملئت الطروسا

أما بعد فهذا هو المجلّد السّادس من مجلّدات منهاج البراعه فی شرح نهج البلاغه إملاء راجی عفو ربّه الغنی «حبیب اللّه بن محمد بن هاشم الهاشمی العلوى الموسوى» وفّقه اللّه لما یتمنّاه و جعل عقباه خیرا من اولاه إنّه ولیّ الاحسان و الکریم المنّان.

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۱۲  

و من خطبه له علیه السّلام و هى المأه و الثانیه و التسعون من المختار فى باب الخطب

و هی مرویّه فی الکافی فی باب علامات المؤمن و صفاته باختلاف کثیر تطلع علیه بعد الفراغ، من شرح ما أورده السیّد «ره» فی المتن.

قال «قده» روى أنّ صاحبا لأمیر المؤمنین علیه السّلام یقال له همّام: کان رجلا عابدا فقال له: یا أمیر المؤمنین صف لى المتّقین حتّى کأنّی أنظر الیهم، فتثاقل علیه السّلام عن جوابه ثمّ قال علیه السّلام یا همّام:

إتّق اللّه و أحسن فإنّ اللّه مع الّذین اتّقوا و الّذینهم محسنون، فلم یقنع همّام بذلک القول حتّى عزم علیه فحمد اللّه و أثنى علیه و صلّى على النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم ثم قال: أمّا بعد فإنّ اللّه سبحانه خلق الخلق حین خلقهم غنیّا عن طاعتهم، آمنا من معصیتهم، لأنّه لا تضرّه معصیه من عصاه، و لا تنفعه طاعه من أطاعه، فقسّم بینهم معیشتهم، و وضعهم من الدّنیا مواضعهم. فالمتّقون فیها هم أهل الفضائل، منطقهم الصّواب، و ملبسهم الإقتصاد، و مشیهم التّواضع، غضّوا أبصارهم عمّا حرّم اللّه علیهم، و وقفوا أسماعهم على العلم النّافع لهم، نزلت أنفسهم منهم فی البلاء کالّذی نزلت فی الرّخاء، و لو لا الأجل الّذی کتب اللّه لهم لم تستقرّ أرواحهم فی أجسادهم طرفه عین شوقا إلى الثّواب و خوفا عن العقاب.

عظم الخالق فی أنفسهم فصغر ما دونه فی أعینهم، فهم و الجنّه کمن قد رآها فهم فیها منعّمون، و هم و النّار کمن قد رآها فهم فیها معذّبون، قلوبهم محزونه، و شرورهم مأمونه، و أجسادهم نحیفه، و حاجاتهم خفیفه، و أنفسهم عفیفه، صبروا أیّاما قصیره أعقبتهم راحه طویله، تجاره مربحه یسّرها لهم ربّهم، أرادتهم الدّنیا فلم‏یریدوها، و أسرتهم ففدوا أنفسهم منها.

أمّا اللّیل فصافّون أقدامهم تالین لأجزاء القرآن یرتّلونه ترتیلا یحزّنون به أنفسهم و یستثیرون به دواء دائهم، فإذا مروّا بایه فیها تشویق رکنوا إلیها طمعا، و تطلّعت نفوسهم إلیها شوقا، و ظنّوا أنّها نصب أعینهم، و إذا مرّوا بایه فیها تخویف أصغوا إلیها مسامع قلوبهم، و ظنّوا أنّ زفیر جهنّم و شهیقها فی أصول آذانهم، فهم حانون على أوساطهم، مفترشون لجباههم، و أکفّهم و رکبهم و أطراف أقدامهم، یطلبون إلى اللّه تعالى فی فکاک رقابهم. و أمّا النّهار فحلماء، علماء، أبرار، أتقیاء، قد براهم الخوف برى القداح، ینظر إلیهم النّاظر فیحسبهم مرضى و ما بالقوم من مرض، و یقول: قد خولطوا و قد خالطهم أمر عظیم، لا یرضون من أعمالهم القلیل، و لا یستکثرون الکثیر، فهم لأنفسهم متّهمون، و من أعمالهم مشفقون، إذا زکّی أحدهم خاف ممّا یقال له فیقول أنا أعلم بنفسی من غیری و ربّی أعلم منّی بنفسی، ألّلهمّ لا تؤاخذنی بما یقولون، و اجعلنی أفضل ممّا یظنّون، و اغفر لی ما لا یعلمون.

فمن علامه أحدهم أنّک ترى له قوّه فی دین، و حزما فی لین،و إیمانا فی یقین، و حرصا فی علم، و علما فی حلم، و قصدا فی غنى، و خشوعا فی عباده، و تجمّلا فی فاقه، و صبرا فی شدّه، و طلبا فی حلال و نشاطا فی هدى، و تحرّجا عن طمع، یعمل الأعمال الصّالحه و هو على وجل، یمسی و همّه الشّکر، و یصبح و همّه الذّکر، یبیت حذرا، و یصبح فرحا: حذرا لما حذّر من الغفله، و فرحا بما أصاب من الفضل و الرّحمه، إن استصعبت علیه نفسه فیما تکره لم یعطها سؤلها فیما تحبّ قرّه عینه فیما لا یزول، و زهادته فیما لا یبقى، یمزج الحلم بالعلم، و القول بالعمل.

تراه قریبا أمله، قلیلا زلله، خاشعا قلبه، قانعه نفسه، منزورا أکله «أکله خ»، سهلا أمره، حریزا دینه، میّته شهوته، مکظوما غیظه، الخیر منه مأمول، و الشّرّ منه مأمون، إن کان فی الغافلین کتب فی الذّاکرین، و إن کان فی الذّاکرین لم یکتب من الغافلین، یعفو عمّن ظلمه، و یعطی من حرمه، و یصل من قطعه، بعیدا فحشه، لیّنا قوله، غائبا منکره، حاضرا معروفه، مقبلا خیره مدبرا شرّه، فی الزّلازل وقور، و فی المکاره صبور، و فی الرّخاء شکور لا یحیف على من یبغض، و لا یأثم فیمن یحبّ، یعترف بالحق‏ قبل أن یشهد علیه، لا یضیّع ما استحفظ، و لا ینسى ما ذکّر، و لا ینابز بالألقاب، و لا یضارّ بالجار، و لا یشمت بالمصائب، و لا یدخل فی الباطل، و لا یخرج من الحقّ.

إن صمت لم یغمّه صمته، و إن ضحک لم یعل صوته، و إن بغی علیه صبر حتّى یکون اللّه تعالى هو الّذی ینتقم له، نفسه منه فی عناء و النّاس منه فی راحه، أتعب نفسه لاخرته، و أراح النّاس من نفسه، بعده عمّن تباعد عنه زهد و نزاهه، و دنوّه ممّن دنا منه لین و رحمه، لیس تباعده بکبر و عظمه، و لا دنوّه بمکر و خدیعه. قال: فصعق همام صعقه کانت نفسه فیها

فقال أمیر المؤمنین: أما و اللّه لقد کنت أخافها علیه، ثمّ قال علیه السّلام: هکذا تصنع المواعظ البالغه بأهلها، فقال له قائل: فما بالک یا أمیر المؤمنین فقال علیه السّلام: ویحک إنّ لکلّ أجل وقتا لا یعدوه، و سببا لا یتجاوزه فمهلا لا تعد لمثلها فانما نفث الشیطان على لسانک.

اللغه

(عزم) على الأمر یعزم من باب ضرب عزما و معزما و عزمانا و عزیما و عزیمه و عزمه أراد فعله و قطع علیه أوجدّ فیه فهو عازم و عزم الأمر نفسه عزم علیه و عزم على الرّجل اقسم و (الاقتصاد) ضدّ الافراط و (صغر) من باب شرف و فرح صغاره و صغرا و صغرا و صغرانا أى حقر و انحطّ قدره فهو صغیر کحقیر لفظا و معنا و (ثار) ثورا و ثورانا أى هاج و أثار الغبار و استثاره هیّجه.

و (تطلّع) الى وروده استشرف و (صغى) إلى الشی‏ء کرضى مال إلیه و أصغى الیه سمعه أى أماله نحوه و (حنیت) العود حنوا و حناء عطفته فانحنى و تحنّى، و حنت الناقه على ولدها حنوا عطفت و یقال لکلّ ما فیه اعوجاج من البدن کعظم اللّحى و الضلع و نحوهماالحنو بالکسر و الفتح.

و (برى) السّهم و العود و القلم یبریها بریا نحتها و (القداح) جمع القدح بالکسر فیهما و هو السّهم قبل أن یراش و ینصل و (اختلط) فلان و خولط فی عقله أى فسد عقله و اختلّ فهو خلط بیّن الخلاطه أى أحمق، و خالطه مخالطه مازجه و خالطه الدّاء خامره و (تجمل) فلان تزیّن و تکلّف الجمیل و (نزر) الشی‏ء ککرم نزرا و نزاره و نزورا قلّ فهو نزر و نزیر و منزور أى قلیل.

و (اکله) فی بعض النسخ بفتح الهمزه و سکون الکاف فیکون مصدرا و فی بعضها بضمّهما و هو الرّزق و الحظّ من الدّنیا فیکون اسما و (الحریز) الحصین یقال هذا حرز حریز أى حصن حصین و الحریزه من الابل الّتی لا تباع نفاسه و (المنابزه) و التنابز التّعایر و التداعى بالألقاب و (صعق) صعقا کسمع و صعقا بالتحریک و صعقه غشى علیه و الصعق بالتحریک أیضا شدّه الصوت و (نفث) ینفث من باب ضرب و نصر نفخ.

الاعراب

قوله: حین خلقهم ظرف زمان، و فی بعض النسخ حیث خلقهم بدله، و قوله: نزلت أنفسهم منهم فی البلاء کالّذی نزلت فی الرّخاء، اختلف الشّراح فی اعراب قوله کالذی، فقال الشارح المعتزلی تقدیر الکلام من جهه الاعراب: نزلت أنفسهم منهم فی حال البلاء نزولا کالنزول الذی نزلت منهم فی حال الرّخاء، فموضع کالّذی نصب لأنّه صفه مصدر محذوف، و الذی الموصول قد حذف العاید الیه و هو الهاء فی نزلته کقولک: ضربت الّذی ضربت أى ضربت الذی ضربته.

و تبعه على ذلک الشّارح البحرانی حیث قال: و الّذی خلقه مصدر محذوف و الضمیر العاید إلیه محذوف أیضا، و التقدیر: نزلت کالنّزول الّذى نزلته فی الرّخاء ثمّ احتمل وجها آخر و قال: و یحتمل أن یکون المراد بالذی الذین فحذف النّون کما فی قوله تعالى کَالَّذِی خاضُوا و یکون المقصود تشبیه هم حال نزول أنفسهم منهم فی البلاء بالّذین نزلت أنفسهم منهم فی الرّخاء.

و قال بعضهم: إنّه لا بدّ من تقدیر مضاف لأنّ تشبیه الجمع بالواحد لا یصحّ، أى کلّ واحد منهم إذا نزلت فی البلاء یکون کالرّجل الذی نزلت نفسه فی الرّخاء و نحوه قوله تعالى مَثَلُ الَّذِینَ کَفَرُوا کَمَثَلِ الَّذِی یَنْعِقُ.

أقول: و أنت خبیر بأنّ هذه کلّها تکلّفات یأبی عنها الذّوق السّلیم مضافا إلى ما فى الوجه الاخر الذی احتمله البحرانی و کذلک الوجه الأخیر الذی حکیناه عن بعضهم أنّ المنساق من ظاهر کلامه علیه السّلام تشبیه إحدى حالتى المتّقین بحالتهم الاخرى لا تشبیه هم بغیرهم من أهل الرّخاء.

ثمّ بعد الغضّ عن ذلک و البناء على ما ذکر فلا حاجه فی تصحیح تشبیه الجمع بالمفرد إلى تأویل ما هو المفرد ظاهرا بالجمع و المصیر إلى حذف النون کما تمحّله الأوّل، أو تأویل الجمع بالمفرد بالمصیر إلى تقدیر المضاف کما تجشّمه الاخر، لجواز تقدیر موصوف الذی لفظ الرّهط و الجمع و نحوهما ممّا یکون مفردا لفظا و جمعا فی المعنى، و یکون المعنى نزلت أنفسهم منهم فی البلاء کالرّهط أو الجمع الذی نزلت نفسهم منهم فی الرّخاء.
قال نجم الأئمه بعد ما قال بأنه قد یحذف نون الذین مستشهدا

بقول الشاعر:

و إنّ الّذی حانت بفیح دمائهم
هم القوم کلّ القوم یا امّ خالد

و یجوز فی هذا أن یکون مفردا وصف به مقدّر مفرد اللّفظ مجموع المعنی أى و انّ الجمع الّذى و انّ الجیش الّذى کقوله تعالى مَثَلُهُمْ کَمَثَلِ الَّذِی اسْتَوْقَدَ فحمل على اللّفظ أى الجمع الّذى استوقد نارا، ثمّ قال: بنورهم فحمل على المعنی و لو کان فی الایه مخفّفا من الّذین لم یجز إفراد الضّمیر العاید إلیه و کذا قوله تعالى وَ الَّذِی جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ أُولئِکَ هُمُ الْمُتَّقُونَ و هذا کثیر أعنی ذکر الّذی مفردا موصوفا به مقدّر مفردا للّفظ مجموع المعنى و أمّا حذف النّون من الّذین فهو قلیل، انتهى.

و بعد ذلک کلّه فالأقرب عندی أن یجعل الّذى مصدریّا بأن یکون حکمه حکم‏ماء المصدریّه کما ذهب الیه یونس و الأخفش فی قوله سبحانه ذلِکَ الَّذِی یُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِینَ آمَنُوا أى ذلک تبشیر اللّه و کذلک قالا فی قوله تعالى کَالَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ کانُوا و على هذا فیکون المعنی: نزلت أنفسهم منهم فى البلاء مثل نزولها فی الرّخاء و هذا لا تکلّف فیه أصلا.

و قوله: تجاره مربحه، بالرّفع على أنّه خبر محذوف المبتدأ، أى تجارتهم تجاره مربحه، و فی بعض النسخ بالنصب على المصدر أى اتّجروا تجاره.
و قوله: أمّا اللیل فصافون، بالنصب على الظرف، و الناصب، إما لتضمّنها معنی الفعل أو الخبر کما فی نحو قولک: أما الیوم فأنا ذاهب و أمّا إذا قلت اما فی الدّار فزید، فالعامل هو أما لا غیر کما فى قولهم أما العبید فذو عبید، أى مهما ذکرت العبید فهو ذو عبید، هذا.

و یروى بالرّفع على الابتداء فیحتاج إلى العاید فی الخبر أى صافّون أقدامهم فیها و قوله: تالین حال من فاعل صافّون أو من الضمیر المجرور بالاضافه فی أقدامهم: و الأول أولى، و جمله یرتّلونه حال من فاعل تالین، و فی بعض النسخ یرتّلونها، فالضمیر عاید إلى أجزاء القرآن، و نصب أعینهم بنصب النصب على الظرفیه، و یروى بالرّفع على أنه خبر انّ و المصدر بمعنی المفعول.

و قوله: یطلبون إلى اللّه فی فکاک رقابهم، تعدیه الطلب بحرف الجرّ أعنی إلى لتضمینه معنی التضرع و فی للظرفیه المجازیه، أى یتضرّعون إلیه سبحانه فی فکاک رقابهم.
و أما ما قاله الشارح المعتزلی من أنّ الکلام على الحقیقه مقدّر فیه حال محذوفه یتعلّق بها حرف الجرّ أى یطلبون الى اللّه سائلین فى فکاک رقابهم لأنّ طلبت لا یتعدّى بحرف الجرّ فلیس بشى‏ء لأنّ تأویل الطلب بالسؤال لا ینهض باثبات ما رامه کما لا یخفى.

و فى فی قوله: و قوّه فی دین، ظرف لغو متعلّق بقوّه، و فی قوله: و حزما فی لین ظرف مستقرّ متعلّق بمقدّر صفه لقوله حزما، و فى المعطوفات بعد ذلک فی بعضهاظرف لغو و فى بعضها ظرف مستقرّ وصف لسابقه، فتدبّر تفهم.

المعنى

اعلم أنه قد (روى أنّ صاحبا لأمیر المؤمنین) أى رجلا من أصحابه و شیعته و موالیه (یقال له همام) بالتشدید، و هو کما فی شرح المعتزلی همام بن شریح بن یزید بن مرّه بن عمر بن جابر بن یحیى بن الأصهب بن کعب بن الحارث بن سعد ابن عمرو بن ذهل بن سیف بن سعد العشیره.
و فی البحار و الأظهر أنه همام بن عباده بن خثیم ابن أخ الرّبیع بن خثیم أحد الزّهاد الثمانیه کما رواه الکراجکی فی کنزه.

و کیف کان فقد (کان رجلا عابدا) زاهدا ناسکا (فقال له یا أمیر المؤمنین صف لى المتّقین) و اشرح لی حالهم (حتّى کأنى أنظر إلیهم) و ابصر بهم لأقتفی آثارهم و أقتبس أنوارهم.
(فتثاقل علیه السّلام عن جوابه) قال الشارح المعتزلی تثاقله علیه السّلام عن الجواب لعلمه بأنّ المصلحه فى تأخیر الجواب، و لعلّه کان فى مجلسه علیه السّلام من لا یحبّ أن یجیب و هو حاضر، فلما انصرف أجاب، أو لأنّه رأى أنّ تثاقله عنه یزید شوق همام إلى سماعه فیکون أنجع فى موعظته، أو أنه تثاقل عنه لترتیب المعانی و نظمها فى ألفاظ مناسبه ثمّ النطق بها کما یفعله المتروّی فی الخطبه و القریض.

و الأولى ما قاله الشارح البحرانى: من أنه علیه السّلام تثاقل عنه لما رأى من استعداد نفسه لأثر الموعظه و خوفه علیه أن یخرج به خوف اللّه إلى انزعاج نفسه و صعوقها.
(ثمّ) إنه علیه السّلام بعد تثاقله عن الجواب و وصف حال المتّقین تفصیلا لما رآه من المصلحه المقتضیه لترک التفصیل أجابه بجواب إجمالى و (قال) له (یا همام اتّق اللّه و أحسن) یعنى أنّ الفرض علیک القیام بالتقوى و الأخذ بها على قدر ما حصل لک المعرفه به من معناها و حقیقتها من الکتاب و السنه، و تبین لک إجمالا من ماهیّتها کما یعرفها جمیع المؤمنین، و الزائد عن ذلک غیر مفروض علیک و لا یجب البحث عنه‏و قد تقدّم شرح معناها و حقیقتها و بعض ما یترتّب علیها من الثمرات الدنیویّه و الاخرویّه فی شرح الخطبه الرّابعه و العشرین، و قد روینا هناک عن الصّادق علیه السّلام انّه قال فی تفسیرها: أن لا یفقدک اللّه حیث أمرک و لا یراک حیث نهاک، هذا.

و المراد بقوله: و أحسن هو الاحسان فی العمل، یعنی أنّ اللازم علیک الأخذ بالتقوى و القیام بالحسنى من الأعمال الصّالحه.
و هذا الّذى قلنا أولى ممّا قاله الشارح البحرانی من أنّ معنی کلامه أنّه أمره بتقوى اللّه أى فی نفسه أن یصیبها فادح بسبب سؤاله، و أحسن أى أحسن إلیها بترک تکلیفها فوق طوقها.
و کیف کان فلمّا أمره بالتّقوى و الاحسان علّله بقوله (فانّ اللّه مع الّذین اتّقوا و الّذین هم محسنون) ترغیبا له إلى القیام بهما، و هو اقتباس من الایه الشریفه خاتمه سوره النحل، یعنی أنّه سبحانه مع الّذین اتّقوا ما حرّم علیهم و أحسنوا فیما فرض علیهم أى معین لهم و ناصر لهم و هو ولیّهم فى الدّنیا و الاخره.

(فلم یقنع همّام بذلک القول) و لم یکتف بالاجمال (حتّى عزم علیه علیه السّلام) و أقسم و ألحّ فی السؤال.
(ف) أجاب علیه السّلام مسئوله و أنجح مأموله و (حمد اللّه) عزّ و جلّ (و أثنى علیه) بما هو أهله (و صلّى على النبیّ و آله ثمّ قال أما بعد فانّ اللّه سبحانه خلق الخلق حین خلقهم غنیا عن طاعتهم آمنا من معصیتهم).

و انما مهّد هذه المقدّمه لأنه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لما کان بصدد شرح حال المتقین تفصیلا حسبما اقترحه همام و کان ربما یسبق إلى الأوهام القاصره أنّ ما یأتی به المتّقون من مزایا الأعمال و الصالحات و ما کلّفهم اللّه سبحانه به من محامد الخصال و القربات من أجل حاجه منه تعالى عن ذلک إلیها، قدّم هذه المقدّمه تنبیها على کونه سبحانه منزّها عن ذلک، متعالیا عن صفات النقص و الحاجه فی الأزل کما فی الأبد، و أنه لم یکن غرضه تعالى من الخلق و الایجاد تکمیل ذاته بجلب المنفعه و دفع المضرّه کما فى سایر الصناع البشریه یعملون الصنائع لافتقارهم إلیها و استکمالهم بها بما فی ذاتهم‏من النقص و الحاجه، و أمّا اللّه الحیّ القیّوم فهو الغنىّ الکامل المطلق فی ذاته و صفاته و أفعاله و لم یخلق ما خلقه لتشدید سلطان و لا تخوّف من عواقب زمان و لا استعانه على ندّ مثاور و لا شریک مکائر و لا ضدّ منافر حسبما عرفته فی الخطبه الرّابعه و الستّین و شرحها بما لا مزید علیه.

و هذا معنى قوله (لأنه لا تضرّه معصیه من عصاه و لا تنفعه طاعه من أطاعه) و قد تقدّم فى شرح الخطبه المأه و الخامسه و الثمانین أنّ غرضه من الخلق و الایجاد و من الأمر بالطاعه و الانقیاد هو ایصال النفع إلى العباد و إکمالهم بالتکالیف الشرعیّه و رفعهم بالعمل بها إلى حظایر القدس و محافل الانس.
و قوله (فقسّم بینهم معایشهم و وضعهم من الدّنیا مواضعهم) تفریع على قوله: خلق الخلق لا تقریر و تاکید، لغناه المطلق کما قاله الشارح البحرانی.

و المراد أنه تعالى أعطى کلّ شی‏ء خلقه ثمّ هدى و قسّم بینهم معیشتهم أى ما یعیشون به فى الحیاه الدّنیا من أنواع الرّزق و الخیر و المنافع و النعماء، و وضع کلا منهم موضعه اللّایق بحاله من الفقر و الیسار و الغنى و الافتقار و السعه و الاقتار على ما یقتضیه حکمته البالغه و توجبه المصلحه الکامله کما اشیر الیه فى قوله عزّ و جلّ أَ هُمْ یَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّکَ نَحْنُ قَسَمْنا بَیْنَهُمْ مَعِیشَتَهُمْ فِی الْحَیاهِ الدُّنْیا وَ هذا.

و انما فرّع علیه السّلام هذه الجمله على ما سبق و عقّبه بها لتکون توطئه و تمهیدا بقوله (فالمتّقون فیها هم أهل الفضایل) یعنی أنّ معایش الخلق فى الدّنیا لما کانت بحسب تقسیم اللّه سبحانه و اقتضاء حکمته اقتضى العنایه الالهیه و النظم الأصلح فى حقّ المتّقین بمقتضى کونهم من أهل السبق و القربى أن یکون عیشهم فى الدّنیا بخلاف معایش سایر الخلق و یکون حرکاتهم و سکناتهم و حالاتهم وراء حالات أبناء الدّنیا، فاتّصفوا بالفضایل النفسانیه و تزیّنوا بمکارم الأخلاق و محامد الأوصاف الّتی فصّلها علیه السّلام بالبیان البدیع و التفصیل العجیب.

اولها أنّ (منطقهم الصواب) و هو ضدّ الخطاء یعنى أنهم لا یسکتون عما ینبغی أن یقال فیکونون مفرّطین، و لا یقولون ما ینبغی أن یسکت عنه فیکونون مفرطین‏و یحتمل أن یراد به خصوص توحید اللّه تعالى و تمجیده و الصّلاه على نبیّه و به فسّر فی قوله سبحانه لا یَتَکَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً.

(و) الثانی أنّ (ملبسهم الاقتصاد) أى التوسّط بین الافراط و التفریط، و فی الاسناد توسّع یعنى أنّ لباسهم لیس بثمین جدا مثل لباس المترفین المتکبّرین، و لا بذله کلباس أهل الابتذال و الخسّه و الدّنائه بل متوسّط بین الأمرین.

(و) الثالث أنّ (مشیهم التواضع) و فى الاسناد أیضا توسّع، یعنى أنهم لا یمشون على وجه الأشر و البطر و الخیلاء لنهى اللّه سبحانه عن المشى على هذا الوجه فى قوله «وَ لا تَمْشِ فِی الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّکَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا و أمره بخلافه فى قوله «وَ اقْصِدْ فِی مَشْیِکَ».

و قد روى فى الکافی عن عمرو بن أبی المقدام عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: فیما أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى داود: کما أنّ أقرب الناس من اللّه المتواضعون کذلک أبعد الناس من اللّه المتکبّرون.

(و) الرابع أنهم (غضّوا أبصارهم عمّا حرّم اللّه علیهم) امتثالا لأمره تعالى به فى قوله قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ یَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِکَ أَزْکى‏ لَهُمْ أى یغضّوا أبصارهم عما لا یحلّ لهم النظر الیه.
و فى الوسائل من الکافى عن أبی عبد اللّه علیه السّلام کلّ عین باکیه یوم القیامه إلّا ثلاثه أعین: عین غضّت عن محارم اللّه، و عین سهرت فی طاعه اللّه، و عین بکت فی جوف اللّیل من خشیه اللّه.

(و) الخامس أنّهم (وقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم) فی الدّنیا و الاخره الموجب لکمال القوّه النظریه و الحکمه العملیّه، و أعرضوا عن الاصغاء إلى اللّغو و الأباطیل کالغیبه و الغناء و الفحش و الخناء و نحوها، و قد وصفهم اللّه سبحانه بذلک فی قوله «وَ الَّذِینَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ» و فی قوله «وَ الَّذِینَ لا یَشْهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِراماً».

و السادس أنّهم (نزلت أنفسهم منهم فی البلاء کالّذى نزلت فی الرّخاء) یعنی‏أنّهم موطّنون أنفسهم على ما قدّره اللّه فی حقّهم من الشدّه و الرّخاء و السّراء و الضّراء و الضّیق و السّعه و المنحه و المحنه و محصّله وصفهم بالرّضاء بالقضاء.

روى فی الکافی عن ابن سنان عمّن ذکره عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قلت له: بأیّ شی‏ء یعلم المؤمن بأنّه مؤمن قال علیه السّلام: بالتسلیم للّه و الرّضا فیما ورد علیه من سرور أو سخط.
و فى روایه أخرى فیه عنه علیه السّلام قال: رأس طاعه اللّه الصّبر و الرّضا عن اللّه فیما أحبّ العبد أو کره، و لا یرضى عبد عن اللّه فیما أحبّ أو کره إلّا کان خیرا له فیما أحبّ أو کره.

و عن محمّد بن عذافر عن أبیه عن أبی جعفر علیه السّلام قال: بینا رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله فی بعض أسفاره إذ لقیه رکب فقالوا: السّلام علیک یا رسول اللّه، فقال: ما أنتم فقالوا: نحن المؤمنون یا رسول اللّه، قال: فما حقیقه ایمانکم قالوا: الرّضا بقضاء اللّه، و التفویض الى اللّه، و التسلیم لأمر اللّه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: علماء حکماء کادوا أن یکونوا من الحکمه أنبیاء، فان کنتم صادقین فلا تبنوا ما لا تسکنون، و لا تجمعوا ما لا تأکلون، و اتّقوا اللّه الّذى إلیه ترجعون.

(و) السابع أنه (لو لا الأجل الّذى کتب اللّه لهم لم تستقرّ أرواحهم فی أجسادهم طرفه عین شوقا إلى الثواب و خوفا من العقاب) و هو إشاره إلى غایه نفرتهم عن الدّنیا و فرط رغبتهم إلى الاخره لما عرفوا من عظمه وعده و وعیده، یعنی أنّهم بکلیّتهم متوجّهون إلى العقبى مشتاقون إلى الانتقال إلیها شدّه الاشتیاق، لا مانع لهم من الانتقال إلّا الاجال المکتوبه و عدم بلوغها غایتها.
روى فی الوسائل من الکافی عن أبی حمزه قال: قال أبو عبد اللّه علیه السّلام: من عرف اللّه خاف اللّه و من خاف اللّه سخت نفسه عن الدّنیا.

و الثامن أنّه (عظم الخالق فی أنفسهم فصغر ما دونه فی أعینهم) علما منهم بأنّه سبحانه موصوف بالعظمه و الکبریاء و الجلال غالب على الأشیاء کلّها، قادر قاهر علیها، و انّ کلّ من سواه مقهور تحت قدرته داخر ذلیل فی قید عبودیّته، فهوسبحانه عظیم السلطان عظیم الشأن و غیره أسیر فی ذلّ الامکان مفتقر الیه لا یقدر على شی‏ء إلّا باذنه.
و أشار علیه السّلام بهذا الوصف إلى شدّه یقین المتّقین و غایه توکّلهم و أنّ اعتصامهم فی جمیع امورهم به و توکلهم علیه و أنهم لا یهابون معه ممّن سواه.

روى فی الکافی عن أبى بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: لیس شی‏ء إلّا و له حدّ قال: قلت: جعلت فداک فما حدّ التوکّل قال: الیقین، قلت: فما حدّ الیقین قال: ألّا تخاف مع اللّه شیئا.
و عن مفضل عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى داود: ما اعتصم بی عبد من عبادى دون أحد من خلقی عرفت ذلک من نیّته ثمّ تکیده السماوات و الأرض و من فیهنّ الّا جعلت له المخرج من بینهنّ، و ما اعتصم عبد من عبادى بأحد من خلقی عرفت ذلک من نیّته إلّا قطعت أسباب السماوات من یده و أسخت الأرض من تحته و لم ابال بأیّ واد هلک، هذا.

و لما ذکر فی الوصف السابع شدّه اشتیاق المتّقین إلى الجنّه و خوفهم من العقاب أتبعه بقوله (فهم و الجنّه کمن قد رآها فهم فیها منعّمون و هم و النار کمن قد رآها و هم فیها معذّبون) إشاره إلى أنهم صاروا فى مقام الرّجاء و الشوق إلى الثواب و قوّه الیقین بحقایق وعده سبحانه بمنزله من رأى بحسّ بصره الجنّه و سعادتها، فتنعّموا فیها و التذّوا بلذائذها، و فى مقام الخوف من النار و العقاب و کمال الیقین بحقایق وعیده تعالى بمنزله من شاهد النّار و شقاوتها فتعذّبوا بعذابها و تألّموا بالامها.

و محصّله جمعهم بین مرتبتی الخوف و الرّجاء و بلوغهم فیه إلى الغایه القصوى، و هی مرتبه عین الیقین کما قال علیه السّلام مخبرا عن نفسه. لو کشف الغطاء ما ازددت یقینا، و هذه المرتبه أعنی مرتبه عین الیقین مقام جلیل لا یبلغه إلّا الأوحدی من النّاس.

و قد روى فی الکافی عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم صلّى بالنّاس الصبح فنظر إلى شاب فی المسجد و هو یخفق و یهوى برأسه مصفرّا لونه قد نحف جسمه و غارت عیناه فی رأسه، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله:کیف أصبحت یا فلان قال: أصبحت یا رسول اللّه موقنا، فعجب رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله من قوله و قال: إنّ لکلّ یقین حقیقه فما حقیقه یقینک فقال: إنّ یقینی یا رسول اللّه هو الّذى أحزننی و أسهر لیلى و أظمأ هو اجرى فعزفت نفسی عن الدّنیا و ما فیها حتّى کأنّی أنظر إلى عرش ربّی و قد نصب للحساب و حشر الخلایق لذلک و أنا فیهم، و کانّی أنظر إلى أهل الجنّه یتنعّمون فی الجنّه و یتعارفون على الأرائک یتکئون، و کأنّى أنظر إلى أهل النّار و هم فیها معذّبون مصطرخون، و کأنّى الان أسمع زفیر النّار یدور فى مسامعى، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: هذا عبد نوّر اللّه قلبه بالایمان ثمّ قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم له: الزم ما أنت علیه، فقال الشّاب: ادع اللّه لى یا رسول اللّه أن ارزق الشهاده معک، فدعا له رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فلم یلبث أن خرج فی بعض غزوات النّبی فاستشهد بعد تسعه نفر و کان هو العاشر.
و قد مرّ هذا الحدیث فى شرح الخطبه المأه و الثالثه عشر، و رویناه هنا أیضا لاقتضاء المقام کما هو ظاهر.

و التاسع أنّ (قلوبهم محزونه) لما غلب علیهم من الخوف.روى فى الکافى عن معروف بن خربوز عن أبی جعفر علیه السّلام قال: صلّى أمیر المؤمنین علیه السّلام بالناس الصبح بالعراق فلما انصرف و عظهم فبکى و أبکاهم من خوف اللّه ثمّ قال: أما و اللّه لقد عهدت أقواما على عهد خلیلى رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و أنهم لیصبحون و یمسون شعثا غبرا خمصا بین أعینهم کرکب المعزى یبیتون لربّهم سجّدا و قیاما، یراوحون بین أقدامهم و جباههم، و یناجون فى فکاک رقابهم من النار، و اللّه لقد رأیتهم مع هذا و هم خائفون مشفقون.

و فیه عن أبى حمزه عن علیّ بن الحسین علیهما السّلام قال: صلّى أمیر المؤمنین علیه السّلام الفجر و لم یزل فى موضعه حتّى صارت الشمس على قدر رمح و أقبل على الناس بوجهه فقال: و اللّه لقد أدرکت أقواما یبیتون لربّهم سجدا و قیاما یخالفون بین جباههم و رکبهم کأنّ زفیر النار فى آذانهم، إذا ذکر اللّه عندهم مادوا کما یمید الشجر کأنّما القوم باتوا غافلین، قال علیه السّلام: ثمّ قام فما رئی ضاحکا حتّى قبض.

(و) العاشر أنّ (شرورهم مأمونه) لأنّ مبدء الشرور و المفاسد کلّها و رأس کلّ خطیئه هو حبّ الدّنیا، و المتّقون زاهدون فیها معرضون عنها مجانبون عن شرّها و فسادها.

(و) الحادى عشر أنّ (أجسادهم نحیفه) لا تعاب أنفسهم بالصیام و القیام و قناعتهم بالقدر الضرورى من الطعام.

(و) الثانی عشر أنّ (حاجاتهم خفیفه) لاقتصارهم من حوائج الدّنیا على ضروریّاتها و عدم طلبهم منها أکثر من البلاغ.

(و) الثالث عشر أنّ (أنفسهم عفیفه) أى مصونه عن المحرّمات لکسرهم سوره القوّه الشهویّه.
روى فی الوسائل من الکافى عن منصور بن حازم عن أبی جعفر علیه السّلام قال: ما من عباده أفضل عند اللّه من عفّه فرج و بطن.

و عن عبد اللّه بن میمون القداح عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: کان أمیر المؤمنین علیه السّلام یقول: ما من عباده أفضل من عفّه بطن و فرج

و الرابع عشر أنّهم (صبروا أیاما قصیره أعقبتهم) تلک الأیّام القصیره (راحه طویله) یعنى أنهم صبروا فى دار الدّنیا على طوارق المصائب و على مشاق الطاعات و عن لذّات المعاصى بل احتملوا جمیع مکاره الدّنیا و استعملوا الصبر فى جمیع أهوالها فأوجب ذلک السعاده الدائمه فى الدّار الاخره.

و یدلّ على ذلک ما رواه فى الکافى عن حمزه بن حمران عن أبى جعفر علیه السّلام قال: الجنّه محفوفه بالمکاره و الصبر، فمن صبر على المکاره فى الدّنیا دخل الجنّه، و جهنّم محفوفه باللّذات و الشهوات فمن أعطى نفسه لذّتها و شهوتها دخل النار.
و فیه عن أبی حمزه الثمالی قال: قال أبو عبد اللّه علیه السّلام: من ابتلى من المؤمنین ببلاء فصبر علیه کان له مثل أجر ألف شهید.

و فیه عن العزرمی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: سیأتی على النّاس زمان لا ینال فیه الملک إلّا بالقتل و التّجبّر، و لا الغنى إلّا بالغصب و البخل،و لا المحبّه إلّا باستخراج الدّین و اتباع الهوى، فمن أدرک ذلک الزّمان فصبر على الفقر و هو یقدر على الغنى، و صبر على البغضه و هو یقدر على المحبّه، و صبر على الذّل و هو یقدر على العزّ آتاه اللّه ثواب خمسین صدّیقا ممّن صدّق بی، هذا و فی وصف أیّام الصبر بالقصر و الرّاحه بالطول تحریص و ترغیب الیه، و أکّد ذلک بقوله (تجاره مربحه) استعار لفظ التجاره لاکتسابهم الرّاحه فی مقابل الصبر، و رشّح بلفظ الرّبح.

و کونها مربحه باعتبار قصر مدّه الصّبر على المکاره و طول مدّه الرّاحه و فناء الشّهوات الدّنیویّه و اللّذائذ النّفسانیّه و بقاء السّعادات الاخرویّه مضافه إلى خساسه الاولى فی نفسها و حقارتها، و نفاسه الثّانیه و شرافتها.

و أکّد ثالثا بقوله (یسّرها لهم ربّهم) یعنی أنّ فوزهم بتلک النّعمه العظمى و السّعاده الدّائمه قد حصل بتوفیق اللّه سبحانه و تأییده و لطفه، ففیه ایماء إلى توجّه العنایه الرّبانیّه إلیهم و شمول الألطاف الالهیّه علیهم و إلى کونهم بعین رحمه اللّه و کرامته

و الخامس عشر أنّهم (أرادتهم الدّنیا فلم یریدوها) أى أرادت عجوزه الدّنیا أن تفتنهم و تغرّهم و أن یتزوّجوا بها، فأعرضوا عنها و زهدوا فیها بما کانوا یعرفونه من حالها و أنّها قتّاله غوّاله ظاهره الغرور کاسفه النّور یونق منظرها و یوبق مخبرها قد تزیّنت بغرورها و غرّت بزینتها لا تفی بأحد من أزواجها الباقیه کما لم تف بأزواجها الماضیه.

(و) السادس عشر أنّ الدّنیا (أسرتهم ففدوا أنفسهم منها) الأشبه أن یکون المراد بقوله: أسرتهم، هو الاشراف على الاسر، یعنی أنّهم بمقتضى المزاج الحیوانی و القوى النّفسانیّه الّتی لهم کاد أن تغرّهم الدّنیا فیمیلوا إلیها و یقعوا فی قید اسره و سلسله رقیّته، لکنّهم نظروا إلیها بعین البصیره و عرفوها حقّ المعرفه و غلب عقلهم على شهوتهم فرغبوا عنها و زهدوا فیها و أعرضوا عن زبرجها و زخارفها، فالمراد بفداء أنفسهم منها هو الاعراض عن الزّخارف الدّنیویّه، فکأنّهم بذلوا تلک الزّخارف‏لها و خلصوا أنفسهم منها.

و إنّما أتى بالواو فی قوله: أرادتهم الدّنیا و لم یریدوها، و بالفاء فی قوله: و أسرتهم ففدوا أنفسهم منها، لعدم التّرتیب بین الجملتین المتعاطفتین فى القرینه السّابقه، بخلاف هذه القرینه فانّ الفدیه مترتّبه على الاسر کما لا یخفى.
و السابع عشر اتّصافهم بالتهجّد و قیام اللیل و إلیه أشار بقوله (أمّا اللیل فصافّون أقدامهم) فیها للصّلاه علما منهم بما فیه من الفضل العظیم و الأجر الخطیر و قد مدح اللّه القیام فیها و القائمین فی کتابه الکریم بقوله «سِیماهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ».

قال الصّادق علیه السّلام فی تفسیره: هو السّهر فی الصّلاه و بقوله «أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً وَ قائِماً یَحْذَرُ الْآخِرَهَ وَ یَرْجُوا رَحْمَهَ رَبِّهِ» و قال تعالى أیضا إِنَّ ناشِئَهَ اللَّیْلِ هِیَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِیلًا».
قال الصّادق علیه السّلام فیه قیام الرّجل عن فراشه یرید به وجه اللّه تعالى عزّ و جلّ لا یرید به غیره.
و کفى فى فضله ما رواه فی الفقیه عن جابر بن إسماعیل عن جعفر بن محمّد عن أبیه علیهما السّلام أنّ رجلا سأل علیّ بن أبی طالب عن قیام اللّیل بالقرآن، فقال علیه السّلام ابشر: من صلّى من اللیل عشر لیله مخلصا ابتغاء ثواب اللّه قال اللّه لملائکته: اکتبوا لعبدی هذا من الحسنات عدد ما انبت فی اللیل من حبّه و ورقه و شجره و عدد کلّ قصبه و خوص و مرعى.

و من صلّى تسع لیله أعطاه اللّه عشر دعوات مستجابات و أعطاه اللّه کتابه بیمینه.
و من صلّى ثمن لیله أعطاه اللّه أجر شهید صابر صادق النّیه و شفّع فی أهل بیته.
و من صلّى سبع لیله خرج من قبره یوم یبعث و وجهه کالقمر لیله البدر حتى‏یمرّ على الصراط مع الامنین و من صلّى سدس لیله کتب من الأوابین و غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.
و من صلّى خمس لیله زاحم إبراهیم خلیل الرّحمن فی قبّته.
و من صلّى ربع لیله کان فی أوّل الفائزین حتى یمرّ على الصراط کالریح العاصف و یدخل الجنه بلا حساب.
و من صلّى ثلث لیله لم یلق ملکا إلّا غبطه لمنزلته من اللّه و قیل ادخل من أىّ أبواب الجنه شئت.
و من صلّى نصف لیله فلو اعطى ملؤ الأرض ذهبا سبعین ألف مرّه لم یعدل جزاه و کان له بذلک عند اللّه أفضل من سبعین رقبه یعتقها من ولد إسماعیل علیه السّلام.

و من صلّى ثلثی لیله کان له من الحسنات قدر رمل عالج أدناها حسنه أثقل من جبل احد عشر مرّات.
و من صلّى لیله تامّه تالیا لکتاب اللّه راکعا و ساجدا و ذاکرا اعطى من الثواب ما أدناه یخرج من الذنوب کما ولدته امّه، و یکتب له عدد ما خلق اللّه من الحسنات و مثلها درجات و یثبت النّور فی قبره و ینزع الاثم و الحسد من قلبه، و یجار من عذاب القبر و یعطى براءه من النّار و یبعث من الامنین، و یقول الربّ لملائکته یا ملائکتی انظروا إلى عبدى أحیا لیله ابتغاء مرضاتی اسکنوه الفردوس و له فیها مأئه ألف مدینه فى کلّ مدینه جمیع ما تشتهى الأنفس و تلذّ الأعین و لم یخطر على بال سوى ما أعددت له من الکرامه و المزید و القربه، هذا.
و لما وصف قیامهم بالصّلاه فی اللّیل أشار إلى قراءتهم و وصف قراءتهم تفصیلا بقوله (تالین لأجزاء القرآن) فانّ البیوت الّتی یتلى فیها القرآن تضی‏ء لأهل السّماء کما تضی‏ء الکواکب لأهل الأرض کما روى فی غیر واحد من الأخبار و تکثر برکتها و تحضرها الملائکه و تهجرها الشّیاطین کما رواه فی الکافی عن ابن القداح عن أبی عبد اللّه علیه السّلام عن أمیر المؤمنین علیه السّلام.

(یرتّلونه ترتیلا) قال فی مجمع البحرین: التّرتیل فی القرآن التّأنی و تبیین الحروف بحیث یتمکّن السّامع من عدّها.
و فى الکافی عن عبد اللّه بن سلیمان قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلًا قال: قال أمیر المؤمنین علیه السّلام: بیّنه تبیانا و لا تهذّه هذّ الشّعر، و لا تنثره نثر الرّمل، و لکن افزعوا قلوبکم القاسیه و لا یکن همّ أحدکم آخر السّوره.

و فى مجمع البحرین عن أمیر المؤمنین علیه السّلام: ترتیل القرآن حفظ الوقوف و بیان الحروف، و فسّر الوقوف بالوقف التامّ و هو الوقوف على کلام لا تعلّق له بما بعده لا لفظا و لا معنا، و بالحسن و هو الّذی له تعلّق، و فسّر الثانی بالاتیان بالصّفات المعتبره عند القراءه من الهمس و الجهر و الاستعلاء و الاطباق.

و عن الصّادق علیه السّلام الترتیل أن تتمکث فیه و تحسن به صوتک، و إذا مررت بایه فیها ذکر الجنه فاسأل اللّه الجنه، و إذا مررت بایه فیها ذکر النار فتعوّذ باللّه من النار.
و قوله علیه السّلام (یحزنون به أنفسهم) أى یقرؤنه بصوت حزین.
روى فی الکافی عن ابن أبی عمیر عمّن ذکره عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: إنّ القرآن نزل بالحزن فاقرءوه بالحزن.
و فى الوسائل من الکافی عن حفص قال: ما رأیت أحدا أشدّ خوفا على نفسه من موسى بن جعفر علیهما السّلام و لا أرجى للناس منه، و کانت قراءته حزنا، فاذا قرء فکأنه یخاطب إنسانا.

و قوله: (و یستثیرون به دواء دائهم) الظاهر أنّ المراد بدائهم هو داء الذّنوب الموجب للحرمان من الجنّه و الدّخول فی النّار، و بدوائه هو التّدبّر و التفکّر الموجب لقضاء ما علیهم من الحقّ و سؤال الجنّه و طلب الرّحمه و المغفره و التعوّذ من النّار عند قراءه آیتی الوعد و الوعید.

کما أوضحه و شرحه بقوله (فاذا مرّوا بایه فیها تشویق) إلى الجنّه (رکنوا)أى مالوا و اشتاقوا (إلیها طمعا و تطلعت) أى أشرفت (نفوسهم إلیها شوقا و ظنّوا أنّها نصب أعینهم) أى أیقنوا أنّ تلک الایه أى الجنّه الموعوده بها معدّه لهم بین أیدیهم و إنما جعلنا الظنّ بمعنی الیقین لما قد مرّ من اتّصافهم بعین الیقین و أنهم و الجنّه کمن قد رآها فهم فیها منعّمون.

(و إذا مرّوا بایه فیها تخویف) و تحذیر من النار (أصغوا) أى أمالوا (إلیها مسامع قلوبهم و ظنّوا) أى علموا (أنّ زفیر جهنّم و شهیقها) أى صوت توقدها (فى اصول آذانهم) أو المراد زفیر أهلها و شهیقهم، و الزّفیر إدخال النفس و الشهیق إخراجه، و منه قیل: إنّ الزّفیر أوّل الصوت و الشهیق آخره، و الزّفیر من الصّدر و الشهیق من الحلق، و کیف کان فالمراد أنهم و النار کمن قد رآها فهم فیها معذّبون.

و محصل المراد أنّ المتّقین یقرؤن القرآن بالتّرتیل و الصوت الحسن الحزین و یشتدّ رجاؤهم عند قراءه آیات الرّجا و خوفهم عند تلاوه آیات الخوف.
روى فی الوسائل عن الشیخ عن البرقی و ابن أبی عمیر جمیعا عن بعض أصحابنا عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: ینبغی للعبد إذا صلّى أن یرتّل فی قراءته فاذا مرّ بایه فیها ذکر الجنّه و ذکر النار سأل اللّه الجنه و تعوّذ باللّه من النار، و إذا مرّ بیا أیها الناس و یا أیها الّذین آمنوا یقول لبّیک ربّنا.

و عنه عن عثمان بن عیسى عن سماعه قال: قال أبو عبد اللّه علیه السّلام ینبغی لمن قرء القرآن إذا مرّ بایه فیها مسأله أو تخویف أن یسأل عند ذلک خیر ما یرجو و یسأل العافیه من النار و من العذاب.
و فیه عن الکلینی عن الزّهرى فی حدیث قال: کان علیّ بن الحسین علیهما السّلام إذا قرء مالک «ملک» یوم الدّین یکرّرها حتى یکاد أن یموت، هذا.

و لما ذکر علیه السّلام وصف قیامهم و قراءتهم أشار إلى رکوعهم بقوله (فهم حانون) أى عاطفون (على أوساطهم) یعنی أنّهم یحنون ظهرهم فى الرّکوع أى یمیلونه فی استواء من رقبتهم و من ظهرهم من غیر تقویس.

و أشار إلى سجودهم بقوله (مفترشون لجباههم واه کفّهم و رکبهم و أطراف أقدامهم)أى باسطون لهذه الأعضاء السبعه فی حاله السجده على الأرض قال سبحانه وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً.
قال فی مجمع البیان روى أنّ المعتصم سأل أبا جعفر محمّد بن علیّ بن موسى الرّضا علیه السّلام عن هذه الایه فقال علیه السّلام: هی الأعضاء السبعه التی یسجد علیها.

و فى الوسائل عن الشیخ باسناده عن زراره قال: قال أبو جعفر علیه السّلام قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله: السجود على سبعه أعظم: الجبهه، و الیدین، و الرّکبتین، و الابهامین من الرّجلین، و ترغم بأنفک إرغاما أمّا الفرض فهذه السبعه و أمّا الارغام بالأنف فسنّه من النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.

و قوله علیه السّلام (یطلبون إلى اللّه تعالى فی فکاک رقابهم) إشاره إلى العلّه الغائیّه لهم من عباداتهم اللیلیه، یعنى أنهم یتضرّعون الیه سبحانه و یلحّون فی فکاک رقابهم من النار و ادخالهم الجنه.
و الثامن عشر اتّصافهم بأوصاف یطلع علیها النّاظرون لهم نهارا، و إلیه أشار بقوله (و أمّا النّهار فحلماء علماء أبرار أتقیاء) یعنی أنّهم متّصفون بالحلم و العلم و البرّ و التّقوى.

أما الحلم فهو فضیله متوسّطه بین رذیلتی المهانه و الافراط فی الغضب، و هو من جنود العقل و یقابله السّفه و هو من جنود الجهل، کما فی الحدیث المرویّ فی الکافی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام.
قال صدر المتألهین فی شرح الکافی: الحلم الاناه و هو من شعب الاعتدال فی الغضب، و السفه الخفّه و الطیش، و سفه فلان رأیه إذا کان مضطربا لا استقامه له فیکون من شعب الافراط فی الغضب ضدّ الحلم الذی من شعب الاعتدال فیه.

و قال بعض شرّاح الکافی: الحلم الاناه و التثبّت فی الامور، و هو یحصل عن الاعتدال فى القوّه الغضبیه و یمنع من الانفعال عن الواردات المکروهه المؤذیه، و من آثاره عدم جزع النفس عند الامور الهایله و عدم طیشها فى المؤاخذه و عدم صدورحرکات غیر منتظمه منها و عدم إظهار المزیه على الغیر و عدم التهاون فى حفظ ما یجب حفظه شرعا و عقلا.

أقول و یشهد بفضل هذا الوصف: ما رواه فى الکافى عن جابر عن أبی جعفر علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إنّ اللّه یحبّ الحییّ الحلیم العفیف المتعفّف.
و عن سعید بن یسار عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: إذا وقع بین رجلین منازعه نزل ملکان فیقولان للسفیه منهما: قلت و قلت و أنت أهل لما قلت ستجزى بما قلت، و یقولان للحلیم منهما: صبرت و حلمت سیغفر اللّه لک إن أتممت ذلک، قال: فان ردّه الحلیم علیه ارتفع الملکان، هذا.

و فى بعض النسخ بدل قوله علیه السّلام فحلماء: فحکماء بالکاف فیفید اتّصافهم بالحکمه و هو أیضا من جنود العقل، و یقابله الهوى و هو من جنود الجهل کما فى الحدیث الذی أشرنا إلیه.
قال صدر المتألهین فى شرح هذا الحدیث من الکافى: الحکمه هى العلم بحقایق الأشیاء کما هى بقدر الطاقه و العمل على طبقه، و الهوى الرّأى الفاسد و اتّباع النفس شهواتها الباطله، و یحتمل أن یکون المراد بالحکمه ما یستعمل فى کتب الأخلاق و هو التوسط فى القوّه الفکریّه بین الافراط الذی هو الجربزه و التفریط الذى هو البلاهه فیکون المراد بالهوى الجربزه بما یلزمها من الاراء الفاسده و العقائد الباطله، لأنّها تضادّ الحکمه التی بهذا المعنى، و کلا المعنیین من صفات العقل و ملکاته و مقابلاتهما من صفات الجهل و توابعه.

و أما العلم فهو أیضا من جنود العقل، و یقابله الجهل کما فى الحدیث المتقدّم إلیه الاشاره، و المراد بکونهم علماء کما لهم فی القوّه النظریه بالعلم النظرى الذی هو معرفه الصانع و صفاته و العلم الشرعى الذى هو معرفه تکالیفه و أحکامه.

و أما البر فقد یطلق و یراد به الصادق، و قد یطلق على الذى من عادته الاحسان‏و بهما فسّر قوله «انّه هو البرّ الرّحیم» و کثیرا ما یخصّ الأبرار بالأولیاء و الزّهاد و العبّاد و به فسّر قوله تعالى إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِی نَعِیمٍ أى الأولیاء المطیعون فی الدّنیا و قال فی مجمع البیان فی تفسیر قوله إِنَّ الْأَبْرارَ یَشْرَبُونَ مِنْ کَأْسٍ کانَ مِزاجُها کافُوراً هو جمع البرّ المطیع للّه المحسن فی أفعاله، و قال الحسن: هم الّذین لا یؤذون الذّر و لا یرضون الشرّ و قیل: هم الذین یقضون الحقوق اللازمه و النّافله.

و اما التقوى فالمراد به هنا الخوف، یعنى أنّهم خائفون من اللّه تعالى و تارکون جمیع القبایح البدنیّه و النفسانیّه.
و أشار إلى کمال خوفهم بقوله (قد بریهم الخوف برى القداح) أى نحتهم مثل نحت السّهام و صاروا مثلها فی الدّقه و النحافه و إنّما یفعل الخوف ذلک لاشتغال النّفس المدبّره للبدن به عن النظر فی صلاح البدن و وقوف القوّه الشّهویّه و الغاذیه عن أداء بدل ما یتحلّل.

و قد کان هذا الوصف أعنی کمال الخوف من اللّه سبحانه و نحول البدن من شدّته مأثورا عن علیّ بن الحسین علیهما السّلام.
فقد روى المفید فی الارشاد عن أبی جعفر علیه السّلام قال: کان علیّ بن الحسین علیهما السّلام یصلّى فی الیوم و اللّیله ألف رکعه و کانت الرّیح تمیله بمنزله السّنبله.
و فیه أیضا عن عبد اللّه بن محمّد القرشی قال: کان علیّ بن الحسین علیهما السّلام إذا توضّأ یصفرّ لونه فیقول له أهله: ما هذا الّذی یغشاک فیقول: أ تدرون لمن أتأهّب للقیام بین یدیه.

و فیه أیضا عن سعید بن کلثوم عن الصّادق علیه السّلام فی حدیث مدح فیه علیّ بن أبی طالب بما هو أهله و أطراه إلى أن قال: و ما أشبهه من ولده و لا أهل بیته أحد أقرب شبها به فی لباسه و فقهه من علیّ بن الحسین علیهما السّلام، و لقد دخل ابنه أبو جعفر علیه فاذا هو قد بلغ من العباده ما لم یبلغه أحد فرآه قد اصفرّ لونه من السّهر و رمصت عیناه من البکاء و دبرت جبهته و انخرم أنفه من السّجود و ورمت ساقاه و قدماه من‏القیام فی الصّلاه قال أبو جعفر: فلم أملک حین رأیته بتلک الحال البکاء فبکیت رحمه له الحدیث.

و قد کان شیعتهم علیهم السّلام أیضا متّصفون بذلک.
کما رواه فی الوسایل من الخصال عن عمرو بن أبی المقدام عن أبیه قال: قال لی أبو جعفر علیه السّلام یا أبا المقدام إنّما شیعه علىّ الشّاحبون النّاحلون الذّابلون، ذابله شفاههم خمیصه بطونهم متغیّره ألوانهم مصفرّه وجوههم، إذا جنّهم اللّیل اتّخذوا الأرض فراشا و استقبلوا الأرض بجباههم، کثیر سجودهم کثیره دموعهم کثیر دعاؤهم کثیر بکاؤهم یفرح النّاس و هم محزونون.

و فیه من أمالی ابن الشیخ قال: روى انّ أمیر المؤمنین خرج ذات لیله من المسجد و کانت لیله قمراء فأمّ الجبانه و لحقه جماعه یقفون أثره فوقف علیهم ثمّ قال: من أنتم قالوا: شیعتک یا أمیر المؤمنین، فتفرّس فی وجوههم قال: فما لى لا أرى علیکم سیماء الشیعه قالوا: و ما سیماء الشیعه یا أمیر المؤمنین قال: صفر الوجوه من السهر عمش العیون من البکاء حدب الظهور من القیام خمص البطون من الصیام ذبل الشفاه من الدّعاء علیهم غبره الخاشعین، هذا.
و لغلبه الخوف علیهم و نحول أجسادهم و انحلال أعضائهم و شحب ألوانهم من الجدّ و الاجتهاد فی العباده (ینظر إلیهم الناظر فیحسبهم مرضى و) الحال أنه (ما بالقوم من مرض و) لتوجّه نفوسهم بالملاء الأعلى، و خروج أفعالهم عن المعتاده المتعارفه بین الناس (یقول) الناظر لهم إنهم (قد خولطوا) أى اختلّ عقلهم و فسد (و) الحال أنهم ما خولطوا بل (قد خالطهم) أى مازجهم (أمر عظیم) من الخوف فتولهوا لأجله.

التاسع عشر أنّهم (لا یرضون من أعمالهم القلیل) أى لا یقنعون بالقلیل لعلمهم بشرف الغایات المقصوده من العبادات و عظم ما یترتّب علیها من الثمرات، و هو العتق من النار و الدّخول فى الجنه و الوصول إلى رضوان اللّه الذی هو أعظم اللّذات و أشرف الغایات.

و لذلک أنّ أولیاء الدّین و أئمه التقوى و الیقین کان هممهم مقصوره على الجدّ و الاجتهاد و التفرّغ للعباده.
و لقد قام رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کما فى روایه الاحتجاج عن الکاظم عن أبیه عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیهم السّلام عشر سنین على أطراف أصابعه حتى تورّمت قدماه و اصفرّ وجهه یقوم اللّیل أجمع حتى عوتب فى ذلک فقال اللّه تعالى «طه ما أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى‏» بل لتسعد به.

و فى روایه الکافى عن أبى بصیر عن الباقر علیه السّلام قال: کان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عند عایشه لیلتها فقالت: یا رسول اللّه لم تتعب نفسک و قد غفر لک ما تقدّم من ذنبک و ما تأخّر فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: یا عایشه ألا أکون عبدا شکورا و کان أمیر المؤمنین علیه السّلام یصلّی فى الیوم و اللّیله ألف رکعه، و کذلک ولده علیّ بن الحسین علیهما السّلام حسبما عرفت آنفا.

و روى فى الوسایل من العلل عن أبى حمزه قال: سألت مولاه لعلیّ بن الحسین علیهما السّلام بعد موته فقلت: صفى لى امور علىّ بن الحسین علیهما السّلام فقالت: اطنب أو اختصر فقلت: بل اختصری، قال: ما أتیته بطعام نهارا قطّ و لا فرشت له فراشا بلیل قطّ.

و روى فیه أیضا من العیون عن عبد السلام بن صالح الهروى فى حدیث انّ الرّضا علیه السّلام کان ربما یصلّى فى یومه و لیلته ألف رکعه، و انما ینفتل من صلاته ساعه فى صدر النهار و قبل الزّوال و عند اصفرار الشمس، فهو فى هذه الأوقات قاعد فى صلاه «مصلاه ظ» یناجى ربه.
إلى غیر ذلک من الأخبار الوارده فى وصف عباداتهم علیهم السّلام، و کفى فى تأکد المداومه على العباده و التفرّغ لها بقوله سبحانه وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ.

روى فى الوسایل من العلل بسنده عن جمیل بن درّاج قال: قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام: جعلت فداک ما معنى قول اللّه عزّ و جلّ وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ فقال: خلقهم للعباده.

و فیه عن الکلینی عن عمر بن یزید عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال فى التوراه مکتوب یا ابن آدم تفرغ لعبادتى أملاء قلبک غنى و لا أکلک إلى طلبک، و علىّ أن أسدّ فاقتک و أملاء قلبک خوفا منّى.
و عن عمر بن جمیع عن أبى عبد اللّه علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أفضل النّاس من عشق العباده فعانقها و أحبّها بقلبه و باشرها بجسده و تفرغ لها فهو لا یبالى على ما أصبح من الدّنیا على عسر أم یسر.

و عن أبى جمیله قال: قال أبو عبد اللّه علیه السّلام: قال اللّه تبارک و تعالى: یا عبادى الصّدیقین تنعّموا بعبادتى فى الدّنیا فانّکم تنعّمون بها فى الاخره.
(و) العشرون أنّهم (لا یستکثرون) من أعمالهم (الکثیر) أى لا یعجبون بکثره العمل و لا یعدّونه کثیرا و ان أتعبوا فیه أنفسهم و بلغوا غایه جهدهم، لمعرفتهم بأنّ ما أتوا به من العبادات و إن بلغت فی کثرتها غایه الغایات زهیده قلیله فی جنب ما یترتّب علیها من الثّمرات، کما أشار إلیه فی الخطبه الثانیه و الخمسین بقوله: فو اللّه لو حننتم حنین الوله العجال و دعوتهم بهدیل الحمام و جأرتم جؤار المتبتّلی الرّهبان و خرجتم إلى اللّه من الأموال و الأولاد التماس القربه الیه فی ارتفاع درجه عنده أو غفران سیئه أحصتها کتبه و حفظها رسله، لکان قلیلا فیما أرجو لکم من ثوابه و أخاف علیکم من عقابه، هذا.

مع ما فی استکثار العمل من العجب الموجب لاهباطه و للوقوع فی الخزى العظیم و العذاب الألیم.
روى فی الوسائل من الخصال عن سعد الاسکاف عن أبی جعفر علیه السّلام قال: ثلاث قاصمات الظّهر: رجل استکثر عمله، و نسى ذنوبه، و أعجب برأیه.

و من الخصال عن عبد الرّحمن بن الحجاج عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال ابلیس: إذا استمکنت من ابن آدم فی ثلاث لم ابال ما عمل فانّه غیر مقبول: إذا استکثر عمله، و نسى ذنبه، و دخله العجب.
و فیه عن الکلینی عن سماعه قال: سمعت أبا الحسن علیه السّلام یقول: لا تستکثرواالخیر و لا تستقلّوا قلیل الذّنوب.
و عن الکلینی عن یونس عن بعض أصحابه عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی حدیث: قال موسى بن عمران لابلیس: أخبرنی بالذّنب الّذى إذا أذنبه ابن آدم استحوذت علیه قال: إذا أعجبته نفسه، و استکثر عمله، و صغر فی عینه ذنبه.

و قال: قال اللّه عزّ و جلّ لداود: یا داود بشّر المذنبین و أنذر الصّدیقین، قال: کیف ابشّر المذنبین و أنذر الصدّیقین قال: یا داود بشّر المذنبین أنی أقبل التوبه و أعفو عن الذّنب، و أنذر الصدّیقین أن لا یعجبوا بأعمالهم فانّه لیس عبد أنصبه للحساب إلّا هلک و لمّا ذکر عدم رضاهم بالقلیل و اعجابهم بالکثیر فرّع علیه قوله (فهم لأنفسهم متّهمون و من أعمالهم مشفقون) یعنی أنّهم یتّهمون أنفسهم و ینسبونها إلى التقصیر فی العباده.

روى فی الوسائل عن الکلینی عن سعد بن أبی خلف عن أبی الحسن موسى علیه السّلام قال: قال لبعض ولده: یا بنیّ علیک بالجدّ و لا تخرجنّ نفسک من حدّ التقصیر فی عباده اللّه عزّ و جل فانّ اللّه لا یعبد حقّ عبادته.
و عن الفضل بن یونس عن أبی الحسن علیه السّلام قال: أکثر من أن تقول: اللّهم لا تجعلنی من المعارین و لا تخرجنی من التقصیر، قال: قلت له: أمّا المعارون فقد عرفت إنّ الرّجل یعار الدّین ثمّ یخرج منه، فما معنی لا تخرجنی من التقصیر فقال: کلّ عمل ترید به وجه اللّه فکن فیه مقصّرا عند نفسک فانّ النّاس کلّهم فی أعمالهم فیما بینهم و بین اللّه مقصّرون إلّا من عصمه اللّه.

و عن أبی عبیده الحذاء عن أبی جعفر علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: قال اللّه عزّ و جلّ: لا یتّکل العاملون لی على أعمالهم الّتی یعملونها لثوابی، فانّهم لو اجتهدوا و أتّعبوا أنفسهم أعمارهم فی عباداتی کانوا مقصّرین غیر بالغین فی عبادتهم کنه عبادتی فیما یطلبون عندى من کرامتی و النعیم فی جنّاتی و رفیع الدّرجات العلی فی جوارى و لکن برحمتی فلیتّقوا «فلیثقواظ»، و فضلی فلیرجوا، و الى حسن الظنّ بی فلیطمئنّوا و أمّا اشفاقهم من أعمالهم فخوفهم من عدم قبولها أو من عدم کونها جامعهلشرائط الصّحه و الکمال على الوجه الّذی یلیق به تعالى فیؤاخذوا به، و قد مدح اللّه سبحانه المؤمنین بذلک فی قوله «وَ الَّذِینَ یُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَهٌ».
روى فى الصافى من الکافى عن الصادق علیه السّلام أنّه سئل عن هذه الایه فقال: هى اشفاقهم و رجاؤهم یخافون أن تردّ علیهم أعمالهم إن لم یطیعوا اللّه و یرجون أن تقبل منهم.

و فى مجمع البیان قال أبو عبد اللّه علیه السّلام: معناه خائفه أن لا یقبل منهم.
و فى الوسائل من الکافى عن عبد الرّحمن بن الحجاج قال: قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام الرّجل یعمل العمل و هو خائف مشفق ثمّ یعمل شیئا من البرّ فیدخله شبه العجب به فقال علیه السّلام: هو فى حاله الأولى و هو خائف أحسن حالا منه فى حال عجبه.

الحادى و العشرون أنّه (إذا زکی أحدهم) أى وصف و مدح بما فیه من محامد الأوصاف و مکارم الأخلاق و مراقبه العبادات و مواظبه الطاعات (خاف مما یقال له) و اشمئزّ منه (فیقول أنا أعلم بنفسى) أى بعیوبها (من غیری و ربّی أعلم منّی بنفسی) و إنّما یشمئزّ و یخاف من التّزکیه لکون الرّضا بها مظنّه الاعجاب بالنفس و الادلال بالعمل.
و لهذه النّکته أیضا نهى اللّه سبحانه عن تزکیه النفس قال تعالى فَلا تُزَکُّوا أَنْفُسَکُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى‏ أى لا تثنوا علیها بزکاء العمل و زیاده الخیر و الطهاره من المعاصى و الرّذائل، فانّه یعلم التّقى و غیره منکم قبل أن یخرجکم من صلب آدم.
قال فى مجمع البیان: أى لا تعظّموها و لا تمدحوها بما لیس لها فانّى أعلم بها، و قیل: معناه لا تزکوها بما فیها من الخیر لیکون أقرب إلى النسک و الخشوع، و أبعد من الرّیا هو أعلم بمن برّ و أطاع و أخلص العمل.
و روى فى الصافى من العلل عن الصّادق علیه السّلام أنّه سئل عنها قال: یقول: لا یفتخر أحدکم بکثره صلاته و صیامه و زکاته و نسکه، لأنّ اللّه عزّ و جل أعلم بمن اتّقى منکم.

و قوله (اللهمّ لا تؤاخذنی بما یقولون و اجعلنى أفضل مما یظنّون و اغفر لى‏ما لا یعلمون) أى لا تؤاخذنی بتزکیه المزکین التی هى مظنه الاعجاب الموجب للسخط و المؤاخذه، و اجعلنى أفضل مما یظنّون فى التّقوى و الورع، و اغفر لى الهفوات و الاثام التی أنت عالم بها و هى مستوره عنهم و على ما ذکرنا فهذه الجمله الدّعائیه متمّ کلام المتّقین الذى حکاه علیه السّلام عنهم، یعنى إذا زکی أحدهم یخاف منه و یجیب المزکّى بقوله: أنا أعلم بنفسى اه، و یدعو ربه بقوله: اللهمّ لا تؤاخذنی اه.

و العجب من الشارح المعتزلی حیث زعم أنّ هذه الجمله من کلام أمیر المؤمنین نفسه لا حکایه عن المتّقین قال: و قوله: اللهمّ لا تؤاخذنی بما یقولون، إلى آخر الکلام مفرد مستقلّ بنفسه منقول عنه علیه السّلام أنه قاله لقوم مرّ علیهم و هم مختلفون فى أمره فمنهم الحامد له و منهم الذّام فقال: اللهمّ لا تؤاخذنی اه، و معناه: اللهمّ إن کان ما ینسبه الذّامون إلىّ من الأفعال الموجبه للذمّ حقا فلا تؤاخذنی بذلک، و اغفر لى ما لا یعلمونه من أفعالى، و ان کان ما یقوله الحامدون حقا فاجعلنى أفضل مما یظنّونه فیّ، انتهى.

و الأظهر ما ذکرنا کما لا یخفى، هذا.
و لما ذکر جمله من أوصافهم الجمیله أردفها بسایر أوصافهم التی بها یعرفون و قال: (فمن علامه أحدهم أنک ترى له قوّه فى دین) أى تراه متصلّبا فیه لا یؤثّر فیه تشکیک المشکک و لا ینخدع بخداع الناس.
(و حزما فی لین) أى یکون لینه عن حزم و تثبّت لا عن مهانه و قال الشارح البحرانی یکون له الحزم فی الامور الدّنیویه و التّثبّت فیها ممزوجا باللّین للخلق و عدم الفظاظه، و هی فضیله العدل فی المعامله مع الخلق.

(و ایمانا فی یقین) أى ایمانا مع یقین، فانّ الایمان و هو معرفه الصّانع و الرّسول و التّصدیق بما جاء به من عند اللّه لما کان قابلا للشدّه و الضّعف، فتاره یکون عن وجه التقلید و هو الاعتقاد المطابق لا لموجب، و اخرى عن وجه العلم و هو الاعتقاد المطابق لموجب هو الدّلیل، و ثالثه عن العلم به مع العلم بأنّه لا یکون إلّا کذلک و هو علم الیقین، أراد أنّ علمهم باصول العقائد علم یقین لا یتطرّق إلیه احتمال‏و فى الکافی عن جابر قال: قال لی أبو عبد اللّه علیه السّلام: یا أخا جعفی انّ الایمان أفضل من الاسلام و إنّ الیقین أفضل من الایمان، و ما من شی‏ء أعزّ من الیقین.

و عن علیّ بن إبراهیم عن محمّد بن عیسى عن یونس قال: سألت أبا الحسن الرّضا علیه السّلام عن الایمان و الاسلام فقال: قال أبو جعفر علیه السّلام: إنّما هو الاسلام و الایمان فوقه بدرجه و التقوى فوق الایمان بدرجه، و الیقین فوق التقوى بدرجه، و لم یقسّم بین النّاس شی‏ء أقلّ من الیقین، قال: قلت: فأىّ شی‏ء الیقین قال: التوکّل على اللّه و التسلیم للّه، و الرّضا بقضاء اللّه، و التفویض إلى اللّه، قلت: فما تفسیر ذلک قال: هکذا قال أبو جعفر علیه السّلام.
قال بعض شرّاح الکافی فی شرح هذا الحدیث: الاسلام هو الاقرار و الایمان إما التصدیق أو التّصدیق مع الاقرار، و على التقدیرین فهو فوق الاسلام بدرجه أما على الثانی فظاهر و أمّا على الأوّل فلأنّ التصدیق القلبی أفضل و أعلى من الاقرار اللّسانی کما أنّ القلب أفضل من اللّسان، و التقوى فوق الایمان بدرجه لأنّ التقوى هو التجنّب عمّا یضرّ فی الاخره و إن کان ضرره یسیرا، و الیقین فوق التقوى لأنّ التقوى قد لا یکون فی مرتبه الیقین، و هی الّتی أشار إلیها أمیر المؤمنین علیه السّلام بقوله: لو کشف الغطاء لما ازددت یقینا.

(و حرصا فی علم) أى و حرصا فی طلب العلم النّافع فى الاخره و الازدیاد منه (و علما فى حلم) أى علما ممزوجا بالحلم و قد مرّ توضیحه فى شرح قوله و أمّا النّهار فعلماء حلماء.
(و قصدا فى غنى) یحتمل أن یکون المراد اقتصاده فى طلب المال و تحصیل الثروه، یعنى أنّه لا یجاوز الحدّ فى کسب المال و تحصیل الغنى بحیث یؤدّى إلى فوات بعض ما علیه من الفرائض کما هو المشاهد فی أبناء الدّنیا، و أن یکون المراد أنّه مع غناه مقتصد فى حرکاته و سکناته و مصارف ماله بل جمیع أفعاله یعنى أنّ غناه لم یوجب طغیانه و خروجه عن القصد و تجاوزه عن الحدّ کما قال تعالى کَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَیَطْغى‏ أَنْ رَآهُ.

(و خشوعا فى عباده) أى خضوعا و تذللا فى عباداته، و قد وصف اللّه المؤمنین بذلک فى قوله «الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ» قال فى مجمع البیان أى خاضعون متواضعون متذلّلون لا یدفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم و لا یلتفتون یمینا و شمالا.
و روى أنّ النّبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم رأى رجلا یعبث بلحیته فی صلاته فقال: أما انّه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه.

و فی هذا دلاله على أنّ الخشوع فی الصّلاه یکون بالقلب و بالجوارح، فأمّا بالقلب فهو أن یفرغ قلبه بجمیع الهمّه لها و الاعراض عمّا سواها فلا یکون فیه غیر العباده و المعبود، و أمّا بالجوارح فهو غضّ البصر و الاقبال علیها و ترک الالتفات و العبث قال ابن عبّاس خشع فلا یعرف من على یمینه و من على یساره.
(و تجمّلا فی فاقه) أى یتعفّف و یظهر الغنى فی حال فقره و یترک السّؤال و یستر ما هو علیه من الفقر، و أصل التجمّل هو تکلّف الجمیل.

و قد مدح اللّه سبحانه أصحاب الصفه بذلک فی قوله «لِلْفُقَراءِ الَّذِینَ أُحْصِرُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ لا یَسْتَطِیعُونَ ضَرْباً فِی الْأَرْضِ» و کانوا نحوا من أربعمائه من فقراء المهاجرین یسکنون صفّه مسجد رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یستغرقون أوقاتهم بالتعلّم و العباده و کانوا یخرجون فی کلّ سریّه یبعثها رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یظنّهم الجاهل بحالهم و باطن امورهم أغنیاء من التعفّف أى من أجل التعفّف و الامتناع من السّؤال و التجمّل فى اللّباس و السّتر لما هم علیه من الفقر و سوء الحال طلبا لرضوان اللّه و جزیل ثوابه تعرفهم بسیماهم أى تعرف حالهم بما یرى فى وجوههم من علامه الفقر من رثاثه الحال و صفره الوجه لا یسئلون النّاس أصلا فیکون إلحاح أى إصرار فى السّؤال، فهو من قبیل السّالبه بانتفاء الموضوع مثل قولک: ما رأیت مثله و أنت ترید أنّه لا مثل له فیرى، لا أنّ له مثلا ما رأیته.

قال فى مجمع البیان فى الحدیث: إنّ اللّه یحبّ أن یرى أثر نعمته على عبده‏و یکره البؤس و التّباؤس، و یحبّ الحلیم المتعفّف من عباده و یبغض البذى السّائل الملحف.«» (و صبرا فى شدّه) أى یتحمّل على شداید الدّنیا و مکارهها و یستحقرها بجنب ما یتصوّره من الفرحه بلقاء اللّه و بما بشّر به من عظیم الأجر للصّابرین فى کتابه المبین مضافا إلى ما فیه من التّأسّی و الاتباع للسلف الصالحین من الأنبیاء و المرسلین و أولیاء الدّین.

روى فى الکافى عن حفص بن غیاث قال: قال لى أبو عبد اللّه علیه السّلام: یا حفص إنّ من صبر صبر قلیلا و انّ من جزع جزع قلیلا، ثمّ قال: علیک بالصبر فى جمیع امورک فانّ اللّه عزّ و جلّ بعث محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فأمره بالصبر و الرّفق فقال وَ اصْبِرْ عَلى‏ ما یَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِیلًا. وَ ذَرْنِی وَ الْمُکَذِّبِینَ أُولِی النَّعْمَهِ و قال تبارک و تعالى وَ لا تَسْتَوِی الْحَسَنَهُ وَ لَا السَّیِّئَهُ ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِی بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُ عَداوَهٌ کَأَنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیمٌ وَ ما یُلَقَّاها إِلَّا الَّذِینَ صَبَرُوا فصبر رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم حتى نالوه بالعظایم و رموه بها، فضاق صدره فأنزل اللّه عزّ و جلّ وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّکَ یَضِیقُ صَدْرُکَ بِما یَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ وَ کُنْ مِنَ السَّاجِدِینَ ثمّ کذّبوه و رموه فحزن لذلک فأنزل اللّه عزّ و جلّ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَیَحْزُنُکَ الَّذِی یَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا یُکَذِّبُونَکَ وَ لکِنَّ الظَّالِمِینَ بِآیاتِ اللَّهِ یَجْحَدُونَ.

وَ لَقَدْ کُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِکَ فَصَبَرُوا عَلى‏ ما کُذِّبُوا وَ أُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا فألزم النبىّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم نفسه الصبر فتعدّوا فذکروا اللّه تعالى و کذّبوه فقال: قد صبرت فى نفسى و عرضى و لا صبر لى على ذکر إلهى فأنزل اللّه عزّ و جلّ وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّهِ أَیَّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ.

فَاصْبِرْ عَلى‏ ما یَقُولُونَ فصبر النبىّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فى جمیع أحواله ثمّ بشر فى عترته بالأئمه و وصفوا بالصبر فقال جلّ ثناؤه «وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّهً یَهْدُونَ بِأَمْرِنالَمَّا صَبَرُوا وَ کانُوا بِآیاتِنا یُوقِنُونَ» فعند ذلک قال صلّى اللّه علیه و آله الصبر من الایمان کالرّأس من الجسد، فشکر اللّه عزّ و جلّ ذلک له فأنزل اللّه عزّ و جلّ وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِینَ کانُوا یُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا الَّتِی بارَکْنا فِیها وَ تَمَّتْ کَلِمَتُ رَبِّکَ الْحُسْنى‏ عَلى‏ بَنِی إِسْرائِیلَ بِما فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: إنه بشرى و انتقام فأباح اللّه عزّ و جلّ له قتال المشرکین فأنزل فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ کُلَّ مَرْصَدٍ و اقْتُلُوهُمْ حَیْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ فقتلهم اللّه على یدی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و أحبائه و عجّل له ثواب صبره مع ما ادّخر له فى الاخره، فمن صبر و احتسب لم یخرج من الدّنیا حتى یقرّ اللّه عینه فى أعدائه مع ما ادّخر له فى الاخره.

(و طلبا فى حلال) أى یطلب الرّزق من الحلال و یقتصر علیه و لا یطلبه من الحرام.
روى فى الوسایل عن الکلینىّ باسناده عن أبى حمزه الثمالى عن أبى جعفر علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله فى حجه الوداع: ألا إنّ الرّوح الأمین نفث فى روعى أنه لا تموت نفس حتى تستکمل رزقها فاتّقوا اللّه و أجملوا فى الطلب و لا یخفنکم استبطاء شی‏ء من الرّزق أن تطلبوه بمعصیه اللّه، فانّ اللّه تبارک و تعالى قسّم الأرزاق بین خلقه حلالا و لم یقسّمها حراما، فمن اتّقى و صبر آتاه اللّه برزقه من حلّه و من هتک حجاب السرّ «کذا» و عجل فأخذه من غیر جلّه قصّ به من رزقه الحلال و حوسب علیه یوم القیامه و فیه عن المفید فى المقنعه قال: قال الصادق علیه السّلام الرّزق مقسوم على ضربین أحدهما واصل إلى صاحبه و ان لم یطلبه، و الاخر معلّق بطلبه، فالذى قسّم للعبد على کلّ حال آتیه و إن لم یسع له، و الذى قسّم له بالسعى فینبغى أن یلتمسه من وجوهه و هو ما أحلّه اللّه له دون غیره، فان طلبه من جهه الحرام فوجده حسب علیه برزقه و حوسب به.

(و نشاطا فى هدى) أى خفه و اسراعا فیه، و بعباره اخرى أن یکون سلوکه لسبیل اللّه و اتیانه بالعبادات المشروعه الموصله إلى رضوان اللّه سبحانه بطیب النفس‏و على وجه الخفّه و السهوله لا عن الکسل و التغافل، و ذلک ینشأ عن قوّه الیقین فیما وعد اللّه المتّقین من الجزاء الجمیل و الأجر العظیم بخلاف أهل الرّیا فانّه یکسل فى الخلوه و ینشط بین الناس.

کما روى فى الوسایل عن الکلینىّ عن السکونیّ عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السّلام: ثلاث علامات للمرائى: ینشط إذا رأى الناس، و یکسل إذا کان وحده، و یحبّ أن یحمد فى جمیع اموره.

(و تحرّجا عن طمع) أى تجنّبا عنه أى لا یطمع فیما فی أیدى النّاس لعلمه بأنّه من الرّذایل النّفسانیّه و منشأ المفاسد العظیمه لأنّه یورث الذّل و الاستخفاف و الحقد و الحسد و العداوه و الغیبه و ظهور الفضایح و المداهنه لأهل المعاصی و النّفاق و الرّیا و سدّ باب النّهى عن المنکر و الأمر بالمعروف و ترک التّوکّل على اللّه و التّضرع إلیه و عدم الرّضا بقسمه إلى غیر ذلک ممّا لا یحصى.

روى فی الکافی عن سعدان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال قلت له: الّذى یثبت الایمان فی العبد قال: الورع و الذى یخرجه منه قال: الطمع.
و عن الزّهری قال: قال علیّ بن الحسین علیهما السّلام: رأیت الخیر کلّه قد اجتمع فی قطع الطمع مما فی أیدى الناس.
و فیه مرفوعا عن أبی جعفر علیه السّلام قال: بئس العبد عبد له طمع یقوده و بئس العبد عبد له رغبه تذلّه.
(یعمل الأعمال الصالحه و هو على و جل) أى على خوف من ردّها و عدم قبولها لعدم اقترانها بالشرایط المقتضیه للقبول کما قال تعالى وَ الَّذِینَ یُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَهٌ و قد مضى توضیح ذلک فی شرح قوله علیه السّلام من هذه الخطبه: و من أعمالهم مشفقون.

(یمسی و همه الشکر و یصبح و همه الذّکر) قال الشارح البحرانی أى یکون همّه عند المساء الشکر على ما رزق بالنهار و ما لم یرزق، و یصبح و همّه ذکر اللّه لیذکره اللّه فیرزقه من الکمالات النفسانیه و البدنیّه کما قال تعالى فَاذْکُرُونِی‏ فَاذْکُرُونِی أَذْکُرْکُمْ وَ اشْکُرُوا لِی وَ لا أقول: ما ذکره (ره) قاصر عن تأدیه المراد غیر واف بافاده نکته تقیید الاهتمام بالذکر بالصباح و الاهتمام بالشکر بالمساء، فالأولى أن یقال: أما کون همّه مقصورا على الذّکر فی الصباح فلتأکّد استحباب الذکر فیه و یدلّ علیه ما رواه فی الوسایل من مجالس الصدوق باسناده عن عمیر بن میمون قال: رأیت الحسن بن علیّ علیهما السّلام یقعد فی مجلسه حین یصلّى الفجر حتى تطلع الشمس، و سمعته یقول سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یقول: من صلّى الفجر ثمّ جلس فی مجلسه یذکر اللّه حتى تطلع الشمس ستره اللّه من النار ستره اللّه من النار ستره اللّه من النار.

و فیه أیضا من المجالس عن أنس فی حدیث قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لعثمان ابن مظعون: من صلّى الفجر فی جماعه ثمّ جلس یذکر اللّه حتى یطلع الشمس کان له فی الفردوس سبعون درجه بعد ما بین درجتین کحضر الفرس الجواد المضمر سبعین سنه.

و فیه عن الشیخ عن ابن عمر عن الحسن بن علیّ علیهما السّلام قال: سمعت أبی علیّ بن أبی طالب علیه السّلام یقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: أیما امرء جلس فی مصلّاه الذی صلّى فیه الفجر یذکر اللّه حتى تطلع الشمس کان له من الأجر کحجاج بیت اللّه و غفر له.

و النکته الاخرى فی ذلک أنّ اللّه سبحانه لما خلق النهار لتحصیل المعاش و طلب الرّزق و الابتغاء من فضله کما أنّه خلق اللّیل للدّعه و السّکون و الراحه و النوم و کان للذکر عند الصباح مدخل عظیم فی الرّزق لا جرم کان اهتمامهم بالذکر فیه أما أن خلق النهار للرّزق و المعاش فلقوله سبحانه وَ جَعَلْنا نَوْمَکُمْ سُباتاً. وَ جَعَلْنَا اللَّیْلَ لِباساً. وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً و أما أنّ الذّکر فى الصبح جالب للرّزق.

فلما رواه فى الوسائل عن الصادق علیه السّلام قال: الجلوس بعد صلاه الغداه فی التعقیب و الدعاء حتى تطلع الشمس أبل