خطبه ۱۵۹ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۵۹ و من خطبه له ع

أَرْسَلَهُ عَلَى حِینِ فَتْرَهٍ مِنَ الرُّسُلِ- وَ طُولِ هَجْعَهٍ مِنَ الْأُمَمِ وَ انْتِقَاضٍ مِنَ الْمُبْرَمِ- فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِیقِ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ- وَ النُّورِ الْمُقْتَدَى بِهِ ذَلِکَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ- وَ لَنْ یَنْطِقَ وَ لَکِنْ أُخْبِرُکُمْ عَنْهُ- أَلَا إِنَّ فِیهِ عِلْمَ مَا یَأْتِی- وَ الْحَدِیثَ عَنِ الْمَاضِی- وَ دَوَاءَ دَائِکُمْ وَ نَظْمَ مَا بَیْنَکُمْ الهجعه النومه الخفیفه- و قد تستعمل فی النوم المستغرق أیضا- و المبرم الحبل المفتول- و الذی بین یدیه التوراه و الإنجیل- .

فإن قلت التوراه و الإنجیل قبله- فکیف جعلهما بین یدیه- قلت أحد جزأی الصله محذوف و هو المبتدأ- و التقدیر بتصدیق الذی هو بین یدیه- و هو ضمیر القرآن أی بتصدیق الذی القرآن بین یدیه- و حذف أحد جزأی الصله هاهنا- ثم حذفه فی قوله تعالى- تَماماً عَلَى الَّذِی أَحْسَنَ وَ تَفْصِیلًا- فی قراءه من جعله اسما مرفوعا- و أیضا فإن العرب تستعمل بین یدیه بمعنى قبل-

قال تعالى بَیْنَ یَدَیْ عَذابٍ شَدِیدٍ أی قبله: مِنْهَا- فَعِنْدَ ذَلِکَ لَا یَبْقَى بَیْتُ مَدَرٍ وَ لَا وَبَرٍ- إِلَّا وَ أَدْخَلَهُ الظُّلْمَهُ تَرْحَهً وَ أَوْلَجُوا فِیهِ نِقْمَهً- فَیَوْمَئِذٍ لَا یَبْقَى لَهُمْ فِی السَّمَاءِ عَاذِرٌ- وَ لَا فِی الْأَرْضِ نَاصِرٌ- أَصْفَیْتُمْ بِالْأَمْرِ غَیْرَ أَهْلِهِ وَ أَوْرَدْتُمُوهُ غَیْرَ مَوْرِدِهِ- وَ سَیَنْتَقِمُ اللَّهُ مِمَّنْ ظَلَمَ- مَأْکَلًا بِمَأْکَلٍ وَ مَشْرَباً بِمَشْرَبٍ- مِنْ مَطَاعِمِ الْعَلْقَمِ وَ مَشَارِبِ الصَّبِرِ وَ الْمَقِرِ- وَ لِبَاسِ شِعَارِ الْخَوْفِ وَ دِثَارِ السَّیْفِ- وَ إِنَّمَا هُمْ مَطَایَا الْخَطِیئَاتِ وَ زَوَامِلُ الآْثَامِ- فَأُقْسِمُ ثُمَّ أُقْسِمُ- لَتَنْخَمَنَّهَا أُمَیَّهُ مِنْ بَعْدِی کَمَا تُلْفَظُ النُّخَامَهُ- ثُمَّ لَا تَذُوقُهَا وَ لَا تَتَطَعَّمُ بِطَعْمِهَا أَبَداً- مَا کَرَّ الْجَدِیدَانِ الترحه الحزن- قال فحینئذ لا یبقى لهم أی یحیق بهم العذاب- و یبعث الله علیهم من ینتقم- و هذا إخبار عن ملک بنی أمیه بعده- و زوال أمرهم عند تفاقم فسادهم فی الأرض- .

ثم خاطب أولیاء هؤلاء الظلمه- و من کان یؤثر ملکهم فقال- أصفیتم بالأمرغیر أهله- أصفیت فلانا بکذا خصصته به- و صفیه المغنم شی‏ء کان یصطفیه الرئیس لنفسه من الغنیمه- . و أوردتموه غیر ورده أنزلتموه عند غیر مستحقه- ثم قال سیبدل الله مأکلهم اللذیذه الشهیه- بمأکل مریره علقمیه- و المقر المر- و مأکلا منصوب بفعل مقدر أی یأکلون مأکلا- و الباء هاهنا للمجازاه الداله على الصله- کقوله تعالى فَبِما نَقْضِهِمْ مِیثاقَهُمْ و کقول أبی تمام-

فبما قد أراه ریان مکسو
المعانی من کل حسن و طیب‏

و قال سبحانه- قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَیَّ- فَلَنْ أَکُونَ ظَهِیراً لِلْمُجْرِمِینَ- و جعل شعارهم الخوف- لأنه باطن فی القلوب- و دثارهم السیف لأنه ظاهر فی البدن- کما أن الشعار ما کان إلى الجسد و الدثار ما کان فوقه- . و مطایا الخطیات حوامل الذنوب- و زوامل الآثام جمع زامله- و هی بعیر یستظهر به الإنسان یحمل متاعه علیه- قال الشاعر-

زوامل أشعار و لا علم عندهم
بجیدها إلا کعلم الأباعر

و تنخمت النخامه إذا تنخعتها و النخامه النخاعه- . و الجدیدان اللیل و النهار- و قد جاء فی الأخبار الشائعه المستفیضه- فی کتب المحدثین- أن رسول الله ص أخبر أن بنی أمیه تملک الخلافه بعده- مع ذم منه ع‏لهم- نحو ما روی عنه فی تفسیر قوله تعالى- وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناکَ إِلَّا فِتْنَهً لِلنَّاسِ- وَ الشَّجَرَهَ الْمَلْعُونَهَ فِی الْقُرْآنِ- فإن المفسرین قالوا- إنه رأى بنی أمیه ینزون على منبره نزو القرده- هذا لفظ رسول الله ص الذی فسر لهم الآیه به- فساءه ذلک ثم قال- الشجره الملعونه بنو أمیه و بنو المغیره- و نحوقوله ص إذا بلغ بنو أبی العاص ثلاثین رجلا- اتخذوا مال الله دولا و عباده خولا- و نحوقوله ص فی تفسیر قوله تعالى- لَیْلَهُ الْقَدْرِ خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ- قال ألف شهر یملک فیها بنو أمیه- و ورد عنه ص من ذمهم الکثیر المشهور

نحوقوله أبغض الأسماء إلى الله الحکم و هشام و الولیدوفی خبر آخر اسمان یبغضهما الله- مروان و المغیرهو نحوقوله إن ربکم یحب و یبغض کما یحب أحدکم و یبغض- و إنه یبغض بنی أمیه و یحب بنی عبد المطلب- فإن قلت کیف قال ثم لا تذوقها أبدا- و قد ملکوا بعد قیام الدوله الهاشمیه بالمغرب مده طویله- قلت الاعتبار بملک العراق و الحجاز- و ما عداهما من الأقالیم لا اعتداد به

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۵۸

خطبه ۱۵۸ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۵۸ و من خطبه له ع

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی جَعَلَ الْحَمْدَ مِفْتَاحاً لِذِکْرِهِ- وَ سَبَباً لِلْمَزِیدِ مِنْ فَضْلِهِ- وَ دَلِیلًا عَلَى آلَائِهِ وَ عَظَمَتِهِ- عِبَادَ اللَّهِ- إِنَّ الدَّهْرَ یَجْرِی بِالْبَاقِینَ کَجَرْیِهِ بِالْمَاضِینَ- لَا یَعُودُ مَا قَدْ وَلَّى مِنْهُ- وَ لَا یَبْقَى سَرْمَداً مَا فِیهِ- آخِرُ فَعَالِهِ کَأَوَّلِهِ مُتَشَابِهَهٌ أُمُورُهُ- مُتَظَاهِرَهٌ أَعْلَامُهُ- فَکَأَنَّکُمْ بِالسَّاعَهِ تَحْدُوکُمْ حَدْوَ الزَّاجِرِ بِشَوْلِهِ- فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَیْرِ نَفْسِهِ تَحَیَّرَ فِی الظُّلُمَاتِ- وَ ارْتَبَکَ فِی الْهَلَکَاتِ- وَ مَدَّتْ بِهِ شَیَاطِینُهُ فِی طُغْیَانِهِ- وَ زَیَّنَتْ لَهُ سَیِّئَ أَعْمَالِهِ- فَالْجَنَّهُ غَایَهُ السَّابِقِینَ وَ النَّارُ غَایَهُ الْمُفَرِّطِینَ- اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ- أَنَّ التَّقْوَى دَارُ حِصْنٍ عَزِیزٍ- وَ الْفُجُورَ دَارُ حِصْنٍ ذَلِیلٍ- لَا یَمْنَعُ أَهْلَهُ وَ لَا یُحْرِزُ مَنْ لَجَأَ إِلَیْهِ- أَلَا وَ بِالتَّقْوَى تُقْطَعُ حُمَهُ الْخَطَایَا- وَ بِالْیَقِینِ تُدْرَکُ الْغَایَهُ الْقُصْوَى- عِبَادَ اللَّهِ اللَّهَ اللَّهَ فِی أَعَزِّ الْأَنْفُسِ عَلَیْکُمْ وَ أَحَبِّهَا إِلَیْکُمْ- فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْضَحَ لَکُمْ سَبِیلَ الْحَقِّ وَ أَنَارَ طُرُقَهُ- فَشِقْوَهٌ لَازِمَهٌ أَوْ سَعَادَهٌ دَائِمَهٌ- فَتَزَوَّدُوا فِی أَیَّامِ الْفَنَاءِ لِأَیَّامِ الْبَقَاءِ- قَدْ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ وَ أُمِرْتُمْ بِالظَّعَنِ- وَ حُثِثْتُمْ عَلَى الْمَسِیرِ- فَإِنَّمَا أَنْتُمْ کَرَکْبٍ وُقُوفٍ لَا یَدْرُونَ- مَتَى یُؤْمَرُونَ بِالسَّیْرِ- أَلَا فَمَا یَصْنَعُ بِالدُّنْیَا مَنْ‏ خُلِقَ لِلآْخِرَهِ- وَ مَا یَصْنَعُ بِالْمَالِ مَنْ عَمَّا قَلِیلٍ یُسْلَبُهُ- وَ تَبْقَى عَلَیْهِ تَبِعَتُهُ وَ حِسَابُهُ- عِبَادَ اللَّهِ- إِنَّهُ لَیْسَ لِمَا وَعَدَ اللَّهُ مِنَ الْخَیْرِ مَتْرَکٌ- وَ لَا فِیمَا نَهَى عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مَرْغَبٌ- عِبَادَ اللَّهِ- احْذَرُوا یَوْماً تُفْحَصُ فِیهِ الْأَعْمَالُ- وَ یَکْثُرُ فِیهِ الزِّلْزَالُ وَ تَشِیبُ فِیهِ الْأَطْفَالُ- اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ- أَنَّ عَلَیْکُمْ رَصَداً مِنْ أَنْفُسِکُمْ- وَ عُیُوناً مِنْ جَوَارِحِکُمْ- وَ حُفَّاظَ صِدْقٍ یَحْفَظُونَ أَعْمَالَکُمْ وَ عَدَدَ أَنْفَاسِکُمْ- لَا تَسْتُرُکُمْ مِنْهُمْ ظُلْمَهُ لَیْلٍ دَاجٍ- وَ لَا یُکِنُّکُمْ مِنْهُمْ بَابٌ ذُو رِتَاجٍ- وَ إِنَّ غَداً مِنَ الْیَوْمِ قَرِیبٌ یَذْهَبُ الْیَوْمُ بِمَا فِیهِ- وَ یَجِی‏ءُ الْغَدُ لَاحِقاً بِهِ- فَکَأَنَّ کُلَّ امْرِئٍ مِنْکُمْ- قَدْ بَلَغَ مِنَ الْأَرْضِ مَنْزِلَ وَحْدَتِهِ وَ مَخَطَّ حُفْرَتِهِ- فَیَا لَهُ مِنْ بَیْتِ وَحْدَهٍ- وَ مَنْزِلِ وَحْشَهٍ وَ مَفْرَدِ غُرْبَهٍ- وَ کَأَنَّ الصَّیْحَهَ قَدْ أَتَتْکُمْ- وَ السَّاعَهَ قَدْ غَشِیَتْکُمْ- وَ بَرَزْتُمْ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ- قَدْ زَاحَتْ عَنْکُمُ الْأَبَاطِیلُ- وَ اضْمَحَلَّتْ عَنْکُمُ الْعِلَلُ- وَ اسْتَحَقَّتْ بِکُمُ الْحَقَائِقُ- وَ صَدَرَتْ بِکُمُ الْأُمُورُ مَصَادِرَهَا- فَاتَّعِظُوا بِالْعِبَرِ- وَ اعْتَبِرُوا بِالْغِیَرِ وَ انْتَفِعُوا بِالنُّذُرِ جعل الحمد مفتاحا لذکره لأن أول الکتاب العزیز- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ- و القرآن هو الذکر قال سبحانه- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ‏

و سببا للمزید- لأنه تعالى قال لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ- و الحمد هاهنا هو الشکر- و معنى جعله الحمد دلیلا على عظمته و آلائه- أنه إذا کان سببا للمزید- فقد دل ذلک على عظمه الصانع و آلائه- أما دلالته على عظمته- فلأنه دال على أن قدرته لا تتناهى أبدا- بل کلما ازداد الشکر ازدادت النعمه- و أما دلالته على آلائه- فلأنه لا جود أعظم من جود من یعطی من یحمده- لا حمدا متطوعا بل حمدا واجبا علیه- . قوله یجری بالباقین کجریه بالماضین- من هذا أخذ الشعراء و غیرهم ما نظموه فی هذا المعنى- قال بعضهم-

مات من مات و الثریا الثریا
و السماک السماک و النسر نسر

و نجوم السماء تضحک منا
کیف تبقى من بعدنا و نمر

و قال آخر

فما الدهر إلا کالزمان الذی مضى
و لا نحن إلا کالقرون الأوائل‏

قوله لا یعود ما قد ولى منه کقول الشاعر-

ما أحسن الأیام إلا أنها
یا صاحبی إذا مضت لم ترجع‏

قوله و لا یبقى سرمدا ما فیه کلام مطروق المعنى- قال عدی-

لیس شی‏ء على المنون بباق
غیر وجه المهیمن الخلاق‏

قوله آخر أفعاله کأوله یروى کأولها- و من رواه کأوله أعاد الضمیر إلى الدهر- أی آخر أفعال الدهر کأول الدهر فحذف المضاف- . متشابهه أموره لأنه کما کان من قبل یرفع و یضع- و یغنی و یفقر و یوجد و یعدم- فکذلک هو الآن أفعاله متشابهه- و روی متسابقه أی شی‏ء منها قبل شی‏ء- کأنها خیل تتسابق فی مضمار- . متظاهره أعلامه- أی دلالاته على سجیته- التی عامل الناس بها قدیما و حدیثا- متظاهره یقوی بعضها بعضا- و هذا الکلام جار منه ع- على عاده العرب فی ذکر الدهر- و إنما الفاعل على الحقیقه رب الدهر- .

و الشول النوق التی خف لبنها و ارتفع ضرعها- و أتى علیها من نتاجها سبعه أشهر أو ثمانیه- الواحده شائله و هی جمع على غیر القیاس- و شولت الناقه أی صارت شائله- فأما الشائل بغیر هاء فهی الناقه تشول بذنبها للقاح- و لا لبن لها أصلا- و الجمع شول مثل راکع و رکع- قال أبو النجمکأن فی أذنابهن الشول‏- . و الزاجر الذی یزجر الإبل یسوقها- و یقال حدوت إبلی و حدوت بإبلی- و الحدو سوقها و الغناء لها و کذلک الحداء- و یقال للشمال حدواء لأنها تحدو السحاب أی تسوقه- قال العجاج

حدواء جاءت من بلاد الطور

و لا یقال للمذکر أحدى- و ربما قیل للحمار إذا قدم أتنه حاد- قال ذو الرمه-حادی ثلاث من الحقب السماحیج‏ و المعنى أن سائق الشول یعسف بها- و لا یتقی سوقها و لا یدارک کما یسوق العشار- .

ثم قال ع من شغل نفسه بغیر نفسه هلک- و ذلک أن من لا یوفی النظر حقه- و یمیل إلى الأهواء و نصره الأسلاف- و الحجاج عما ربی علیه بین الأهل و الأستاذین- الذین زرعوا فی قلبه العقائد- یکون قد شغل نفسه بغیر نفسه لأنه لم ینظر لها- و لا قصد الحق من حیث هو حق- و إنما قصد نصره مذهب معین یشق علیه فراقه- و یصعب عنده الانتقال منه- و یسوؤه أن یرد علیه حجه تبطله فیسهر عینه- و یتعب قلبه فی تهویس تلک الحجه- و القدح فیها بالغث و السمین- لا لأنه یقصد الحق- بل یقصد نصره المذهب المعین و تشیید دلیله- لا جرم أنه متحیر فی ظلمات لا نهایه لها- . و الارتباک الاختلاط ربکت الشی‏ء أربکه ربکا- خلطته فارتبک أی اختلط- و ارتبک الرجل فی الأمر- أی نشب فیه و لم یکد یتخلص منه- .

قوله و مدت به شیاطینه فی طغیانه- مأخوذ من قوله تعالى- وَ إِخْوانُهُمْ یَمُدُّونَهُمْ فِی الغَیِّ ثُمَّ لا یُقْصِرُونَ- . و روی و مدت له شیاطینه باللام- و معناه الإمهال مد له فی الغی أی طول له- و قال تعالى قُلْ مَنْ کانَ فِی الضَّلالَهِ فَلْیَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا- . قوله و زینت له سیئ أعماله- مأخوذ من قوله تعالى- أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً- . قوله التقوى دار حصن عزیز- معناه دار حصانه عزیزه- فأقام الاسم مقام المصدر و کذلک فی الفجور- . و یحرز من لجأ إلیه یحفظ من اعتصم به- .

و حمه الخطایا سمها و تقطع الحمه- کما تقول قطعت سریان السم فی بدن الملسوع- بالبادزهرات و التریاقات- فکأنه جعل سم الخطایا ساریا فی الأبدان- و التقوى تقطع سریانه- . قوله و بالیقین تدرک الغایه القصوى- و ذلک لأن أقصى درجات العرفان الکشف- و هو المراد هاهنا بلفظ الیقین- . و انتصب الله الله على الإغراء- و فی متعلقه بالفعل المقدر- و تقدیره راقبوا و أعز الأنفس علیهم أنفسهم- . قوله فشقوه لازمه مرفوع على أنه خبر مبتدإ محذوف- تقدیره فغایتکم أو فجزاؤکم أو فشأنکم- و هذا یدل على مذهبنا فی الوعید- لأنه قسم الجزاء إلى قسمین- إما العذاب أبدا أو النعیم أبدا- و فی هذا بطلان قول المرجئه- إن ناسا یخرجون من النار فیدخلون الجنه- لأن هذا لو صح لکان قسما ثالثا- .

قوله فقد دللتم على الزاد أی الطاعه- . و أمرتم بالظعن أی أمرتم بهجر الدنیا- و أن تظعنوا عنها بقلوبکم- و یجوز الظعن بالتسکین- . و حثثتم على المسیر- لأن اللیل و النهار سائقان عنیفان- . قوله و إنما أنتم کرکب وقوف لا یدرون- متى یؤمرون بالسیر- السیر هاهنا هو الخروج من الدنیا إلى الآخره بالموت- جعل الناس و مقامهم فی الدنیا- کرکب وقوف لا یدرون متى یقال لهم سیروا فیسیرون- لأن الناس لا یعلمون الوقت الذی یموتون فیه- فإن قلت کیف سمى الموت و المفارقه سیرا- .

قلت لأن الأرواح یعرج بها إما إلى عالمها و هم السعداء- أو تهوی إلى أسفل‏ السافلین و هم الأشقیاء- و هذا هو السیر الحقیقی لا حرکه الرجل بالمشی- و من أثبت الأنفس المجرده- قال سیرها خلوصها من عالم الحس- و اتصالها المعنوی لا الأبدی ببارئها- فهو سیر فی المعنى لا فی الصوره- و من لم یقل بهذا و لا بهذا قال- إن الأبدان بعد الموت تأخذ فی التحلل و التزایل- فیعود کل شی‏ء منها إلى عنصره فذاک هو السیر- . و ما فی عما قلیل زائده و تبعته إثمه و عقوبته- .

قوله إنه لیس لما وعد الله من الخیر مترک- أی لیس الثواب فیما ینبغی للمرء أن یترکه- و لا الشر فیما ینبغی أن یرغب المرء فیه- . و تفحص فیه الأعمال تکشف- و الزلزال بالفتح اسم للحرکه الشدیده و الاضطراب- و الزلزال بالکسر المصدر قال تعالى- وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِیداً- . قوله و یشیب فیه الأطفال- کلام جار مجرى المثل یقال فی الیوم الشدید- إنه لیشیب نواصی الأطفال و قال تعالى- فَکَیْفَ تَتَّقُونَ إِنْ کَفَرْتُمْ یَوْماً یَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِیباً- و لیس ذلک على حقیقته- لأن الأمه مجمعه على أن الأطفال- لا تتغیر حالهم فی الآخره إلى الشیب- و الأصل فی هذا أن الهموم و الأحزان- إذا توالت على الإنسان شاب سریعا- قال أبو الطیب

و الهم یخترم الجسیم نحافه
و یشیب ناصیه الصبی و یهرم‏

قوله إن علیکم رصدا من أنفسکم- و عیونا من جوارحکم- لأن الأعضاء تنطق فی القیامه بأعمال المکلفین- و تشهد علیهم- .و الرصد جمع راصد کالحرس جمع حارس- . قوله و حفاظ صدق یعنی الملائکه الکاتبین- لا یعتصم منهم بستره و لا ظلام لیل- و من هذا المعنى قول الشاعر-

إذا ما خلوت الدهر یوما فلا تقل
خلوت و لکن قل علی رقیب‏

قوله و إن غدا من الیوم قریب- و منه قول القائل-فإن غدا لناظره قریب‏- . منه قولهغد ما غد ما أقرب الیوم من غد- . و منه قول الله عالى- إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَیْسَ الصُّبْحُ بِقَرِیبٍ- و الصیحه نفخه الصور- . و زاحت الأباطیل بعدت و اضمحلت تلاشت و ذهبت- . قوله و استحقت أی حقت و وقعت- استفعل بمعنى فعل کقولک استمر على باطله أی مر علیه- . و صدرت بکم الأمور مصادرها- کل وارد فله صدر عن مورده- و صدر الإنسان عن موارد الدنیا الموت ثم البعث

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۶۴

خطبه ۱۵۷ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۵۷ و قام إلیه ع رجل فقال أخبرنا عن الفتنه-و هل سألت عنها رسول الله ص فقال ع- :

إِنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَوْلَهُ- الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا- أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ- عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَهَ لَا تَنْزِلُ بِنَا- وَ رَسُولُ اللَّهِ ص بَیْنَ أَظْهُرِنَا- فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْفِتْنَهُ الَّتِی أَخْبَرَکَ اللَّهُ بِهَا- فَقَالَ یَا عَلِیُّ إِنَّ أُمَّتِی سَیُفْتَنُونَ بَعْدِی- فَقُلْتُ یَا رَسُولُ اللَّهِ- أَ وَ لَیْسَ قَدْ قُلْتَ لِی یَوْمَ أُحُدٍ- حَیْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ- وَ حِیزَتْ عَنِّی الشَّهَادَهُ فَشَقَّ ذَلِکَ عَلَیَّ- فَقُلْتَ لِی أَبْشِرْ فَإِنَّ الشَّهَادَهَ مِنْ وَرَائِکَ- فَقَالَ لِی إِنَّ ذَلِکَ لَکَذَلِکَ فَکَیْفَ صَبْرُکَ إِذاً- فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَیْسَ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ- وَ لَکِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَى وَ الشُّکْرِ- وَ قَالَ یَا عَلِیُّ إِنَّ الْقَوْمَ سَیُفْتَنُونَ بِأَمْوَالِهِمْ- وَ یَمُنُّونَ بِدِینِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ- وَ یَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهُ وَ یَأْمَنُونَ سَطْوَتَهُ- وَ یَسْتَحِلُّونَ حَرَامَهُ بِالشُّبُهَاتِ الْکَاذِبَهِ- وَ الْأَهْوَاءِ السَّاهِیَهِ فَیَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِالنَّبِیذِ- وَ السُّحْتَ بِالْهَدِیَّهِ وَ الرِّبَا بِالْبَیْعِ- فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ- فَبِأَیِّ الْمَنَازِلِ أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذَلِکَ- أَ بِمَنْزِلَهِ رِدَّهٍ أَمْ بِمَنْزِلَهِ فِتْنَهٍ فَقَالَ بِمَنْزِلَهِ فِتْنَهٍ

قد کان ع یتکلم فی الفتنه- و لذلک ذکر الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر- و لذلک قال فعلیکم بکتاب الله- أی إذا وقع الأمر و اختلط الناس فعلیکم بکتاب الله- فلذلک قام إلیه من سأله عن الفتنه- و هذا الخبر مروی عن رسول الله صقد رواه کثیر من المحدثین عن علی ع أن رسول الله ص قال له إن الله قد کتب علیک جهاد المفتونین- کما کتب علی جهاد المشرکین- قال فقلت یا رسول الله- ما هذه الفتنه التی کتب علی فیها الجهاد- قال قوم یشهدون أن لا إله إلا الله- و أنی رسول الله و هم مخالفون للسنه- فقلت یا رسول الله فعلام أقاتلهم و هم یشهدون کما أشهد- قال على الأحداث فی الدین و مخالفه الأمر- فقلت یا رسول الله إنک کنت وعدتنی الشهاده- فأسأل الله أن یعجلها لی بین یدیک-

قال فمن یقاتل الناکثین و القاسطین و المارقین- أما إنی وعدتک الشهاده و ستستشهد- تضرب على هذه فتخضب هذه فکیف صبرک إذا- قلت یا رسول الله لیس ذا بموطن صبر هذا موطن شکر- قال أجل أصبت فأعد للخصومه فإنک مخاصم- فقلت یا رسول الله لو بینت لی قلیلا- فقال إن أمتی ستفتن من بعدی- فتتأول القرآن و تعمل بالرأی و تستحل الخمر بالنبیذ- و السحت بالهدیه و الربا بالبیع- و تحرف الکتاب عن مواضعه- و تغلب کلمه الضلال فکن جلیس بیتک حتى تقلدها- فإذا قلدتها جاشت علیک الصدور- و قلبت لک الأمور- تقاتل حینئذ على تأویل القرآن- کما قاتلت على تنزیله- فلیست حالهم الثانیه بدون حالهم الأولى- فقلت یا رسول الله- فبأی المنازل أنزل هؤلاء المفتونین من بعدک- أ بمنزله فتنه أم بمنزله رده- فقال بمنزله فتنه یعمهون فیها إلى أن یدرکهم العدل- فقلت یا رسول الله أ یدرکهم العدل منا أم من غیرنا- قال بل منا بنا فتح و بنا یختم- و بنا ألف الله بین القلوب‏بعد الشرک- و بنا یؤلف بین القلوب بعد الفتنه- فقلت الحمد لله على ما وهب لنا من فضله- .

و اعلم أن لفظه ع المروی فی نهج البلاغه- یدل على أن الآیه المذکوره و هی قوله ع- الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أنزلت بعد أحد- و هذا خلاف قول أرباب التفسیر- لأن هذه الآیه هی أول سوره العنکبوت- و هی عندهم بالاتفاق مکیه- و یوم أحد کان بالمدینه- و ینبغی أن یقال فی هذا- إن هذه الآیه خاصه أنزلت بالمدینه- و أضیفت إلى السوره المکیه فصارتا واحده- و غلب علیها نسب المکی لأن الأکثر کان بمکه- و فی القرآن مثل هذا کثیر کسوره النحل- فإنها مکیه بالإجماع- و آخرها ثلاث آیات أنزلت بالمدینه بعد یوم أحد- و هی قوله تعالى- وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ- وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ- وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُکَ إِلَّا بِاللَّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ- وَ لا تَکُ فِی ضَیْقٍ مِمَّا یَمْکُرُونَ- إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَوْا وَ الَّذِینَ هُمْ مُحْسِنُونَ- . فإن قلت فلم قال- علمت أن الفتنه لا تنزل بنا و رسول الله بین أظهرنا- قلت لقوله تعالى وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ- . و قوله حیزت عنی الشهاده أی منعت- . قوله لیس هذا من مواطن الصبر- کلام عال جدا یدل على یقین عظیم و عرفان تام- و نحوهقوله و قد ضربه ابن ملجم- فزت و رب الکعبه- .

قوله سیفتنون بعدی بأموالهم- من قوله تعالى- وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُکُمْ وَ- . قوله و یمنون بدینهم على ربهم- من قوله تعالى یَمُنُّونَ عَلَیْکَ أَنْ أَسْلَمُوا- قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَیَّ إِسْلامَکُمْ- بَلِ اللَّهُ یَمُنُّ عَلَیْکُمْ أَنْ هَداکُمْ لِلْإِیمانِ- . قوله و یتمنون رحمته- من قوله أحمق الحمقى من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله- . قوله و یأمنون سطوته من قوله تعالى- أَ فَأَمِنُوا مَکْرَ اللَّهِ فَلا یَأْمَنُ مَکْرَ اللَّهِ- إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ- . و الأهواء الساهیه الغافله- و السحت الحرام و یجوز ضم الحاء- و قد أسحت الرجل فی تجارته إذا اکتسب السحت- . و فی قوله بل بمنزله فتنه- تصدیق لمذهبنا فی أهل البغی- و أنهم لم یدخلوا فی الکفر بالکلیه بل هم فساق- و الفاسق عندنا فی منزله بین المنزلتین- خرج من الإیمان و لم یدخل فی الکفر

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۵۱

خطبه ۱۵۶ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۵۶ و من کلام له ع خاطب به أهل البصره على جهه اقتصاص الملاحم

فَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذَلِکَ- أَنْ یَعْتَقِلَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ فَلْیَفْعَلْ- وَ إِنْ أَطَعْتُمُونِی- فَإِنِّی حَامِلُکُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى سَبِیلِ الْجَنَّهِ- وَ إِنْ کَانَ ذَا مَشَقَّهٍ شَدِیدَهٍ وَ مَذَاقَهٍ مَرِیرَهٍ- وَ أَمَّا فُلَانَهُ فَأَدْرَکَهَا رَأْیُ النِّسَاءِ- وَ ضِغْنٌ غَلَا فِی صَدْرِهَا کَمِرْجَلِ الْقَیْنِ- وَ لَوْ دُعِیَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَیْرِی مَا أَتَتْ إِلَیَّ لَمْ تَفْعَلْ- وَ لَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا الْأَوْلَى وَ الْحِسَابُ عَلَى اللَّهِ یعتقل نفسه على الله یحبسها على طاعته- ثم ذکر أن السبیل التی حملهم علیها و هی سبیل الرشاد- ذات مشقه شدیده و مذاقه مریره- لأن الباطل محبوب النفوس- فإنه اللهو و اللذه و سقوط التکلیف- و أما الحق فمکروه النفس- لأن التکلیف صعب و ترک الملاذ العاجله- شاق شدید المشقه- . و الضغن الحقد و المرجل قدر کبیره- و القین الحداد أی کغلیان قدر من حدید

فصل فی ترجمه عائشه و ذکر طرف من أخبارها

و فلانه کنایه عن أم المؤمنین عائشه أبوها أبو بکر- و قد تقدم ذکر نسبه و أمها أم رومان ابنه عامر بن عویمر بن عبد شمس- بن عتاب بن أذینه بن سبیع بن دهمان- بن الحارث بن غنم بن مالک بن کنانه- تزوجها رسول الله ص قبل الهجره بسنتین بعد وفاه خدیجه- و هی بنت سبع سنین و بنى علیها بالمدینه- و هی بنت تسع سنین و عشره أشهر- و کانت قبله تذکر لجبیر بن مطعم و تسمى له- و کان رسول الله ص رأى فی المنام عائشه- فی سرقه من حریر عند متوفى خدیجه فقال- إن یکن هذا من عند الله یمضه-

روی هذا الخبر فی المسانید الصحیحه- و کان نکاحه إیاها فی شوال- و بناؤه علیها فی شوال أیضا- فکانت تحب أن تدخل النساء من أهلها- و أحبتها على أزواجهن فی شوال و تقول- هل کان فی نسائه أحظى منی و قد نکحنی- و بنى علی فی شوال- ردا بذلک على من یزعم من النساء- أن دخول الرجل بالمرأه بین العیدین مکروه- .

و توفی رسول الله ص عنها و هی بنت عشرین سنه- و استأذنت رسول الله ص فی الکنیه- فقال لها اکتنی بابنک عبد الله بن الزبیر یعنی ابن أختها- فکانت تکنى أم عبد الله و کانت فقیهه راویه للشعر- ذات حظ من رسول الله ص و میل ظاهر إلیها- و کانت لها علیه جرأه و إدلال لم یزل ینمی و یستشری- حتى کان منها فی أمره فی قصه ماریه- ما کان من الحدیث‏الذی أسره إلى الزوجه الأخرى- و أدى إلى تظاهرهما علیه- و أنزل فیهما قرآنا یتلى فی المحاریب- یتضمن وعیدا غلیظا عقیب تصریح بوقوع الذنب و صغو القلب- و أعقبتها تلک الجرأه و ذلک الانبساط- و حدث منها فی أیام الخلافه العلویه ما حدث- و لقد عفا الله تعالى عنها- و هی من أهل الجنه عندنا بسابق الوعد- و ما صح من أمر التوبه- .

وروى أبو عمر بن عبد البر فی کتاب الاستیعاب فی باب عائشه عن سعید بن نصر عن قاسم بن أصبغ عن محمد بن وضاح عن أبی بکر بن أبی شیبه عن وکیع عن عصام بن قدامه عن عکرمه عن ابن عباس قال قال رسول الله ص لنسائه- أیتکن صاحبه الجمل الأدبب یقتل حولها قتلی کثیر- و تنجو بعد ما کادت- .

قال أبو عمر بن عبد البر- و هذا الحدیث من أعلام نبوته ص- قال و عصام بن قدامه ثقه و سائر الإسناد- فثقه رجاله أشهر من أن تذکر- . و لم تحمل عائشه من رسول الله ص- و لا ولد له ولد من مهیره إلا من خدیجه و من السراری من ماریه- . و قذفت عائشه فی أیام رسول الله ص- بصفوان بن المعطل السلمی و القصه مشهوره- فأنزل الله تعالى براءتها فی قرآن یتلى و ینقل- و جلد قاذفوها الحد- و توفیت فی سنه سبع و خمسین للهجره- و عمرها أربع و ستون سنه و دفنت بالبقیع‏فی ملک معاویه- و صلى علیها المسلمون لیلا و أمهم أبو هریره- و نزل فی قبرها خمسه من أهلها عبد الله و عروه ابنا الزبیر- و القاسم و عبد الله ابنا محمد بن أبی بکر- و عبد الرحمن بن أبی بکر- و ذلک لسبع عشره خلت من شهر رمضان- من السنه المذکوره- .

فأما قوله فأدرکها رأی النساء أی ضعف آرائهن- وقد جاء فی الخبر لا یفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأهوجاء إنهن قلیلات عقل و دین- أو قال ضعیفات- و لذلک جعل شهاده المرأتین بشهاده الرجل الواحد- و المرأه فی أصل الخلقه سریعه الانخداع سریعه الغضب- سیئه الظن فاسده التدبیر- و الشجاعه فیهن مفقوده أو قلیله و کذلک السخاء- و أما الضغن فاعلم أن هذا الکلام یحتاج إلى شرح- و قد کنت قرأته على الشیخ- أبی یعقوب یوسف بن إسماعیل اللمعانی رحمه الله- أیام اشتغالی علیه بعلم الکلام- و سألته عما عنده فیه فأجابنی بجواب طویل- أنا أذکر محصوله بعضه بلفظه رحمه الله و بعضه بلفظی- فقد شذ عنی الآن لفظه کله بعینه- قال أول بدء الضغن کان بینها و بین فاطمه ع- و ذلک لأن رسول الله ص تزوجها عقیب موت خدیجه- فأقامها مقامها و فاطمه هی ابنه خدیجه- و من المعلوم أن ابنه الرجل إذا ماتت أمها- و تزوج أبوها أخرى- کان بین الابنه و بین المرأه کدر و شنئان و هذا لا بد منه- لأن الزوجه تنفس علیها میل الأب- و البنت تکره میل أبیها إلى امرأه غریبه- کالضره لأمها بل هی ضره على الحقیقه- و إن کانت الأم میته- و لأنا لو قدرنا الأم حیه- لکانت العداوه مضطرمه متسعره- فإذا کانت قد ماتت ورثت ابنتها تلک العداوه- و فی المثل عداوه الحماه و الکنه- و قال الراجز

إن الحماه أولعت بالکنه
و أولعت کنتها بالظنه

ثم اتفق أن رسول الله ص مال إلیها و أحبها- فازداد ما عند فاطمه بحسب زیاده میله- و أکرم رسول الله ص فاطمه إکراما عظیما- أکثر مما کان الناس یظنونه- و أکثر من إکرام الرجال لبناتهم- حتى خرج بها عن حد حب الآباء للأولاد- فقال بمحضر الخاص و العام مرارا لا مره واحده- و فی مقامات مختلفه لا فی مقام واحد- إنها سیده نساء العالمین- و إنها عدیله مریم بنت عمران- و إنها إذا مرت فی الموقف نادى مناد من جهه العرش- یا أهل الموقف غضوا أبصارکم لتعبر فاطمه بنت محمد- و هذا من الأحادیث الصحیحه- و لیس من الأخبار المستضعفه- و إن إنکاحه علیا إیاها ما کان- إلا بعد أن أنکحه الله تعالى إیاها فی السماء- بشهاده الملائکه- وکم قال لا مره یؤذینی ما یؤذیها و یغضبنی ما یغضبها- و إنها بضعه منی یریبنی ما رابها- فکان هذا و أمثاله یوجب زیاده الضغن عند الزوجه- حسب زیاده هذا التعظیم و التبجیل- و النفوس البشریه تغیظ على ما هو دون هذا فکیف هذا- .

ثم حصل عند بعلها ما هو حاصل عندها أعنی علیا ع- فإن النساء کثیرا ما یجعلن الأحقاد فی قلوب الرجال- لا سیما و هن محدثات اللیل کما قیل فی المثل- و کانت تکثر الشکوى من عائشه- و یغشاها نساء المدینه و جیران بیتها- فینقلن إلیها کلمات عن عائشه- ثم یذهبن إلى بیت عائشه فینقلن إلیها کلمات عن فاطمه- و کما کانت فاطمه تشکو إلى بعلها- کانت عائشه تشکو إلى أبیها- لعلمها أن بعلها لا یشکیها على ابنته- فحصل فی نفس أبی بکر من ذلک أثر ما- ثم تزاید تقریظ رسول الله ص‏لعلی ع- و تقریبه و اختصاصه- فأحدث ذلک حسدا له و غبطه فی نفس أبی بکر عنه- و هو أبوها- و فی نفس طلحه و هو ابن عمها- و هی تجلس إلیهما و تسمع کلامهما- و هما یجلسان إلیها و یحادثانها- فأعدى إلیها منهما کما أعدتهما- .

قال و لست أبرئ علیا ع من مثل ذلک- فإنه کان ینفس على أبی بکر سکون النبی ص إلیه و ثناءه علیه- و یحب أن ینفرد هو بهذه المزایا- و الخصائص دونه و دون الناس أجمعین- و من انحرف عن إنسان انحرف عن أهله و أولاده- فتأکدت البغضه بین هذین الفریقین- ثم کان من أمر القذف ما کان- و لم یکن علی ع من القاذفین- و لکنه کان من المشیرین على رسول الله ص بطلاقها- تنزیها لعرضه عن أقوال الشنأه و المنافقین- . قال له لما استشاره إن هی إلا شسع نعلک- و قل له سل الخادم و خوفها و إن أقامت على الجحود فاضربها- و بلغ عائشه هذا الکلام کله- و سمعت أضعافه مما جرت عاده الناس- أن یتداولوه فی مثل هذه الواقعه- و نقل النساء إلیها کلاما کثیرا عن علی و فاطمه- و أنهما قد أظهرا الشماته جهارا و سرا- بوقوع هذه الحادثه لها فتفاقم الأمر و غلظ- .

ثم إن رسول الله ص صالحها و رجع إلیها- و نزل القرآن ببراءتها- فکان منها ما یکون من الإنسان ینتصر بعد أن قهر- و یستظهر بعد أن غلب و یبرأ بعد أن اتهم- من بسط اللسان و فلتات القول- و بلغ ذلک کله علیا ع و فاطمه ع- فاشتدت الحل و غلظت- و طوى کل من الفریقین قلبه على الشنئان لصاحبه- ثم کان بینها و بین علی ع- فی حیاه رسول الله ص أحوال و أقوال- کلها تقتضی تهییج ما فی النفوس- نحو قولها له و قد استدناه رسول الله فجاء حتى قعد بینه‏و بینها و هما متلاصقان- أ ما وجدت مقعدا لکذا لا تکنی عنه إلا فخذی- و نحو ما روی أنه سایره یوما و أطال مناجاته- فجاءت و هی سائره خلفهما حتى دخلت بینهما- و قالت فیم أنتما فقد أطلتما- فیقال إن رسول الله ص غضب ذلک الیوم- و ما روی من حدیث الجفنه من الثرید التی أمرت الخادم- فوقفت لها فأکفأتها- و نحو ذلک مما یکون بین الأهل و بین المرأه و أحمائها- .

ثم اتفق أن فاطمه ولدت أولادا کثیره بنین و بنات- و لم تلد هی ولدا- و أن رسول الله ص کان یقیم بنی فاطمه مقام بنیه- و یسمی الواحد منهما ابنی و یقول- دعوا لی ابنی و لا تزرموا على ابنی و ما فعل ابنی- فما ظنک بالزوجه إذا حرمت الولد من البعل- ثم رأت البعل یتمنى بنی ابنته من غیرها- و یحنو علیهم حنو الوالد المشفق- هل تکون محبه لأولئک البنین و لأمهم و لأبیهم أم مبغضه- و هل تود دوام ذلک و استمراره أم زواله و انقضاءه- .

ثم اتفق أن رسول الله ص سد باب أبیها إلى المسجد- و فتح باب صهره ثم بعث أباها ببراءه إلى مکه- ثم عزله عنها بصهره فقدح ذلک أیضا فی نفسها- و ولد لرسول الله ص إبراهیم من ماریه- فأظهر علی ع بذلک سرورا کثیرا- و کان یتعصب لماریه- و یقوم بأمرها عند رسول الله ص میلا على غیرها- و جرت لماریه نکبه مناسبه لنکبه عائشه- فبرأها علی ع منها و کشف بطلانها- أو کشفه الله تعالى على یده- و کان ذلک کشفا محسا بالبصر- لا یتهیأ للمنافقین أن یقولوا فیه ما قالوه- فی القرآن المنزل ببراءه عائشه- و کل ذلک مما کان یوغر صدر عائشه علیه- و یؤکد ما فی نفسها منه- ثم مات إبراهیم فأبطنت شماته و إن أظهرت کآبه-

و وجم علی ع من ذلک و کذلک فاطمه- و کانا یؤثران و یریدان أن تتمیز ماریه علیها بالولد- فلم یقدر لهما و لا لماریه ذلک- و بقیت الأمور على ما هی علیه و فی النفوس ما فیها- حتى مرض رسول الله ص المرض الذی توفی فیه- و کانت فاطمه ع و علی ع یریدان أن یمرضاه فی بیتهما- و کذلک کان أزواجه کلهن- فمال إلى بیت عائشه بمقتضى المحبه القلبیه- التی کانت لها دون نسائه- و کره أن یزاحم فاطمه و بعلها فی بیتهما- فلا یکون عنده من الانبساط- لوجودهما ما یکون- إذا خلا بنفسه فی بیت من یمیل إلیه بطبعه- و علم أن المریض یحتاج إلى فضل مداراه- و نوم و یقظه و انکشاف و خروج حدث- فکانت نفسه إلى بیته أسکن منها إلى بیت صهره و بنته- فإنه إذا تصور حیاءهما منه استحیا هو أیضا منهما- و کل أحد یحب أن یخلو بنفسه- و یحتشم الصهر و البنت- و لم یکن له إلى غیرها من الزوجات مثل ذلک المیل إلیها- فتمرض فی بیتها فغبطت على ذلک- و لم یمرض رسول الله ص منذ قدم المدینه مثل هذا المرض-

و إنما کان مرضه الشقیقه یوما أو بعض یوم ثم یبرأ- فتطاول هذا المرض- و کان علی ع لا یشک أن الأمر له- و أنه لا ینازعه فیه أحد من الناس- و لهذا قال له عمه و قد مات رسول الله ص- امدد یدک أبایعک فیقول الناس- عم رسول الله ص بایع ابن عم رسول الله ص- فلا یختلف علیک اثنان- قال یا عم و هل یطمع فیها طامع غیری قال ستعلم- قال فإنی لا أحب هذا الأمر من وراء رتاج- و أحب أن أصحر به فسکت عنه- فلما ثقل رسول الله ص فی مرضه أنفذ جیش أسامه- و جعل فیه أبا بکر و غیره من أعلامالمهاجرین و الأنصار- فکان علی ع حینئذ بوصوله إلى الأمر- إن حدث برسول الله ص حدث أوثق- و تغلب على ظنه أن المدینه لو مات- لخلت من منازع ینازعه الأمر بالکلیه- فیأخذه صفوا عفوا و تتم له البیعه- فلا یتهیأ فسخها لو رام ضد منازعته علیها- فکان من عود أبی بکر من جیش أسامه بإرسالها إلیه- و إعلامه بأن رسول الله ص یموت ما کان- و من حدیث الصلاه بالناس ما عرف- فنسب علی ع عائشه- أنها أمرت بلالا مولى أبیها أن یأمره فلیصل بالناس- لأن رسول الله کما روی قال لیصل بهم أحدهم و لم یعین- و کانت صلاه الصبح- فخرج رسول الله ص و هو فی آخر رمق- یتهادى بین علی و الفضل بن العباس- حتى قام فی المحراب کما ورد فی الخبر-

ثم دخل فمات ارتفاع الضحى- فجعل یوم صلاته حجه فی صرف الأمر إلیه و قال- أیکم یطیب نفسا أن یتقدم قدمین قدمهما رسول الله فی الصلاه- و لم یحملوا خروج رسول الله ص إلى الصلاه لصرفه عنها- بل لمحافظته على الصلاه مهما أمکن- فبویع على هذه النکته التی اتهمها علی ع على أنها ابتدأت منها- . و کان علی ع یذکر هذا لأصحابه فی خلواته کثیرا و یقول- إنه لم یقل ص إنکن لصویحبات یوسف- إلا إنکارا لهذه الحال و غضبا منها- لأنها و حفصه تبادرتا إلى تعیین أبویهما- و أنه استدرکها بخروجه و صرفه عن المحراب- فلم یجد ذلک و لا أثر- مع قوه الداعی الذی کان یدعو إلى أبی بکر- و یمهد له قاعده الأمر- و تقرر حاله فی نفوس الناس- و من اتبعه على ذلک من أعیان المهاجرین و الأنصار- و لما ساعد على ذلک من الحظ الفلکی و الأمر السمائی- الذی جمع علیه القلوب و الأهواء- فکانت هذه الحال عند علی أعظم من کل عظیم- و هی الطامه الکبرىو المصیبه العظمى- و لم ینسبها إلا إلى عائشه وحدها- و لا علق الأمر الواقع إلا بها- فدعا علیها فی خلواته و بین خواصه و تظلم إلى الله منها- و جرى له فی تخلفه عن البیعه ما هو مشهور حتى بایع- و کان یبلغه و فاطمه عنها کل ما یکرهانه- منذ مات رسول الله ص إلى أن توفیت فاطمه- و هما صابران على مضض و رمض- و استظهرت بولایه أبیها و استطالت و عظم شأنها- و انخذل علی و فاطمه و قهرا و أخذت فدک- و خرجت فاطمه تجادل فی ذلک مرارا فلم تظفر بشی‏ء- و فی ذلک تبلغها النساء و الداخلات- و الخارجات عن عائشه کل کلام یسوؤها- و یبلغن عائشه عنها و عن بعلها مثل ذلک- إلا أنه شتان ما بین الحالین- و بعد ما بین الفریقین- هذه غالبه و هذه مغلوبه و هذه آمره و هذه مأموره- و ظهر التشفی و الشماته- و لا شی‏ء أعظم مراره و مشقه من شماته العدو- .

فقلت له رحمه الله أ فتقول أنت- إن عائشه عینت أباها للصلاه و رسول الله ص لم یعینه- فقال أما أنا فلا أقول ذلک و لکن علیا کان یقوله- و تکلیفی غیر تکلیفه کان حاضرا و لکم أکن حاضرا- فأنا محجوج بالأخبار التی اتصلت بی- و هی تتضمن تعیین النبی ص لأبی بکر فی الصلاه- و هو محجوج بما کان قد علمه- أو یغلب على ظنه من الحال التی کان حضرها- . قال ثم ماتت فاطمه- فجاء نساء رسول الله ص کلهن إلى بنی هاشم فی العزاء إلا عائشه- فإنها لم تأت و أظهرت مرضا- و نقل إلى علی ع عنها کلام یدل على السرور- .

ثم بایع علی أباها فسرت بذلک- و أظهرت من الاستبشار بتمام البیعه و استقرارالخلافه- و بطلان منازعه الخصم ما قد نقله الناقلون فأکثروا- و استمرت الأمور على هذا- مده خلافه أبیها و خلافه عمر و عثمان- و القلوب تغلی و الأحقاد تذیب الحجاره- و کلما طال الزمان على علی تضاعفت همومه- و باح بما فی نفسه إلى أن قتل عثمان- و قد کانت عائشه فیها أشد الناس علیه تألیبا و تحریضا- فقالت أبعده الله لما سمعت قتله- و أملت أن تکون الخلافه فی طلحه- فتعود الإمره تیمیه کما کانت أولا- فعدل الناس عنه إلى علی بن أبی طالب- فلما سمعت ذلک صرخت وا عثماناه قتل عثمان مظلوما- و ثار ما فی الأنفس- حتى تولد من ذلک یوم الجمل و ما بعده- . هذه خلاصه کلام الشیخ أبی یعقوب رحمه الله- و لم یکن یتشیع و کان شدیدا فی الاعتزال- إلا أنه فی التفضیل کان بغدادیا- .

فأما قوله ع- و لو دعیت لتنال من غیری مثل ما أتت إلی لم تفعل- فإنما یعنی به عمر یقول- لو أن عمر ولی الخلافه بعد قتل عثمان- على الوجه الذی قتل علیه- و الوجه الذی أنا ولیت الخلافه علیه- و نسب إلى عمر أنه کان یؤثر قتله أو یحرض علیه- و دعیت عائشه إلى أن تخرج علیه فی عصابه من المسلمین- إلى بعض بلاد الإسلام- تثیر فتنه و تنقض البیعه لم تفعل و هذا حق- لأنها لم تکن تجد على عمر ما تجده على علی ع- و لا الحال الحال- . فأما قوله و لها بعد حرمتها الأولى و الحساب على الله- فإنه یعنی بذلک حرمتها بنکاح رسول الله ص لها- و حبه إیاها و حسابها على الله- لأنه غفور رحیم لا یتعاظم عفوه زله- و لا یضیق عن رحمته ذنب- .

فإن قلت هذا الکلام یدل على توقفه ع فی أمرها- و أنتم تقولون إنها من أهل الجنه- فکیف تجمعون بین مذهبکم و هذا الکلام- . قلت یجوز أن یکون قال هذا الکلام- قبل أن یتواتر الخبر عنده بتوبتها- فإن أصحابنا یقولون- إنها تابت بعد قتل أمیر المؤمنین و ندمت- و قالت لوددت أن لی من رسول الله ص عشره بنین- کلهم ماتوا و لم یکن یوم الجمل- و إنها کانت بعد قتله تثنی علیه و تنشر مناقبه- مع أنهم رووا أیضا أنها عقیب الجمل کانت تبکی- حتى تبل خمارها- و أنها استغفرت الله و ندمت- و لکن لم یبلغ أمیر المؤمنین ع- حدیث توبتها عقیب الجمل بلاغا- یقطع العذر و یثبت الحجه- و الذی شاع عنها من أمر الندم و التوبه شیاعا مستفیضا-

إنما کان بعد قتله ع إلى أن ماتت و هی على ذلک- و التائب مغفور له و یجب قبول التوبه عندنا فی العدل- و قد أکدوا وقوع التوبه- منها ماروی فی الأخبار المشهوره أنها زوجه رسول الله ص فی الآخره- کما کانت زوجته فی الدنیا- و مثل هذا الخبر إذا شاع أوجب علینا- أن نتکلف إثبات توبتها و لو لم ینقل- فکیف و النقل لها یکاد أن یبلغ حد التواتر: مِنْهُ- سَبِیلٌ أَبْلَجُ الْمِنْهَاجِ أَنْوَرُ السِّرَاجِ- فَبِالْإِیمَانِ یُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ- وَ بِالصَّالِحَاتِ یُسْتَدَلُّ عَلَى الْإِیمَانِ وَ بِالْإِیمَانِ یُعْمَرُ الْعِلْمُ- وَ بِالْعِلْمِ یُرْهَبُ الْمَوْتُ وَ بِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْیَا- وَ بِالدُّنْیَا تُحْرَزُ الآْخِرَهُ- وَ بِالْقِیَامَهِ تُزْلَفُ الْجَنَّهُ وَ تُبَرَّزُ الْجَحِیمُ‏لِلْغَاوِینَ- وَ إِنَّ الْخَلْقَ لَا مَقْصَرَ لَهُمْ عَنِ الْقِیَامَهِ- مُرْقِلِینَ فِی مِضْمَارِهَا إِلَى الْغَایَهِ الْقُصْوَى هو الآن فی ذکر الإیمان و عنه قال- سبیل أبلج المنهاج أی واضح الطریق- .

ثم قال فبالإیمان یستدل على الصالحات- یرید بالإیمان هاهنا مسماه اللغوی لا الشرعی- لأن الإیمان فی اللغه هو التصدیق- قال سبحانه وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا أی بمصدق- و المعنى أن من حصل عنده التصدیق بالوحدانیه و الرساله- و هما کلمتا الشهاده- استدل بهما على وجوب الأعمال الصالحه علیه أو ندبه إلیها- لأن المسلم یعلم من دین نبیه ص- أنه أوجب علیه أعمالا صالحه- و ندبه إلى أعمال صالحه- فقد ثبت أن بالإیمان یستدل على الصالحات- .

ثم قال و بالصالحات یستدل على الإیمان- فالإیمان هاهنا مستعمل فی مسماه الشرعی لا فی مسماه اللغوی- و مسماه الشرعی هو العقد بالقلب- و القول باللسان و العمل بالجوارح- فلا یکون المؤمن مؤمنا حتى یستکمل فعل کل واجب- و یجتنب کل قبیح- و لا شبهه أنا متى علمنا أو ظننا من مکلف- أنه یفعل الأفعال الصالحه و یجتنب الأفعال القبیحه- استدللنا بذلک على حسن إطلاق لفظ المؤمن علیه- و بهذا التفسیر الذی فسرناه نسلم من إشکال الدور- لأن لقائل أن یقول- من شرط الدلیل أن یعلم قبل العلم بالمدلول- فلو کان کل واحد من الإیمان و الصالحات- یستدل به على الآخر- لزم تقدم العلم بکل واحد منهما- على العلم بکل واحد منهما فیؤدی إلى الدور- و لا شبهه أن هذا الدور غیر لازم- على التفسیر الذی فسرناه نحن- .

ثم قال ع و بالإیمان یعمر العلم- و ذلک لأن العالم و هو غیر عامل بعلمه- غیر منتفع بما علم بل مستضر به غایه الضرر- فکأن علمه خراب غیر معمور- و إنما یعمر بالإیمان و هو فعل الواجب- و تجنب القبیح على مذهبنا- أو الاعتقاد و المعرفه على مذهب غیرنا- أو القول اللسانی على قول آخرین- و مذهبنا أرجح- لأن عماره العلم إنما تکون بالعمل من الأعضاء و الجوارح- و بدون ذلک یبقى العلم على خرابه کما کان- . ثم قال و بالعلم یرهب الموت هذا من قول الله تعالى- إِنَّما یَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ- . ثم قال و بالموت تختم الدنیا- و هذا حق لأنه انقطاع التکلیف- . ثم قال و بالدنیا تحرز الآخره- هذا کقول بعض الحکماء- الدنیا متجر و الآخره ربح و نفسک رأس المال- . ثم قال و بالقیامه تزلف الجنه للمتقین و تبرز الجحیم للغاوین- هذا من القرآن العزیز- و تزلف لهم تقدم لهم و تقرب إلیهم- . و لا مقصر لی عن کذا لا محبس و لا غایه لی دونه- و أرقل أسرع و المضمار حیث تستبق الخیل: مِنْهَا- قَدْ شَخَصُوا مِنْ مُسْتَقَرِّ الْأَجْدَاثِ- وَ صَارُوا إِلَى مَصَایِرِ الْغَایَاتِ لِکُلِّ دَارٍ أَهْلُهَا-لَا یَسْتَبْدِلُونَ بِهَا وَ لَا یُنْقَلُونَ عَنْهَا- وَ إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْیَ عَنِ الْمُنْکَرِ- لَخُلُقَانِ مِنْ خُلُقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ- وَ إِنَّهُمَا لَا یُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ- وَ لَا یَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ- وَ عَلَیْکُمْ بِکِتَابِ اللَّهِ- فَإِنَّهُ الْحَبْلُ الْمَتِینُ وَ النُّورُ الْمُبِینُ- وَ الشِّفَاءُ النَّافِعُ وَ الرِّیُّ النَّاقِعُ- وَ الْعِصْمَهُ لِلْمُتَمَسِّکِ وَ النَّجَاهُ لِلْمُتَعَلِّقِ- لَا یَعْوَجُّ فَیُقَامَ وَ لَا یَزِیغُ فَیُسْتَعْتَبَ- وَ لَا یُخْلِقُهُ کَثْرَهُ الرَّدِّ وَ وُلُوجُ السَّمْعِ- مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَ مَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ شخصوا من بلد کذا خرجوا- و مستقر الأجداث مکان استقرارهم بالقبور و هی جمع جدث- . و مصایر الغایات جمع مصیر- و الغایات جمع غایه و هی ما ینتهى إلیه- قال الکمیتفالآن صرت إلى أمیه و الأمور إلى مصایر- .

ثم ذکر أن أهل الثواب و العقاب- کل من الفریقین یقیم بدار لا یتحول منها- و هذا کماورد فی الخبر أنه ینادی مناد- یا أهل الجنه سعاده لا فناء لها- و یا أهل النار شقاوه لا فناء لها- . ثم ذکر أن الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر- خلقان من خلق الله سبحانه- و ذلک لأنه تعالى ما أمر إلا بمعروف- و ما نهى إلا عن منکر- و یبقى الفرق بیننا و بینه- أنا یجب علینا النهی عن المنکر بالمنع منه- و هو سبحانه لا یجب علیه ذلک- لأنه لو منع من إتیان المنکر لبطل التکلیف- . ثم قال إنهما لا یقربان من أجل- و لا ینقصان من رزق و إنما قال ع‏ذلک- لأن کثیرا من الناس یکف عن نهی الظلمه عن المناکیر- توهما منه أنهم أما إن یبطشوا به فیقتلوه- أو یقطعوا رزقه و یحرموه- فقال ع إن ذلک لیس مما یقرب من الأجل- و لا یقطع الرزق- .

و ینبغی أن یحمل کلامه ع على حال السلامه- و غلبه الظن بعدم تطرق الضرر- الموفی على مصلحه النهی عن المنکر- . ثم أمر باتباع الکتاب العزیز و وصفه بما وصفه به- . و ماء ناقع ینقع الغله أی یقطعها و یروى منها- و لا یزیغ یمیل فیستعتب یطلب منه العتبى هی الرضا- کما یطلب من الظالم یمیل فیسترضى- . قال و لا یخلقه کثره الرد و ولوج السمع- هذا من خصائص القرآن المجید شرفه الله تعالى- و ذلک أن کل کلام منثور أو منظوم- إذا تکررت تلاوته و تردد ولوجه الأسماع- مل و سمج و استهجن- إلا القرآن فإنه لا یزال غضا طریا محبوبا غیر مملول

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۸۰

خطبه ۱۵۵ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(خلقه الخفاش)

۱۵۵ و من خطبه له ع یذکر فیها بدیع خلقه الخفاش

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی انْحَسَرَتِ الْأَوْصَافُ عَنْ کُنْهِ مَعْرِفَتِهِ- وَ رَدَعَتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ- فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ غَایَهِ مَلَکُوتِهِ- هُوَ اللَّهُ الْحَقُّ الْمُبِینُ- أَحَقُّ وَ أَبْیَنُ مِمَّا تَرَى الْعُیُونُ- لَمْ تَبْلُغْهُ الْعُقُولُ بِتَحْدِیدٍ فَیَکُونَ مُشَبَّهاً- وَ لَمْ تَقَعْ عَلَیْهِ الْأَوْهَامُ بِتَقْدِیرٍ فَیَکُونَ مُمَثَّلًا- خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى غَیْرِ تَمْثِیلٍ وَ لَا مَشُورَهِ مُشِیرٍ- وَ لَا مَعُونَهِ مُعِینٍ فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ- فَأَجَابَ وَ لَمْ یُدَافِعْ وَ انْقَادَ وَ لَمْ یُنَازِعْ- وَ مِنْ لَطَائِفِ صَنَعْتِهِ وَ عَجَائِبِ خِلْقَتِهِ- مَا أَرَانَا مِنْ غَوَامِضِ الْحِکْمَهِ فِی هَذِهِ الْخَفَافِیشِ- الَّتِی یَقْبِضُهَا الضِّیَاءُ الْبَاسِطُ لِکُلِّ شَیْ‏ءٍ- وَ یَبْسُطُهَا الظَّلَامُ الْقَابِضُ لِکُلِّ حَیٍّ- وَ کَیْفَ عَشِیَتْ أَعْیُنُهَا عَنْ أَنْ تَسْتَمِدَّ- مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِیئَهِ نُوراً تَهْتَدِی بِهِ فِی مَذَاهِبِهَا- وَ تَتَّصِلُ بِعَلَانِیَهِ بُرْهَانِ الشَّمْسِ إِلَى مَعَارِفِهَا- وَ رَدَعَهَا بِتَلَأْلُؤِ ضِیَائِهَا عَنِ الْمُضِیِّ فِی سُبُحَاتِ إِشْرَاقِهَا- وَ أَکَنَّهَا فِی مَکَامِنِهَا عَنِ الذَّهَابِ فِی بُلَجِ ائْتِلَاقِهَا- وَ هِیَ مُسْدَلَهُ الْجُفُونِ بِالنَّهَارِ عَلَى حِدَاقِهَا- وَ جَاعِلَهُ اللَّیْلِ سِرَاجاً تَسْتَدِلُّ بِهِ فِی الْتِمَاسِ أَرْزَاقِهَا- فَلَا یَرُدُّ أَبْصَارَهَا إِسْدَافُ ظُلْمَتِهِ- وَ لَا تَمْتَنِعُ مِنَ الْمُضِیِّ فِیهِ لِغَسَقِ دُجُنَّتِهِ- فَإِذَا أَلْقَتِ الشَّمْسُ قِنَاعَهَا وَ بَدَتْ أَوْضَاحُ نَهَارِهَا- وَ دَخَلَ مِنْ إِشْرَاقِ نُورِهَا عَلَى الضِّبَابِ فِی وِجَارِهَا- أَطْبَقَتِ الْأَجْفَانَ عَلَى مَآقِیهَا- وَ تَبَلَّغَتْ بِمَا اکْتَسَبَتْهُ مِنَ الْمَعَاشِ فِی ظُلَمِ لَیَالِیهَا-فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اللَّیْلَ لَهَا نَهَاراً وَ مَعَاشاً- وَ النَّهَارَ سَکَناً وَ قَرَاراً- وَ جَعَلَ لَهَا أَجْنِحَهً مِنْ لَحْمِهَا- تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَهِ إِلَى الطَّیَرَانِ- کَأَنَّهَا شَظَایَا الآْذَانِ غَیْرَ ذَوَاتِ رِیشٍ وَ لَا قَصَبٍ- إِلَّا أَنَّکَ تَرَى مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَیِّنَهً أَعْلَاماً- لَهَا جَنَاحَانِ لَمَّا یَرِقَّا فَیَنْشَقَّا وَ لَمْ یَغْلُظَا فَیَثْقُلَا- تَطِیرُ وَ وَلَدُهَا لَاصِقٌ بِهَا لَاجِئٌ إِلَیْهَا- یَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ وَ یَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ- لَا یُفَارِقُهَا حَتَّى تَشْتَدَّ أَرْکَانُهُ- وَ یَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَنَاحُهُ- وَ یَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَیْشِهِ وَ مَصَالِحَ نَفْسِهِ- فَسُبْحَانَ الْبَارِئِ لِکُلِّ شَیْ‏ءٍ عَلَى غَیْرِ مِثَالٍ خَلَا مِنْ غَیْرِهِ الخفاش واحد جمعه خفافیش- و هو هذا الطائر الذی یطیر لیلا و لا یطیر نهارا- و هو مأخوذ من الخفش- و هو ضعف فی البصر خلقه و الرجل أخفش- و قد یکون عله و هو الذی یبصر باللیل لا بالنهار- أو فی یوم غیم لا فی یوم صحو- .

و انحسرت الأوصاف کلت و أعیت- و ردعت کفت و المساغ المسلک- . قال أحق و أبین مما ترى العیون- و ذلک لأن العلوم العقلیه إذا کانت ضروریه- أو قریبه من الضروریه کانت أوثق من المحسوسات- لأن الحس یغلط دائما- فیرى الکبیر صغیرا کالبعید و الصغیر کبیرا- کالعنبه فی الماء ترى کالإجاصه و یرى الساکن متحرکا- کجرف الشط إذا رآه راکب السفینه متصاعدا- و یرى المتحرک ساکنا کالظل- إلى غیر ذلک من الأغالیط و القضایا العقلیه الموثوق بها- لأنها بدیهیه أو تکاد فالغلط غیر داخل علیها- قوله یقبضها الضیاء أی یقبض أعینها- .

قوله و تتصل بعلانیه برهان الشمس- کلام جید فی مذاهب الاستعاره- .و سبحات إشراقها جلاله و بهاؤه- و أکنها سترها و بلج ائتلافها جمع بلجه و هی أول الصبح- و جاء بلجه أیضا بالفتح- . و الحداق جمع حدقه العین- و الإسداف مصدر أسدف اللیل أظلم- . و غسق الدجنه ظلام اللیل- فإذا ألقت الشمس قناعها- أی سفرت عن وجهها و أشرقت- . و الأوضاح جمع وضح- و قد یراد به حلی یعمل من الدراهم الصحاح- و قد یراد به الدراهم الصحاح نفسها و إن لم یکن حلیا- و الضباب جمع ضب و وجارها بیتها- و شظایا الآذان أقطاع منها و القصب هاهنا الغضروف- . و خلاصه الخطبه- التعجب من أعین الخفافیش التی تبصر لیلا و لا تبصر نهارا- و کل الحیوانات بخلاف ذلک- فقد صار اللیل لها معاشا و النهار لها سکنا- بعکس الحال فیما عداها- ثم من أجنحتها التی تطیر بها- و هی لحم لا ریش علیه و لا غضروف- و لیست رقیقه فتنشق و لا کثیفه فتثقلها عن الطیران- ثم من ولدها إذا طارت احتملته و هو لاصق بها- فإذا وقعت وقع ملتصقا بها هکذا- إلى أن یشتد و یقوى على النهوض فیفارقها

فصل فی ذکر بعض غرائب الطیور و ما فیها من عجائب

و اعلم أنه ع قد أتى بالعله الطبیعیه- فی عدم إبصارها نهارا- و هو انفعال حاسه بصرها عن الضوء الشدید- و قد یعرض مثل ذلک لبعض الناس- و هو المرض المسمى روز کور أی أعمى النهار- و یکون ذلک عن إفراط التحلل فی الروح النوری- فإذا لقی حر النهار أصابه قمر- ثم یستدرک ذلک برد اللیل فیزول فیعود الإبصار- .

و أما طیرانها من غیر ریش- فإنه لیس بذلک الطیران الشدید- و إنما هو نهوض و خفه- أفادها الله تعالى إیاه بواسطه الطبیعه- و التصاق الولد بها لأنها تضمه إلیها بالطبع- و ینضم إلیها کذلک- و تستعین على ضمه برجلیها و بقصر المسافه- و جمله الأمر أنه تعجب من عجیب- و فی الأحادیث العامیه- قیل للخفاش لما ذا لا جناح لک- قال لأنی تصویر مخلوق قیل فلما ذا لا تخرج نهارا- قال حیاء من الطیور یعنون أن المسیح ع صوره- و أن إلیه الإشاره بقوله تعالى- وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّینِ کَهَیْئَهِ الطَّیْرِ بِإِذْنِی- فَتَنْفُخُ فِیها فَتَکُونُ طَیْراً بِإِذْنِی- . و فی الطیر عجائب و غرائب- لا تهتدی العقول إلیها- و یقال إن ضربین من الحیوان أصمان لا یسمعان- و هما النعام و الأفاعی- .

و تقول العرب إن الظلیم یسمع بعینه و أنفه- لا یحتاج معهما إلى حاسه أخرى- و الکراکی یجمعها أمیر لها کیعسوب النحل- و لا یجمعها إلا أزواجا- و العصافیر آلفه للناس آنسه بهم- لا تسکن دارا حتى یسکنها إنسان- و متى سکنتها لم تقم فیها إذا خرج الإنسان منها- فبفراقه تفارق و بسکناه تسکن- و یذکر أهل البصره- أنه إذا کان زمن الخروج إلى البساتین- لم یبق فی البصره عصفور إلا خرج إلیها- إلا ما أقام على بیضه و فراخه- و قد یدرب العصفور فیستجیب من المکان البعید و یرجع- .

و قال شیخنا أبو عثمان- بلغنی أنه درب فیرجع من میل- و لیس فی الأرض رأس أشبه برأس الحیه من رأس العصفور- و لیس فی الحیوان الذی یعایش الناس أقصر عمرا منه- قیل لأجل السفاد الذی یستکثر منه- و یتمیز الذکر من الأنثى فی العصافیر تمیز الدیک‏من الدجاجه- لأن له لحیه و لا شی‏ء أحنى على ولده منه- و إذا عرض له شی‏ء صاح فأقبلت إلیه العصافیر یساعدنه- و لیس لشی‏ء فی مثل جسم العصفور من شده وطئه- إذا مشى أو على السطح ما للعصفور- فإنک إذا کنت تحت السطح و وقع- حسبت وقعته وقعه حجر- و ذکور العصافیر لا تعیش إلا سنه- و کثیرا ما تجلب الحیات إلى المنازل- لأن الحیات تتبعها حرصا على ابتلاع بیضها و فراخها- .

و یقال إن الدجاجه إذا باضت بیضتین فی یوم واحد- و تکرر ذلک ماتت- و إذا هرمت الدجاجه لم یکن لأواخر ما تبیضه صفره- و إذا لم یکن للبیضه مح لم یخلق فیها فروج- لأن غذاءه المح ما دام فی البیضه- و قد یکون للبیضه محان فتنفقص عن فروجین- یخلقان من البیاض و یغتذیان بالمحین- لأن الفراریج تخلق من البیاض و تغتذی بالصفره- و کل دیک فإنه یلتقط الحبه- فیحذف بها إلى الدجاجه سماحا و إیثارا- و لهذا قالوا أسمح من لاقطه یعنون الدیکه- إلا دیکه مرو بخراسان- فإنها تطرد دجاجها عن الحب و تنزعه من أفواهها فتبتلعه- .

و الحمامه بلهاء و فی أمثالهم أحمق من حمامه- و هی مع حمقها مهتدیه إلى مصالح نفسها و فراخها- . قال ابن الأعرابی قلت لشیخ من العرب- من علمک هذا قال علمنی الذی علم الحمامه على بلهها تقلیب بیضها- کی تعطی الوجهین جمیعا نصیبهما من الحضن- .

و الهدایه فی الحمام لا تکون إلا فی الخضر و السمر- فأما الأسود الشدید السواد فهو کالزنجی القلیل المعرفه- و الأبیض ضعیف القوه- و إذا خرج الجوزل عن بیضته- علم أبواه أن حلقه لا یتسع للغذاء- فلا یکون لهما هم إلا أن ینفخا فی حلقه الریح- لتتسع حوصلته بعد التحامها- ثم یعلمن أنه لا یحتمل فی أول اغتذائه أن یزق بالطعم- فیزقانه باللعاب المختلطبقواهما و قوى الطعم- ثم یعلمان أن حوصلته تحتاج إلى دباغ- فیأکلان من شورج أصول الحیطان- و هو شی‏ء من الملح الخالص و التراب فیزقانه به- فإذا علما أنه قد اندبغ زقاه بالحب- الذی قد غب فی حواصلهما- ثم بالذی هو أطرى فأطرى حتى یتعود- فإذا علما أنه قد أطاق اللقط منعاه بعض المنع- لیحتاج و یتشوف فتطلبه نفسه و یحرص علیه- فإذا فطماه و بلغا منتهى حاجته إلیهما- نزع الله تلک الرحمه منهما- و أقبل بهما على طلب نسل آخر- .

و یقال إن حیه أکلت بیض مکاء- فجعل المکاء یشرشر على رأسها- و یدنو منها حتى دلعت الحیه لسانها- و فتحت فاها تریده و تهم به- فألقى فیها حسکه فأخذت بحلقها حتى ماتت- . و من دعاء الصالحین یا رزاق النعاب فی عشه- و ذلک أن الغراب إذا فقص عن فراخه- فقص عنها بیض الألوان فینفر عنها و لا یزقها- فتنفتح أفواهها فیأتیها ذباب یتساقط فی أفواهها- فیکون غذاءها إلى أن تسود- فینقطع الذباب عنها و یعود الغراب إلیها فیأنس بها و یغذیها- . و الحبارى تدبق جناح الصقر بذرقها- ثم یجتمع علیه الحباریات فینتفن ریشه طاقه طاقه حتى یموت- و لذلک یحاول الحبارى العلو علیه- و یحاول هو العلو علیها- و لا یتجاسر أن یدنو منها متسفلا عنها- و یقال إن الحبارى تموت کمدا إذا انحسر عنها ریشها- و رأت صویحباتها تطیر- .

و کل الطیر یتسافد بالأستاه إلا الحجل- فإن الحجله تکون فی سفاله الریح و الیعقوب فی علاوتها- فتلقح منه کما تلقح النخله من الفحال بالریح- . و الحبارى شدید الحمق یقال إنها أحمق الطیر- و هی أشد حیاطه لبیضها و فراخها- . و العقعق مع کونه أخبث الطیر و أصدقها خبثا- و أشدها حذرا- لیس فی الأرض طائر أشد تضییعا لبیضه و فراخه منه- . و من الطیر ما یؤثر التفرد کالعقاب- و منه ما یتعایش زوجا کالقطا- . و الظلیم یبتلع الحدید المحمى- ثم یمیعه فی قانصته حتى یحیله کالماء الجاری- و فی ذلک أعجوبتان التغذی بما لا یغذى به- و استمراؤه و هضمه شیئا لو طبخ بالنار أبدا لما انحل- .

و کما سخر الحدید لجوف الظلیم فأحاله- سخر الصخر الأصم لأذناب الجراد- إذا أراد أن یلقی بیضه غرس ذنبه- فی أشد الأرض صلابه فانصدع له- و ذلک من فعل الطبیعه بتسخیر الصانع القدیم سبحانه- کما أن عود الحلفاء الرخو الدقیق المنبت- یلقى فی نباته الآجر و الخزف الغلیظ فیثقبه- . و قد رأیت فی مسناه سور بغداد- فی حجر صلد نبعه نبات قد شقت و خرجت من موضع- لو حاول جماعه أن یضربوه بالبیارم الشدیده- مده طویله لم یؤثر فیه أثرا- .

و قد قیل إن إبره العقرب أنفذ فی الطنجیر و الطست- . و فی الظلیم شبه من البعیر من جهه المنسم- و الوظیف و العنق و الخزامه التی فی أنفه-و شبه من الطائر من جهه الریش و الجناحین و الذنب و المنقار- ثم إن ما فیه من شبه الطیر جذبه إلى البیض- و ما فیه من شبه البعیر لم یجذبه إلى الولاده- . و یقال إن النعامه مع عظم عظامها- و شده عدوها لا مخ فیها- و أشد ما یکون عدوها أن تستقبل الریح- فکلما کان أشد لعصوفها کان أشد لحضرها- تضع عنقها على ظهرها ثم تخرق الریح- و من أعاجیبها أن الصیف إذا دخل- و ابتدأ البسر فی الحمره ابتدأ لون وظیفها فی الحمره- فلا یزالان یزدادان حمره إلى أن تنتهی حمره البسر- و لذلک قیل للظلیم خاضب- و من العجب أنها لا تأنس بالطیر- و لا بالإبل مع مشاکلتها للنوعین- و لا یکاد یرى بیضها مبددا البته- بل تصفه طولا صفا مستویا على غایه الاستواء- حتى لو مددت علیه خیط المسطر- لما وجدت لبعضه خروجا عن البعض- ثم تعطی لکل واحده نصیبها من الحضن- .

و الذئب لا یعرض لبیض النعام- ما دام الأبوان حاضرین- فإنهما متى نقفاه رکبه الذکر فطحره- و أدرکته الأنثى فرکضته- ثم أسلمته إلى الذکر و رکبته عوضه- فلا یزالان یفعلان به ذلک- حتى یقتلاه أو یعجزهما هربا- و النعام قد یتخذ فی الدور و ضرره شدید- لأن النعامه ربما رأت فی أذن الجاریه قرطا- فیه حجر أو حبه لؤلؤ- فخطفته و أکلته و خرمت الأذن- أو رأت ذلک فی لبتها فضربت بمنقارها اللبه فخرقتها

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۳۲

خطبه ۱۵۴ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۵۴ و من خطبه له ع

وَ نَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِیبِ بِهِ یُبْصِرُ أَمَدَهُ- وَ یَعْرِفُ غَوْرَهُ وَ نَجْدَهُ- دَاعٍ دَعَا وَ رَاعٍ رَعَى- فَاسْتَجِیبُوا لِلدَّاعِی وَ اتَّبِعُوا الرَّاعِی یقول إن قلب اللبیب له عین یبصر بها غایته- التی یجری إلیها- و یعرف من أحواله المستقبله ما کان مرتفعا أو منخفضا ساقطا- و النجد المرتفع من الأرض- و منه قولهم للعالم بالأمور طلاع أنجد- . ثم قال داع دعا موضع داع رفع لأنه مبتدأ محذوف الخبر- تقدیره فی الوجود داع دعا و راع رعى- و یعنی بالداعی رسول الله ص و بالراعی نفسه ع: قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ- وَ أَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ- وَ أَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ وَ نَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُکَذِّبُونَ – نَحْنُ الشِّعَارُ وَ الْأَصْحَابُ وَ الْخَزَنَهُ وَ الْأَبْوَابُ- وَ لَا تُؤْتَى الْبُیُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا- فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَیْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّیَ سَارِقاً

هذا کلام متصل بکلام لم یحکه الرضی رحمه الله- و هو ذکر قوم من أهل الضلال قد کان أخذ فی ذمهم- و نعى علیهم عیوبهم- . و أرز المؤمنون أی انقبضوا- و المضارع یأرز بالکسر أرزا و أروزا- و رجل أروز أی منقبض- وفی الحدیث إن الإسلام لیأرز إلى المدینه- کما تأرز الحیه إلى جحرها- أی ینضم إلیها و یجتمع- . ثم قال نحن الشعار و الأصحاب یشیر إلى نفسه- و هو أبدا یأتی بلفظ الجمع و مراده الواحد- . و الشعار ما یلی الجسد من الثیاب- فهو أقرب من سائرها إلیه- و مراده الاختصاص برسول الله ص- .

و الخزنه و الأبواب- یمکن أن یعنی به خزنه العلم و أبواب العلم-لقول رسول الله ص أنا مدینه العلم و علی بابها- فمن أراد الحکمه فلیأت الباب- . و قوله فیه خازن علمی و قال تاره أخرى عیبه علمی- و یمکن أن یرید خزنه الجنه و أبواب الجنه- أی لا یدخل الجنه إلا من وافى بولایتنا- فقد جاء فی حقه الخبر الشائع المستفیض- أنه قسیم النار و الجنه- و ذکر أبو عبید الهروی فی الجمع بین الغریبین- أن قوما من أئمه العربیه فسروه فقالوا- لأنه لما کان محبه من أهل الجنه- و مبغضه من أهل النار- کأنه بهذا الاعتبار قسیم النار و الجنه- قال أبو عبید و قال غیر هؤلاء- بل هو قسیمها بنفسه فی الحقیقه- یدخل قوما إلى الجنه و قوما إلى النار- و هذا الذی ذکره أبو عبید أخیرا- هو ما یطابق الأخبار الوارده فیه- یقول للنار هذا لی فدعیه و هذا لک فخذیه- .

ثم ذکر أن البیوت لا تؤتى إلا من أبوابها- قال الله تعالى- وَ لَیْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُواالْبُیُوتَ مِنْ ظُهُورِها- وَ لکِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى‏ وَ أْتُوا الْبُیُوتَ مِنْ أَبْوابِها- . ثم قال من أتاها من غیر أبوابها سمی سارقا- و هذا حق ظاهرا و باطنا- أما الظاهر- فلأن من یتسور البیوت من غیر أبوابها هو السارق- و أما الباطن فلأن من طلب العلم من غیر أستاذ محقق- فلم یأته من بابه فهو أشبه شی‏ء بالسارق

ذکر الأحادیث و الأخبار الوارده فی فضائل علی

و اعلم أن أمیر المؤمنین ع لو فخر بنفسه- و بالغ فی تعدید مناقبه و فضائله بفصاحته- التی آتاه الله تعالى إیاها و اختصه بها- و ساعده على ذلک فصحاء العرب کافه- لم یبلغوا إلى معشار ما نطق به الرسول الصادق ص فی أمره- و لست أعنی بذلک الأخبار العامه الشائعه- التی یحتج بها الإمامیه على إمامته- کخبر الغدیر و المنزله و قصه براءه- و خبر المناجاه و قصه خیبر- و خبر الدار بمکه فی ابتداء الدعوه- و نحو ذلک بل الأخبار الخاصه التی رواها فیه أئمه الحدیث- التی لم یحصل أقل القلیل منها لغیره- و أنا أذکر من ذلک شیئا یسیرا- مما رواه علماء الحدیث الذین لا یتهمون فیه- و جلهم قائلون بتفضیل غیره علیه- فروایتهم فضائله توجب من سکون النفس- ما لا یوجبه روایه غیرهم- .

الخبر الأول یا علی إن الله قد زینک بزینه- لم یزین العباد بزینه أحب إلیه منها- هی زینه الأبرار عند الله تعالى الزهد فی الدنیا- جعلک لا ترزأ من الدنیا شیئا- و لا ترزأ الدنیا منک شیئا و وهب لک حب المساکین- فجعلک ترضى بهم أتباعا و یرضون بک إمامارواه أبو نعیم الحافظ فی کتابه المعروف ب حلیه الأولیاء- و زاد فیه أبو عبد الله أحمد بن حنبل فی المسند فطوبى لمن أحبک و صدق فیک- و ویل لمن أبغضک و کذب فیک الخبر الثانی قال لوفد ثقیف- لتسلمن أو لأبعثن إلیکم رجلا منی- أو قال عدیل نفسی فلیضربن أعناقکم و لیسبین ذراریکم- و لیأخذن أموالکم- قال عمر فما تمنیت الإماره إلا یومئذ- و جعلت أنصب له صدری رجاء أن یقول هو هذا- فالتفت فأخذ بید علی و قال هو هذا مرتین- .

رواه أحمد فی المسند ورواه فی کتاب فضائل علی ع

أنه قال لتنتهن یا بنی ولیعه أو لأبعثن إلیکم رجلا کنفسی- یمضی فیکم أمری یقتل المقاتله و یسبی الذریه قال أبو ذر فما راعنی إلا برد کف عمر فی حجزتی من خلفی- یقول من تراه یعنی فقلت إنه لا یعنیک- و إنما یعنی خاصف النعل و إنه قال هو هذا الخبر الثالث إن الله عهد إلی فی علی عهدا- فقلت یا رب بینه لی قال اسمع- إن علیا رایه الهدى و إمام أولیائی و نور من أطاعنی- و هو الکلمه التی ألزمتها المتقین- من أحبه فقد أحبنی و من أطاعه فقد أطاعنی- فبشره بذلک فقلت قد بشرته یا رب- فقال أنا عبد الله و فی قبضته- فإن یعذبنی فبذنوبی لم یظلم شیئا- و إن یتم لی ما وعدنی فهو أولى- و قد دعوت له فقلت اللهم اجل قلبه- و اجعل ربیعه الإیمان بک- قال قد فعلت ذلک غیر أنی مختصه بشی‏ء من البلاء- لم أختص به أحدا من أولیائی فقلت رب أخی و صاحبی- قال إنه سبق فی علمی أنه لمبتل و مبتلى ذکره أبو نعیم الحافظ فی حلیه الأولیاء عن أبی برزه الأسلمی ثم رواه بإسناد آخر بلفظ آخر عن أنس بن مالک أن رب العالمین عهد فی علی إلی عهدا- أنه رایه الهدى و منار الإیمان و إمام أولیائی- و نور جمیع من أطاعنی- إن علیا أمینی غدا فی القیامه و صاحب رایتی- بید علی مفاتیح خزائن رحمه ربیالخبر الرابع من أراد أن ینظر إلى نوح فی عزمه- و إلى آدم فی علمه و إلى إبراهیم فی حلمه- و إلى موسى فی فطنته و إلى عیسى فی زهده- فلینظر إلى علی بن أبی طالب

رواه أحمد بن حنبل فی المسند و رواه أحمد البیهقی فی صحیحه

الخبر الخامس من سره أن یحیا حیاتی و یموت میتتی- و یتمسک بالقضیب من الیاقوته التی خلقها الله تعالى بیده- ثم قال لها کونی فکانت فلیتمسک بولاء علی بن أبی طالبذکره أبو نعیم الحافظ فی کتاب حلیه الأولیاء و رواه أبو عبد الله بن حنبل فی المسند فی کتاب فضائل علی بن أبی طالب و حکایه لفظ أحمد رضی الله عنه من أحب أن یتمسک بالقضیب الأحمر- الذی غرسه الله فی جنه عدن بیمینه- فلیتمسک بحب علی بن أبی طالبالخبر السادس و الذی نفسی بیده- لو لا أن تقول طوائف من أمتی فیک- ما قالت النصارى فی ابن مریم لقلت الیوم فیک مقالا- لا نمر بملإ من المسلمین- إلا أخذوا التراب من تحت قدمیک للبرکه

ذکره أبو عبد الله أحمد بن حنبل فی المسند

الخبر السابع خرج ص على الحجیج عشیه عرفه- فقال لهم إن الله قدباهى بکم الملائکه عامه و غفر لکم عامه- و باهى بعلی خاصه و غفر له خاصه- إنی قائل لکم قولا غیر محاب فیه لقرابتی- إن السعید کل السعید حق السعید- من أحب علیا فی حیاته و بعد موته

رواه أبو عبد الله أحمد بن حنبل فی کتاب فضائل علی ع و فی المسند أیضا

الخبر الثامن رواه أبو عبد الله أحمد بن حنبل فی الکتابین المذکورین أنا أول من یدعى به یوم القیامه- فأقوم عن یمین العرش فی ظله ثم أکسى حله- ثم یدعى بالنبیین بعضهم على أثر بعض- فیقومون عن یمین العرش و یکسون حللا- ثم یدعى بعلی بن أبی طالب لقرابته منی و منزلته عندی- و یدفع إلیه لوائی لواء الحمد- آدم و من دونه تحت ذلک اللواء- ثم قال لعلی- فتسیر به حتى تقف بینی و بین إبراهیم الخلیل- ثم تکسى حله و ینادی مناد من العرش- نعم العبد أبوک إبراهیم و نعم الأخ أخوک علی- أبشر فإنک تدعى إذا دعیت- و تکسى إذا کسیت و تحیا إذا حییت

الخبر التاسع یا أنس اسکب لی وضوءا ثم قام فصلى رکعتین- ثم قال أول من یدخل علیک من هذا الباب إمام المتقین- و سید المسلمین و یعسوب الدین- و خاتم الوصیین و قائد الغر المحجلین- قال أنس فقلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار- و کتبت دعوتی فجاء علی فقال ص- من جاء یا أنس فقلت علی- فقام إلیه مستبشرا فاعتنقه- ثم جعل یمسح عرق وجهه- فقال علی یا رسول الله صلى الله علیک و آلک- لقد رأیت منک الیوم تصنع بی شیئا ما صنعته بی قبل- قال و ما یمنعنی و أنت تؤدی عنی و تسمعهم صوتی- و تبین لهم ما اختلفوا فیه بعدی:

رواه أبو نعیم الحافظ فی حلیه الأولیاء:

الخبر العاشر ادعوا لی سید العرب علیا- فقالت عائشه أ لست سید العرب- فقال أنا سید ولد آدم و علی سید العرب- فلما جاء أرسل إلى الأنصار فأتوه- فقال لهم یا معشر الأنصار- أ لا أدلکم على ما إن تمسکتم به لن تضلوا أبدا- قالوا بلى یا رسول الله قال هذا علی- فأحبوه بحبی و أکرموه بکرامتی- فإن جبرائیل أمرنی بالذی قلت لکم عن الله عز و جلرواه الحافظ أبو نعیم فی حلیه الأولیاء

الخبر الحادی عشر مرحبا بسید المؤمنین و إمام المتقین- فقیل لعلی ع کیف شکرک- فقال أحمد الله على ما آتانی- و أسأله الشکر على ما أولانی- و أن یزیدنی مما أعطانی

ذکره صاحب الحلیه أیضا

الخبر الثانی عشر من سره أن یحیا حیاتی و یموت مماتی- و یسکن جنه عدن التی غرسها ربی- فلیوال علیا من بعدی و لیوال ولیه- و لیقتد بالأئمه من بعدی فإنهم عترتی- خلقوا من طینتی و رزقوا فهما و علما- فویل للمکذبین من أمتی القاطعین فیهم صلتی- لا أنالهم الله شفاعتی

ذکره صاحب الحلیه أیضا

الخبر الثالث عشر بعث رسول الله ص خالد بن الولید فی سریه- و بعث علیا ع فی سریه أخرى و کلاهما إلى الیمن- و قال إن اجتمعتما فعلی على الناس- و إن افترقتما فکل واحد منکما على جنده- فاجتمعا و أغارا و سبیا نساء و أخذا أموالا و قتلا ناسا- و أخذ علی جاریه فاختصها لنفسه- فقال خالد لأربعه من المسلمین منهم بریده الأسلمی- اسبقوا إلى رسول الله ص فاذکروا له کذا- و اذکروا له کذا لأمور عددها على علی فسبقوا إلیه- فجاء واحد من جانبه فقال إن علیا فعل کذا فأعرض عنه- فجاء الآخر من الجانب الآخر- فقال إن علیا فعل کذا فأعرض عنه- فجاء بریده الأسلمی فقال یا رسول الله- إن علیا فعل ذلک فأخذ جاریه لنفسه فغضب ص حتى احمر وجهه و قال- دعوا لی علیا یکررها إن علیا منی و أنا من علی- و إن حظه فی الخمس أکثر مما أخذ- و هو ولی کل مؤمن من بعدی رواه أبو عبد الله أحمد فی المسند غیر مره و رواه فی کتاب فضائل علی و رواه أکثر المحدثین الخبر الرابع عشر کنت أنا و علی نورا بین یدی الله عز و جل- قبل أن یخلق آدم بأربعه عشر ألف عام- فلما خلق آدم قسم ذلک فیه- و جعله جزءین فجزء أنا و جزء علی

رواه أحمد فی المسند و فی کتاب فضائل علی ع

وذکره صاحب کتاب الفردوس و زاد فیه ثم انتقلنا حتى صرنا فی عبد المطلب- فکان لی النبوه و لعلی الوصیهالخبر الخامس عشر النظر إلى وجهک یا علی عباده- أنت سید فی الدنیا و سید فی الآخره من أحبک أحبنی- و حبیبی حبیب الله و عدوک عدوی و عدوی عدو الله- الویل لمن أبغضکرواه أحمد فی المسند قال و کان ابن عباس یفسره و یقول- إن من ینظر إلیه یقول سبحان الله- ما أعلم هذا الفتى سبحان الله ما أشجع هذا الفتى- سبحان الله ما أفصح هذا الفتى‏الحدیث السادس عشر لما کانت لیله بدر قال رسول الله ص من یستقی لنا ماء- فأحجم الناس فقام علی فاحتضن قربه- ثم أتى بئرا بعیده القعر مظلمه فانحدر فیها- فأوحى الله إلى جبریل و میکائیل و إسرافیل- أن تأهبوا لنصر محمد و أخیه و حزبه فهبطوا من السماء لهم لغط یذعر من یسمعه- فلما حاذوا البئر سلموا علیه من عند آخرهم إکراما له و إجلالا

رواه أحمد فی کتاب فضائل علی ع

و زاد فیه فی طریق أخرى عن أنس بن مالک لتؤتین یا علی یوم القیامه بناقه من نوق الجنه فترکبها- و رکبتک مع رکبتی و فخذک مع فخذی حتى تدخل الجنهالحدیث السابع عشر خطب ص یوم جمعه فقال أیها الناس قدموا قریشا و لا تقدموها- و تعلموا منها و لا تعلموها- قوه رجل من قریش تعدل قوه رجلین من غیرهم- و أمانه رجل من قریش تعدل أمانه رجلین من غیرهم- أیها الناس أوصیکم بحب ذی قرباها- أخی و ابن عمی علی بن أبی طالب- لا یحبه إلا مؤمن و لا یبغضه إلا منافق- من أحبه فقد أحبنی و من أبغضه فقد أبغضنی- و من أبغضنی عذبه الله بالنار

رواه أحمد رضی الله عنه فی کتاب فضائل علی ع

الحدیث الثامن عشر الصدیقون ثلاثه- حبیب النجار الذی جاء من أقصى المدینه یسعى- و مؤمن آل فرعون الذی کان یکتم إیمانه- و علی بن أبی طالب و هو أفضلهم

رواه أحمد فی کتاب فضائل علی ع

الحدیث التاسع عشر أعطیت فی علی خمسا هن أحب إلی من الدنیا و ما فیها- أما واحده فهو کاب بین یدی الله عز و جل- حتى یفرغ من حساب الخلائق- و أما الثانیهفلواء الحمد بیده آدم و من ولد تحته- و أما الثالثه فواقف على عقر حوضی- یسقی من عرف من أمتی- و أما الرابعه فساتر عورتی و مسلمی إلى ربی- و أما الخامسه فإنی لست أخشى علیه أن یعود کافرا بعد إیمان- و لا زانیا بعد إحصان

رواه أحمد فی کتاب الفضائل

الحدیث العشرون کانت لجماعه من الصحابه أبواب شارعه- فی مسجد الرسول ص- فقال ع یوما- سدوا کل باب فی المسجد إلا باب علی فسدت- فقال فی ذلک قوم حتى بلغ رسول الله ص فقام فیهم- فقال إن قوما قالوا فی سد الأبواب و ترکی باب علی- إنی ما سددت و لا فتحت و لکنی أمرت بأمر فاتبعته

رواه أحمد فی المسند مرارا و فی کتاب الفضائل

الحدیث الحادی و العشرون دعا ص علیا فی غزاه الطائف فانتجاه- و أطال نجواه حتى کره قوم من الصحابه ذلک- فقال قائل منهم لقد أطال الیوم نجوى ابن عمه- فبلغه ع ذلک فجمع منهم قوما- ثم قال إن قائلا قال لقد أطال الیوم نجوى ابن عمه- أما إنی ما انتجیته و لکن الله انتجاه

رواه أحمد رحمه الله فی المسند

الحدیث الثانی و العشرون أخصمک یا علی بالنبوه فلا نبوه بعدی- و تخصم الناس بسبع لا یجاحد فیها أحد من قریش- أنت أولهم إیمانا بالله و أوفاهم بعهد الله- و أقومهم بأمر الله و أقسمهم بالسویه- و أعدلهم فی الرعیه و أبصرهم بالقضیه- و أعظمهم عند الله مزیه

رواه أبو نعیم الحافظ فی حلیه الأولیاء

الخبر الثالث و العشرون قالت فاطمه إنک زوجتنی فقیرا لا مال له- فقال زوجتک أقدمهم سلما و أعظمهم حلما و أکثرهم علما- أ لا تعلمین أن الله اطلع إلى الأرض اطلاعه- فاختار منها أباک- ثم اطلع إلیها ثانیه فاختار منها بعلک

رواه أحمد فی المسند

الحدیث الرابع و العشرون لما أنزل إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ- بعد انصرافه ع من غزاه حنین- جعل یکثر من سبحان الله أستغفر الله- ثم قال یا علی إنه قد جاء ما وعدت به جاء الفتح- و دخل الناس فی دین الله أفواجا- و إنه لیس أحد أحق منک بمقامی- لقدمک فی الإسلام و قربک منی و صهرک- و عندک سیده نساء العالمین- و قبل ذلک ما کان من بلاء أبی طالب عندی حین نزل القرآن- فأنا حریص على أن أراعی ذلک لولده

رواه أبو إسحاق الثعلبی فی تفسیر القرآن

و اعلم أنا إنما ذکرنا هذه الأخبار هاهنا- لأن کثیرا من المنحرفین عنه ع إذا مروا على کلامه- فی نهج البلاغه- و غیره المتضمن التحدث بنعمه الله علیه من اختصاص الرسول له ص- و تمیزه إیاه عن غیره ینسبونه إلى التیه و الزهو و الفخر- و لقد سبقهم بذلک قوم من الصحابه- قیل لعمر ول علیا أمر الجیش و الحرب- فقال هو أتیه من ذلک- و قال زید بن ثابت ما رأینا أزهى من علی و أسامه- . فأردنا بإیراد هذه الأخبار هاهنا عند تفسیر قوله- نحن الشعار و الأصحاب و نحن الخزنه و الأبواب- أن ننبه على عظم منزلته عند الرسول ص- و أن من قیل‏ فی حقه ما قیل- لو رقی إلى السماء و عرج فی الهواء- و فخر على الملائکه و الأنبیاء تعظما و تبجحا- لم یکن ملوما بل کان بذلک جدیرا- فکیف و هو ع لم یسلک قط مسلک التعظم و التکبر- فی شی‏ء من أقواله و لا من أفعاله- و کان ألطف البشر خلقا و أکرمهم طبعا- و أشدهم تواضعا و أکثرهم احتمالا- و أحسنهم بشرا و أطلقهم وجها- حتى نسبه من نسبه إلى الدعابه و المزاح- و هما خلقان ینافیان التکبر و الاستطاله-

و إنما کان یذکر أحیانا ما یذکره من هذا النوع- نفثه مصدور و شکوى مکروب و تنفس مهموم- و لا یقصد به إذا ذکره إلا شکر النعمه- و تنبیه الغافل على ما خصه الله به من الفضیله- فإن ذلک من باب الأمر بالمعروف- و الحض على اعتقاد الحق و الصواب فی أمره- و النهی عن المنکر الذی هو تقدیم غیره علیه فی الفضل- فقد نهى الله سبحانه عن ذلک فقال- أَ فَمَنْ یَهْدِی إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ- أَمَّنْ لا یَهِدِّی إِلَّا أَنْ یُهْدى‏- فَما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَمِنْهَا- فِیهِمْ کَرَائِمُ الْإِیمَانِ وَ هُمْ کُنُوزُ الرَّحْمَنِ- إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا وَ إِنْ صَمَتُوا لَمْ یُسْبَقُوا- فَلْیَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ وَ لْیُحْضِرْ عَقْلَهُ- وَ لْیَکُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الآْخِرَهِ- فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ وَ إِلَیْهَا یَنْقَلِبُ- فَالنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ- یَکُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ یَعْلَمَ أَ عَمَلُهُ عَلَیْهِ أَمْ لَهُ- فَإِنْ کَانَ لَهُ مَضَى فِیهِ وَ إِنْ کَانَ عَلَیْهِ وَقَفَ عَنْهُ- فَإِنَّ الْعَامِلَ بِغَیْرِ عِلْمٍ کَالسَّائِرِ عَلَى غَیْرِ طَرِیقٍ- فَلَا یَزِیدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِیقِ الْوَاضِحِ‏إِلَّا بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ- وَ الْعَامِلُ بِالْعِلْمِ کَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِیقِ الْوَاضِحِ- فَلْیَنْظُرْ نَاظِرٌ أَ سَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ قوله فیهم یرجع إلى آل محمد ص الذین عناهم بقوله- نحن الشعار و الأصحاب و هو یطلق دائما هذه الصیغ الجمعیه- و یعنی نفسه و فی القرآن کثیر من ذلک- نحو قوله تعالى- الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ- إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَکُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِیماناً- وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَکِیلُ- . و کرائم الإیمان جمع کریمه و هی المنفسات منه قال الشاعر

ماض من العیش لو یفدى بذلت له
کرائم المال من خیل و من نعم‏

فإن قلت أ یکون فی الإیمان کرائم و غیر کرائم- قلت نعم لأن الإیمان عند أکثر أصحابنا- اسم للطاعات کلها واجبها و نفلها- فمن کانت نوافله أکثر کانت کرائم الإیمان عنده أکثر- و من قام بالواجبات فقط من غیر نوافل- کان عنده الإیمان و لم یکن عنده کرائم الإیمان- . فإن قلت فعلى هذا تکون النوافل أکرم من الواجبات- . قلت هی أکرم منها باعتبار- و الواجبات أکرم منها باعتبار آخر- أما الأول فلأن صاحبها إذا کان قد قام بالواجبات- کان أعلى مرتبه فی الجنه ممن اقتصر على الواجبات فقط- و أما الثانی فلأن المخل بها لا یعاقب- و المخل بالواجبات یعاقب- . قوله و هم کنوز الرحمن- لأن الکنز مال یدخر لشدیده أو ملمه تلم بالإنسان- و کذلک هؤلاء قد ذخروا- لإیضاح المشکلات الدینیه على المکلفین- .

ثم قال إن نطقوا صدقوا- و إن سکتوا لم یکن سکوتهم عن عی یوجب کونهم مسبوقین- لکنهم ینطقون حکما و یصمتون حلما- . ثم أمر ع بالتقوى و العمل الصالح- و قال لیصدق رائد أهله- الرائد الذاهب من الحی یرتاد لهم المرعى- و فی أمثالهم الرائد لا یکذب أهله- و المعنى أنه ع أمر الإنسان بأن یصدق نفسه- و لا یکذبها بالتسویف و التعلیل قال الشاعر

أخی إذا خاصمت نفسک فاحتشد
لها و إذا حدثت نفسک فاصدق‏

و فی المثل المتشبع بما لا یملک کلابس ثوبی زور- . فإنه منها قدم قد قیل- إن الله تعالى خلق أرواح البشر قبل أجسادهم- و الخبر فی ذلک مشهور و الآیه أیضا و هی قوله- وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ- و یمکن أن یفسر على وجه آخر- و ذلک أن الآخره الیوم عدم محض- و الإنسان قدم من العدم و إلى العدم ینقلب- فقد صح أنه قدم من الآخره و یرجع إلى الآخره- .

و روی أن العالم بالبصر أی بالبصیره- فیکون هو و قوله فالناظر بالقلب سواء و إنما قاله تأکیدا- و على هذا الوجه لا یحتاج إلى تفسیر و تأویل- فأما الروایه المشهوره فالوجه فی تفسیرها أن یکون قوله- فالناظر مبتدأ و العامل صفه له- و قوله بالبصر یکون مبتدأ عمله- جمله مرکبه من مبتدأ و خبر موضعها رفع- لأنها خبر المبتدأ الذی هو فالناظر- و هذه الجمله المذکوره قد دخلت علیها کان- فالجار و المجرور و هو الکلمه الأولى منها منصوبه الموضع- لأنها خبر کان- و یکون قوله فیما بعد أن یعلم منصوب‏ الموضع- لأنه بدل من البصر الذی هو خبر یکون- و المراد بالبصر هاهنا البصیره- فیصیر تقدیر الکلام فالناظر بقلبه- العامل بجوارحه یکون مبتدأ عمله بالفکر و البصیره- بأن یعلم أ عمله له أم علیه- . و یروى کالسابل على غیر طریق و السابل طالب السبیل- و قد جاء فی الخبر المرفوع من عمل بغیر هدى لم یزدد من الله إلا بعدا- و فی کلام الحکماء العامل بغیر علم کالرامی من غیر وتر:

وَ اعْلَمْ أَنَّ لِکُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَى مِثَالِهِ- فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ- وَ مَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ- وَ قَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ ص- إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْعَبْدَ وَ یُبْغِضُ عَمَلَهُ- وَ یُحِبُّ الْعَمَلَ وَ یُبْغِضُ بَدَنَهُ هذا الکلام مشتق من قوله تعالى- وَ الْبَلَدُ الطَّیِّبُ یَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ- وَ الَّذِی خَبُثَ لا یَخْرُجُ إِلَّا نَکِداً- و هو تمثیل ضربه الله تعالى- لمن ینجع فیه الوعظ و التذکیر من البشر- و لمن لا یؤثر ذلک فیه- مثله بالأرض العذبه الطیبه تخرج النبت- و الأرض السبخه الخبیثه لا تنبت- و کلام أمیر المؤمنین ع إلى هذا المعنى یومئ- یقول إن لکلتا حالتی الإنسان الظاهره- أمرا باطنا یناسبها من أحواله- و الحالتان الظاهرتان میله إلى العقل و میله إلى الهوى- فالمتبع لمقتضى عقله یرزق السعاده و الفوز- فهذا هو الذی طاب‏ظاهره و طاب باطنه- و المتبع لمقتضى هواه و عادته و دین أسلافه- یرزق الشقاوه و العطب- و هذا هو الذی خبث ظاهره و خبث باطنه- .

فإن قلت فلم قال فما طاب و هلا قال فمن طاب- و کذلک فی خبث- قلت کلامه فی الأخلاق و العقائد و ما تنطوی علیه الضمائر- یقول ما طاب من هذه الأخلاق و الملکات- و هی خلق النفس الربانیه المریده للحق من حیث هو حق- سواء کان ذلک مذهب الآباء و الأجداد أو لم یکن- و سواء کان ذلک مستقبحا مستهجنا عند العامه أو لم یکن- و سواء نال به من الدنیا حظا أو لم ینل- یستطیب باطنه یعنی ثمرته و هی السعاده- و هذا المعنى من مواضع ما لا من مواضع من- .

فأما الخبر المروی فإنه مذکور فی کتب المحدثین- و قد فسره أصحابنا المتکلمون فقالوا- إن الله تعالى قد یحب المؤمن و محبته له إراده إثابته- و یبغض عملا من أعماله و هو ارتکاب صغیره من الصغائر- فإنها مکروهه عند الله- و لیست قادحه فی إیمان المؤمن لأنها تقع مکفره- و کذلک قد یبغض العبد بأن یرید عقابه- نحو أن یکون فاسقا لم یتب- و یحب عملا من أعماله- نحو أن یطیع ببعض الطاعات و حبه لتلک الطاعه- هی إرادته تعالى أن یسقط عنه بها- بعض ما یستحقه من العقاب المتقدم:

وَ اعْلَمْ أَنَّ لِکُلِّ عَمَلٍ نَبَاتاً- وَ کُلُّ نَبَاتٍ لَا غِنَى بِهِ عَنِ الْمَاءِ- وَ الْمِیَاهُ مُخْتَلِفَهٌ فَمَا طَابَ سَقْیُهُ طَابَ غَرْسُهُ وَ حَلَتْ ثَمَرَتُهُ- وَ مَا خَبُثَ سَقْیُهُ خَبُثَ غَرْسُهُ وَ أَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ السقی مصدر سقیت و السقی بالکسر النصیب من الماء- . و أمر الشی‏ء أی صار مرا- . و هذا الکلام مثل فی الإخلاص و ضده- و هو الریاء و حب السمعه- فکل عمل یکون مدده الإخلاص لوجهه تعالى لا غیر- فإنه زاک حلو الجنى- و کل عمل یکون الریاء و حب الشهره مدده فلیس بزاک و تکون ثمرته مره المذاق

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۱۰۳

خطبه ۱۵۳ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۵۳ و من خطبه له ع

وَ هُوَ فِی مُهْلَهٍ مِنَ اللَّهِ یَهْوِی مَعَ الْغَافِلِینَ- وَ یَغْدُو مَعَ الْمُذْنِبِینَ بِلَا سَبِیلٍ قَاصِدٍ وَ لَا إِمَامٍ قَائِدٍ یصف إنسانا من أهل الضلال غیر معین- بل کما تقول رحم الله امرأ اتقى ربه و خاف ذنبه- و بئس الرجل رجل قل حیاؤه و عدم وفاؤه- و لست تعنی رجلا بعینه- . و یهوی یسقط- و السبیل القاصد الطریق المؤدیه إلى المطلوب- .

و الإمام إما الخلیفه و إما الأستاذ أو الدین أو الکتاب- على کل من هؤلاء تطلق هذه اللفظه: مِنْهَا- حَتَّى إِذَا کَشَفَ لَهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِیَتِهِمْ- وَ اسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلَابِیبِ غَفْلَتِهِمْ- اسْتَقْبَلُوا مُدْبِراً وَ اسْتَدْبَرُوا مُقْبِلًا- فَلَمْ یَنْتَفِعُوا بِمَا أَدْرَکُوا مِنْ طَلِبَتِهِمْ- وَ لَا بِمَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ-وَ إِنِّی أُحَذِّرُکُمْ وَ نَفْسِی هَذِهِ الْمَنْزِلَهَ- فَلْیَنْتَفِعِ امْرُؤٌ بِنَفْسِهِ- فَإِنَّمَا الْبَصِیرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَکَّرَ- وَ نَظَرَ فَأَبْصَرَ وَ انْتَفَعَ بِالْعِبَرِ- ثُمَّ سَلَکَ جَدَداً وَاضِحاً یَتَجَنَّبُ فِیهِ الصَّرْعَهَ فِی الْمَهَاوِی- وَ الضَّلَالَ فِی الْمَغَاوِی- وَ لَا یُعِینُ عَلَى نَفْسِهِ الْغُوَاهَ بِتَعَسُّفٍ فِی حَقٍّ- أَوْ تَحْرِیفٍ فِی نُطْقٍ أَوْ تَخَوُّفٍ مِنْ صِدْقٍ- فَأَفِقْ أَیُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَکْرَتِکَ- وَ اسْتَیْقِظْ مِنْ غَفْلَتِکَ وَ اخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِکَ- وَ أَنْعِمِ الْفِکْرَ فِیمَا جَاءَکَ- عَلَى لِسَانِ النَّبِیِّ الْأُمِّیِّ ص مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ- وَ لَا مَحِیصَ عَنْهُ- وَ خَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذَلِکَ إِلَى غَیْرِهِ- وَ دَعْهُ وَ مَا رَضِیَ لِنَفْسِهِ وَ ضَعْ فَخْرَکَ- وَ احْطُطْ کِبْرَکَ وَ اذْکُرْ قَبْرَکَ فَإِنَّ عَلَیْهِ مَمَرَّکَ- وَ کَمَا تَدِینُ تُدَانُ وَ کَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ- وَ مَا قَدَّمْتَ الْیَوْمَ تَقْدَمُ عَلَیْهِ غَداً- فَامْهَدْ لِقَدَمِکَ وَ قَدِّمْ لِیَوْمِکَ- فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَیُّهَا الْمُسْتَمِعُ وَ الْجِدَّ الْجِدَّ أَیُّهَا الْغَافِلُ- وَ لا یُنَبِّئُکَ مِثْلُ خَبِیرٍ فاعل کشف هو الله تعالى و قد کان سبق ذکره فی الکلام- و إنما کشف لهم عن جزاء معصیتهم بما أراهم حال الموت- من دلائل الشقوه و العذاب-فقد ورد فی الخبر الصحیح أنه لا یموت میت حتى یرى مقره من جنه أو نار
– .

و لما انفتحت أعین أبصارهم عند مفارقه الدنیا- سمى ذلک ع استخراجا لهم من جلابیب غفلتهم- کأنهم کانوا من الغفله و الذهول فی لباس نزع عنهم- . قال استقبلوا مدبرا أی استقبلوا أمرا- کان فی ظنهم و اعتقادهم مدبرا عنهم- و هو الشقاء و العذاب- و استدبروا مقبلا ترکوا وراء ظهورهم ما کانوا خولوه- من الأولاد و الأموال و النعم- و فی قوه هذا الکلام أن یقول- عرفوا ما أنکروه و أنکروا ما عرفوه-.

و روی أحذرکم و نفسی هذه المزله مفعله من الزلل- و فی قوله و نفسی لطافه رشیقه- و ذلک لأنه طیب قلوبهم- بأن جعل نفسه شریکه لهم فی هذا التحذیر- لیکونوا إلى الانقیاد أقرب- و عن الإباء و النفره أبعد بطریق جدد لاحب- . و المهاوی جمع مهواه و هی الهوه یتردى فیها- . و المغاوی جمع مغواه- و هی الشبهه التی یغوى بها الناس أی یضلون- . یصف الأمور التی یعین بها الإنسان- أرباب الضلال على نفسه- و هی أن یتعسف فی حق یقوله أو یأمر به فإن الرفق أنجح- و أن یحرف المنطق فإن الکذب لا یثمر خیرا- و أن یتخوف من الصدق فی ذات الله قال سبحانه- إِذا فَرِیقٌ مِنْهُمْ یَخْشَوْنَ النَّاسَ کَخَشْیَهِ اللَّهِ- فذم من لا یصدق و یجاهد فی الحق- .

قوله و اختصر من عجلتک- أی لا تکن عجلتک کثیره- بل إذا کانت لک عجله فلتکن شیئا یسیرا- . و تقول أنعمت النظر فی کذا أی دققته- من قولک أنعمت سحق الحجر و قیل إنه مقلوب أمعن- . و النبی الأمی- إما الذی لا یحسن الکتابه- أو المنسوب إلى أم القرى و هی مکه- . و لا محیص عنه لا مفر و لا مهرب- حاص أی تخلص من أمر کان شب فیه- . قوله فإن علیه ممرک أی لیس القبر بدار مقام- و إنما هو ممر و طریق إلى الآخره- .

و کما تدین تدان- أی کما تجازی غیرک تجازى بفعلک و بحسب ما عملت- و منه قوله سبحانه- إِنَّا لَمَدِینُونَ أی مجزیون- و منه الدیان فی صفه الله تعالى- . قوله و کما تزرع تحصد- معنى قد قاله الناس بعده کثیرا قال الشاعر-

إذا أنت لم تزرع و أدرکت حاصدا
ندمت على التقصیر فی زمن البذر

 و من أمثالهم من زرع شرا حصد ندما- . فامهد لنفسک أی سو و وطئ- . وَ لا یُنَبِّئُکَ مِثْلُ خَبِیرٍ من القرآن العزیز- أی و لا یخبرک بالأمور أحد على حقائقها- کالعارف بها العالم بکنهها: إِنَّ مِنْ عَزَائِمِ اللَّهِ فِی الذِّکْرِ الْحَکِیمِ- الَّتِی عَلَیْهَا یُثِیبُ وَ یُعَاقِبُ وَ لَهَا یَرْضَى وَ یَسْخَطُ- أَنَّهُ لَا یَنْفَعُ عَبْداً- وَ إِنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ وَ أَخْلَصَ فِعْلَهُ- أَنْ یَخْرُجَ مِنَ الدُّنْیَا لَاقِیاً رَبَّهُ- بِخَصْلَهٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ لَمْ یَتُبْ مِنْهَا- أَنْ یُشْرِکَ بِاللَّهِ فِیمَا افْتَرَضَ عَلَیْهِ مِنْ عِبَادَتِهِ- أَوْ یَشْفِیَ غَیْظَهُ بِهَلَاکِ نَفْسٍ- أَوْ یَعُرَّ بِأَمْرٍ فَعَلَهُ غَیْرُهُ- أَوْ یَسْتَنْجِحَ حَاجَهً إِلَى النَّاسِ بِإِظْهَارِ بِدْعَهٍ فِی دِینِهِ- أَوْ یَلْقَى النَّاسَ بِوَجْهَیْنِ أَوْ یَمْشِیَ فِیهِمْ بِلِسَانَیْنِ- اعْقِلْ ذَلِکَ فَإِنَّ الْمِثْلَ دَلِیلٌ عَلَى شِبْهِهِ- إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمُّهَا بُطُونُهَا- وَ إِنَّ السِّبَاعَ هَمُّهَا الْعُدْوَانُ عَلَى غَیْرِهَا- وَ إِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِینَهُ الْحَیَاهِ الدُّنْیَا وَ الْفَسَادُ فِیهَا- إِنَّ الْمُؤْمِنِینَ مُسْتَکِینُونَ- إِنَّ الْمُؤْمِنِینَ مُشْفِقُونَ إِنَّ الْمُؤْمِنِینَ خَائِفُونَ‏

عزائم الله هی موجباته و الأمر المقطوع علیه- الذی لا ریب فیه و لا شبهه- قال ع إن من الأمور التی نص الله تعالى علیها- نصا لا یحتمل التأویل و هی من العزائم التی یقطع بها- و لا رجوع فیها و لا نسخ لها- أن من مات و هو على ذنب من هذه الذنوب المذکوره- و لو اکتفى بذلک ع لأغناه عن قوله لم یتب- إلا أنه ذکر ذلک تأکیدا و زیاده فی الإیضاح- فإنه لا ینفعه فعل شی‏ء من الأفعال الحسنه و لا الواجبه- و لا تفیده العباده- و لو أجهد نفسه فیها بل یکون من أهل النار- و الذنوب المذکوره- هی أن یتخذ مع الله إلها آخر فیشرکه فی العباده- أو یقتل إنسانا بغیر حق بل لیشفی غیظه- أو یقذف غیره بأمر قد فعله هو- .

عره بکذا یعره عرا أی عابه و لطخه- أو یروم بلوغ حاجه من أحد بإظهار بدعه فی الدین- کما یفعل أکثر الناس فی زماننا أو یکون ذا وجهین- و هو أیضا قوله أو یمشی فیهم بلسانین و إنما أعاده تأکیدا- . لما نصب معاویه ابنه یزید لولایه العهد- أقعده فی قبه حمراء و أدخل الناس یسلمون على معاویه- ثم یمیلون إلى قبه یزید فیسلمون علیه بولایه العهد- حتى جاء رجل ففعل ذلک ثم رجع إلى معاویه- فقال یا أمیر المؤمنین أما إنک لو لم تول هذا أمور المسلمین لأضعتها- و کان الأحنف جالسا- فلما خف الناس قال معاویه- ما بالک لا تقول یا أبا بحر قال أخاف الله إن کذبتک- و أخافک إن صدقتک فما ذا أقول- فقال جزاک الله عن الطاعه خیرا و أمر له بصله جزیله- فلما خرج لقیه ذلک الرجل بالباب فقال- یا أبا بحر إنی لأعلم أن شر من خلق الله هذا الرجل- و لکن هؤلاءقد استوثقوا من هذه الأموال- بالأبواب و الأقفال- فلسنا نطمع فی استخراجها إلا بما سمعت- فقال یا هذا أمسک علیک- فإن ذا الوجهین خلیق ألا یکون وجیها عند الله غدا- .

ثم أمر ع بأن یعقل ما قاله و یعلم باطن خطابه- و إنما رمز بباطن هذا الکلام إلى الرؤساء یوم الجمل- لأنهم حاولوا أن یشفوا غیظهم- بإهلاکه و إهلاک غیره من المسلمین- و عروه ع بأمر هم فعلوه و هو التألیب على عثمان و حصره- و استنجحوا حاجتهم إلى أهل البصره- بإظهار البدعه و الفتنه- و لقوا الناس بوجهین و لسانین- لأنهم بایعوه و أظهروا الرضا به ثم دبوا له الخمر- فجعل ذنوبهم هذه مماثله للشرک بالله سبحانه- فی أنها لا تغفر إلا بالتوبه- و هذا هو معنى قوله اعقل ذلک- فإن المثل دلیل على شبهه- و روی فإن المثل واحد الأمثال- أی هذا الحکم بعدم المغفره لمن أتى شیئا من هذه الأشیاء عام- و الواحد منها دلیل على ما یماثله و یشابهه- .

فإن قلت- فهذا تصریح بمذهب الإمامیه فی طلحه و الزبیر و عائشه- . قلت کلا فإن هذه الخطبه خطب بها و هو سائر إلى البصره- و لم تقع الحرب إلا بعد تعدد الکبائر- و رمز فیها إلى المذکورین و قال إن لم یتوبوا- و قد ثبت أنهم تابوا- و الأخبار عنهم بالتوبه کثیره مستفیضه- . ثم أراد ع أن یومئ إلى ذکر النساء- للحال التی کان وقع إلیها من استنجاد أعدائه بامرأه- فذکر قبل ذکر النساء أنواعا من الحیوان- تمهیدا لقاعده ذکر النساء فقال- إن البهائم همها بطونها کالحمر و البقر و الإبل و الغنم- و إن السباع همها العدوان‏على غیرها- کالأسود الضاریه و النمور و الفهود و البزاه و الصقور- ثم قال و إن النساء همهن زینه الحیاه الدنیا و الفساد فیها- . نظر حکیم إلى امرأه مصلوبه على شجره- فقال لیت کل شجره تحمل مثل هذه الثمره- . و مرت امرأه بسقراط و هو یتشرق فی الشمس فقالت- ما أقبحک أیها الشیخ- فقال لو أنکن من المرائی الصدئه- لغمنی ما بان من قبح صورتی فیکن- . و رأى حکیم امرأه تعلم الکتابه- فقال سهم یسقى سما لیرمی به یوما ما- .

و رأى بعضهم جاریه تحمل نارا- فقال نار على نار و الحامل شر من المحمول- . و قیل لسقراط أی السباع أحسن قال المرأه- . و تزوج بعضهم امرأه نحیفه فقیل له فی ذلک- فقال اخترت من الشر أقله- . و رأى بعض الحکماء امرأه غریقه قد احتملها السیل- فقال زادت الکدر کدرا و الشر بالشر یهلک- . ثم ذکر ع خصائص المؤمن- فقال إن المؤمنین مستکینون- استکان الرجل أی خضع و ذل- . إن المؤمنین مشفقون- التقوى رأس الإیمان کما ورد فی الخبر- .ثم قال إن المؤمنین خائفون- هو الأول و إنما أکده و التأکید مطلوب فی باب الخطابه

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹ 

بازدیدها: ۵۵

خطبه ۱۵۲ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۵۲ و من خطبه له ع

الْحَمْدُ لِلَّهِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ- وَ بِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِیَّتِهِ- وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ- لَا تَسْتَلِمُهُ الْمَشَاعِرُ وَ لَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ- لِافْتِرَاقِ الصَّانِعِ وَ الْمَصْنُوعِ- وَ الْحَادِّ وَ الْمَحْدُودِ وَ الرَّبِّ وَ الْمَرْبُوبِ- الْأَحَدِ بِلَا تَأْوِیلِ عَدَدٍ- وَ الْخَالِقِ لَا بِمَعْنَى حَرَکَهٍ وَ نَصَبٍ- وَ السَّمِیعِ لَا بِأَدَاهٍ وَ الْبَصِیرِ لَا بِتَفْرِیقِ آلَهٍ- وَ الشَّاهِدِ لَا بِمُمَاسَّهٍ وَ الْبَائِنِ لَا بِتَرَاخِی مَسَافَهٍ- وَ الظَّاهِرِ لَا بِرُؤْیَهٍ وَ الْبَاطِنِ لَا بِلَطَافَهٍ- بَانَ مِنَ الْأَشْیَاءِ بِالْقَهْرِ لَهَا وَ الْقُدْرَهِ عَلَیْهَا- وَ بَانَتِ الْأَشْیَاءُ مِنْهُ بِالْخُضُوعِ لَهُ وَ الرُّجُوعِ إِلَیْهِ- مَنْ وَصَفَهُ فَقَدْ حَدَّهُ وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ- وَ مَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ- وَ مَنْ قَالَ کَیْفَ فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ- وَ مَنْ قَالَ أَیْنَ فَقَدْ حَیَّزَهُ- عَالِمٌ إِذْ لَا مَعْلُومٌ وَ رَبٌّ إِذْ لَا مَرْبُوبٌ- وَ قَادِرٌ إِذْ لَا مَقْدُورٌ

أبحاث کلامیه

فی هذا الفصل أبحاث- أولها فی وجوده تعالى و إثبات أن للعالم صانعا- و هاتان طریقتان فی الدلاله على وجوده الأول سبحانه- .إحداهما الطریقه المذکوره فی هذا الفصل- و هی طریقه المتکلمین- و هی إثبات أن الأجسام محدثه- و لا بد للمحدث من محدث- . و الثانیه إثبات وجوده تعالى من النظر فی نفس الوجود- .

و ذلک لأن الوجود ینقسم بالاعتبار الأول إلى قسمین- واجب و ممکن- و کل ممکن لا بد أن ینتهی إلى الواجب- لأن طبیعه الممکن یمتنع من أن یستقل بنفسه فی قوامه- فلا بد من واجب یستند إلیه- و ذلک الواجب الوجود الضروری الذی لا بد منه- هو الله تعالى- .

و ثانیها إثبات أزلیته و بیانه ما ذکره فی هذا الفصل- و هو أن العالم مخلوق له سبحانه حادث من جهته- و المحدث لا بد له من محدث- فإن کان ذلک المحدث محدثا- عاد القول فیه کالقول فی الأول و یتسلسل- فلا بد من محدث قدیم و ذلک هو الله تعالى- .

و ثالثها أنه لا شبیه له أی لیس بجسم کهذه الأجسام- و بیانه ما ذکر أیضا أن مخلوقاته متشابهه- یعنی بذلک ما یریده المتکلمون من قولهم- الأجسام متماثله فی الجسمیه- و أن نوع الجسمیه واحد- أی لا یخالف جسم جسما بذاته- و إذا کانت متماثله صح على کل واحد منها ما صح على الآخر- فلو کان له سبحانه شبیه منها أی لو کان جسما مثلها- لوجب أن یکون محدثا کمثلها أو تکون قدیمه مثله- و کلا الأمرین محال- .

و رابعها أن المشاعر لا تستلمه و روی لا تلمسه- و المشاعر الحواس و بیانه أنه تعالى لیس بجسم لما سبق- و ما لیس بجسم استحال أن تکون المشاعر لامسه له- لأن إدراک المشاعر مدرکاته مقصور على الأجسام و هیئاتها- و الاستلام فی اللغه لمس الحجر بالید و تقبیله- و لا یهمز لأن أصله من السلام و هی الحجاره- کما یقال استنوق الجمل و بعضهم یهمزه-

و خامسها أن السواتر لا تحجبه- و بیانه أن السواتر و الحجب إنما تحجب ما کان فی جهه- و ذلک لأنها ذوات أین و وضع فلا نسبه لها- إلى ما لیس من ذوات الأین و الوضع- . ثم قال ع لافتراق الصانع و المصنوع- إشاره إلى أن المصنوع من ذوات الجهه- و الصانع منزه عن ذلک بری‏ء عن المواد- فلا یلزم فیه ما یلزم فی ذوات الماده و الجهه- .

و سادسها معنى قولنا إنه أحد- أنه لیس بمعنى العدد کما یقوله الناس- أول العدد أحد و واحد- بل المراد بأحدیته کونه لا یقبل التجزؤ- و باعتبار آخر کونه لا ثانی له فی الربوبیه- .

و سابعها أنه خالق لا بمعنى الحرکه و النصب و هو التعب- و ذلک لأن الخالقین منا یحتاجون إلى الحرکه- من حیث کانوا أجساما تفعل بالآلات- و البارئ سبحانه لیس بجسم و لا یفعل بالآله- بل کونه قادرا إنما هو لذاته المقدسه- لا لأمر زائد علیها فلم یکن فاعلا بالحرکه- .

و ثامنها أنه سمیع لا بأداه- و ذلک لأن حاجتنا إلى الحواس إنما کانت لأمر یخصنا- و هو کوننا أحیاء بحیاه حاله فی أبعاضنا- و البارئ تعالى حی لذاته- فلم یحتج فی کونه مدرکا إلى الأداه و الجارحه- .

و تاسعها أنه بصیر لا بتفریق آله- و المراد بتفریق الآله هاهنا- الشعاع الذی باعتباره یکون الواحد منا مبصرا- فإن القائلین بالشعاع یقولون- إنه یخرج من العین أجسام لطیفه هی الأشعه- و تکون آله للحی فی إبصار المبصرات فیتفرق علیها- فکل جسم یقع علیه ذلک الشعاع یکون مبصرا- و البارئ تعالى بصیر- لا بشعاع یجعله آله فی الإدراک- و یتفرق على المرئیاتفیدرکها به- و ذلک لما قدمناه من أنه حی لذاته لا بمعنى- فلا یحتاج إلى آله و أداه- و وصله تکون کالواسطه بینه و بین المدرکات- .

و عاشرها أنه الشاهد لا بمماسه- و ذلک لأن الشاهد منا هو الحاضر بجسمه عند المشهود- أ لا ترى أن من فی الصین- لا یکون شاهدا من فی المغرب- لأن الحضور الجسمانی یفتقر إلى القرب- و القرب من لوازم الجسمیه فما لیس بجسم- و هو عالم بکل شی‏ء- یکون شاهدا من غیر قرب و لا مماسه و لا أین مطلوب- .

و حادی عشرها أنه البائن لا بتراخی مسافه- بینونه المفارق عن الماده بینونه لیست أینیه- لأنه لا نسبه لأحدهما إلى الآخر بالجهه- فلا جرم کان البارئ تعالى مباینا عن العالم- لا بمسافه بین الذاتین- .

و ثانی عشرها- أنه الظاهر لا برؤیه و الباطن لا بلطافه- و ذلک لأن الظاهر من الأجسام ما کان مرئیا بالبصر- و الباطن منها ما کان لطیفا جدا- إما لصغره أو لشفافیته- و البارئ تعالى ظاهر للبصائر لا للأبصار- باطن أی غیر مدرک بالحواس- لأن ذاته لا تقبل المدرکیه- إلا من حیث کان لطیف الحجم أو شفاف الجرم- .

و ثالث عشرها أنه قال- بان من الأشیاء بالقهر لها و القدره علیها- و بانت الأشیاء منه بالخضوع له و الرجوع إلیه- هذا هو معنى قول المتکلمین و الحکماء- و الفرق بینه و بین الموجودات کلها- أنه واجب الوجود لذاته- و الأشیاء کلها ممکنه الوجود بذواتها- فکلها محتاجه إلیه لأنها لا وجود لها إلا به- و هذا هو معنى خضوعها له و رجوعها إلیه- و هو سبحانه غنی عن کل شی‏ء- و مؤثر فی کل شی‏ء إما بنفسه- أو بأن یکون مؤثرا فیما هو مؤثر فی ذلک الشی‏ء کأفعالنا- فإنه یؤثر فینا و نحن نؤثر فیها- فإذا هو قاهر لکل شی‏ء و قادر على کل شی‏ء- فهذه هی البینونه بینه و بین الأشیاء کلها- .

و رابع عشرها أنه لا صفه له زائده على ذاته- و نعنی بالصفه ذاتا موجوده قائمه بذاته- و ذلک لأن من أثبت هذه الصفه له فقد حده- و من حده فقد عده و من عده فقد أبطل أزله- و هذا کلام غامض- و تفسیره أن من أثبت له علما قدیما أو قدره قدیمه- فقد أوجب أن یعلم بذلک العلم معلومات محدوده- أی محصوره- و کذلک قد أوجب أن یقدر بتلک القدره- على مقدورات محدوده- و هذه المقدمه فی کتب أصحابنا المتکلمین- مما یذکرونه فی تقریر- أن العلم الواحد لا یتعلق بمعلومین- و أن القدره الواحده- لا یمکن أن تتعلق فی الوقت الواحد من الجنس الواحد- فی المحل الواحد إلا بجزء واحد- و سواء فرض هذان المعنیان قدیمین أو محدثین- فإن هذا الحکم لازم لهما- فقد ثبت أن من أثبت المعانی القدیمه- فقد أثبت البارئ تعالى محدود العالمیه و القادریه- و من قال بذلک فقد عده- أی جعله من جمله الجثه المعدوده- فیما بیننا کسائر البشر و الحیوانات- و من قال بذلک فقد أبطل أزله- لأن کل ذات مماثله لهذه الذوات المحدثه- فإنها محدثه مثلها و المحدث لا یکون أزلیا- .

و خامس عشرها أن من قال کیف فقد استوصفه- أی من قال لزید کیف الله- فقد استدعى أن یوصف الله بکیفیه من الکیفیات- و البارئ تعالى لا تجوز الکیفیات علیه- و الکیفیات هی الألوان و الطعوم و نحوها- و الأشکال و المعانی و ما یجری مجرى ذلک- و کل هذا لا یجوز إلا على الأجسام- . فإن قلت ینبغی أن یقول فقد وصفه- و لا یقال فقد استوصفه- لأن السائل لم یستوصف الله- و إنما استوصف صاحبه الذی سأله عن کیفیه الله- . قلت استوصف هاهنا بمعنى وصف- کقولک استغنى زید عن عمرو أی غنی عنه- و استعلى علیه أی علا و مثله کثیر- .

و سادس عشرها أن من قال أین فقد حیزه- لأن أین سؤال عن المکان و لیس الله تعالى فی مکان- و یأتی أنه فی کل مکان بمعنى العلم و الإحاطه- .

و سابع عشرها- أنه عالم إذ لا معلوم و رب إذ لا مربوب- و قادر إذ لا مقدور- و کل هذا صحیح و مدلول علیه- لأنه عالم فیما لم یزل و لیس شی‏ء من الأشیاء بموجود- و هو رب کل شی‏ء قبل أن یخلقه- کما تقول أنه سمیع بصیر قبل أن یدرک المسموعات و المبصرات- أی قبل أن یخلقها و قادر على الأشیاء قبل کونها- لأنه یستحیل حال کونها أن تکون مقدوره- لاستحاله إیجاد الموجود- .

و قد شرحنا کل هذه المسائل التوحیدیه- فی کتبنا المصنفه فی علم الکلاممِنْهَا- قَدْ طَلَعَ طَالِعٌ وَ لَمَعَ لَامِعٌ وَ لَاحَ لَائِحٌ- وَ اعْتَدَلَ مَائِلٌ وَ اسْتَبْدَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ قَوْماً وَ بِیَوْمٍ یَوْماً- وَ انْتَظَرْنَا الْغِیَرَ انْتِظَارَ الْمُجْدِبِ الْمَطَرَ- وَ إِنَّمَا الْأَئِمَّهُ قُوَّامُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ- وَ عُرَفَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ- وَ لَا یَدْخُلُ الْجَنَّهَ إِلَّا مَنْ عَرَفَهُمْ وَ عَرَفُوهُ- وَ لَا یَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْکَرَهُمْ وَ أَنْکَرُوهُ- إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّکُمْ بِالْإِسْلَامِ وَ اسْتَخْلَصَکُمْ لَهُ- وَ ذَلِکَ لِأَنَّهُ اسْمُ سَلَامَهٍ وَ جِمَاعُ کَرَامَهٍ- اصْطَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَنْهَجَهُ وَ بَیَّنَ حُجَجَهُ- مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ وَ بَاطِنِ حُکْمٍ- لَا تَفْنَى غَرَائِبُهُ وَ لَا تَنْقَضِی عَجَائِبُهُ- فِیهِ مَرَابِیعُ النِّعَمِ وَ مَصَابِیحُ الظُّلَمِ- لَا تُفْتَحُ الْخَیْرَاتُ إِلَّا بِمَفَاتِیحِهِ- وَ لَا تُکْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِمَصَابِیحِهِ- قَدْ أَحْمَى حِمَاهُ وَ أَرْعَى مَرْعَاهُ- فِیهِ شِفَاءُ الْمُشْتَفِی وَ کِفَایَهُ الْمُکْتَفِی‏

هذه خطبه خطب بها بعد قتل عثمان- حین أفضت الخلافه إلیه- . قد طلع طالع یعنی عود الخلافه إلیه- و کذلک قوله و لمع لامع و لاح لائح- کل هذا یراد به معنى واحد- . و اعتدل مائل- إشاره إلى ما کانت الأمور علیه من الاعوجاج- فی أواخر أیام عثمان- و استبدل الله بعثمان و شیعته علیا و شیعته- و بأیام ذاک أیام هذا- .

ثم قال و انتظرنا الغیر انتظار المجدب المطر- و هذا الکلام یدل على أنه قد کان یتربص بعثمان الدوائر- و یرتقب حلول الخطوب بساحته لیلی الخلافه- . فإن قلت أ لیس هو الذی طلق الدنیا- فأین هذا القول من طلاقها- قلت إنه طلق الدنیا أن یقبل منها حظا دنیویا- و لم یطلقها أن ینهى فیها عن المنکرات- التی أمره الله تعالى بالنهی عنها- و یقیم فیها الدین الذی أمره الله بإقامته- و لا سبیل له إلى النهی عن المنکر و الأمر بالمعروف- إلا بولایه الخلافه

عقیده علی فی عثمان و رأی المعتزله فی ذلک

فإن قلت أ یجوز على مذهب المعتزله أن یقال- إنه ع کان ینتظر قتل عثمان انتظار المجدب المطر- و هل هذا إلا محض مذهب الشیعه- . قلت إنه ع لم یقل و انتظرنا قتله و إنما انتظر الغیر- فیجوز أن یکون أراد انتظار خلعه و عزله عن الخلافه- فإن علیا ع عند أصحابنا- کان یذهب إلى أن عثمان استحق الخلع بإحداثه- و لم یستحق القتل- و هذا الکلام إذا حمل على انتظار الخلع- کان موافقا لمذهب أصحابنا- .

فإن قلت أ تقول المعتزله إن علیا کان یذهب إلى فسق عثمان- المستوجب لأجله الخلع- قلت کلا حاش لله أن تقول المعتزله ذلک- و إنما تقول إن علیا کان یرى- أن عثمان یضعف عن تدبیر الخلافه- و أن أهله غلبوا علیه- و استبدوا بالأمر دونه- و استعجزه المسلمون و استسقطوا رأیه- فصار حکمه حکم الإمام إذا عمی- أو أسره العدو فإنه ینخلع من الإمامه.

ثم قال ع الأئمه قوام الله على خلقه- أی یقومون بمصالحهم و قیم المنزل هو المدبر له- . قال و عرفاؤه على عباده جمع عریف- و هو النقیب و الرئیس- یقال عرف فلان بالضم عرافه بالفتح- مثل خطب خطابه أی صار عریفا- و إذا أردت أنه عمل ذلک قلت- عرف فلان علینا سنین یعرف عرافه بالکسر- مثل کتب یکتب کتابه- .

قال و لا یدخل الجنه إلا من عرفهم و عرفوه- و لا یدخل النار إلا من أنکرهم و أنکروه- هذا إشاره إلى قوله تعالى- یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ- قال المفسرون ینادى فی الموقف- یا أتباع فلان و یا أصحاب فلان- فینادى کل قوم باسم إمامهم- یقول أمیر المؤمنین ع لا یدخل الجنه یومئذ- إلا من کان فی الدنیا عارفا بإمامه- و من یعرفه إمامه فی الآخره- فإن الأئمه تعرف أتباعها یوم القیامه- و إن لم یکونوا رأوهم فی الدنیا- کما أن النبی ص یشهد للمسلمین و علیهم- و إن لم یکن رأى أکثرهم قال سبحانه- فَکَیْفَ إِذا جِئْنا مِنْ کُلِّ أُمَّهٍ بِشَهِیدٍ- وَ جِئْنا بِکَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِیداً وجاء فی الخبرالمرفوع من مات بغیر إمام مات میته جاهلیه- و أصحابنا کافه قائلون بصحه هذه القضیه- و هی أنه لا یدخل الجنه إلا من عرف الأئمه- أ لا ترى أنهم یقولون- الأئمه بعد رسول الله ص فلان و فلان- و یعدونهم واحدا واحدا- فلو أن إنسانا لا یقول بذلک لکان عندهم فاسقا- و الفاسق لا یدخل الجنه عندهم أبدا أعنی من مات على فسقه- فقد ثبت أن هذه القضیه- و هی قوله ع لا یدخل الجنه إلا من عرفهم- قضیه صحیحه على مذهب المعتزله- و لیس قوله و عرفوه بمنکر عند أصحابنا- إذا فسرنا قوله تعالى- یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ- على ما هو الأظهر و الأشهر من التفسیرات و هو ما ذکرناه- .

و بقیت القضیه الثانیه ففیها الإشکال- و هی قوله ع و لا یدخل النار إلا من أنکرهم و أنکروه- و ذلک أن لقائل أن یقول قد یدخل النار من لم ینکرهم- مثل أن یکون إنسان یعتقد صحه إمامه القوم- الذین یذهب أنهم أئمه عند المعتزله- ثم یزنی أو یشرب الخمر من غیر توبه فإنه یدخل النار- و لیس بمنکر للأئمه- فکیف یمکن الجمع بین هذه القضیه و بین الاعتزال- فالجواب أن الواو فی قوله و أنکروه بمعنى أو- کما فی قوله تعالى- فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ- فالإنسان المفروض فی السؤال- و إن کان لا ینکر الأئمه إلا أنهم ینکرونه- أی یسخطون یوم القیامه أفعاله- یقال أنکرت فعل فلان أی کرهته- فهذا هو تأویل الکلام على مذهبنا- فأما الإمامیه فإنهم یحملون ذلک على تأویل آخر- و یفسرون قوله و لا یدخل النار فیقولون- أراد و لا یدخل النار دخولا مؤبدا- إلا من ینکرهم و ینکرونه- .

ثم ذکر ع شرف الإسلام و قال- إنه مشتق من السلامه و إنه جامع للکرامه- و إن الله قد بین حججه أی الأدله على صحته- . ثم بین ما هذه الأدله فقال- من ظاهر علم و باطن حکم أی حکمه- من هاهنا للتبیین و التفسیر- کما تقول دفعت إلیه سلاحا من سیف و رمح و سهم- و یعنی بظاهر علم و باطن حکم- و القرآن أ لا تراه کیف أتى بعده بصفات و نعوت- لا تکون إلا للقرآن- من قوله لا تفنى عزائمه أی آیاته المحکمه- و براهینه العازمه أی القاطعه و لا تنقضی عجائبه- لأنه مهما تأمله الإنسان استخرج منه- بفکر غرائب عجائب لم تکن عنده من قبل- . فیه مرابیع النعم- المرابیع الأمطار التی تجی‏ء فی أول الربیع- فتکون سببا لظهور الکلأ- و کذلک تدبر القرآن سبب للنعم الدینیه و حصولها- .

قوله قد أحمى حماه و أرعى مرعاه- الضمیر فی أحمى یرجع إلى الله تعالى- أی قد أحمى الله حماه أی عرضه لأن یحمى- کما تقول أ قتلت الرجل أی عرضته لأن یقتل- و أ ضربته أی عرضته لأن یضرب- أی قد عرض الله تعالى حمى القرآن و محارمه- لأن یجتنب و مکن منها- و عرض مرعاه لأن یرعى- أی مکن من الانتفاع بما فیه من الزواجر و المواعظ- لأنه خاطبنا بلسان عربی مبین- و لم یقنع ببیان ما لا نعلم إلا بالشرع- حتى نبه فی أکثره على أدله العقل

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۳۹

خطبه ۱۵۱ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۵۱ و من خطبه له ع

وَ أَسْتَعِینُهُ عَلَى مَدَاحِرِ الشَّیْطَانِ وَ مَزَاجِرِهِ- وَ الِاعْتِصَامِ مِنْ حَبَائِلِهِ وَ مَخَاتِلِهِ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ نَجِیبُهُ وَ صَفْوَتُهُ- لَا یُؤَازَى فَضْلُهُ وَ لَا یُجْبَرُ فَقْدُهُ- أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلَادُ بَعْدَ الضَّلَالَهِ الْمُظْلِمَهِ- وَ الْجَهَالَهِ الْغَالِبَهِ وَ الْجَفْوَهِ الْجَافِیَهُ- وَ النَّاسُ یَسْتَحِلُّونَ الْحَرِیمَ- وَ یَسْتَذِلُّونَ الْحَکِیمَ- یَحْیَوْنَ عَلَى فَتْرَهٍ وَ یَمُوتُونَ عَلَى کَفْرَهٍ- ثُمَّ إِنَّکُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلَایَا قَدِ اقْتَرَبَتْ- فَاتَّقُوا سَکَرَاتِ النِّعْمَهِ وَ احْذَرُوا بَوَائِقَ النِّقْمَهِ- وَ تَثَبَّتُوا فِی قَتَامِ الْعِشْوَهِ وَ اعْوِجَاجِ الْفِتْنَهِ- عِنْدَ طُلُوعِ جَنِینِهَا وَ ظُهُورِ کَمِینِهَا- وَ انْتِصَابِ قُطْبِهَا وَ مَدَارِ رَحَاهَا- تَبْدَأُ فِی مَدَارِجَ خَفِیَّهٍ وَ تَئُولُ إِلَى فَظَاعَهٍ جَلِیَّهٍ- شِبَابُهَا کَشِبَابِ الْغُلَامِ وَ آثَارُهَا کَآثَارِ السِّلَامِ- یَتَوَارَثُهَا الظَّلَمَهُ بِالْعُهُودِ أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لآِخِرِهِمْ- وَ آخِرُهُمْ مُقْتَدٍ بِأَوَّلِهِمْ یَتَنَافَسُونَ فِی دُنْیَا دَنِیَّهٍ- وَ یَتَکَالَبُونَ عَلَى جِیفَهٍ مُرِیحَهٍ- وَ عَنْ قَلِیلٍ یَتَبَرَّأُ التَّابِعُ مِنَ الْمَتْبُوعِ- وَ الْقَائِدُ مِنَ الْمَقُودِ فَیَتَزَایَلُونَ بِالْبَغْضَاءِ- وَ یَتَلَاعَنُونَ عِنْدَ اللِّقَاءِ-

ثُمَّ یَأْتِی بَعْدَ ذَلِکَ طَالِعُ الْفِتْنَهِ الرَّجُوفِ- وَ الْقَاصِمَهِ الزَّحُوفِ فَتَزِیغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اسْتِقَامَهٍ- وَ تَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلَامَهٍ- وَ تَخْتَلِفُ الْأَهْوَاءُ عِنْدَ هُجُومِهَا- وَ تَلْتَبِسُ الآْرَاءُ عِنْدَ نُجُومِهَا-مَنْ أَشْرَفَ لَهَا قَصَمَتْهُ وَ مَنْ سَعَى فِیهَا حَطَمَتْهُ- یَتَکَادَمُونَ فِیهَا تَکَادُمَ الْحُمُرِ فِی الْعَانَهِ- قَدِ اضْطَرَبَ مَعْقُودُ الْحَبْلِ وَ عَمِیَ وَجْهُ الْأَمْرِ- تَغِیضُ فِیهَا الْحِکْمَهُ وَ تَنْطِقُ فِیهَا الظَّلَمَهُ- وَ تَدُقُّ أَهْلَ الْبَدْوِ بِمِسْحَلِهَا- وَ تَرُضُّهُمْ بِکَلْکَلِهَا یَضِیعُ فِی غُبَارِهَا الْوُحْدَانُ- وَ یَهْلِکُ فِی طَرِیقِهَا الرُّکْبَانُ تَرِدُ بِمُرِّ الْقَضَاءِ- وَ تَحْلُبُ عَبِیطَ الدِّمَاءِ وَ تَثْلِمُ مَنَارَ الدِّینِ- وَ تَنْقُضُ عَقْدَ الْیَقِینِ- یَهْرُبُ مِنْهَا الْأَکْیَاسُ وَ یُدَبِّرُهَا الْأَرْجَاسُ- مِرْعَادٌ مِبْرَاقٌ کَاشِفَهٌ عَنْ سَاقٍ تُقْطَعُ فِیهَا الْأَرْحَامُ- وَ یُفَارَقُ عَلَیْهَا الْإِسْلَامُ بَرِیئُهَا سَقِیمٌ وَ ظَاعِنُهَا مُقِیمٌ مداحر الشیطان الأمور التی یدحر بها أی یطرد و یبعد- دحرته أدحره دحورا- قال تعالى دُحُوراً وَ لَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ- و قال سبحانه اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً أی مقصى- .

و مزاجره الأمور یزجر بها جمع مزجر و مزجره- و کثیرا ما یبنی ع من الأفعال مفعلا و مفعله و یجمعه- و إذا تأملت کلامه عرفت ذلک- . و حبائل الشیطان- مکایده و أشراکه التی یضل بها البشر- و مخاتله الأمور التی یختل بها بالکسر أی یخدع- . لا یؤازى فضله لا یساوى و اللفظه مهموزه- آزیت فلانا حاذیته و لا یجوز وازیته- .

و لا یجبر فقده لا یسد أحد مسده بعده- و الجفوه الجافیه غلظ الطبع و بلاده الفهم- . و یستذلون الحکیم- یستضیمون العقلاء و اللام هاهنا للجنس- کقوله وَ جاءَ رَبُّکَ وَ الْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا- . یحیون على فتره على انقطاع الوحی ما بین نبوتین- . و یموتون على کفره بالفتح واحد الکفرات- کالضربه واحده الضربات- . و یروى ثم إنکم معشر الناس و الأغراض الأهداف- و سکرات النعمه- ما تحدثه النعم عند أربابها من الغفله المشابهه للسکر- قال الشاعر

خمس سکرات إذا منی المرء
بها صار عرضه للزمان‏

سکره المال و الحداثه و العشق‏
و سکر الشراب و السلطان‏

و من کلام الحکماء- للوالی سکره لا یفیق منها إلا بالعزل- و البوائق الدواهی جمع بائقه- یقال باقتهم الداهیه بوقا أی أصابتهم- و کذلک باقتهم بئوق على فعول- و ابتاقت علیهم بائقه شر مثل انباحت أی انفتقت- و انباق علیهم الدهر هجم بالداهیه- کما یخرج الصوت من البوق- وفی الحدیث لا یدخل الجنه من لا یأمن جاره بوائقه- أی غوائله و شره- . و القتام بفتح القاف الغبار- و الأقتم الذی یعلوه قتمه- و هو لون فیه غبره و حمره- . و العشوه بکسر العین رکوب الأمر على غیر بیان و وضوح- و یروى و تبینوا فی قتام العشوه- کما قرئ إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا و فتثبتوا- .

و اعوجاج الفتنه- أخذها فی غیر القصد و عدولها عن المنهج- . ثم کنى عن ظهور المستور المخفی منها بقوله- عند طلوع جنینها و ظهور کمینها- . و الجنین الولد ما دام فی البطن و الجمع أجنه- و یجوز ألا یکون الکلام کنایه بل صریحا- أی عند طلوع ما استحن منها- أی استتر و ظهور ما کمن أی ما بطن- . و کنى عن استحکام أمر الفتنه بقوله- و انتصاب قطعها و مدار رحاها- .

ثم قال إنها تبدو یسیره ثم تصیر کثیره- . و الفظاعه مصدر فظع بالضم- فهو فظیع أی شدید شنیع تجاوز المقدار- و کذلک أفظع الرجل فهو مفظع- و أفظع الرجل على ما لم یسم فاعله- نزل به أمر عظیم و أفظعت الشی‏ء وجدته فظیعا و مثله استفظعته- و هذا المعنى کما قال الشاعر-

و لربما هاج الکبیر
و من الأمور لک الصغیر

و فی المثل و الشر تبدؤه صغاره- و قال الشاعر-

فإن النار بالعودین تذکى
و إن الحرب أولها کلام‏

و قال أبو تمام

رب قلیل جدا کثیرا
کم مطر بدؤه مطیر

و قال أیضا-

لا تذیلن صغیر همک و انظر
کم بذی الأسل دوحه من قضیب‏

قوله شبابها کشباب الغلام بالکسر- مصدر شب الفرس و الغلام یشب و یشب شبابا و شبیبا- إذا قمص و لعب و أشببته أنا أی هیجته- .و السلام الحجاره جمع واحده سلمه بکسر اللام- یذکر الفتنه و یقول إنها تبدو فی أول الأمر- و أربابها یمرحون و یشبون کما یشب الغلام و یمرح- ثم تئول إلى أن تعقب فیهم آثارا- کآثار الحجاره فی الأبدان قال الشاعر-

و الحب مثل الحرب أولها
التخیل و النشاط

و ختامها أم الربیق‏
النکر و الضرب القطاط

ثم ذکر أن هذه الفتنه یتوارثها قوم من قوم- و کلهم ظالم أولهم یقود آخرهم- کما یقود الإنسان القطار من الإبل- و هو أمامها و هی تتبعه- و آخرهم یقتدی بأولهم أی یفعل فعله و یحذو حذوه- . و جیفه مریحه منتنه أراحت ظهر ریحها- و یجوز أن تکون من أراح البعیر أی مات- و قد جاء فی أراح بمعنى أنتن راح بلا همز- . ثم ذکر تبرؤ التابع من المتبوع یعنی یوم القیامه- .

فإن قلت إن الکتاب العزیز- إنما ذکر تبرؤ المتبوع من التابع فی قوله- إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِینَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِینَ اتَّبَعُوا- وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ- و هاهنا قد عکس ذلک فقال إن التابع یتبرأ من المتبوع- قلت إنه قد ورد فی الکتاب العزیز مثل ذلک- فی قوله أَیْنَ شُرَکاؤُکُمُ الَّذِینَ کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَکُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَیْئاً- فقولهم لَمْ نَکُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَیْئاً هو التبرؤ- و هو قوله حکایه عنهم- وَ اللَّهِ رَبِّنا ما کُنَّا مُشْرِکِینَ و هذا هو التبرؤ- .

ثم ذکر ع أن القائد یتبرأ من المقود- أی یتبرأ المتبوع من التابع- فیکون کل من الفریقین تبرأ من صاحبه- کما قال سبحانه ثُمَّ یَوْمَ الْقِیامَهِ یَکْفُرُ بَعْضُکُمْ بِبَعْضٍ- وَ یَلْعَنُ بَعْضُکُمْ بَعْضاً- . و یتزایلون یتفرقون- . قوله ثم یأتی بعد ذلک طالع الفتنه الرجوف- طالعها مقدماتها و أوائلها- و سماها رجوفا لشده الاضطراب فیها- .

فإن قلت أ لم تکن قلت- إن قوله عن قلیل یتبرأ التابع من المتبوع- یعنی به یوم القیامه- فکیف یقول ثم یأتی بعد ذلک طالع الفتنه- و هذا إنما یکون قبل القیامه- قلت إنه لما ذکر تنافس الناس- على الجیفه المنتنه و هی الدنیا أراد أن یقول بعده بلا فصل- ثم یأتی بعد ذلک طالع الفتنه الرجوف- لکنه لما تعجب من تزاحم الناس و تکالبهم على تلک الجیفه- أراد أن یؤکد ذلک التعجب- فأتى بجمله معترضه بین الکلامین- تؤکد معنى تعجبه منهم فقال- إنهم على ما قد ذکرنا من تکالبهم علیها- عن قلیل یتبرأ بعضهم من بعض و یلعن بعضهم بعضا- و ذلک أدعى لهم لو کانوا یعقلون- إلى أن یترکوا التکالب- و التهارش على هذه الجیفه الخسیسه- ثم عاد إلى نظام الکلام فقال- ثم یأتی بعد ذلک طالع الفتنه الرجوف- و مثل هذا الاعتراض فی الکلام کثیر- و خصوصا فی القرآن و قد ذکرنا منه فیما تقدم طرفا- .

قوله و القاصمه الزحوف القاصمه الکاسره- و سماها زحوفا تشبیها لمشیها قدما- بمشی الدبى الذی یهلک الزروع و یبیدها- و الزحف السیر على تؤده کسیر الجیوش بعضها إلى بعض- .قوله و تزیغ قلوب أی تمیل- و هذه اللفظه و التی بعدها دالتان- على خلاف ما تذهب إلیه الإمامیه من أن المؤمن لا یکفر- و ناصرتان لمذهب أصحابنا- . و نجومها مصدر نجم الشر إذا ظهر- . من أشرف لها من صادمها و قابلها- و من سعى فیها أی فی تسکینها و إطفائها- و هذا کله إشاره إلى الملحمه الکائنه فی آخر الزمان- . و التکادم التعاض بأدنى الفم کما یکدم الحمار- و یقال کدم یکدم و المکدم المعض- .

و العانه القطیع من حمر الوحش و الجمع عون- . تغیض فیها الحکمه تنقض- . فإن قلت لیس قوله و تنطق فیها الظلمه- واقعا فی نقیض قوله تغیض فیها الحکمه- فأین هذا من الخطابه التی هو فیها نسیج وحده- قلت بل المناقضه ظاهره- لأن الحکمه إذا غاضت فیها لم ینطق بها أحد و لا بد من نطق ما- فإذا لم تنطق الحکماء- وجب أن یکون النطق لمن لیس من الحکماء- فهو من الظلمه فقد ثبت التناقض- . و المسحل المبرد- یقول تنحت أهل البدو و تسحتهم- کما یسحت الحدید أو الخشب بالمبرد- و أهل البدو أهل البادیه- و یجوز أن یرید بالمسحل الحلقه- التی فی طرف شکیم اللجام المعترضه- بإزاء حلقه أخرى فی الطرف الآخر- و تدخل إحداهما فی الأخرى- بمعنى أن هذه الفتنه تصدم أهل البدو بمقدمه جیشها- کما یصدم الفارس الراجل أمامه بمسحل لجام فرسه- . و الکلکل الصدر و ترضهم تدقهم دقا جریشا- .

قوله تضیع فی غبارها الوحدان جمع واحد- مثل شاب و شبان و راع و رعیان- و یجوز الأحدان بالهمز- أی من کان یسیر وحده فإنه یهلک بالکلیه فی غبارها- و أما إذا کانوا جماعه رکبانا فإنهم یضلون- و هو أقرب من الهلاک- و یجوز أن یکون الوحدان جمع أوحد- یقال فلان أوحد الدهر و هؤلاء الوحدان أو الأحدان- مثل أسود و سودان أی یضل فی هذه الفتنه- و ضلالها الذی کنى عنه بالغبار فضلاء عصرها و علماء عهدها- لغموض الشبهه و استیلاء الباطل على أهل وقتها- و یکون معنى الفقره الثانیه على هذا التفسیر- أن الراکب الذی هو بمظنه النجاه لا ینجو- و الرکبان جمع راکب و لا یکون إلا ذا بعیر- قوله ترد بمر القضاء- أی بالبوار و الهلاک و الاستئصال- . فإن قلت أ یجوز أن یقال للفتنه القبیحه إنها من القضاء- .

قلت نعم لا بمعنى الخلق بل بمعنى الإعلام- کما قال سبحانه- وَ قَضَیْنا إِلى‏ بَنِی إِسْرائِیلَ فِی الْکِتابِ لَتُفْسِدُنَّ- أی أعلمناهم أی ترد هذه الفتنه بإعلام الله تعالى- لمن یشاء إعلامه من المکلفین أنها أم اللهیم- التی لا تبقی و لا تذر- فذلک الإعلام هو المر الذی لا یبلغ الوصف مرارته- لأن الأخبار عن حلول المکروه- الذی لا مدفع عنه و لا محیص منه مر جدا- . قوله و تحلب عبیط الدماء- أی هذه الفتنه یحلبها الحالب دما عبیطا- و هذه کنایه عن الحرب- و قد قال ع فی موضع آخر- أما و الله لیحلبنها دما و لیتبعنها ندما- و العبیط الدم الطری الخالص- . و ثلمت الإناء أثلمه بالکسر- . و الأکیاس العقلاء- .

و الأرجاس جمع رجس و هو القذر و النجس- و المراد هاهنا الفاسقون- فإما أن یکون على حذف المضاف- أی و یدبرها ذوو الأرجاس- أو أن یکون جعلهم الأرجاس أنفسها- لما کانوا قد أسرفوا فی الفسق- فصاروا کأنهم الفسق و النجاسه نفسها- کما یقال رجل عدل و رجل رضا- . قوله مرعاد مبراق أی ذات وعید و تهدد- و یجوز أن یعنی بالرعد صوت السلاح و قعقعته- و بالبرق لونه و ضوءه- . و کاشفه عن ساق عن شده و مشقه- . قوله بریئها سقیم- یمکن أن یعنی بها أنها لشدتها- لا یکاد الذی یبرأ منها و ینفض یده عنها یبرأ بالحقیقه- بل لا بد أن یستثنی شیئا من الفسق و الضلال- أی لشده التباس الأمر- و اشتباه الحال على المکلفین حینئذ- .

و یمکن أن یعنی به أن الهارب منها غیر ناج- بل لا بد أن یصیبه بعض معرتها و مضرتها- . و ظاعنها مقیم- أی ما یفارق الإنسان من أذاها و شرها- فکأنه غیر مفارق له- لأنه قد أبقى عنده ندوبا- و عقابیل من شرورها و غوائلها: مِنْهَا- بَیْنَ قَتِیلٍ مَطْلُولٍ وَ خَائِفٍ مُسْتَجِیرٍ- یَخْتِلُونَ بِعَقْدِ الْأَیْمَانِ وَ بِغُرُورِ الْإِیمَانِ- فَلَا تَکُونُوا أَنْصَابَ الْفِتَنِ وَ أَعْلَامَ الْبِدَعِ-وَ الْزَمُوا مَا عُقِدَ عَلَیْهِ حَبْلُ الْجَمَاعَهِ- وَ بُنِیَتْ عَلَیْهِ أَرْکَانُ الطَّاعَهِ- وَ اقْدَمُوا عَلَى اللَّهِ مَظْلُومِینَ وَ لَا تَقْدَمُوا عَلَیْهِ ظَالِمِینَ- وَ اتَّقُوا مَدَارِجَ الشَّیْطَانِ وَ مَهَابِطَ الْعُدْوَانِ- وَ لَا تُدْخِلُوا بُطُونَکُمْ لُعَقَ الْحَرَامِ- فَإِنَّکُمْ بِعَیْنِ مَنْ حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَعْصِیَهَ- وَ سَهَّلَ لَکُمْ سُبُلَ الطَّاعَهِ یقال طل دم فلان فهو مطلول أی مهدر لا یطلب به- و یجوز أطل دمه و طله الله و أطله أهدره- و لا یقال طل دم فلان بالفتح- و أبو عبیده و الکسائی یقولانه- . و یختلون- یخدعون بالأیمان التی یعقدونها و یقسمون بها- و بالإیمان الذی یظهرونه و یقرون به- .

ثم قال فلا تکونوا أنصار الفتن و أعلام البدع- أی لا تکونوا ممن یشار إلیکم فی البدع- کما یشار إلى الأعلام المبنیه القائمه- و
جاء فی الخبر المرفوع کن فی الفتنه کابن اللبون لا ظهر فیرکب و لا ضرع فیحلب- و هذه اللفظه یرویها کثیر من الناس لأمیر المؤمنین ع- . قوله و اقدموا على الله مظلومین-جاء فی الخبر کن عبد الله المقتول- . و مدارج الشیطان- جمع مدرجه و هی السبیل التی یدرج فیها- و مهابط العدوان محاله التی یهبط فیها- . و لعق الحرام جمع لعقه بالضم و هی اسم لما تأخذه الملعقه- و اللعقه بالفتح المره الواحده- . قوله فإنکم بعین من حرم یقال أنت بعین فلان- أی أنت بمرأى منه- و قدقال ع فی موضع آخر بصفین فإنکم بعین الله و مع ابن عم رسول الله- و هذا من باب الاستعاره- قال سبحانه وَ لِتُصْنَعَ عَلى‏ عَیْنِی- و قال تَجْرِی بِأَعْیُنِنا

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۳۷

خطبه ۱۵۰ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۵۰ و من خطبه له ع و یومئ فیها إلى الملاحم

وَ أَخَذُوا یَمِیناً وَ شِمَالًا ظَعْناً فِی مَسَالِکِ الْغَیِّ- وَ تَرْکاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ- فَلَا تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ کَائِنٌ مُرْصَدٌ- وَ لَا تَسْتَبْطِئُوا مَا یَجِی‏ءُ بِهِ الْغَدُ- فَکَمْ مِنْ مُسْتَعْجِلٍ بِمَا إِنْ أَدْرَکَهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ یُدْرِکْهُ- وَ مَا أَقْرَبَ الْیَوْمَ مِنْ تَبَاشِیرِ غَدٍ- یَا قَوْمِ هَذَا إِبَّانُ وُرُودِ کُلِّ مَوْعُودٍ- وَ دُنُوٌّ مِنْ طَلْعَهِ مَا لَا تَعْرِفُونَ- أَلَا وَ إِنَّ مَنْ أَدْرَکَهَا مِنَّا یَسْرِی فِیهَا بِسِرَاجٍ مُنِیرٍ- وَ یَحْذُو فِیهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِینَ- لِیَحُلَّ فِیهَا رِبْقاً- وَ یُعْتِقَ فِیهَا رِقّاً وَ یَصْدَعَ شَعْباً- وَ یَشْعَبَ صَدْعاً فِی سُتْرَهٍ عَنِ النَّاسِ- لَا یُبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَ لَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ- ثُمَّ لَیُشْحَذَنَّ فِیهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَیْنِ النَّصْلَ- تُجْلَى بِالتَّنْزِیلِ أَبْصَارُهُمْ- وَ یُرْمَى بِالتَّفْسِیرِ فِی مَسَامِعِهِمْ- وَ یُغْبَقُونَ کَأْسَ الْحِکْمَهِ بَعْدَ الصَّبُوحِ یذکر ع قوما من فرق الضلال أخذوا یمینا و شمالا- أی ضلوا عن الطریق الوسطى- التی هی منهاج الکتاب و السنه- و ذلک لأن کل فضیله و حق- فهو محبوس بطرفین خارجین عن العداله- و هما جانبا الإفراط و التفریط- کالفطانه التی هی محبوسهبالجربزه و الغباوه- و الشجاعه التی هی محبوسه بالتهور و الجبن- و الجود المحبوس بالتبذیر و الشح- فمن لم یقع على الطریق الوسطى- و أخذ یمینا و شمالا فقد ضل- .

ثم فسر قوله أخذ یمینا و شمالا- فقال ظعنوا ظعنا فی مسالک الغی- و ترکوا مذاهب الرشد ترکا- و نصب ترکا و ظعنا على المصدریه- و العامل فیهما من غیر لفظهما و هو قوله أخذوا- . ثم نهاهم عن استعجال ما هو معد- و لا بد من کونه و وجوده- و إنما سماه کائنا لقرب کونه کما قال تعالى- إِنَّکَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ- و نهاهم أن یستبطئوا ما یجی‏ء فی الغد لقرب وقوعه- کما قالو إن غدا للناظرین قریب‏- . و قال الآخرغد ما غد ما أقرب الیوم من غد- . و قال تعالى إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَیْسَ الصُّبْحُ بِقَرِیبٍ- . ثم قال کم من مستعجل أمرا و یحرص علیه- فإذا حصل ود أنه لم یحصل قال أبو العتاهیه-

من عاش لاقى ما یسوء
من الأمور و ما یسر

و لرب حتف فوقه‏
ذهب و یاقوت و در

و قال آخر

فلا تتمنین الدهر شیئا
فکم أمنیه جلبت منیه

و قال تعالى وَ عَسى‏ أَنْ تُحِبُّوا شَیْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَکُمْ- وَ اللَّهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ- و تباشیر الصبح أوائله- . ثم قال یا قوم قد دنا وقت القیامه- و ظهور الفتن التی تظهر أمامها- . و إبان الشی‏ء بالکسر و التشدید وقته و زمانه- و کنى عن تلک الأهوال بقوله- و دنو من طلعه ما لا تعرفون- لأن تلک الملاحم و الأشراط الهائله غیر معهود مثلها- نحو دابه الأرض و الدجال و فتنته- و ما یظهر على یده من المخاریق و الأمور الموهمه- و واقعه السفیانی و ما یقتل فیها من الخلائق- الذین لا یحصى عددهم- . ثم ذکر أن مهدی آل محمد ص- و هو الذی عنى بقوله- و إن من أدرکها منا یسری فی ظلمات هذه الفتن بسراج منیر- و هو المهدی و أتباع الکتاب و السنه- .

و یحذو فیها یقتفی و یتبع مثال الصالحین لیحل فی هذه الفتن- و ربقا أی حبلا معقودا- . و یعتق رقا أی یستفک أسرى- و ینقذ مظلومین من أیدی ظالمین- و یصدع شعبا أی یفرق جماعه من جماعات الضلال- و یشعب صدعا- یجمع ما تفرق من کلمه أهل الهدى و الإیمان- . قوله ع فی ستره عن الناس- هذا الکلام یدل على استتار هذا الإنسان المشار إلیه- و لیس ذلک بنافع للإمامیه فی مذهبهم- و إن ظنوا أنه تصریح بقولهم- و ذلک لأنه من الجائز أن یکون هذا الإمام- یخلقه الله تعالى فی آخر الزمان- و یکون مستترا مده و له دعاه یدعون إلیه- و یقررون أمره ثم یظهر بعد ذلک الاستتار- و یملک الممالک‏و یقهر الدول و یمهد الأرض- کما ورد فی قوله لا یبصر القائف- أی هو فی استتار شدید لا یدرکه القائف- و هو الذی یعرف الآثار و الجمع قافه- و لا یعرف أثره و لو استقصى فی الطلب- و تابع النظر و التأمل- . و یقال شحذت السکین أشحذه شحذا أی حددته- یرید لیحرضن فی هذه الملاحم قوم على الحرب و قتل أهل الضلال- و لتشحذن عزائمهم کما یشحذ الصیقل السیف- و یرقق حده- .

ثم وصف هؤلاء القوم المشحوذی العزائم- فقال تجلى بصائرهم بالتنزیل- أی یکشف الرین و الغطاء عن قلوبهم بتلاوه القرآن- و إلهامهم تأویله و معرفه أسراره- . ثم صرح بذلک فقال و یرمى بالتفسیر فی مسامعهم- أی یکشف لهم الغطاء و تخلق المعارف فی قلوبهم- و یلهمون فهم الغوامض و الأسرار الباطنه- و یغبقون کأس الحکم بعد الصبوح- أی لا تزال المعارف الربانیه و الأسرار الإلهیه- تفیض علیهم صباحا و مساء- فالغبوق کنایه عن الفیض الحاصل لهم فی الآصال- و الصبوح کنایه عما یحصل لهم منه فی الغدوات- و هؤلاء هم العارفون- الذین جمعوا بین الزهد و الحکمه و الشجاعه- و حقیق بمثلهم أن یکونوا أنصارا لولی الله الذی یجتبیه- و یخلقه فی آخر أوقات الدنیا فیکون خاتمه أولیائه- و الذی یلقى عصا التکلیف عنده:

مِنْهَا- وَ طَالَ الْأَمَدُ بِهِمْ لِیَسْتَکْمِلُوا الْخِزْیَ وَ یَسْتَوْجِبُوا الْغِیَرَ حَتَّى إِذَا اخْلَوْلَقَ‏ الْأَجَلُ- وَ اسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَى الْفِتَنِ- وَ اشْتَالُوا عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ- لَمْ یَمُنُّوا عَلَى اللَّهِ بِالصَّبْرِ- وَ لَمْ یَسْتَعْظِمُوا بَذْلَ أَنْفُسِهِمْ فِی الْحَقِّ- حَتَّى إِذَا وَافَقَ وَارِدُ الْقَضَاءِ انْقِطَاعَ مُدَّهِ الْبَلَاءِ- حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَى أَسْیَافِهِمْ- وَ دَانُوا لِرَبِّهِمْ بِأَمْرِ وَاعِظِهِمْ هذا الکلام یتصل بکلام قبله- لم یذکره الرضی رحمه الله- و هو وصف فئه ضاله قد استولت و ملکت- و أملى لها الله سبحانه- قال ع و طال الأمد بهم لیستکملوا الخزی- و یستوجبوا الغیر- أی النعم التی یغیرها بهم من نعم الله سبحانه- کما قال وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَهً أَمَرْنا مُتْرَفِیها- فَفَسَقُوا فِیها فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِیراً- و کما قال تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ- .

حتى إذا اخلولق الأجل- أی قارب أمرهم الانقضاء- من قولک اخلولق السحاب أی استوى- و صار خلیقا بأن یمطر- و اخلولق الرسم استوى مع الأرض- . و استراح قوم إلى الفتن- أی صبا قوم من شیعتنا- و أولیائنا إلى هذه الفئه- و استراحوا إلى ضلالها و فتنتها و اتبعوها- . و اشتالوا عن لقاح حربهم- أی رفعوا أیدیهم و سیوفهم- عن أن یشبوا الحرب بینهم و بین هذه الفئه- مهادنه لها و سلما و کراهیه للقتال- یقال شال فلان کذا أی رفعه و اشتال افتعل هو فی نفسه- کقولک حجم زید عمرا و احتجم هو نفسه- و لقاح حربهم هو بفتح اللام مصدر من لقحت الناقه- .

قوله لم یمنوا هذا جواب قوله حتى إذا- و الضمیر فی یمنوا راجع إلى‏العارفین- الذین تقدم ذکرهم فی الفصل السابق ذکره- یقول حتى إذا ألقى هؤلاء السلام إلى هذه الفئه عجزا عن القتال- و استراحوا من منابذتهم- بدخولهم فی ضلالتهم و فتنتهم- إما تقیه منهم أو لشبهه دخلت علیهم- أنهض الله تعالى هؤلاء العارفین الشجعان- الذین خصهم بحکمته- و أطلعهم على أسرار ملکوته فنهضوا- و لم یمنوا على الله تعالى بصبرهم- و لم یستعظموا أن یبذلوا فی الحق نفوسهم- قال حتى إذا وافق قضاء الله تعالى و قدره- کی ینهض هؤلاء بقضاء الله و قدره- فی انقضاء مده تلک الفئه- و ارتفاع ما کان شمل الخلق من البلاء بملکها و إمرتها- حمل هؤلاء العارفون بصائرهم على أسیافهم- و هذا معنى لطیف- یعنی أنهم أظهروا بصائرهم و عقائدهم و قلوبهم للناس- و کشفوها و جردوها من أجفانها- مع تجرید السیوف من أجفانها- فکأنها شی‏ء محمول على السیوف یبصره من یبصر السیوف- و لا ریب أن السیوف المجرده من أجلى الأجسام للأبصار- فکذلک ما یکون محمولا علیها- و من الناس من فسر هذا الکلام فقال- أراد بالبصائر جمع بصیره و هو الدم- فکأنه أراد طلبوا ثأرهم- و الدماء التی سفکتها هذه الفئه- و کأن تلک الدماء المطلوب ثأرها- محموله على أسیافهم التی جردوها للحرب- و هذا اللفظ قد قاله بعض الشعراء المتقدمین بعینه-

راحوا بصائرهم على أکتافهم
و بصیرتی یعدو بها عتد وأى‏

و فسره أبو عمرو بن العلاء فقال- یرید أنهم ترکوا دم أبیهم و جعلوه خلفهم- أی لم یثأروا به و أنا طلبت ثأری- و کان أبو عبیده معمر بن المثنى یقول فی هذا البیت- البصیره الترس أو الدرع و یرویه حملوا بصائرهم‏:

حَتَّى إِذَا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ رَجَعَ قَوْمٌ عَلَى الْأَعْقَابِ- وَ غَالَتْهُمُ السُّبُلُ وَ اتَّکَلُوا عَلَى الْوَلَائِجِ- وَ وَصَلُوا غَیْرَ الرَّحِمِ- وَ هَجَرُوا السَّبَبَ الَّذِی أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ- وَ نَقَلُوا الْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهِ فَبَنَوْهُ فِی غَیْرِ مَوْضِعِهِ- مَعَادِنُ کُلِّ خَطِیئَهٍ وَ أَبْوَابُ کُلِّ ضَارِبٍ فِی غَمْرَهٍ- قَدْ مَارُوا فِی الْحَیْرَهِ وَ ذَهَلُوا فِی السَّکْرَهِ- عَلَى سُنَّهٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ- مِنْ مُنْقَطِعٍ إِلَى الدُّنْیَا رَاکِنٍ- أَوْ مُفَارِقٍ لِلدِّینِ مُبَایِنٍ رجعوا على الأعقاب ترکوا ما کانوا علیه- قال سبحانه وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللَّهَ شَیْئاً- . و غالتهم السبل أهلکهم اختلاف الآراء و الأهواء- غاله کذا أی أهلکه و السبل الطرق- .

و الولائج جمع ولیجه- و هی البطانه یتخذها الإنسان لنفسه- قال سبحانه وَ لَمْ یَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ- وَ لَا الْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَهً- . و وصلوا غیر الرحم أی غیر رحم رسول الله ص- فذکرها ع‏ذکرا مطلقا غیر مضاف للعلم بها- کما یقول القائل أهل البیت- فیعلم السامع أنه أراد أهل بیت الرسول- . و هجروا السبب یعنی أهل البیت أیضا- و هذه إشاره إلىقول النبی ص خلفت فیکم الثقلین کتاب الله و عترتی أهل بیتی- حبلان ممدودان من السماء إلى الأرض- لا یفترقان حتى یردا علی الحوض- فعبر أمیر المؤمنین عن أهل البیت بلفظ السبب- لما کان النبی ص قال حبلان- و السبب فی اللغه الحبل- .

عنى بقوله أمروا بمودته قول الله تعالى- قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّهَ فِی الْقُرْبى‏- . قوله و نقلوا البناء عن رص أساسه- الرص مصدر رصصت الشی‏ء أرصه أی ألصقت بعضه ببعض- و منه قوله تعالى کَأَنَّهُمْ بُنْیانٌ مَرْصُوصٌ- و تراص القوم فی الصف أی تلاصقوا- فبنوه فی غیر موضعه- و نقلوا الأمر عن أهله إلى غیر أهله- .

ثم ذمهم ع و قال- إنهم معادن کل خطیئه و أبواب کل ضارب فی غمره- الغمره الضلال و الجهل- و الضارب فیها الداخل المعتقد لها- . قد ماروا فی الحیره مار یمور إذا ذهب و جاء- فکأنهم یسبحون فی الحیره کما یسبح الإنسان فی الماء- . و ذهل فلان بالفتح یذهل- على سنه من آل فرعون أی على طریقه و آل فرعون أتباعه- قال تعالى أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ-من منقطع إلى الدنیا لا هم له غیرها- راکن مخلد إلیها- قال الله تعالى وَ لا تَرْکَنُوا إِلَى الَّذِینَ ظَلَمُوا- أو مفارق للدین مباین مزایل- . فإن قلت أی فرق بین الرجلین- و هل یکون المنقطع إلى الدنیا إلا مفارقا للدین- قلت قد یکون فی أهل الضلال- من هو مفارق للدین مباین- و لیس براکن إلى الدنیا و لا منقطع إلیها- کما نرى کثیرا من أحبار النصارى و رهبانهم- .

فإن قلت أ لیس هذا الفصل صریحا فی تحقیق مذهب الإمامیه- قلت لا بل نحمله على أنه عنى ع- أعداءه الذین حاربوه من قریش و غیرهم من أفناء العرب- فی أیام صفین و هم الذین نقلوا البناء- و هجروا السبب و وصلوا غیر الرحم- و اتکلوا على الولائج و غالتهم السبل- و رجعوا على الأعقاب کعمرو بن العاص- و المغیره بن شعبه و مروان بن الحکم- و الولید بن عقبه و حبیب بن مسلمه- و بسر بن أرطاه و عبد الله بن الزبیر- و سعید بن العاص و حوشب و ذی الکلاع- و شرحبیل بن السمط و أبی الأعور السلمی- و غیرهم ممن تقدم ذکرنا له- فی الفصول المتعلقه بصفین و أخبارها- فإن هؤلاء نقلوا الإمامه عنه ع إلى معاویه- فنقلوا البناء عن رص أصله إلى غیر موضعه- .

فإن قلت لفظ الفصل یشهد بخلاف ما تأولته- لأنه قال ع حتى إذا قبض الله رسوله رجع قوم على الأعقاب- فجعل رجوعهم على الأعقاب عقیب قبض الرسول ص- و ما ذکرته أنت کان بعد قبض الرسول بنیف و عشرین سنه- . قلت لیس یمتنع أن یکون هؤلاء المذکورون رجعوا على الأعقاب- لما مات رسول الله ص- و أضمروا فی أنفسهم مشاقه أمیر المؤمنین و أذاه- و قد کان فیهم من‏ یتحکک به- فی أیام أبی بکر و عمر و عثمان- و یتعرض له- و لم یکن أحد منهم و لا من غیرهم یقدم على ذلک- فی حیاه رسول الله- و لا یمتنع أیضا أن یرید برجوعهم على الأعقاب- ارتدادهم عن الإسلام بالکلیه- فإن کثیرا من أصحابنا- یطعنون فی إیمان بعض من ذکرناه- و یعدونهم من المنافقین- و قد کان سیف رسول الله ص یقمعهم- و یردعهم عن إظهار ما فی أنفسهم من النفاق- فأظهر قوم منهم بعده ما کانوا یضمرونه من ذلک- خصوصا فیما یتعلق بأمیر المؤمنین الذی ورد فی حقه- ما کنا نعرف المنافقین على عهد رسول الله- إلا ببغض علی بن أبی طالب- و هو خبر محقق مذکور فی الصحاح- .

فإن قلت یمنعک من هذا التأویل قوله- و نقلوا البناء عن رص أساسه فجعلوه فی غیر موضعه- و ذلک لأن إذا ظرف- و العامل فیها قوله رجع قوم على الأعقاب- و قد عطف علیه قوله و نقلوا البناء- فإذا کان الرجوع على الأعقاب واقعا فی الظرف المذکور- و هو وقت قبض الرسول- وجب أن یکون نقل البناء إلى غیر موضعه- واقعا فی ذلک الوقت أیضا- لأن أحد الفعلین معطوف على الآخر- و لم ینقل أحد وقت قبض الرسول ص- البناء إلى معاویه عن أمیر المؤمنین ع- و إنما نقل عنه إلى شخص آخر- و فی إعطاء العطف حقه إثبات مذهب الإمامیه صریحا- .

قلت إذا کان الرجوع على الأعقاب واقعا وقت قبض النبی ص- فقد قمنا بما یجب من وجود عامل فی الظرف- و لا یجب أن یکون نقل البناء إلى غیر موضعه واقعا- فی تلک الحال أیضا- بل یجوز أن یکون واقعا فی زمان آخر- إما بأن تکون الواو للاستئناف لا للعطف- أو بأن تکون للعطف فی مطلق الحدث- لا فی وقوع الحدث فی عین ذلک الزمان المخصوص- کقوله تعالى حَتَّى إِذا أَتَیا أَهْلَ قَرْیَهٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها- فَأَبَوْا أَنْ‏یُضَیِّفُوهُما فَوَجَدا فِیها جِداراً- یُرِیدُ أَنْ یَنْقَضَّ فَأَقامَهُ- فالعامل فی الظرف استطعما- و یجب أن یکون استطعامهما- وقت إتیانهما أهلها لا محاله- و لا یجب أن تکون جمیع الأفعال المذکوره المعطوفه واقعه- حال الإتیان أیضا- أ لا ترى أن من جملتها فأقامه- و لم یکن إقامه الجدار حال إتیانهما القریه- بل متراخیا عنه بزمان ما- اللهم إلا أن یقول قائل أشار بیده إلى الجدار فقام- أو قال له قم فقام- لأنه لا یمکن أن یجعل إقامه الجدار مقارنا للإتیان- إلا على هذا الوجه- و هذا لم یکن و لا قاله مفسر- و لو کان قد وقع على هذا الوجه لما قال له- لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَیْهِ أَجْراً- لأن الأجر إنما یکون على اعتمال عمل فیه مشقه- و إنما یکون فیه مشقه إذا بناه بیده- و باشره بجوارحه و أعضائه- .

و اعلم أنا نحمل کلام أمیر المؤمنین ع- على ما یقتضیه سؤدده الجلیل- و منصبه العظیم و دینه القویم- من الإغضاء عما سلف ممن سلف- فقد کان صاحبهم بالمعروف برهه من الدهر- فإما أن یکون ما کانوا فیه حقهم أو حقه- فترکه لهم رفعا لنفسه عن المنازعه- أو لما رآه من المصلحه- و على کلا التقدیرین فالواجب علینا- أن نطبق بین آخر أفعاله و أقواله بالنسبه إلیهم و بین أولها- فإن بعد تأویل ما یتأوله من کلامه- لیس بأبعد من تأویل أهل التوحید و العدل- الآیات المتشابهه فی القرآن- و لم یمنع بعدها من الخوض فی تأویلها- محافظه على الأصول المقرره فکذلک هاهنا

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۶۵

خطبه ۱۴۹ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(قبل موته)

۱۴۹ و من کلام له ع قبل موته

أَیُّهَا النَّاسُ- کُلُّ امْرِئٍ لَاقٍ مَا یَفِرُّ مِنْهُ فِی فِرَارِهِ- الْأَجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ وَ الْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ- کَمْ أَطْرَدْتُ الْأَیَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَکْنُونِ هَذَا الْأَمْرِ- فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا إِخْفَاءَهُ هَیْهَاتَ عِلْمٌ مَخْزُونٌ- أَمَّا وَصِیَّتِی فَاللَّهَ لَا تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئاً- وَ مُحَمَّداً ص فَلَا تُضَیِّعُوا سُنَّتَهُ- أَقِیمُوا هَذَیْنِ الْعَمُودَیْنِ- وَ أَوْقِدُوا هَذَیْنِ الْمِصْبَاحَیْنِ- وَ خَلَاکُمْ ذَمٌّ مَا لَمْ تَشْرُدُوا- حُمِّلَ کُلُّ امْرِئٍ مِنْکُمْ مَجْهُودَهُ- وَ خُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَهِ- رَبٌّ رَحِیمٌ وَ دِینٌ قَوِیمٌ وَ إِمَامٌ عَلِیمٌ- أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُکُمْ- وَ أَنَا الْیَوْمَ عِبْرَهٌ لَکُمْ وَ غَداً مُفَارِقُکُمْ- غَفَرَ اللَّهُ لِی وَ لَکُمْ- إِنْ ثَبَتَتِ الْوَطْأَهُ فِی هَذِهِ الْمَزَلَّهِ فَذَاکَ- وَ إِنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ فَإِنَّا کُنَّا فِی أَفْیَاءِ أَغْصَانٍ- وَ مَهَبِّ رِیَاحٍ وَ تَحْتَ ظِلِّ غَمَامٍ- اضْمَحَلَّ فِی الْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا وَ عَفَا فِی الْأَرْضِ مَخَطُّهَا- وَ إِنَّمَا کُنْتُ جَاراً جَاوَرَکُمْ بَدَنِی أَیَّاماً- وَ سَتُعْقَبُونَ مِنِّی جُثَّهً خَلَاءً- سَاکِنَهً بَعْدَ حَرَاکٍ وَ صَامِتَهً بَعْدَ نُطْقٍ- لِیَعِظَکُمْ هُدُوئِی وَ خُفُوتُ إِطْرَاقِی وَ سُکُونُ أَطْرَافِی- فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لِلْمُعْتَبِرِینَ مِنَ الْمَنْطِقِ الْبَلِیغِ- وَ الْقَوْلِ الْمَسْمُوعِ-وَدَاعِی لَکُمْ وَدَاعُ امْرِئٍ مُرْصِدٍ لِلتَّلَاقِی- غَداً تَرَوْنَ أَیَّامِی وَ یَکْشِفُ لَکُمْ عَنْ سَرَائِرِی- وَ تَعْرِفُونَنِی بَعْدَ خُلُوِّ مَکَانِی وَ قِیَامِ غَیْرِی مَقَامِی أطردت الرجل إذا أمرت بإخراجه و طرده- و طردته إذا نفیته و أخرجته- فالإطراد أدل على العز و القهر من الطرد- و کأنه ع جعل الأیام أشخاصا یأمر بإخراجهم و إبعادهم عنه- أی ما زلت أبحث عن کیفیه قتلی- و أی وقت یکون بعینه- و فی أی أرض یکون یوما یوما- فإذا لم أجده فی الیوم أطردته و استقبلت غده- فأبحث فیه أیضا فلا أعلم فأبعده و أطرده- و أستأنف یوما آخر هکذا حتى وقع المقدور- و هذا الکلام یدل على أنه لم یکن یعرف حال قتله- معرفه مفصله من جمیع الوجوه- و أن رسول الله ص أعلمه بذلک علما مجملا- لأنه قد ثبت-أنه ص قال له ستضرب على هذه و أشار إلى هامته- فتخضب منها هذه و أشار إلى لحیته- و ثبتأنه ص قال له أ تعلم من أشقى الأولین قال نعم عاقر الناقه- فقال له أ تعلم من أشقى الآخرین قال لا- قال من یضربک هاهنا فیخضب هذه- .

و کلام أمیر المؤمنین ع- یدل على أنه بعد ضرب ابن ملجم له- لا یقطع على أنه یموت من ضربته أ لا تراه یقول- إن ثبتت الوطأه فی هذه المزله فذاک- و إن تدحض فإنما کنا فی أفیاء أغصان- و مهاب ریاح أی إن سلمت فذاک الذی تطلبونه- یخاطب أهله و أولاده- و لا ینبغی أن یقال فذاک ما أطلبه- لأنه ع کان یطلب الآخرهأکثر من الدنیا- و فی کلامه المنقول عنه ما یؤکد ما قلناه- و هو قوله إن عشت فأنا ولی دمی و إن مت فضربه بضربه- .

و لیس قوله ع- و أنا الیوم عبره لکم و غدا مفارقکم- و ما یجری مجراه من ألفاظ الفصل بناقض لما قلناه- و ذلک لأنه لا یعنی غدا بعینه بل ما یستقبل من الزمان- کما یقول الإنسان الصحیح أنا غدا میت- فما لی أحرص على الدنیا- و لأن الإنسان قد یقول فی مرضه الشدید لأهله و ولده- ودعتکم و أنا مفارقکم و سوف یخلو منزلی منی- و تتأسفون على فراقی و تعرفون موضعی بعدی- کله على غلبه الظن- و قد یقصد الصالحون به العظه و الاعتبار- و جذب السامعین إلى جانب التقوى- و ردعهم عن الهوى و حب الدنیا- . فإن قلت فما تصنع بقوله ع لابن ملجم-

أرید حباءه و یرید قتلی
عذیرک من خلیلک من مراد

و قول الخلص من شیعته فهلا تقتله- فقال فکیف أقتل قاتلی- و تاره قال إنه لم یقتلنی فکیف أقتل من لم یقتل- و کیف قال فی البط الصائح خلفه فی المسجد لیله ضربه ابن ملجم-

دعوهن فإنهن نوائح
و کیف قال تلک اللیله

إنی رأیت رسول الله ص فشکوت إلیه و قلت- ما لقیت من أمتک من الأود و اللدد- فقال ادع الله علیهم- فقلت اللهم أبدلنی بهم خیرا منهم- و أبدلهم بی شرا منی- و کیف قال إنی لا أقتل محاربا و إنما أقتل فتکا و غیله- یقتلنی رجل خامل الذکر- . و قد جاء عنه ع من هذا الباب آثار کثیره- . قلت کل هذا لا یدل على أنه کان یعلم الأمر- مفصلا من جمیع الوجوه- أ لا ترى أنه‏لیس فی الأخبار و الآثار- ما یدل على الوقت الذی یقتل فیه بعینه- و لا على المکان الذی یقتل فیه بعینه- و أما ابن ملجم- فمن الجائز أن یکون علم أنه هو الذی یقتله- و لم یعلم علما محققا- أن هذه الضربه تزهق نفسه الشریفه منها- بل قد کان یجوز أن یبل و یفیق منها- ثم یکون قتله فیما بعد على ید ابن ملجم- و إن طال الأمد- و لیس هذا بمستحیل و قد وقع مثله- فإن عبد الملک جرح عمرو بن سعید الأشدق- فی أیام معاویه على منافره کانت بینهما فعفا عمرو عنه- ثم کان من القضاء و القدر- أن عبد الملک قتل عمرا أیضا بیده ذبحا- کما تذبح الشاه- .

و أما قوله فی البط دعوهن فإنهن نوائح- فلعله علم أنه تلک اللیله یصاب و یجرح- و إن لم یعلم أنه یموت منه- و النوائح قد ینحن على المقتول- و قد ینحن على المجروح- و المنام و الدعاء لا یدل على العلم بالوقت بعینه- و لا یدل على أن إجابه دعائه- تکون على الفور لا محاله- . ثم نعود إلى الشرح- أما قوله کل امرئ لاق ما یفر منه فی فراره- أی إذا کان مقدورا- و إلا فقد رأینا من یفر من الشی‏ء و یسلم لأنه لم یقدر- و هذا من قوله تعالى- وَ لَوْ کُنْتُمْ فِی بُرُوجٍ مُشَیَّدَهٍ- و قوله لَبَرَزَ الَّذِینَ کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلى‏ مَضاجِعِهِمْ- و من قوله تعالى- قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِی تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِیکُمْ- و فی القرآن العزیز مثل هذا کثیر- . قوله و الأجل مساق النفس- أی الأمر الذی تساق إلیه و تنتهی عنده- و تقف إذا بلغته فلا یبقى له حینئذ أکله فی الدنیا- .

قوله و الهرب منه موافاته- هذا کلام خارج مخرج المبالغه فی عدم النجاه- و کون الفرار غیر مغن و لا عاصم من الموت- یقول الهرب بعینه من الموت موافاه للموت- أی إتیان إلیه- کأنه لم یرتض بأن یقول- الهارب لا بد أن ینتهی إلى الموت- بل جعل نفس الهرب هو ملاقاه الموت- .

قوله أبحثها أی أکشفها- و أکثر ما یستعمل بحث معدى بحرف الجر- و قد عداه هاهنا إلى الأیام بنفسه- و إلى مکنون الأمر بحرف الجر- و قد جاء بحثت الدجاجه التراب أی نبشته- . قوله فأبى الله إلا إخفاءه هیهات علم مخزون- تقدیره هیهات ذلک مبتدأ و خبره هیهات اسم للفعل- معناها بعد أی علم هذا العیب علم مخزون مصون- لم أطلع علیه- . فإن قلت ما معنى قوله کم أطردت الأیام أبحثها- و هل علم الإنسان بموته کیف یکون- و فی أی وقت یکون و فی أی أرض یکون- مما یمکن استدراکه بالنظر و الفکر و البحث- . قلت مراده ع أنی کنت فی أیام رسول الله ص- أسأله کثیرا عن هذا الغیب- فما أنبأنی منه إلا بأمور إجمالیه غیر مفصله- و لم یأذن الله تعالى فی اطلاعی على تفاصیل ذلک- . قوله فالله لا تشرکوا به شیئا- الروایه المشهوره فالله بالنصب- و کذلک محمدا بتقدیر فعل- لأن الوصیه تستدعی الفعل بعدها أی وحدوا الله- و قد روی بالرفع و هو جائز على المبتدأ و الخبر- .

قوله أقیموا هذین العمودین- و أوقدوا هذین المصباحین- و خلاکم ذم ما لم تشردوا- کلام داخل فی باب الاستعاره- شبه الکتاب و السنه بعمودی الخیمه- و بمصباحین‏یستضاء بهما- و خلاکم ذم کلمه جاریه مجرى المثل- معناها و لا ذم علیکم فقد أعذرتم- و ذم مرفوع بالفاعلیه معناه عداکم و سقط عنکم- .

فإن قلت إذا لم یشرکوا بالله- و لم یضیعوا سنه محمد ص فقد قاموا بکل ما یجب- و انتهوا عن کل ما یقبح- فأی حاجه له إلى أن یستثنی و یقول ما لم تشردوا- و إنما کان یحتاج إلى هذه اللفظه لو قال- وصیتی إلیکم أن توحدوا الله- و تؤمنوا بنبوه محمد ص- کان حینئذ یحتاج إلى قوله ما لم تشردوا- و یکون مراده بها فعل الواجبات و تجنب المقبحات- لأنه لیس فی الإقرار بالوحدانیه و الرساله العمل- بل العمل خارج عن ذلک- فوجب إذا أوصى أن یوصی بالاعتقاد و العمل- کما قال عمر لأبی بکر فی واقعه أهل الرده- کیف تقاتلهم و هم مقرون بالشهادتین- وقد قال رسول الله ص أمرت بأن أقاتل الناس- حتى یقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله- فقال أبو بکر إنه قال تتمه هذا- فإذا هم قالوها- عصموا منی دماءهم و أموالهم إلا بحقها- و أداء الزکاه من حقها- .

قلت مراده بقوله ما لم تشردوا- ما لم ترجعوا عن ذلک فکأنه قال- خلاکم ذم إن وحدتم الله و اتبعتم سنه رسوله- و دمتم على ذلک و لا شبهه أن هذا الکلام منتظم- و أن اللفظتین الأولیین- لیستا بمغنیتین عن اللفظه الثالثه- و بتقدیر أن یغنیا عنه- فإن فی ذکره مزید تأکید- و إیضاح غیر موجودین لو لم یذکر- و هذا کقوله تعالى- وَ مَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَخْشَ اللَّهَ وَ یَتَّقْهِ- فَأُولئِکَ هُمُ الْفائِزُونَ- و لیس لقائل أن یقول- من لا یخشى الله لا یکون مطیعا لله و الرسول- و أی حاجه به إلى ذکر ما قد أغنى اللفظ الأول عنه- قوله حمل کل امرئ مجهوده و خفف عن الجهله- هذا کلام متصل بما قبله-لأنه لما قال ما لم تشردوا- أنبأ عن تکلیفهم کل ما وردت به السنه النبویه- و أن یدوموا علیه- و هذا فی الظاهر تکلیف أمور شاقه- فاستدرک بکلام یدل على التخفیف فقال- إن التکالیف على قدر المکلفین- فالعلماء تکلیفهم غیر تکلیف العامه- و أرباب الجهل و المبادئ- کالنساء و أهل البادیه و طوائف من الناس- الغالب علیهم البلاده و قله الفهم- کأقاصی الحبشه و الترک و نحوهم- و هؤلاء عند المکلفین غیر مکلفین- إلا بحمل التوحید و العدل- بخلاف العلماء الذین تکلیفهم الأمور المفصله- و حل المشکلات الغامضه- و قد روی حمل على صیغه الماضی و مجهوده بالنصب- و خفف على صیغه الماضی أیضا- و یکون الفاعل هو الله تعالى المقدم ذکره- و الروایه الأولى أکثر و ألیق- .

ثم قال رب رحیم أی ربکم رب رحیم- و دین قویم أی مستقیم- و إمام علیم یعنی رسول الله ص- و من الناس من یجعل رب رحیم فاعل خفف- على روایه من رواها فعلا ماضیا و لیس بمستحسن- لأن عطف الدین علیه یقتضی أن یکون الدین أیضا مخففا- و هذا لا یصح- . ثم دعا لنفسه و لهم بالغفران- . ثم قسم الأیام الماضیه و الحاضره- و المستقبله قسمه حسنه- فقال أنا بالأمس صاحبکم و أنا الیوم عبره لکم- و غدا مفارقکم- إنما کان عبره لهم لأنهم یرونه بین أیدیهم- ملقى صریعا بعد أن صرع الأبطال- و قتل الأقران فهو کما قال الشاعر-

أکال أشلاء الفوارس بالقنا
أضحى بهن و شلوه مأکول‏

 و یقال دحضت قدم فلان أی زلت و زلقت- . ثم شبه وجوده فی الدنیا بأفیاء الأغصان- و مهاب الریاح و ظلال الغمام- لأن ذلک کله سریع الانقضاء لا ثبات له- .

قوله اضمحل فی الجو متلفقها و عفا فی الأرض مخطها- اضمحل ذهب و المیم زائده- و منه الضحل و هو الماء القلیل- و اضمحل السحاب تقشع و ذهب- و فی لغه الکلابیین امضحل الشی‏ء بتقدیم المیم- و متلفقها مجتمعها أی ما اجتمع من الغیوم فی الجو- و التلفیق الجمع و عفا درس- و مخطها أثرها کالخطه- . قوله و إنما کنت جارا جاورکم بدنی أیاما- فی هذا الکلام- إشعار بما یذهب إلیه أکثر العقلاء من أمر النفس- و أن هویه الإنسان شی‏ء غیر هذا البدن- .

و قوله ستعقبون منی- أی إنما تجدون عقیب فقدی جثه- یعنی بدنا خلاء أی لا روح فیه- بل قد أقفر من تلک المعانی التی کنتم تعرفونها- و هی العقل و النطق و القوه و غیر ذلک- ثم وصف تلک الجثه فقال- ساکنه بعد حراک بالفتح أی بعد حرکه- و صامته بعد نطق- و هذا الکلام أیضا یشعر بما قلناه من أمر النفس- بل یصرح بذلک أ لا تراه قال ستعقبون منی جثه- أی تستبدلون بی جثه صفتها کذا- و تلک الجثه جثته ع- و محال أن یکون العوض و المعوض عنه واحدا- فدل على أن هویته ع- التی أعقبنا منها الجنه غیر الجثه- . قوله لیعظکم هدوی أی سکونی- و خفوت إطراقی مثله خفت خفوتا سکن- و خفت خفاتا مات فجأه- و إطراقه إرخاؤه عینیه ینظر إلى الأرض- لضعفه عن رفع جفنه- و سکون أطرافه یداه و رجلاه و رأسه ع- .

قال فإنه أوعظ للمعتبرین من المنطق البلیغ- و القول المسموع و صدق ع- فإن خطبا أخرس ذلک اللسان- و هد تلک القوى لخطب جلیل- و یجب أن یتعظ العقلاء به- و ما عسى یبلغ قول الواعظین- بالإضافه إلى من شاهد تلک الحال- بل بالإضافه إلى من سمعها و أفکر فیها- فضلا عن مشاهدتها عیانا- و فی هذا الکلام شبه من کلام الحکماء- الذین تکلموا عند تابوت الإسکندر- فقال أحدهم حرکنا بسکونه-و قال الآخر قد کان سیفک لا یجف- و کانت مراقیک لا ترام و کانت نقماتک لا تؤمن- و کانت عطایاک یفرح بها- و کان ضیاؤک لا ینکشف فأصبح ضوؤک قد خمد- و أصبحت نقماتک لا تخشى- و عطایاک لا ترجى- و مراقیک لا تمنع و سیفک لا یقطع- .

و قال الآخر انظروا إلى حلم المنام کیف انجلى- و إلى ظل الغمام کیف انسلى- و قال آخر ما کان أحوجه إلى هذا الحلم- و إلى هذا الصبر و السکون أیام حیاته- و قال آخر- القدره العظیمه التی ملأت الدنیا العریضه الطویله- طویت فی ذراعین- . و قال الآخر- أصبح آسر الأسراء أسیرا و قاهر الملوک مقهورا- کان بالأمس مالکا فصار الیوم هالکا- . ثم قال ع- ودعتکم وداع امرئ مرصد للتلاقی- أرصدته لکذا أی أعددته له- و فی الحدیث إلا أن أرصده لدین علی- و التلاقی هاهنا لقاء الله- و یروى وداعیکم أی وداعی إیاکم- و الوداع مفتوح الواو- . ثم قال غدا ترون أیامی و یکشف لکم عن سرائری- و تعرفوننی بعد خلو مکانی و قیام غیری مقامی- هذا معنى قد تداوله الناس قدیما و حدیثا- قال أبو تمام

راحت وفود الأرض عن قبره
فارغه الأیدی ملاء القلوب‏

قد علمت ما رزئت إنما
یعرف قدر الشمس بعد الغروب‏

و قال أبو الطیب

و نذمهم و بهم عرفنا فضله
و بضدها تتبین الأشیاء

و من أمثالهمالضد یظهر حسنه الضد- . و منها أیضا لو لا مراره المرض لم تعرف حلاوه العافیه- . و إنما قال ع و یکشف لکم عن سرائری- لأنهم بعد فقده و موته یظهر لهم- و یثبت عندهم إذا رأوا و شاهدوا إمره من بعده- أنه إنما کان یرید بتلک الحروب العظیمه وجه الله تعالى- و ألا یظهر المنکر فی الأرض- و إن ظن قوم فی حیاته أنه کان یرید الملک و الدنیا

بازدیدها: ۱۳۹

خطبه ۱۴۸ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(فی ذکر أهل البصره)

۱۴۸ و من کلام له ع فی ذکر أهل البصره

کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا یَرْجُو الْأَمْرَ لَهُ- وَ یَعْطِفُهُ عَلَیْهِ دُونَ صَاحِبِهِ- لَا یَمُتَّانِ إِلَى اللَّهِ بِحَبْلٍ- وَ لَا یَمُدَّانِ إِلَیْهِ بِسَبَبٍ- کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبٍّ لِصَاحِبِهِ- وَ عَمَّا قَلِیلٍ یَکْشِفُ قِنَاعَهُ بِهِ- وَ اللَّهِ لَئِنْ أَصَابُوا الَّذِی یُرِیدُونَ- لَیَنْتَزِعَنَّ هَذَا نَفْسَ هَذَا- وَ لَیَأْتِیَنَّ هَذَا عَلَى هَذَا- قَدْ قَامَتِ الْفِئَهُ الْبَاغِیَهُ فَأَیْنَ الْمُحْتَسِبُونَ- قَدْ سُنَّتَ لَهُمُ السُّنَنُ وَ قُدِّمَ لَهُمُ الْخَبَرُ- وَ لِکُلِّ ضَلَّهٍ عِلَّهٌ وَ لِکُلِّ نَاکِثٍ شُبْهَهٌ- وَ اللَّهِ لَا أَکُونُ کَمُسْتَمِعِ اللَّدْمِ- یَسْمَعُ النَّاعِیَ وَ یَحْضُرُ الْبَاکِیَ ثُمَّ لَا یَعْتَبِرُ ضمیر التثنیه راجع إلى طلحه و الزبیر رضی الله عنهما- و یمتان یتوسلان الماضی ثلاثی مت یمت بالضم- و الضب الحقد- و المحتسبون طالبو الحسبه و هی الأجر- و مستمع اللدم کنایه عن الضبع- تسمع وقع الحجر بباب جحرها من ید الصائد- فتنخذل و تکف‏ جوارحها إلیها- حتى یدخل علیها فیربطها- یقول لا أکون مقرا بالضیم راغنا- أسمع الناعی المخبر عن قتل عسکر الجمل لحکیم بن جبله و أتباعه- فلا یکون عندی من التغییر و الإنکار لذلک- إلا أن أسمعه و أحضر الباکین على قتلاهم- .

و قوله لکل ضله عله و لکل ناکث شبهه- هو جواب سؤال مقدر کأنه یقول- إن قیل لأی سبب خرج هؤلاء- فإنه لا بد أن یکون لهم تأویل فی خروجهم- و قد قیل إنهم یطالبون بدم عثمان- فهو ع قال کل ضلاله فلا بد لها من عله اقتضتها- و کل ناکث فلا بد له من شبهه یستند إلیها- .

و قوله لینتزعن هذا نفس هذا- قول صحیح لا ریب فیه- لأن الرئاسه لا یمکن أن یدبرها اثنان معا- فلو صح لهما ما أراداه لوثب أحدهما على الآخر فقتله- فإن الملک عقیم- و قد ذکر أرباب السیره- أن الرجلین اختلفا من قبل وقوع الحرب- فإنهما اختلفا فی الصلاه- فأقامت عائشه محمد بن طلحه و عبد الله بن الزبیر- یصلی هذا یوما و هذا یوما إلى أن تنقضی الحرب- . ثم إن عبد الله بن الزبیر- ادعى أن عثمان نص علیه بالخلافه یوم الدار- و احتج فی ذلک بأنه استخلفه على الصلاه- و احتج تاره أخرى بنص صریح زعمه و ادعاه- و طلب طلحه من عائشه أن یسلم الناس علیه بالإمره- و أدلى إلیها بالتیمیه- و أدلى الزبیر إلیها بأسماء أختها- فأمرت الناس أن یسلموا علیهما معا بالإمره- . و اختلفا فی تولی القتال فطلبه کل منهما أولا- ثم نکل کل منهما عنه و تفادى منه- و قد ذکرنا فی الأجزاء المتقدمه- قطعه صالحه من أخبار الجمل‏

من أخبار یوم الجمل

وروى أبو مخنف قال لما تزاحف الناس یوم الجمل و التقوا- قال علی ع لأصحابه لا یرمین رجل منکم بسهم- و لا یطعن أحدکم فیهم برمح حتى أحدث إلیکم- و حتى یبدءوکم بالقتال و بالقتل- فرمى أصحاب الجمل عسکر علی ع بالنبل- رمیا شدیدا متتابعا- فضج إلیه أصحابه و قالوا- عقرتنا سهامهم یا أمیر المؤمنین- و جی‏ء برجل إلیه و إنه لفی فسطاط له صغیر- فقیل له هذا فلان قد قتل- فقال اللهم اشهد ثم قال أعذروا إلى القوم- فأتی برجل آخر فقیل و هذا قد قتل- فقال اللهم اشهد أعذروا إلى القوم- ثم أقبل عبد الله بن بدیل بن ورقاء الخزاعی- و هو من أصحاب رسول الله ص یحمل أخاه عبد الرحمن بن بدیل- قد أصابه سهم فقتله فوضعه بین یدی علی ع و قال- یا أمیر المؤمنین هذا أخی قد قتل- فعند ذلک استرجع علی ع- و دعا بدرع رسول الله ص ذات الفضول فلبسها- فتدلت بطنه فرفعها بیده و قال لبعض أهله- فحزم وسطه بعمامه و تقلد ذا الفقار- و دفع إلى ابنه محمد رایه رسول الله ص السوداء- و تعرف بالعقاب- و قال لحسن و حسین ع- إنما دفعت الرایه إلى أخیکما- و ترکتکما لمکانکما من رسول الله ص- .

قال أبو مخنف و طاف علی ع على أصحابه- و هو یقرأ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّهَ- وَ لَمَّا یَأْتِکُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ- مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ- وَ زُلْزِلُوا حَتَّى یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ- مَتى‏ نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ-ثم قال أفرغ الله علینا و علیکم الصبر- و أعز لنا و لکم النصر- و کان لنا و لکم ظهیرا فی کل أمر- ثم رفع مصحفا بیده فقال- من یأخذ هذا المصحف فیدعوهم إلى ما فیه و له الجنه- فقام غلام شاب اسمه مسلم علیه قباء أبیض- فقال أنا آخذه فنظر إلیه علی و قال- یا فتى إن أخذته فإن یدک الیمنى تقطع- فتأخذه بیدک الیسرى فتقطع- ثم تضرب بالسیف حتى تقتل فقال لا صبر لی على ذلک- فنادى علی ثانیه فقام الغلام و أعاد علیه القول- و أعاد الغلام القول مرارا حتى قال الغلام- أنا آخذه و هذا الذی ذکرت فی الله قلیل فأخذه و انطلق- فلما خالطهم ناداهم هذا کتاب الله بیننا و بینکم- فضربه رجل فقطع یده الیمنى- فتناوله بالیسرى فضربه أخرى فقطع الیسرى- فاحتضنه فضربوه بأسیافهم- حتى قتل
فقالت أم ذریح العبدیه فی ذلک-

یا رب إن مسلما أتاهم
بمصحف أرسله مولاهم‏

للعدل و الإیمان قد دعاهم‏
یتلو کتاب الله لا یخشاهم‏

فخضبوا من دمه ظباهم
و أمهم واقفه تراهم‏
تأمرهم بالغی لا تنهاهم‏

 قال أبو مخنف- فعند ذلک أمر علی ع ولده محمدا أن یحمل الرایه- فحمل و حمل معه الناس- و استحر القتل فی الفریقین و قامت الحرب على ساق

مقتل طلحه و الزبیر

قال فأما طلحه فإن أهل الجمل لما تضعضعوا قال مروان- لا أطلب ثار عثمان من طلحه بعد الیوم- فانتحى له بسهم فأصاب ساقه فقطع أکحله- فجعل الدم یبض فاستدعى من مولى له بغله- فرکبها و أدبر و قال لمولاه ویحک- أ ما من مکان أقدر فیه على النزول فقد قتلنی الدم- فیقول له مولاه انج و إلا لحقک القوم- فقال بالله ما رأیت مصرع شیخ أضیع من مصرعی هذا- حتى انتهى إلى دار من دور البصره فنزلها و مات بها- . و قد روی أنه رمی قبل أن یرمیه مروان- و جرح فی غیر موضع من جسده- .

وروى أبو الحسن المدائنی أن علیا ع مر بطلحه و هو یکید بنفسه فوقف علیه و قال- أما و الله إن کنت لأبغض- أن أراکم مصرعین فی البلاد- و لکن ما حتم واقع ثم تمثل-

و ما تدری إذا أزمعت أمرا
بأی الأرض یدرکک المقیل‏

و ما یدری الفقیر متى غناه‏
و لا یدری الغنی متى یعیل‏

و ما تدری إذا ألقحت شولا
أ تنتج بعد ذلک أم تحیل‏

و أما الزبیر فقتله ابن جرموز غیله بوادی السباع- و هو منصرف عن الحرب نادم على ما فرط منه- و تقدم ذکر کیفیه قتله فیما سبق- . و روى الکلبی قال کان العرق الذی أصابه السهم- إذا أمسکه طلحه بیده استمسک- و إذا رفع یده عنه سال- فقال طلحه هذا سهم أرسله الله تعالى- و کان أمر الله قدرا مقدورا- ما رأیت کالیوم دم قرشی أضیع- .

قال و کان الحسن البصری إذا سمع هذا و حکی له یقول- ذق عقعق- . و روى أبو مخنف عن عبد الله بن عون عن نافع- قال سمعت مروان بن الحکم یقول أنا قتلت طلحه- . و قال أبو مخنف و قد قال عبد الملک بن مروان- لو لا أن أبی أخبرنی أنه رمى طلحه فقتله- ما ترکت تیمیا إلا قتلته بعثمان- قال یعنی أن محمد بن أبی بکر و طلحه قتلاه و کانا تیمیین- .

قال أبو مخنف و حدثنا عبد الرحمن بن جندب- عن أبیه جندب بن عبد الله قال- مررت بطلحه و إن معه عصابه یقاتل بهم- و قد فشت فیهم الجراح و کثرهم الناس- فرأیته جریحا- و السیف فی یده و أصحابه یتصدعون عنه رجلا فرجلا- و اثنین فاثنین و أنا أسمعه و هو یقول- عباد الله الصبر الصبر- فإن بعد الصبر النصر و الأجر-فقلت له النجاء النجاء ثکلتک أمک- فو الله ما أجرت و لا نصرت- و لکنک وزرت و خسرت ثم صحت بأصحابه- فانذعروا عنه و لو شئت أن أطعنه لطعنته- فقلت له أما و الله لو شئت لجدلتک فی هذا الصعید- فقال و الله لهلکت هلاک الدنیا و الآخره إذن- فقلت له و الله لقد أمسیت و إن دمک لحلال- و إنک لمن النادمین فانصرف و معه ثلاثه نفر- و ما أدری کیف کان أمره- إلا أنی أعلم أنه قد هلک- .

و روی أن طلحه قال ذلک الیوم- ما کنت أظن أن هذه الآیه نزلت فینا- وَ اتَّقُوا فِتْنَهً لا تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْکُمْ خَاصَّهً- . و روى المدائنی قال- لما أدبر طلحه و هو جریح یرتاد مکانا ینزله- جعل یقول لمن یمر به من أصحاب علی ع- أنا طلحه من یجیرنی یکررها- قال فکان الحسن البصری إذا ذکر ذلک یقول- لقد کان فی جوار عریض

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۱۶

خطبه ۱۴۷ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۴۷ و من خطبه له ع

فَبَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً ص بِالْحَقِّ- لِیُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَهِ الْأَوْثَانِ إِلَى عِبَادَتِهِ- وَ مِنْ طَاعَهِ الشَّیْطَانِ إِلَى طَاعَتِهِ- بِقُرْآنٍ قَدْ بَیَّنَهُ وَ أَحْکَمَهُ- لِیَعْلَمَ الْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوهُ- وَ لِیُقِرُّوا بِهِ بَعْدَ إِذْ جَحَدُوهُ- وَ لِیُثْبِتُوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْکَرُوهُ- فَتَجَلَّى لَهُمْ سُبْحَانَهُ فِی کِتَابِهِ- مِنْ غَیْرِ أَنْ یَکُونُوا رَأَوْهُ بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ- وَ خَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ- وَ کَیْفَ مَحَقَ مَنْ مَحَقَ بِالْمَثُلَاتِ- وَ احْتَصَدَ مَنِ احْتَصَدَ بِالنَّقِمَاتِ الأوثان جمع وثن و هو الصنم- و یجمع أیضا على وثن مثل أسد و آساد و أسد- و سمی وثنا لانتصابه و بقائه على حال واحده- من قولک وثن فلان بالمکان فهو واثن- و هو الثابت الدائم- . قوله فتجلى سبحانه لهم- أی ظهر من غیر أن یرى بالبصر- بل بما نبههم علیه فی القرآن من قصص الأولین- و ما حل بهم من النقمه عند مخالفه الرسل- . و المثلات بضم الثاء العقوبات- .

فإن قلت ظاهر هذا الکلام- أن الرسول ع بعث إلى الناس لیقروا بالصانع و یثبتوه- و هذا خلاف قول المعتزله- لأن فائده الرساله عندهم- هی إلطاف‏المکلفین بالأحکام الشرعیه المقربه- إلى الواجبات العقلیه- و المبعده من المقبحات العقلیه- و لا مدخل للرسول فی معرفه البارئ سبحانه- لأن العقل یوجبها و إن لم یبعث الرسل- . قلت إن کثیرا من شیوخنا أوجبوا بعثه الرسل- إذا کان فی حثهم المکلفین على ما فی العقول فائده- و هو مذهب شیخنا أبی علی رحمه الله- فلا یمتنع أن یکون إرسال محمد ص إلى العرب و غیرهم- لأن الله تعالى علم أنهم مع تنبیهه إیاهم- على ما هو واجب فی عقولهم من المعرفه- أقرب إلى حصول المعرفه- فحینئذ یکون بعثه لطفا و یستقیم کلام أمیر المؤمنین:

وَ إِنَّهُ سَیَأْتِی عَلَیْکُمْ مِنْ بَعْدِی زَمَانٌ- لَیْسَ فِیهِ شَیْ‏ءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ- وَ لَا أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ- وَ لَا أَکْثَرَ مِنَ الْکَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ- وَ لَیْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِکَ الزَّمَانِ سِلْعَهٌ أَبْوَرَ مِنَ الْکِتَابِ- إِذَا تُلِیَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ- وَ لَا أَنْفَقَ مِنْهُ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ- وَ لَا فِی الْبِلَادِ شَیْ‏ءٌ أَنْکَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ- وَ لَا أَعْرَفَ مِنَ الْمُنْکَرِ- فَقَدْ نَبَذَ الْکِتَابَ حَمَلَتُهُ وَ تَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ- فَالْکِتَابُ یَوْمَئِذٍ وَ أَهْلُهُ طَرِیدَانِ مَنْفِیَّانِ- وَ صَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِی طَرِیقٍ وَاحِدٍ لَا یُؤْوِیهِمَا مُؤْوٍ- فَالْکِتَابُ وَ أَهْلُهُ فِی ذَلِکَ الزَّمَانِ فِی النَّاسِ وَ لَیْسَا فِیهِمْ- وَ مَعَهُمْ وَ لَیْسَا مَعَهُمْ- لِأَنَّ الضَّلَالَهَ لَا تُوَافِقُ الْهُدَى وَ إِنِ اجْتَمَعَا- فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَهِ- وَ افْتَرَقُوا عَنِ الْجَمَاعَهِ کَأَنَّهُمْ أَئِمَّهُ الْکِتَابِ- وَ لَیْسَ الْکِتَابُ إِمَامَهُمْ- فَلَمْ یَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلَّا اسْمُهُ- وَ لَا یَعْرِفُونَ إِلَّا خَطَّهُ وَ زَبْرَهُ- وَ مِنْ قَبْلُ مَا مَثَلُوا بِالصَّالِحِینَ کُلَّ مُثْلَهٍ- وَ سَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اللَّهِ فِرْیَهً وَ جَعَلُوا فِی الْحَسَنَهِ عُقُوبَهَ السَّیِّئَهِ- وَ إِنَّمَا هَلَکَ مَنْ کَانَ قَبْلَکُمْ بِطُولِ آمَالِهِمْ وَ تَغَیُّبِ آجَالِهِمْ- حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ الَّذِی تُرَدُّ عَنْهُ الْمَعْذِرَهُ- وَ تُرْفَعُ عَنْهُ التَّوْبَهُ وَ تَحُلُّ مَعَهُ الْقَارِعَهُ وَ النِّقْمَهُ أخبر ع أنه سیأتی على الناس زمان- من صفته کذا و کذا- و قد رأیناه و رآه من کان قبلنا أیضا- قال شعبه إمام المحدثین تسعه أعشار الحدیث کذب- .

و قال الدارقطنی ما الحدیث الصحیح فی الحدیث- إلا کالشعره البیضاء فی الثور الأسود- و أما غلبه الباطل على الحق حتى یخفى الحق عنده فظاهره- . و أبور أفسد من بار الشی‏ء أی هلک- و السلعه المتاع و نبذ الکتاب ألقاه- و لا یؤویهما لا یضمهما إلیه و ینزلهما عنده- . و الزبر مصدر زبرت أزبر بالضم أی کتبت- و جاء یزبر بالکسر و الزبر بالکسر الکتاب و جمعه زبور- مثل قدر و قدور و قرأ بعضهم وَ آتَیْنا داوُدَ زَبُوراً أی کتبا- و الزبور بفتح الزای الکتاب المزبور فعول بمعنى مفعول- و قال الأصمعی سمعت أعرابیا یقول أنا أعرف بزبرتی- أی خطی و کتابتی- . و مثلوا بالصالحین بالتخفیف نکلوا بهم- مثلت بفلان أمثل بالضم مثلا بالفتح و سکون الثاء- و الاسم المثله بالضم- و من روى مثلوا بالتشدید أراد جدعوهم بعد قتلهم- . و على فی قوله و سموا صدقهم على الله فریه- لیست متعلقه بصدقهم بل بفریه-أی و سموا صدقهم فریه على الله- فإن امتنع أن یتعلق حرف الجر به لتقدمه علیه و هو مصدر- فلیکن متعلقا بفعل مقدر دل علیه هذا المصدر الظاهر- و روی و جعلوا فی الحسنه العقوبه السیئه- و الروایه الأولى بالإضافه أکثر و أحسن- . و الموعود هاهنا الموت- و القارعه المصیبه تقرع أی تلقى بشده و قوه: أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ مَنِ اسْتَنْصَحَ اللَّهَ وُفِّقَ- وَ مَنِ اتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِیلًا هُدِیَ لِلَّتِی هِیَ أَقُومُ- فَإِنَّ جَارَ اللَّهِ آمِنٌ وَ عَدُوَّهُ خَائِفٌ- وَ إِنَّهُ لَا یَنْبَغِی لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَهَ اللَّهِ أَنْ یَتَعَظَّمَ- فَإِنَّ رِفْعَهَ الَّذِینَ یَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُهُ أَنْ یَتَوَاضَعُوا لَهُ- وَ سَلَامَهَ الَّذِینَ یَعْلَمُونَ مَا قُدْرَتُهُ أَنْ یَسْتَسْلِمُوا لَهُ- فَلَا تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِیحِ مِنَ الْأَجْرَبِ- وَ الْبَارِئِ مِنْ ذِی السَّقَمِ- وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ- حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِی تَرَکَهُ- وَ لَنْ تَأْخُذُوا بِمِیثَاقِ الْکِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِی نَقَضَهُ- وَ لَنْ تَمَسَّکُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِی نَبَذَهُ- فَالْتَمِسُوا ذَلِکَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ- فَإِنَّهُمْ عَیْشُ الْعِلْمِ وَ مَوْتُ الْجَهْلِ- هُمُ الَّذِینَ یُخْبِرُکُمْ حُکْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ- وَ صَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ وَ ظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ- لَا یُخَالِفُونَ الدِّینَ وَ لَا یَخْتَلِفُونَ فِیهِ- فَهُوَ بَیْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ وَ صَامِتٌ نَاطِقٌ مناستنصح الله- من أطاع أوامره و علم أنه یهدیه إلى مصالحه- و یرده عن مفاسده و یرشده إلى ما فیه نجاته- و یصرفه عما فیه عطبه- .و التی هی أقوم- یعنی الحاله و الخله التی اتباعها أقوم- و هذا من الألفاظ القرآنیه قال سبحانه- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ یَهْدِی لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ- و المراد بتلک الحاله المعرفه بالله و توحیده و وعد له- .

ثم نهى ع عن التکبر و التعظم و قال- إن رفعه القوم الذین یعرفون عظمه الله أن یتواضعوا له- و ما هاهنا بمعنى أی شی‏ء- و من روى بالنصب جعلها زائده- و قد ورد فی ذم التعظم و التکبر ما یطول استقصاؤه- و هو مذموم على العباد- فکیف بمن یتعظم على الخالق سبحانه- و إنه لمن الهالکین- وقال رسول الله ص لما افتخر أنا سید ولد آدم- ثم قال و لا فخر- فجهر بلفظه الافتخار ثم أسقط استطاله الکبر- و إنما جهر بما جهر به- لأنه أقامه مقام شکر النعمه و التحدث بها- وفی الحدیث المرفوع عنه ص أن الله قد أذهب عنکم حمیه الجاهلیه و فخرها بالآباء- الناس بنو آدم و آدم من تراب- مؤمن تقی و فاجر شقی- لینتهین أقوام یفخرون برجال- إنما هم فحم من فحم جهنم- أو لیکونن أهون على الله من جعلان تدفع النتن بأنفها- .

قوله و اعلموا أنکم لن تعرفوا الرشد- حتى تعرفوا الذی ترکه- فیه تنبیه على أنه یجب البراءه من أهل الضلال- و هو قول أصحابنا جمیعهم- فإنهم بین مکفر لمن خالف أصول التوحید و العدل- و هم الأکثرون- أو مفسق و هم الأقلون- و لیس أحد منهم معذورا عند أصحابنا و إن ضل بعد النظر- کما لا نعذر الیهود و النصارى إذا ضلوا بعد النظر- . ثم قال ع فالتمسوا ذلک عند أهله- هذا کنایه عنه ع و کثیرا ما یسلک هذا المسلک- و یعرض هذا التعریض- و هو الصادق الأمین العارف بأسرار الإلهیه- .

ثم ذکر أن هؤلاء الذین أمر باتباعهم- ینبئ حکمهم عن علمهم- و ذلک لأن الامتحان یظهر خبیئه الإنسان- . ثم قال و صمتهم عن نطقهم- صمت العارف أبلغ من نطق غیره- و لا یخفى فضل الفاضل و إن کان صامتا- . ثم ذکر أنهم لا یخالفون الدین لأنهم قوامه و أربابه- و لا یختلفون فیه- لأن الحق فی التوحید و العدل واحد- فالدین بینهم شاهد صادق یأخذون بحکمه- کما یؤخذ بحکم الشاهد الصادق- . و صامت ناطق- لأنه لا ینطق بنفسه بل لا بد له من مترجم- فهو صامت فی الصوره و هو فی المعنى أنطق الناطقین- لأن الأوامر و النواهی و الآداب کلها مبنیه علیه- و متفرعه علیه

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۴۱

خطبه ۱۴۶ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۴۶ و من کلام له ع- و قد استشاره عمر فی الشخوص لقتال الفرس بنفسه

إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ یَکُنْ نَصْرُهُ- وَ لَا خِذْلَانُهُ بِکَثْرَهٍ وَ لَا بِقِلَّهٍ- وَ هُوَ دِینُ اللَّهِ الَّذِی أَظْهَرَهُ- وَ جُنْدُهُ الَّذِی أَعَدَّهُ وَ أَمَدَّهُ- حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ وَ طَلَعَ حَیْثُمَا طَلَعَ- وَ نَحْنُ عَلَى مَوْعُودٍ مِنَ اللَّهِ- وَ اللَّهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ وَ نَاصِرٌ جُنْدَهُ- وَ مَکَانُ الْقَیِّمِ بِالْأَمْرِ مَکَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ- یَجْمَعُهُ وَ یَضُمُّهُ- فَإِنِ انْقَطَعَ النِّظَامُ تَفَرَّقَ وَ ذَهَبَ- ثُمَّ لَمْ یَجْتَمِعْ بِحَذَافِیرِهِ أَبَداً- وَ الْعَرَبُ الْیَوْمَ وَ إِنْ کَانُوا قَلِیلًا- فَهُمْ کَثِیرُونَ بِالْإِسْلَامِ- عَزِیزُونَ بِالِاجْتِمَاعِ- فَکُنْ قُطْباً وَ اسْتَدِرِ الرَّحَى بِالْعَرَبِ- وَ أَصْلِهِمْ دُونَکَ نَارَ الْحَرْبِ- فَإِنَّکَ إِنْ شَخَصْتَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ- انْتَقَضَتْ عَلَیْکَ الْعَرَبُ مِنْ أَطْرَافِهَا وَ أَقْطَارِهَا- حَتَّى یَکُونَ مَا تَدَعُ وَرَاءَکَ مِنَ الْعَوْرَاتِ- أَهَمَّ إِلَیْکَ مِمَّا بَیْنَ یَدَیْکَ- إِنَّ الْأَعَاجِمَ إِنْ یَنْظُرُوا إِلَیْکَ غَداً یَقُولُوا- هَذَا أَصْلُ الْعَرَبِ فَإِذَا اقْتَطَعْتُمُوهُ اسْتَرَحْتُمْ- فَیَکُونُ ذَلِکَ أَشَدَّ لِکَلْبِهِمْ عَلَیْکَ وَ طَمَعِهِمْ فِیکَ- فَأَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ مَسِیرِ الْقَوْمِ إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِینَ- فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ أَکْرَهُ لِمَسِیرِهِمْ مِنْکَ- وَ هُوَ أَقْدَرُ عَلَى تَغْیِیرِ مَا یَکْرَهُ- وَ أَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ عَدَدِهِمْ- فَإِنَّا لَمْ نَکُنْ نُقَاتِلُ فِیمَا مَضَى بِالْکَثْرَهِ- وَ إِنَّمَا کُنَّا نُقَاتِلُ بِالنَّصْرِ وَ الْمَعُونَهِ

نظام العقد الخیط الجامع له- و تقول أخذته کله بحذافیره أی بأصله- و أصل الحذافیر أعالی الشی‏ء و نواحیه الواحد حذفار- . و أصلهم نار الحرب اجعلهم صالین لها- یقال صلیت اللحم و غیره أصلیه صلیا- مثل رمیته أرمیه رمیا إذا شویته- و فی الحدیث أنه ص أتی بشاه مصلیه أی مشویه- و یقال أیضا- صلیت الرجل نارا إذا أدخلته النار و جعلته یصلاها- فإن ألقیته فیها إلقاء کأنک ترید الإحراق- قلت أصلیته بالألف و صلیته تصلیه- و قرئ وَ یَصْلى‏ سَعِیراً- و من خفف فهو من قولهم صلى فلان بالنار بالکسر- یصلى صلیا احترق قال الله تعالى- هُمْ أَوْلى‏ بِها صِلِیًّا- و یقال أیضا صلى فلان بالأمر- إذا قاسى حره و شدته قال الطهوی-

و لا تبلى بسالتهم و إن هم
صلوا بالحرب حینا بعد حین‏

و على هذا الوجه یحمل کلام أمیر المؤمنین ع- و هو مجاز من الإحراق- و الشی‏ء الموضوع لها هذا اللفظ حقیقه- . و العورات- الأحوال التی یخاف انتقاضها فی ثغر أو حرب- قال تعالى یَقُولُونَ إِنَّ بُیُوتَنا عَوْرَهٌ وَ ما هِیَ بِعَوْرَهٍ- و الکلب الشر و الأذى

یوم القادسیه

و اعلم أن هذا الکلام قد اختلف فی الحال- التی قاله فیها لعمر- فقیل قاله له فی‏غزاه القادسیه- و قیل فی غزاه نهاوند- و إلى هذا القول الأخیر- ذهب محمد بن جریر الطبری فی التاریخ الکبیر- و إلى القول الأول ذهب المدائنی فی کتاب الفتوح- و نحن نشیر إلى ما جرى فی هاتین الوقعتین- إشاره خفیفه على مذهبنا فی ذکر السیر و الأیام- . فأما وقعه القادسیه فکانت فی سنه أربع عشره للهجره- استشار عمر المسلمین فی أمر القادسیه فأشار علیه علی بن أبی طالب فی روایه أبی الحسن علی بن محمد بن سیف المدائنی ألا یخرج بنفسه- و
قال إنک إن تخرج لا یکن للعجم همه إلا استئصالک- لعلمهم أنک قطب رحى العرب- فلا یکون للإسلام بعدها دوله- و أشار علیه غیره من الناس أن یخرج بنفسه- فأخذ برأی علی ع- .

و روى غیر المدائنی- أن هذا الرأی أشار به عبد الرحمن بن عوف- قال أبو جعفر محمد بن جریر الطبری- لما بدا لعمر فی المقام- بعد أن کان عزم على الشخوص بنفسه- أمر سعد بن أبی وقاص على المسلمین- و بعث یزدجرد رستم الأرمنی أمیرا على الفرس- فأرسل سعد النعمان بن مقرن رسولا إلى یزدجرد- فدخل علیه و کلمه بکلام غلیظ- فقال یزدجرد لو لا أن الرسل لا تقتل لقتلتک- ثم حمله وقرا من تراب على رأسه- و ساقه حتى أخرجه من باب من أبواب المدائن و قال- ارجع إلى صاحبک- فقد کتبت إلى رستم أن یدفنه و جنده من العرب فی خندق القادسیه- ثم لأشغلن العرب بعدها بأنفسهم- و لأصیبنهم بأشد مما أصابهم به سابور ذو الأکتاف- فرجع النعمان إلى سعد فأخبره- فقال لا تخف فإن الله قد ملکنا أرضهم تفاؤلا بالتراب- .

قال أبو جعفر و تثبط رستم عن القتال و کرهه و آثر المسالمه- و استعجله یزدجرد مرارا و استحثه على الحرب- و هو یدافع بها و یرى المطاوله- و کان عسکره مائه و عشرین ألفا-و کان عسکر سعد بضعا و ثلاثین ألفا- و أقام رستم بریدا من الرجال الواحد منهم إلى جانب الآخر- من القادسیه إلى المدائن- کلما تکلم رستم کلمه أداها بعضهم إلى بعض- حتى تصل إلى سمع یزدجرد فی وقتها- و شهد وقعه القادسیه مع المسلمین طلیحه بن خویلد- و عمرو بن معدیکرب و الشماخ بن ضرار- و عبده بن الطبیب الشاعر و أوس بن معن الشاعر- و قاموا فی الناس ینشدونهم الشعر و یحرضونهم- و قرن أهل فارس أنفسهم بالسلاسل لئلا یهربوا- فکان المقرنون منهم نحو ثلاثین ألفا- و التحم الفریقان فی الیوم الأول- فحملت الفیله التی مع رستم على الخیل فطحنتها- و ثبت لها جمع من الرجاله- و کانت ثلاثه و ثلاثین فیلا- منها فیل الملک و کان أبیض عظیما- فضربت الرجال خراطیم الفیله بالسیوف فقطعتها- و ارتفع عواؤها و أصیب فی هذا الیوم- و هو الیوم الأول خمسمائه من المسلمین و ألفان من الفرس- و وصل فی الثانی أبو عبیده بن الجراح من الشام- فی عساکر من المسلمین- فکان مددا لسعد- و کان هذا الیوم على الفرس أشد من الیوم الأول- قتل من المسلمین ألفان- و من المشرکین عشره آلاف- و أصبحوا فی الیوم الثالث على القتال- و کان عظیما على العرب و العجم معا و صبر الفریقان- و قامت الحرب ذلک الیوم و تلک اللیله جمعاء لا ینطقون- کلامهم الهریر فسمیت لیله الهریر- .

و انقطعت الأخبار و الأصوات عن سعد و رستم- و انقطع سعد إلى الصلاه و الدعاء و البکاء- و أصبح الناس حسرى لم یغمضوا لیلتهم کلها- و الحرب قائمه بعد إلى وقت الظهر- فأرسل الله تعالى ریحا عاصفا فی الیوم الرابع- أمالت الغبار و النقع على العجم فانکسروا- و وصلت العرب إلى سریر رستم- و قد قام عنه لیرکب جملا و على رأسه العلم- فضرب هلال بن علقمه الحمل الذی رستم فوقه- فقطع حباله و وقع على هلال أحد العدلین- فأزال فقار ظهره و مضى رستم نحو العتیق- فرمى نفسه فیه و اقتحم هلال علیه فأخذبرجله- و خرج به یجره حتى ألقاه تحت أرجل الخیل- و قد قتله و صعد السریر فنادى- أنا هلال أنا قاتل رستم فانهزمت الفرس- و تهافتوا فی العقیق فقتل منهم نحو ثلاثین ألفا- و نهبت أموالهم و أسلابهم و کانت عظیمه جدا- و أخذت العرب منهم کافورا کثیرا- فلم یعبئوا به لأنهم لم یعرفوه- و باعوه من قوم بملح کیلا بکیل- و سروا بذلک و قالوا أخذنا منهم ملحا طیبا- و دفعنا إلیهم ملحا غیر طیب- و أصابوا من الجامات من الذهب و الفضه- ما لا یقع علیه العد لکثرته- فکان الرجل منهم یعرض جامین من ذهب على صاحبه- لیأخذ منه جاما واحدا من فضه یعجبه بیاضها و یقول- من یأخذ صفراوین ببیضاء- . و بعث سعد بالأنفال و الغنائم إلى عمر- فکتب إلى سعد لا تتبع الفرس- و قف مکانک و اتخذه منزلا- فنزل موضع الکوفه الیوم و اختط مسجدها- و بنى فیها الخطط للعرب

یوم نهاوند

فأما وقعه نهاوند- فإن أبا جعفر محمد بن جریر الطبری ذکر فی کتاب التاریخ- أن عمر لما أراد أن یغزو العجم- و جیوش کسرى و هی مجتمعه بنهاوند- استشار الصحابه فقام عثمان فتشهد- فقال أرى یا أمیر المؤمنین أن تکتب إلى أهل الشام- فیسیروا من شامهم- و تکتب إلى أهل الیمن فیسیروا من یمنهم- ثم تسیر أنت بأهل هذین الحرمین إلى المصرین- البصره و الکوفه- فتلقى جمع المشرکین بجمع المسلمین- فإنک إذا سرت‏ بمن معک و من عندک- قل فی نفسک ما تکاثر من عدد القوم- و کنت أعز عزا و أکثر- إنک لا تستبقی من نفسک بعد الیوم باقیه- و لا تمتع من الدنیا بعزیز- و لا تکون منها فی حرز حریز- إن هذا الیوم له ما بعده- فاشهد بنفسک و رأیک و أعوانک و لا تغب عنه- .

قال أبو جعفر و قام طلحه فقال- أما بعد یا أمیر المؤمنین فقد أحکمتک الأمور- و عجمتک البلایا و حنکتک التجارب- و أنت و شأنک و أنت و رأیک- لا ننبو فی یدیک و لا نکل أمرنا إلا إلیک- فأمرنا نجب و ادعنا نطع و احملنا نرکب- و قدنا ننقد فإنک ولی هذا الأمر- و قد بلوت و جربت و اختبرت- فلم ینکشف شی‏ء من عواقب الأمور لک إلا عن خیار- .

فقال علی بن أبی طالب ع أما بعد- فإن هذا الأمر لم یکن نصره و لا خذلانه بکثره و لا قله- إنما هو دین الله الذی أظهره- و جنده الذی أعزه و أمده بالملائکه حتى بلغ ما بلغ- فنحن على موعود من الله- و الله منجز وعده و ناصر جنده- و إن مکانک منهم مکان النظام من الخرز- یجمعه و یمسکه- فإن انحل تفرق ما فیه و ذهب- ثم لم یجتمع بحذافیره أبدا- و العرب الیوم و إن کانوا قلیلا- فإنهم کثیر عزیز بالإسلام- أقم مکانک و اکتب إلى أهل الکوفه- فإنهم أعلام العرب و رؤساؤهم- و لیشخص منهم الثلثان و لیقم الثلث- و اکتب إلى أهل البصره أن یمدوهم ببعض من عندهم- و لا تشخص الشام و لا الیمن- إنک إن أشخصت أهل الشام من شامهم- سارت الروم إلى ذراریهم- و إن أشخصت أهل الیمن من یمنهم- سارت الحبشه إلى ذراریهم- و متى شخصت من هذه الأرض- انتقضت علیک العرب من أقطارها و أطرافها- حتى یکون ما تدع وراءک أهم إلیک مما بین یدیک- من العورات و العیالات- إن الأعاجم إن ینظرواإلیک غدا قالوا- هذا أمیر العرب و أصلهم- فکان ذلک أشد لکلبهم علیک- و أما ما ذکرت من مسیر القوم فإن الله هو أکره لسیرهم منک- و هو أقدر على تغییر ما یکره- و أما ما ذکرت من عددهم- فإنا لم نکن نقاتل فیما مضى بالکثره- و إنما کنا نقاتل بالصبر و النصر- .

فقال عمر أجل هذا الرأی- و قد کنت أحب أن أتابع علیه- فأشیروا علی برجل أولیه ذلک الثغر- قالوا أنت أفضل رأیا فقال أشیروا علی به- و اجعلوه عراقیا قالوا أنت أعلم بأهل العراق- و قد وفدوا علیک فرأیتهم و کلمتهم- قال أما و الله لأولین أمرهم رجلا یکون عمدا لأول الأسنه- قیل و من هو یا أمیر المؤمنین- قال النعمان بن مقرن قالوا هو لها- . و کان النعمان یومئذ بالبصره- فکتب إلیه عمر فولاه أمر الجیش- .

قال أبو جعفر کتب إلیه عمر سر إلى نهاوند- فقد ولیتک حرب الفیروزان- و کان المقدم على جیوش کسرى- فإن حدث بک حدث فعلى الناس حذیفه بن الیمان- فإن حدث به حدث فعلى الناس نعیم بن مقرن- فإن فتح الله علیکم فاقسم على الناس ما أفاء الله علیهم- و لا ترفع إلی منه شیئا- و إن نکث القوم فلا ترانی و لا أراک- و قد جعلت معک طلیحه بن خویلد- و عمرو بن معدیکرب لعلمهما بالحرب- فاستشرهما و لا تولهما شیئا- .

قال أبو جعفر فسار النعمان بالعرب حتى وافى نهاوند- و ذلک فی السنه السابعه من خلافه عمر- و تراءى الجمعان و نشب القتال- و حجزهم المسلمون فی خنادقهم- و اعتصموا بالحصون و المدن و شق على المسلمین ذلک- فأشار طلیحه علیه فقال- أرى أن تبعث خیلا ببعض القوم و تحمشهم- فإذا استحمشوا خرج بعضهم و اختلطوا بکم-فاستطردوا لهم فإنهم یطمعون بذلک- ثم تعطف علیهم حتى یقضی الله بیننا و بینهم بما یحب- .

ففعل النعمان ذلک فکان کما ظن طلیحه- و انقطع العجم عن حصونهم بعض الانقطاع- فلما أمعنوا فی الانکشاف للمسلمین حمل النعمان بالناس- فاقتتلوا قتالا شدیدا لم یسمع السامعون مثله- و زلق بالنعمان فرسه فصرع و أصیب- و تناول الرایه نعیم أخوه- فأتى حذیفه لها فدفعها إلیه- و کتم المسلمون مصاب أمیرهم- و اقتتلوا حتى أظلم اللیل- و رجعوا و المسلمون وراءهم- فعمی علیهم قصدهم فترکوه- و غشیهم المسلمون بالسیوف- فقتلوا منهم ما لا یحصى- و أدرک المسلمون الفیروزان و هو هارب- و قد انتهى إلى ثنیه مشحونه ببغال موقره عسلا- فحبسته على أجله فقتل- فقال المسلمون إن لله جنودا من عسل- .

و دخل المسلمون نهاوند فاحتووا على ما فیها- و کانت أنفال هذا الیوم عظیمه- فحملت إلى عمر فلما رآها بکى- فقال له المسلمون إن هذا الیوم یوم سرور و جذل- فما بکاؤک قال ما أظن أن الله تعالى زوی هذا عن رسول الله ص- و عن أبی بکر إلا لخیر أراده بهما- و لا أراه فتحه علی إلا لشر أرید بی- إن هذا المال لا یلبث أن یفتن الناس- . ثم رفع یده إلى السماء یدعو و یقول- اللهم اعصمنی و لا تکلنی إلى نفسی- یقولها مرارا ثم قسمه بین المسلمین عن آخره

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۲۸

خطبه ۱۴۵ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۴۵ و من خطبه له ع

أَیُّهَا النَّاسُ- إِنَّمَا أَنْتُمْ فِی هَذِهِ الدُّنْیَا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ فِیهِ الْمَنَایَا- مَعَ کُلِّ جَرْعَهٍ شَرَقٌ وَ فِی کُلِّ أَکْلَهٍ غَصَصٌ- لَا تَنَالُونَ مِنْهَا نِعْمَهً إِلَّا بِفِرَاقِ أُخْرَى- وَ لَا یُعَمَّرُ مُعَمَّرٌ مِنْکُمْ یَوْماً مِنْ عُمُرِهِ- إِلَّا بِهَدْمِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ- وَ لَا تُجَدَّدُ لَهُ زِیَادَهٌ فِی أَکْلِهِ إِلَّا بِنَفَادِ مَا قَبْلَهَا مِنْ رِزْقِهِ- وَ لَا یَحْیَا لَهُ أَثَرٌ إِلَّا مَاتَ لَهُ أَثَرٌ- وَ لَا یَتَجَدَّدُ لَهُ جَدِیدٌ إِلَّا بَعْدَ أَنْ یَخْلَقَ لَهُ جَدِیدٌ- وَ لَا تَقُومُ لَهُ نَابِتَهٌ إِلَّا وَ تَسْقُطُ مِنْهُ مَحْصُودَهٌ- وَ قَدْ مَضَتْ أُصُولٌ نَحْنُ فُرُوعُهَا- فَمَا بَقَاءُ فَرْعٍ بَعْدَ ذَهَابِ أَصْلِهِ الغرض ما ینصب لیرمى و هو الهدف و تنتضل فیه المنایا- تترامى فیه للسبق- و منه الانتضال بالکلام و بالشعر- کأنه یجعل المنایا أشخاصا تتناضل بالسهام- من الناس من یموت قتلا و منهم من یموت غرقا- أو یتردى فی بئر أو تسقط علیه حائط- أو یموت على فراشه- .

ثم قال مع کل جرعه شرق- و فی کل أکله غصص بفتح الغین- مصدر قولک غصصت یا فلان بالطعام- و روی غصص جمع غصه و هی الشجا- و هذا مثل قول بعضهم المنحه فیها مقرونه بالمحنه- و النعمه مشفوعه بالنقمه-و قد بالغ بعض الشعراء فی الشکوى- فأتى بهذه الألفاظ لکنه أسرف فقال- .

حظی من العیش أکل کله غصص
مر المذاق و شرب کله شرق‏

 و مراد أمیر المؤمنین ع بکلامه- أن نعیم الدنیا لا یدوم- فإذا أحسنت أساءت و إذا أنعمت أنقمت- . ثم قال لا ینالون منها نعمه إلا بفراق أخرى- هذا معنى لطیف و ذلک أن الإنسان لا یتهیأ له- أن یجمع بین الملاذ الجسمانیه کلها فی وقت- فحال ما یکون آکلا لا یکون مجامعا- و حال ما یشرب لا یأکل- و حال ما یرکب للقنص و الریاضه- لا یکون جالسا على فراش وثیر ممهد- و على هذا القیاس لا یأخذ فی ضرب من ضروب الملاذ- إلا و هو تارک لغیره منها- .

ثم قال و لا یعمر معمر منکم یوما من عمره- إلا بهدم آخر من أجله- و هذا أیضا لطیف- لأن المسرور ببقائه إلى یوم الأحد- لم یصل إلیه إلا بعد أن قضى یوم السبت و قطعه- و یوم السبت من أیام عمره- فإذا قد هدم من عمره یوما- فیکون قد قرب إلى الموت- لأنه قد قطع من المسافه جزءا- .

ثم قال و لا تجدد له زیاده فی أکله- إلا بنفاد ما قبلها من رزقه- و هذا صحیح فإن فسرنا الرزق بما وصل إلى البطن- على أحد تفسیرات المتکلمین- فإن الإنسان لا یأکل لقمه- إلا و قد فرغ من اللقمه التی قبلها- فهو إذا لا یتجدد له زیاده فی أکله- إلا بنفاد ما قبلها من رزقه- . ثم قال و لا یحیا له أثر إلا مات له أثر- و ذلک أن الإنسان فی الأعم الأغلب- لا ینتشر صیته و یشیع فضله إلا عند الشیخوخه- و کذلک لا تعرف أولاده و یصیر لهم اسم فی الدنیا- إلا بعد کبره و علو سنه- فإذا ما حیی له أثر إلا بعد أن مات له أثر- و هو قوته و نشاطه و شبیبته- و مثله قوله و لا یتجدد له جدید إلا بعد أن یخلق له جدید- .

ثم قال و لا تقوم له نابته إلا و تسقط منه محصوده- هذه إشاره إلى ذهاب الآباء- عند حدوث أبنائهم فی الأعم الأغلب- و لهذا قال و قد مضت أصول نحن فروعها- فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله- و قد نظر الشعراء إلى هذا المعنى فقالوا فیه و أکثروا- نحو قول الشاعر-

فإن أنت لم تصدقک نفسک فانتسب
لعلک تهدیک القرون الأوائل‏

فإن لم تجد من دون عدنان والدا
و دون معد فلتزعک العواذل‏

و قال الشاعر-

فعددت آبائی إلى عرق الثرى
فدعوتهم فعلمت أن لم یسمعوا

لا بد من تلف مصیب فانتظر
أ بأرض قومک أم بأخرى تصرع‏

– و قد صرح أبو العتاهیه بالمعنى فقال-

کل حیاه إلى ممات
و کل ذی جده یحول‏

کیف بقاء الفروع یوما
و قد ذوت قبلها الأصول‏

مِنْهَا- وَ مَا أُحْدِثَتْ بِدْعَهٌ إِلَّا تُرِکَ بِهَا سُنَّهٌ- فَاتَّقُوا الْبِدَعَ وَ الْزَمُوا الْمَهْیَعَ- إِنَّ عَوَازِمَ الْأُمُورِ أَفْضَلُهَا- وَ إِنَّ مُحْدَثَاتِهَا شِرَارُهَاالبدعه کل ما أحدث مما لم یکن على عهد رسول الله ص- فمنها الحسن کصلاه التراویح- و منها القبیح کالمنکرات- التی ظهرت فی أواخر الخلافه العثمانیه- و إن کانت قد تکلفت الأعذار عنها- . و معنى قوله ع ما أحدثت بدعه إلا ترک بها سنه- أن من السنه ألا تحدث البدعه- فوجود البدعه عدم للسنه لا محاله- . و المهیع الطریق الواضح- من قولهم أرض هیعه أی مبسوطه واسعه- و المیم مفتوحه و هی زائده- . و عوازم الأمور ما تقادم منها- من قولهم عجوز عوزم أی مسنه- قال الراجز

لقد غدوت خلق الثیاب
أحمل عدلین من التراب‏

لعوزم و صبیه سغاب‏
فآکل و لاحس و آبی‏

 و یجمع فوعل على فواعل کدورق و هوجل- و یجوز أن یکون عوازم جمع عازمه- و یکون فاعل بمعنى مفعول أی معزوم علیها- أی مقطوع معلوم بیقین صحتها- و مجی‏ء فاعله بمعنى مفعوله کثیر- کقولهم عیشه راضیه بمعنى مرضیه و الأول أظهر عندی- لأن فی مقابلته قوله و إن محدثاتها شرارها- و المحدث فی مقابله القدیم

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۲۴

خطبه ۱۴۴ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۴۴ و من خطبه له ع

بَعَثَ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْیِهِ- وَ جَعَلَهُمْ حُجَّهً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ- لِئَلَّا تَجِبَ الْحُجَّهُ لَهُمْ بِتَرْکِ الْإِعْذَارِ إِلَیْهِمْ- فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ إِلَى سَبِیلِ الْحَقِّ- أَلَا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ کَشَفَ الْخَلْقَ کَشْفَهً- لَا أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونِ أَسْرَارِهِمْ- وَ مَکْنُونِ ضَمَائِرِهِمْ- وَ لَکِنْ لِیَبْلُوَهُمْ أَیُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا- فَیَکُونَ الثَّوَابُ جَزَاءً وَ الْعِقَابُ بَوَاءً- أَیْنَ الَّذِینَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ دُونَنَا- کَذِباً وَ بَغْیاً عَلَیْنَا أَنْ رَفَعَنَا اللَّهُ وَ وَضَعَهُمْ- وَ أَعْطَانَا وَ حَرَمَهُمْ وَ أَدْخَلَنَا وَ أَخْرَجَهُمْ- بِنَا یُسْتَعْطَى الْهُدَى وَ یُسْتَجْلَى الْعَمَى- إِنَّ الْأَئِمَّهَ مِنْ قُرَیْشٍ- غُرِسُوا فِی هَذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ لَا تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ- وَ لَا تَصْلُحُ الْوُلَاهُ مِنْ غَیْرِهِمْ أول الکلام مأخوذ من قوله سبحانه- رُسُلًا مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ- لِئَلَّا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّهٌ بَعْدَ الرُّسُلِ- و قوله تعالى وَ ما کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا- .

فإن قلت فهذا یناقض مذهب المعتزله- فی قولهم بالواجبات عقلا و لو لم تبعث الرسل- . قلت صحه مذهبهم تقتضی أن تحمل عموم الألفاظ- على أن المراد بها الخصوص- فیکون التأویل- لئلا یکون للناس على الله حجه- فیما لم یدل العقل على وجوبه و لا قبحه کالشرعیات- و کذلک وَ ما کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا- على ما لم یکن العقل دلیلا علیه حتى نبعث رسولا- . الإعذار تقدیم العذر ثم قال- إن الله تعالى کشف الخلق بما تعبدهم به- من الشرعیات على ألسنه الأنبیاء- و لم یکن أمرهم خافیا عنه- فیحتاج إلى أن یکشفهم بذلک- و لکنه أراد ابتلاءهم و اختبارهم- لیعلم أیهم أحسن عملا- فیعاقب المسی‏ء و یثیب المحسن- .

فإن قلت الإشکال قائم- لأنه إذا کان یعلم أیهم یحسن و أیهم یسی‏ء- فما فائده الابتلاء و هل هو إلا محض العبث- قلت فائده الابتلاء إیصال نفع إلى زید- لم یکن لیصح إیصاله إلیه إلا بواسطه هذا الابتلاء- و هو ما یقوله أصحابنا- إن الابتلاء بالثواب قبیح- و الله تعالى یستحیل أن یفعل القبیح- . قوله و للعقاب بواء أی مکافأه- قالت لیلى الأخیلیه-

فإن تکن القتلى بواء فإنکم
فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر

و أبأت القاتل بالقتیل و استبأته أیضا إذا قتلته به- و قد باء الرجل بصاحبه أی قتل به-و فی المثل باءت عرار بکحل و هما بقرتان- قتلت إحداهما بالأخرى و قال مهلهل لبجیر لما قتل- بؤ بشسع نعل کلیب- . قوله ع أین الذین زعموا- هذا الکلام کنایه و إشاره إلى قوم من الصحابه- کانوا ینازعونه الفضل- فمنهم من کان یدعی له أنه أفرض- و منهم من کان یدعی له أنه أقرأ- و منهم من کان یدعی له أنه أعلم بالحلال و الحرام- هذا مع تسلیم هؤلاء له أنه ع أقضى الأمه- و أن القضاء یحتاج إلى کل هذه الفضائل- و کل واحده منها لا تحتاج إلى غیرها- فهو إذن أجمع للفقه و أکثرهم احتواء علیه- إلا أنه ع لم یرض بذلک- و لم یصدق الخبر الذی قیل- أفرضکم فلان إلى آخره- فقال إنه کذب و افتراء حمل قوما على وضعه الحسد- و البغی و المنافسه لهذا الحی من بنی هاشم- أن رفعهم الله على غیرهم و اختصهم دون من سواهم- .

و أن هاهنا للتعلیل أی لأن- فحذف اللام التی هی أداه التعلیل على الحقیقه- قال سبحانه- لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ- أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ- و قال بعض النحاه لبعض الفقهاء- الزاعمین أن لا حاجه للفقه إلى النحو- ما تقول لرجل قال لزوجته- أنت طالق إن دخلت الدار- فقال لا یقع إلا بالدخول- فقال فإن فتح الهمزه قال کذلک- فعرفه أن العربیه نافعه فی الفقه- و أن الطلاق منجز لا معلق- إن کان مراده تعلیل الطلاق بوقوع الدخول لاشتراطه به- . ثم قال بنا یستعطى الهدى أی یطلب أن یعطى- و کذلک یستجلى أی یطلب جلاؤه- .ثم قال إن الأئمه من قریش إلى آخر الفصل‏

اختلاف الفرق الإسلامیه فی کون الأئمه من قریش

و قد اختلف الناس فی اشتراط النسب فی الإمامه- فقال قوم من قدماء أصحابنا- إن النسب لیس بشرط فیها أصلا- و إنها تصلح فی القرشی و غیر القرشی- إذا کان فاضلا مستجمعا للشرائط المعتبره- و اجتمعت الکلمه علیه و هو قول الخوارج- . و قال أکثر أصحابنا و أکثر الناس- إن النسب شرط فیها- و إنها لا تصلح إلا فی العرب خاصه- و من العرب فی قریش خاصه- و قال أکثر أصحابنا معنى
قول النبی ص الأئمه من قریش- أن القرشیه شرط إذا وجد فی قریش من یصلح للإمامه- فإن لم یکن فیها من یصلح- فلیست القرشیه شرطا فیها- . و قال بعض أصحابنا- معنى الخبر أنه لا تخلو قریش أبدا ممن یصلح للإمامه- فأوجبوا بهذا الخبر وجود من یصلح من قریش لها- فی کل عصر و زمان- .

و قال معظم الزیدیه- إنها فی الفاطمیین خاصه من الطالبیین- لا تصلح فی غیر البطنین- و لا تصح إلا بشرط أن یقوم بها- و یدعو إلیها فاضل زاهد عالم عادل شجاع سائس- و بعض الزیدیه یجیز الإمامه فی غیر الفاطمیین من ولد علی ع- و هو من أقوالهم الشاذه- . و أما الراوندیه فإنهم خصصوها بالعباس رحمه الله- و ولده من بین بطون قریش کلها- و هذا القول هو الذی ظهر فی أیام المنصور و المهدی- و أما الإمامیه فإنهم جعلوها ساریه فی ولد الحسین ع- فی أشخاص مخصوصین- و لا تصلح عندهم لغیرهم- . و جعلها الکیسانیه فی محمد بن الحنفیه و ولده- و منهم من نقلها منه إلى ولد غیره- .

فإن قلت إنک شرحت هذا الکتاب- على قواعد المعتزله و أصولهم- فما قولک فی هذاالکلام- و هو تصریح بأن الإمامه لا تصلح من قریش- إلا فی بنی هاشم خاصه- و لیس ذلک بمذهب للمعتزله- لا متقدمیهم و لا متأخریهم- . قلت هذا الموضع مشکل و لی فیه نظر- و إن صح أن علیا ع قاله- قلت کما قال لأنه ثبت عندیأن النبی ص قال إنه مع الحق و أن الحق یدور معه حیثما دار- و یمکن أن یتأول و یطبق على مذهب المعتزله- فیحمل على أن المراد به کمال الإمامه- کما حملقوله ص لا صلاه لجار المسجد إلا فی المسجد

على نفی الکمال- لا على نفی الصحه

مِنْهَا- آثَرُوا عَاجِلًا وَ أَخَّرُوا آجِلًا- وَ تَرَکُوا صَافِیاً وَ شَرِبُوا آجِناً- کَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَ قَدْ صَحِبَ الْمُنْکَرَ فَأَلِفَهُ- وَ بَسِئَ بِهِ وَ وَافَقَهُ حَتَّى شَابَتْ عَلَیْهِ مَفَارِقُهُ- وَ صُبِغَتْ بِهِ خَلَائِقُهُ- ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً کَالتَّیَّارِ لَا یُبَالِی مَا غَرَّقَ- أَوْ کَوَقْعِ النَّارِ فِی الْهَشِیمِ لَا یَحْفِلُ مَا حَرَّقَ- أَیْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَهُ بِمَصَابِیحِ الْهُدَى- وَ الْأَبْصَارُ اللَّامِحَهُ إِلَى مَنَازِلِ التَّقْوَى- أَیْنَ الْقُلُوبُ الَّتِی وُهِبَتْ لِلَّهِ وَ عُوقِدَتْ عَلَى طَاعَهِ اللَّهِ- ازْدَحَمُوا عَلَى الْحُطَامِ وَ تَشَاحُّوا عَلَى الْحَرَامِ- وَ رُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ الْجَنَّهِ وَ النَّارِ- فَصَرَفُوا عَنِ الْجَنَّهِ وُجُوهَهُمْ- وَ أَقْبَلُوا إِلَى النَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ- وَ دَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَ وَلَّوْا- وَ دَعَاهُمُ الشَّیْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَ أَقْبَلُوا

آثروا اختاروا و أخروا ترکوا الآجن- الماء المتغیر أجن الماء یأجن و یأجن- . و بسئ به ألفه و ناقه بسوء ألفت الحالب و لا تمنعه- و شابت علیه مفارقه طال عهده به مذ زمن الصبا حتى صار شیخا- و صبغت به خلائقه ما صارت طبعا لأن العاده طبیعه ثانیه- . مزبدا أی ذو زبد- و هو ما یخرج من الفم کالرغوه- یضرب مثلا للرجل الصائل المقتحم- . و التیار معظم اللجه و المراد به هاهنا السیل- و الهشیم دقاق الحطب- . و لا یحفل بفتح حرف المضارعه- لأن الماضی ثلاثی أی لا یبالی- . و الأبصار اللامحه الناظره- و تشاحوا تضایقوا کل منهم یرید ألا یفوته ذلک- و أصله الشح و هو البخل- .

فإن قلت هذا الکلام یرجع إلى الصحابه- الذین تقدم ذکرهم فی أول الخطبه- . قلت لا و إن زعم قوم أنه عناهم- بل هو إشاره إلى قوم ممن یأتی من الخلف بعد السلف- أ لا تراه قال- کأنی أنظر إلى فاسقهم قد صحب المنکر فألفه- و هذا اللفظ إنما یقال فی حق من لم یوجد بعد- کما قال فی حق الأتراک- کأنی أنظر إلیهم قوما کأن وجوههم المجان- و کما قال فی حق صاحب الزنج- کأنی به یا أحنف قد سار فی الجیش- و کما قال فی الخطبه التی ذکرناها آنفا- کأنی به قد نعق بالشام یعنی به عبد الملک- و حوشی ع أن یعنی بهذا الکلام الصحابه- لأنهم ما آثروا العاجل و لا أخروا الآجل- و لا صحبوا المنکر و لا أقبلوا کالتیار- لا یبالی ما غرق و لا کالنار لا تبالی ما أحرقت- و لا ازدحموا على الحطام و لا تشاحوا على الحرام- و لا صرفوا عن الجنه وجوههم- و لا أقبلواإلى النار بأعمالهم- و لا دعاهم الرحمن فولوا- و لا دعاهم الشیطان فاستجابوا- و قد علم کل أحد حسن سیرتهم- و سداد طریقتهم و إعراضهم عن الدنیا و قد ملکوها- و زهدهم فیها و قد تمکنوا منها- و لو لا قوله کأنی أنظر إلى فاسقهم- لم أبعد أن یعنی بذلک قوما ممن علیه اسم الصحابه- و هو ردی‏ء الطریقه- کالمغیره بن شعبه و عمرو بن العاص- و مروان بن الحکم و معاویه- و جماعه معدوده أحبوا الدنیا و استغواهم الشیطان- و هم معدودون فی کتب أصحابنا- و من اشتغل بعلوم السیره و التواریخ عرفهم بأعیانهم

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۱۵

خطبه ۱۴۳ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)( الاستسقاء)

۱۴۳ و من خطبه له ع فی الاستسقاء

إِلَّا وَ إِنَّ الْأَرْضَ الَّتِی تَحْمِلُکُمْ- وَ السَّمَاءَ الَّتِی تُظِلُّکُمْ مُطِیعَتَانِ لِرَبِّکُمْ- وَ مَا أَصْبَحَتَا تَجُودَانِ لَکُمْ بِبَرَکَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَکُمْ- وَ لَا زُلْفَهً إِلَیْکُمْ وَ لَا لِخَیْرٍ تَرْجُوَانِهِ مِنْکُمْ- وَ لَکِنْ أُمِرَتَا بِمَنَافِعِکُمْ فَأَطَاعَتَا- وَ أُقِیمَتَا عَلَى حُدُودِ مَصَالِحِکُمْ فَقَامَتَا- إِنَّ اللَّهَ یَبْتَلِی عِبَادَهُ عِنْدَ الْأَعْمَالِ السَّیِّئَهِ- بِنَقْصِ الثَّمَرَاتِ وَ حَبْسِ الْبَرَکَاتِ- وَ إِغْلَاقِ خَزَائِنِ الْخَیْرَاتِ لِیَتُوبَ تَائِبٌ- وَ یُقْلِعَ مُقْلِعٌ وَ یَتَذَکَّرَ مُتَذَکِّرٌ وَ یَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ- وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الِاسْتِغْفَارَ سَبَباً- لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَ رَحْمَهِ الْخَلْقِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ- اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کانَ غَفَّاراً- یُرْسِلِ السَّماءَ عَلَیْکُمْ مِدْراراً- وَ یُمْدِدْکُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِینَ- وَ یَجْعَلْ لَکُمْ جَنَّاتٍ وَ یَجْعَلْ لَکُمْ أَنْهاراً- فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ- وَ اسْتَقَالَ خَطِیئَتَهُ وَ بَادَرَ مَنِیَّتَهُ- اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَیْکَ مِنْ تَحْتِ الْأَسْتَارِ وَ الْأَکْنَانِ- وَ بَعْدَ عَجِیجِ الْبَهَائِمِ وَ الْوِلْدَانِ- رَاغِبِینَ فِی رَحْمَتِکَ وَ رَاجِینَ فَضْلَ نِعْمَتِکَ- وَ خَائِفِینَ مِنْ عَذَابِکَ وَ نِقْمَتِکَ-

اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَیْثَکَ وَ لَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِینَ- وَ لَا تُهْلِکْنَا بِالسِّنِینَ- وَ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ- اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَیْکَ- نَشْکُو إِلَیْکَ مَا لَا یَخْفَى عَلَیْکَ- أَلْجَأَتْنَا الْمَضَایِقُ الْوَعْرَهُ وَ أَجَاءَتْنَا الْمَقَاحِطُ الْمُجْدِبَهُ- وَ أَعْیَتْنَا الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَهُ- وَ تَلَاحَمَتْ عَلَیْنَا الْفِتَنُ الْمَسْتَصْعَبَهُ- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُکَ أَلَّا تَرُدَّنَا خَائِبِینَ- وَ لَا تَقْلِبَنَا وَاجِمِینَ وَ لَا تُخَاطِبَنَا بِذُنُوبِنَا- وَ لَا تُقَایِسَنَا بِأَعْمَالِنَا- اللَّهُمَّ انْشُرْ عَلَیْنَا غَیْثَکَ وَ بَرَکَتِکَ- وَ رِزْقَکَ وَ رَحْمَتَکَ وَ اسْقِنَا سُقْیَا نَاقِعَهً مُرْوِیَهً مُعْشِبَهً- تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ وَ تُحْیِی بِهَا مَا قَدْ مَاتَ- نَافِعَهَ الْحَیَا کَثِیرَهَ الْمُجْتَنَى تُرْوِی بِهَا الْقِیعَانَ- وَ تُسِیلُ الْبُطْنَانَ وَ تَسْتَوْرِقُ الْأَشْجَارَ- وَ تُرْخِصُ الْأَسْعَارَ إِنَّکَ عَلَى مَا تَشَاءُ قَدِیرٌ

تظلکم تعلو علیکم- و قد أظلتنی الشجره و استظللت بها- و الزلفه القربه یقول إن السماء و الأرض إذا جاءتا بمنافعکم- أما السماء فبالمطر و أما الأرض فبالنبات- فإنهما لم تأتیا بذلک تقربا إلیکم و لا رحمه لکم- و لکنهما أمرتا بنفعکم فامتثلتا الأمر- لأنه أمر من تجب طاعته- و لو أمرتا بغیر ذلک لفعلتاه- و الکلام مجاز و استعاره لأن الجماد لا یؤمر- و المعنى أن الکل مسخر تحت القدره الإلهیه- و مراده تمهید قاعده الاستسقاء کأنه یقول- إذا کانت السماء و الأرض أیام الخصب- و المطر و النبات لم یکن ما کان منهما محبه لکم- و لا رجاء منفعه منکم- بل طاعه الصانع الحکیم سبحانه فیما سخرهما له-فکذلک السماء و الأرض أیام الجدب- و انقطاع المطر و عدم الکلأ لیس ما کان منهما بغضا لکم- و لا استدفاع ضرر یخاف منکم- بل طاعه الصانع الحکیم سبحانه فیما سخرهما له- و إذا کان کذلک- فبالحری ألا نأمل السماء و لا الأرض- و أن نجعل آمالنا معلقه بالملک الحق المدبر لهما- و أن نسترحمه و ندعوه و نستغفره- لا کما کانت العرب فی الجاهلیه یقولون- مطرنا بنوء کذا- و قد سخط النوء الفلانی على بنی فلان فأمحلوا- .

ثم ذکر ع أن الله تعالى یبتلی عباده عند الذنوب- بتضییق الأرزاق علیهم- و حبس مطر السماء عنهم- و هذا الکلام مطابق للقواعد الکلامیه- لأن أصحابنا یذهبون إلى أن الغلاء قد یکون عقوبه على ذنب- و قد یکون لطفا للمکلفین فی الواجبات العقلیه- و هو معنى قوله لیتوب تائب إلى آخر الکلمات- و یقلع یکف و یمسک- .

ثم ذکر أن الله سبحانه جعل الاستغفار سببا فی درور الرزق- و استدل علیه بالآیه- التی أمر نوح ع فیها قومه بالاستغفار- یعنی التوبه عن الذنوب- و قدم إلیهم الموعد بما هو واقع فی نفوسهم- و أحب إلیهم من الأمور الآجله- فمناهم الفوائد العاجله- ترغیبا فی الإیمان و برکاته- و الطاعه و نتائجها کما قال سبحانه للمسلمین- وَ أُخْرى‏ تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَ فَتْحٌ قَرِیبٌ- فوعدهم بمحبوب الأنفس- الذی یرونه فی العاجل عیانا و نقدا لا جزاء و نسیئه- و قال تعالى فی موضع آخر- وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا- لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ- و قال سبحانه وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراهَ وَ الْإِنْجِیلَ- وَ ما أُنْزِلَ إِلَیْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ- لَأَکَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ-و قال تعالى وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِیقَهِ- لَأَسْقَیْناهُمْ ماءً غَدَقاًالثواب و العقاب عند المسلمین و أهل الکتابو کل ما فی التوراه من الوعد و الوعید- فهو لمنافع الدنیا و مضارها- أما منافعها فمثل أن یقول إن أطعتم بارکت فیکم- و کثرت من أولادکم و أطلت أعمارکم- و أوسعت أرزاقکم و استبقیت اتصال نسلکم- و نصرتکم على أعدائکم- و إن عصیتم و خالفتم اخترمتکم و نقصت من آجالکم- و شتت شملکم و رمیتکم بالجوع و المحل- و أذللت أولادکم و أشمت بکم أعداءکم- و نصرت علیکم خصومکم و شردتکم فی البلاد- و ابتلیتکم بالمرض و الذل و نحو ذلک- .

و لم یأت فی التوراه وعد و وعید بأمر یتعلق بما بعد الموت- و أما المسیح ع فإنه صرح بالقیامه و بعث الأبدان- و لکن جعل العقاب روحانیا و کذلک الثواب- أما العقاب فالوحشه و الفزع و تخیل الظلمه- و خبث النفس و کدرها و خوف شدید- و أما الثواب فما زاد على أن قال- إنهم یکونون کالملائکه و ربما قال- یصعدون إلى ملکوت السماء- و ربما قال أصحابه و علماء ملته- الضوء و اللذه و السرور و الأمن من زوال اللذه الحاصله لهم- هذا هو قول المحققین منهم- و قد أثبت بعضهم نارا حقیقیه- لأن لفظه النار وردت فی الإنجیل- فقال محققوهم نار قلبیه أی نفسیه روحانیه- و قال الأفلون نار کهذه النار- و منهم من أثبت عقابا غیر النار و هو بدنی- فقال الرعده و صریر الأسنان- فأما الجنه بمعنى الأکل و الشرب و الجماع- فإنه لم یقل منهم قائل به أصلا- و الإنجیل صرح بانتفاء ذلک فی القیامه تصریحا- لا یبقى بعده ریب لمرتاب- و جاء خاتم الأنبیاء محمدص فأثبت المعاد على وجه محقق کامل- أکمل مما ذکره الأولان فقال- إن البدن و النفس معا مبعوثان- و لکل منهما حظ فی الثواب و العقاب- .

و قد شرح الرئیس أبو علی الحسین بن عبد الله بن سینا- هذا الموضع فی رساله له فی المعاد- تعرف بالرساله الأصحوبه شرحا جیدا- فقال إن الشریعه المحمدیه أثبتت فی القیامه رد النفس إلى البدن- و جعلت للمثاب و المعاقب ثوابا و عقابا- بحسب البدن و النفس جمیعا- فکان للمثاب لذات بدنیه من حور عین- و ولدان مخلدین و فاکهه یشتهون- و کأس لا یصدعون عنها و لا ینزفون- و جنات تجری من تحتها الأنهار- من لبن و عسل و خمر و ماء زلال- و سرر و أرائک و خیام و قباب- فرشها من سندس و إستبرق و ما جرى مجرى ذلک- و لذات نفسانیه من السرور- و مشاهده الملکوت و الأمن من العذاب- و العلم الیقینی بدوام ما هم فیه- و أنه لا یتعقبه عدم و لا زوال- و الخلو عن الأحزان و المخاوف و للمعاقب عقاب بدنی- و هو المقامع من الحدید و السلاسل- و الحریق و الحمیم و الغسلین و الصراخ- و الجلود التی کلما نضجت بدلوا جلودا غیرها- و عقاب نفسانی من اللعن و الخزی و الخجل- و الندم و الخوف الدائم و الیأس من الفرج- و العلم الیقینی بدوام الأحوال السیئه التی هم علیها- .

قال فوفت الشریعه الحکمه حقها من الوعد الکامل- و الوعید الکامل و بهما ینتظم الأمر و تقوم المله- فأما النصارى و ما ذهبوا إلیه من أمر بعث الأبدان- ثم خلوها فی الدار الآخره- من المطعم و الملبس و المشرب و المنکح- فهو أرک ما ذهب إلیه أرباب الشرائع و أسخفه- و ذلک أنه إن کان السبب فی البعث- هو أن الإنسان هو البدن- أو أن البدن شریک النفس فی الأعمال الحسنه و السیئه- فوجب أن یبعث فهذا القول بعینه إن أوجب ذلک- فإنه یوجب أن یثاب البدن- و یعاقب بالثواب و العقاب البدنی المفهوم عند العالم- و إن کان الثواب و العقاب روحانیا- فما الغرض فی بعث الجسد- ثم ما ذلک‏ الثواب و العقاب الروحانیان- و کیف تصور العامه ذلک حتى یرغبوا و یرهبوا- کلا بل لم تصور لهم الشریعه النصرانیه من ذلک شیئا- غیر أنهم یکونون فی الآخره کالملائکه- و هذا لا یفی بالترغیب التام- و لا ما ذکروه من العقاب الروحانی- و هو الظلمه و خبث النفس کاف فی الترهیب- و الذی جاءت به شریعه الإسلام حسن لا زیاده علیه- انقضى کلام هذا الحکیم- .

فأما کون الاستغفار سببا لنزول القطر و درور الرزق- فإن الآیه بصریحها ناطقه به- لأنها أمر و جوابه قال- اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کانَ غَفَّاراً- یُرْسِلِ السَّماءَ عَلَیْکُمْ مِدْراراً- کما تقول قم أکرمک أی إن قمت أکرمتک- و عن عمر أنه خرج یستسقی- فما زاد على الاستغفار فقیل له ما رأیناک استسقیت- فقال لقد استسقیت بمجادیح السماء التی یستنزل بها المطر- . و عن الحسن أن رجلا شکا إلیه الجدب- فقال استغفر الله- فشکا آخر إلیه الفقر و آخر قله النسل- و آخر قله ریع أرضه- فأمرهم کلهم بالاستغفار- فقال له الربیع بن صبیح رجال أتوک یشکون أبوابا- و یشکون أنواعا فأمرتهم کلهم بالاستغفار- فتلا له الآیه- .

قوله استقبل توبته أی استأنفها و جددها- و استقال خطیئته طلب الإقاله منها و الرحمه- و بادر منیته سابق الموت قبل أن یدهمه- .قوله ع لا تهلکنا بالسنین جمع سنه- و هی الجدب و المحل قال تعالى- وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِینَ وقال النبی ص یدعو على المشرکین- اللهم اجعلها علیهم سنین کسنی یوسف- و السنه لفظ محذوف منه حرف- قیل إنه الهاء و قیل الواو- فمن قال المحذوف هاء قال أصله سنهه مثل جبهه- لأنهم قالوا نخله سنهاء- أی تحمل سنه و لا تحمل أخرى- و قال بعض الأنصار-

فلیست بسنهاء و لا رجبیه
و لکن عرایا فی السنین الجوائح‏

و من قال أصلها الواو- احتج بقولهم أسنى القوم یسنون إسناء- إذا لبثوا فی المواضع سنه- فأما التصغیر فلا یدل على أحد المذهبین بعینه- لأنه یجوز سنیه و سنیهه- و الأکثر فی جمعها بالواو و النون سنون- بکسر السین کما فی هذه الخطبه- و بعضهم یقول سنون بالضم- . و المضایق الوعره بالتسکین و لا یجوز التحریک- و قد وعر هذا الشی‏ء بالضم وعوره- و کذلک توعر أی صار وعرا- و استوعرت الشی‏ء استصعبته- . و أجاءتنا ألجأتنا قال تعالى- فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى‏ جِذْعِ النَّخْلَهِ- . و المقاحط المجدبه السنون الممحله جمع مقحطه- . و تلاحمت اتصلت- . و الواجم الذی قد اشتد حزنه حتى أمسک عن الکلام- و الماضی وجم بالفتح یجم وجوما- .

قوله و لا تخاطبنا بذنوبنا و لا تقایسنا بأعمالنا- أی لا تجعل جواب دعائنا لک ما تقتضیه ذنوبنا- کأنه یجعله کالمخاطب لهم- و المجیب عما سألوه إیاه- کما یفاوض الواحدمنا صاحبه و یستعطفه- فقد یجیبه و یخاطبه بما یقتضیه ذنبه- إذا اشتدت موجدته علیه و نحوه- . و لا تقایسنا بأعمالنا- قست الشی‏ء بالشی‏ء إذا حذوته و مثلته به- أی لا تجعل ما تجیبنا به مقایسا و مماثلا لأعمالنا السیئه- . قوله سقیا ناقعه هی فعلى مؤنثه غیر مصروفه- .

و الحیا المطر و ناقعه مرویه مسکنه للعطش- نقع الماء العطش نقعا و نقوعا سکنه- و فی المثل الرشف أنقع- أی أن الشراب الذی یرشف قلیلا قلیلا أنجع و أقطع للعطش و إن کان فیه بطء- . و کثیره المجتنى أی کثیره الکلأ- و الکلأ الذی یجتنى و یرعى و القیعان جمع قاع و هو الفلاه- . و البطنان جمع بطن- و هو الغامض من الأرض مثل ظهر و ظهران و عبد و عبدان

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۳۵

خطبه ۱۴۲ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۴۲ و من کلام له ع

وَ لَیْسَ لِوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ فِی غَیْرِ حَقِّهِ- وَ عِنْدَ غَیْرِ أَهْلِهِ مِنَ الْحَظِّ فِیمَا أَتَى إِلَّا مَحْمَدَهُ اللِّئَامِ- وَ ثَنَاءُ الْأَشْرَارِ وَ مَقَالَهُ الْجُهَّالَ- مَا دَامَ مُنْعِماً عَلَیْهِمْ مَا أَجْوَدَ یَدَهُ- وَ هُوَ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ بِخَیْلٌ- فَمَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلْیَصِلْ بِهِ الْقَرَابَهَ- وَ لْیُحْسِنْ مِنْهُ الضِّیَافَهَ وَ لْیَفُکَّ بِهِ الْأَسِیرَ وَ الْعَانِیَ- وَ لْیُعْطِ مِنْهُ الْفَقِیرَ وَ الْغَارِمَ- وَ لْیَصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَ النَّوَائِبِ ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ- فَإِنَّ فَوْزاً بِهَذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَکَارِمِ الدُّنْیَا- وَ دَرْکُ فَضَائِلِ الآْخِرَهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ هذا الکلام یتضمن ذم من یخرج ماله- إلى الفتیان و الأقران و الشعراء و نحوهم- و یبتغی به المدح و السمعه- و یعدل عن إخراجه فی وجوه البر و ابتغاء الثواب- قال ع لیس له من الحظ إلا محمده اللئام و ثناء الأشرار- و قولهم ما أجود یده أی ما أسمحه- و هو بخیل بما یرجع إلى ذات الله- یعنی الصدقات و ما یجری مجراها من صله الرحم و الضیافه- و فک الأسیر و العانی و هو الأسیر بعینه- و إنما اختلف اللفظ- .و الغارم من علیه الدیون- و یقال صبر فلان نفسه على کذا مخففا أی حبسها- قال تعالى وَ اصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ- . و قال عنتره یذکر حربا-

فصبرت عارفه لذلک حره
ترسو إذا نفس الجبان تطلع‏

وفی الحدیث النبوی فی رجل أمسک رجلا و قتله آخر- فقال ع اقتلوا القاتل و اصبروا الصابر- أی احبسوا الذی حبسه للقتل إلى أن یموت- . و قوله فإن فوزا أفصح من أن یقول- فإن الفوز أو فإن فی الفوز کما قال الشاعر-

إن شواء و نشوه
و خبب البازل الأمون‏

من لذه العیش و الفتى‏
للدهر و الدهر ذو شئون‏

 و لم یقل إن الشواء و النشوه- و السر فی هذا- أنه کأنه یجعل هذا الشواء شخصا من جمله أشخاص- داخله تحت نوع واحد و یقول- إن واحدا منها أیها کان فهو من لذه العیش- و إن لم یحصل له کل أشخاص ذلک النوع- و مراده تقریر فضیله هذه الخصال فی النفوس- أی متى حصل للإنسان فوز ما بها- فقد حصل له الشرف- و هذا المعنى و إن أعطاه لفظه الفوز بالألف و اللام- إذا قصد بها الجنسیه- إلا أنه قد یسبق إلى الذهن منها الاستغراق لا الجنسیه- فأتى بلفظه لا توهم الاستغراق و هی اللفظه المنکره- و هذا دقیق و هو من لباب علم البیان

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۱۷

خطبه ۱۴۱ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۴۱ و من کلام له ع

أَیُّهَا النَّاسُ- مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِیهِ وَثِیقَهَ دِینٍ وَ سَدَادَ طَرِیقٍ- فَلَا یَسْمَعَنَّ فِیهِ أَقَاوِیلَ الرِّجَالِ- أَمَا إِنَّهُ قَدْ یَرْمِی الرَّامِی- وَ تُخْطِئُ السِّهَامُ وَ یُحِیلُ الْکَلَامُ- وَ بَاطِلُ ذَلِکَ یَبُورُ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ وَ شَهِیدٌ- أَمَا إِنَّهُ لَیْسَ بَیْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ إِلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ- فَسُئِلَ ع عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا- فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ وَ وَضَعَهَا بَیْنَ أُذُنِهِ وَ عَیْنِهِ ثُمَّ قَالَ- الْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ- وَ الْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَیْتُ هذا الکلام هو نهی عن التسرع إلى التصدیق- بما یقال من العیب و القدح فی حق الإنسان المستور الظاهر- المشتهر بالصلاح و الخیر و هو خلاصه قوله سبحانه- إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا- أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَهٍ- فَتُصْبِحُوا عَلى‏ ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ- ثم ضرب ع لذلک مثلا- فقال قد یرمی الرامی فلا یصیب الغرض- و کذلک قد یطعن الطاعن فلا یکون طعنه صحیحا- و ربما کان لغرض فاسد أو سمعه ممن له غرض‏ فاسدا- کالعدو و الحسود- و قد یشتبه الأمر فیظن المعروف منکرا- فیعجل الإنسان بقول لا یتحققه- کمن یرى غلام زید یحمل فی إناء مستور مغطى خلا- فیظنه خمرا- .

قال ع و یحیل الکلام- أی یکون باطلا أحال الرجل فی منطقه- إذا تکلم الذی لا حقیقه له- و من الناس من یرویه و یحیک الکلام بالکاف- من قولک ما حاک فیه السیف- و یجوز أحاک بالهمزه أی ما أثر- یعنی أن القول یؤثر فی العرض و إن کان باطلا- و الروایه الأولى أشهر و أظهر- . و یبور یفسد و قوله و باطل ذلک یبور- مثل قولهم للباطل جوله و للحق دوله- و هذا من قوله تعالى- وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ- إِنَّ الْباطِلَ کانَ زَهُوقاً- . و الإصبع مؤنثه و لذلک قال أربع أصابع فحذف الهاء- .

فإن قلت کیف یقول ع- الباطل ما یسمع و الحق ما یرى- و أکثر المعلومات إنما هی من طریق السماع- کعلمنا الآن بنبوه محمد ص بما بلغنا من معجزاته التی لم نرها- و إنما سمعناها- . قلت لیس کلامه فی المتواتر من الأخبار- و إنما کلامه فی الأقوال الشاذه الوارده من طریق الآحاد- التی تتضمن القدح فیمن قد غلبت نزاهته- فلا یجوز العدول عن المعلوم بالمشکوک

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۹۸

خطبه ۱۴۰ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(النهی عن غیبه الناس)

۱۴۰ و من کلام له ع فی النهی عن غیبه الناس

وَ إِنَّمَا یَنْبَغِی لِأَهْلِ الْعِصْمَهِ وَ الْمَصْنُوعِ إِلَیْهِمْ فِی السَّلَامَهِ- أَنْ یَرْحَمُوا أَهْلَ الذُّنُوبِ وَ الْمَعْصِیَهِ- وَ یَکُونَ الشُّکْرُ هُوَ الْغَالِبَ عَلَیْهِمْ- وَ الْحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ- فَکَیْفَ بِالْعَائِبِ الَّذِی عَابَ أَخَاهُ وَ عَیَّرَهُ بِبَلْوَاهُ- أَ مَا ذَکَرَ مَوْضِعَ سَتْرِ اللَّهِ عَلَیْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ- مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِی عَابَهُ بِهِ- وَ کَیْفَ یَذُمُّهُ بِذَنْبٍ قَدْ رَکِبَ مِثْلَهُ- فَإِنْ لَمْ یَکُنْ رَکِبَ ذَلِکَ الذَّنْبَ بِعَیْنِهِ- فَقَدْ عَصَى اللَّهَ فِیمَا سِوَاهُ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ- وَ ایْمُ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ یَکُنْ عَصَاهُ فِی الْکَبِیرِ- وَ عَصَاهُ فِی الصَّغِیرِ لَجُرْأَتُهُ عَلَى عَیْبِ النَّاسِ أَکْبَرُ- یَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ فِی عَیْبِ أَحَدٍ بِذَنْبِهِ- فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ وَ لَا تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِکَ صَغِیرَ مَعْصِیَهٍ- فَلَعَلَّکَ مُعَذَّبٌ عَلَیْهِ- فَلْیَکْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْکُمْ عَیْبَ غَیْرِهِ لِمَا یَعْلَمُ مِنْ عَیْبِ نَفْسِهِ- وَ لْیَکُنِ الشُّکْرُ شَاغِلًا لَهُ عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِیَ غَیْرُهُ بِهِ لیس فی هذا الفصل من غریب اللغه ما نشرح‏

أقوال مأثوره فی ذم الغیبه و الاستماع إلى المغتابینو نحن نذکر مما ورد فی الغیبه لمعا نافعه- على عادتنا فی ذکر الشی‏ء عند مرورنا على ما یقتضیه و یستدعیه- . و قد ورد فی الکتاب العزیز ذم الغیبه- قال سبحانه وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً وقال رسول الله ص لا تحاسدوا و لا تباغضوا و لا یغتب بعضکم بعضا- و کونوا عباد الله إخواناوروى جابر و أبو سعید عنه ص إیاکم و الغیبه فإن الغیبه أشد من الزنا- إن الرجل یزنی فیتوب الله علیه- و إن صاحب الغیبه لا یغفر له حتى یغفر له صاحبهوروى أنس عنه ص مررت لیله أسری بی- فرأیت قوما یخمشون وجوههم بأظافیرهم- فسألت جبریل عنهم فقال هؤلاء الذین یغتابون الناسوفی حدیث سلمان قلت یا رسول الله علمنی خیرا ینفعنی الله به-

قال لا تحقرن من المعروف شیئا- و لو أرفضت من دلوک فی إناء المستقی- و الق أخاک ببشر حسن و لا تغتابنه إذا أدبروفی حدیث البراء بن عازب خطبنا رسول الله ص حتى أسمع العواتق فی بیوتهن- فقال ألا لا تغتابوا المسلمین و لا تتبعوا عوراتهم- فإنه من یتتبع عوره أخیه تتبع الله عورته- و من یتتبع الله عورته یفضحه فی جوف بیتهوفی حدیث أنس أن رسول الله ص قال فی یوم صوم- إن فلانه و فلانه کانتا تأکلان الیوم شحم امرأه مسلمه- یعنی الغیبه- فمرهما فلتتقیئا فقاءت کل واحده منهما علقه دموفی الصحاح المجمع علیها أنه ع مر بقبرین جدیدین- فقال إنهما لیعذبان و ما یعذبان بکبیر- أما أحدهما فکان یغتاب الناس- و أما الآخر فکان لا یتنزه من البول- و دعا بجریده رطبه فکسرها اثنتین- أو قال دعا بجریدتین ثم غرسهما فی القبرین-

و قال أما إنه سیهون من عذابهما ما دامتا رطبتین وفی حدیث ابن عباس أن رجلین من أصحابه- اغتابا بحضرته رجلا و هو یمشی ع و هما یمشیان معه- فمر على جیفه فقال انهشا منها فقالا یا رسول الله- أ و ننهش الجیفه- فقال ما أصبتما من أخیکما أنتن من هذهوفی حدیث أبی هریره من أکل لحم أخیه حیا قرب إلیه لحمه فی الآخره- فقیل له کله میتا کما أکلته حیا- فیأکله و یضج و یکلحو روی أن رجلین کانا عند باب المسجد- فمر بهما رجل کان مخنثا فترک ذلک- فقالا لقد بقی عنده منه شی‏ء فأقیمت الصلاه- فصلیا مع الناس و ذلک یجول فی أنفسهما فأتیا عطاء بن أبی رباح- فسألاه فأمرهما أن یعیدا الوضوء و الصلاه- و إن کانا صائمین أن یقضیا صیام ذلک الیوم- . و عن مجاهد وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَهٍ لُمَزَهٍ- الهمزه الطعان فی الناس و اللمزه النمام- . و عن الحسن- و الله للغیبه أسرع فی دین المؤمن من الأکله فی الجسد- .

بعضهم أدرکنا السلف- و هم لا یرون العباده فی الصوم و لا فی الصلاه- و لکن فی الکف عن أعراض الناس- . ابن عباس إذا أردت أن تذکر عیوب صاحبک- فاذکر عیوبک و هذا مشتق من کلام أمیر المؤمنین ع- . أبو هریره یبصر أحدهما القذى فی عین أخیه- و لا یبصر الجذع فی عین نفسه و هذا کالأول- . الحسن یا ابن آدم إنک إن قضیت حقیقه الإیمان- فلا تعب الناس بعیب هو فیک- حتى تبدأ بإصلاح ذلک العیب من نفسک- فإذا فعلت ذلک کان شغلک فی خاصه نفسک- و أحب العباد إلى الله من کان هکذا- .

ویروى أن المسیح ع مر على جیفه کلب- فقال بعض التلامذه ما أشد نتنه- فقال المسیح ما أشد بیاض أسنانه- کأنه نهاهم عن غیبه الکلب و نبههم- إلى أنه لا ینبغی أن یذکر من کل شی‏ء إلا أحسنه- . وسمع علی بن الحسین ع رجلا یغتاب آخر- فقال إن لکل شی‏ء إداما و إدام کلاب الناس الغیبهوفی خطبه حجه الوداع أیها الناس إن دماءکم و أموالکم- و أعراضکم علیکم حرام کحرمه یومکم هذا- فی شهرکم هذا فی بلدکم هذا- إن الله حرم الغیبه کما حرم المال و الدمعمر: ما یمنعکم إذا رأیتم من یخرق أعراض الناس- أن تعربوا علیه أی تقبحوا- قالوا نخاف سفهه و شره- قال ذلک أدنى ألا تکونوا شهداءأنس یرفعه من مات على الغیبه- حشر یوم القیامه مزرقه عیناه- ینادى بالویل و الندامه یعرف أهله و لا یعرفونهو قال هشام بن عبد الملک فی بعض ولد الولید بن عقبه-

أبلغ أبا وهب إذا ما لقیته
بأنک شر الناس غیبا لصاحب‏

فتبدی له بشرا إذا ما لقیته‏
و تلسعه بالغیب لسع العقارب‏

مر الشعبی بقوم یغتابونه فی المسجد- و فیهم بعض أصدقائه فأخذ بعضادتی الباب و قال-

هنیئا مریئا غیر داء مخامر
لعزه من أعراضنا ما استحلت‏

و من کلام بعض الحکماء- أبصر الناس بالعوار المعوار- هذا مثل قول الشاعر-

و أجرأ من رأیت بظهر غیب
على عیب الرجال ذوو العیوب‏

قیل لشبیب بن شبه بن عقال- ما بال عبد الله بن الأهتم یغتابک و ینتقصک- قال لأنه شقیقی فی النسب- و جاری فی البلد و شریکی فی الصنعه- . دخل أبو العیناء على المتوکل و عنده جلساؤه فقال له- یا محمد کلهم کانوا فی غیبتک منذ الیوم- و لم یبق أحد لم یذممک غیری فقال-

إذا رضیت عنی کرام عشیرتی
فلا زال غضبان علی لئامها

قال بعضهم بت بالبصره لیله مع المسجدیین- فلما کان وقت السحر حرکهم واحد- فقال إلى کم هذا النوم عن أعراض الناس- و قیل لشاعر وصله بعض الرؤساء- و أنعم علیه ما صنع بک فلان قال ما وفت نعمته بإساءته- منعنی لذه الثلب و حلاوه الشکوى- . أعرابی من عاب سفله فقد رفعه- و من عاب شریفا فقد وضع نفسه- .

نظر بعض السلف إلى رجل یغتاب رجلا- و قال یا هذا إنک تملی على حافظیک کتابا فانظر ما ذا تقول- . ابن عباس ما الأسد الضاری على فریسه- بأسرع من الدنی‏ء فی عرض السری- بعضهم

و مطروفه عیناه عن عیب نفسه
فإن لاح عیب من أخیه تبصرا

و قالت رابعه العدویه- إذا نصح الإنسان لله أطلعه الله تعالى على مساوئ عمله- فتشاغل بها عن ذکر مساوئ خلقه- . قال عبد الله بن عروه بن الزبیر لابنه- یا بنی علیک بالدین- فإن الدنیا ما بنت شیئا إلا هدمه الدین- و إذا بنى الدین شیئا لم تستطع الدنیا هدمه- أ لا ترى علی بن أبی طالب- و ما یقول فیه خطباء بنی أمیه من ذمه و عیبه و غیبته- و الله لکأنما یأخذون بناصیته إلى السماء- أ لا تراهم کیف یندبون موتاهم و یرثیهم شعراؤهم- و الله لکأنما یندبون جیف الحمر- .

و من کلام بعض الصالحین- الورع فی المنطق أشد منه فی الذهب و الفضه- لأنک إذا استودعک أخوک مالا- لم تجد بک نفسک لخیانه فیه- و قد استودعک عرضه و أنت تغتابه و لا تبالی- . کان محمد بن سیرین قد جعل على نفسه- کلما اغتاب أحدا أن یتصدق بدینار- و کان إذا مدح أحدا قال- هو کما یشاء الله و إذا ذمه قال هو کما یعلم الله- . الأحنف فی خلتان لا أغتاب جلیسی إذا قام عنی- و لا أدخل بین القوم فیما لم یدخلونی فیه- . قیل لرجل من العرب من السید فیکم- قال الذی إذا أقبل هبناه و إذا أدبر اغتبناه- .قیل للربیع بن خیثم ما نراک تعیب أحدا- فقال لست راضیا على نفسی فأتفرغ لذکر عیوب الناس ثم قال-

لنفسی أبکی لست أبکی لغیرها
لنفسی فی نفسی عن الناس شاغل‏

عبد الله بن المبارک قلت لسفیان- ما أبعد أبا حنیفه من الغیبه ما سمعته یغتاب عدوا- قال هو و الله أعقل من أن یسلط على حسناته ما یذهب بها- . سئل فضیل عن غیبه الفاسق فقال لا تشتغل بذکره- و لا تعود لسانک الغیبه أشغل لسانک بذکر الله- و إیاک ذکر الناس فإن ذکر الناس داء و ذکر الله دواء- . بعض الشعراء

و لست بذی نیرب فی الصدیق
خئون العشیره سبابها

و لا من إذا کان فی مجلس‏
أضاع القبیله و اغتابها

و لکن أبجل ساداتها
و لا أتعلم ألقابها

و کان یقال الغیبه فاکهه القراء- و قیل لإسماعیل بن حماد بن أبی حنیفه- أی اللحمان أطیب قال لحوم الناس- هی و الله أطیب من لحوم الدجاج و الدراج یعنی الغیبه- . ابن المغیره لا تذکر المیت بسوء- فتکون الأرض أکتم علیه منک- . و کان عبد الملک بن صالح الهاشمی إذا ذکر عنده المیت بسوء- یقول کفوا عن أسارى الثرى- . وفی الأثر سامع الغیبه أحد المغتابین- .أبو نواس

ما حطک الواشون من رتبه
عندی و ما ضرک مغتاب‏

کأنهم أثنوا و لم یعلموا
علیک عندی بالذی عابوا

الحسن ذم الرجل فی السر مدح له فی العلانیه- .علی ع الغیبه جهد العاجز- أخذه المتنبی فقالو أکبر نفسی عن جزاء بغیبهو کل اغتیاب جهد من ما له جهد- . بلغ الحسن أن رجلا اغتابه- فأهدى إلیه طبقا من رطب فجاءه الرجل معتذرا- و قال أصلحک الله اغتبتک فأهدیت لی- قال إنک أهدیت إلی حسناتک فأردت أن أکافئک- .

أتى رجل عمرو بن عبید الله فقال له- إن الأسواری لم یزل أمس یذکرک و یقول- عمرو الضال فقال له یا هذا- و الله ما رعیت حق مجالسه الرجل حین نقلت إلینا حدیثه- و لا رعیت حقی حین بلغت عن أخی ما أکرهه- أعلمه أن الموت یعمنا و البعث یحشرنا و القیامه تجمعنا- و الله یحکم بیننا

حکم الغیبه فی الدین

و اعلم أن العلماء ذکروا فی حد الغیبه- أن تذکر أخاک بما یکرهه لو بلغه- سواء ذکرت نقصانا فی بدنه- مثل أن تقول الأقرع أو الأعور أو فی نسبه نحو أن تقول- ابن النبطی و ابن الإسکاف أو الزبال أو الحائک أو خلقه- نحو سیئ الخلق أو بخیل‏ أو متکبر- أو فی أفعاله الدنیئه نحو قولک- کذاب و ظالم و متهاون بالصلاه- أو الدنیویه نحو قولک قلیل الأدب متهاون بالناس- کثیر الکلام کثیر الأکل- أو فی ثوبه کقولک وسخ الثیاب کبیر العمامه طویل الأذیال- .

و قد قال قوم لا غیبه فی أمور الدین- لأن المغتاب إنما ذم ما ذمه الله تعالى- و احتجوا بما روی أنه ذکر لرسول الله ص امرأه و کثره صومها و صلاتها- و لکنها تؤذی جارتها فقال هی فی النار- و لم ینکر علیهم غیبتهم إیاها- .و روی أن امرأه ذکرت عنده ع بأنها بخیله- فقال فما خیرها إذن- . و أکثر العلماء على أن الغیبه فی أمور الدین محرمه أیضا- و ادعوا الإجماع على أن من ذکر غیره بما یکرهه فهو مغتاب- سواء أ کان فی الدین أو فی غیره- قالوا و المخالف مسبوق بهذا الإجماع- و قالوا وقد روی عن النبی ص أنه قال هل تدرون ما الغیبه قالوا الله و رسوله أعلم- قال ذکرک أخاک بما یکرهه- فقائل قال أ رأیت یا رسول الله إن کان ذلک فی أخی- قال إن کان فیه فقد اغتبته و إن لم یکن فقد بهته- .

قالوا وروى معاذ بن جبل أن رجلا ذکر عند رسول الله ص- فقال قوم ما أعجزه فقال ع اغتبتم صاحبکم- فقالوا قلنا ما فیه فقال إن قلتم ما لیس فیه فقد بهتموه- . قالوا و ما احتج به الزاعمون أن لا غیبه فی الدین- لیس بحجه لأن الصحابه- إنما ذکرت ذلک فی مجلس رسول الله ص لحاجتها- إلى تعرف الأحکام بالسؤال و لم یکن غرضها التنقص- .

و اعلم أن الغیبه لیست مقصوره على اللسان فقط- بل کل ما عرفت به صاحبک‏ نقص أخیک فهو غیبه- فقد یکون ذلک باللسان- و قد یکون بالإشاره و الإیماء و بالمحاکاه- نحو أن تمشی خلف الأعرج متعارجا- و بالکتاب فإن القلم أحد اللسانین- . و إذا ذکر المصنف شخصا فی تصنیفه- و هجن کلامه فهو غیبه- فأما قوله قال قوم کذا فلیس بغیبه لأنه لم یعین شخصا بعینه- .

وکان رسول الله ص یقول ما بال أقوام یقولون کذا- فکان لا یعین- و یکون مقصوده واحدا بعینه و أخبث أنواع الغیبه غیبه القراء المراءین- و ذلک نحو أن یذکر عندهم إنسان فیقول قائلهم- الحمد لله الذی لم یبلنا بدخول أبواب السلطان- و التبذل فی طلب الحطام- و قصده أن یفهم الغیر عیب ذلک الشخص- فتخرج الغیبه فی مخرج الحمد و الشکر لله تعالى- فیحصل من ذلک غیبه المسلم و یحصل منه الریاء- و إظهار التعفف عن الغیبه و هو واقع فیها- و کذلک یقول لقد ساءنی ما یذکر به فلان- نسأل الله أن یعصمه و یکون کاذبا فی دعوى أنه ساءه- و فی إظهار الدعاء له- بل لو قصد الدعاء له لأخفاه فی خلوه عقب صلواته- و لو کان قد ساءه لساءه أیضا إظهار ما یکرهه ذلک الإنسان- .

و اعلم أن الإصغاء إلى الغیبه على سبیل التعجب کالغیبه- بل أشد لأنه إنما یظهر التعجب لیزید نشاط المغتاب فی الغیبه- فیندفع فیها حکایه یستخرج الغیبه منه بذلک- و إذا کان السامع الساکت شریک المغتاب- فما ظنک بالمجتهد فی حصول الغیبه- و الباعث على الاستزاده منها- و قد روی أن أبا بکر و عمر ذکرا إنسانا عند رسول الله- فقال أحدهما إنه لنئوم ثم أخرج رسول الله ص خبزا قفارا- فطلبا منه أدما فقال قد ائتدمتما قالا ما نعلمه- قال بلى بما أکلتما من لحم صاحبکما فجمعهما فی الإثم- و قد کان أحدهما قائلا و الآخر مستمعا- فالمستمع لا یخرج من إثم الغیبه إلا بأن ینکر بلسانه- فإن خاف فبقلبه و إن قدر على القیام- أو قطع الکلام بکلام آخر لزمه ذلک- فإن قال بلسانه اسکت و هو مرید للغیبه بقلبه فذلک نفاق- و لا یخرجه عن الإثم إلا أن یکرهه بقلبه- و لا یکفی أن یشیر بالید أی اکفف أو بالحاجب و العین- فإن ذلک استحقار للمذکور بل ینبغی أن یذب عنه صریحا-فقد قال رسول الله ص من أذل عنده مؤمن- و هو یقدر على أن ینصره فلم ینصره- أذله الله یوم القیامه على رءوس الخلائق

فصل فی الأسباب الباعثه على الغیبه

و اعلم أن الأسباب الباعثه على الغیبه على أمور- منها شفاء الغیظ- و ذلک أن یجری من الإنسان سبب یغضب به علیه آخر- فإذا هاج غضبه تشفى بذکر مساوئه- و سبق إلیها لسانه بالطبع إن لم یکن هناک دین وازع- و قد یمنع تشفی الغیظ عند الغضب- فیحتقن الغضب فی الباطن- فیصیر حقدا ثابتا فیکون سببا دائما لذکر المساوئ- . و منها موافقه الأقران و مساعدتهم على الکلام- فإنهم إذا اجتمعوا ربما أخذوا یتفکهون بذکر الأعراض- فیرى أنه لو أنکر أو قطع المجلس استثقلوه- و نفروا عنه فیساعدهم و یرى ذلک من حسن المعاشره- و یظن أنه مجامله فی الصحبه- و قد یغضب رفقاؤه من أمر فیحتاج إلى أن یغضب لغضبهم- إظهارا للمساهمه فی السراء و الضراء- فیخوض معهم فی ذکر العیوب و المساوئ- .

و منها أن یستشعر من إنسان أنه سیذمه- و یطول لسانه فیه و یقبح حاله عند بعض الرؤساء- أو یشهد علیه بشهاده فیبادره قبل أن یقبح حاله- فیطعن فیه لیسقط أثر شهادته علیه- . و قد یبتدئ بذکر بعض ما فیه صادقا- لیکذب علیه بعد ذلک- فیروج کذبه بالصدق الأول- . و منها أن ینسب إلى أمر فیرید التبرؤ منه- فیذکر الذی فعله و کان من حقه أن یبرئ نفسه- و لا یذکر الذی فعله- لکنه إنما یذکر غیره تأکیدا لبراءه نفسه- و کیلا یکون تبرؤا مبتورا- و ربما یعتذر بأن یقول فلان فعله- و کنت شریکا فی بعض الأمر لیبرئ نفسه بعض البراءه- . و منها المباهاه و حب الرئاسه مثل أن یقول- کلام فلان رکیک و معرفته بالفن الفلانی ناقصه- و غرضه إظهار فضله علیه- .

و منها الحسد- و إراده إسقاط قدر من یمدحه الناس بذکر مساوئه- لأنه یشق علیه ثناء الناس علیه- و لا یجد سبیلا إلى سد باب الثناء علیه إلا بذکر عیوبه- . و منها اللعب و الهزل و المطایبه- و تزجیه الوقت بالضحک و السخریه- فیذکر غیره بما یضحک الحاضرین على سبیل الهزء و المحاکاه- .

و اعلم أن الذی یقوى فی نفسی- أن الغیبه لا تکون محرمه- إلا إذا کانت على سبیل القصد- إلى تنقص الإنسان فقط و غض قدره- فأما إذا خرجت مخرجا آخر فلیست بحرام- کمن یظلمه القاضی و یأخذ الرشوه على إسقاط حقوقه- فإن له أن یذکر حاله للسلطان متظلما من حیف الحاکم علیه- إذ لا یمکنه استیفاء حقوقه إلا بذلک-فقد قال ص مطل الغنی ظلموقال لی الواجد یحل عقوبته و عرضهو کذلک النهی عن المنکر واجب- و قد یحتاج الإنسان إلى الاستعانه بالغیر على تغییره- و رد القاضی إلى منهج الصلاح- فلا بد له أن یشرح للغیر- حال ذلک الإنسان المرتکب المنکر- و من ذکر الإنسان بلقب مشهور فعرف عن عیبه- کالأعرج و الأعمش المحدثین- لم یکن مغتابا إذا لم یقصد الغض و النقص- .

و الصحیح أن المجاهر بالفسق لا غیبه له- کصاحب الماخور و المخنث- و من یدعو الناس إلى نفسه أبنه و کالعشار و المستخرج بالضرب- فإن هؤلاء غیر کارهین لما یذکرون به- و ربما تفاخروا بذلک- وقد قال النبی ص من ألقى جلباب الحیاء عن وجهه فلا غیبه له- و قال عمر لیس لفاجر حرمه- و أراد المجاهر بالفسق دون المستتر- . و قال الصلت بن طریف قلت للحسن رحمه الله- الرجل الفاجر المعلن بالفجور غیر مراقب- هل ذکری له بما فیه غیبه فقال لا و لا کرامه له

طریق التوبه من الغیبه

و اعلم أن التوبه من الغیبه تکفر عقابها- و التوبه منها هی الندم علیها و العزم على ألا یعود- فإن لم یکن الشخص المذکور قد بلغته الغیبه- فلا حاجه إلى الاستحلال منه- بل لا یجوز إعلامه بذلک- هکذا قال شیخنا أبو الحسین رحمه الله لأنه لم یؤلمه- فیحتاج إلى أن یستوهب منه إثم ذلک الإیلام- و فی إعلامه تضییق صدره و إدخال مشقه علیه- و إن کان الشخص المذکور قد بلغته الغیبه- وجب علیه أن یستحله و یستوهبه- فإن کان قد مات سقط بالتوبه- عقاب ما یختص بالبارئ سبحانه من ذلک الوقت- و بقی ما یختص بذلک المیت لا یسقط- حتى یؤخذ العوض له من المذنب یوم القصاص

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۹

بازدیدها: ۷۱