نامه ۹ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی) جز الرابع(مقتل حمزه بن عبد المطلب رضی الله عنه)

القول فی مقتل حمزه بن عبد المطلب رضی الله عنه

قال الواقدی کان وحشی عبدا- لابنه الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف- و یقال کان لجبیر بن مطعم بن عدی بن نوفل بن عبد مناف- فقالت له ابنه الحارث إن أبی قتل یوم بدر- فإن أنت قتلت أحد الثلاثه فأنت حر- محمد و علی بن أبی طالب و حمزه بن عبد المطلب- فإنی لا أرى فی القوم کفؤا لأبی غیرهم- فقال وحشی أما محمد فقد علمت أنی لا أقدر علیه- و أن أصحابه لن یسلموه- و أما حمزه فو الله لو وجدته نائما ما أیقظته من هیبته- و أما علی فألتمسه- قال وحشی فکنت یوم أحد ألتمسه- فبینا أنا فی طلبه طلع علی- فطلع رجل حذر مرس کثیر الالتفات- فقلت ما هذا بصاحبی الذی ألتمس- إذ رأیت حمزه یفری الناس فریا- فکمنت له إلى صخره و هو مکبس له کتیت- فاعترض له سباع بن أم نیار- و کانت أمه ختانه بمکه- مولاه لشریف بن علاج بن عمرو بن وهب الثقفی- و کان سباع یکنى أبا نیار- فقال له حمزه و أنت أیضا یا ابن مقطعه البظور ممن یکثر علینا- هلم إلی فاحتمله- حتى إذا برقت قدماه رمى به فبرک علیه- فشحطه شحط الشاه- ثم أقبل علی مکبا حین رآنی- فلما بلغ المسیل- وطئ على جرف فزلت قدمه- فهززت حربتی حتى رضیت منها- فأضرب بها فی خاصرته حتى خرجت من مثانته- و کر علیه طائفه من أصحابه- فأسمعهم یقولون أبا عماره فلا یجیب- فقلت قد و الله مات الرجل- و ذکرت هندا و ما لقیت على أبیها و عمها و أخیها- و انکشف عنه أصحابه حین أیقنوا بموته و لا یرونی- فأکر علیه فشققت بطنه فاستخرجت کبده- فجئت بها إلى هند بنت عتبه- فقلت ما ذا لی إن قتلت قاتل أبیک قالت سلنی- فقلت هذه کبد حمزه فمضغتها ثم لفظتها- فلا أدری لم تسغها أو قذرتها- فنزعت ثیابها و حلیها فأعطتنیه- ثم قالت إذا جئت مکه فلک عشره دنانیر- ثم قالت أرنی مصرعه فأریتها مصرعه- فقطعت مذاکیره و جدعت أنفه و قطعت أذنیه- ثم جعلت ذلک مسکتین و معضدین و خدمتین- حتى قدمت بذلک مکه و قدمت بکبده أیضا معها- .

قال الواقدی و حدثنی عبد الله بن جعفر- عن ابن أبی عون عن الزهری- عن عبید الله بن عدی بن الخیار قال- غزونا الشام فی زمن عثمان بن عفان- فمررنا بحمص بعد العصر- فقلنا وحشی فقیل لا تقدرون علیه- هو الآن یشرب الخمر حتى یصبح- فبتنا من أجله و إننا لثمانون رجلا- فلما صلینا الصبح جئنا إلى منزله- فإذا شیخ کبیر قد طرحت له زربیه قدر مجلسه- فقلنا له أخبرنا عن قتل حمزه و عن قتل مسیلمه- فکره ذلک و أعرض عنه- فقلنا ما بتنا هذه اللیله إلا من أجلک- فقال إنی کنت عبدا لجبیر بن مطعم بن عدی- فلما خرج الناس إلى أحد دعانی- فقال قد رأیت مقتل طعیمه بن عدی- قتله حمزه بن عبد المطلب یوم بدر- فلم تزل نساؤنا فی حزن‏ شدید إلى یومی هذا- فإن قتلت حمزه فأنت حر- فخرجت مع الناس و لی مزاریق- کنت أمر بهند بنت عتبه- فتقول إیه أبا دسمه اشف و اشتف- فلما وردنا أحدا نظرت إلى حمزه یقدم الناس یهدهم هدا- فرآنی و قد کمنت له تحت شجره- فأقبل نحوی و تعرض له سباع الخزاعی- فأقبل إلیه و قال- و أنت أیضا یا ابن مقطعه البظور ممن یکثر علینا- هلم إلی و أقبل نحوه حتى رأیت برقان رجلیه- ثم ضرب به الأرض و قتله- و أقبل نحوی سریعا فیعترض له جرف فیقع فیه- و أزرقه بمزراق فیقع فی لبته- حتى خرج من بین رجلیه فقتله- و مررت بهند بنت عتبه فآذنتها- فأعطتنی ثیابها و حلیها- و کان فی ساقیها خدمتان من جزع ظفار- و مسکتان من ورق- و خواتیم من ورق کن فی أصابع رجلیها- فأعطتنی بکل ذلک- و أما مسیلمه فإنا دخلنا حدیقه الموت یوم الیمامه- فلما رأیته زرقته بالمزراق- و ضربه رجل من الأنصار بالسیف- فربک أعلم أینا قتله- إلا أنی سمعت امرأه تصیح فوق جدار قتله العبد الحبشی- قال عبید الله فقلت أ تعرفنی فأکر بصره علی- و قال ابن عدی لعاتکه بنت العیص قلت نعم- قال أما و الله ما لی بک عهد- بعد أن دفعتک إلى أمک فی محفتک التی کانت ترضعک فیها- و نظرت إلى برقان قدمیک حتى کأنه الآن- . و روى محمد بن إسحاق فی کتاب المغازی- قال علت هند یومئذ صخره مشرفه- و صرخت بأعلى صوتها-

نحن جزیناکم بیوم بدر
و الحرب بعد الحرب ذات سعر

ما کان عن عتبه لی من صبر
و لا أخی و عمه و بکری‏

شفیت نفسی و قضیت نذری
شفیت وحشی غلیل صدری‏

فشکر وحشی على عمری
حتى ترم أعظمی فی قبری‏

قال فأجابتها هند بنت أثاثه بن المطلب بن عبد مناف-

خزیت فی بدر و غیر بدر
یا بنت غدار عظیم الکفر

أفحمک الله غداه الفجر
بالهاشمیین الطوال الزهر

بکل قطاع حسام یفری
حمزه لیثی و علی صقری‏

إذ رام شیب و أبوک قهری‏
فخضبا منه ضواحی النحر

قال محمد بن إسحاق- و من الشعر الذی ارتجزت به هند بنت عتبه یوم أحد-

شفیت من حمزه نفسی
بأحد حین بقرت بطنه عن الکبد

أذهب عنی ذاک ما کنت أجد
من لوعه الحزن الشدید المعتمد

و الحرب تعلوکم بشؤبوب
برد نقدم إقداما علیکم کالأسد

قال محمد بن إسحاق حدثنی صالح بن کیسان- قال حدثت أن عمر بن الخطاب قال لحسان- یا أبا الفریعه لو سمعت ما تقول هند- و لو رأیت شرها قائمه على صخره ترتجز بنا- و تذکر ما صنعت بحمزه- فقال حسان و الله إنی لأنظر إلى الحربه تهوی- و أنا على فارع یعنی أطمه- فقلت و الله إن هذه لسلاح لیس بسلاح العرب- و إذا بها تهوی إلى حمزه و لا أدری- و لکن أسمعنی بعض قولها أکفیکموها- فأنشده عمر بعض ما قالت- فقال حسان یهجوها

أشرت لکاع و کان عادتها
لؤما إذا أشرت مع الکفر

أخرجت مرقصه إلى أحد
فی القوم مقتبه على بکر

بکر ثفال لا حراک به‏
لا عن معاتبه و لا زجر

أخرجت ثائره محاربه
بأبیک و ابنک بعد فی بدر

و بعمک المتروک منجدلا
و أخیک منعفرین فی الجفر

فرجعت صاغره بلا تره
منا ظفرت بها و لا وتر

و قال أیضا یهجوها

لمن سواقط ولدان مطرحه
باتت تفحص فی بطحاء أجیاد

باتت تمخض لم تشهد قوابلها
إلا الوحوش و إلا جنه الوادی‏

یظل یرجمه الصبیان منعفرا
و خاله و أبوه سیدا النادی‏

فی أبیات کرهت ذکرها لفحشها- . قال و روى الواقدی عن صفیه- – بنت عبد المطلب- قالت کنا قد رفعنا یوم أحد فی الآطام- و معنا حسان بن ثابت- و کان من أجبن الناس و نحن فی فارع- فجاء نفر من یهود یرومون الأطم- فقلت دونک یا ابن الفریعه- فقال لا و الله لا أستطیع القتال- و یصعد یهودی إلى الأطم- فقلت شد على یدی السیف ثم برئت ففعل- فضربت‏ عنق الیهودی و رمیت برأسه إلیهم- فلما رأوه انکشفوا- قالت و إنی لفی فارع أول النهار مشرفه على الأطم- فرأیت المزراق فقلت أ و من سلاحهم المزاریق- أ فلا أراه هوى إلى أخی و لا أشعر- ثم خرجت آخر النهار حتى جئت رسول الله ص- و قد کنت أعرف انکشاف المسلمین- و أنا على الأطم برجوع حسان إلى أقصى الأطم- فلما رأى الدوله للمسلمین أقبل حتى وقف على جدار الأطم- قال فلما انتهیت إلى رسول الله ص- و معی نسوه من الأنصار لقیته و أصحابه أوزاع- فأول من لقیت علی ابن أخی فقال ارجعی یا عمه- فإن فی الناس تکشفا- فقلت رسول الله ص قال صالح قلت ادللنی علیه حتى أراه- فأشار إلیه إشاره خفیه فانتهیت إلیه و به الجراحه- .

قال الواقدی و کان رسول الله ص یقول یوم أحد- ما فعل عمی ما فعل عمی- فخرج الحارث بن الصمه یطلبه فأبطأ- فخرج علی ع یطلبه- فیقول

یا رب إن الحارث بن الصمه
کان رفیقا و بنا ذا ذمه

قد ضل فی مهامه مهمه
یلتمس الجنه فیها ثمه

حتى انتهى إلى الحارث و وجد حمزه مقتولا- فجاء فأخبر النبی ص فأقبل یمشی حتى وقف علیه- فقال ما وقفت موقفا قط أغیظ إلی من هذا الموقف- . فطلعت صفیه- فقال یا زبیر أغن عنی أمک و حمزه یحفر له- فقال الزبیر یا أمه إن فی الناس تکشفا فارجعی- فقالت ما أنا بفاعله حتى أرى رسول الله ص- فلما رأته قالت یا رسول الله أین ابن أمی حمزه- فقال هو فی الناس قالت لا أرجع حتى أنظر إلیه- قال الزبیر فجعلت أطدها إلى الأرض حتى دفن- وقال رسول الله‏ ص لو لا أن تحزن نساؤنا لذلک لترکناه للعافیه- یعنی السباع و الطیر- حتى یحشر یوم القیامه من بطونها و حواصلها- .

قال الواقدی و روی أن صفیه لما جاءت- حالت الأنصار بینها و بین رسول الله ص- فقال دعوها فجلست عنده- فجعلت إذا بکت یبکی رسول الله ص- و إذا نشجت ینشج رسول الله ص- و جعلت فاطمه ع تبکی- فلما بکت بکى رسول الله ص- ثم قال لن أصاب بمثل حمزه أبدا-ثم قال ص لصفیه و فاطمه أبشرا- أتانی جبرائیل ع- فأخبرنی أن حمزه مکتوب فی أهل السموات السبع- حمزه بن عبد المطلب أسد الله و أسد رسوله-.

قال الواقدی و رأى رسول الله ص بحمزه مثلا شدیدا- فحزنه ذلک- و قال إن ظفرت بقریش لأمثلن بثلاثین منهم- فأنزل الله علیه وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ- وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ- فقال ص بل نصبر- فلم یمثل بأحد من قریش-.قال الواقدی و قام أبو قتاده الأنصاری- فجعل ینال من قریش لما رأى من غم رسول الله ص- و فی کل ذلک یشیر إلیه أن اجلس ثلاثا- فقال رسول الله ص- یا أبا قتاده إن قریشا أهل أمانه- من بغاهم العواثر کبه الله لفیه- و عسى إن طالت بک مده أن تحقر عملک مع أعمالهم- و فعالک مع فعالهم-لو لا أن تبطر قریش لأخبرتها بما لها عند الله تعالى- فقال أبو قتاده و الله یا رسول الله ما غضبت إلا لله و رسوله- حین نالوا منه ما نالوا- فقال صدقت بئس القوم کانوا لنبیهم- .

قال الواقدی و کان عبد الله بن جحش قبل أن تقع الحرب قال- یا رسول الله إن هؤلاء القوم قد نزلوا بحیث ترى- فقد سألت الله فقلت اللهم أقسم علیک أن نلقى العدو غدا- فیقتلونی و یبقروا بطنی و یمثلوا بی- فتقول لی فیم صنع بک هذا فأقول فیک- قال و أنا أسألک یا رسول الله أخرى- أن تلی ترکتی من بعدی- فقال له نعم فخرج عبد الله فقتل و مثل به کل المثل- و دفن هو و حمزه فی قبر واحد- و ولی ترکته رسول الله ص فاشترى لأمه مالا بخیبر- .

قال الواقدی و أقبلت أخته حمنه بنت جحش- فقال لها رسول الله ص یا حمن احتسبی- قالت من یا رسول الله قال خالک حمزه- قالت إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ- غفر الله له و رحمه و هنیئا له الشهاده- ثم قال لها احتسبی قالت من یا رسول الله- قال أخوک عبد الله- قالت إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ- غفر الله له و رحمه و هنیئا له الشهاده- ثم قال احتسبی قالت من یا رسول- قال بعلک مصعب بن عمیر فقالت وا حزناه- و یقال إنها قالت وا عقراه- . قال محمد بن إسحاق فی کتابه فصرخت و ولولت-.

قال الواقدی فقال رسول الله ص إن للزوج من المرأه مکانا ما هو لأحد- و هکذا روى ابن إسحاق أیضا- . قال الواقدی ثم قال لها رسول الله ص لم قلت هذا- قالت ذکرت یتم بنیه فراعنی- فدعا رسول الله ص لولده أن یحسن الله علیهم الخلف-فتزوجت طلحه بن عبید الله فولدت منه محمد بن طلحه- فکان أوصل الناس لولد مصعب بن عمیر

القول فیمن ثبت مع رسول الله ص یوم أحد

قال الواقدی حدثنی موسى بن یعقوب- عن عمته عن أمها عن المقداد- قال لما تصاف القوم للقتال یوم أحد- جلس رسول الله ص تحت رایه مصعب بن عمیر- فلما قتل أصحاب اللواء و هزم المشرکون الهزیمه الأولى- و أغار المسلمون على معسکرهم ینهبونه- ثم کر المشرکون على المسلمین فأتوهم من خلفهم- فتفرق الناس- و نادى رسول الله ص فی أصحاب الألویه- فقتل مصعب بن عمیر حامل لوائه ص- و أخذ رایه الخزرج سعد بن عباده- فقام رسول الله ص تحتها و أصحابه محدقون به- و دفع لواء المهاجرین إلى أبی الردم أحد بنی عبد الدار- آخر نهار ذلک الیوم- و نظرت إلى لواء الأوس مع أسید بن حضیر- فناوشوا المشرکین ساعه- و اقتتلوا على اختلاط من الصفوف- و نادى المشرکون بشعارهم یا للعزى یا لهبل- فأوجعوا و الله فینا قتلا ذریعا- و نالوا من رسول الله ص ما نالوا- لا و الذی بعثه بالحق ما زال شبرا واحدا- إنه لفی وجه العدو و تثوب إلیه طائفه من أصحابه مره- و تتفرق عنه مره- فربما رأیته قائما یرمی عن قوسه أو یرمی بالحجر حتى تحاجزوا- و کانت العصابه التی ثبتت مع رسول الله ص أربعه عشر رجلا- سبعه من المهاجرین و سبعه من الأنصار- أما المهاجرون فعلی ع و أبو بکر و عبد الرحمن بن عوف- و سعد بن أبی وقاص و طلحه بن عبید الله- و أبو عبیده بن الجراح و الزبیر بن العوام-و أما الأنصار فالحباب بن المنذر و أبو دجانه- و عاصم بن ثابت بن أبی الأقلح و الحارث بن الصمه- و سهل بن حنیف و سعد بن معاذ و أسید بن حضیر- .

قال الواقدی و قد روی- أن سعد بن عباده و محمد بن مسلمه ثبتا یومئذ و لم یفرا- و من روى ذلک- جعلهما مکان سعد بن معاذ و أسید بن حضیر- . قال الواقدی و بایعه یومئذ على الموت ثمانیه- ثلاثه من المهاجرین و خمسه من الأنصار- فأما المهاجرون فعلی ع و طلحه و الزبیر- و أما الأنصار فأبو دجانه و الحارث بن الصمه- و الحباب بن المنذر و عاصم بن ثابت و سهل بن حنیف- و لم یقتل منهم ذلک الیوم أحد- و أما باقی المسلمین ففروا- و رسول الله ص یدعوهم فی أخراهم- حتى انتهى منهم إلى قریب من المهراس- . قال الواقدی و حدثنی عتبه بن جبیر- عن یعقوب بن عمیر بن قتاده قال- ثبت یومئذ بین یدیه ثلاثون رجلا- کلهم یقول وجهی دون وجهک- و نفسی دون نفسک و علیک السلام غیر مودع- .

قلت قد اختلف فی عمر بن الخطاب هل ثبت یومئذ أم لا- مع اتفاق الرواه کافه على أن عثمان لم یثبت- فالواقدی ذکر أنه لم یثبت- و أما محمد بن إسحاق و البلاذری فجعلاه مع من ثبت و لم یفر- و اتفقوا کلهم- على أن ضرار بن الخطاب الفهری قرع رأسه بالرمح- و قال إنها نعمه مشکوره یا ابن الخطاب- إنی آلیت ألا أقتل رجلا من قریش- .

و روى ذلک محمد بن إسحاق و غیره و لم یختلفوا فی ذلک- و إنما اختلفوا هل قرعه بالرمح و هو فار هارب- أم مقدم ثابت- و الذین رووا أنه قرعه بالرمح و هو هارب- لم یقل‏أحد منهم إنه هرب حین هرب عثمان- و لا إلى الجهه التی فر إلیها عثمان- و إنما هرب معتصما بالجبل- و هذا لیس بعیب و لا ذنب- لأن الذین ثبتوا مع رسول الله ص- اعتصموا بالجبل کلهم و أصعدوا فیه- و لکن یبقى الفرق بین من أصعد فی الجبل فی آخر الأمر- و من أصعد فیه و الحرب لم تضع أوزارها- فإن کان عمر أصعد فیه آخر الأمر- فکل المسلمین هکذا صنعوا حتى رسول الله ص- و إن کان ذلک و الحرب قائمه بعد تفرق- .

و لم یختلف الرواه من أهل الحدیث- فی أن أبا بکر لم یفر یومئذ- و أنه ثبت فیمن ثبت- و إن لم یکن نقل عنه قتل أو قتال- و الثبوت جهاد و فیه وحده کفایه- . و أما رواه الشیعه فإنهم یروون- أنه لم یثبت إلا علی و طلحه و الزبیر و أبو دجانه- و سهل بن حنیف و عاصم بن ثابت- و منهم من روى أنه ثبت معه أربعه عشر رجلا- من المهاجرین و الأنصار- و لا یعدون أبا بکر و عمر منهم- روى کثیر من أصحاب الحدیث- أن عثمان جاء بعد ثالثه إلى رسول الله ص- فسأله إلى أین انتهیت فقال إلى الأعرض- فقال لقد ذهبت فیها عریضه- .

روى الواقدی قال- کان بین عثمان أیام خلافته- و بین عبد الرحمن بن عوف کلام- فأرسل عبد الرحمن إلى الولید بن عقبه فدعاه- فقال اذهب إلى أخیک فأبلغه عنی ما أقول لک- فإنی لا أعلم أحدا یبلغه غیرک- قال الولید أفعل- قال قل له یقول لک عبد الرحمن شهدت بدرا و لم تشهدها- و ثبت یوم أحد و ولیت- و شهدت بیعه الرضوان و لم تشهدها- فلما أخبره قال عثمان صدق أخی- تخلفت عن بدر على ابنه رسول الله ص و هی مریضه- فضرب لی رسول الله ص بسهمی و أجری- فکنت بمنزله من‏ حضر بدرا- و ولیت یوم أحد فعفا الله عنی فی محکم کتابه- و أما بیعه الرضوان فإنی خرجت إلی أهل مکه- بعثنی رسول الله ص و قال- إن عثمان فی طاعه الله و طاعه رسوله- و بایع عنی بإحدى یدیه على الأخرى- فکان شمال النبی خیرا من یمینی- فلما جاء الولید إلى عبد الرحمن بما قال قال صدق أخی- .

قال الواقدی و نظر عمر إلى عثمان بن عفان- فقال هذا ممن عفا الله عنه- و هم الذین تولوا یوم التقى الجمعان- و الله ما عفا الله عن شی‏ء فرده- قال و سأل رجل عبد الله بن عمر عن عثمان فقال- أذنب یوم أحد ذنبا عظیما فعفا الله عنه- و أذنب فیکم ذنبا صغیرا فقتلتموه- و احتج من روى أن عمر فر یوم أحد- بما روى أنه جاءته فی أیام خلافته امرأه- تطلب بردا من برود کانت بین یدیه- و جاءت معها بنت لعمر تطلب بردا أیضا- فأعطى المرأه و رد ابنته فقیل له فی ذلک- فقال إن أبا هذه ثبت یوم أحد- و أبا هذه فر یوم أحد و لم یثبت- .

و روى الواقدی أن عمر کان یحدث- فیقول لما صاح الشیطان قتل محمد- قلت أرقى فی الجبل کأنی أرویه- و جعل بعضهم هذا حجه فی إثبات فرار عمر- و عندی أنه لیس بحجه- لأن تمام الخبر فانتهیت إلى رسول الله ص- و هو یقول وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ- قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الآیه- و أبو سفیان فی سفح الجبل فی کتیبته یرومون أن یعلوا الجبل- فقال رسول الله ص اللهم إنه لیس لهم أن یعلونا فانکشفوا- و هذا یدل على أن رقیه فی الجبل- قد کان بعد إصعاد رسول الله ص فیه- و هذا بأن یکون منقبه له أشبه- .

و روى الواقدی قال حدثنی ابن أبی سبره- عن أبی بکر بن عبد الله بن أبی جهم اسم أبی جهم عبید- قال کان خالد بن الولید یحدث و هو بالشام- فیقول الحمد لله‏الذی هدانی للإسلام- لقد رأیتنی و رأیت عمر بن الخطاب حین جال المسلمون- و انهزموا یوم أحد و ما معه أحد- و إنی لفی کتیبه خشناء- فما عرفه منهم أحد غیری- و خشیت إن أغریت به من معی أن یصمدوا له- فنظرت إلیه و هو متوجه إلى الشعب قلت یجوز أن یکون هذا حقا- و لا خلاف أنه توجه إلى الشعب تارکا للحرب- لکن یجوز أن یکون ذلک فی آخر الأمر- لما یئس المسلمون من النصره- فکلهم توجه نحو الشعب حینئذ- و أیضا فإن خالدا متهم فی حق عمر بن الخطاب- لما کان بینه و بینه من الشحناء و الشنئان- فلیس بمنکر من خالد أن ینعى علیه حرکاته- و یؤکد صحه هذا الخبر- و کون خالد عف عن قتل عمر یومئذ- ما هو معلوم من حال النسب بینهما من قبل الأم- فإن أم عمر حنتمه بنت هاشم بن المغیره- و خالد هو ابن الولید بن المغیره- فأم عمر ابنه عم خالد لحا و الرحم تعطف- .
حضرت عند محمد بن معد العلوی الموسوی الفقیه- على رأى الشیعه الإمامیه رحمه الله- فی داره بدرب الدواب ببغداد فی سنه ثمان و ستمائه- و قارئ یقرأ عنده مغازی الواقدی- فقرأ حدثنا الواقدی قال حدثنی ابن أبی سبره- عن خالد بن ریاح عن أبی سفیان مولى ابن أبی أحمد قال- سمعت محمد بن مسلمه یقول- سمعت أذنای و أبصرت عینای- رسول الله ص یقول یوم أحد- و قد انکشف الناس إلى الجبل- و هو یدعوهم و هم لا یلوون علیه- سمعته یقول إلی یا فلان إلی یا فلان أنا رسول الله- فما عرج علیه واحد منهما و مضیا- فأشار ابن معد إلی أن اسمع- فقلت و ما فی هذا قال هذه کنایه عنهما- فقلت و یجوز ألا یکون عنهما لعله عن غیرهما- قال لیس فی الصحابه من‏یحتشم- و یستحیا من ذکره بالفرار و ما شابهه من العیب- فیضطر القائل إلى الکنایه إلا هما- قلت له هذا وهم- فقال دعنا من جدلک و منعک- ثم حلف أنه ما عنى الواقدی غیرهما- و أنه لو کان غیرهما لذکره صریحا- و بان فی وجهه التنکر من مخالفتی له- .

روى الواقدی قال لما صاح إبلیس أن محمدا قد قتل- تفرق الناس فمنهم من ورد المدینه- فکان أول من وردها- یخبر أن محمدا قد قتل سعد بن عثمان أبو عباده- ثم ورد بعده رجال حتى دخلوا على نسائهم- حتى جعل النساء یقلن أ عن رسول الله تفرون- و یقول لهم ابن أم مکتوم- أ عن رسول الله تفرون یؤنب بهم- و قد کان رسول الله ص خلفه بالمدینه یصلی بالناس- ثم قال دلونی على الطریق یعنی طریق أحد فدلوه- فجعل یستخبر کل من لقی فی الطریق حتى لحق القوم- فعلم بسلامه النبی ص ثم رجع- و کان ممن ولى عمر و عثمان و الحارث بن حاطب- و ثعلبه بن حاطب و سواد بن غزیه- و سعد بن عثمان و عقبه بن عثمان و خارجه بن عمر بلغ ملل- و أوس بن قیظى فی نفر من بنی حارثه بلغوا الشقره- و لقیتهم أم أیمن تحثی فی وجوههم التراب- و تقول لبعضهم هاک المغزل فاغزل به و هلم- و احتج من قال بفرار عمر بما رواه الواقدی- فی کتاب المغازی فی قصه الحدیبیه- قال قال عمر یومئذ یا رسول الله- أ لم تکن حدثتنا أنک ستدخل المسجد الحرام- و تأخذ مفتاح الکعبه و تعرف مع المعرفین- و هدینا لم یصل إلى البیت و لا نحر- فقال رسول الله ص أ قلت لکم فی سفرکم هذا قال عمر لا- قال أما إنکم ستدخلونه و آخذ مفتاح الکعبه- و أحلق رأسی و رءوسکم ببطن مکه و أعرف مع المعرفین- ثم أقبل على عمر و قال أ نسیتم یوم‏ أحد- إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى‏ أَحَدٍ- و أنا أدعوکم فی أخراکم أ نسیتم یوم الأحزاب- إِذْ جاؤُکُمْ مِنْ فَوْقِکُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْکُمْ- وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ- أ نسیتم یوم کذا و جعل یذکرهم أمورا- أ نسیتم یوم کذا- فقال المسلمون صدق الله و صدق رسوله- أنت یا رسول الله أعلم بالله منا- فلما دخل عام القضیه و حلق رأسه- قال هذا الذی کنت وعدتکم به- فلما کان یوم الفتح و أخذ مفتاح الکعبه- قال ادعوا إلی عمر بن الخطاب- فجاء فقال هذا الذی کنت قلت لکم- قالوا فلو لم یکن فر یوم أحد- لما قال له أ نسیتم یوم أحد إذ تصعدون و لا تلوون

القول فیما جرى للمسلمین بعد إصعادهم فی الجبل

قال الواقدی حدثنی موسى بن محمد بن إبراهیم عن أبیه قال- لما صاح الشیطان لعنه الله أن محمدا قد قتل یحزنهم بذلک- تفرقوا فی کل وجه- و جعل الناس یمرون على النبی ص لا یلوی علیه أحد منهم- و رسول الله یدعوهم فی أخراهم- حتى انتهت هزیمه قوم منهم إلى المهراس- فتوجه رسول الله ص یرید أصحابه فی الشعب- فانتهى إلى الشعب و أصحابه فی الجبل أوزاع- یذکرون مقتل من قتل منهم- و یذکرون ما جاءهم عن رسول الله ص- قال کعب بن مالک فکنت أول من عرفه و علیه المغفر- فجعلت أصیح و أنا فی الشعب- هذا رسول الله ص حی- فجعل یومئ إلی بیده على فیه أی اسکت- ثم دعا بلأمتی فلبسها و نزع لأمته- .

قال الواقدی طلع رسول الله ص على أصحابه- فی الشعب بین السعدین-سعد بن عباده و سعد بن معاذ یتکفأ فی الدرع- و کان إذا مشى تکفأ تکفؤا- و یقال إنه کان یتوکأ على طلحه بن عبید الله- .

قال الواقدی و ما صلى یومئذ الظهر إلا جالسا- للجرح الذی کان أصابه- . قال الواقدی و قد کان طلحه قال له إن بی قوه- فقم لأحملک فحمله- حتى انتهى إلى الصخره التی على فم شعب الجبل- فلم یزل یحمله حتى رفعه علیها- ثم مضى إلى أصحابه و معه النفر الذین ثبتوا معه- فلما نظر المسلمون إلیهم ظنوهم قریشا- فجعلوا یولون فی الشعب هاربین منهم- ثم جعل أبو دجانه یلیح إلیهم- بعمامه حمراء على رأسه- فعرفوه فرجعوا أو بعضهم- .

قال الواقدی روی أنه لما طلع علیهم- فی النفر الذین ثبتوا معه و هم أربعه عشر- سبعه من المهاجرین و سبعه من الأنصار- جعلوا یولون فی الجبل خائفین منهم یظنونهم المشرکین- جعل رسول الله ص یتبسم إلى أبی بکر- و هو على جنبه و یقول له ألح إلیهم- فجعل أبو بکر یلیح إلیهم و هم لا یعرجون- حتى نزع أبو دجانه عصابه حمراء على رأسه- فأوفى على الجبل- فجعل یصیح و یلیح فوقفوا حتى عرفوهم- و لقد وضع أبو برده بن نیار سهما على کبد قوسه- فأراد أن یرمی به رسول الله ص و أصحابه- فلما تکلموا و ناداهم رسول الله ص أمسک- و فرح المسلمون برؤیته- حتى کأنهم لم تصبهم فی أنفسهم مصیبه- و سروا لسلامته و سلامتهم من المشرکین- .

قال الواقدی ثم إن قوما من قریش صعدوا الجبل- فعلوا على المسلمین و هم فی الشعب- قال فکان رافع بن خدیج یحدث- فیقول إنی یومئذ إلى جنب أبی مسعود الأنصاری- و هو یذکر من قتل من قومه و یسأل عنهم- فیخبر برجال منهم سعد بن‏الربیع و خارجه بن زهیر- و هو یسترجع و یترحم علیهم- و بعض المسلمین یسأل بعضا عن حمیمه و ذی رحمه فیهم- یخبر بعضهم بعضا- فبینا هم على ذلک رد الله المشرکین لیذهب ذلک الحزن عنهم- فإذا عدوهم فوقهم قد علوا- و إذا کتائب المشرکین بالجبل- فنسوا ما کانوا یذکرون- و ندبنا رسول الله ص و حضنا على القتال- و الله لکأنی أنظر إلى فلان و فلان- فی عرض الجبل یعدوان هاربین قال الواقدی فکان عمر یحدث یقول- لما صاح الشیطان قتل محمد- أقبلت أرقى إلى الجبل فکأنی أرویه- فانتهیت إلى النبی ص و هو یقول- وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الآیه- و أبو سفیان فی سفح الجبل- فقال رسول الله ص یدعو ربه- اللهم لیس لهم أن یعلوا فانکشفوا- .

قال الواقدی فکان أبو أسید الساعدی یحدث- فیقول لقد رأیتنا قبل أن یلقى النعاس علینا فی الشعب- و إنا لسلم لمن أرادنا لما بنا من الحزن- فألقی علینا النعاس فنمنا حتى تناطح الحجف- ثم فزعنا و کانا لم یصبنا قبل ذلک نکبه- قال و قال الزبیر بن العوام غشینا النعاس- فما منا رجل إلا و ذقنه فی صدره من النوم- فأسمع معتب بن قشیر و کان من المنافقین یقول- و إنی لکالحالم- لَوْ کانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَیْ‏ءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا- فأنزل الله تعالى فیه ذلک- .

قال و قال أبو الیسر- لقد رأیتنی ذلک الیوم- فی رجال من قومی إلى جنب رسول الله ص- و قد أنزل الله علینا النعاس أمنه منه- ما منهم رجل إلا یغط غطیطا حتى إن الحجف لتناطح- و لقد رأیت سیف بشر بن البراء بن معرور سقط من یده-و ما یشعر به حتى أخذه بعد ما تثلم- و إن المشرکین لتحتنا- و سقط سیف أبی طلحه أیضا- و لم یصب أهل الشک و النفاق نعاس یومئذ- و إنما أصاب النعاس أهل الإیمان و الیقین- فکان المنافقون یتکلم کل منهم بما فی نفسه- و المؤمنون ناعسون- .

قلت سألت ابن النجار المحدث عن هذا الموضع- فقلت له من قصه أحد تدل- على أن المسلمین کانت الدوله لهم بادئ الحال- ثم صارت علیهم- و صاح الشیطان قتل محمد فانهزم أکثرهم- ثم ثاب أکثر المنهزمین إلى النبی ص- فحاربوا دونه حربا کثیره- طالت مدتها حتى صار آخر النهار- ثم أصعدوا فی الجبل معتصمین به- و أصعد رسول الله ص معهم- فتحاجز الفریقان حینئذ- و هذا هو الذی یدل علیه تأمل قصه أحد- إلا أن بعض الروایات التی ذکرها الواقدی یقتضی غیر ذلک- نحو روایته فی هذا الباب- أن رسول الله ص لما صاح الشیطان إن محمدا قد قتل- کان ینادی المسلمین فلا یعرجون علیه- و إنما یصعدون فی الجبل- و إنه وجه نحو الجبل- فانتهى إلیهم و هم أوزاع یتذاکرون بقتل من قتل منهم- و هذه الروایه تدل على أنه أصعد ص فی الجبل- من أول الحرب حیث صاح الشیطان- و صیاح الشیطان کان حال کون خالد بن الولید بالجبل- من وراء المسلمین لما غشیهم- و هم مشتغلون بالنهب و اختلط الناس- فکیف هذا- فقال إن الشیطان صاح قتل محمد دفعتین- دفعه فی أول الحرب و دفعه فی آخر الحرب- لما تصرم النهار و غشیت الکتائب رسول الله ص- و قد قتل ناصروه و أکلتهم الحرب- فلم یبق معه إلا نفر یسیر لا یبلغون عشره- و هذه کانت أصعب و أشد من الأولى و فیها اعتصم- و ما اعتصم فی صرخه الشیطان الأولى بالجبل- بل ثبت و حامى عنه أصحابه- و لقد لقی فی الأولى مشقه عظیمه- من ابن قمیئه و عتبه بن أبی وقاص و غیرهما-و لکنه لم یفارق عرصه الحرب- و إنما فارقها- و علم أنه لم یبق له وجه مقام فی صرخته الثانیه- .

قلت له فکان القوم مختلطین فی الصرخه الثانیه- حتى یصرخ الشیطان قتل محمد- قال نعم المشرکون قد أحاطوا بالنبی ص- و بمن بقی معه من أصحابه- فاختلط المسلمون بهم و صاروا مغمورین بینهم- لقلتهم بالنسبه إلیهم- و ظن قوم من المشرکین أنهم قد قتلوا النبی ص- لأنهم فقدوا وجهه و صورته- فنادى الشیطان قتل محمد- و لم یکن قتل ص- و لکن اشتبهت صورته علیهم و ظنوه غیره- و أکثر من حامى عنه فی تلک الحال علی ع- و أبو دجانه و سهل بن حنیف و حامى هو عن نفسه- و جرح قوما بیده تاره بالسهام و تاره بالسیف- و لکن لم یعلموا بأعیانهم لاختلاط القوم و ثوران النقع- و کانت قریش تظنه واحدا من المسلمین- و لو عرفوه بعینه فی تلک الثوره لکان الأمر صعبا جدا- و لکن الله تعالى عصمه منهم بأن أزاغ أبصارهم عنه- فلم یزل هؤلاء الثلاثه یجالدون دونه- و هو یقرب من الجبل حتى صار فی أعلى الجبل- أصعد من فم الشعب إلى تدریج هناک فی الجبل- و رقی فی ذلک التدریج صاعدا حتى صار فی أعلى الجبل- و تبعه النفر الثلاثه فلحقوا به- . قلت له فما بال القوم الذین صعدوا الجبل من المشرکین- و کیف کان إصعادهم و عودهم- .

قال أصعدوا لحرب المسلمین لا لطلب رسول الله ص- لأنهم ظنوا أنه قد قتل- و هذا هو کان السبب فی عودهم من الجبل- لأنهم قالوا قد بلغنا الغرض‏الأصلی و قتلنا محمدا- فما لنا و التصمیم على الأوس و الخزرج و غیرهم من أصحابه- مع ما فی ذلک من عظم الخطر بالأنفس- قلت له فإذا کان هذا قد خطر لهم- فلما ذا صعدوا فی الجبل- .

قال یخطر لک خاطر- و یدعوک داع إلى بعض الحرکات- فإذا شرعت فیها خطر لک خاطر آخر یصرفک عنها- فترجع و لا تتمها- قلت نعم فما بالهم لم یقصدوا قصد المدینه و ینهبوها- . قال کان فیها عبد الله بن أبی فی ثلاثمائه مقاتل- و فیها خلق کثیر من الأوس و الخزرج- لم یحضروا الحرب و هم مسلمون- و طوائف أخر من المنافقین لم یخرجوا- و طوائف أخرى من الیهود أولو بأس و قوه- و لهم بالمدینه عیال و أهل و نساء- و کل هؤلاء کانوا یحامون عن المدینه- و لم تکن قریش تأمن مع ذلک- أن یأتیها رسول الله ص من ورائها بمن یجامعه من أصحابه- فیحصلوا بین الأعداء من خلفهم و من أمامهم- فکان الرأی الأصوب لهم العدول عن المدینه و ترک قصدها- .

قال الواقدی حدثنی الضحاک بن عثمان عن حمزه بن سعید- قال لما تحاجزوا و أراد أبو سفیان الانصراف- أقبل یسیر على فرس له حوراء- فوقف على أصحاب النبی ص و هم فی عرض الجبل- فنادى بأعلى صوته أعل هبل- ثم صاح أین ابن أبی کبشه یوم بیوم بدر- ألا إن الأیام دول- . و فی روایه أنه نادى أبا بکر و عمر أیضا- فقال أین ابن أبی قحافه أین ابن الخطاب- ثم قال الحرب سجال حنظله بحنظله- یعنى حنظله بن أبی عامر بحنظله بن‏ أبی سفیان- فقال عمر بن الخطاب یا رسول الله أجیبه- قال نعم فأجبه- فلما قال أعل هبل قال عمر الله أعلى و أجل- .

و یروى أن رسول الله ص قال لعمر- قل له الله أعلى و أجل- فقال أبو سفیان إن لنا العزى و لا عزى لکم- فقال عمر أو قال رسول الله ص- قل له الله مولانا و لا مولى لکم- فقال أبو سفیان إنها قد أنعمت- فقال عنها یا ابن الخطاب- فقال سعید بن أبی سفیان- ألا إن الأیام دول و إن الحرب سجال- فقال عمر و لا سواء- قتلانا فی الجنه و قتلاکم فی النار- فقال أبو سفیان إنکم لتقولون ذلک لقد جبنا إذا و خسرنا- ثم قال یا ابن الخطاب قم إلی أکلمک فقام إلیه- فقال أنشدک بدینک هل قتلنا محمدا قال اللهم لا- و إنه لیسمع کلامک الآن- قال أنت عندی أصدق من ابن قمیئه- ثم صاح أبو سفیان و رفع صوته- إنکم واجدون فی قتلاکم عنتا و مثلا- إلا أن ذلک لم یکن عن رأی سراتنا- ثم أدرکته حمیه الجاهلیه- فقال و أما إذ کان ذلک فلم نکرهه- ثم نادى ألا إن موعدکم بدر الصفراء على رأس الحول- فوقف عمر وقفه ینتظر ما یقول رسول الله ص- فقال له قل نعم- فانصرف أبو سفیان إلى أصحابه و أخذوا فی الرحیل- فأشفق رسول الله ص و المسلمون من أن یغیروا على المدینه- فیهلک الذراری و النساء- فقال رسول الله ص لسعد بن أبی وقاص- اذهب فأتنا بخبر القوم- فإنهم إن رکبوا الإبل و جنبوا الخیل فهو الظعن إلى مکه- و إن رکبوا الخیل و جنبوا الإبل فهو الغاره على المدینه- و الذی نفسی بیده- إن ساروا إلیها لأسیرن إلیهم ثم لأناجزنهم- قال سعد فتوجهت أسعى- و أرصدت نفسی إن أفرعنی شی‏ء- رجعت إلى النبی ص و أنا أسعى- فبدأت بالسعی حین ابتدأت- فخرجت فی آثارهم‏ حتى إذا کانوا بالعقیق- و أنا بحیث أراهم و أتأملهم رکبوا الإبل و جنبوا الخیل- فقلت إنه الظعن إلى بلادهم- ثم وقفوا وقفه بالعقیق و تشاوروا فی دخول المدینه- فقال لهم صفوان بن أمیه قد أصبتم القوم- فانصرفوا و لا تدخلوا علیهم و أنتم کالون و لکم الظفر- فإنکم لا تدرون ما یغشاکم فقد ولیتم یوم بدر- لا و الله ما تبعوکم و کان الظفر لهم- فیقال إن رسول الله ص قال نهاهم صفوان- فلما رآهم سعد على تلک الحال منطلقین- و قد دخلوا فی المکمن- رجع إلى رسول الله ص و هو کالمنکسر- فقال وجه القوم یا رسول الله إلى مکه- امتطوا الإبل و جنبوا الخیل- فقال ما تقول قلت ما قلت یا رسول الله فخلا بی- فقال أ حقا ما تقول قلت نعم یا رسول الله- قال فما بالی رأیتک منکسرا- فقلت کرهت أن آتی المسلمین فرحا بقفولهم إلى بلادهم- فقال ص إن سعدا لمجرب- .

قال الواقدی و قد روی خلاف هذا- روی أن سعدا لما رجع رفع صوته- بأن جنبوا الخیل و امتطوا الإبل- فجعل رسول الله ص یشیر إلى سعد- خفض صوتک فإن الحرب خدعه- فلا ترى الناس مثل هذا الفرح بانصرافهم- فإنما ردهم الله تعالى- .

قال الواقدی و حدثنی ابن أبی سبره عن یحیى بن شبل عن أبی جعفر قال قال رسول الله ص لسعد بن أبی وقاص- إن رأیت القوم یریدون المدینه فأخبرنی فیما بینی و بینک- و لا تفت فی أعضاد المسلمین- فذهب فرآهم قد امتطوا الإبل فرجع- فما ملک أن جعل یصیح سرورا بانصرافهم- .

قال الواقدی و قیل لعمرو بن العاص- کیف کان افتراق المسلمین و المشرکین یوم‏ أحد- فقال ما تریدون إلى ذلک- قد جاء الله بالإسلام و نفی الکفر و أهله- ثم قال لما کررنا علیهم أصبنا من أصبنا منهم- و تفرقوا فی کل وجه و فاءت لهم فئه بعد- فتشاورت قریش فقالوا لنا الغلبه فلو انصرفنا- فإنه بلغنا أن ابن أبی انصرف بثلث الناس- و قد تخلف الناس من الأوس و الخزرج- و لا نأمن أن یکروا علینا و فینا جراح- و خیلنا عامتها قد عقرت من النبل فمضینا- فما بلغنا الروحاء حتى قام علینا عده منها- و انصرفنا إلى مکه- .

قال الواقدی حدثنی إسحاق بن یحیى بن طلحه- عن عائشه قال سمعت أبا بکر یقول- لما کان یوم أحد و رمی رسول الله ص فی وجهه- حتى دخلت فی وجهه حلقتان من المغفر- أقبلت أسعى إلى رسول الله ص- و إنسان قد أقبل من قبل المشرق یطیر طیرانا- فقلت اللهم اجعله طلحه بن عبید الله- حتى توافینا إلى رسول الله ص- فإذا أبو عبیده بن الجراح فبدرنی- فقال أسألک بالله یا أبا بکر إلا ترکتنی- فأنتزعه من وجه رسول الله ص- قال أبو بکر فترکته- و قال رسول الله ص علیکم صاحبکم یعنی طلحه- فأخذ أبو عبیده بثنیته حلقه المغفر- فنزعها و سقط على ظهره و سقطت ثنیه أبی عبیده- ثم أخذ الحلقه بثنیته الأخرى- فکان أبو عبیده فی الناس أثرم- و یقال إن الذی نزع الحلقتین من وجه رسول الله ص- عقبه بن وهب بن کلده- و یقال أبو الیسر- . قال الواقدی و أثبت ذلک عندنا عقبه بن وهب بن کلده- . قال الواقدی و کان أبو سعید الخدری یحدث- أن رسول الله ص‏ أصیب وجهه یوم أحد- فدخلت الحلقتان من المغفر فی وجنتیه- فلما نزعتا جعل الدم یسرب کما یسرب الشن- فجعل مالک بن سنان یمج الدم بفیه ثم ازدرده-فقال رسول الله ص من أحب أن ینظر إلى من خالط دمه بدمی- فلینظر إلى مالک بن سنان- فقیل لمالک تشرب الدم فقال نعم- أشرب دم رسول الله ص-فقال رسول الله ص من مس دمه دمی لم تصبه النار-.

قال الواقدی و قال أبو سعید- کنا ممن رد من الشیخین لم نجئ مع المقاتله- فلما کان من النهار بلغنا مصاب رسول الله ص- و تفرق الناس عنه- جئت مع غلمان بنی خدره- نعرض لرسول الله ص ننظر إلى سلامته- فنرجع بذلک إلى أهلنا- فلقینا الناس متفرقین ببطن قناه- فلم یکن لنا همه إلا النبی ص ننظر إلیه- فلما رآنی قال سعد بن مالک قلت نعم بأبی أنت و أمی- و دنوت منه فقبلت رکبته و هو على فرسه- فقال آجرک الله فی أبیک ثم نظرت إلى وجهه- فإذا فی وجنتیه مثل موضع الدرهم فی کل وجنه- و إذا شجه فی جبهته عند أصول الشعر- و إذا شفته السفلى تدمى- و إذا فی رباعیته الیمنى شظیه- و إذا على جرحه شی‏ء أسود- فسألت ما هذا على وجهه فقالوا حصیر محرق- و سألت من أدمى وجنتیه فقیل ابن قمیئه- فقلت فمن شجه فی وجهه فقیل ابن شهاب- فقلت من أصاب شفتیه قیل عتبه بن أبی وقاص- فجعلت أعدو بین یدیه حتى نزل ببابه- ما نزل إلا محمولا- و أرى رکبتیه مجحوشتین یتکئ على السعدین- سعد بن معاذ و سعد بن عباده حتى دخل بیته- فلما غربت الشمس و أذن بلال بالصلاه- خرج على تلک الحال‏ یتوکأ على السعدین- سعد بن عباده و سعد بن معاذ- ثم انصرف إلى بیته- و الناس فی المسجد یوقدون النیران- یتمکدون بها من الجراح- ثم أذن بلال بالعشاء حین غاب الشفق- فلم یخرج رسول الله ص- فجلس بلال عند بابه ص حتى ذهب ثلث اللیل- ثم ناداه الصلاه یا رسول الله فخرج و قد کان نائما- قال فرمقته فإذا هو أخف فی مشیته منه حین دخل بیته- فصلیت معه العشاء- ثم رجع إلى بیته قد صفف له الرجال- ما بین بیته إلى مصلاه یمشی وحده حتى دخل- و رجعت إلى أهلی فخبرتهم بسلامته فحمدوا الله و ناموا- و کانت وجوه الأوس و الخزرج فی المسجد على النبی ص- یحرسونه فرقا من قریش أن تکر- . قال الواقدی و خرجت فاطمه ع فی نساء- و قد رأت الذی بوجه أبیها ص فاعتنقته- و جعلت تمسح الدم عن وجهه ورسول الله ص یقول اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله- و ذهب علی ع فأتى بماء من المهراس- و قال لفاطمه أمسکی هذا السیف غیر ذمیم- فنظر إلیه رسول الله ص مختضبا بالدم- فقال لئن کنت أحسنت القتال الیوم- فلقد أحسن عاصم بن ثابت- و الحارث بن الصمه و سهل بن حنیف- و سیف أبی دجانه غیر مذموم- هکذا روى الواقدی- .

وروى محمد بن إسحاق أن علیا ع قال لفاطمه بیتی شعر- و هما

أ فاطم هاء السیف غیر ذمیم
فلست برعد ید و لا بلئیم‏

لعمری لقد جاهدت فی نصر أحمد
و طاعه رب بالعباد رحیم‏

فقال رسول الله ص- لئن کنت صدقت القتال الیوم- لقد صدق معک سماک بن خرشه و سهل بن حنیف- .

قال الواقدی فلما أحضر علی ع الماء- أراد رسول الله ص أن یشرب منه فلم یستطع- و قد کان عطشا و وجد ریحا من الماء کرهها- فقال هذا ماء آجن- فتمضمض منه للدم الذی کان بفیه ثم مجه- و غسلت فاطمه به الدم عن أبیها ص- فخرج محمد بن مسلمه یطب مع النساء- و کن أربع عشره امرأه- قد جئن من المدینه یتلقین الناس منهن فاطمه ع- یحملن الطعام و الشراب على ظهورهن- و یسقین الجرحى و یداوینهم- .

قال الواقدی قال کعب بن مالک- رأیت عائشه و أم سلیم على ظهورهما القرب- تحملانها یوم أحد- و کانت حمنه بنت جحش تسقی العطشى و تداوی الجرحى- فلم یجد محمد بن مسلمه عندهن ماء- و رسول الله ص قد اشتد عطشه- فذهب محمد بن مسلمه إلى قناه و معه سقاؤه- حتى استقى من حسى قناه عند قصور التمیمیین الیوم- فجاء بماء عذب فشرب منه رسول الله ص و دعا له بخیر- و جعل الدم لا ینقطع من وجهه ع- و هو یقول لن ینالوا منا مثلها حتى نستلم الرکن- فلما رأت فاطمه الدم لا یرقأ و هی تغسل جراحه- و علی یصب الماء علیها بالمجن- أخذت قطعه حصیر فأحرقته حتى صار رمادا- ثم ألصقته بالجرح فاستمسک الدم- و یقال إنها داوته بصوفه محرقه- و کان رسول الله ص بعد یداوی الجراح الذی فی وجهه- بعظم بال حتى ذهب أثره- و لقد مکث یجد وهن ضربه ابن قمیئه- على عاتقه شهرا أو أکثر من شهر- و یداوی الأثر الذی فی وجهه بعظم- .

قال الواقدی و قال رسول الله ص- قبل أن ینصرف إلى المدینه من یأتینا بخبر سعد بن الربیع- فإنی رأیته و أشار بیده إلى ناحیه من الوادی- قد شرع فیه اثنا عشر سنانا- فخرج محمد بن مسلمه- و یقال أبی بن کعب نحو تلک الناحیه- قال فأنا وسط القتلى لتعرفهم- إذ مررت به صریعا فی الوادی فنادیته فلم یجب- ثم قلت إن رسول الله ص أرسلنی إلیک- قال فتنفس کما یتنفس الطیر- ثم قالو إن رسول الله ص لحی قلت نعم- و قد أخبرنا أنه شرع لک اثنا عشر سنانا- فقال طعنت اثنتی عشره طعنه کلها أجافتنی- أبلغ قومک الأنصار السلام- و قل لهم الله الله- و ما عاهدتم علیه رسول الله ص لیله العقبه- و الله ما لکم عذر عند الله- إن خلص إلى نبیکم و منکم عین تطرف- فلم أرم من عنده حتى مات- فرجعت إلى النبی ص فأخبرته- فرأیته استقبل القبله رافعا یدیه یقول- اللهم الق سعد بن الربیع و أنت عنه راض- .

قال الواقدی- و خرجت السمداء بنت قیس إحدى نساء بنی دینار- و قد أصیب ابناها مع النبی ص بأحد- النعمان بن عبد عمر و سلیم بن الحارث- فلما نعیا لها قالت- فما فعل رسول الله ص قالوا بخیر- هو بحمد الله صالح على ما تحبین- فقالت أرونیه أنظر إلیه فأشاروا لها إلیه- فقالت کل مصیبه بعدک یا رسول الله جلل- و خرجت تسوق بابنیها بعیرا تردهما إلى المدینه- فلقیتها عائشه فقالت ما وراءک فأخبرتها- قالت فمن هؤلاء معک قالت ابنای- حل حل تحملهما إلى القبر- .

قال الواقدی- و کان حمزه بن عبد المطلب أول من جی‏ء به إلى النبی ص- بعد انصراف قریش أو کان من أولهم- فصلى علیه رسول الله ص- ثم قال رأیت الملائکه تغسله- قالوا لأن حمزه کان جنبا ذلک الیوم- و لم یغسل رسول الله ص الشهداء یومئذ- و قال لفوهم بدمائهم و جراحهم- فإنه لیس أحد یجرح فی سبیل الله- إلا جاء یوم القیامه لون جرحه لون الدم- و ریحه ریح المسک- ثم‏ قال ضعوهم فأنا الشهید على هؤلاء یوم القیامه- و کان حمزه أول من کبر علیه أربعا- ثم جمع إلیه الشهداء- فکان کلما أتی بشهید- وضع إلى جنب حمزه فصلى علیه و على الشهید- حتى صلى علیه سبعین مره لأن الشهداء سبعون- .

قال الواقدی و یقال کان یؤتى بتسعه و حمزه عاشرهم- فیصلی علیهم و ترفع التسعه و یترک حمزه مکانه- و یؤتى بتسعه آخرین- فیوضعون إلى جنب حمزه فیصلی علیه و علیهم- حتى فعل ذلک سبع مرات- و یقال إنه کبر علیه خمسا و سبعا و تسعا- . قال الواقدی و قد اختلفت الروایه فی هذا- و کان طلحه بن عبید الله و ابن عباس- و جابر بن عبد الله یقولون- صلى رسول الله ص على قتلى أحد- و قال أنا شهید على هؤلاء- فقال أبو بکر أ لسنا إخوانهم أسلمنا کما أسلموا- و جاهدنا کما جاهدوا قال بلى- و لکن هؤلاء لم یأکلوا من أجورهم شیئا- و لا أدری ما تحدثون بعدی- فبکى أبو بکر و قال إنا لکائنون بعدک- .

و قال أنس بن مالک و سعید بن المسیب- لم یصل رسول الله ص على قتلى أحد- . قال الواقدی و قال لأهل القتلى- احفروا و أوسعوا و أحسنوا- و ادفنوا الاثنین و الثلاثه فی القبر- و قدموا أکثرهم قرآنا- و أمر بحمزه أن تمد بردته علیه و هو فی القبر و کانت قصیره- فکانوا إذا خمروا بها رأسه بدت رجلاه- و إذا خمروا بها رجلیه انکشف وجهه- فبکى المسلمون یومئذ- فقالوا یا رسول الله عم رسول الله یقتل فلا یوجد له ثوب- فقال بلى إنکم بأرض جردیه ذات أحجار- و ستفتح یعنی الأریاف و الأمصار- فیخرج الناس إلیها ثم یبعثون إلى أهلیهم- و المدینه خیر لهم لو کانوا یعلمون-و الذی نفسی بیده- لا تصبر نفس على لأوائها و شدتها إلا کنت لها شفیعا- أو قال شهیدا یوم القیامه- . قال الواقدی- و أتى عبد الرحمن بن عوف فی خلافه عثمان بثیاب و طعام- فقال و لکن حمزه لم یوجد له کفن- و مصعب بن عمیر لم یوجد له کفن و کانا خیرا منی- .

قال الواقدی و مر رسول الله ص بمصعب بن عمیر- و هو مقتول مسجى ببرده خلق- فقال لقد رأیتک بمکه- و ما بها أحد أرق حله و لا أحسن لمه منک- ثم أنت الیوم أشعث الرأس فی هذه البرده- ثم أمر به فقبر- و نزل فی قبره أخوه أبو الروم و عامر بن ربیعه- و سویبطه بن عمرو بن حرمله- و نزل فی قبر حمزه علی ع و الزبیر و أبو بکر و عمر- و رسول الله ص جالس على حفرته- .

قال الواقدی- ثم إن الناس أو عامتهم حملوا قتلاهم إلى المدینه- فدفن بالبقیع منهم عده- عند دار زید بن ثابت- و دفن بعضهم ببنی سلمه- فنادى منادی رسول الله ص ردوا القتلى إلى مضاجعهم- و کان الناس قد دفنوا قتلاهم- فلم یرد أحد أحدا منهم- إلا رجلا واحدا أدرکه المنادی و لم یدفن- و هو شماس بن عثمان المخزومی- کان قد حمل إلى المدینه و به رمق- فأدخل على عائشه فقالت أم سلمه ابن عمی یدخل إلى غیری- فقال رسول الله ص احملوه إلى أم سلمه- فحملوه إلیها فمات عندها- فأمر رسول الله ص أن یرد إلى أحد فیدفن هناک- کما هو فی ثیابه التی مات فیها- و کان قد مکث یوما و لیله و لم یذق شیئا- فلم یصل علیه رسول الله ص و لا غسله- .

قال الواقدی فأما القبور المجتمعه هناک- فکثیر من الناس یظنها قبور قتلى أحد- و کان طلحه بن عبید الله و عباد بن تمیم المازنی یقولان- هی قبور قوم من الأعراب- کانواعام الرماده فی عهد عمر هناک- فماتوا فتلک قبورهم- و کان ابن أبی ذئب و عبد العزیز بن محمد یقولان- لا نعرف تلک القبور المجتمعه- إنما هی قبور ناس من أهل البادیه- قالوا إنا نعرف قبر حمزه- و قبر عبد الله بن حزام و قبر سهل بن قیس- و لا نعرف غیر ذلک- .

قال الواقدی- و کان رسول الله ص یزور قتلى أحد فی کل حول- و إذا لقوه بالشعب رفع صوته یقول- السلام علیکم بما صبرتم فنعم عقبى الدار- و کان أبو بکر یفعل مثل ذلک- و کذلک عمر بن الخطاب ثم عثمان ثم معاویه- حین یمر حاجا و معتمرا- . قال و کانت فاطمه بنت رسول الله ص تأتیهم- بین الیومین و الثلاثه فتبکی عندهم و تدعو- و کان سعد بن أبی وقاص یذهب إلى ما له بالغابه- فیأتی من خلف قبور الشهداء- فیقول السلام علیکم ثلاثا- و یقول لا یسلم علیهم أحد- إلا ردوا علیه السلام إلى یوم القیامه- قال و مر رسول الله ص على قبر مصعب بن عمیر- فوقف علیه و دعا و قرأ- مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ- فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ- وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلًا- ثم قال إن هؤلاء شهداء عند الله یوم القیامه- فأتوهم فزوروهم و سلموا علیهم- و الذی نفسی بیده لا یسلم علیهم أحد إلى یوم القیامه إلا ردوا علیه- و کان أبو سعید الخدری یقف على قبر حمزه- فیدعو و یقرأ و یقول مثل ذلک- و کانت أم سلمه رحمها الله تذهب- فتسلم علیهم فی کل شهر فتظل یومها- فجاءت یوما و معها غلامها أنبهان فلم یسلم- فقالت أی لکع أ لا تسلم علیهم- و الله لا یسلم علیهم أحد إلا ردوا علیه إلى یوم القیامه- .

قال و کان أبو هریره و عبد الله بن عمر یذهبان- فیسلمان علیهم- قالت فاطمه الخزاعیه سلمت على قبر حمزه یوما- و معی أخت لی فسمعنا من القبر قائلا یقول- و علیکما السلام و رحمه الله- قالت و لم یکن قربنا أحد من الناس قال الواقدی فلما فرغ رسول الله ص من دفنهم- دعا بفرسه فرکبه- و خرج المسلمون حوله عامتهم جرحى- و لا مثل بنی سلمه و بنی عبد الأشهل- فلما کانوا بأصل الحره قال اصطفوا- فاصطفت الرجال صفین- و خلفهم النساء و عدتهن أربع عشره امرأه- فرفع یدیه فدعا فقال- اللهم لک الحمد کله- اللهم لا قابض لما بسطت و لا مانع لما أعطیت- و لا معطی لما منعت و لا هادی لمن أضللت- و لا مضل لمن هدیت و لا مقرب لما باعدت- و لا مباعد لما قربت- اللهم إنی أسألک من برکتک و رحمتک و فضلک و عافیتک- اللهم إنی أسألک النعیم المقیم الذی لا یحول و لا یزول- اللهم إنی أسألک الأمن یوم الخوف- و الغناء یوم الفاقه عائذا بک- اللهم من شر ما أعطیت و من شر ما منعت- اللهم توفنا مسلمین- اللهم حبب إلینا الإیمان و زینه فی قلوبنا- و کره إلینا الکفر و الفسوق و العصیان- و اجعلنا من الراشدین- اللهم عذب کفره أهل الکتاب- الذین یکذبون رسلک و یصدون عن سبیلک- اللهم أنزل علیهم رجسک و عذابک إله الحق آمین- .

قال الواقدی و أقبل حتى نزل ببنی حارثه یمینا- حتى طلع على بنی عبد الأشهل و هم یبکون على قتلاهم- فقال لکن حمزه لا بواکی له- فخرج النساء ینظرن إلى سلامه رسول الله ص- فخرجت إلیه أم عامر الأشهلیه و ترکت النوح- فنظرت إلیه و علیه الدرع کما هی- فقالت کل مصیبه بعدک جلل- و خرجت کبشه بنت عتبه بن معاویه بن بلحارث بن الخزرج- تعدو نحو رسول الله ص و هو واقف على فرسه- و سعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه- فقال سعد یا رسول الله أمی- فقال مرحبا بها فدنت حتى تأملته- و قالت إذ رأیتک سالما فقد شفت المصیبه- فعزاها بعمرو بن معاذ- ثم قال یا أم سعد أبشری و بشری أهلیهم- أن قتلاهم قد ترافقوا فی الجنه جمیعا- و هم اثنا عشر رجلا- و قد شفعوا فی أهلیهم- فقالت رضینا یا رسول الله- و من یبکی علیهم بعد هذا- ثم قالت یا رسول الله ادع لمن خلفوا- فقال اللهم أذهب حزن قلوبهم و آجر مصیبتهم- و أحسن الخلف على من خلفوا- ثم قال لسعد بن معاذ حل أبا عمرو الدابه- فحل الفرس و تبعه الناس- فقال یا أبا عمرو إن الجراح فی أهل دارک فاشیه- و لیس منهم مجروح إلا یأتی یوم القیامه- جرحه کأغزر ما کان- اللون لون دم و الریح ریح مسک- فمن کان مجروحا فلیقر فی داره و لیداو جرحه و لا تبلغ معی بیتی عزمه منی- فنادى فیهم سعد عزمه من رسول الله ص- ألا یتبعه جریح من بنی عبد الأشهل- فتخلف کل مجروح- و باتوا یوقدون النیران و یداوون الجراح- و إن فیهم لثلاثین جریحا- و مضى سعد بن معاذ مع رسول الله ص إلى بیته- ثم رجع إلى نسائه فساقهن- فلم تبق امرأه إلا جاء بها إلى بیت رسول الله ص- فبکین بین المغرب و العشاء- و قام رسول الله ص حین فرغ من النوم لثلث اللیل- فسمع البکاء فقال ما هذا- قیل نساء الأنصار یبکین على حمزه- فقال رضی الله تعالى عنکن و عن أولادکن- و أمر النساء أن یرجعن إلى منازلهن- قالت أم سعد بن معاذ- فرجعنا إلى بیوتنا بعد لیل و معنا رجالنا- فما بکت منا امرأه قط- إلا بدأت بحمزه إلى یومنا هذا- و یقال إن معاذ بن جبل جاء بنساء بنی سلمه- و جاء عبد الله بن رواحه بنساء بلحارث بن الخزرج- فقال رسول الله ص ما أردت هذا- و نهاهن الغد عن النوح أشد النهی- .

قال الواقدی و جعل ابن أبی و المنافقون معه یشمتون- و یسرون بما أصاب المسلمین- و یظهرون أقبح القول- و رجع عبد الله بن أبی إلى ابنه و هو جریح- فبات یکوی الجراحه بالنار- حتى ذهب عامه اللیل و أبوه یقول- ما کان خروجک مع محمد إلى هذاالوجه برأیی- عصانی محمد و أطاع الولدان- و الله لکأنی کنت أنظر إلى هذا- فقال ابنه الذی صنع الله لرسوله و للمسلمین خیر إن شاء الله- قال و أظهرت الیهود القول السیئ- و قالوا ما محمد إلا طالب ملک- ما أصیب هکذا نبی قط فی بدنه و أصیب فی أصحابه- و جعل المنافقون یخذلون عن رسول الله ص و أصحابه- و یأمرونهم بالتفرق عنه- و قالوا لأصحاب النبی ص- لو کان من قتل منکم عندنا ما قتل- حتى سمع عمر بن الخطاب ذلک فی أماکن- فمشى إلى رسول الله ص- یستأذنه فی قتل من سمع ذلک منهم من الیهود و المنافقین- فقال له یا عمر إن الله مظهر دینه و معز نبیه- و للیهود ذمه فلا أقتلهم- قال فهؤلاء المنافقون یا رسول الله یقولون- فقال أ لیس یظهرون شهاده أن لا إله إلا الله- و أنی رسول الله قال بلى- و إنما یفعلون تعوذا من السیف- و قد بان لنا أمرهم- و أبدى الله أضغانهم عند هذه النکبه- فقال إنی نهیت عن قتل من قال لا إله إلا الله- محمد رسول الله- یا ابن الخطاب إن قریشا لن ینالوا ما نالوا منا مثل هذا الیوم- حتى نستلم الرکن- .

وروى ابن عباس أن النبی ص قال إخوانکم لما أصیبوا بأحد- جعلت أرواحهم فی أجواف طیر خضر- ترد أنهار الجنه فتأکل من ثمارها- و تأوی إلى قنادیل من ذهب فی ظل العرش- فلما وجدوا طیب مطعمهم و مشربهم- و رأوا حسن منقلبهم قالوا- لیت إخواننا یعلمون بما أکرمنا الله و بما نحن فیه- لئلا یزهدوا فی الجهاد و یکلوا عند الحرب- فقال لهم الله تعالى أنا أبلغهم عنکم- فأنزل وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً- بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ‏

القول فیما جرى للمشرکین بعد انصرافهم إلى مکه

قال الواقدی- حدثنی موسى بن شیبه عن قطن بن وهیب اللیثی- قال لما تحاجز الفریقان و وجه قریش إلى مکه- و امتطوا الإبل و جنبوا الخیل- سار وحشی عبد جبیر بن مطعم على راحلته أربعا- فقدم مکه یبشر قریشا بمصاب المسلمین- فانتهى إلى الثنیه التی تطلع على الحجون- فنادى بأعلى صوته یا معشر قریش مرارا- حتى ثاب الناس إلیه و هم خائفون- أن یأتیهم بما یکرهون- فلما رضی منهم قال أبشروا- فقد قتلنا من أصحاب محمد مقتله- لم نقتل مثلها فی زحف قط- و جرحنا محمدا فأثبتناه بالجراح- و قتلنا رأس الکتیبه حمزه بن عبد المطلب- فتفرق الناس عنه فی کل وجه- بالشماته بقتل أصحاب النبی ص و إظهار السرور- و خلا جبیر بن مطعم بوحشی- فقال أنظر ما تقول قال وحشی قد و الله صدقت- قال قتلت حمزه قال إی و الله- و لقد زرقته بالمزراق فی بطنه فخرج من بین فخذیه- ثم نودی فلم یجب- فأخذت کبده و حملتها إلیک لتراها- فقال أذهبت حزن نسائنا و بردت حر قلوبنا- فأمر یومئذ نساءه بمراجعه الطیب و الدهن- .

قال الواقدی- و قد کان عبد الله بن أبی أمیه بن المغیره المخزومی- لما انکشف المشرکون بأحد فی أول الأمر- خرج هاربا على وجهه و کره أن یقدم مکه- فقدم الطائف- فأخبر ثقیفا أن أصحاب محمد قد ظفروا و انهزمنا- و کنت أول من قدم علیکم- ثم جاءهم الخبر بعد أن قریشا ظفرت و عادت الدوله لها- .

قال الواقدی- فسارت قریش قافله إلى مکه فدخلتها ظافره- فکان ما دخل على قلوبهم من السرور یومئذ- نظیر ما دخل علیهم من الکئابه و الحزن یوم بدر- و کان ما دخل على قلوب المسلمین من الغیظ و الحزن یومئذ- نظیر ما دخل علیهم من السرور و الجذل یوم بدر- کما قال الله تعالى وَ تِلْکَ الْأَیَّامُ نُداوِلُها بَیْنَ النَّاسِ- و قال سبحانه أَ وَ لَمَّا أَصابَتْکُمْ مُصِیبَهٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَیْها- قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِکُمْ- قال یعنی إنکم یوم بدر قتلتم من قریش سبعین- و أسرتم سبعین- و أما یوم أحد فقتل منکم سبعون- و لم یؤسر منکم أحد- فقد أصبتم قریشا بمثلی ما أصابوکم یوم أحد- و قوله أَنَّى هذا أی کیف هذا- و نحن موعودون بالنصر و نزول الملائکه- و فینا نبی ینزل علیه الوحی من السماء- فقال لهم فی الجواب هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِکُمْ- یعنی الرماه الذین خالفوا الأمر و عصوا الرسول- و إنما کان النصر و نزول الملائکه مشروطا بالطاعه- و إلا یعصى أمر الرسول- أ لا ترى إلى قوله بَلى‏ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا- وَ یَأْتُوکُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا یُمْدِدْکُمْ رَبُّکُمْ- بِخَمْسَهِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِکَهِ مُسَوِّمِینَ- فعلقه على الشرط

القول فی مقتل أبی عزه الجمحی و معاویه بن المغیره بن أبی العاص بن أمیه بن عبد شمس

قال الواقدی أما أبو عزه- و اسمه عمرو بن عبد الله بن عمیر بن وهب بن حذافه بن جمح- فإن رسول الله ص أخذه أسیرا یوم أحد- و لم یؤخذ یوم أحد أسیر غیره- فقال یا محمد من علی-فقال رسول الله ص إن المؤمن لا یلدغ من جحر مرتین- لا ترجع إلى مکه تمسح عارضیک- فتقول سخرت بمحمد مرتین- ثم أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه- .

قال الواقدی و قد سمعنا فی أسره غیر هذا- حدثنی بکیر بن مسمار قال- لما انصرف المشرکون عن أحد- نزلوا بحمراء الأسد فی أول اللیل ساعه- ثم رحلوا و ترکوا أبا عزه مکانه حتى ارتفع النهار- فلحقه المسلمون و هو مستنبه یتلدد- و کان الذی أخذه عاصم بن ثابت- فأمره النبی ص فضرب عنقه- . قلت و هذه الروایه هی الصحیحه عندی- لأن المسلمین لم تکن حالهم یوم أحد- حال من یتهیأ له أسر أحد من المشرکین فی المعرکه- لما أصابهم من الوهن- .

فأما معاویه بن المغیره فروى البلاذری- أنه هو الذی جدع أنف حمزه و مثل به- و أنه انهزم یوم أحد فمضى على وجهه- فبات قریبا من المدینه- فلما أصبح دخل المدینه فأتى منزل عثمان بن عفان بن أبی العاص- و هو ابن عمه لحا فضرب بابه فقالت أم کلثوم زوجته- و هی ابنه رسول الله ص لیس هو هاهنا- فقال ابعثی إلیه- فإن له عندی ثمن بعیر ابتعته منه عام أول- و قد جئته به فإن لم یجئ ذهبت فأرسلت إلیه- و هو عند رسول الله ص- فلما جاء قال لمعاویه أهلکتنی- و أهلکت نفسک ما جاء بک- قال یا ابن عم لم یکن أحد أقرب إلی- و لا أمس رحما بی منک فجئتک لتجیرنی- فادخله عثمان داره و صیره فی ناحیه منها- ثم خرج إلى النبی ص لیأخذ له منه أمانا- فسمع رسول الله ص یقول- إن معاویه فی المدینه و قد أصبح بها فاطلبوه- فقال بعضهم ما کان لیعدو منزل عثمان فاطلبوه به- فدخلوا منزل عثمان- فأشارت أم کلثوم إلى الموضع الذی صیره فیه- فاستخرجوه من تحت خماره لهم- فانطلقوا به إلى النبی ص- فقال عثمان حین رآه- و الذی بعثک بالحق ما جئت إلا لأطلب له الأمان- فهبه لی فوهبه له و أجله ثلاثا- و أقسم لئن وجده بعدها- یمشی فی أرض المدینه و ما حولها لیقتلنه- و خرج عثمان فجهزه و اشترى له بعیرا- ثم قال ارتحل و سار رسول الله ص إلى حمراء الأسد- و أقام معاویه إلى الیوم الثالث- لیعرف أخبار النبی ص و یأتی بها قریشا- فلما کان فی الیوم الرابع قال رسول الله ص- إن معاویه أصبح قریبا لم ینفذ فاطلبوه- فأصابوه و قد أخطأ الطریق فأدرکوه- و کان اللذان أسرعا فی طلبه زید بن حارثه و عمار بن یاسر- فوجداه بالجماء فضربه زید بالسیف- و قال عمار إن لی فیه حقا فرمیاه بسهم فقتلاه- ثم انصرفا إلى المدینه بخبره- و یقال إنه أدرک على ثمانیه أمیال من المدینه- فلم یزل زید و عمار یرمیانه بالنبل حتى مات- . قال و معاویه هذا أبو عائشه بنت معاویه- أم عبد الملک بن مروان- .

قال و ذکر الواقدی فی کتابه مثل هذه الروایه سواء- . قال البلاذری و قال ابن الکلبی- إن معاویه بن المغیره جدع أنف حمزه یوم أحد و هو قتیل- فأخذ بقرب أحد- فقتل على أحد بعد انصراف قریش بثلاث- و لا عقب له إلا عائشه أم عبد الملک بن مروان- قال و یقال إن علیا ع هو الذی قتل معاویه بن المغیره- .

قلت و روایه ابن الکلبی عندی أصح- لأن هزیمه المشرکین کانت فی الصدمه الأولى- عقیب قتل بنی عبد الدار أصحاب الألویه- و کان قتل حمزه بعد ذلک- لما کر خالد بن الولید الخیل من وراء المسلمین- فاختلطوا و انتقض صفهم- و قتل بعضهم بعضا- فکیف یصح إن یجتمع لمعاویه کونه قد جدع أنف حمزه- و کونه قد انهزم مع المشرکین فی الصدمه الأولى- هذا متناقض- لأنه إذا کان قد انهزم فی أول الحرب- استحال أن یکون‏ حاضرا عند حمزه حین قتل- و الصحیح ما ذکره ابن الکلبی من أنه شهد الحرب کلها- و جدع أنف حمزه- ثم حصل فی أیدی المسلمین بعد انصراف قریش- لأنه تأخر عنهم لعارض عرض له فأدرکه حینه فقتل

القول فی مقتل المجذر بن زیاد البلوی و الحارث بن یزید بن الصامت

قال الواقدی- کان المجذر بن زیاد البلوی حلیف بنی عوف بن الخزرج- ممن شهد بدرا مع رسول الله ص- و کانت له قصه فی الجاهلیه قبل قدوم النبی ص المدینه- و ذلک أن حضیر الکتائب والد أسید بن حضیر- جاء إلى بنی عمرو بن عوف- فکلم سوید بن الصامت و خوات بن جبیر- و أبا لبابه بن عبد المنذر و یقال سهل بن حنیف- فقال هل لکم إن تزورونی فأسقیکم شرابا و أنحر لکم- و تقیمون عندی أیاما قالوا نعم- نحن نأتیک یوم کذا- فلما کان ذلک الیوم جاءوه فنحر لهم جزورا و سقاهم خمرا- و أقاموا عنده ثلاثه أیام حتى تغیر اللحم- و کان سوید بن الصامت یومئذ شیخا کبیرا- فلما مضت الأیام الثلاثه قالوا- ما نرانا إلا راجعین إلى أهلنا- فقال حضیر ما أحببتم- إن أحببتم فأقیموا و إن أحببتم فانصرفوا- فخرج الفتیان بسوید بن الصامت- یحملانه على جمل من الثمل- فمروا لاصقین بالحره- حتى کانوا قریبا من بنی عیینه- فجلس سوید یبول و هو ثمل سکرا- فبصر به إنسان من الخزرج- فخرج حتى أتى المجذر بن زیاد- فقال هل لک فی الغنیمه البارده- قال ما هی قال سوید بن الصامت- أعزل لا سلاح معه ثمل- فخرج المجذر بن زیاد بالسیف مصلتا- فلما رآه الفتیان و هما أعزلان لا سلاح معهما ولیا- و العداوه بین الأوس‏ و الخزرج شدیده- فانصرفا مسرعین و ثبت الشیخ و لا حراک به- فوقف المجذر بن زیاد فقال قد أمکن الله منک- قال ما ترید بی قال قتلک- قال فارفع عن الطعام و اخفض عن الدماغ- فإذا رجعت إلى أمک فقل إنی قتلت سوید بن الصامت فقتله- فکان قتله هو الذی هیج وقعه بعاث- فلما قدم رسول الله ص المدینه- أسلم الحارث بن سوید بن الصامت- و أسلم المجذر فشهدا بدرا- فجعل الحارث بن سوید یطلب المجذر فی المعرکه لیقتله بأبیه- فلا یقدر علیه یومئذ- فلما کان یوم أحد و جال المسلمون تلک الجوله- أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه- فرجع رسول الله ص إلى المدینه- ثم خرج إلى حمراء الأسد- فلما رجع من حمراء الأسد أتاه جبرائیل ع- فأخبره أن الحارث بن سوید قتل المجذر غیله و أمره بقتله- فرکب رسول الله ص إلى قباء- فی الیوم الذی أخبره جبرائیل فی یوم حار- و کان ذلک یوما لا یرکب فیه رسول الله ص إلى قباء- إنما کانت الأیام التی یأتی فیها رسول الله ص قباء- یوم السبت و یوم الإثنین- فلما دخل رسول الله ص مسجد قباء صلى فیه ما شاء الله أن یصلی- و سمعت الأنصار فجاءوا یسلمون علیه- و أنکروا إتیانه تلک الساعه فی ذلک الیوم- فجلس ع یتحدث و یتصفح الناس- حتى طلع الحارث بن سوید فی ملحفه مورسه- فلما رآه رسول الله ص دعا عویم بن ساعده- فقال له قدم الحارث بن سوید إلى باب المسجد- فاضرب عنقه بمجذر بن زیاد- فإنه قتله یوم أحد فأخذه عویم- فقال الحارث دعنی أکلم رسول الله- و رسول الله ص یرید أن یرکب- و دعا بحماره إلى باب المسجد- فجعل الحارث یقول قد و الله قتلته یا رسول الله- و ما کان قتلی إیاه رجوعا عن الإسلام‏ و لا ارتیابا فیه- و لکنه حمیه الشیطان و أمر وکلت فیه إلى نفسی- و إنی أتوب إلى الله و إلى رسوله مما عملت- و أخرج دیته و أصوم شهرین متتابعین- و أعتق رقبه و أطعم ستین مسکینا- إنی أتوب إلى الله یا رسول الله- و جعل یمسک برکاب رسول الله ص و بنو المجذر حضور- لا یقول لهم رسول الله ص شیئا- حتى إذا استوعب کلامه- قال قدمه یا عویم فاضرب عنقه- و رکب رسول الله ص- فقدمه عویم بن ساعده على باب المسجد فضرب عنقه- .

قال الواقدی- و یقال إن الذی أعلم رسول الله- قتل الحارث المجذر یوم أحد حبیب بن یساف- نظر إلیه حین قتله- فجاء إلى النبی ص فأخبره- فرکب رسول الله ص یتفحص عن هذا الأمر- فبینا هو على حماره نزل جبرائیل ع فخبره بذلک- فأمر رسول الله ص عویما فضرب عنقه- ففی ذلک قال حسان

یا حار فی سنه من نوم أولکم
أم کنت ویحک مغترا بجبریل‏

 فأما البلاذری فإنه ذکر هذا- و قال و یقال إن الجلاس بن سوید بن الصامت- هو الذی قتل المجذر یوم أحد غیله- إلا أن شعر حسان یدل على أنه الحارث- . قال الواقدی و البلاذری- و کان سوید بن الصامت حین ضربه المجذر بقی قلیلا ثم مات- فقال قبل أن یموت یخاطب أولاده-

أبلغ جلاسا و عبد الله مالکه
و إن دعیت فلا تخذلهما حار

اقتل جذاره إذ ما کنت لاقیهم
و الحی عوفا على عرف و إنکار

قال البلاذری جذره و جذاره أخوان- و هما ابنا عوف بن الحارث بن الخزرج- . قلت هذه الروایات کما ترى- و قد ذکر ابن ماکولا فی الإکمال- أن الحارث بن سوید قتل المجذر غیله یوم أحد- ثم التحق بمکه کافرا- ذکره فی حرف المیم من هذا الکتاب- و هذا هو الأشبه عندی

القول فیمن مات من المسلمین بأحد جمله

قال الواقدی ذکر سعید بن المسیب و أبو سعید الخدری- أنه قتل من الأنصار خاصه أحد و سبعون- و بمثله قال مجاهد- . قال فأربعه من قریش- و هم حمزه بن عبد المطلب قتله وحشی- و عبد الله بن جحش بن رئاب- قتله أبو الحکم بن الأخنس بن شریق- و شماس بن عثمان بن الشرید من بنی مخزوم- قتله أبی بن خلف- و مصعب بن عمیر قتله ابن قمیئه- . قال و قد زاد قوم خامسا- و هو سعد مولى حاطب من بنی أسد بن عبد العزى- و قال قوم أیضا- إن أبا سلمه بن عبد الأسد المخزومی جرح یوم أحد- و مات من تلک الجراحه بعد أیام- . قال الواقدی و قال قوم- قتل ابنا الهبیب من بنی سعد بن لیث- و هما عبد الله‏و عبد الرحمن- و رجلان من بنی مزینه- و هما وهب بن قابوس- و ابن أخیه الحارث بن عتبه بن قابوس- فیکون جمیع من قتل من المسلمین ذلک الیوم نحو أحد و ثمانین رجلا- فأما تفصیل أسماء الأنصار فمذکور فی کتب المحدثین- و لیس هذا الموضع مکان ذکره

القول فیمن قتل من المشرکین بأحد

قال الواقدی- قتل من بنی عبد الدار طلحه بن أبی طلحه- صاحب لواء قریش- قتله علی بن أبی طالب ع مبارزه- و عثمان بن أبی طلحه قتله حمزه بن عبد المطلب- و أبو سعید بن أبی طلحه قتله سعد بن أبی وقاص- و مسافع بن طلحه بن أبی طلحه- قتله عاصم بن ثابت بن أبی الأقلح- و کلاب بن طلحه بن أبی طلحه- قتله الزبیر بن العوام- و الحارث بن طلحه بن أبی طلحه قتله عاصم بن ثابت- و الجلاس بن طلحه بن أبی طلحه قتله طلحه بن عبید الله- و أرطاه بن عبد شرحبیل قتله علی بن أبی طالب ع- و قارظ بن شریح بن عثمان بن عبد الدار- و یروى قاسط بالسین و الطاء المهملتین- قال الواقدی لا یدرى من قتله- و قال البلاذری قتله علی بن أبی طالب ع- و صواب مولاهم قتله علی بن أبی طالب ع- و قیل قتله قزمان- و أبو عزیز بن عمیر أخو مصعب بن عمیر قتله قزمان- فهؤلاء أحد عشر- . و من بنی أسد بن عبد العزى عبد الله- بن حمید بن زهیر بن الحارث بن أسد- قتله أبو دجانه فی روایه الواقدی- و فی روایه محمد بن إسحاق قتله علی بن أبی طالب ع- و قال البلاذری قال ابن الکلبی- إن عبد الله بن حمید قتل یوم بدر-و من بنی زهره أبو الحکم بن الأخنس بن شریق- قتله علی بن أبی طالب ع- و سباع بن عبد العزى الخزاعی- و اسم عبد العزى عمر بن نضله بن عباس بن سلیم- و هو ابن أم أنمار الحجامه بمکه قتله حمزه بن عبد المطلب- فهذان رجلان- .

و من بنی مخزوم أمیه بن أبی حذیفه بن المغیره- قتله علی ع- و هشام بن أبی أمیه بن المغیره قتله قزمان- و الولید بن العاص بن هشام قتله قزمان- و خالد بن أعلم العقیلی قتله قزمان- و عثمان بن عبد الله بن المغیره قتله الحارث بن الصمه- فهؤلاء خمسه- . و من بنی عامر بن لؤی عبید بن حاجز قتله أبو دجانه- و شیبه بن مالک بن المضرب قتله طلحه بن عبید الله- و هذان اثنان- . و من بنی جمح أبی بن خلف قتله رسول الله ص بیده- و أبو عزه قتله عاصم بن ثابت صبرا- بأمر رسول الله ص- فهذان اثنان- . و من بنی عبد مناه بن کنانه خالد بن سفیان بن عویف- و أبو الشعثاء بن سفیان بن عویف- و أبو الحمراء بن سفیان بن عویف- و غراب بن سفیان بن عویف- هؤلاء الإخوه الأربعه قتلهم علی بن أبی طالب ع- فی روایه محمد بن حبیب- . فأما الواقدی- فلم یذکر فی باب من قتل من المشرکین بأحد لهم قاتلا معینا- و لکنه ذکر فی کلام آخر قبل هذا الباب- أن أبا سبره بن الحارث بن علقمه قتل أحد بنی سفیان بن عویف- و أن رشیدا الفارسی مولى بنی معاویه- لقی آخر من بنی سفیان بن عویف مقنعا فی الحدید- و هو یقول أنا ابن عویف- فیعرض له سعد مولى حاطب- فضربه ابن‏عویف ضربه جزله باثنتین- فأقبل رشید على ابن عویف فضربه على عاتقه- فقطع الدرع حتى جزله اثنتین- و قال خذها و أنا الغلام الفارسی- فقال رسول الله ص و هو یراه و یسمعه- أ لا قلت أنا الغلام الأنصاری- قال فیعرض لرشید أخ للمقتول- أحد بنی سفیان بن عویف أیضا- و أقبل یعدو نحوه کأنه کلب یقول أنا ابن عویف- و یضربه رشید أیضا على رأسه و علیه المغفر ففلق رأسه- و قال خذها و أنا الغلام الأنصاری- فتبسم رسول الله ص و قال أحسنت یا أبا عبد الله- فکناه رسول الله ص یومئذ و لا ولد له- .

قلت فأما البلاذری فلم یذکر لهم قاتلا- و لکنه عدهم فی جمله من قتل من المشرکین بأحد- و کذلک ابن إسحاق لم یذکر من قتلهم- فإن صحت روایه الواقدی- فعلی ع لم یکن قد قتل منهم إلا واحدا- و إن کانت روایه ابن حبیب صحیحه- فالأربعه من قتلاه ع- و قد رأیت فی بعض کتب أبی الحسن المدائنی أیضا- أن علیا ع هو الذی قتل بنی سفیان بن عویف یوم أحد- و روى له شعرا فی ذلک- . و من بنی عبد شمس معاویه بن المغیره بن أبی العاص- قتله علی ع فی إحدى الروایات- و قیل قتله زید بن حارثه و عمار بن یاسر- . فجمیع من قتل من المشرکین یوم أحد ثمانیه و عشرون- قتل علی ع منهم- ما اتفق علیه و ما اختلف فیه اثنی عشر- و هو إلى جمله القتلى- کعده من قتل یوم بدر إلى جمله القتلى یومئذ- و هو قریب من النصف

القول فی خروج النبی ص و بعد انصرافه من أحد إلى المشرکین لیوقع بهم على ما هو به من الوهن

قال الواقدی بلغ رسول الله ص- أن المشرکین قد عزموا أن یردوا إلى المدینه فینهبوها- فأحب أن یریهم قوه- فصلى الصبح یوم الأحد لثمان خلون من شوال- و معه وجوه الأوس و الخزرج- و کانوا باتوا تلک اللیله فی بابه یحرسونه من البیات- فیهم سعد بن عباده و سعد بن معاذ و الحباب بن المنذر- و أوس بن خولی و قتاده بن النعمان فی عده منهم- فلما انصرف من صلاه الصبح- أمر بلالا أن ینادی فی الناس- أن رسول الله ص یأمرکم بطلب عدوکم- و لا یخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس- فخرج سعد بن معاذ راجعا إلى قومه یأمرهم بالمسیر- و الجراح فی الناس فاشیه- عامه بنی عبد الأشهل جریح بل کلها- فجاء سعد بن معاذ فقال- إن رسول الله ص یأمرکم أن تطلبوا عدوکم- قال یقول أسید بن حضیر و به سبع جراحات- و هو یرید أن یداویها- سمعا و طاعه لله و لرسوله- فأخذ سلاحه و لم یعرج على دواء جراحه- و لحق برسول الله ص- و جاء سعد بن عباده قومه بنی ساعده- فأمرهم بالمسیر فلبسوا و لحقوا- و جاء أبو قتاده أهل خربا و هم یداوون الجراح- فقال هذا منادی رسول الله ص یأمرکم بطلب العدو- فوثبوا إلى سلاحهم و لم یعرجوا على جراحاتهم- فخرج من بنی سلمه أربعون جریحا- بالطفیل بن النعمان ثلاثه عشر جرحا- و بخراش بن الصمه عشر جراحات- و بکعب بن مالک بضعه عشر جرحا- و بقطبه بن عامر بن خدیج بیده تسع جراحات- حتى وافوا النبی ص بقبر أبی عتبه و علیهم السلاح-و قد صفوا لرسول الله ص- فلما نظر إلیهم و الجراح فیهم فاشیه- قال اللهم ارحم بنی سلمه- .

قال الواقدی- و حدثنی عتبه بن جبیره عن رجال من قومه- أن عبد الله بن سهل و رافع بن سهل من بنی عبد الأشهل- رجعا من أحد و بهما جراح کثیره- و عبد الله أثقلهما جرحا- فلما أصبحا و جاء سعد بن معاذ قومه- یخبرهم أن رسول الله ص یأمرهم بطلب العدو- قال أحدهما لصاحبه- و الله إن ترکنا غزاه مع رسول الله ص لغبن- و الله ما عندنا دابه نرکبها- و لا ندری کیف نصنع- قال عبد الله انطلق بنا- قال رافع لا و الله ما بی مشی- قال أخوه انطلق بنا نقصد و نجوز- و خرجا یزحفان فضعف رافع- فکان عبد الله یحمله على ظهره عقبه و یمشی الآخر عقبه- حتى أتوا رسول الله ص عند العشاء- و هم یوقدون النیران- فأتی بهما رسول الله ص- و على حرسه تلک اللیله عباد بن بشر- فقال رسول الله ص لهما ما حبسکما- فأخبراه بعلتهما فدعا لهما بخیر- و قال إن طالت لکما مده- کانت لکما مراکب من خیل و بغال و إبل- و لیس ذلک بخیر لکما- .

قال الواقدی و قال جابر بن عبد الله یا رسول الله- إن منادیا نادى ألا یخرج معنا- إلا من حضر القتال بالأمس- و قد کنت حریصا بالأمس على الحضور- و لکن أبی خلفنی على أخوات لی- و قال یا بنی لا ینبغی لک أن تدعهن و لا رجل معهن- و أخاف علیهن و هن نسیات ضعاف- و أنا خارج مع رسول الله ص لعل الله یرزقنی الشهاده- فتخلفت علیهن فاستأثر علی بالشهاده- و کنت رجوتها فأذن لی یا رسول الله أن أسیر معک- فأذن له رسول الله ص- قال جابر فلم یخرج معه أحد لم یشهد القتال بالأمس غیری- و استأذنه رجال لم یحضروا القتال- فأبى ذلک علیهم- فدعا رسول الله ص بلواءه و هو معقود لم یحل من أمس- فدفعه إلى علی ع- و یقال دفعه إلى أبی بکر- فخرج رسول الله ص و هو مجروح- فی وجهه أثر الحلقتین- و مشجوج فی جبهته فی أصول الشعر- و رباعیته قد شظیت- و شفته قد کلمت من باطنها- و منکبه الأیمن موهن بضربه ابن قمیئه- و رکبتاه مجحوشتان- فدخل المسجد فصلى رکعتین و الناس قد حشدوا- و نزل أهل العوالی حیث جاءهم الصریخ- و دعا بفرسه على باب المسجد- و تلقاه طلحه بن عبید الله و قد سمع المنادی- فخرج ینظر متى یسیر رسول الله ص- فإذا هو و علیه الدرع و المغفر لا یرى منه إلا عیناه- فقال یا طلحه سلاحک قال قریبا- قال طلحه فأخرج و أعدو- فألبس درعی و آخذ سیفی- و أطرح درقتی فی صدری و إن بی لتسع جراحات- و لأنا أهتم بجراح رسول الله ص منی بجراحی- فأقبل رسول الله ص على طلحه- فقال أین ترى القوم الآن قال هم بالسیاله- فقال رسول الله ص ذلک الذی ظننت- أما إنهم یا طلحه لن ینالوا منا مثل أمس- حتى یفتح الله مکه علینا- قال و بعث رسول الله ص ثلاثه نفر من أسلم- طلیعه فی آثار القوم- فانقطع أحدهم و انقطع قبال نعل الآخر- و لحق الثالث بقریش و هم بحمراء الأسد- و لهم زجل یأتمرون فی الرجوع إلى المدینه- و صفوان بن أمیه ینهاهم عن ذلک- و لحق الذی انقطع قبال نعله بصاحبه- فبصرت قریش بالرجلین- فعطفت علیهما فأصابوهما- و انتهى المسلمون إلى مصرعهما بحمراء الأسد- فقبرهما رسول الله ص فی قبر واحد فهما القرینان- .

قال الواقدی اسماهما سلیط و نعمان- . قال الواقدی قال جابر بن عبد الله- کانت عامه أزوادنا ذلک الیوم التمر- و حمل سعد بن عباده ثلاثین بعیرا تمرا- حتى وافت حمراء الأسد- و ساق جزرا فنحروا فی یوم ثنتین و فی یوم ثلاثا- و أمرهم رسول الله ص بجمع الحطب- فإذا أمسوا أمرهم أن یوقدوا النیران- فیوقد کل رجل نارا- فلقد کنا تلک اللیله نوقد خمسمائه نار- حتى نرى من المکان البعید- و ذهب ذکر معسکرنا و نیراننا فی کل وجه- و کان ذلک مما کبت الله به عدونا- .

قال الواقدی و جاء معبد بن أبی معبد الخزاعی- و هو یومئذ مشرک إلى النبی ص- و کانت خزاعه سلما للنبی ص- فقال یا محمد عز علینا ما أصابک فی نفسک- و ما أصابک فی أصحابک- و لوددنا أن الله تعالى أعلى کعبک- و أن المصیبه کانت بغیرک- ثم مضى معبد حتى یجد أبا سفیان و قریشا بالروحاء- و هم یقولون لا محمدا أصبتم- و لا الکواعب أردفتم فبئسما صنعتم- و هم مجمعون على الرجوع إلى المدینه- و یقول قائلهم فیما بینهم ما صنعنا شیئا- أصبنا أشرافهم ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم- و قبل أن یکون لهم وفر- و کان المتکلم بهذا عکرمه بن أبی جهل- فلما جاء معبد إلى أبی سفیان قال- هذا معبد و عنده الخبر ما وراءک یا معبد- قال ترکت محمدا و أصحابه خلفی- یتحرقون علیکم بمثل النیران- و قد اجتمع معه من تخلف عنه بالأمس من الأوس و الخزرج- و تعاهدوا ألا یرجعوا حتى یلحقوکم فیثأروا منکم- و قد غضبوا لقومهم غضبا شدیدا- و لمن أصبتم من أشرافهم- قالوا ویحک ما تقول- قال و الله ما أرى‏أن ترتحلوا حتى تروا نواصی الخیل- و لقد حملنی ما رأیت منهم أن قلت أبیاتا- قالوا و ما هی فأنشدهم هذا الشعر-

کادت تهد من الأصوات راحلتی
إذ سألت الأرض بالجرد الأبابیل‏

تعدو بأسد ضراء لا تنابله
عند اللقاء و لا میل معازیل‏

فقلت ویل ابن حرب من لقائهم
إذا تغطمطت البطحاء بالجیل‏

 و قد کان صفوان بن أمیه رد القوم بکلامه- قبل أن یطلع معبد- و قال لهم صفوان یا قوم لا تفعلوا- فإن القوم قد حربوا- و أخشى أن یجمعوا علیکم من تخلف من الخزرج- فارجعوا و الدوله لکم- فإنی لا آمن إن رجعتم إلیهم أن تکون الدوله علیکم- قال فلذلک
قال رسول الله ص أرشدهم صفوان و ما کان برشید- ثم قال و الذی نفسی بیده- لقد سومت لهم الحجاره- و لو رجعوا لکانوا کأمس الذاهب- قال فانصرف القوم سراعا خائفین من الطلب لهم- و مر بأبی سفیان قوم من عبد القیس یریدون المدینه- فقال لهم هل أنتم مبلغو محمد و أصحابه- ما أرسلکم به- على أن أوقر لکم أباعرکم زبیبا غدا بعکاظ- إن أنتم جئتمونی قالوا نعم- قال حیثمالقیتم محمدا و أصحابه فأخبروهم- أنا قد أجمعنا الرجعه إلیهم و أنا آثارکم- و انطلق أبو سفیان إلى مکه- و قدم الرکب على النبی ص و أصحابه بالحمراء- فأخبروهم بالذی أمرهم أبو سفیان- فقالوا حسبنا الله و نعم الوکیل- فأنزل ذلک فی القرآن- و أرسل معبد رجلا من خزاعه إلى رسول الله ص- یعلمه أنه قد انصرف أبو سفیان و أصحابه خائفین وجلین- فانصرف رسول الله ص بعد ثلاث إلى المدینه

الفصل الخامس فی شرح غزاه مؤته

نذکرها من کتاب الواقدی و نزید على ذلک ما رواه محمد بن إسحاق فی کتابه على عادتنا فیما تقدم قال الواقدی حدثنی ربیعه بن عثمان عن عمر بن الحکم- قال بعث رسول الله ص الحارث بن عمیر الأزدی- فی سنه ثمان إلى ملک بصرى بکتاب- فلما نزل مؤته عرض له شرحبیل بن عمرو الغسانی- فقال أین ترید قال الشام- قال لعلک من رسل محمد قال نعم- فأمر به فأوثق رباطا ثم قدمه فضرب عنقه- و لم یقتل لرسول الله ص رسول غیره- و بلغ ذلک رسول الله ص فاشتد علیه- و ندب الناس و أخبرهم بمقتل الحارث- فأسرعوا و خرجوا فعسکروا بالجرف- فلما صلى رسول الله ص الظهر جلس و جلس أصحابه حوله- و جاء النعمان بن مهض الیهودی فوقف مع الناس-
فقال رسول الله ص زید بن حارثه أمیر الناس- فإن قتل زید بن حارثه فجعفر بن أبی طالب- فإن أصیب جعفر فعبد الله بن رواحه- فإن أصیب ابن رواحه- فلیرتض المسلمون من بینهم رجلا فلیجعلوه علیهم- فقال النعمان بن مهض یا أبا القاسم- إن کنت نبیا فسیصاب من سمیت قلیلا کانوا أو کثیرا- إن الأنبیاء فی بنی إسرائیل کانوا إذا استعملوا الرجل على القوم- ثم قالوا إن أصیب فلان فلو سمى مائه أصیبوا جمیعا- ثم جعل الیهودی یقول لزید بن حارثه- اعهد فلا ترجع إلى محمد أبدا إن کان نبیا- قال زید أشهد أنه نبی صادق- فلما أجمعواالمسیر و عقد رسول الله ص لهم اللواء بیده- دفعه إلى زید بن حارثه و هو لواء أبیض- و مشى الناس إلى أمراء رسول الله ص- یودعونهم و یدعون لهم و کانوا ثلاثه آلاف- فلما ساروا فی معسکرهم ناداهم المسلمون- دفع الله عنکم و ردکم صالحین سالمین غانمین- فقال عبد الله بن رواحه

لکننی أسأل الرحمن مغفره
و ضربه ذات فرغ تقذف الزبدا

أو طعنه بیدی حران مجهزه
بحربه تنفذ الأحشاء و الکبدا

حتى یقولوا إذا مروا على جدثی
یا أرشد الله من غاز فقد رشدا

قلت اتفق المحدثون- على أن زید بن حارثه کان هو الأمیر الأول- و أنکرت الشیعه ذلک- و قالوا کان جعفر بن أبی طالب هو الأمیر الأول- فإن قتل فزید بن حارثه فإن قتل فعبد الله بن رواحه- و رووا فی ذلک روایات- و قد وجدت فی الأشعار التی ذکرها محمد بن إسحاق- فی کتاب المغازی ما یشهد لقولهم- فمن ذلک ما رواه عن حسان بن ثابت- و هو

تأوبنی لیل بیثرب أعسر
و هم إذا ما نوم الناس مسهر

لذکرى حبیب هیجت لی عبره
سفوحا و أسباب البکاء التذکر

بلى إن فقدان الحبیب بلیه
و کم من کریم یبتلى ثم یصبر

فلا یبعدن الله قتلى تتابعوا
بمؤته منهم ذو الجناحین جعفر

و زید و عبد الله حین تتابعوا
جمیعا و أسیاف المنیه تخطر

رأیت خیار المؤمنین تواردوا
شعوب و خلق بعدهم یتأخر

غداه غدوا بالمؤمنین یقودهم‏
إلى الموت میمون النقیبه أزهر

أغر کضوء البدر من آل هاشم
أبی إذا سیم الظلامه أصعر

فطاعن حتى مال غیر موسد
بمعترک فیه القنا متکسر

فصار مع المستشهدین ثوابه
جنان و ملتف الحدائق أخضر

و کنا نرى فی جعفر من محمد
وقارا و أمرا حازما حین یأمر

و ما زال فی الإسلام من آل هاشم
دعائم صدق لا ترام و مفخر

هم جبل الإسلام و الناس حولهم‏
رضام إلى طور یطول و یقهر

بهالیل منهم جعفر و ابن أمه
علی و منهم أحمد المتخیر

و حمزه و العباس منهم و منهم‏
عقیل و ماء العود من حیث یعصر

بهم تفرج الغماء من کل مأزق
عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر

هم أولیاء الله أنزل حکمه‏
علیهم و فیهم و الکتاب المطهر

و منها قول کعب بن مالک الأنصاری من قصیده- أولها

نام العیون و دمع عینک یهمل
سحا کما وکف الرباب المسبل‏

وجدا على النفر الذین تتابعوا
قتلى بمؤته أسندوا لم ینقلوا

ساروا أمام المسلمین کأنهم
طود یقودهم الهزبر المشبل‏

إذ یهتدون بجعفر و لوائه‏
قدام أولهم و نعم الأول‏

حتى تقوضت الصفوف و جعفر
حیث التقى جمع الغواه مجدل‏

فتغیر القمر المنیر لفقده
و الشمس قد کسفت و کادت تأفل‏

قوم علا بنیانهم من هاشم‏
فرع أشم و سؤدد متأثل‏

قوم بهم عصم الإله عباده
و علیهم نزل الکتاب المنزل‏

فضلوا المعاشر عفه و تکرما
و تعمدت أخلاقهم من یجهل‏

قال الواقدی فحدثنی ابن أبی سبره عن إسحاق بن عبد الله بن أبی طلحه عن رافع بن إسحاق عن زید بن أرقم أن رسول الله ص خطبهم فأوصاهم- فقال أوصیکم بتقوى الله و بمن معکم من المسلمین خیرا- اغزوا باسم الله و فی سبیل الله- قاتلوا من کفر بالله- لا تغدروا و لا تغلوا و لا تقتلوا ولیدا- و إذا لقیت عدوک من المشرکین فادعهم إلى إحدى ثلاث- فأیتهن أجابوک إلیها فاقبل منهم- و اکفف عنهم- ادعهم إلى الدخول فی الإسلام- فإن فعلوا فاقبل و اکفف- ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى المهاجرین- فإن فعلوا فأخبرهم أن لهم ما للمهاجرین- و علیهم ما على المهاجرین- و إن دخلوا فی الإسلام و اختاروا دارهم- فأخبرهم أنهم یکونون کأعراب المسلمین- یجری علیهم حکم الله- و لا یکون لهم فی الفی‏ء و لا فی الغنیمه شی‏ء- إلا أن یجاهدوا مع المسلمین فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزیه- فإن فعلوا فاقبل منهم و اکفف عنهم- فإن أبوا فاستعن بالله و قاتلهم- و إن أنت حاصرت أهل حصن أو مدینه- فأرادوا أن تستنزلهم على حکم الله- فلا تستنزلهم على حکم الله- و لکن أنزلهم على حکمک- فإنک لا تدری أ تصیب حکم الله فیهم أم لا- و إن حاصرت أهل حصن أو مدینه- و أرادوا أن تجعل لهم ذمه الله و ذمه رسول الله- فلا تجعل لهم ذمه الله و ذمه رسول الله- و لکن اجعل لهم ذمتک و ذمه أبیک و أصحابک- فإنکم إن تخفروا ذممکم و ذمم آبائکم خیر لکم- من أن تخفروا ذمه الله و ذمه رسوله-.

قال الواقدی و حدثنی أبو صفوان عن خالد بن یزید قال خرج النبی ص مشیعا لأهل مؤته- حتى بلغ ثنیه الوداع فوقف و وقفوا حوله- فقال اغزوا بسم الله- فقاتلوا عدو الله و عدوکم بالشام- و ستجدون فیها رجالا فی الصوامع معتزلین الناس- فلا تعرضوا لهم- و ستجدون آخرین للشیطان فی رءوسهم مفاحص- فاقلعوها بالسیوف- و لا تقتلن امرأه و لا صغیرا ضرعا و لا کبیرا فانیا- و لا تقطعن نخلا و لا شجرا و لا تهدمن بناء-.

قال الواقدی فلما دعا ودع عبد الله بن رواحه رسول الله ص- قال له مرنی بشی‏ء أحفظه عنک- قال إنک قادم غدا بلدا السجود فیه قلیل- فأکثروا السجود- فقال عبد الله زدنی یا رسول الله قال اذکر الله- فإنه عون لک على ما تطلب- فقام من عنده حتى إذا مضى ذاهبا رجع- فقال یا رسول الله إن الله وتر یحب الوتر- فقال یا ابن رواحه ما عجزت فلا تعجز- إن أسأت عشرا أن تحسن واحده- فقال ابن رواحه لا أسألک عن شی‏ء بعدها- .

و روى محمد بن إسحاق- أن عبد الله بن رواحه ودع رسول الله ص بشعر منه-

فثبت الله ما آتاک من حسن
تثبیت موسى و نصرا کالذی نصروا

إنی تفرست فیک الخیر نافله
فراسه خالفتهم فی الذی نظروا

أنت الرسول فمن یحرم نوافله
و البشر منه فقد أودى به القدر

قال محمد بن إسحاق فلما ودع المسلمین بکى- فقالوا له ما یبکیک یا عبد الله- قال و الله ما بی حب الدنیا و لا صبابه إلیها- و لکنی سمعت رسول الله ص‏ یقرأ- وَ إِنْ مِنْکُمْ إِلَّا وارِدُها- فلست أدری کیف لی بالصدر بعد الورود قال الواقدی و کان زید بن أرقم یحدث- قال کنت یتیما فی حجر عبد الله بن رواحه- فلم أر والی یتیم کان خیرا لی منه- خرجت معه فی وجهه إلى مؤته- و صب بی و صببت به- فکان یردفنی خلف رحله- فقال ذات لیله و هو على راحلته بین شعبتی رحله-

إذا بلغتنی و حملت رحلی
مسافه أربع بعد الحساء

فشأنک فانعمی و خلاک ذم‏
و لا أرجع إلى أهلی ورائی‏

و آب المسلمون و خلفونی
بأرض الشام مشتهر الثواء

و زودنی الأقارب من دعاء
إلى الرحمن و انقطع الإخاء

هنالک لا أبالی طلع نخل
و لا نخل أسافلها رواء

فلما سمعت منه هذا الشعر بکیت- فخفقنی بالدره- و قال و ما علیک یا لکع- أن یرزقنی الله الشهاده فأستریح من الدنیا و نصبها- و همومها و أحزانها و أحداثها- و ترجع أنت بین شعبتی الرحل- . قال الواقدی و مضى المسلمون فنزلوا وادی القرى- فأقاموا به أیاما و ساروا حتى نزلوا بمؤته- و بلغهم أن هرقل ملک الروم قد نزل ماء من میاه البلقاء- فی بکر و بهراء و لخم و جذام و غیرهم مائه ألف مقاتل- و علیهم رجل من بلی- فأقام المسلمون لیلتین ینظرون‏ فی أمرهم- و قالوا نکتب إلى رسول الله ص فنخبره الخبر- فإما أن یردنا أو یزیدنا رجالا- فبینا الناس على ذلک من أمرهم- جاءهم عبد الله بن رواحه فشجعهم- و قال و الله ما کنا نقاتل الناس بکثره عده- و لا کثره سلاح و لا کثره خیل- إلا بهذا الدین الذی أکرمنا الله به- انطلقوا فقاتلوا فقد و الله رأینا یوم بدر- و ما معنا إلا فرسان إنما هی إحدى الحسنیین- إما الظهور علیهم فذاک ما وعدنا الله و رسوله- و لیس لوعده خلف- و إما الشهاده فنلحق بالإخوان نرافقهم فی الجنان- فشجع الناس على قول ابن رواحه- .

قال الواقدی و روى أبو هریره قال- شهدت مؤته فلما رأینا المشرکین- رأینا ما لا قبل لنا به من العدد و السلاح- و الکراع و الدیباج و الحریر و الذهب- فبرق بصری- فقال لی ثابت بن أرقم ما لک یا أبا هریره- کأنک ترى جموعا کثیره قلت نعم- قال لم تشهدنا ببدر إنا لم ننصر بالکثره- . قال الواقدی فالتقى القوم- فأخذ اللواء زید بن حارثه فقاتل حتى قتل- طعنوه بالرماح- ثم أخذه جعفر فنزل عن فرس له شقراء فعرقبها- ثم قاتل حتى قتل- .

قال الواقدی قیل إنه ضربه رجل من الروم فقطعه نصفین- فوقع أحد نصفیه فی کرم هناک- فوجد فیه ثلاثون أو بضع و ثلاثون جرحا- . قال الواقدی و قد روى نافع عن ابن عمر- أنه وجد فی بدن جعفر بن أبی طالب اثنتان و سبعون ضربه- و طعنه بالسیوف و الرماح- . قال البلاذری قطعت یداه- و لذلکقال رسول الله ص لقد أبدله الله بهما جناحین یطیر بهما فی الجنه- و لذلک سمی الطیار- .

قال الواقدی- ثم أخذ الرایه عبد الله بن رواحه فنکل یسیرا- ثم حمل فقاتل‏ حتى قتل- فلما قتل انهزم المسلمون- أسوأ هزیمه کانت فی کل وجه ثم تراجعوا- فأخذ اللواء ثابت بن أرقم- و جعل یصیح بالأنصار فثاب إلیه منهم قلیل- فقال لخالد بن الولید خذ اللواء یا أبا سلیمان- قال خالد لا بل خذه أنت فلک سن- و قد شهدت بدرا- قال ثابت خذه أیها الرجل- فو الله ما أخذته إلا لک- فأخذه خالد و حمل به ساعه- و جعل المشرکون یحملون علیه حتى دهمه منهم بشر کثیر- فانحاز بالمسلمین و انکشفوا راجعین- . قال الواقدی- و قد روى أن خالدا ثبت بالناس فلم ینهزموا- و الصحیح أن خالدا انهزم بالناس- .

قال الواقدی حدثنی محمد بن صالح- عن عاصم بن عمر بن قتاده- أن النبی ص لما التقى الناس بمؤته جلس على المنبر- و کشف له ما بینه و بین الشام- فهو ینظر إلى معرکتهم- فقال أخذ الرایه زید بن حارثه- فجاءه الشیطان فحبب إلیه الحیاه- و کره إلیه الموت و حبب إلیه الدنیا- فقال الآن حین استحکم الإیمان فی قلوب المؤمنین- تحبب إلی الدنیا- فمضى قدما حتى استشهد ثم صلى علیه- و قال استغفروا له فقد دخل الجنه و هو یسعى- ثم أخذ الرایه جعفر بن أبی طالب- فجاءه الشیطان فمناه الحیاه- و کره إلیه الموت و مناه الدنیا- فقال الآن حین استحکم الإیمان فی قلوب المؤمنین- تتمنى الدنیا ثم مضى قدما حتى استشهد- فصلى علیه رسول الله ص و دعا له-ثم قال استغفروا لأخیکم فإنه شهید قد دخل الجنه- فهو یطیر فیها بجناحین من یاقوت حیث شاء- ثم قال أخذ الرایه عبد الله بن رواحه- ثم دخل معترضا فشق ذلک على الأنصار- فقال رسول الله ص أصابته الجراح- قیل یا رسول الله فما اعتراضه- قال لما أصابته الجراح نکل- فعاتب نفسه فشجع فاستشهد- فدخل الجنه فسری عن قومه- .

وروى محمد بن إسحاق قال لما ذکر رسول الله ص زیدا و جعفرا- سکت عن عبد الله بن رواحه حتى تغیرت وجوه الأنصار- و ظنوا أنه قد کان من عبد الله بعض ما یکرهون- ثم قال أخذها عبد الله بن رواحه فقاتل- حتى قتل شهیدا- ثم قال لقد رفعوا لی فی الجنه- فیما یرى النائم على سرر من ذهب- فرأیت فی سریر ابن رواحه ازورارا عن سریری صاحبیه- فقلت لم هذا فقیل لأنهما مضیا- و تردد هذا بعض التردد ثم مضى- .

قال و روى محمد بن إسحاق- أنه لما أخذ جعفر بن أبی طالب الرایه- قاتل قتالا شدیدا- حتى إذا لحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها- ثم قاتل القوم حتى قتل- فکان جعفر رضی الله عنه أول رجل عقر فرسه فی الإسلام- . قال محمد بن إسحاق- و لما أخذ ابن رواحه الرایه جعل یتردد بعض التردد- و یستقدم نفسه یستنزلها و قال-

 

أقسمت یا نفس لتنزلنه
طوعا و إلا سوف تکرهنه‏

ما لی أراک تکرهین الجنه
إذ أجلب الناس و شدوا الرنه‏

قد طالما قد کنت مطمئنه
هل أنت إلا نطفه فی شنه‏

 ثم ارتجز أیضا فقال-

یا نفس إلا تقتلی تموتی
هذا حمام الموت قد صلیت‏

و ما تمنیت فقد أعطیت
إن تفعلی فعلهما هدیت‏

و إن تأخرت فقد شقیت‏

 ثم نزل عن فرسه فقاتل- فأتاه ابن عم له ببضعه من لحم- فقال اشدد بهذا صلبک- فأخذها من یده فانتهش منها نهشه- ثم سمع الحطمه فی ناحیه من الناس- فقال و أنت یا ابن رواحه فی الدنیا- ثم ألقاها من یده و أخذ سیفه- فتقدم فقاتل حتى قتل- . قال الواقدی حدثنی داود بن سنان- قال سمعت ثعلبه بن أبی مالک یقول- انکشف خالد بن الولید یومئذ بالناس- حتى عیروا بالفرار و تشاءم الناس به- .

قال و روى أبو سعید الخدری- قال أقبل خالد بالناس منهزمین- فلما سمع أهل المدینه بهم تلقوهم بالجرف- فجعلوا یحثون فی وجوههم التراب- و یقولون یا فرار أ فررتم فی سبیل الله- فقال رسول الله ص لیسوا بالفرار- و لکنهم کرار إن شاء الله- . قال الواقدی و قال عبید الله بن عبد الله بن عتبه- ما لقی جیش بعثوا مبعثا- ما لقی أصحاب مؤته من أهل المدینه لقوهم بالشر- حتى إن الرجل ینصرف إلى بیته و أهله- فیدق علیهم فیأبون أن یفتحوا له- یقولون ألا تقدمت مع أصحابک فقتلت- و جلس الکبراء منهم فی بیوتهم استحیاء من الناس- حتى أرسل النبی ص رجلا- یقول لهم أنتم الکرار فی سبیل الله فخرجوا- .

قال الواقدی فحدثنی مالک بن أبی الرجال عن عبد الله بن أبی بکر بن حزم عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر عن جدتها أسماء بنت عمیس قالت أصبحت فی الیوم الذی أصیب فیه جعفر و أصحابه- فأتانی رسول الله ص- و قد منأت أربعین منا من أدم و عجنت عجینی- و أخذت بنی فغسلت وجوههم و دهنتهم- فدخلت على‏ رسول الله ص- فقال یا أسماء أین بنو جعفر فجئت بهم إلیه- فضمهم و شمهم ثم ذرفت عیناه فبکى- فقلت یا رسول الله لعله بلغک عن جعفر شی‏ء- قال نعم إنه قتل الیوم فقمت أصیح- و اجتمع إلى النساء- فجعل رسول الله ص یقول- یا أسماء لا تقولی هجرا و لا تضربی صدرا- ثم خرج حتى دخل على ابنته فاطمه رضی الله عنها- و هی تقول وا عماه- فقال على مثل جعفر فلتبک الباکیه- ثم قال اصنعوا لآل جعفر طعاما- فقد شغلوا عن أنفسهم الیوم -.

قال الواقدی و حدثنی محمد بن مسلم عن یحیى بن أبی یعلى قال سمعت عبد الله بن جعفر یقول أنا أحفظ حین دخل النبی ص على أمی- فنعى إلیها أبی- فأنظر إلیه و هو یمسح على رأسی و رأس أخی- و عیناه تهراقان بالدمع حتى قطرت لحیته- ثم قال اللهم إن جعفرا قدم إلی أحسن الثواب- فاخلفه فی ذریته- بأحسن ما خلفت أحدا من عبادک فی ذریته- ثم قال یا أسماء أ لا أبشرک- قالت بلى بأبی و أمی- قال فإن الله جعل لجعفر جناحین یطیر بهما فی الجنه- قالت بأبی و أمی فأعلم الناس ذلک- فقام رسول الله ص و أخذ بیدی- یمسح بیده رأسی حتى رقی على المنبر- و أجلسنی أمامه على الدرجه السفلى- و إن الحزن لیعرف علیه- فتکلم فقال إن المرء کثیر بأخیه و ابن عمه- ألا إن جعفرا قد استشهد- و قد جعل الله له جناحین یطیر بهما فی الجنه- ثم نزل فدخل بیته و أدخلنی- و أمر بطعام فصنع لنا- و أرسل إلى أخی فتغدینا عنده غداء طیبا- عمدت سلمى خادمته إلى شعیر فطحنته- ثم نشفته ثم أنضجته و آدمته بزیت- و جعلت علیه فلفلا- فتغدیت أنا و أخی معه- و أقمنا عنده ثلاثه أیام ندور معه فی بیوت نسائه- ثم أرجعنا إلى بیتنا- و أتانی رسول الله ص بعد ذلک و أنا أساوم فی شاه- فقال اللهم بارک له فی صفقته- فو الله ما بعت شیئا و لا اشتریت إلا بورک فیه

فصل فی ذکر بعض مناقب جعفر بن أبی طالب

روى أبو الفرج الأصفهانی فی کتاب مقاتل الطالبیین- أن کنیه جعفر بن أبی طالب أبو المساکین- و قال و کان ثالث الإخوه من ولد أبی طالب- أکبرهم طالب و بعده عقیل و بعده جعفر و بعده علی- و کل واحد منهم أکبر من الآخر بعشر سنین- و علی أصغرهم سنا- و أمهم جمیعا فاطمه بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف- و هی أول هاشمیه ولدت لهاشمی و فضلها کثیر- و قربها من رسول الله ص- و تعظیمه لها معلوم عند أهل الحدیث- . و روى أبو الفرج لجعفر رضی الله عنه فضل کثیر- و قد ورد فیه حدیث کثیر-من ذلک أن رسول الله ص لما فتح خیبر- قدم جعفر بن أبی طالب من الحبشه- فالتزمه رسول الله ص و جعل یقبل بین عینیه- و یقول ما أدری بأیهما أنا أشد فرحا- بقدوم جعفر أم بفتح خیبر- .

قال و قد روى خالد الحذاء- عن عکرمه عن أبی هریره أنه قال- ما رکب المطایا و لا رکب الکور و لا انتعل- و لا احتذى النعال أحد بعد رسول الله ص- أفضل من جعفر بن أبی طالب- .

قال و قد روى عطیه عن أبی سعید الخدری قال قال رسول الله ص خیر الناس حمزه و جعفر و علیوقد روى جعفر بن محمد عن أبیه ع قال قال رسول الله ص خلق الناس من أشجار شتى- و خلقت أنا و جعفر من شجره واحده- أو قال من طینه واحده قال و بالإسناد قال رسول الله ص لجعفر- أنت أشبهت خلقی و خلقی- . و قال أبو عمر بن عبد البر فی کتاب الاستیعاب- کانت سن جعفر ع یوم قتل إحدى و أربعین سنه- .

قال أبو عمر و قد روى ابن المسیب أن رسول الله ص قال مثل لی جعفر و زید و عبد الله فی خیمه من در- کل واحد منهم على سریر- فرأیت زیدا و ابن رواحه فی أعناقهما صدودا- و رأیت جعفرا مستقیما لیس فیه صدود- فسألت فقیل لی- إنهما حین غشیهما الموت أعرضا و صدا بوجهیهما- و أما جعفر فلم یفعل -.

قال أبو عمر أیضا و روی عن الشعبی- قال سمعت عبد الله بن جعفر یقول- کنت إذا سألت عمی علیا ع شیئا و یمنعنی- أقول له بحق جعفر فیعطینی- . وروى أبو عمر أیضا فی حرف الزای فی باب زید بن حارثه أن رسول الله ص لما أتاه قتل جعفر و زید بمؤته بکى- و قال أخوای و مؤنسای و محدثایو اعلم أن هذه الکلمات التی ذکرها الرضی رحمه الله علیه- ملتقطه من کتابه ع- الذی کتبه جوابا عن کتاب معاویه النافذ إلیه- مع أبی مسلم الخولانی- و قد ذکره أهل السیره فی کتبهم-

روى نصر بن مزاحم فی کتاب صفین- عن عمر بن سعد عن أبی ورقاء- قال جاء أبو مسلم الخولانی- فی ناس من قراء أهل الشام إلى معاویه- قبل مسیر أمیر المؤمنین ع إلى صفین- فقالوا له یا معاویه علام تقاتل علیا- و لیس لک‏ مثل صحبته و لا هجرته- و لا قرابته و لا سابقته- فقال إنی لا أدعی أن لی فی الإسلام مثل صحبته- و لا مثل هجرته و لا قرابته- و لکن خبرونی عنکم- أ لستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما قالوا بلى- قال فلیدفع إلینا قتلته لنقتلهم به- و لا قتال بیننا و بینه- قالا فاکتب إلیه کتابا یأته به بعضنا- فکتب مع أبی مسلم الخولانی- من معاویه بن أبی سفیان إلى علی بن أبی طالب- سلام علیک فإنی أحمد إلیک الله الذی لا إله إلا هو- أما بعد فإن الله اصطفى محمدا بعلمه- و جعله الأمین على وحیه- و الرسول إلى خلقه- و اجتبى له من المسلمین أعوانا أیده الله تعالى بهم- فکانوا فی منازلهم عنده على قدر فضائلهم فی الإسلام- فکان أفضلهم فی الإسلام- و أنصحهم لله و رسوله الخلیفه من بعده- ثم خلیفه خلیفته من بعد خلیفته- ثم الثالث الخلیفه المظلوم عثمان- فکلهم حسدت و على کلهم بغیت- عرفنا ذلک فی نظرک الشزر و قولک الهجر- و تنفسک الصعداء و إبطائک عن الخلفاء- تقاد إلى کل منهم کما یقاد الفحل المخشوش- حتى تبایع و أنت کاره- ثم لم تکن لأحد منهم بأعظم حسدا منک- لابن عمک عثمان- و کان أحقهم ألا تفعل ذلک فی قرابته و صهره- فقطعت رحمه و قبحت محاسنه- و ألبت الناس علیه- و بطنت و ظهرت حتى ضربت إلیه آباط الإبل- و قیدت إلیه الإبل العراب- و حمل علیه السلاح فی حرم رسول الله ص- فقتل معک فی المحله و أنت تسمع فی داره الهائعه- لا تردع الظن و التهمه عن نفسک بقول و لا عمل- و أقسم قسما صادقا- لو قمت فیما کان من أمره مقاما واحدا تنهنه الناس عنه- ما عدل بک من قبلنا من الناس أحدا- و لمحا ذلک عندهم ما کانوا یعرفونک به- من المجانبه لعثمان و البغی علیه- و أخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنین- إیواؤک قتله عثمان- فهم عضدک و أنصارک و یدک و بطانتک- و قد ذکر لی أنک تتنصل من دمه- فإن کنت صادقا فأمکنا من قتلته نقتلهم به- و نحن أسرع الناس إلیک- و إلا فإنه لیس لک و لأصحابک إلا السیف- و الذی لا إله إلا هو لنطلبن قتله عثمان- فی الجبال و الرمال و البر و البحر- حتى یقتلهم الله أو لتلحقن أرواحنا بالله و السلام- .

قال نصر فلما قدم أبو مسلم على علی ع بهذا الکتاب- قام فحمد الله و أثنى علیه- ثم قال أما بعد فإنک قد قمت بأمر ولیته- و و الله ما أحب أنه لغیرک- إن أعطیت الحق من نفسک- إن عثمان قتل مسلما محرما مظلوما- فادفع إلینا قتلته و أنت أمیرنا- فإن خالفک من الناس أحد کانت أیدینا لک ناصره- و ألسنتنا لک شاهده- و کنت ذا عذر و حجه- فقال له علی ع اغد علی غدا فخذ جواب کتابک فانصرف- ثم رجع من غد لیأخذ جواب کتابه- فوجد الناس قد بلغهم الذی جاء فیه قبل- فلبست الشیعه أسلحتها ثم غدوا فملئوا المسجد- فنادوا کلنا قتله عثمان- و أکثروا من النداء بذلک- و أذن لأبی مسلم فدخل- فدفع علی ع جواب کتاب معاویه- فقال أبو مسلم لقد رأیت قوما ما لک معهم أمر- قال و ما ذاک-

قال بلغ القوم أنک ترید أن تدفع إلینا قتله عثمان فضجوا- و اجتمعوا و لبسوا السلاح- و زعموا أنهم قتله عثمان- فقال علی ع- و الله ما أردت أن أدفعهم إلیکم طرفه عین قط- لقد ضربت هذا الأمر أنفه و عینه- فما رأیته ینبغی لی أن أدفعهم إلیک و لا إلى غیرک- فخرج أبو مسلم بالکتاب و هو یقول الآن طاب الضراب‏ وکان جواب علی ع من عبد الله علی أمیر المؤمنین إلى معاویه بن أبی سفیان- أما بعد فإن أخا خولان قدم علی بکتاب منک- تذکر فیه محمدا ص و ما أنعم الله به علیه- من الهدى و الوحی- فالحمد لله الذی صدقه الوعد و أیده بالنصر- و مکن له فی البلاد- و أظهره على أهل العداوه و الشنئان- من قومه الذین وثبوا علیه و شنفوا له- و أظهروا تکذیبه و بارزوه بالعداوه- و ظاهروا على إخراجه و على إخراج أصحابه و أهله- و ألبوا علیه العرب و جادلوهم على حربه- و جهدوا فی أمره کل الجهد و قلبوا له الأمور- حتى جاء الحق و ظهر أمر الله و هم کارهون- و کان أشد الناس علیه تألیبا و تحریضا أسرته- و الأدنى فالأدنى من قومه إلا من عصم الله- و ذکرت أن الله تعالى اجتبى له من المسلمین أعوانا- أیده الله بهم- فکانوا فی منازلهم عنده على قدر فضائلهم فی الإسلام- فکان أفضلهم زعمت فی الإسلام- و أنصحهم لله و لرسوله الخلیفه و خلیفه الخلیفه- و لعمری إن مکانهما فی الإسلام لعظیم- و إن المصاب بهما لجرح فی الإسلام شدید- فرحمهما الله و جزاهما أحسن ما عملا- و ذکرت أن عثمان کان فی الفضل تالیا- فإن یک عثمان محسنا فسیجزیه الله بإحسانه- و إن یک مسیئا فسیلقى ربا غفورا- لا یتعاظمه ذنب أن یغفره- و لعمری إنی لأرجو إذا أعطى الله الناس- على قدر فضائلهم فی الإسلام و نصیحتهم لله و لرسوله- أن یکون نصیبنا فی ذلک الأوفر- إن محمدا ص لما دعا إلى الإیمان بالله و التوحید له- کنا أهل البیت أول من آمن به و صدقه فیما جاء- فبتنا أحوالا کامله مجرمه تامه- و ما یعبد الله فی ربع ساکن من العرب غیرنا- فأراد قومنا قتل نبینا و اجتیاح أصلنا- و هموا بنا الهموم و فعلوا بنا الأفاعیل- و منعونا المیره و أمسکوا عنا العذب و أحلسونا الخوف- و جعلوا علینا الأرصاد و العیون- و اضطرونا إلى جبل وعر و أوقدوا لنا نار الحرب- و کتبوا بینهم کتابا- لا یؤاکلوننا و لا یشاربوننا- و لا یناکحوننا و لا یبایعوننا- و لا نأمن منهم حتى ندفع إلیهم محمدا فیقتلوه و یمثلوا به- فلم نکن نأمن فیهم إلا من موسم إلى موسم- فعزم الله لنا على منعه و الذب عن حوزته- و الرمی من وراء حرمته- و القیام بأسیافنا دونه فی ساعات الخوف باللیل و النهار- فمؤمننا یرجو بذلک الثواب- و کافرنا یحامی عن الأصل- و أما من أسلم من قریش فإنهم مما نحن فیه خلاء- منهم الحلیف الممنوع- و منهم ذو العشیره التی تدافع عنه- فلا یبغیه أحد مثل ما بغانا به قومنا من التلف- فهم من القتل بمکان نجوه و أمن- فکان ذلک ما شاء الله أن یکون- ثم أمر الله تعالى رسوله بالهجره- و أذن له بعد ذلک فی قتال المشرکین- فکان إذا احمر البأس- و دعیت نزال أقام أهل بیته فاستقدموا- فوقى أصحابه بهم حد الأسنه و السیوف- فقتل عبیده یوم بدر- و حمزه یوم أحد و جعفر و زید یوم مؤته- و أراد من لو شئت ذکرت اسمه- مثل الذی أرادوا من الشهاده مع النبی ص غیر مره- إلا أن آجالهم عجلت و منیته أخرت- و الله ولى الإحسان إلیهم و المنه علیهم- بما أسلفوا من أمر الصالحات- فما سمعت بأحد- و لا رأیته هو أنصح فی طاعه رسوله و لا لنبیه- و لا أصبر على اللأواء و السراء و الضراء و حین البأس- و مواطن المکروه مع النبی ص- من هؤلاء النفر الذین سمیت لک- و فی المهاجرین خیر کثیر یعرف- جزاهم الله خیرا بأحسن‏ أعمالهم- و ذکرت حسدی الخلفاء- و إبطائی عنهم و بغیی علیهم- فأما البغی فمعاذ الله أن یکون- و أما الإبطاء عنهم و الکراهیه لأمرهم- فلست أعتذر إلى الناس من ذلک- إن الله تعالى ذکره لما قبض نبیه ص- قالت قریش منا أمیر و قالت الأنصار منا أمیر- فقالت قریش منا محمد نحن أحق بالأمر- فعرفت ذلک الأنصار فسلمت لهم الولایه و السلطان- فإذا استحقوها بمحمد ص دون الأنصار- فإن أولى الناس بمحمد أحق به منهم- و إلا فإن الأنصار أعظم العرب فیها نصیبا- فلا أدری أصحابی سلموا من أن یکونوا حقی أخذوا- أو الأنصار ظلموا- بل عرفت إن حقی هو المأخوذ- و قد ترکته لهم تجاوزا لله عنهم- و أما ما ذکرت من أمر عثمان و قطیعتی رحمه و تألیبی علیه- فإن عثمان عمل ما قد بلغک- فصنع الناس به ما رأیت- و إنک لتعلم أنی قد کنت فی عزله عنه- إلا أن تتجنی فتجن ما بدا لک- و أما ما ذکرت من أمر قتله عثمان- فإنی نظرت فی هذا الأمر و ضربت أنفه و عینه- فلم أر دفعهم إلیک و لا إلى غیرک- و لعمری لئن لم تنزع عن غیک و شقاقک- لتعرفنهم عن قلیل یطلبونک- لا یکلفونک أن تطلبهم فی بر و لا بحر و لا سهل و لا جبل- و قد أتانی أبوک حین ولى الناس أبا بکر- فقال أنت أحق بمقام محمد- و أولى الناس بهذا الأمر- و أنا زعیم لک بذلک على من خالف- ابسط یدک أبایعک فلم أفعل- و أنت تعلم أن أباک قد قال ذلک و أراده- حتى کنت أنا الذی أبیت- لقرب عهد الناس بالکفر مخافه الفرقه بین أهل الإسلام- فأبوک کان أعرف بحقی منک- فإن تعرف من حقی ما کان أبوک یعرف تصب رشدک- و إن لم تفعل فسیغنی الله عنک و السلام

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۵

بازدیدها: ۲۰۳

نامه ۹ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی) (قصه غزوه أحد)جز الثالث

قصه غزوه أحد

الفصل الرابع فی شرح قصه غزاه أحد- و نحن نذکر ذلک من کتاب الواقدی رحمه الله- على عاداتنا فی ذکر غزاه بدر- و نضیف إلیه من الزیادات- التی ذکرها ابن إسحاق و البلاذری- ما یقتضی الحال ذکره- . قال الواقدی- لما رجع من حضر بدرا من المشرکین إلى مکه- وجدوا العیر التی قدم بها أبو سفیان بن حرب- من الشام موقوفه فی دار الندوه- و کذلک کانوا یصنعون- فلم یحرکها أبو سفیان و لم یفرقها لغیبه أهل العیر- و مشت أشراف قریش إلى أبی سفیان- الأسود بن عبد المطلب بن أسد- و جبیر بن مطعم و صفوان بن أمیه- و عکرمه بن أبی جهل و الحارث بن هشام- و عبد الله بن أبی ربیعه و حویطب بن عبد العزى- فقالوا یا أبا سفیان-

انظر هذه العیر التی قدمت بها فاحتبستها- فقد عرفت أنها أموال أهل مکه- و لطیمه قریش- و هم طیبوا الأنفس- یجهزون بهذه العیر جیشا کثیفا إلى محمد- فقدترى من قتل من آبائنا و أبنائنا و عشائرنا- فقال أبو سفیان- و قد طابت أنفس قریش بذلک قالوا نعم- قال فأنا أول من أجاب إلى ذلک- و بنو عبد مناف معی- فأنا و الله الموتور و الثائر- و قد قتل ابنی حنظله ببدر و أشراف قومی- فلم تزل العیر موقوفه حتى تجهزوا للخروج- فباعوها فصارت ذهبا عینا- و یقال إنما قالوا یا أبا سفیان- بع العیر ثم اعزل أرباحها- فکانت العیر ألف بعیر- و کان المال خمسین ألف دینار- و کانوا یربحون فی تجاراتهم للدینار دینارا- و کان متجرهم من الشام غزه- لا یعدونها إلى غیرها- و کان أبو سفیان قد حبس عیر بنی زهره- لأنهم رجعوا من طریق بدر- و سلم ما کان لمخرمه بن نوفل و لبنی أبیه- و بنی عبد مناف بن زهره- فأبى مخرمه أن یقبل عیره- حتى یسلم إلى بنی زهره جمیعا- و تکلم الأخنس فقال- و ما لعیر بنی زهره من بین عیرات قریش- قال أبو سفیان لأنهم رجعوا عن قریش- قال الأخنس أنت أرسلت إلى قریش أن ارجعوا- فقد أحرزنا العیر- لا تخرجوا فی غیر شی‏ء فرجعنا- فأخذت بنو زهره عیرها- و أخذ أقوام من أهل مکه- أهل ضعف لا عشائر لهم و لا منعه- کل ما کان لهم فی العیر- .

قال الواقدی- و هذا یبین أنه إنما أخرج القوم أرباح العیر- قال و فیهم أنزل- إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ- لِیَصُدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ الآیه- . قال فلما أجمعوا على المسیر- قالوا نسیر فی العرب فنستنصرهم- فإن عبد مناه غیر متخلفین عنا- هم أوصل العرب لأرحامنا- و من اتبعنا من الأحابیش- فأجمعوا على أن یبعثوا أربعه من قریش- یسیرون فی العرب یدعونهم إلى نصرهم- فبعثوا عمرو بن العاص و هبیره بن وهب- و ابن الزبعرى و أبا عزه الجمحی- فأبى أبو عزه أن یسیر- و قال من‏ علی محمد یوم بدر- و حلفت ألا أظاهر علیه عدوا أبدا- فمشى إلیه صفوان بن أمیه فقال اخرج- فأبى و قال عاهدت محمدا یوم بدر- ألا أظاهر علیه عدوا أبدا- و أنا أفی له بما عاهدته علیه- من علی و لم یمن على غیری- حتى قتله أو أخذ منه الفداء- فقال صفوان اخرج معنا- فإن تسلم أعطک من المال ما شئت- و إن تقتل تکن عیالک مع عیالی- فأبى أبو عزه حتى کان الغد- و انصرف عنه صفوان بن أمیه آیسا منه- فلما کان الغد جاءه صفوان و جبیر بن مطعم- فقال له صفوان الکلام الأول فأبى- فقال جبیر ما کنت أظن أنی أعیش- حتى یمشی إلیک أبو وهب فی أمر تأبى علیه- فأحفظه فقال أنا أخرج- قال فخرج إلى العرب یجمعها و یقول-

إیه بنی عبد مناه الرزام
أنتم حماه و أبوکم حام‏

لا تسلمونی لا یحل إسلام‏
لا یعدونی نصرکم بعد العام‏

و خرج النفر مع أبی عزه فألبوا العرب و جمعوا- و بلغوا ثقیفا فأوعبوا- فلما أجمعوا المسیر- و تألب من کان معهم من العرب و حضروا- و اختلفت قریش فی إخراج الظعن معهم- قال صفوان بن أمیه- اخرجوا بالظعن فأنا أول من فعل- فإنه أقمن أن یحفظنکم- و یذکرنکم قتلى بدر فإن العهد حدیث- و نحن قوم موتورون مستمیتون- لا نرید أن نرجع إلى دیارنا- حتى ندرک ثأرنا أو نموت دونه- فقال عکرمه بن أبی جهل- أنا أول من أجاب إلى ما دعوت إلیه- و قال عمرو بن العاص مثل ذلک- فمشى فی ذلک‏ نوفل بن معاویه الدیلی- فقال یا معشر قریش هذا لیس برأی- أن تعرضوا حرمکم لعدوکم- و لا آمن أن تکون الدبره لهم فتفتضحوا فی نسائکم- فقال صفوان لا کان غیر هذا أبدا- فجاء نوفل إلى أبی سفیان بن حرب- فقال له تلک المقاله فصاحت هند بنت عتبه- إنک و الله سلمت یوم بدر- فرجعت إلى نسائک نعم نخرج فنشهد القتال- فقد ردت القیان من الجحفه فی سفرهم إلى بدر- فقتلت الأحبه یومئذ- فقال أبو سفیان لست أخالف قریشا- أنا رجل منها ما فعلت فعلت- فخرجوا بالظعن فخرج أبو سفیان بن حرب بامرأتین- هند بنت عتبه بن ربیعه- و أمیمه بنت سعد بن وهب بن أشیم بن کنانه- و خرج صفوان بن أمیه بامرأتین- برزه بنت مسعود الثقفی- و هی أم عبد الله الأکبر- و البغوم بنت المعذل من کنانه- و هی أم عبد الله الأصغر- و خرج طلحه بن أبی طلحه- بامرأته سلافه بنت سعد بن شهید و هی من الأوس- و هی أم بنیه مسافع و الحارث- و کلاب و الجلاس بنی طلحه بن أبی طلحه- و خرج عکرمه بن أبی جهل- بامرأته أم حکیم بنت الحارث بن هشام- و خرج الحارث بن هشام بامرأته- فاطمه بنت الولید بن المغیره- و خرج عمرو بن العاص- بامرأته هند بنت منبه بن الحجاج- و هی أم عبد الله بن عمرو بن العاص- و قال محمد بن إسحاق اسمها ریطه- و خرجت خناس بنت مالک بن المضرب- إحدى نساء بنی مالک بن حسل- مع ابنها أبی عزیز بن عمیر- أخی مصعب بن عمیر من بنی عبد الدار- و خرج الحارث بن سفیان بن عبد الأسد بامرأته- رمله بنت طارق بن علقمه الکنانیه- و خرج کنانه بن علی بن ربیعه- بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بامرأته- أم حکیم بنت طارق- و خرج سفیان بن عویف بامرأته- قتیله بنت عمرو بن هلال- و خرج النعمان بن عمرو- و جابر مسک الذئب أخوه- بأمهماالدغینه- و خرج غراب بن سفیان بن عویف بامرأته- عمره بنت الحارث بن علقمه الکنانیه- و هی التی رفعت لواء قریش حین سقطت- حتى تراجعت قریش إلى لوائها- و فیها یقول حسان-

و لو لا لواء الحارثیه أصبحوا یباعون
فی الأسواق بالثمن البخس‏

قالوا و خرج سفیان بن عویف بعشره من ولده- و حشدت بنو کنانه- و کانت الألویه یوم خرجوا من مکه ثلاثه- عقدوها فی دار الندوه- لواء یحمله سفیان بن عویف لبنی کنانه- و لواء الأحابیش یحمله رجل منهم- و لواء لقریش یحمله طلحه بن أبی طلحه- . قال الواقدی- و یقال خرجت قریش و لفها کلهم- من کنانه و الأحابیش و غیرهم على لواء واحد- یحمله طلحه بن أبی طلحه- و هو الأثبت عندنا- . قال و خرجت قریش- و هم ثلاثه آلاف بمن ضوى إلیها- و کان فیهم من ثقیف مائه رجل- و خرجوا بعده و سلاح کثیر- و قادوا مائتی فرس- و کان فیهم سبعمائه دراع و ثلاثه آلاف بعیر- فلما أجمعوا على المسیر- کتب العباس بن عبد المطلب کتابا و ختمه- و استأجر رجلا من بنی غفار- و شرط علیه أن یسیر ثلاثا إلى رسول الله ص-

یخبره أن قریشا قد اجتمعت للمسیر إلیک- فما کنت صانعا إذا حلوا بک فاصنعه- و قد وجهوا و هم ثلاثه آلاف- و قادوا مائتی فرس و فیهم سبعمائه دراع- و ثلاثه آلاف بعیر و قد أوعبوا من السلاح- فقدم الغفاری فلم یجد رسول الله ص بالمدینه- وجده بقباء- فخرج حتى وجد رسول الله ص على باب مسجد قباء- یرکب‏حماره فدفع إلیه الکتاب- فقرأه علیه أبی بن کعب و استکتم أبیا ما فیه- و دخل منزل سعد بن الربیع- فقال أ فی البیت أحد- فقال سعد لا فتکلم بحاجتک- فأخبره بکتاب العباس بن عبد المطلب- فجعل سعد یقول یا رسول الله- و الله إنی لأرجو أن یکون فی ذلک خیر- و أرجعت یهود المدینه و المنافقون- و قالوا ما جاء محمدا شی‏ء یحبه- و انصرف رسول الله ص إلى المدینه- و قد استکتم سعد بن الربیع الخبر- فلما خرج رسول الله ص من منزله- خرجت امرأه سعد بن الربیع إلیه- فقالت ما قال لک رسول الله ص- قال ما لک و لذاک لا أم لک-

قالت کنت أستمع علیکم- و أخبرت سعدا الخبر فاسترجع سعد- و قال لا أراک تستمعین علینا- و أنا أقول لرسول الله ص تکلم بحاجتک- ثم أخذ بجمع لمتها ثم خرج یعدو بها- حتى أدرک رسول الله ص بالجسر و قد بلحت- فقال یا رسول الله- إن امرأتی سألتنی عما قلت فکتمتها- فقالت قد سمعت قول رسول الله ص- ثم جاءت بالحدیث کله- فخشیت یا رسول الله أن یظهر من ذلک شی‏ء- فتظن أنی أفشیت سرک- فقال ص خل سبیلها- و شاع الخبر بین الناس بمسیر قریش- و قدم عمرو بن سالم الخزاعی فی نفر من خزاعه- ساروا من مکه أربعا- فوافوا قریشا و قد عسکروا بذی طوى- فأخبروا رسول الله ص الخبر- ثم انصرفوا و لقوا قریشا ببطن رابغ- و هو أربع لیال من المدینه- فنکبوا عن قریش- .

قال الواقدی- فلما أصبح أبو سفیان بالأبواء- أخبر أن عمرو بن سالم و أصحابه- راحوا أمس ممسین إلى مکه- فقال أبو سفیان أحلف بالله أنهم جاءوا محمدا- فخبروه بمسیرنا و عددنا و حذروه منا- فهم الآن یلزمون صیاصیهم- فما أرانا نصیب منهم شیئا فی وجهنا- فقال صفوان بن أمیه- إن لم یصحروا لنا- عمدنا إلى نخل الأوس و الخزرج فقطعناه-فترکناهم و لا أموال لهم فلا یختارونها أبدا- و إن أصحروا لنا فعددنا أکثر من عددهم- و سلاحنا أکثر من سلاحهم- و لنا خیل و لا خیل معهم- و نحن نقاتل على وتر عندهم و لا وتر لهم عندنا قال الواقدی و کان أبو عامر الفاسق- قد خرج فی خمسین رجلا من الأوس- حتى قدم بهم مکه- حین قدم النبی ص- یحرضها و یعلمها أنها على الحق- و ما جاء به محمد باطل- فسارت قریش إلى بدر و لم یسر معها- فلما خرجت قریش إلى أحد سار معها- و کان یقول لقریش- إنی لو قدمت على قومی لم یختلف علیکم منهم اثنان- و هؤلاء معی نفر منهم خمسون رجلا- فصدقوه بما قال و طمعوا فی نصره- .

قال الواقدی- و خرج النساء معهن الدفوف- یحرضن الرجال و یذکرنهم قتلى بدر فی کل منزل- و جعلت قریش تنزل کل منهل- ینحرون ما نحروا من الجزر مما کانوا جمعوا من العین- و یتقوون به فی مسیرهم- و یأکلون من أزوادهم مما جمعوا من الأموال- .

قال الواقدی- و کانت قریش لما مرت بالأبواء- قالت إنکم قد خرجتم بالظعن معکم- و نحن نخاف على نسائنا فتعالوا ننبش قبر أم محمد- فإن النساء عوره- فإن یصب من نسائکم أحدا قلتم هذه رمه أمک- فإن کان برا بأمه کما یزعم- فلعمری لنفادینکم برمه أمه- و إن لم یظفر بأحد من نسائکم- فلعمری لیفدین رمه أمه- بمال کثیر إن کان بها برا- فاستشار أبو سفیان بن حرب- أهل الرأی من قریش فی ذلک- فقالوا لا تذکر من هذا شیئا- فلو فعلنا نبشت بنو بکر و خزاعه موتانا- . قال الواقدی- و کانت قریش بذی الحلیفه- یوم الخمیس صبیحه عشر من مخرجهم من مکه- و ذلک لخمس لیال مضین من شوال- على رأس اثنین و ثلاثین شهرا من الهجره- فلماأصبحوا بذی الحلیفه- خرج فرسان منهم فأنزلوهم الوطاء- و بعث النبی ص عینین له- آنسا و مؤنسا ابنی فضاله لیله الخمیس- فاعترضا لقریش بالعقیق فسارا معهم- حتى نزلوا الوطاء- و أتیا رسول الله ص فأخبراه- و کان المسلمون قد ازدرعوا العرض- و العرض ما بین الوطاء بأحد إلى الجرف إلى العرصه- عرصه البقل الیوم- و کان أهله بنو سلمه و حارثه و ظفر و عبد الأشهل- و کان الماء یومئذ بالجرف نشطه- لا یرمم سابق الناضح مجلسا واحدا- ینفتل الجمل فی ساعته- حتى ذهبت بمیاهه عیون الغابه- التی حفرها معاویه بن أبی سفیان- و کان المسلمون قد أدخلوا آله زرعهم- لیله الخمیس المدینه- فقدم المشرکون على زرعهم- فخلوا فیه إبلهم و خیولهم- و کان لأسید بن حضیر فی العرض عشرون ناضحا تسقی شعیرا- و کان المسلمون قد حذروا- على جمالهم و عمالهم و آله حرثهم- و کان المشرکون یرعون یوم الخمیس- فلما أمسوا جمعوا الإبل و قصلوا علیها القصیل- و قصلوا على خیولهم لیله الجمعه- فلما أصبحوا یوم الجمعه خلوا ظهرهم فی الزرع و خیلهم- حتى ترکوا العرض لیس به خضراء- .

قال الواقدی فلما نزلوا و حلوا العقد و اطمأنوا- بعث رسول الله ص الحباب بن المنذر بن الجموح إلى القوم- فدخل فیهم و حزر و نظر إلى جمیع ما یرید- و کان قد بعثه سرا و قال له- إذا رجعت فلا تخبرنی بین أحد من المسلمین- إلا أن ترى فی القوم قله- فرجع إلیه فأخبره خالیا- و قال له رأیت عددا- حزرتهم ثلاث آلاف یزیدون قلیلا أو ینقصون قلیلا- و الخیل مائتا فرس- و رأیت دروعا ظاهره حزرتها سبعمائه درع- قال هل رأیت ظعنا- قال نعم رأیت النساء معهن الدفاف- و الأکبار و هی الطبول- فقال رسول الله ص- أردن أن یحرضن القوم و یذکرنهم قتلى بدر- هکذاجاءنی خبرهم- لا تذکر من شأنهم حرفا- حسبنا الله و نعم الوکیل- اللهم بک أحول و بک أصول- .

قال الواقدی- و خرج سلمه بن سلامه بن وقش یوم الجمعه- حتى إذا کان بأدنى العرض إذا طلیعه خیل المشرکین- عشره أفراس رکضوا فی أثره- فوقف لهم على نشز من الحره- فرشقهم بالنبل مره- و بالحجاره أخرى حتى انکشفوا عنه- فلما ولوا جاء إلى مزرعته بأدنى العرض- فاستخرج سیفا کان له- و درع حدید کان له دفنا فی ناحیه المزرعه- و خرج بهما یعدو حتى أتى بنی عبد الأشهل- فخبر قومه بما لقی- .

قال الواقدی- و کان مقدم قریش یوم الخمیس لخمس خلون من شوال- و کانت الوقعه یوم السبت لسبع خلون من شوال- و باتت وجوه الأوس و الخزرج- سعد بن معاذ و أسید بن حضیر و سعد بن عباده- فی عده منهم لیله الجمعه- علیهم السلاح فی المسجد بباب النبی ص- خوفا من تبییت المشرکین- و حرست المدینه تلک اللیله حتى أصبحوا- و رأى رسول الله ص رؤیا لیله الجمعه- فلما أصبح و اجتمع المسلمون خطبهم- .

قال الواقدی فحدثنی محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتاده عن محمود بن لبید قال ظهر النبی ص المنبر- فحمد الله و أثنى علیه ثم قال- أیها الناس إنی رأیت فی منامی رؤیا- رأیت کأنی فی درع حصینه- و رأیت کأن سیفی ذا الفقار انفصم من عند ظبته- و رأیت بقرا تذبح و رأیت کأنی مردف کبشا- فقال الناس یا رسول الله فما أولتها- قال أما الدرع الحصینه فالمدینه فامکثوا فیها- و أماانفصام سیفی عند ظبته فمصیبه فی نفسی- و أما البقر المذبح فقتلى فی أصحابی- و أما أنی مردف کبشا- فکبش الکتیبه نقتله إن شاء اللهقال الواقدی و روی عن ابن عباس أن رسول الله ص قال أما انفصام سیفی فقتل رجل من أهل بیتی

قال الواقدی- و روى المسور بن مخرمه قال قال النبی ص و رأیت فی سیفی فلا فکرهته- هو الذی أصاب وجهه عقال الواقدی و قال النبی ص أشیروا علی- و رأى ص ألا یخرج من المدینه لهذه الرؤیا- و رسول الله ص یحب أن یوافق على مثل ما رأى- و على ما عبر علیه الرؤیا- فقام عبد الله بن أبی فقال یا رسول الله- کنا نقاتل فی الجاهلیه فی هذه المدینه- و نجعل النساء و الذراری فی هذه الصیاصی- و نجعل معهم الحجاره- و الله لربما مکث الولدان شهرا ینقلون الحجاره- إعدادا لعدونا- و نشبک المدینه بالبنیان- فتکون کالحصن من کل ناحیه- و ترمى المرأه و الصبی من فوق الصیاصی و الآطام- و نقاتل بأسیافنا فی السکک- یا رسول الله إن مدینتنا عذراء ما فضت علینا قط- و ما خرجنا إلى عدو قط منها إلا أصاب منا- و ما دخل علینا قط إلا أصبناه- فدعهم یا رسول الله- فإنهم إن أقاموا أقاموا بشر محبس- و إن رجعوا رجعوا خاسرین مغلوبین لم ینالوا خیرا- یا رسول الله أطعنی فی هذا الأمر-

و اعلم أنی ورثت هذا الرأی- من أکابر قومی و أهل الرأی منهم- فهم کانوا أهل الحرب و التجربه- . قال الواقدی فکان رأی رسول الله ص مع رأی ابن أبی- و کان ذلک رأی الأکابر من أصحاب رسول الله ص- من المهاجرین و الأنصار-فقال رسول الله ص امکثوا فی المدینه- و اجعلوا النساء و الذراری فی الآطام- فإن دخل علینا قاتلناهم فی الأزقه- فنحن أعلم بها منهم- و رموا من فوق الصیاصی و الآطام- و کانوا قد شبکوا المدینه بالبنیان- من کل ناحیه فهی کالحصن- فقال فتیان أحداث لم یشهدوا بدرا- و طلبوا من رسول الله الخروج إلى عدوهم- و رغبوا فی الشهاده و أحبوا لقاء العدو- و قالوا اخرج بنا إلى عدونا- و قال رجال من أهل النبه و أهل السن- منهم حمزه بن عبد المطلب و سعد بن عباده- و النعمان بن مالک بن ثعلبه- و غیرهم من الأوس و الخزرج- إنا نخشى یا رسول الله- أن یظن عدونا- أنا کرهنا الخروج إلیهم جبنا عن لقائهم- فیکون هذا جرأه منهم علینا- و قد کنت یوم بدر فی ثلاثمائه رجل- فظفرک الله بهم- و نحن الیوم بشر کثیر- و کنا نتمنى هذا الیوم و ندعو الله به- فقد ساقه الله إلینا فی ساحتنا هذه- و رسول الله ص لما رأى من إلحاحهم کاره- و قد لبسوا السلاح یخطرون بسیوفهم- یتساومون کأنهم الفحول- و قال مالک بن سنان أبو أبی سعید الخدری- یا رسول الله نحن و الله بین إحدى الحسنیین- إما یظفرنا الله بهم فهذا الذی نرید- فیذلهم الله لنا فتکون هذه وقعه مع وقعه بدر- فلا یبقى منهم إلا الشرید- و الأخرى یا رسول الله یرزقنا الله الشهاده- و الله یا رسول الله ما نبالی أیهما کان- إن کلا لفیه الخیر- فلم یبلغنا أن النبی ص رجع إلیه قولا و سکت- و قال حمزه بن عبد المطلب- و الذی أنزل علیه الکتاب لا أطعم الیوم طعاما- حتى أجالدهم بسیفی خارجا من المدینه- و کان یقال کان حمزه یوم الجمعه صائما و یوم السبت- فلاقاهم و هو صائم و قال النعمان بن مالک بن ثعلبه أخو بنی سالم- یا رسول الله أنا أشهد أن البقر المذبح قتلى من أصحابک- و أنی منهم فلم تحرمنا الجنه- فو الله الذی لا إله إلا هولأدخلنها-

قال رسول الله بم- قال إنی أحب الله و رسوله و لا أفر یوم الزحف- فقال صدقت فاستشهد یومئذ- . و قال إیاس بن أوس بن عتیک- یا رسول الله نحن بنو عبد الأشهل من البقر المذبح- نرجو یا رسول الله أن نذبح فی القوم و یذبح فینا- فنصیر إلى الجنه و یصیرون إلى النار- مع أنی یا رسول الله- لا أحب أن ترجع قریش إلى قومها- فتقول حصرنا محمد فی صیاصی یثرب و آطامها- فتکون هذه جرأه لقریش- و قد وطئوا سعفنا فإذا لم نذب عن عرضنا فلم ندرع- و قد کنا یا رسول فی جاهلیتنا و العرب یأتوننا- فلا یطمعون بهذا منا- حتى نخرج إلیهم بأسیافنا فنذبهم عنا- فنحن الیوم أحق إذ أمدنا الله بک- و عرفنا مصیرنا لا نحصر أنفسنا فی بیوتنا- .

و قام خیثمه أبو سعد بن خیثمه فقال یا رسول الله- إن قریشا مکثت حولا تجمع الجموع- و تستجلب العرب فی بوادیها و من اتبعها من أحابیشها- ثم جاءونا قد قادوا الخیل- و اعتلوا الإبل حتى نزلوا بساحتنا- فیحصروننا فی بیوتنا و صیاصینا- ثم یرجعون وافرین لم یکلموا- فیجرئهم ذلک علینا حتى یشنوا الغارات علینا- و یصیبوا أطلالنا و یضعوا العیون و الأرصاد علینا- مع ما قد صنعوا بحروثنا- و یجترئ علینا العرب حولنا حتى یطمعوا فینا- إذا رأونا لم نخرج إلیهم- فنذبهم عن حریمنا- و عسى الله أن یظفرنا بهم- فتلک عاده الله عندنا أو تکون الأخرى فهی الشهاده- لقد أخطأتنی وقعه بدر و قد کنت علیها حریصا- لقد بلغ من حرصی أن ساهمت ابنی فی الخروج- فخرج سهمه فرزق الشهاده- و قد کنت حریصا على الشهاده- و قد رأیت ابنی البارحه فی النوم- فی أحسن صوره یسرح فی ثمار الجنه و أنهارها- و هو یقول الحق بنا ترافقنا فی الجنه- فقد وجدت ما وعدنی ربی حقا- و قد و الله یا رسول الله- أصبحت مشتاقا إلى مرافقته فی الجنه- و قد کبرت سنی و دق عظمی- و أحببتلقاء ربی- فادع الله یا رسول الله أن یرزقنی الشهاده- و مرافقه سعد فی الجنه- فدعا له رسول الله بذلک فقتل بأحد شهیدا- .

قال أنس بن قتاده- یا رسول الله هی إحدى الحسنیین- إما الشهاده و إما الغنیمه و الظفر بقتلهم- فقال رسول الله ص إنی أخاف علیکم الهزیمه- . فلما أبوا إلا الخروج و الجهاد- صلى رسول الله یوم الجمعه بالناس ثم وعظهم- و أمرهم بالجد و الاجتهاد- و أخبرهم أن لهم الصبر ما صبروا- ففرح الناس حیث أعلمهم رسول الله ص- بالشخوص إلى عدوهم- و کره ذلک المخرج بشر کثیر من أصحاب رسول الله- و أمرهم بالتهیؤ لعدوهم- ثم صلى العصر بالناس و قد حشد الناس- و حضر أهل العوالی و رفعوا النساء إلى الآطام- فحضرت بنو عمرو بن عوف بلفها- و النبیت و لفها و تلبسوا السلاح- فدخل رسول الله ص بیته- و دخل معه أبو بکر و عمر فعمماه و لبساه- و صف الناس له ما بین حجرته إلى منبره- ینتظرون خروجه- فجاءهم سعد بن معاذ و أسید بن حضیر- فقالا لهم قلتم لرسول الله ما قلتم- و استکرهتموه على الخروج- و الأمر ینزل علیه من السماء- فردوا الأمر إلیه فما أمرکم فافعلوه- و ما رأیتم فیه له هوى أو أدبا فأطیعوه- فبینا القوم على ذلک من الأمر- و بعض القوم یقول القول ما قال سعد- و بعضهم على البصیره على الشخوص- و بعضهم للخروج کاره- إذ خرج رسول الله ص قد لبس لأمته- و قد لبس الدرع فأظهرها- و حزم وسطها بمنطقه من حمائل سیف من أدم- کانت بعد عند آل أبی رافع مولى رسول الله ص- و اعتم و تقلد السیف- فلما خرج رسول الله ص ندموا جمیعا على ما صنعوا- و قال الذین یلحون على رسول الله ص- ما کان لنا أن نخالفک فاصنع ما بدا لک- و ما کان لنا أن نستکرهک- و الأمر إلى الله ثم إلیک- فقال قد دعوتکم إلى هذا الحدیث فأبیتم- و لا ینبغی لنبی إذا لبس لأمته أن یضعها- حتى یحکم الله بینه و بین أعدائه- قال و کانت الأنبیاء قبله- إذا لبس النبی لأمته لم یضعها- حتى یحکم الله بینه و بین أعدائه- ثم قال لهم انظروا ما أمرتکم به فاتبعوه- امضوا على اسم الله فلکم النصر ما صبرتم- .

قلت فمن تأمل أحوال المسلمین فی هذه الغزاه- من فشلهم و خورهم و اختلافهم- فی الخروج من المدینه و المقام بها- و کراهه النبی ص للخروج- ثم خروجه على مضض- ثم ندم القوم الذین أشاروا بالخروج- ثم انخزال طائفه کثیره من الجیش عن الحرب- و رجوعهم إلى المدینه- علم أنه لا انتصار لهم على العدو أصلا- فإن النصر معروف بالعزم و الجد- و البصیره فی الحرب و اتفاق الکلمه- و من تأمل أیضا هذه الأحوال- علم أنها ضد الأحوال التی کانت فی غزاه بدر- و أن أحوال قریش لما خرجت إلى بدر- کانت مماثله لأحوال المسلمین لما خرجوا إلى أحد- و لذلک کانت الدبره فی بدر على قریش- .

قال الواقدی- و کان مالک بن عمرو النجاری مات یوم الجمعه- فلما دخل رسول الله ص فلبس لأمته و خرج- و هو موضوع عند موضع الجنائز صلى علیه- ثم دعا بدابته فرکب إلى أحد- . قال الواقدی- و جاء جعیل بن سراقه إلى النبی ص- و هو متوجه إلى أحد- فقال یا رسول الله قیل لی إنک تقتل غدا- و هو یتنفس مکروبا- فضرب النبی ص بیده إلى صدره- و قال أ لیس الدهر کله غدا- قال ثم دعا بثلاثه أرماح فعقد ثلاثه ألویه- فدفع لواء الأوس إلى أسید بن حضیر- و دفع لواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر بن الجموح- و یقال إلى سعد بن عباده- و دفع لواء المهاجرین‏ إلى علی بن أبی طالب ع- و یقال إلى مصعب بن عمیر- ثم دعا بفرسه فرکبه- و تقلد القوس و أخذ بیده قناه- زج الرمح یومئذ من شبه- و المسلمون متلبسون السلاح- قد أظهروا الدروع فهم مائه دارع- فلما رکب ص خرج السعدان أمامه یعدوان- سعد بن معاذ و سعد بن عباده- کل واحد منهما دارع- و الناس عن یمینه و شماله حتى سلک على البدائع- ثم زقاق الحسى حتى أتى الشیخین- و هما أطمان کانا فی الجاهلیه- فیهما شیخ أعمى و عجوز عمیاء یتحدثان- فسمی الأطمان الشیخین- فلما انتهى إلى رأس الثنیه- التفت فنظر إلى کتیبه خشناء لها زجل خلفه- فقال ما هذه قال هذه حلفاء ابن أبی من الیهود-فقال رسول الله ص لا نستنصر بأهل الشرک على أهل الشرک- و مضى رسول الله ص و عرض عسکره بالشیخین- فعرض علیه غلمان- منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب و زید بن ثابت- و أسامه بن زید و النعمان بن بشیر- و زید بن أرقم و البراء بن عازب- و أسید بن ظهیر و عرابه بن أوس- و أبو سعید الخدری و سمره بن جندب- و رافع بن خدیج- .

قال الواقدی- فردهم رسول الله ص- قال رافع بن خدیج فقال ظهیر بن رافع- یا رسول الله إنه رام یعیننی- قال و جعلت أتطاول و علی خفان لی- فأجازنی رسول الله ص- فلما أجازنی قال سمره بن جندب- لمری بن سنان الحارثی و هو زوج أمه- یا أبیه أجاز رسول الله ص رافع بن خدیج- و ردنی و أنا أصرع رافعا- فقال مری یا رسول الله رددت ابنی- و أجزت رافع بن خدیج و ابنی یصرعه- فقال رسول الله ص تصارعا- فصرع سمره رافعا فأجازه رسول الله ص قال الواقدی- و أقبل ابن أبی فنزل ناحیه العسکر- فجعل حلفاؤه و من معه من المنافقین یقولون لابن أبی- أشرت علیه بالرأی- و نصحته و أخبرته أن هذا رأی من‏ مضى من آبائک- و کان ذلک رأیه مع رأیک- فأبى أن یقبله و أطاع هؤلاء الغلمان الذین معه- قال فصادفوا من ابن أبی نفاقا و غشا- فبات رسول الله ص بالشیخین- و بات ابن أبی فی أصحابه- و فرغ رسول الله ص من عرض من عرض- و غابت الشمس فأذن بلال بالمغرب- فصلى رسول الله ص بأصحابه- ثم أذن بالعشاء فصلى رسول الله ص بأصحابه- و رسول الله ص نازل فی بنی النجار- و استعمل على الحرس محمد بن مسلمه فی خمسین رجلا یطیفون بالعسکر- حتى ادلج رسول الله ص- و کان المشرکون قد رأوا رسول الله ص حیث ادلج- و نزل بالشیخین فجمعوا خیلهم و ظهرهم- و استعملوا على حرسهم عکرمه بن أبی جهل- فی خیل من المشرکین- و باتت صاهله خیلهم لا تهدأ- تدنو طلائعهم حتى تلصق بالحره- فلا تصعد فیها حتى ترجع خیلهم- و یهابون موضع الحره و محمد بن مسلمه- .

قال الواقدی- و قد کان رسول الله ص قال حین صلى العشاء- من یحفظنا اللیله- فقال رجل أنا یا رسول الله- فقال من أنت قال ذکوان بن عبد القیس- فقال اجلس- ثم قال ثانیه من رجل یحفظنا اللیله- فقام رجل فقال من أنت- قال أبو سبع قال اجلس- ثم قال ثالثه مثل ذلک فقام رجل- فقال من أنت فقال أنا ابن عبد قیس- فمکث رسول الله ص ساعه- ثم قال قوموا ثلاثتکم- فقام ذکوان بن عبد قیس- فقال رسول الله و أین صاحباک- فقال ذکوان أنا الذی کنت أجیبک اللیله- قال فاذهب حفظک الله- . قلت قد تقدم هذا الحدیث بذاته فی غزوه بدر- و ظاهر الحال أنه مکرر-و أنه إنما کان فی غزاه واحده- و یجوز أن یکون قد وقع فی الغزاتین- و لکن على بعد- .

قال الواقدی- فلبس ذکوان درعه و أخذ درقته- فکان یطوف على العسکر تلک اللیله- و یقال کان یحرس رسول الله ص لم یفارقه- . قال و نام رسول الله ص حتى ادلج- فلما کان فی السحر قال رسول الله- أین الأدلاء من رجل یدلنا على الطریق- و یخرجنا على القوم من کثب- فقام أبو خثیمه الحارثی- فقال أنا یا رسول الله- و یقال أوس بن قیظی- و یقال محیصه- .

قال الواقدی- و أثبت ذلک عندنا أبو خثیمه- خرج برسول الله ص و رکب فرسه- فسلک به فی بنی حارثه- ثم أخذ فی الأموال حتى مر بحائط مربع بن قیظی- و کان أعمى البصر منافقا- فلما دخل رسول الله ص حائطه- قام یحثی التراب فی وجوه المسلمین- و یقول إن کنت رسول الله فلا تدخل حائطی- فلا أحله لک- .

قال محمد بن إسحاق- و قذ ذکر أنه أخذ حفنه من تراب- و قال و الله لو أعلم أنی لا أصیب غیرک یا محمد- لضربت بها وجهک- . قال الواقدی- فضربه سعد بن زید الأشهلی- بقوس فی یده فشجه فی رأسه- فنزل الدم- فغضب له بعض بنی حارثه ممن هو على مثل رأیه- فقال هی على عداوتکم یا بنی عبد الأشهل- لا تدعونها أبدا لنا- فقال أسید بن حضیر لا و الله و لکن نفاقکم- و الله لو لا أنی لا أدری ما یوافق النبی ص- لضربت عنقه و عنق من هو على مثل رأیه- . قال و نهاهم النبی ص عن الکلام فأسکتوا- .

و قال محمد بن إسحاق- قال رسول الله ص دعوه فإنه أعمى البصر أعمى القلب- یعنی مربع بن قیظی- . قال الواقدی و مضى رسول الله ص- فبینا هو فی مسیره إذ ذب فرس أبی برده بن نیار بذنبه- فأصاب کلاب سیفه- فسل سیفه فقال رسول الله ص- یا صاحب السیف شم سیفک- فإنی أخال السیوف ستسل الیوم فیکثر سلها- .

قال و کان رسول الله ص یحب الفأل و یکره الطیره- قال و لبس رسول الله ص من الشیخین- درعا واحده حتى انتهى إلى أحد- فلبس درعا أخرى و مغفرا و بیضه فوق المغفر- فلما نهض رسول الله ص من الشیخین- زحف المشرکین على تعبئه- حتى انتهوا إلى موضع أرض ابن عامر الیوم- فلما انتهى رسول الله ص إلى موضع القنطره الیوم- جاءه و قد حانت الصلاه- و هو یرى المشرکین فأمر بلالا فأذن- و أقام و صلى بأصحابه الصبح صفوفا- و انخزل عبد الله بن أبی من ذلک المکان فی کتیبته- کأنه هیقه تقدمهم- فأتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام- فقال أذکرکم الله و دینکم و نبیکم- و ما شرطتم له أن تمنعوه- مما تمنعون منه أنفسکم و أولادکم و نساءکم- فقال ابن أبی ما أرى أنه یکون بینهم قتال- و إن أطعتنی یا أبا جابر لترجعن- فإن أهل الرأی و الحجى قد رجعوا- و نحن ناصروه فی مدینتنا و قد خالفنا- و أشرت علیه بالرأی فأبى إلا طواعیه الغلمان- فلما أبى على عبد الله بن عمرو أن یرجع- و دخل هو و أصحابه أزقه المدینه- قال لهم أبو جابر أبعدکم الله- إن الله سیغنی النبی و المؤمنین عن نصرکم- فانصرف ابن أبی و هو یقول أ یعصینی و یطیع الولدان- و انصرف عبد الله بن عمرو یعدو- حتى لحق رسول الله و هو یسوی الصفوف- فلما أصیب أصحاب رسول الله ص- سر ابن أبی و أظهر الشماته- و قال عصانی و أطاع من لا رأی له- .

قال الواقدی- و جعل رسول الله ص یصف أصحابه- و جعل الرماه خمسین رجلا على عینین- علیهم عبد الله بن جبیر و یقال سعد بن أبی وقاص- و الثبت أنه عبد الله بن جبیر- قال و جعل أحدا خلف ظهره- و استقبل المدینه و جعل عینین عن یساره- و أقبل المشرکون و استدبروا المدینه فی الوادی- و استقبلوا أحدا- و یقال جعل عینین خلف ظهره- و استدبر الشمس و استقبلها المشرکون- .

قال و القول الأول أثبت عندنا- أن أحدا کان خلف ظهره- و هو ع مستقبل المدینه قال و نهى أن یقاتل أحد حتى یأمرهم بالقتال- فقال عماره بن یزید بن السکن- أنى نغیر على زرع بنی قیله و لما نضارب- و أقبل المشرکون قد صفوا صفوفهم- و استعملوا على المیمنه خالد بن الولید- و على المیسره عکرمه بن أبی جهل- و لهم مجنبتان مائتا فرس و جعلوا على الخیل صفوان بن أمیه- و یقال عمرو بن العاص- و على الرماه عبد الله بن أبی ربیعه- و کانوا مائه رام- و دفعوا اللواء إلى طلحه بن أبی طلحه- و اسم أبی طلحه عبد الله- بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصی- و صاح أبو سفیان یومئذ- یا بنی عبد الدار نحن نعرف أنکم أحق باللواء منا- و أنا إنما أتینا یوم بدر من اللواء- و إنما یؤتى القوم من قبل لوائهم- فالزموا لواءکم و حافظوا علیه- و خلوا بیننا و بینه فإنا قوم مستمیتون موتورون- نطلب ثأرا حدیث العهد- و جعل یقول إذا زالت الألویه- فما قوام الناس و بقاؤهم بعدها- فغضبت بنو عبد الدار و قالوا نحن نسلم لواءنا- لا کان هذا أبدا- و أما المحافظه علیه فسترى- ثم أسندوا الرماح إلیه و أحدقت به بنو عبد الدار-و أغلظوا لأبی سفیان بعض الإغلاظ- فقال أبو سفیان فنجعل لواء آخر- قالوا نعم و لا یحمله إلا رجل من بنی عبد الدار- لا کان غیر ذلک أبدا- .

قال الواقدی- و جعل رسول الله ص یمشی على رجلیه- یسوی تلک الصفوف- و یبوئ أصحابه مقاعد للقتال- یقول تقدم یا فلان و تأخر یا فلان- حتى إنه لیرى منکب الرجل خارجا فیؤخره- فهو یقومهم کأنما یقوم القداح- حتى إذا استوت الصفوف- سأل من یحمل لواء المشرکین- قیل عبد الدار قال نحن أحق بالوفاء منهم- أین مصعب بن عمیر- قال ها أنا ذا قال خذ اللواء- فأخذه مصعب فتقدم به بین یدی رسول الله ص- . قال البلاذری- أخذه من علی ع فدفعه إلى مصعب بن عمیر- لأنه من بنی عبد الدار- .

قال الواقدی- ثم قام ع فخطب الناس-فقال ص أیها الناس أوصیکم بما أوصانی به الله فی کتابه- من العمل بطاعته و التناهی عن محارمه- ثم إنکم الیوم بمنزل أجر و ذخر لمن ذکر الذی علیه- ثم وطن نفسه على الصبر و الیقین و الجد و النشاط- فإن جهاد العدو شدید کریه قلیل من یصبر علیه- إلا من عزم له على رشده- إن الله مع من أطاعه- و إن الشیطان مع من عصاه- فاستفتحوا أعمالکم بالصبر على الجهاد- و التمسوا بذلک ما وعدکم الله- و علیکم بالذی آمرکم به- فإنی حریص على رشدکم- إن الاختلاف و التنازع و التثبیط- من أمر العجز و الضعف- و هو مما لا یحبه الله- و لا یعطی علیه النصر و الظفر- أیها الناس إنه قذف فی قلبی- أن من کان على حرام فرغب عنه- ابتغاء ما عند الله غفر الله له ذنبه- و من صلى على محمد صلى الله علیه و ملائکته‏ عشرا- و من أحسن من مسلم أو کافر وقع أجره على الله- فی عاجل دنیاه أو فی آجل آخرته- و من کان یؤمن بالله و الیوم الآخر- فعلیه الجمعه یوم الجمعه- إلا صبیا أو امرأه أو مریضا أو عبدا مملوکا- و من استغنى عنها استغنى الله عنه و الله غنی حمید- ما أعلم من عمل یقربکم إلى الله إلا و قد أمرتکم به- و لا أعلم من عمل یقربکم إلى النار- إلا و قد نهیتکم عنه- و إنه قد نفث الروح الأمین فی روعی- أنه لن تموت نفس حتى تستوفی أقصى رزقها- لا ینقص منه شی‏ء و إن أبطأ عنها- فاتقوا الله ربکم و أجملوا فی طلب الرزق- و لا یحملنکم استبطاؤه على أن تطلبوه بمعصیه ربکم- فإنه لا یقدر على ما عنده إلا بطاعته- قد بین لکم الحلال و الحرام- غیر أن بینهما شبها من الأمر- لم یعلمها کثیر من الناس إلا من عصم- فمن ترکها حفظ عرضه و دینه- و من وقع فیها کان کالراعی إلى جنب الحمى- أوشک أن یقع فیه و یفعله- و لیس ملک إلا و له حمى- ألا و إن حمى الله محارمه- و المؤمن من المؤمنین کالرأس من الجسد- إذا اشتکى تداعى إلیه سائر جسده- و السلام علیکم- .

قال الواقدی فحدثنی ابن أبی سبره- عن خالد بن رباح عن المطلب بن عبد الله- قال أول من أنشب الحرب بینهم أبو عامر- طلع فی خمسین من قومه معه عبید قریش- فنادى أبو عامر و اسمه عبد عمرو- یا للأوس أنا أبو عامر- قالوا لا مرحبا بک و لا أهلا یا فاسق- فقال لقد أصاب قومی بعدی شر- قال و معه عبید أهل مکه- فتراموا بالحجاره هم و المسلمون- حتى تراضخوا بها ساعه- إلى أن ولى أبو عامر و أصحابه- و یقال إن العبید لم یقاتلوا- و إنهم أمروهم بحفظ عسکرهم- . قال الواقدی- و جعل نساء المشرکین قبل أن یلتقی الجمعان- أمام صفوف المشرکین- یضربن بالأکبار و الدفاف و الغرابیل- ثم یرجعن فیکن إلى مؤخر الصف- حتى‏ إذا دنوا من المسلمین تأخر النساء- فقمن خلف الصفوف- و جعلن کلما ولى رجل حرضنه- و ذکرنه قتلى بدر- .

و قال الواقدی- و کان قزمان من المنافقین- و کان قد تخلف عن أحد- فلما أصبح عیره نساء بنی ظفر- فقلن یا قزمان قد خرج الرجال و بقیت- استحی یا قزمان أ لا تستحیی مما صنعت- ما أنت إلا امرأه خرج قومک و بقیت فی الدار- فأحفظنه فدخل بیته- فأخرج قوسه و جعبته و سیفه و کان یعرف بالشجاعه- و خرج یعدو حتى انتهى إلى رسول الله ص- و هو یسوی صفوف المسلمین- فجاء من خلف الصف- حتى انتهى إلى الصف الأول فکان فیه- و کان أول من رمى بسهم من المسلمین- جعل یرسل نبلا کأنها الرماح- و إنه لیکت کتیت الجمل- ثم صار إلى السیف ففعل الأفاعیل- حتى إذا کان آخر ذلک قتل نفسه- و کان رسول الله ص إذا ذکره قال من أهل النار- قال فلما انکشف المسلمون- کسر جفن سیفه و جعل یقول- الموت أحسن من الفرار- یا للأوس قاتلوا على الأحساب- و اصنعوا مثل ما أصنع- قال فیدخل بالسیف وسط المشرکین- حتى یقال قد قتل ثم یطلع فیقول- أنا الغلام الظفری حتى قتل منهم سبعه- و أصابته الجراحه و کثرت فیه- فوقع فمر به قتاده بن النعمان فقال له أبا الغیداق- قال قزمان لبیک- قال هنیئا لک الشهاده- قال قزمان إنی و الله ما قاتلت یا أبا عمرو على دین- ما قاتلت إلا على الحفاظ- أن تسیر قریش إلینا فتطأ سعفنا- قال فآذته الجراحه فقتل نفسه-فقال النبی ص إن الله یؤید هذا الدین بالرجل الفاجر

قال الواقدی و تقدم رسول الله ص إلى الرماه- فقال احموا لنا ظهورنا- فإنا نخاف أن نؤتى من ورائنا- و الزموا مکانکم لا تبرحوا منه- و إن رأیتمونا نهزمهم حتى ندخل عسکرهم- فلا تفارقوا مکانکم- و إن رأیتمونا نقتل فلا تعینونا و لا تدفعوا عنا- اللهم إنی أشهدک علیهم- ارشقوا خیلهم بالنبل- فإن الخیل لا تقدم على النبل- و کان للمشرکین مجنبتان- میمنه علیها خالد بن الولید- و میسره علیها عکرمه بن أبی جهل

قال الواقدی- و عمل رسول الله ص لنفسه میمنه و میسره- و دفع اللواء الأعظم إلى مصعب بن عمیر- و دفع لواء الأوس إلى أسید بن حضیر- و لواء الخزرج إلى سعد بن عباده- و قیل إلى الحباب بن المنذر- فجعلت الرماه تحمی ظهور المسلمین- و ترشق خیل المشرکین بالنبل- فولت هاربه قال بعض المسلمین- و الله لقد رمقت نبلنا یومئذ- ما رأیت سهما واحدا- مما یرمى به خیلهم یقع فی الأرض- إما فی فرس أو فی رجل- و دنا القوم بعضهم من بعض- و قدموا طلحه بن أبی طلحه صاحب لوائهم- و صفوا صفوفهم- و أقاموا النساء خلف الرجال- یضربن بین أکتافهم بالأکبار و الدفوف- و هند و صواحبها یحرضن و یذمرن الرجال- و یذکرن من أصیب ببدر و یقلن-

نحن بنات طارق
نمشی على النمارق‏

إن تقبلوا نعانق‏
أو تدبروا نفارق‏
فراق غیر وامق‏

قال الواقدی- و برز طلحه فصاح من یبارز- فقال علی ع له هل لک فی مبارزتی- قال نعم فبرزا بین الصفین- و رسول الله ص جالس تحت‏ الرایه- علیه درعان و مغفر و بیضته- فالتقیا فبدره علی ع بضربه على رأسه- فمضى السیف حتى فلق هامته- إلى أن انتهى إلى لحیته فوقع- و انصرف علی ع- فقیل له هلا ذففت علیه- قال إنه لما صرع استقبلنی بعورته- فعطفتنی علیه الرحم- و قد علمت أن الله سیقتله هو کبش الکتیبه- .

قال الواقدی- و روی أن طلحه حمل على علی ع- فضربه بالسیف فاتقاه بالدرقه فلم یصنع شیئا- و حمل علی ع و على طلحه درع و مغفر- فضربه بالسیف فقطع ساقیه- ثم أراد أن یذفف علیه- فسأله طلحه بالرحم ألا یفعل فترکه و لم یذفف علیه- . قال الواقدی- و یقال إن علیا ع دفف علیه- و یقال إن بعض المسلمین مر به فی المعرکه فذفف علیه- قال فلما قتل طلحه سر رسول الله ص- و کبر تکبیرا عالیا و کبر المسلمون- ثم شد أصحاب رسول الله ص على کتائب المشرکین- فجعلوا یضربون وجوههم حتى انتقضت صفوفهم- و لم یقتل إلا طلحه بن أبی طلحه وحده- .

قال الواقدی- ثم حمل لواء المشرکین بعد طلحه- أخوه عثمان بن أبی طلحه- و هو أبو شیبه فارتجز و قال-إن علی رب اللواء حقا أن تخصب الصعده أو تندقا- . فتقدم باللواء و النسوه خلفه- یحرضن و یضربن بالدفوف- فحمل علیه حمزه بن عبد المطلب رحمه الله- فضربه بالسیف على کاهله فقطع یده و کتفه- حتى انتهى إلى‏مؤتزره فبدا سحره- و رجع فقال أنا ابن ساقی الحجیج- ثم حمل اللواء أخوهما أبو سعد بن أبی طلحه- فرماه سعد بن أبی وقاص فأصاب حنجرته- و کان دراعا و علیه مغفر لا رفرف علیه- و على رأسه بیضته فأدلع لسانه إدلاع الکلب- .

قال الواقدی- و قد روی أن أبا سعد لما حمل اللواء- قام النساء خلفه یقلن-

ضربا بنی عبد الدار
ضربا حماه الأدبار
ضربا بکل بتار

قال سعد بن أبی وقاص- فأحمل علیه فأقطع یده الیمنى- فأخذ اللواء بالید الیسرى- فأضربه على یده الیسرى فقطعتها- فأخذ اللواء بذراعیه جمیعا و ضمه إلى صدره- و حنى علیه ظهره- قال سعد فأدخل سیه القوس بین الدرع و المغفر- فأقلع المغفر فأرمی به وراء ظهره- ثم ضربته حتى قتلته و أخذت أسلبه درعه- فنهض إلی سبیع بن عبد عوف و نفر معه فمنعونی سلبه- و کان سلبه أجود سلب رجل من المشرکین- درع فضفاضه و مغفر و سیف جید- و لکن حیل بینی و بینه- .

قال الواقدی و هذا أثبت القولین- . قلت شتان بین علی و سعد- هذا یجاحش على السلب و یتأسف على فواته- و ذلک یقتل عمرو بن عبد ود یوم الخندق- و هو فارس قریش و صندیدها و مبارزه- فیعرض عن سلبه فیقال له- کیف ترکت سلبه و هو أنفس سلب- فیقول کرهت أن أبز السبی ثیابه- فکأن حبیبا عناه بقوله-إن الأسود أسود الغاب همتها یوم الکریهه فی المسلوب لا السلب‏- .

قال الواقدی- ثم حمل لواء المشرکین بعد أبی سعد بن أبی طلحه- مسافع بن أبی طلحه- فرماه عاصم بن ثابت بن أبی الأقلح فقتله- فحمل إلى أمه سلافه بنت سعد بن الشهید- و هی مع النساء بأحد فقالت من أصابک- قال لا أدری سمعته یقول- خذها و أنا ابن الأقلح- فقالت أقلحی و الله- أی هو من رهطی و کانت من الأوس- . قال الواقدی- و روی أن عاصما لما رماه قال له- خذها و أنا ابن کسره- و کانوا یقال لهم فی الجاهلیه بنو کسر الذهب- فقال لأمه لا أدری- إلا أنی سمعته یقول خذها و أنا ابن کسره- فقالت سلافه- أوسی و الله کسری أی أنه منا- فیومئذ نذرت سلافه- أن تشرب فی قحف رأس عاصم بن ثابت الخمر- و جعلت لمن جاءها به مائه من الإبل- .

قلت فلما قتله المشرکون فی یوم الرجیع- أرادوا أن یأخذوا رأسه- فیحملوه إلى سلافه فحمته الدبر یومه ذلک- فلما جاء اللیل فظنوا أن الدبر لا تحمیه لیلا- جاء الوادی بسیل عظیم- فذهب برأسه و بدنه- اتفق المؤرخون على ذلک- . قال الواقدی- ثم حمل اللواء بعد الحارث- أخوه کلاب بن طلحه بن أبی طلحه- فقتله الزبیر بن العوام- ثم حمله أخوه الجلاس بن طلحه بن أبی طلحه- فقتله طلحه بن عبید الله- ثم حمله أرطاه بن عبد شرحبیل- فقتله علی بن أبی طالب ع- ثم حمله شریح بن‏قانط- فقتل لا یدرى من قتله- ثم حمله صواب غلام بنی عبد الدار- فاختلف فی قاتله- فقیل قتله علی بن أبی طالب ع- و قیل سعد بن أبی وقاص- و قیل قزمان و هو أثبت الأقوال- .

قال الواقدی- انتهى قزمان إلى صواب- فحمل علیه فقطع یده الیمنى- فاحتمل اللواء بالیسرى فقطع الیسرى- فاحتضن اللواء بذراعیه و عضدیه- و حنى علیه ظهره و قال- یا بنی عبد الدار هل أعذرت- فحمل علیه قزمان فقتله- . قال الواقدی- و قالوا ما ظفر الله تعالى نبیه فی موطن قط- ما ظفره و أصحابه یوم أحد- حتى عصوا الرسول و تنازعوا فی الأمر- لقد قتل أصحاب اللواء و انکشف المشرکون منهم لا یلوون- و نساؤهم یدعون بالویل بعد ضرب الدفاف و الفرح- .

قال الواقدی- و قد روى کثیر من الصحابه ممن شهد أحدا- قال کل واحد منهم- و الله إنی لأنظر إلى هند و صواحبها منهزمات- ما دون أخذهن شی‏ء لمن أراده- و لکن لا مرد لقضاء الله- قالوا و کان خالد بن الولید- کلما أتى من قبل میسره النبی ص- لیجوز حتى یأتیهم من قبل السفح- ترده الرماه حتى فعل و فعلوا ذلک مرارا- و لکن المسلمین أتوا من قبل الرماه- أن رسول الله ص أوعز إلیهم- فقال قوموا على مصافکم هذه فاحموا ظهورنا- فإن رأیتمونا قد غنمنا فلا تشرکونا- و إن رأیتمونا نقتل فلا تنصرونا- فلما انهزم المشرکون و تبعهم المسلمون- یضعون السلاح فیهم حیث شاءوا- حتى أجهزوهم عن المعسکر و وقعوا ینتهبونه- قال بعض الرماه لبعض- لم تقیمون هاهنا فی غیر شی‏ء- قد هزم الله العدو- و هؤلاء إخوانکم ینهبون عسکرهم- فادخلوا عسکر المشرکین فاغنموا مع إخوانکم- فقال بعضهم- أ لم تعلموا أن رسول الله ص قال لکم- احموا ظهورنا و إن غنمنا فلا تشرکونا-فقال الآخرون- لم یرد رسول الله ص هذا- و قد أذل الله المشرکین و هزمهم- فادخلوا العسکر فانتهبوا مع إخوانکم- فلما اختلفوا خطبهم أمیرهم عبد الله بن جبیر- و کان یومئذ معلما بثیاب بیض- فحمد الله و أمرهم بطاعه رسوله- و ألا یخالف أمره- فعصوه و انطلقوا فلم یبق معه- إلا نفیر ما یبلغون العشره- منهم الحارث بن أنس بن رافع- یقول یا قوم اذکروا عهد نبیکم إلیکم- و أطیعوا أمیرکم- فأبوا و ذهبوا إلى عسکر المشرکین ینتهبون- و خلوا الجبل و انتقضت صفوف المشرکین- و استدارت رحالهم و دارت الریح- و کانت إلى أن انتقض صفهم صبا- فصارت دبورا- فنظر خالد بن الولید إلى خلاء الجبل و قله أهله- فکر بالخیل و تبعه عکرمه بالخیل- فانطلقا إلى موضع الرماه- فحملوا علیهم فرماهم القوم حتى أصیبوا- و رمى عبد الله بن جبیر حتى فنیت نبله- ثم طاعن بالرمح حتى انکسر- ثم کسر جفن سیفه فقاتل حتى قتل- و أفلت جعیل بن سراقه- و أبو برده بن نیار- بعد أن شاهدا قتل عبد الله بن جبیر- و کان آخر من انصرف من الخیل- فلحقا بالمسلمین قال الواقدی فروى رافع بن خدیج- قال لما قتل خالد الرماه أقبل بالخیل و عکرمه بن أبی جهل یتلوه- فخالطنا و قد انتقضت صفوفنا- و نادى إبلیس و تصور فی صوره جعیل بن سراقه- أن محمدا قد قتل ثلاث صرخات- فابتلی یومئذ جعیل بن سراقه ببلیه عظیمه- حین تصور إبلیس فی صورته- و إن جعیلا لیقاتل مع المسلمین أشد القتال- و إنه إلى جنب أبی برده بن نیار و خوات بن جبیر- قال رافع بن خدیج- فو الله ما رأینا دوله کانت أسرع من دوله المشرکین علینا- و أقبل المسلمون على جعیل بن سراقه یریدون قتله- یقولون هذا الذی صاح أن محمدا قد قتل- فشهد له خوات بن جبیر و أبو برده- أنه کان إلى جنبهما حین صاح الصائح- و أن الصائح غیره- .

قال الواقدی فروى رافع- قال أتینا من قبل أنفسنا- و معصیه نبینا و اختلط المسلمون- و صاروا یقتلون و یضرب بعضهم بعضا- و ما یشعرون بما یصنعون من الدهش و العجل- و قد جرح یومئذ أسید بن حضیر جرحین- ضربه أحدهما أبو برده بن نیار و ما یدری- یقول خذها و أنا الغلام الأنصاری- و کر أبو زعنه فی حومه القتال- فضرب أبا برده ضربتین ما یشعر أنه هو- یقول خذها و أنا أبو زعنه- حتى عرفه بعد فکان إذا لقیه قال- انظر ما صنعت بی- فیقول أبو زعنه- و أنت فقد ضربت أسید بن حضیر و لا تشعر- و لکن هذا الجرح فی سبیل الله- فذکر ذلک لرسول الله ص- فقال هو فی سبیل الله یا أبا برده لک أجره- حتى کأنک ضربک أحد المشرکین- و من قتل فهو شهید- .

قال الواقدی و کان الشیخان- حسیل بن جابر و رفاعه بن وقش شیخین کبیرین- قد رفعا فی الآطام مع النساء- فقال أحدهما لصاحبه لا أبا لک- ما نستبقی من أنفسنا- فو الله ما نحن إلا هامه الیوم أو غد- و ما بقی من أجلنا قدر ظم‏ء دابه- فلو أخذنا أسیافنا فلحقنا برسول الله ص- لعل الله یرزقنا الشهاده- قال فلحقا برسول الله ص- فأما رفاعه فقتله المشرکون- و أما حسیل بن جابر فالتفت علیه سیوف المسلمین- و هم لا یعرفونه حین اختلطوا- و ابنه حذیفه یقول أبی أبی حتى قتل- فقال حذیفه یغفر الله لکم و هو أرحم الراحمین- ما صنعتم فزاد به عند رسول الله ص خیرا- و أمر رسول الله بدیته أن تخرج- و یقال إن الذی أصابه عتبه بن مسعود- فتصدق حذیفه ابنه بدمه على المسلمین- .

قال الواقدی- و أقبل یومئذ الحباب بن المنذر بن الجموح یصیح- یا آل سلمه فأقبلواعنقا واحدا- لبیک داعی الله لبیک داعی الله- فیضرب یومئذ جبار بن صخر ضربه فی رأسه مثقله و ما یدری- حتى أظهروا الشعار بینهم فجعلوا یصیحون- أمت أمت فکف بعضهم عن بعض- .

قال الواقدی- و کان نسطاس مولى ضرار بن أمیه- ممن حضر أحدا مع المشرکین- ثم أسلم بعد و حسن إسلامه- فکان یحدث قال- قد کنت ممن خلف فی العسکر یومئذ- و لم یقاتل معهم عبد- إلا وحشی و صواب غلام بنی عبد الدار- فکان أبو سفیان صاح فیهم- یا معشر قریش خلوا غلمانکم على متاعکم- یکونوا هم الذین یقومون على رحالکم- فجمعنا بعضها إلى بعض و عقلنا الإبل- و انطلق القوم على تعبئتهم- میمنه و میسره و ألبسنا الرحال الأنطاع- و دنا القوم بعضهم من بعض- فاقتتلوا ساعه و إذا أصحابنا منهزمون- فدخل المسلمون معسکرنا و نحن فی الرحال- فأحدقوا بنا فکنت فیمن أسروا- و انتهبوا المعسکر أقبح انتهاب- حتى إن رجلا منهم قال- أین مال صفوان بن أمیه- فقلت ما حمل إلا نفقه فی الرحل- فخرج یسوقنی حتى أخرجتها من العیبه- خمسین و مائه مثقال ذهبا- و قد ولى أصحابنا و أیسنا منهم- و انحاش النساء فهن فی حجرهن سلم لمن أرادهن- فصار النهب فی أیدی المسلمین- .

قال نسطاس- فإنا لعلى ما نحن علیه من الاستسلام- و نظرت إلى الجبل فإذا خیل مقبله ترکض- فدخلوا العسکر فلم یکن أحد یردهم- قد ضیعت الثغور التی کان بها الرماه- و جاءوا إلى النهب و الرماه ینتهبون- و أنا أنظر إلیهم متأبطی قسیهم و جعابهم- کل واحد منهم فی یدیه أو حضنه شی‏ء قد أخذه- فلما دخلت خیلنا دخلت على قوم غارین آمنین- فوضعوا فیهم السیوف فقتلوهم قتلا ذریعا- و تفرق المسلمون فی کل وجه-و ترکوا ما انتهبوا و أجلوا عن عسکرنا- فارتجعنا بعد لم نفقد منه شیئا- و خلوا أسرانا و وجدنا الذهب فی المعرکه- و لقد رأیت یومئذ رجلا من المسلمین- ضم صفوان بن أمیه إلیه ضمه ظننت أنه سیموت- حتى أدرکته و به رمق- فوجأت ذلک المسلم بخنجر معی فوقع- فسألت عنه فقیل رجل من بنی ساعده- ثم هدانی الله بعد للإسلام- .

قال الواقدی فحدثنی ابن أبی سبره- عن إسحاق بن عبد الله عن عمر بن الحکم قال- ما علمنا أحدا من أصحاب رسول الله ص- الذین أغاروا على النهب- فأخذوا ما أخذوا من الذهب- بقی معه من ذلک شی‏ء- یرجع به حیث غشینا المشرکون- و اختلفوا إلا رجلین- أحدهما عاصم بن ثابت بن أبی الأقلح- جاء بمنطقه وجدها فی العسکر- فیها خمسون دینارا- فشدها على حقویه من تحت ثیابه- و جاء عباد بن بشر بصره- فیها ثلاثه عشر مثقالا ألقاها فی جیب قمیصه- و فوقها الدرع و قد حزم وسطه- فأتیا بذلک رسول الله ص فلم یخمسه و نفلهما إیاه- .

قال الواقدی- و روى یعقوب بن أبی صعصعه- عن موسى بن ضمره عن أبیه- قال لما صاح الشیطان أزب العقبه- أن محمدا قد قتل لما أراد الله عز و جل من ذلک- سقط فی أیدی المسلمین- و تفرقوا فی کل وجه- و أصعدوا فی الجبل- فکان أول من بشرهم- بکون رسول الله ص سالما کعب بن مالک- قال کعب عرفته- فجعلت أصیح هذا رسول الله- و هو یشیر إلی بإصبعه على فیه- أن اسکت- .

قال الواقدی- و روت عمیره بنت عبد الله بن کعب بن مالک- عن أبیها قالت- قال أبی لما انکشف الناس- کنت أول من عرف رسول الله ص-و بشرت به المسلمین حیا سویا- عرفت عینیه من تحت المغفر- فنادیت یا معشر الأنصار أبشروا- فهذا رسول الله ص- فأشار إلی رسول الله ص أن اصمت- قال و دعا رسول الله ص بکعب- فلبس لأمته و ألبس کعبا لأمه نفسه- و قاتل کعب قتالا شدیدا- جرح سبعه عشر جرحا- .

قال الواقدی- و حدثنی ابن أبی سبره عن خالد بن رباح- عن الأعرج- قال لما صاح الشیطان أن محمدا قد قتل- قال أبو سفیان بن حرب- یا معشر قریش أیکم قتل محمدا- قال ابن قمیئه أنا قتلته- قال نسورک کما تفعل الأعاجم بأبطالها- و جعل أبو سفیان یطوف بأبی عامر الفاسق فی المعرکه- هل یرى محمدا بین القتلى- فمر بخارجه بن زید بن أبی زهیر- فقال یا أبا سفیان هل تدری من هذا- قال لا قال هذا خارجه بن زید- هذا أسید بنی الحارث بن الخزرج- و مر بعباس بن عباده بن نضله إلى جنبه- قال أ تعرفه قال لا- قال هذا ابن قوقل هذا الشریف فی بیت الشرف- ثم مر بذکوان بن عبد قیس- فقال و هذا من ساداتهم- ثم مر بابنه حنظله بن أبی عامر- فوقف علیه فقال أبو سفیان من هذا- قال هذا أعز من هاهنا علی هذا ابنی حنظله- قال أبو سفیان ما نرى مصرع محمد- و لو کان قتل لرأیناه کذب ابن قمیئه- و لقی خالد بن الولید- فقال هل تبین عندک قتل محمد- قال لا رأیته أقبل فی نفر من أصحابه مصعدین فی الجبل- فقال أبو سفیان هذا حق- کذب ابن قمیئه زعم أنه قتله- . قلت قرأت على النقیب أبی یزید رحمه الله- هذه الغزاه من کتاب الواقدی- و قلت له کیف جرى لهؤلاء فی هذه الوقعه- فإنی أستعظم ما جرى- فقال و ما فی ذلک مما تستعظمه- حمل قلب المسلمین من بعد قتل أصحاب الألویه- على قلب المشرکین فکسره-فلو ثبتت مجنبتا رسول الله- اللتان فیهما أسید بن حضیر و الحباب بن المنذر- بإزاء مجنبتی المشرکین- لم ینکسر عسکر الإسلام- و لکن مجنبتا المسلمین- أطبقت إطباقا واحدا على قلب المشرکین- مضافا إلى قلب المسلمین- فصار عسکر رسول الله ص قلبا واحدا- و کتیبه واحده- فحطمه قلب قریش حطمه شدیده- فلما رأت مجنبتا قریش أنه لیس بإزائها أحد- استدارت المجنبتان من وراء عسکر المسلمین- و صمد کثیر منهم للرماه- الذین کانوا یحمون ظهر المسلمین- فقتلوهم عن آخرهم- لأنهم لم یکونوا ممن یقومون لخالد و عکرمه- و هما فی ألفی رجل- و إنما کانوا خمسین رجلا- لا سیما و قد ترک کثیر منهم مرکزه- و شره إلى الغنیمه فأکب على النهب قال رحمه الله- و الذی کسر المسلمین یومئذ- و نال کل منال خالد بن الولید- و کان فارسا شجاعا و معه خیل کثیره- و رجال أبطال موتورون- و استدار خلف الجبل- فدخل من الثغره التی کان الرماه علیها- فأتاه من وراء المسلمین- و تراجع قلب المشرکین بعد الهزیمه- فصار المسلمون بینهم فی مثل الحلقه المستدیره- و اختلط الناس فلم یعرف المسلمون بعضهم بعضا- و ضرب الرجل منهم أخاه و أباه بالسیف- و هو لا یعرفه لشده النقع و الغبار- و لما اعتراهم من الدهش و العجله و الخوف- فکانت الدبره علیهم بعد أن کانت لهم- و مثل هذا یجری دائما فی الحرب- . فقلت له رحمه الله- فلما انکشف المسلمون و فر منهم من فر- ما کانت حال رسول الله ص- فقال ثبت فی نفر یسیر من أصحابه یحامون عنه- . فقلت ثم ما ذا- قال ثم ثابت إلیه الأنصار- و ردت إلیه عنقا واحدا بعد فرارهم و تفرقهم- و امتاز المسلمون عن المشرکین و کانوا ناحیه- ثم التحمت الحرب و اصطدم الفیلقان- .

قلت ثم ما ذا- قال لم یزل المسلمون یحامون عن رسول الله ص- و المشرکون یتکاثرون علیهم- و یقتلون فیهم حتى لم یبق من النهار إلا القلیل- و الدوله للمشرکین- . قلت ثم ما ذا- قال ثم علم الذین بقوا من المسلمین- أنه لا طاقه لهم بالمشرکین- فأصعدوا فی الجبل فاعتصموا به- . فقلت له- فرسول الله ص ما الذی صنع- فقال صعد فی الجبال- . قلت له أ فیجوز أن یقال إنه فر- فقال إنما یکون الفرار ممن أمعن فی الهرب- فی الصحراء و البیداء- فأما من الجبل مطل علیه و هو فی سفحه- فلما رأى ما لا یعجبه أصعد فی الجبل- فإنه لا یسمى فارا- ثم سکت رحمه الله ساعه- ثم قال هکذا وقعت الحال- فإن شئت أن تسمی ذلک فرارا فسمه- فقد خرج من مکه یوم الهجره فارا من المشرکین- و لا وصمه علیه فی ذلک- .

فقلت له- قد روى الواقدی عن بعض الصحابه- قال لم یبرح رسول الله ص ذلک الیوم شبرا واحدا- حتى تحاجزت الفئتان- فقال دع صاحب هذه الروایه فلیقل ما شاء- فالصحیح ما ذکرته لک- ثم قال کیف یقال- لم یزل واقفا حتى تحاجزت الفئتان- و إنما تحاجرا بعد أن ناداه أبو سفیان- و هو فی أعلى الجبل بما ناداه- فلما عرف أنه حی و أنه فی أعلى الجبل- و أن الخیل لا تستطیع الصعود إلیه- و أن القوم إن صعدوا إلیه رجاله لم یثقوا بالظفر به- لأن معه أکثر أصحابه- و هم مستمیتون إن صعد القوم إلیهم- و أنهم لا یقتلون منهم واحدا- حتى یقتلوا منهم اثنین أو ثلاثه- لأنهم لا سبیل لهم إلى الهرب- لکونهم محصورین فی ذرو واحد- فالرجل منهم یحامی عن خیط رقبته- کفوا عن الصعود و قنعوا بما وصلوا إلیه- من قتل من قتلوه فی الحرب- و أملوایوما ثانیا یکون لهم فیه الظفر الکلی- بالنبی ص فرجعوا عنهم و طلبوا مکه- .

و روى الواقدی عن أبی سبره- عن إسحاق بن عبد الله بن أبی فروه- عن أبی الحویرث عن نافع بن جبیر- قال سمعت رجلا من المهاجرین یقول- شهدت أحدا فنظرت إلى النبل یأتی من کل ناحیه- و رسول الله ص فی وسطها- کل ذلک یصرف عنه- و لقد رأیت عبد الله بن شهاب الزهری یقول یومئذ- دلونی على محمد- فلا نجوت إن نجا- و إن رسول الله ص إلى جنبه ما معه أحد- ثم جاوزه- و لقی عبد الله بن شهاب صفوان بن أمیه- فقال له صفوان ترحت هلا ضربت محمدا- فقطعت هذه الشأفه- فقد أمکنک الله منه- قال ابن شهاب و هل رأیته- قال نعم أنت إلى جنبه- قال و الله ما رأیته- أحلف بالله إنه منا لممنوع- خرجنا أربعه تعاهدنا و تعاقدنا على قتله- فلم نخلص إلى ذلک- .

قال الواقدی فروى نمله- و اسم أبی نمله عبد الله بن معاذ- و کان أبوه معاذ أخا البراء بن معرور لأمه- قال لما انکشف المسلمون ذلک الیوم- نظرت إلى رسول الله ص و ما معه أحد- إلا نفیر قد أحدقوا به من أصحابه- من المهاجرین و الأنصار- فانطلقوا به إلى الشعب- و ما للمسلمین لواء قائم و لا فئه و لا جمع- و إن کتائب المشرکین لتحوشهم- مقبله و مدبره فی الوادی- یلتقون و یفترقون ما یرون أحدا یردهم- .

قال الواقدی- و حدثنی إبراهیم بن محمد بن شرحبیل العبدری- عن أبیه قال- حمل مصعب اللواء- فلما جال المسلمون ثبت به مصعب قبل ابن قمیئه- و هو فارس فضرب ید مصعب فقطعها- فقال مصعب وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ- .و أخذ اللواء بیده الیسرى- و حنى علیه فضربه فقطع الیسرى- فضمه بعضدیه إلى صدره-و هو یقول- وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ- ثم حمل علیه الثالثه بالرمح فأنفذه و اندق الرمح- و وقع مصعب و سقط اللواء- و ابتدره رجلان من بنی عبد الدار- سویبط بن حرمله و أبو الروم فأخذه أبو الروم- فلم یزل بیده حتى دخل به المدینه- حین انصرف المسلمون- .

قال الواقدی- و قالوا إن رسول الله لما لحمه القتال- و خلص إلیه و ذب عنه مصعب بن عمیر و أبو دجانه- حتى کثرت به الجراحه- جعل رسول الله ص یقول- من رجل یشری نفسه- فوثب فئه من الأنصار خمسه- منهم عماره بن زیاد بن السکن فقاتل حتى أثبت- و فاءت فئه من المسلمین حتى أجهضوا أعداء الله- فقال رسول الله ص لعماره بن زیاد ادن منی- حتى وسده رسول الله ص قدمه- و إن به لأربعه عشر جرحا حتى مات- و جعل رسول الله ص یذمر الناس و یحضهم على القتال- و کان رجال من المشرکین- قد أذلقوا المسلمین بالرمی- منهم حیان بن العرقه و أبو أسامه الجشمی- فجعل النبی ص یقول لسعد- ارم فداک أبی و أمی- فرمى حیان بن العرقه بسهم فأصاب ذیل أم أیمن- و کانت جاءت یومئذ تسقی الجرحى- فقلبها و انکشف ذیلها عنها- فاستغرب حیان بن العرقه ضحکا- و شق ذلک على رسول الله ص- فدفع إلى سعد بن أبی وقاص سهما لا نصل له- و قال ارم به- فرمى فوضع السهم فی ثغره نحر حیان- فوقع مستلقیا و بدت عورته- .

قال سعد- فرأیت النبی ص ضحک یومئذ- حتى بدت نواجذه- و قال استقاد لها سعد أجاب الله دعوتک- و سدد رمیتک- و رمى یومئذ مالک بن زهیر الجشمی- أخو أبی أسامه الجشمی المسلمین رمیا شدیدا- و کان هو و ریان بن العرقه- قد أسرعا فی أصحاب رسول الله ص- و أکثرا فیهم القتل یستتران بالصخر و یرمیان-فبینا هم على ذلک- أبصر سعد بن أبی وقاص مالک بن زهیر- یرمی من وراء صخره قد رمى و أطلع رأسه- فیرمیه سعد فأصاب السهم عینه- حتى خرج من قفاه- فترى فی السماء قامه- ثم رجع فسقط فقتله الله عز و جل- .

قال الواقدی- و رمى رسول الله ص عن قوسه یومئذ- حتى صارت شظایا- فأخذها قتاده بن النعمان و کانت عنده- و أصیبت یومئذ عین قتاده حتى وقعت على وجنته- قال قتاده- فجئت إلى رسول الله ص فقلت یا رسول الله- إن تحتی امرأه شابه جمیله- أحبها و تحبنی- و أنا أخشى أن تقذر مکان عینی- فأخذها رسول الله ص فردها و انصرف بها- و عادت کما کانت- فلم تضرب علیه ساعه من لیل و نهار- و کان یقول بعد أن أسن- هی أقوى عینی و کانت أحسنهما- .

قال الواقدی- و باشر رسول الله ص القتال بنفسه- فرمى بالنبل حتى فنیت نبله- و انکسرت سیه قوسه- و قبل ذلک انقطع وتره- و بقیت فی یده قطعه تکون شبرا فی سیه القوس- فأخذ القوس عکاشه بن محصن یوتره له- فقال یا رسول الله لا یبلغ الوتر- فقال مده یبلغ- قال عکاشه فو الذی بعثه بالحق لمددته حتى بلغ- و طویت منه لیتین أو ثلاثه على سیه القوس- ثم أخذه رسول الله ص- فما زال یرامی القوم- و أبو طلحه أمامه یستره مترسا عنه- حتى نظرت إلى سیه قوسه قد تحطمت- فأخذها قتاده بن النعمان قال الواقدی- و کان أبو طلحه یوم أحد- قد نثل کنانته بین یدی النبی ص- و کان رامیا و کان صیتا- فقال رسول الله ص- لصوت أبی طلحه فی الجیش خیر من أربعین رجلا- و کان فی کنانته خمسون سهما- نثلها بین یدی‏رسول الله ص- و جعل یصیح نفسی دون نفسک یا رسول الله- فلم یزل یرمی بها سهما سهما- و کان رسول الله ص- یطلع رأسه من خلف أبی طلحه بین أذنه و منکبه- ینظر إلى مواقع النبل حتى فنیت نبله- و هو یقول نحری دون نحرک- جعلنی الله فداک- قالوا إنه کان رسول الله ص- لیأخذ العود من الأرض فیقول- ارم یا أبا طلحه فیرمی به سهما جیدا- .

قال الواقدی- و کان الرماه المذکورون من أصحاب رسول الله ص جماعه- منهم سعد بن أبی وقاص و أبو طلحه و عاصم بن ثابت و السائب بن عثمان بن مظعون- و المقداد بن عمرو و زید بن حارثه- و حاطب بن أبی بلتعه و عتبه بن غزوان- و خراش بن الصمه و قطبه بن عامر بن حدیده- و بشر بن البراء بن معرور- و أبو نائله ملکان بن سلامه و قتاده بن النعمان- .

قال الواقدی- و رمى أبو رهم الغفاری بسهم فأصاب نحره- فجاء إلى رسول الله ص فبصق علیه فبرأ- فکان أبو رهم بعد ذلک یسمى المنحور- . و روى أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد اللغوی- غلام ثعلب- و رواه أیضا محمد بن حبیب فی أمالیه- أن رسول الله ص لما فر معظم أصحابه عنه یوم أحد- کثرت علیه کتائب المشرکین- و قصدته کتیبه من بنی کنانه- ثم من بنی عبد مناه بن کنانه- فیها بنو سفیان بن عویف- و هم خالد بن سفیان و أبو الشعثاء بن سفیان- و أبو الحمراء بن سفیان و غراب بن سفیان- فقال رسول الله ص یا علی اکفنی هذه الکتیبه- فحمل علیها و إنها لتقارب خمسین فارسا- و هو ع راجل- فما زال یضربها بالسیف- حتى تتفرق عنه ثم تجتمع علیه- هکذا مرارا حتى قتل بنی سفیان بن عویف الأربعه- و تمام العشره منها ممن لا یعرف بأسمائهم- فقال جبرئیل‏ع لرسول الله ص- یا محمد إن هذه المواساه لقد عجبت الملائکه من مواساه هذا الفتى- فقال رسول الله ص و ما یمنعه و هو منی و أنا منه- فقال جبرائیل ع و أنا منکما- قال و سمع ذلک الیوم صوت من قبل السماء- لا یرى شخص الصارخ به ینادی مرارا-

لا سیف إلا ذو الفقار
و لا فتى إلا علی

فسئل رسول الله ص عنه- فقال هذا جبرائیل- . قلت و قد روى هذا الخبر جماعه من المحدثین- و هو من الأخبار المشهوره- و وقفت علیه فی بعض نسخ مغازی محمد بن إسحاق- و رأیت بعضها خالیا عنه- و سألت شیخی عبد الوهاب بن سکینه رحمه الله عن هذا الخبر- فقال خبر صحیح فقلت فما بال الصحاح لم تشتمل علیه- قال أ و کلما کان صحیحا تشتمل علیه کتب الصحاح- کم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحیحه- .

قال الواقدی- و أقبل عثمان بن عبد الله بن المغیره المخزومی- یحضر فرسا له أبلق- یرید رسول الله ص علیه لأمه کامله- و رسول الله ص متوجه إلى الشعب و هو یصیح- لا نجوت إن نجوت- فیقف رسول الله ص- و یعثر بعثمان فرسه فی بعض تلک الحفر- التی حفرها أبو عامر الفاسق للمسلمین- فیقع الفرس لوجهه و سقط عثمان عنه- و خرج الفرس غائرا- فیأخذه بعض أصحاب رسول الله ص- و یمشی إلیه الحارث بن الصمه فاضطربا ساعه بالسیفین- ثم یضرب الحارث رجله و کانت درعه مشمره فبرک- و ذفف علیه و أخذ الحارث‏ یومئذ سلبه- درعا جیدا و مغفرا و سیفا جیدا- و لم یسمع بأحد من المشرکین سلب یومئذ غیره- و رسول الله ص ینظر إلى قتالهما- فسأل عن الرجل قیل عثمان بن عبد الله بن المغیره- قال الحمد لله الذی أحانه- و قد کان عبد الله بن جحش أسره من قبل ببطن نخله- حتى قدم به على رسول الله ص- فافتدى و رجع إلى قریش و غزا معهم أحدا- فقتل هناک- و یرى مصرع عثمان عبید بن حاجز العامری- أحد بنی عامر بن لؤی- فأقبل یعدو کأنه سبع- فیضرب حارث بن الصمه ضربه على عاتقه- فوقع الحارث جریحا حتى احتمله أصحابه- و یقبل أبو دجانه على عبید بن حاجز- فتناوشا ساعه من نهار- و کل واحد منهما یتقی بالدرقه سیف صاحبه- ثم حمل علیه أبو دجانه فاحتضنه- ثم جلد به الأرض و ذبحه بالسیف کما تذبح الشاه- ثم انصرف فلحق برسول الله ص- .

قال الواقدی- و یروى أن سهل بن حنیف- جعل ینضح بالنبل عن رسول الله ص- فقال نبلوا سهلا فإنه سهل- و نظر رسول الله ص إلى أبی الدرداء- و الناس منهزمون فی کل وجه- فقال نعم الفارس عویمر غیر أنه لم یشهد أحدا- . قال الواقدی- و روى الحارث بن عبید الله بن کعب بن مالک- قال حدثنی من نظر إلى أبی سبره بن الحارث بن علقمه- و لقی أحد المشرکین فاختلفا ضربات- کل ذلک یروغ أحدهما عن الآخر- قال فنظر الناس إلیهما- کأنهما سبعان ضاریان یقفان مره و یقتلان أخرى- ثم تعانقا فوقعا إلى الأرض جمیعا- فعلاه أبو سبره فذبحه بسیفه کما تذبح الشاه- و نهض عنه فیقبل خالد بن الولید- و هو على فرس أدهم أغر محجل- یجر قناه طویله فطعن أبا سبره من خلفه- فنظرت إلى سنان الرمح خرج من صدره-و وقع أبو سبره میتا- و انصرف خالد بن الولید- یقول أنا أبو سلیمان- .

قال الواقدی- و قاتل طلحه بن عبید الله یومئذ- عن النبی ص قتالا شدیدا- و کان طلحه یقول- لقد رأیت رسول الله ص حیث انهزم أصحابه- و کثر المشرکون فأحدقوا بالنبی ص من کل ناحیه- فما أدری أقوم من بین یدیه أو من ورائه- أم عن یمینه أم شماله- فأذب بالسیف عنه هاهنا و هاهنا حتى انکشفوا- فجعل رسول الله ص یومئذ یقول لطلحه- لقد أوجب و روی لقد أنحب أی قضى نذره- . قال الواقدی- و روی أن سعد بن أبی وقاص ذکر طلحه فقال- یرحمه الله إنه کان أعظمنا غناء عن رسول الله ص- یوم أحد- قیل کیف یا أبا إسحاق قال- لزم النبی ص- و کنا نتفرق عنه ثم نثوب إلیه- لقد رأیته یدور حول النبی ص یترس بنفسه- .

قال الواقدی- و سئل طلحه یا أبا محمد ما أصاب إصبعک- قال رمى مالک بن زهیر الجشمی بسهم- یرید رسول الله ص و کان لا تخطئ رمیته- فاتقیت بیدی عن وجه رسول الله ص- فأصاب خنصری فشل- . قال الواقدی و قالوا- إن طلحه قال لما رمی حس- فقال رسول الله ص- لو قال بسم الله لدخل الجنه و الناس ینظرون إلیه- من أحب أن ینظر إلى رجل یمشی فی الدنیا- و هو من أهل الجنه- فلینظر إلى طلحه بن عبید الله طلحه ممن قضى نحبه- .

قال الواقدی- و کان طلحه یحدث یقول- لما جال المسلمون تلک الجوله- ثم تراجعوا أقبل رجل من بنی عامر بن لؤی- یدعى شیبه بن مالک بن المضرب- یجر رمحه و هو على فرس أغر کمیت مدججا فی الحدید- یصیح أنا أبو ذات الوذع- دلونی على محمد فأضرب عرقوب فرسه- فاکتسعت به ثم أتناول رمحه- فو الله ما أخطأت به عن حدقته- فخار کما یخور الثور- فما برحت به واضعا رجلی على خده حتى أزرته شعوب- .

قال الواقدی- و کان طلحه قد أصابته فی رأسه المصلبه- ضربه رجل من المشرکین ضربتین- ضربه و هو مقبل و ضربه و هو معرض عنه- و کان نزف منها الدم- قال أبو بکر- جئت النبی ص یوم أحد- فقال علیک بابن عمک- فأتی طلحه بن عبید الله و قد نزف الدم- فجعلت أنضح فی وجهه الماء و هو مغشی علیه- ثم أفاق- فقال ما فعل رسول الله ص- فقلت خیرا هو أرسلنی إلیک- فقال الحمد لله کل مصیبه بعده جلل- .

قال الواقدی- و کان ضرار بن الخطاب الفهری یقول- نظرت إلى طلحه بن عبید الله- قد حلق رأسه عند المروه فی عمره- فنظرت إلى المصلبه فی رأسه- فکان ضرار یقول أنا و الله ضربته- هو استقبلنی فضربته ثم أکر علیه- و قد أعرض فأضربه ضربه أخرى قال الواقدی- و لما کان یوم الجمل- و قتل علی ع من قتل من الناس- و دخل البصره جاءه رجل من العرب- فتکلم بین یدیه و نال من طلحه- فزبره علی ع و قال- إنک لم تشهد یوم أحد- و عظم غنائه عن الإسلام مع مکانه من رسول الله ص- فانکسر الرجل و سکت- فقال له قائل من القوم- و ما کان غناؤه و بلاؤه یرحمه الله یوم أحد- فقال علی ع نعم یرحمه الله- لقد رأیته و إنه لیترس بنفسه دون رسول الله ص- و إن السیوف لتغشاه و النبل من کل ناحیه- و ما هو إلا جنه لرسول الله ص یقیه بنفسه- فقال رجل- لقد کان یوم أحد یوما قتل فیه أصحاب رسول الله ص- و أصابت رسول الله ص فیه الجراحه- فقال علی ع أشهد لسمعت رسول الله ص یقول- لیت أنی غودرت مع أصحابی بنحص الجبل- ثم قال علی ع- لقد رأیتنی یومئذ و إنی لأذبهم فی ناحیه- و إن أبا دجانه لفی ناحیه یذب طائفه منهم- حتى فرج الله ذلک کله- و لقد رأیتنی و انفردت منهم یومئذ فرقه خشناء- فیها عکرمه بن أبی جهل فدخلت وسطهم بالسیف- فضربت به و اشتملوا علی حتى أفضیت إلى آخرهم- ثم کررت فیهم الثانیه حتى رجعت من حیث جئت- و لکن الأجل استأخر و یقضی الله أمرا کان مفعولا- .

قال الواقدی- و حدثنی جابر بن سلیم عن عثمان بن صفوان- عن عماره بن خزیمه قال- حدثنی من نظر إلى الحباب بن المنذر بن الجموح- و إنه لیحوشهم یومئذ کما تحاش الغنم- و لقد اشتملوا علیه حتى قیل قد قتل- ثم برز و السیف فی یده و افترقوا عنه- و جعل یحمل على فرقه منهم- و إنهم لیهربون منه إلى جمع منهم-و صار الحباب إلى النبی ص- و کان الحباب یومئذ معلما بعصابه خضراء فی مغفره- .

قال الواقدی- و طلع یومئذ عبد الرحمن بن أبی بکر- على فرس مدججا لا یرى منه إلا عیناه- فقال من یبارز أنا عبد الرحمن بن عتیق- فنهض إلیه أبو بکر و قال أنا أبارزه- و جرد سیفه فقال له رسول الله ص- شم سیفک و ارجع إلى مکانک و متعنا بنفسک- . قال الواقدی و قال رسول الله ص- ما وجدت لشماس بن عثمان شبها إلا الجنه- یعنی مما یقاتل عن رسول الله یومئذ- و کان رسول الله ص لا یأخذ یمینا و لا شمالا- إلا رأى شماس بن عثمان فی ذلک الوجه- یذب بسیفه عنه حتى غشی رسول الله ص- فترس بنفسه دونه حتى قتل- فذلک قول رسول الله ص- ما وجدت لشماس شبها إلا الجنه- .

قال الواقدی و لما ولى المسلمون- حین عطف علیهم خالد بن الولید من خلفهم- کان أول من أقبل من المسلمین بعد التولیه- قیس بن محرث مع طائفه من الأنصار- و قد کانوا بلغوا بنی حارثه فرجعوا سراعا- فصادفوا المشرکین فی کثرتهم فدخلوا فی حومتهم- فما أفلت منهم رجل حتى قتلوا کلهم- و لقد ضاربهم قیس بن محرث- فامتنع بسیفه حتى قتل منهم نفرا- فما قتلوه إلا بالرماح نظموه- و لقد وجد به أربع عشره طعنه جائفه و عشر ضربات بالسیف- .

قال الواقدی- و کان عباس بن عباده بن نظله- المعروف بابن قوقل- و خارجه بن‏زید بن أبی زهیر- و أوس بن أرقم بن زید- و عباس رافع صوته یقول یا معشر المسلمین الله و نبیکم- هذا الذی أصابکم بمعصیه نبیکم- وعدکم النصر فما صبرتم- ثم نزع مغفره عن رأسه و خلع درعه- و قال لخارجه بن زید- هل لک فی درعی و مغفری- قال خارجه لا أنا أرید الذی ترید- فخالطوا القوم جمیعا- و عباس یقول ما عذرنا عند ربنا- إن أصیب نبینا و منا عین تطرف- قال فیقول خارجه لا عذر لنا و الله عند ربنا و لا حجه- فأما عباس فقتله سفیان بن عبد شمس السلمی- و لقد ضربه عباس ضربتین- فجرحه جرحین عظیمین فارتث یومئذ جریحا- فمکث جریحا سنه ثم استبل- و أخذت خارجه بن زید الرماح فجرح بضعه عشر جرحا- فمر به صفوان بن أمیه فعرفه- فقال هذا من أکابر أصحاب محمد- و به رمق فأجهز علیه- و قتل أوس بن أرقم- و قال صفوان من رأى خبیب بن یساف- و هو یطلبه فلا یقدر علیه- و مثل یومئذ بخارجه- و قال هذا ممن أغری بأبی یوم بدر یعنی أمیه بن خلف- و قال الآن شفیت نفسی حین قتلت الأماثل من أصحاب محمد- قتلت ابن قوقل و قتلت ابن أبی زهیر- و قتلت أوس بن أرقم- .

قال الواقدی- و قال رسول الله ص یومئذ- من یأخذ هذا السیف بحقه- قالوا و ما حقه یا رسول الله- قال یضرب به العدو- فقال عمر أنا یا رسول الله فأعرض عنه- ثم عرضه رسول الله ص بذلک الشرط- فقام الزبیر فقال أنا فأعرض عنه- حتى وجد عمر و الزبیر فی أنفسهما- ثم عرضه الثالثه فقام أبو دجانه- و قال أنا یا رسول الله آخذه بحقه فدفعه إلیه- فصدق حین لقی به العدو و أعطى السیف حقه- فقال أحد الرجلین إما عمر بن الخطاب أو الزبیر- و الله لأجعلن هذا الرجل الذی أعطاه السیف- و منعنیه من شأنی قال فاتبعته- فو الله ما رأیت أحدا قاتل أفضل‏من قتاله- لقد رأیته یضرب به حتى إذا کل علیه- و خاف ألا یحیک عمد به إلى الحجاره فشحذه- ثم یضرب به العدو حتى یرده کأنه منجل- و کان حین أعطاه رسول الله ص السیف مشى بین الصفین- و اختال فی مشیته- فقال رسول الله ص حین رآه یمشی تلک المشیه- إن هذه لمشیه یبغضها الله تعالى إلا فی مثل هذا الموطن- قال و کان أربعه من أصحاب النبی ص- یعلمون فی الزحوف أحدهم أبو دجانه- کان یعصب رأسه بعصابه حمراء- و کان قومه یعلمون أنه إذا اعتصب بها أحسن القتال- و کان علی ع یعلم بصوفه بیضاء- و کان الزبیر یعلم بعصابه صفراء- و کان حمزه یعلم بریش نعامه- .

قال الواقدی و کان أبو دجانه یحدث یقول- إنی لأنظر یومئذ إلى امرأه تقذف الناس- و تحوشهم حوشا منکرا- فرفعت علیها السیف و ما أحسبها إلا رجلا- حتى علمت أنها امرأه- و کرهت أن أضرب بسیف رسول الله ص امرأه- و المرأه عمره بنت الحارث- .

قال الواقدی- و کان کعب بن مالک یقول- أصابنی الجراح یوم أحد- فلما رأیت المشرکین یمثلون بالمسلمین- أشد المثل و أقبحها- قمت فتنحیت عن القتلى- فإنی لفی موضعی أقبل خالد بن الأعلم العقیلی- جامع اللأمه یحوش المسلمین- یقول استوسقوا کما یستوسق جرب الغنم- و هو مدجج فی الحدید یصیح- یا معشر قریش- لا تقتلوا محمدا ائسروه أسرا حتى نعرفه ما صنع- و یصمد له قزمان فیضربه بالسیف ضربه على عاتقه- رأیت منها سحره ثم أخذ سیفه و انصرف- فطلع علیه من المشرکین فارس ما أرى منه إلا عینیه- فحمل علیه قزمان فضربه ضربه جزله اثنین- فإذا هو الولید بن العاص بن هشام المخزومی- ثم یقول کعب إنی لأنظر یومئذ و أقول- ما رأیت مثل هذا الرجل أشجع‏ بالسیف- ثم ختم له بما ختم له به- فیقال له فما ختم له به- فیقول من أهل النار قتل نفسه یومئذ- .

قال الواقدی و روى أبو النمر الکنانی- قال أقبلت یوم أحد و أنا من المشرکین- و قد انکشف المسلمون و قد حضرت فی عشره من إخوتی- فقتل منهم أربعه و کان الریح للمسلمین أول ما التقینا- فلقد رأیتنی و انکشفنا مولین- و أقبل أصحاب النبی ص على نهب العسکر- حتى بلغت الجماء ثم کرت خیلنا- فقلت و الله ما کرت الخیل إلا عن أمر رأته- فکررنا على أقدامنا کأننا الخیل- فنجد القوم قد أخذ بعضهم بعضا- یقاتلون على غیر صفوف- ما یدری بعضهم من یضرب- و ما للمسلمین لواء قائم- و مع رجل من بنی عبد الدار لواء المشرکین- و أنا أسمع شعار أصحاب محمد بینهم- أمت أمت فأقول فی نفسی ما أمت- و إنی لأنظر إلى رسول الله ص و إن أصحابه محدقون به- و إن النبل لیمر عن یمینه و یساره- و یقع بین یدیه و یخرج من ورائه- و لقد رمیت یومئذ بخمسین مرماه- فأصبت منها بأسهم بعض أصحابه- ثم هدانی الله إلى الإسلام- .

قال الواقدی- و کان عمرو بن ثابت بن وقش شاکا فی الإسلام- و کان قومه یکلمونه فی الإسلام- فیقول لو أعلم ما تقولون حقا ما تأخرت عنه- حتى إذا کان یوم أحد بدا له الإسلام- و رسول الله ص بأحد- و أخذ سیفه و أسلم و خرج حتى دخل فی القوم- فقاتل حتى أثبت- فوجد فی القتلى جریحا میتا- فدنوا منه و هو بآخر رمق- فقالوا ما جاء بک یا عمرو قال الإسلام- آمنت بالله و برسوله و أخذت سیفی و حضرت- فرزقنی الله الشهاده و مات فی أیدیهم- فقال رسول الله ص- إنه لمن أهل الجنه

قال الواقدی- فکان أبو هریره یقول و الناس حوله- أخبرونی برجل یدخل الجنه لم یصل لله تعالى سجده- فیسکت الناس فیقول أبو هریره- هو أخو بنی عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقش- . قال الواقدی- و کان مخیرق الیهودی من أحبار یهود- فقال یوم السبت و رسول الله ص بأحد- یا معشر یهود و الله إنکم لتعلمون أن محمدا نبی- و أن نصره علیکم حق- فقالوا ویحک الیوم یوم السبت- فقال لا سبت ثم أخذ سلاحه و حضر مع النبی ص- فأصیب فقال رسول الله ص مخیرق خیر یهود- . قال الواقدی- و کان مخیرق قال حین خرج إلى أحد- إن أصبت فأموالی لمحمد یضعها حیث أراه الله فیه- فهی عامه صدقات النبی ص- .

قال الواقدی- و کان حاطب بن أمیه منافقا- و کان ابنه یزید بن حاطب رجل صدق- شهد أحدا مع النبی ص فارتث جریحا- فرجع به قومه إلى منزله- قال یقول أبوه و هو یرى أهل الدار یبکون عنده- أنتم و الله صنعتم هذا به- قالوا کیف قال أغررتموه من نفسه حتى خرج فقتل- ثم صرتم معه إلى شی‏ء آخر تعدونه جنه- یدخل فیها حبه من حرمل- قالوا قاتلک الله قال هو ذاک- و لم یقر بالإسلام- .

قال الواقدی- و کان قزمان عسیفا من بنی ظفر- لا یدرى ممن هو و کان لهم محبا-و کان مقلا و لا ولد له و لا زوجه- و کان شجاعا یعرف بذلک فی حروبهم- التی کانت تکون بینهم- فشهد أحدا و قاتل قتالا شدیدا- فقتل سته أو سبعه- فأصابته الجراح فقیل للنبی ص- إن قزمان قد أصابته الجراح فهو شهید- فقال بل من أهل النار فجاءوا إلى قزمان- فقالوا هنیئا لک أبا الغیداق الشهاده- فقال بم تبشروننی و الله ما قاتلنا إلا على الأحساب- قالوا بشرناک بالجنه- قال حبه و الله من حرمل- إنا و الله ما قاتلنا على جنه و لا على نار- إنما قاتلنا على أحسابنا- ثم أخرج سهما من کنانته- فجعل یتوجأ به نفسه- فلما أبطأ علیه المشقص أخذ السیف- فاتکأ علیه حتى خرج من ظهره- فذکر ذلک للنبی ص فقال- هو من أهل النار- .

قال الواقدی- و کان عمرو بن الجموح رجلا أعرج- فلما کان یوم أحد و کان له بنون أربعه- یشهدون مع النبی ص المشاهد أمثال الأسد- أراد قومه أن یحبسوه- و قالوا أنت رجل أعرج و لا حرج علیک- و قد ذهب بنوک مع النبی ص- قال بخ یذهبون إلى الجنه و أجلس أنا عندکم- فقالت هند بنت عمرو بن حزام امرأته- کأنی أنظر إلیه مولیا قد أخذ درقته- و هو یقول اللهم لا تردنی إلى أهلی- فخرج و لحقه بعض قومه یکلمونه فی القعود- فأبى و جاء إلى رسول الله ص فقال- یا رسول الله- إن قومی یریدون أن یحبسونی- عن هذا الوجه و الخروج معک- و الله إنی لأرجو أن أطأ بعرجتی هذه فی الجنه- فقال له أما أنت فقد عذرک الله و لا جهاد علیک- فأبى فقال النبی ص لقومه و بنیه- لا علیکم أن تمنعوه- لعل الله یرزقه الشهاده فخلوا عنه- فقتل یومئذ شهیدا- و کان أبو طلحه یحدث- یقول نظرت إلى عمرو بن الجموح حین انکشف المسلمون- ثم ثابوا و هو فی الرعیل الأول- لکأنی أنظر إلى ضلعه و هو یعرج فی مشیته- و هو یقول أنا و الله مشتاق إلى الجنه- ثم أنظر إلى ابنه یعدو فی أثره- حتى قتلا جمیعا- .

قال الواقدی- و کانت عائشه خرجت فی نسوه تستروح الخبر- و لم یکن قد ضرب الحجاب یومئذ- حتى کانت بمنقطع الحره- و هی هابطه من بنی حارثه إلى الوادی- لقیت هندا بنت عمرو بن حزام- أخت عبد الله بن عمرو بن حزام- تسوق بعیرا لها- علیه زوجها عمرو بن الجموح- و ابنها خلاد بن عمرو بن الجموح- و أخوها عبد الله بن عمرو بن حزام أبو جابر بن عبد الله- فقالت لها عائشه عندک الخبر- فما وراءک فقالت هند خیر- أما رسول الله ص فصالح- و کل مصیبه بعده جلل- و اتخذ الله من المؤمنین شهداء- وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِغَیْظِهِمْ لَمْ یَنالُوا خَیْراً- وَ کَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتالَ وَ کانَ اللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزاً- .

قلت هکذا وردت الروایه- و عندی أنها لم تقل کل ذلک و لعلها قالت- وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِغَیْظِهِمْ لا غیر- و إلا فکیف یواطئ کلامها آیه من کلام الله تعالى- أنزلت بعد الخندق و الخندق بعد أحد- هذا من البعید جدا- . قال فقالت لها عائشه فمن هؤلاء- قالت أخی و ابنی و زوجی قتلى- قالت فأین تذهبین بهم- قالت إلى المدینه أقبرهم بها- حل حل تزجر بعیرها فبرک البعیر- فقالت عائشه لثقل ما حمل قالت هند ما ذاک به- لربما حمل ما یحمله البعیران و لکنی أراه لغیر ذلک- فزجرته فقام فلما وجهت به إلى المدینه برک- فوجهته راجعه إلى أحد فأسرع- فرجعت إلى النبی ص فأخبرته بذلک- فقال إن الجمل لمأمور هل قال عمرو شیئا- قالت نعم إنه لما وجه إلى أحد استقبل القبله- ثم قال اللهم لا تردنی إلى أهلی و ارزقنی الشهاده- فقال ص فلذلک الجمل لا یمضی- إن منکم یا معشر الأنصار من لو أقسم على الله لأبره- منهم عمرو بن الجموح یا هند- ما زالت الملائکه مظله على أخیک- من لدن قتل إلى الساعه ینظرون أین یدفن- ثم مکث رسول الله ص فی قبرهم- ثم قال یا هند قد ترافقوا فی الجنهجمیعا- عمرو بن الجموح بعلک و خلاد ابنک- و عبد الله أخوک فقالت هند- یا رسول الله فادع الله لی عسى أن یجعلنی معهم- . قال الواقدی- و کان جابر بن عبد الله یقول- اصطبح ناس یوم أحد الخمر- منهم أبی فقتلوا شهداء- .

قال الواقدی و کان جابر یقول- أول قتیل من المسلمین یوم أحد أبی- قتله سفیان بن عبد شمس أبو الأعور السلمی- فصلى علیه رسول الله ص قبل الهزیمه- .

قال الواقدی و کان جابر یحدث و یقول- استشهد أبی و جعلت عمتی تبکی- فقال النبی ص ما یبکیها- ما زالت الملائکه تظل علیه بأجنحتها حتى دفن- . قال الواقدی- و قال عبید الله بن عمرو بن حزام- رأیت فی النوم قبل یوم أحد بأیام- مبشر بن عبد المنذر أحد الشهداء ببدر- یقول لی أنت قادم علینا فی أیام- فقلت فأین أنت قال فی الجنه- نسرح منها حیث نشاء- فقلت له أ لم تقتل یوم بدر- قال بلى ثم أحییت- فذکر ذلک لرسول الله ص قال- هذه الشهاده یا جابر- .

قال الواقدی- و قال رسول الله ص یوم أحد- ادفنوا عبد الله بن عمرو بن حزام- و عمرو بن الجموح فی قبر واحد- و یقال إنهما وجدا و قد مثل بهما کل مثله- قطعت آرابهما عضوا عضوا- فلا تعرف أبدانهما- فقال النبی ص- ادفنوهما فی قبر واحد- و یقال إنما أمر بدفنهما فی قبر واحد- لما کان بینهمامن الصفاء- فقال ادفنوا هذین المتحابین فی الدنیا فی قبر واحد- . و کان عبد الله بن عمرو بن حزام- رجلا أحمر أصلع لیس بالطویل- و کان عمرو بن الجموح طویلا- فعرفا و دخل السیل بعد علیهما- و کان قبرهما مما یلی السیل فحفر عنهما- و علیهما نمرتان و عبد الله قد أصابه جرح فی وجهه- فیده على وجهه فأمیطت یده عن جرحه- فثعب الدم فردت إلى مکانها فسکن الدم- .

قال الواقدی- و کان جابر بن عبد الله یقول- رأیت أبی فی حفرته و کأنه نائم- و ما تغیر من حاله قلیل و لا کثیر- فقیل له أ فرأیت أکفانه- قال إنما کفن فی نمره خمر بها وجهه- و على رجلیه الحرمل فوجدنا النمره کما هی- و الحرمل على رجلیه کهیئته- و بین ذلک و بین وقت دفنه ست و أربعون سنه- فشاورهم جابر فی أن یطیبه بمسک- فأبى ذلک أصحاب النبی ص و قالوا- لا تحدثوا فیهم شیئا- . قال و یقال إن معاویه لما أراد أن یجری العین- التی أحدثها بالمدینه و هی کظلمه- نادى منادیه بالمدینه من کان له قتیل بأحد فلیشهد- فخرج الناس إلى قتلاهم فوجدوهم رطابا یتثنون- فأصابت المسحاه رجل رجل منهم فثعبت دما- فقال أبو سعید الخدری- لا ینکر بعد هذا منکر أبدا- .

قال و وجد عبد الله بن عمرو بن حزام- و عمرو بن الجموح فی قبر واحد- و وجد خارجه بن زید بن أبی زهیر- و سعد بن الربیع فی قبر واحد- فأما قبر عبد الله و عمرو فحول- و ذلک أن القناه کانت تمر على قبرها- و أما قبر خارجه و سعد فترک- و ذلک لأن مکانه کان معتزلا- و سوی علیهما التراب- و لقد کانوا یحفرون التراب- فکلما حفروا قتره من تراب فاح علیهم المسک- .

قال و قالوا إن رسول الله ص قال لجابر یا جابر- أ لا أبشرک فقال بلى بأبی و أمی- قال فإن الله أحیا أباک ثم کلمه کلاما- فقال له تمن على ربک ما شئت- فقال أتمنى أن أرجع فأقتل مع نبیک- ثم أحیا فأقتل مع نبیک فقال- إنی قد قضیت أنهم لا یرجعون

قال الواقدی- و کانت نسیبه بنت کعب- أم عماره بن غزیه بن عمرو قد شهدت أحدا- و زوجها غزیه- و ابناها عماره بن غزیه و عبد الله بن زید- و خرجت و معها شن لها- فی أول النهار ترید تسقی الجرحى- فقاتلت یومئذ و أبلت بلاء حسنا- فجرحت اثنی عشر جرحا- بین طعنه برمح أو ضربه بسیف- فکانت أم سعد بنت سعد بن الربیع تحدث- فتقول دخلت علیها فقالت لها یا خاله- حدثینی خبرک فقالت- خرجت أول النهار إلى أحد- و أنا أنظر ما یصنع الناس و معی سقاء فیه ماء- فانتهیت إلى رسول الله ص و هو فی الصحابه- و الدوله و الریح للمسلمین- فلما انهزم المسلمون- انحزت إلى رسول الله ص فجعلت أباشر القتال- و أذب عن رسول الله ص بالسیف- و أرمی بالقوس حتى خلصت إلى الجراح- فرأیت على عاتقها جرحا أجوف له غور- فقلت یا أم عماره من أصابک بهذا- قالت أقبل ابن قمیئه- و قد ولى الناس عن رسول الله ص- یصیح دلونی على محمد لا نجوت إن نجا- فاعترض له مصعب بن عمیر و ناس معه- فکنت فیهم فضربنی هذه الضربه- و لقد ضربته على ذلک ضربات- و لکن عدو الله کان علیه درعان- فقالت لها یدک ما أصابها- قالت أصیبت یوم الیمامه- لما جعلت الأعراب تنهزم بالناس- نادت الأنصار أخلصونا- فأخلصت الأنصار فکنت معهم- حتى انتهینا إلى حدیقه الموت فاقتتلنا علیها ساعه- حتى قتل أبو دجانه على باب الحدیقه- و دخلتهاو أنا أرید عدو الله مسیلمه- فیعرض لی رجل فضرب یدی فقطعها- فو الله ما کانت ناهیه و لا عرجت علیها- حتى وقفت على الخبیث مقتولا- و ابنی عبد الله بن یزید المازنی یمسح سیفه بثیابه- فقلت أ قتلته قال نعم- فسجدت شکرا لله عز و جل و انصرفت- .

قال الواقدی- و کان ضمره بن سعید یحدث عن جدته- و کانت قد شهدت أحدا تسقی الماء- قال سمعت رسول الله ص یقول یومئذ- لمقام نسیبه بنت کعب الیوم خیر من مقام فلان و فلان- و کان یراها یومئذ تقاتل أشد القتال- و إنها لحاجزه ثوبها على وسطها- حتى جرحت ثلاثه عشر جرحا- . قلت لیت الراوی لم یکن هذه الکنایه- و کان یذکرهما باسمهما- حتى لا تترامى الظنون إلى أمور مشتبهه- و من أمانه المحدث أن یذکر الحدیث على وجهه- و لا یکتم منه شیئا- فما باله کتم اسم هذین الرجلین- .

قال فلما حضرت نسیبه الوفاه کنت فیمن غسلها- فعددت جراحها جرحا جرحا فوجدتها ثلاثه عشر- و کانت تقول إنی لأنظر إلى ابن قمیئه- و هو یضربها على عاتقها- و کان أعظم جراحها لقد داوته سنه- ثم نادى منادی النبی ص بعد انقضاء أحد- إلى حمراء الأسد فشدت علیها ثیابها- فما استطاعت من نزف الدم- و لقد مکثنا لیلتنا نکمد الجراح حتى أصبحنا- فلما رجع رسول الله من حمراء الأسد- لم یصل إلى بیته- حتى أرسل إلیها عبد الله بن کعب المازنی یسأل عنها- فرجع إلیه فأخبره بسلامتها فسر بذلک- .

قال الواقدی- و حدثنی عبد الجبار بن عماره بن غزیه قال- قالت أم عمارهلقد رأیتنی- و انکشف الناس عن رسول الله ص- فما بقی إلا نفیر ما یتمون عشره- و أنا و أبنائی و زوجی بین یدیه نذب عنه- و الناس یمرون عنه منهزمین فرآنی و لا ترس معی- و رأى رجلا مولیا معه ترس- فقال یا صاحب الترس- ألق ترسک إلى من یقاتل- فألقى ترسه فأخذته- فجعلت أترس به على النبی ص- و إنما فعل بنا الأفاعیل أصحاب الخیل- و لو کانوا رجاله مثلنا أصبناهم- فیقبل رجل على فرس فضربنی و ترست له- فلم یصنع سیفه شیئا- و ولى و أضرب عرقوب فرسه- فوقع على ظهره- فجعل النبی ص یصیح- یا ابن عماره أمک أمک- قالت فعاوننی علیه حتى أوردته شعوب- .

قال الواقدی و حدثنی ابن أبی سبره- عن عمرو بن یحیى عن أبیه- عن عبد الله بن زید المازنی- قال جرحت جرحا فی عضدی الیسرى- ضربنی رجل کأنه الرقل و لم یعرج علی و مضى عنی و جعل الدم لا یرقأ- فقال رسول الله ص- اعصب جرحک فتقبل أمی إلی- و معها عصائب فی حقویها قد أعدتها للجراح- فربطت جرحی و النبی ص واقف ینظر- ثم قالت انهض یا بنی فضارب القوم- فجعل رسول الله ص یقول- و من یطیق ما تطیقین یا أم عماره- قالت و أقبل الرجل الذی ضربنی- فقال رسول الله ص هذا ضارب ابنک- فاعترضت أمی له فضربت ساقه فبرک- فرأیت النبی ص تبسم حتى بدت نواجذه- ثم قال استقدت یا أم عماره- ثم أقبلنا نعلوه بالسلاح حتى أتینا على نفسه- فقال النبی ص- الحمد لله الذی ظفرک و أقر عینک من عدوک- و أراک ثأرک بعینک- .

قال الواقدی- و روى موسى بن ضمره بن سعید عن أبیه- قال أتی عمر بن الخطاب فی أیام خلافته بمروط- کان فیها مرط واسع جید- فقال بعضهم إن هذا المرط بثمن کذا- فلو أرسلت به إلى زوجه عبد الله بن عمر- صفیه بنت أبی عبید- و ذلک حدثان ما دخلت على ابن عمر- فقال بل أبعث به إلى من هو أحق منها- أم عماره نسیبه بنت کعب- سمعت رسول الله ص یوم أحد یقول- ما ألتفت یمینا و شمالا إلا و أنا أراها تقاتل دونی- .

قال الواقدی- و روى مروان بن سعید بن المعلى قال- قیل لأم عماره یا أم عماره- هل کن نساء قریش یومئذ یقاتلن مع أزواجهن- فقالت أعوذ بالله- لا و الله ما رأیت امرأه منهن رمت بسهم و لا حجر- و لکن رأیت معهن الدفاف و الأکبار- یضربن و یذکرن القوم قتلى بدر- و معهن مکاحل و مراود- فکلما ولى رجل أو تکعکع- ناولته إحداهن مرودا و مکحله- و یقلن إنما أنت امرأه- و لقد رأیتهن ولین منهزمات مشمرات- و لها عنهن الرجال أصحاب الخیل- و نجوا على متون خیلهم- و جعلن یتبعن الرجال على أقدامهن- فجعلن یسقطن فی الطریق- و لقد رأیت هندا بنت عتبه و کانت امرأه ثقیله- و لها خلق قاعده خاشیه من الخیل- ما بها مشی و معها امرأه أخرى- حتى کثر القوم علینا- فأصابوا منا ما أصابوا- فعند الله نحتسب ما أصابنا یومئذ- من قبل الرماه و معصیتهم لرسول الله ص- .

قال الواقدی- و حدثنی ابن أبی سبره- عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبی صعصعه- عن الحارث بن عبد الله- قال سمعت عبد الله بن زید بن عاصم- یقول شهدت أحدامع رسول الله ص- فلما تفرق الناس عنه- دنوت منه و أمی تذب عنه- فقال یا ابن عماره قلت نعم قال ارم- فرمیت بین یدیه رجلا من المشرکین بحجر- و هو على فرس فأصیبت عین الفرس- فاضطرب الفرس حتى وقع هو و صاحبه- و جعلت أعلوه بالحجاره- حتى نضدت علیه منها وقرا- و النبی ص ینظر إلی و یتبسم- فنظر إلى جرح بأمی على عاتقها- فقال أمک أمک اعصب جرحها- بارک الله علیکم من أهل بیت- لمقام أمک خیر من مقام فلان و فلان- و مقام ربیبک یعنی زوج أمه- خیر من مقام فلان- رحمکم الله من أهل بیت- فقالت أمی ادع لنا الله- یا رسول الله أن نرافقک فی الجنه- فقال اللهم اجعلهم رفقائی فی الجنه-

قالت فما أبالی ما أصابنی من الدنیا قال الواقدی- و کان حنظله بن أبی عامر- تزوج جمیله بنت عبد الله بن أبی بن سلول- فأدخلت علیه فی اللیله التی فی صبیحتها قتال أحد- و کان قد استأذن رسول الله ص أن یبیت عندها- فأذن له- فلما صلى الصبح غدا یرید النبی ص- فلزمته جمیله فعاد فکان معها- فأجنب منها ثم أراد الخروج- و قد أرسلت قبل ذلک إلى أربعه من قومها- فأشهدتهم أنه قد دخل بها- فقیل لها بعد لم أشهدت علیه- قالت رأیت کأن السماء فرجت- فدخل فیها ثم أطبقت- فقلت هذه الشهاده- فأشهدت علیه أنه قد دخل بی- فعلقت منه بعبد الله بن حنظله- ثم تزوجها ثابت بن قیس بعد- فولدت له محمد بن ثابت بن قیس- و أخذ حنظله بن أبی عامر سلاحه- فلحق برسول الله ص بأحد- و هو یسوی الصفوف فلما انکشف المشرکون- اعترض حنظله لأبی سفیان بن حرب- فضرب عرقوب فرسه فاکتسعت الفرس- و یقع أبو سفیان إلى الأرض- فجعل یصیح یا معشر قریش- أنا أبو سفیان بن حرب- و حنظله یرید ذبحه بالسیف- فأسمع الصوت رجالا لا یلتفتون إلیه من الهزیمه- حتى عاینه الأسود بن شعوب- فحمل على حنظله بالرمح‏ فأنفذه- و مشى حنظله إلیه فی الرمح فضربه ثانیه فقتله- و هرب أبو سفیان یعدو على قدمیه- فلحق ببعض قریش فنزل عن صدر فرسه- و ردف وراءه أبا سفیان- فذلک قول أبی سفیان- یذکر صبره و وقوفه و أنه لم یفر- و ذکره محمد بن إسحاق-

و لو شئت نجتنی کمیت طمره
و لم أحمل النعماء لابن شعوب‏

و ما زال مهری مزجر الکلب فیهم‏
لدن غدوه حتى دنت لغروب‏

أقاتلهم و أدعی یال غالب
و أدفعهم عنی برکن صلیب‏

فبکی و لا ترعى مقاله عاذل‏
و لا تسأمی من عبره و نحیب‏

أیاک و إخوانا لنا قد تتابعوا
و حق لهم من حسره بنصیب‏

و سلی الذی قد کان فی النفس إننی‏
قتلت من النجار کل نجیب‏

و من هاشم قرما کریما و مصعبا
و کان لدى الهیجاء غیر هیوب‏

و لو أننی لم أشف نفسی منهم‏
لکانت شجا فی الصدر ذات ندوب‏

فآبوا و قد أودى الجلابیب
منهم بهم کمد من واجم و کئیب‏

أصابهم من لم یکن لدمائهم‏
کفاء و لا فی سنخهم بضریب‏‏

قال الواقدی- مر أبو عامر الراهب على حنظله ابنه- و هو مقتول إلى جنب‏ حمزه بن عبد المطلب- و عبد الله بن جحش- فقال إن کنت لأحدرک هذا الرجل- یعنی رسول الله ص- من قبل هذا المصرع- و الله إن کنت لبرا بالوالد- شریف الخلق فی حیاتک- و إن مماتک لمع سراه أصحابک و أشرافهم- إن جزى الله هذا القتیل یعنی حمزه خیرا- أو جزى أحدا من أصحاب محمد خیرا فلیجزک- ثم نادى یا معشر قریش حنظله لا یمثل به- و إن کان خالفنی و خالفکم- فلم یأل لنفسه فیما یرى خیرا- فمثل بالناس و ترک حنظله فلم یمثل به- . و کانت هند بنت عتبه- أول من مثل بأصحاب النبی ص- و أمرت النساء بالمثل و بجدع الأنوف و الآذان- فلم تبق امرأه إلا علیها معضدان و مسکتان و خدمتان- إلا حنظله لم یمثل به- وقال رسول الله ص إنی رأیت الملائکه تغسل حنظله بن أبی عامر- بین السماء و الأرض بماء المزن فی صحاف الفضه- قال أبو أسید الساعدی- فذهبنا فنظرنا إلیه فإذا رأسه یقطر ماء- فرجعت إلى رسول الله ص فأخبرته- فأرسل إلى امرأته فسألها- فأخبرته أنه خرج و هو جنب- .

قال الواقدی- و أقبل وهب بن قابوس المزنی- و معه ابن أخیه الحارث بن عقبه بن قابوس- بغنم لهما من جبل مزینه- فوجد المدینه خلوا فسألا أین الناس- قالوا بأحد- خرج رسول الله ص یقاتل المشرکین من قریش- فقال لا نبتغی أثرا بعد عین- فخرجا حتى أتیا النبی ص بأحد- فیجدان القوم یقتتلون- و الدوله لرسول الله ص و أصحابه- فأغارا مع المسلمین فی النهب- و جاءت الخیل من ورائهم- خالد بن الولید و عکرمه بن أبی جهل- فاختلط الناس فقاتلا أشد القتال- فانفرقت فرقه من المشرکین- فقال رسول الله ص من لهذه الفرقه- فقال وهب بن قابوس أنا یا رسول الله- فقام فرماهم بالنبل حتى انصرفوا- ثم رجع فانفرقت فرقهأخرى- فقال رسول الله ص من لهذه الکتیبه- فقال المزنی أنا یا رسول الله- فقام فذبها بالسیف حتى ولت- ثم رجع فطلعت کتیبه أخرى- فقال النبی ص من یقوم لهؤلاء- فقال المزنی أنا یا رسول الله- فقال قم و أبشر بالجنه- .

فقال المزنی مسرورا یقول- و الله لا أقیل و لا أستقیل- فجعل یدخل فیهم فیضرب بالسیف- و رسول الله ص ینظر إلیه و المسلمون- حتى خرج من أقصى الکتیبه- و رسول الله ص یقول اللهم ارحمه- ثم یرجع فیهم فما زال کذلک و هم محدقون به- حتى اشتملت علیه أسیافهم و رماحهم- فقتلوه فوجد به یومئذ عشرون طعنه بالرماح- کلها قد خلصت إلى مقتلی- و مثل به أقبح المثل یومئذ- ثم قام ابن أخیه- فقاتل کنحو قتاله حتى قتل- فکان عمر بن الخطاب یقول- إن أحب میته أموت علیها لما مات علیها المزنی- .

قال الواقدی- و کان بلال بن الحارث المزنی یحدث یقول- شهدنا القادسیه مع سعد بن أبی وقاص- فلما فتح الله علینا و قسمت بیننا غنائمنا- أسقط فتى من آل قابوس من مزینه- فجئت سعدا حین فزع من نومه- فقال بلال قلت بلال- قال مرحبا بک من هذا معک- قلت رجل من قومی- قال ما أنت یا فتى من المزنی الذی قتل یوم أحد- قال ابن أخیه قال سعد مرحبا و أهلا- أنعم الله بک عینا- لقد شهدت من ذلک الرجل یوم أحد مشهدا- ما شهدت من أحد قط- لقد رأیتنا و قد أحدق المشرکون بنا من کل ناحیه- و رسول الله ص وسطنا- و الکتائب تطلع من کل ناحیه- و إن رسول الله ص یرمی ببصره فی الناس یتوسمهم- و یقول من لهذه الکتیبه- کل ذلک یقول المزنی أنا یا رسول الله- کل ذلک یرد الکتیبه فما أنسى آخر مره قالها- فقال له رسول الله ص- قم‏و أبشر بالجنه- فقام و قمت على أثره- یعلم الله أنی أطلب مثل ما یطلب یومئذ من الشهاده- فخضنا حومتهم حتى رجعنا فیهم الثانیه- فأصابوه رحمه الله- و وددت و الله أنی کنت أصبت یومئذ معه- و لکن أجل استأخر- ثم دعا من ساعته بسهمه فأعطاه و فضله- و قال اختر فی المقام عندنا أو الرجوع إلى أهلک- فقال بلال إنه یستحب الرجوع فرجع- .

فقال الواقدی- و قال سعد بن أبی وقاص- أشهد لرأیت رسول الله ص واقفا على المزنی و هو مقتول- و هو یقول رضی الله عنک فإنی عنک راض- ثم رأیت رسول الله ص قام على قدمیه- و قد ناله ع من ألم الجراح ما ناله- و إنی لأعلم أن القیام یشق علیه على قبره- حتى وضع فی لحده و علیه برده- لها أعلام حمر- فمد رسول الله ص البرده على رأسه- فخمره و أدرجه فیها طولا- فبلغت نصف ساقیه فأمرنا فجمعنا الحرمل- فجعلناه على رجلیه و هو فی لحده ثم انصرف- فما حال أحب إلی من أن أموت علیها- و ألقى الله علیها من حال المزنی قال الواقدی- و کان رسول الله ص یوم أحد- قد خاصم إلیه یتیم من الأنصار- أبا لبابه بن عبد المنذر فطلب بینهما- فقضى رسول الله ص لأبی لبابه- فجزع الیتیم على العذق- فطلب رسول الله ص العذق إلى أبی لبابه للیتیم- فأبى أن یدفعه إلیه- فجعل رسول الله ص یقول لأبی لبابه- ادفعه إلیه و لک عذق فی الجنه- فأبى أبو لبابه- و قال ثابت بن أبی الدحداحه- یا رسول الله أ رأیت إن أعطیت الیتیم عذقه من مالی- قال لک به عذق فی الجنه- فذهب ثابت بن الدحداحه- فاشترى من أبی لبابه ذلک العذق بحدیقه نخل- ثم رد العذق إلى الغلام-فقال رسول الله ص- رب عذق مذلل لابن الدحداحه فی الجنه- فکانت ترجى له الشهاده بذلک القول- فقتل یوم أحد- .

قال الواقدی- و یقبل ضرار بن الخطاب فارسا یجر قناه له طویله- فیطعن عمرو بن معاذ فأنفذه- و یمشی عمرو إلیه حتى غلب فوقع لوجهه- قال یقول ضرار- لا تعدمن رجلا زوجک من الحور العین- و کان یقول زوجت یوم أحد- عشره من أصحاب محمد الحور العین- .

قال الواقدی فسألت شیوخ الحدیث- هل قتل عشره- قالوا ما بلغنا أنه قتل إلا ثلاثه- و لقد ضرب یومئذ عمر بن الخطاب- حین جال المسلمون تلک الجوله بالقناه- و قال یا ابن الخطاب- إنها نعمه مشکوره ما کنت لأقتلک- . قال الواقدی- و کان ضرار یحدث بعد- و یذکر وقعه أحد- و یذکر الأنصار فیترحم علیهم- و یذکر غناءهم فی الإسلام- و شجاعتهم و إقدامهم على الموت- ثم یقول لقد قتل أشراف قومی ببدر- فأقول من قتل أبا الحکم- فیقال ابن عفراء- من قتل أمیه بن خلف- فیقال خبیب بن یساف- من قتل عقبه بن أبی معیط- فیقال عاصم بن ثابت- من قتل فلان بن فلان فیسمی لی من الأنصار- من أسر سهیل بن عمرو- فیقال مالک بن الدخشم- فلما خرجنا إلى أحد و أنا أقول- إن قاموا فی صیاصیهم فهی منیعه- لا سبیل لنا إلیهم نقیم أیاما ثم ننصرف- و إن خرجوا إلینا من صیاصیهم أصبنا منهم- فإن معنا عددا أکثر من عددهم- و نحن قوم موتورون- خرجنا بالظعن یذکرننا قتلى بدر- و معنا کراع و لا کراع معهم- و سلاحنا أکثر من سلاحهم- فقضی لهم أن خرجوا فالتقینا- فو الله ما قمنا لهم حتى هزمنا و انکشفنا مولین- فقلت‏ فی نفسی هذه أشد من وقعه بدر- و جعلت أقول لخالد بن الولید- کر على القوم- فیقول و ترى وجها نکر فیه- حتى نظرت إلى الجبل الذی کان علیه الرماه خالیا- فقلت یا أبا سلیمان انظر وراءک- فعطف عنان فرسه و کررنا معه- فانتهینا إلى الجبل فلم نجد علیه أحدا له بال- وجدنا نفیرا فأصبناهم- ثم دخلنا العسکر- و القوم غارون ینتبهون عسکرنا- فأقحمنا الخیل علیهم- فتطایروا فی کل وجه- و وضعنا السیوف فیهم حیث شئنا- و جعلت أطلب الأکابر من الأوس و الخزرج- قتله الأحبه- فلا أرى أحدا هربوا- فما کان حلب ناقه حتى تداعت الأنصار بینها- فأقبلت فخالطونا و نحن فرسان- فصبرنا لهم و صبروا لنا- و بذلوا أنفسهم حتى عقروا فرسی- و ترجلت فقتلت منهم عشره- و لقیت من رجل منهم الموت الناقع- حتى وجدت ریح الدم- و هو معانقی ما یفارقنی- حتى أخذته الرماح من کل ناحیه فوقع- فالحمد لله الذی أکرمهم بیدی- و لم یهنی بأیدیهم- .

قال الواقدی- و قال رسول الله ص یوم أحد- من له علم بذکوان بن عبد قیس- فقال علی ع- أنا رأیت یا رسول الله فارسا یرکض فی أثره حتى لحقه- و هو یقول لا نجوت إن نجوت- فحمل علیه فرسه و ذکوان راجل- فضربه و هو یقول- خذها و أنا ابن علاج فقتله- فأهویت إلى الفارس فضربت رجله بالسیف- حتى قطعتها من نصف الفخذ- ثم طرحته عن فرسه فذففت علیه- و إذا هو أبو الحکم بن أخنس بن شریق- بن علاج بن عمرو بن وهب الثقفی- .

قال الواقدی و قال علی ع- لما کان یوم أحد و جال الناس تلک الجوله- أقبل أمیه بن أبی حذیفه بن المغیره- و هو دارع مقنع فی الحدید ما یرى منه إلا عیناه- و هو یقول یوم بیوم بدر- فیعرض له رجل من المسلمین- فقتله أمیه قال علی ع- و أصمد له فأضربه بالسیف على هامته- و علیه بیضه و تحت البیضه مغفر- فنبا سیفی‏ و کنت رجلا قصیرا- و یضربنی بسیفه فأتقی بالدرقه- فلحج سیفه فأضربه- و کانت درعه مشمره فأقطع رجلیه- فوقع و جعل یعالج سیفه- حتى خلصه من الدرقه- و جعل یناوشنی و هو بارک- حتى نظرت إلى فتق تحت إبطه- فأحش فیه بالسیف- فمال فمات و انصرفت- . قال الواقدی- و فی یوم أحد انتمى رسول الله ص فقال- أنا ابن العواتک و قال أیضا-
أنا النبی لا کذب أنا ابن عبد المطلب‏-.

قال الواقدی- بینا عمر بن الخطاب یومئذ فی رهط من المسلمین قعود- مر بهم أنس بن النضر بن ضمضم- عم أنس بن مالک- فقال ما یقعدکم- قالوا قتل رسول الله ص- قال فما تصنعون بالحیاه بعده- قوموا فموتوا على ما مات علیه- ثم قام فجالد بسیفه حتى قتل- فقال عمر بن الخطاب- إنی لأرجو أن یبعثه الله أمه وحده یوم القیامه- وجد به سبعون ضربه فی وجهه- ما عرف حتى عرفته أخته- . قال الواقدی- و قالوا إن مالک بن الدخشم- مر على خارجه بن زید بن زهیر یومئذ و هو قاعد- و فی حشوته ثلاثه عشر جرحا- کلها قد خلصت إلى مقتل- فقال له مالک- أ ما علمت أن محمدا قد قتل- قال خارجه فإن کان محمد قد قتل- فإن الله حی لا یقتل و لا یموت- و إن محمدا قد بلغ رساله ربه- فاذهب أنت فقاتل عن دینک- . قال- و مر مالک بن الدخشم أیضا على سعد بن الربیع- و به اثنا عشر جرحا کلها قد خلصت إلى مقتل- فقال أ علمت أن محمدا قد قتل- فقال سعد أشهد أن محمدا قد بلغ رساله ربه- فقاتل أنت عن دینک- فإن الله حی لا یموت- .
قال محمد بن إسحاق- و حدثنی محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن- بن أبی صعصعه المازنی أخو بنی النجار- قال قال رسول الله ص یومئذ- من رجل ینظر ما فعل سعد بن الربیع- أ فی الأحیاء هو أم فی الأموات- فقال رجل من الأنصار- أنا أنظر یا رسول الله ما فعل- فنظر فوجده جریحا فی القتلى و به رمق- فقال له إن رسول الله ص- أمرنی أن أنظر فی الأحیاء أنت أم فی الأموات- قال أنا فی الأموات- فأبلغ رسول الله منی السلام- و قل له إن سعد بن الربیع یقول- جزاک الله خیرا عنا ما جزى نبیا عن أمته- و أبلغ قومک السلام عنی- و قل لهم إن سعد بن الربیع یقول لکم- لا عذر لکم عند الله أن یخلص إلى نبیکم- و منکم عین تطرف- قال فلم أبرح عنده حتى مات- ثم جئت إلى رسول الله ص فأخبرته- فقال اللهم ارض عن سعد بن الربیع قال الواقدی- و حدثنی عبد الله بن عمار- عن الحارث بن الفضیل الخطمی قال- أقبل ثابت بن الدحداحه یومئذ و المسلمون أوزاع- قد سقط فی أیدیهم- فجعل یصیح یا معشر الأنصار- إلی إلی أنا ثابت بن الدحداحه- إن کان محمد قد قتل- فإن الله حی لا یموت قاتلوا عن دینکم- فإن الله مظهرکم و ناصرکم- فنهض إلیه نفر من الأنصار- فجعل یحمل بمن معه من المسلمین- و قد وقفت لهم کتیبه خشناء فیها رؤساؤهم- خالد بن الولید و عمرو بن العاص- و عکرمه بن أبی جهل و ضرار بن الخطاب- و جعلوا یناوشونهم- ثم حمل علیه خالد بن الولید بالرمح فطعنه- فأنفذه فوقع میتا- و قتل من کان معه من الأنصار- فیقال إن هؤلاء آخر من قتل من المسلمین- فی ذلک الیوم- و قال عبد الله بن الزبعرى یذکر یوم أحد-

ألا ذرفت من مقلتیک دموع
و قد بان فی حبل الشباب قطوع‏

و شط بمن تهوى المزار و فرقت
نوى الحی دار بالحبیب فجوع‏

و لیس لما ولى على ذی صبابه
و إن طال تذراف الدموع رجوع‏

فدع ذا و لکن هل أتى أم مالک
أحادیث قومی و الحدیث یشیع‏

و مجنبنا جردا إلى أهل یثرب‏
عناجیج فیها ضامر و بدیع‏

عشیه سرنا من کداء یقودها
ضرور الأعادی للصدیق نفوع‏

یشد علینا کل زحف کأنها
غدیر نضوح الجانبین نقیع‏

فلما رأونا خالطتهم مهابه
و خامرهم رعب هناک فظیع‏

فودوا لو أن الأرض ینشق ظهرها
بهم و صبور القوم ثم جزوع‏

و قد عریت بیض کأن ومیضها
حریق وشیک فی الآباء سریع‏

بأیماننا نعلو بها کل هامه
و فیها سمام للعدو ذریع‏

فغادرن قتلى الأوس عاصبه
بهم ضباع و طیر فوقهن وقوع‏

و مر بنو النجار فی کل تلعه
بأثوابهم من وقعهن نجیع‏

و لو لا علو الشعب غادرن أحمدا
و لکن علا و السمهری شروع‏

کما غادرت فی الکر حمزه ثاویا
و فی صدره ماضی الشباه وقیع‏

و قال ابن الزبعرى أیضا من قصیده مشهوره و هی-

یا غراب البین أ سمعت
فقل إنما تندب أمرا قد فعل‏

إن للخیر و للشر مدى‏
و سواء قبر مثر و مقل‏

کل خیر و نعیم زائل و بنات
الدهر یلعبن بکل‏

أبلغا حسان عنی آیه
فقریض الشعر یشفی ذا الغلل‏

کم ترى بالجسر من جمجمه
و أکفا قد أترت و رجل‏

و سرابیل حسان شققت‏
عن کماه غودروا فی المنتزل‏

کم قتلنا من کریم سید
ماجد الجدین مقدام بطل‏

صادق النجده قرم بارع‏
غیر ملطاط لدى وقع الأسل‏

فسل المهراس من ساکنه
من کرادیس و هام کالحجل‏

لیت أشیاخی ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل‏

حین حطت بقباء برکها
و استحر القتل فی عبد الأشل‏

ثم خفوا عند ذاکم رقصا
رقص الحفان تعدو فی الجبل‏

فقتلنا النصف من ساداتهم
و عدلنا میل بدر فاعتدل‏

لا ألوم النفس إلا أننا
لو کررنا لفعلنا المفتعل‏

بسیوف الهند تعلو هامهم
تبرد الغیظ و یشفین الغلل‏

قلت کثیر من الناس یعتقدون- أن هذا البیت لیزید بن معاویه- و هو قوله لیت أشیاخی- و قال من أکره التصریح باسمه- هذا البیت لیزید- فقلت له إنما قاله یزید متمثلا- لما حمل إلیه رأس الحسین ع- و هو لابن الزبعرى فلم تسکن نفسه إلى ذلک- حتى أوضحته له فقلت أ لا تراه یقول- جزع الخزرج من وقع الأسل- و الحسین ع لم تحارب عنه الخزرج- و کان یلیق أن یقول- جزع بنی هاشم من وقع الأسل- فقال بعض من کان حاضرا- لعله قاله فی یوم الحره- فقلت المنقول أنه أنشده لما حمل إلیه رأس الحسین ع- و المنقول أنه شعر ابن الزبعرى- و لا یجوز أن یترک المنقول إلى ما لیس بمنقول- . و على ذکر هذا الشعر- فإنی حضرت و أنا غلام بالنظامیه ببغداد- فی بیت عبد القادر بن داود الواسطی المعروف بالمحب- خازن دار الکتب بها- و عنده فی البیت باتکین الرومی- الذی ولی إربل أخیرا- و عنده أیضا جعفر بن مکی الحاجب- فجرى ذکر یوم أحد و شعر ابن الزبعرى هذا و غیره- و أن المسلمین اعتصموا بالجبل فأصعدوا فیه- و أن اللیل حال أیضا بین المشرکین و بینهم- فأنشد ابن مکی بیتین لأبی تمام متمثلا-

لو لا الظلام و قله علقوا
بها باتت رقابهم بغیر قلال‏

فلیشکروا جنح الظلام و دروذا
فهم لدروذ و الظلام موالی‏

 فقال باتکین- لا تقل هذا و لکن قل- وَ لَقَدْ صَدَقَکُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ- حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِی الْأَمْرِ وَ عَصَیْتُمْ- مِنْ بَعْدِ ما أَراکُمْ ما تُحِبُّونَ- مِنْکُمْ مَنْ یُرِیدُ الدُّنْیا وَ مِنْکُمْ مَنْ یُرِیدُ الْآخِرَهَ- ثُمَّ صَرَفَکُمْ عَنْهُمْ لِیَبْتَلِیَکُمْ- وَ لَقَدْ عَفا عَنْکُمْ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ- و کان باتکین مسلما- و کان جعفر سامحه الله مغموصا علیه فی دینه
الجزء الخامس عشر

تتمه باب الکتب و الرسائل

تتمه ۹ و من کتاب له ع إلى معاویه

تتمه الفصل الرابع فی قصه غزوه أحد

بسم الله الرحمن الرحیم- و به ثقتی الحمد لله الواحد العدل
القول فی أسماء الذین تعاقدوا من قریش على قتل رسول الله ص و ما أصابوه به فی المعرکه یوم الحرب
قال الواقدی تعاقد من قریش على قتل رسول الله ص- عبد الله بن شهاب الزهری و ابن قمیئه- أحد بنی الحارث بن فهر- و عتبه بن أبی وقاص الزهری- و أبی بن خلف الجمحی- فلما أتى خالد بن الولید من وراء المسلمین- و اختلطت الصفوف- و وضع المشرکون السیف فی المسلمین- رمى عتبه بن أبی وقاص رسول الله ص بأربعه أحجار- فکسر رباعیته و شجه فی وجهه- حتى غاب حلق المغفر فی وجنتیه و أدمى شفتیه- . قال الواقدی- و قد روی أن عتبه أشظى باطن رباعیته السفلى- قال و الثبت عندنا- أن الذی رمى وجنتی رسول الله ص ابن قمیئه- و الذی رمى شفته و أصاب رباعیته عتبه بن أبی وقاص- .

قال الواقدی أقبل ابن قمیئه یومئذ و هو یقول- دلونی على محمد- فو الذی یحلف به لئن رأیته لأقتلنه- فوصل إلى رسول الله ص فعلاه بالسیف- و رماه عتبه بن أبی وقاص- فی الحال التی جلله ابن قمیئه فیها السیف- و کان ع فارسا و هو لابس درعین مثقل بهما- فوقع رسول الله ص عن الفرس فی حفره کانت أمامه- . قال الواقدی- أصیب رکبتاه جحشتا لما وقع فی تلک الحفره- و کانت هناک حفر حفرها أبو عامر الفاسق کالخنادق للمسلمین- و کان رسول الله ص واقفا على بعضها و هو لا یشعر- فجحشت رکبتاه- و لم یصنع سیف ابن قمیئه شیئا إلا وهز الضربه بثقل السیف- فقد وقع رسول الله ص- ثم انتهض و طلحه یحمله من ورائه- و علی ع آخذ بیدیه حتى استوى قائما- . قال الواقدی فحدثنی الضحاک بن عثمان عن حمزه بن سعید- عن أبی بشر المازنی قال- حضرت یوم أحد و أنا غلام- فرأیت ابن قمیئه علا رسول الله ص بالسیف- و رأیت رسول الله ص وقع على رکبتیه فی حفره أمامه- حتى توارى فی الحفره- فجعلت أصیح و أنا غلام حتى رأیت الناس ثابوا إلیه- .

قال فأنظر إلى طلحه بن عبید الله آخذا بحضنه حتى قام- . قال الواقدی و یقال- إن الذی شج رسول الله ص فی جبهته ابن شهاب- و الذی أشظى رباعیته و أدمى شفتیه عتبه بن أبی وقاص- و الذی أدمى وجنتیه حتى غاب الحلق فیهما ابن قمیئه- و إنه سال الدم من الشجه التی فی جبهته- حتى أخضل لحیته-و کان سالم مولى أبی حذیفه یغسل الدم عن وجهه- و رسول الله ص یقول کیف یفلح قوم فعلوا هذا بنبیهم- و هو یدعوهم إلى الله تعالى- فأنزل الله تعالى قوله لَیْسَ لَکَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ‏ءٌ- أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ أَوْ یُعَذِّبَهُمْ الآیه-.

قال الواقدی و روى سعد بن أبی وقاص قال قال رسول الله ص یومئذ اشتد غضب الله على قوم دموا فا رسول الله ص- اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله- اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله ص – قال سعد فلقد شفانی من عتبه أخی دعاء رسول الله ص- و لقد حرصت على قتله حرصا ما حرصت على شی‏ء قط- و إن کان ما علمت لعاقا بالوالد سیئ الخلق- و لقد تخرقت صفوف المشرکین مرتین أطلب أخی لأقتله- و لکنه راغ منی روغان الثعلب- فلما کان الثالثه قال رسول الله ص یا عبد الله ما ترید- أ ترید أن تقتل نفسک فکففت- فقال رسول الله ص اللهم لا تحولن الحول على أحد منهم- قال سعد- فو الله ما حال الحول على أحد ممن رماه أو جرحه- مات عتبه- و أما ابن قمیئه فاختلف فیه- فقائل یقول قتل فی المعرک- و قائل یقول إنه رمی بسهم فی ذلک الیوم- فأصاب مصعب بن عمیر فقتله- فقال خذها و أنا ابن قمیئه- فقال رسول الله ص أقمأه الله- فعمد إلى شاه یحتلبها- فتنطحه بقرنها و هو معتلقها فقتلته- فوجد میتا بین الجبال لدعوه رسول الله ص- و کان عدو الله رجع إلى أصحابه فأخبرهم أنه قتل محمدا- . قال و ابن قمیئه رجل من بنی الأدرم من بنی فهر- .

و زاد البلاذری فی الجماعه التی تعاهدت و تعاقدت- على قتل رسول الله ص یوم أحد عبد الله بن حمید بن زهیر- بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصی- . قال و ابن شهاب الذی شج رسول الله ص فی جبهته- هو عبد الله‏بن شهاب الزهری- جد الفقیه المحدث محمد بن مسلم- بن عبید الله بن عبد الله بن شهاب- و کان ابن قمیئه أدرم ناقص الذقن- و لم یذکر اسمه و لا ذکره الواقدی أیضا- . قلت سألت النقیب أبا جعفر عن اسمه فقال عمرو- فقلت له أ هو عمرو بن قمیئه الشاعر قال لا هو غیره- فقلت له ما بال بنی زهره فی هذا الیوم- فعلوا الأفاعیل برسول الله ص- و هم أخواله ابن شهاب و عتبه بن أبی وقاص- فقال یا ابن أخی حرکهم أبو سفیان و هاجهم على الشر- لأنهم رجعوا یوم بدر من الطریق إلى مکه فلم یشهدوها- فاعترض عیرهم و منعهم عنها- و أغرى بها سفهاء أهل مکه فعیروهم برجوعهم- و نسبوهم إلى الجبن و إلى الإدهان فی أمر محمد ص- و اتفق أنه کان فیهم مثل هذین الرجلین- فوقع منهما یوم أحد ما وقع- .

قال البلاذری مات عتبه یوم أحد من وجع ألیم أصابه- فتعذب به و أصیب ابن قمیئه فی المعرکه- و قیل نطحته عنز فمات- . قال و لم یذکر الواقدی ابن شهاب کیف مات- و أحسب ذلک بالوهم منه- . قال و حدثنی بعض قریش- أن أفعى نهشت عبد الله بن شهاب فی طریقه إلى مکه فمات- قال و سألت بعض بنی زهره عن خبره- فأنکروا أن یکون رسول الله ص دعا علیه- أو یکون شج رسول الله ص- و قالوا إن الذی شجه فی وجهه عبد الله بن حمید الأسدی- . فأما عبد الله بن حمید الفهری- فإن الواقدی و إن لم یذکره- فی الجماعه الذین‏تعاقدوا على قتل رسول الله ص- إلا أنه قد ذکر کیفیه قتله- .

قال الواقدی و یقبل عبد الله بن حمید بن زهیر- حین رأى رسول الله ص على تلک الحال- یعنی سقوطه من ضربه ابن قمیئه- یرکض فرسه مقنعا فی الحدید- یقول أنا ابن زهیر دلونی على محمد- فو الله لأقتلنه أو لأموتن دونه- فتعرض له أبو دجانه- فقال هلم إلى من یقی نفس محمد ص بنفسه- فضرب فرسه فعرقبها فاکتسعت- ثم علاه بالسیف و هو یقول خذها و أنا ابن خرشه حتى قتله-و رسول الله ص ینظر إلیه و یقول- اللهم ارض عن ابن خرشه کما أنا عنه راض- هذه روایه الواقدی و بها قال البلاذری- إن عبد الله بن حمید قتله أبو دجانه- . فأما محمد بن إسحاق فقال- إن الذی قتل عبد الله بن حمید علی بن أبی طالب ع- و به قالت الشیعه- .

و روى الواقدی و البلاذری- أن قوما قالوا إن عبد الله بن حمید هذا قتل یوم بدر- . فالأول الصحیح أنه قتل یوم أحد- و قد روى کثیر من المحدثین- أن رسول الله ص قال لعلی ع حین سقط ثم أقیم- اکفنی هؤلاء لجماعه قصدت نحوه- فحمل علیهم فهزمهم- و قتل منهم عبد الله بن حمید من بنی أسد بن عبد العزى- ثم حملت علیه طائفه أخرى- فقال له اکفنی هؤلاء- فحمل علیهم فانهزموا من بین یدیه- و قتل منهم أمیه بن أبی حذیفه بن المغیره المخزومی- . قال فأما أبی بن خلف- فروى الواقدی أنه أقبل یرکض فرسه- حتى إذا دنا من رسول الله ص- اعترض له ناس من أصحابه لیقتلوه- فقال لهم استأخرواعنه ثم قام إلیه و حربته فی یده- فرماه بها بین سابغه البیضه و الدرع فطعنه هناک- فوقع عن فرسه فانکسر ضلع من أضلاعه- و احتمله قوم من المشرکین ثقیلا- حتى ولوا قافلین فمات فی الطریق- و قال و فیه أنزلت وَ ما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَ لکِنَّ اللَّهَ رَمى‏- قال یعنی قذفه إیاه بالحربه-.

قال الواقدی و حدثنی یونس بن محمد الظفری- عن عاصم بن عمر عن عبد الله بن کعب بن مالک عن أبیه- قال کان أبی بن خلف قدم فی فداء ابنه- و کان أسر یوم بدر- فقال یا محمد إن عندی فرسا لی أعلفها- فرقا من ذره کل یوم لأقتلک علیها- فقال رسول الله ص بل أنا أقتلک علیها إن شاء الله تعالى- . و یقال إن أبیا إنما قال ذلک بمکه- فبلغ رسول الله ص بالمدینه کلمته- فقال بل أنا أقتله علیها إن شاء الله- قال و کان رسول الله ص فی القتال لا یلتفت وراءه- فکان یوم أحد یقول لأصحابه- إنی أخشى أن یأتی أبی بن خلف من خلفی- فإذا رأیتموه فآذنونی- و إذا بأبی یرکض على فرسه- و قد رأى رسول الله ص فعرفه- فجعل یصیح بأعلى صوته یا محمد لا نجوت إن نجوت- فقال القوم یا رسول الله- ما کنت صانعا حین یغشاک أبی فاصنع فقد جاءک- و إن شئت عطف علیه بعضنا- فأبى رسول الله ص و دنا أبی- فتناول رسول الله ص الحربه من الحارث بن الصمه- ثم انتفض کما ینتفض البعیر- قال فتطایرناعنه تطایر الشعاریر- و لم یکن أحد یشبه رسول الله ص إذا جد الجد- ثم طعنه بالحربه فی عنقه و هو على فرسه لم یسقط- إلا أنه خار کما یخور الثور- فقال له أصحابه أبا عامر و الله ما بک بأس- و لو کان هذا الذی بک بعین أحدنا ما ضره- قال و اللات و العزى- لو کان الذی بی بأهل ذی المجاز لماتوا کلهم أجمعون- أ لیس قال لأقتلنه فاحتملوه- و شغلهم ذلک عن طلب رسول الله ص- حتى التحق بعظم أصحابه فی الشعب- .

قال الواقدی- و یقال إنه تناول الحربه من الزبیر بن العوام- قال و یقال إنه لما تناول الحربه من الزبیر- حمل أبی على رسول الله ص لیضربه بالسیف- فاستقبله مصعب بن عمیر حائلا بنفسه بینهما- و إن مصعبا ضرب بالسیف أبیا فی وجهه- و أبصر رسول الله ص فرجه من بین سابغه البیضه و الدرع- فطعنه هناک فوقع و هو یخور- . قال الواقدی و کان عبد الله بن عمر یقول- مات أبی بن خلف ببطن رابغ منصرفهم إلى مکه- قال فإنی لأسیر ببطن رابغ بعد ذلک- و قد مضى هوی من اللیل إذا نار تأجج فهبتها- و إذا رجل یخرج منها فی سلسله یجتذبها یصیح العطش- و إذا رجل یقول لا تسقه- فإن هذا قتیل رسول الله ص هذا أبی بن خلف- فقلت ألا سحقا و یقال إنه مات بسرف

القول فی الملائکه نزلت بأحد و قاتلت أم لا

قال الواقدی حدثنی الزبیر بن سعید- عن عبد الله بن الفضل قال- أعطى رسول الله ص مصعب بن عمیر اللواء فقتل- فأخذه ملک فی صوره مصعب- فجعل رسول الله ص یقول له فی آخر النهار- تقدم یا مصعب فالتفت إلیه الملک- فقال لست بمصعب- فعرف رسول الله ص أنه ملک أید به- .

قال الواقدی سمعت أبا معشر یقول مثل ذلک- . قال و حدثتنی عبیده بنت نائل- عن عائشه بنت سعد بن أبی وقاص عنه- قال لقد رأیتنی أرمى بالسهم یومئذ- فیرده عنی رجل أبیض حسن الوجه لا أعرفه- حتى کان بعد فظننت أنه ملک- . قال الواقدی و حدثنی إبراهیم بن سعد عن أبیه- عن جده سعد بن أبی وقاص قال- رأیت ذلک الیوم رجلین علیهما ثیاب بیض- أحدهما عن یمین رسول الله ص- و الآخر عن شماله یقاتلان أشد القتال- ما رأیتهما قبل و لا بعد- قال و حدثنی عبد الملک بن سلیمان عن قطن بن وهب- عن عبید بن عمیر قال- لما رجعت قریش من أحد- جعلوا یتحدثون فی أندیتهم بما ظفروا- یقولون لم نر الخیل البلق- و لا الرجال البیض الذین کنا نراهم یوم بدر- .

قال و قال عبید بن عمیر لم تقاتل الملائکه یوم أحد- . قال الواقدی و حدثنی ابن أبی سبره- عن عبد المجید بن سهیل عن عمر بن الحکم قال- لم یمد رسول الله ص یوم أحد بملک واحد- و إنما کانوا یوم بدر- قال و مثله عن عکرمه- .

قال و قال مجاهد حضرت الملائکه یوم أحد و لم تقاتل- و إنما قاتلت یوم بدر- . قال و روی عن أبی هریره أنه قال- وعدهم الله أن یمدهم لو صبروا- فلما انکشفوا لم تقاتل الملائکه یومئذ

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۴-۱۵

بازدیدها: ۲۱۰

نامه ۹ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)(القول فی نزول الملائکه یوم بدر و محاربتها المشرکین) جز الثانی

القول فی نزول الملائکه یوم بدر و محاربتها المشرکین

اختلف المسلمون فی ذلک- فقال الجمهور منهم نزلت الملائکه حقیقه- کما ینزل الحیوان و الحجر- من الموضع العالی إلى الموضع السافل- . و قال قوم من أصحاب المعانی غیر ذلک- . و اختلف أرباب القول الأول- فقال الأکثرون نزلت و حاربت- و قال قوم منهم نزلت و لم تحارب- و روى کل قوم فی نصره قولهم روایات- . فقال الواقدی فی کتاب المغازی- حدثنی عمر بن عقبه عن شعبه مولى ابن عباس- قال سمعت ابن عباس یقول- لما تواقف الناس أغمی على رسول الله‏ ص ساعه- ثم کشف عنه فبشر المؤمنین بجبرائیل- فی جند من الملائکه فی میمنه الناس- و میکائیل فی جند آخر فی میسره الناس- و إسرافیل فی جند آخر فی ألف- و کان إبلیس قد تصور للمشرکین- فی صوره سراقه بن جعشم المدلجی یذمر المشرکین- و یخبرهم أنه لا غالب لهم من الناس- فلما أبصر عدو الله الملائکه نکص على عقبیه- و قال إِنِّی بَرِی‏ءٌ مِنْکُمْ إِنِّی أَرى‏ ما لا تَرَوْنَ- فتشبث به الحارث بن هشام- و هو یرى أنه سراقه لما سمع من کلامه- فضرب فی صدر الحارث فسقط الحارث- و انطلق إبلیس لا یرى حتى وقع فی البحر- و رفع یدیه قائلا- یا رب موعدک الذی وعدتنی- و أقبل أبو جهل على أصحابه یحضهم على القتال- و قال لا یغرنکم خذلان سراقه بن جعشم إیاکم- فإنما کان على میعاد من محمد و أصحابه- سیعلم إذا رجعنا إلى قدید ما نصنع بقومه- و لا یهولنکم مقتل عتبه و شیبه و الولید- فإنهم عجلوا و بطروا حین قاتلوا- و ایم الله لا نرجع الیوم- حتى نقرن محمدا و أصحابه فی الجبال- فلا ألفین أحدا منکم قتل منهم أحدا- و لکن خذوهم أخذا نعرفهم بالذی صنعوا- لمفارقتهم دینکم و رغبتهم عما کان یعبد آباؤهم- .

قال الواقدی و حدثنی عتبه بن یحیى- عن معاذ بن رفاعه بن رافع عن أبیه- قال إن کنا لنسمع لإبلیس یومئذ- خوارا و دعاء بالثبور و الویل- و تصور فی صوره سراقه بن جعشم حتى هرب- فاقتحم البحر و رفع یدیه مادا لهما- یقول یا رب ما وعدتنی- و لقد کانت قریش بعد ذلک تعیر سراقه بما صنع یومئذ- فیقول و الله ما صنعت شیئا- .

قال الواقدی فحدثنی أبو إسحاق الأسلمی- عن الحسن بن عبید الله مولى بنی العباس- عن عماره اللیثی قال حدثنی شیخ صیاد من الحی- و کان یومئذ على ساحل البحر- قال سمعت صیاحا یا ویلاه یا ویلاه- قد ملأ الوادی یا حرباه یا حرباه- فنظرت فإذا سراقه بن جعشم فدنوت منه- فقلت ما لک فداک أبی و أمی- فلم یرجع إلی شیئا- ثم أراه اقتحم البحر و رفع یدیه مادا- یقول یا رب ما وعدتنی- فقلت‏ فی نفسی جن و بیت الله سراقه- و ذلک حین زاغت الشمس- و ذلک عند انهزامهم یوم بدر- .

قال الواقدی- قالوا کانت سیماء الملائکه عمائم- قد أرخوها بین أکتافهم- خضراء و صفراء و حمراء من نور- و الصوف فی نواصی خیلهم- . قال الواقدی- حدثنی محمد بن صالح عن عاصم بن عمر- عن محمود بن لبید قال- قال رسول الله ص یوم بدر- إن الملائکه قد سومت فسوموا- فأعلم المسلمون بالصوف فی مغافرهم و قلانسهم قال الواقدی حدثنی محمد بن صالح- قال کان أربعه من أصحاب محمد ص- یعلمون فی الزحوف- حمزه بن عبد المطلب کان یوم بدر معلما بریشه نعامه- و کان علی ع معلما بصوفه بیضاء- و کان الزبیر معلما بعصابه صفراء- و کان أبو دجانه یعلم بعصابه حمراء- و کان الزبیر یحدث أن الملائکه نزلت یوم بدر- على خیل بلق علیها عمائم صفر- فکانت على صوره الزبیر- . قال الواقدی- فروی عن سهیل بن عمرو- قال لقد رأیت یوم بدر رجالا بیضا- على خیل بلق بین السماء و الأرض- معلمین یقبلون و یأسرون- .

قال الواقدی- و کان أبو أسد الساعدی- یحدث بعد أن ذهب بصره و یقول- لو کنت معکم الآن ببدر و معی بصری- لأریتکم الشعب الذی خرجت منه الملائکه- لا أشک فیه و لا أمتری- قال و کان أسید یحدث عن رجل من بنی غفار حدثه- قال أقبلت أنا و ابن عم لی یوم بدر- حتى صعدنا على جبل- و نحن یومئذ على الشرک ننظر الوقعه- و على من تکون الدبره- فننتهب مع من ینتهب- إذ رأیت سحابه دنت منا- فسمعت منها همهمه الخیل و قعقعه الحدید- و سمعت قائلا یقول أقدم حیزوم- فأما ابن عمی فانکشف قناع قلبه فمات- و أما أنا فکدت أهلک- فتماسکت و أتبعت بصری حیث تذهب السحابه- فجاءت إلى النبی ص و أصحابه- ثم رجعت و لیس فیها شی‏ء مما کنت أسمع- .

قال الواقدی و حدثنی خارجه بن إبراهیم بن محمد بن ثابت بن قیس بن شماس عن أبیه قال سأل رسول الله ص جبرائیل- من القائل یوم بدر أقبل حیزوم- فقال جبرائیل یا محمد- ما کل أهل السماء أعرف قال الواقدی- و حدثنی عبد الرحمن بن الحارث عن أبیه- عن جده عبیده بن أبی عبیده- عن أبی رهم الغفاری عن ابن عم له- قال بینا أنا و ابن عم لی على ماء بدر- فلما رأینا قله من مع محمد و کثره قریش- قلنا إذا التقت الفئتان- عمدنا إلى عسکر محمد و أصحابه فانتهبناه- فانطلقنا نحو المجنبه الیسرى من أصحاب محمد- و نحن نقول هؤلاء ربع قریش- فبینا نحن نمشی فی المیسره- إذ جاءت سحابه فغشیتنا- فرفعنا أبصارنا لها فسمعنا أصوات الرجال و السلاح- و سمعنا قائلا یقول لفرسه أقدم حیزوم- و سمعناهم یقولون رویدا تتاءم أخراکم- فنزلوا على میمنه رسول الله ص- ثم جاءت أخرى مثل تلک- فکانت مع النبی ص- فنظرنا إلى أصحاب محمد و إذا هم على الضعف من قریش- فمات ابن عمی و أما أنا فتماسکت- و أخبرت النبی ص بذلک و أسلمت- .

قال الواقدی و قد روی عن رسول الله ص أنه قال ما رئی الشیطان یوما هو فیه أصغر و لا أحقر- و لا أدحر و لا أغضب منه فی یوم عرفه- و ما ذاک إلا لما رأى من نزول الرحمه- و تجاوز الله تعالى عن الذنوب العظام- إلا ما رأى یوم بدر- قیل و ما رأى‏ یا رسول الله یوم بدر- قال أما إنه رأى جبریل یوزع الملائکه قال و قد روی عن رسول الله ص أنه قال یومئذ هذا جبرائیل یسوق بریح کأنه دحیه الکلبی- إنی نصرت بالصبا و أهلکت عاد بالدبور – .

قال الواقدی- و کان عبد الرحمن بن عوف یقول- رأیت یوم بدر رجلین- أحدهما عن یمین النبی ص- و الآخر عن یساره یقاتلان أشد القتال- ثم ثلثهما ثالث من خلفه- ثم ربعهما رابع أمامه- . قال و قد روى سعد بن أبی وقاص مثل ذلک- قال رأیت رجلین یوم بدر- یقاتلان عن النبی ص- أحدهما عن یمینه و الآخر عن یساره- و إنی لأراه ینظر إلى ذا مره- و إلى ذا مره سرورا بما فتحه الله تعالى- .

قال الواقدی- و حدثنی إسحاق بن یحیى- عن حمزه بن صهیب عن أبیه- قال ما أدری کم ید مقطوعه و ضربه جائفه- لم یدم کلمها یوم بدر قد رأیتها- . قال الواقدی و روى أبو برده بن نیار- قال جئت یوم بدر بثلاثه رءوس- فوضعتها بین یدی رسول الله ص- فقلت یا رسول الله أما اثنان فقتلتهما- و أما الثالث فإنی رأیت رجلا طویلا أبیض- ضربه فتدهده أمامه- فأخذت رأسه- فقال رسول الله ص- ذاک فلان من الملائکه- .

قال الواقدی و کان ابن عباس رحمه الله یقول لم تقاتل الملائکه إلا یوم بدر – .قال و حدثنی ابن أبی حبیبه عن داود بن الحصین عن عکرمه عن ابن عباس قال کان الملک یتصور فی صوره من یعرفه المسلمون- من الناس لیثبتهم فیقول- إنی قد دنوت من المشرکین فسمعتهم یقولون- لو حملوا علینا ما ثبتنا لهم و لیسوا بشی‏ء فاحملوا علیهم- و ذلک قول الله عز و جل- إِذْ یُوحِی رَبُّکَ إِلَى الْمَلائِکَهِ أَنِّی مَعَکُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِینَ آمَنُوا الآیه – .

قال الواقدی و حدثنی موسى بن محمد عن أبیه- قال کان السائب بن أبی حبیش الأسدی- یحدث فی زمن عمر بن الخطاب فیقول- و الله ما أسرنی یوم بدر أحد من الناس فیقال فمن- فیقول لما انهزمت قریش انهزمت معها- فیدرکنی رجل أبیض طویل- على فرس أبلق بین السماء و الأرض- فأوثقنی رباطا- و جاء عبد الرحمن بن عوف فوجدنی مربوطا- و کان عبد الرحمن ینادی فی العسکر- من أسر هذا فلیس أحد یزعم أنه أسرنی- حتى انتهى بی إلى رسول الله ص- فقال لی رسول الله یا ابن أبی حبیش من أسرک- قلت لا أعرفه- و کرهت أن أخبره بالذی رأیت- فقال رسول الله ص- أسره ملک من الملائکه کریم- اذهب یا ابن عوف بأسیرک- فذهب بی عبد الرحمن- قال السائب و ما زالت تلک الکلمه أحفظها- و تأخر إسلامی حتى کان من إسلامی ما کان- .

قال الواقدی و کان حکیم بن حزام یقول- لقد رأیتنا یوم بدر- و قد وقع بوادی خلص بجاد من السماء قد سد الأفق- قال و وادی خلص ناحیه الرویثه- قال فإذا الوادی یسیل نملا- فوقع فی نفسی أن هذا شی‏ء من السماء- أید به محمد- فما کانت إلا الهزیمه و هی الملائکه- .

قال الواقدی- و قد قالوا إنه لما التحم القتال- و رسول الله ص رافع یدیه- یسأل الله النصر و ما وعده- و یقول اللهم إن ظهرت علی هذه العصابه- ظهر الشرک و لا یقوم لک دین- و أبو بکر یقول- و الله لینصرنک الله و لیبیضن وجهک- فأنزل الله تعالى ألفا من الملائکه مردفین- عند أکتاف العدو- فقال رسول الله ص- یا أبا بکر أبشر هذا جبرائیل معتجر بعمامه صفراء- آخذ بعنان فرسه بین السماء و الأرض- ثم قال إنه لما نزل الأرض تغیب عنی ساعه- ثم طلع على ثنایاه النقع- یقول أتاک النصر من الله إذ دعوته- .

قال الواقدی- و حدثنی موسى بن یعقوب عن عمه- قال سمعت أبا بکر بن سلیمان بن أبی خیثمه یقول- سمعت مروان بن الحکم- یسأل حکیم بن حزام عن یوم بدر- فجعل الشیخ یکره ذلک حتى ألح علیه- فقال حکیم التقینا فاقتتلنا- فسمعت صوتا وقع من السماء إلى الأرض- مثل وقع الحصاه فی الطست- و قبض النبی ص القبضه فرمى بها فانهزمنا- .

قال الواقدی- و قد روى عبد الله بن ثعلبه بن صغیر- قال سمعت نوفل بن معاویه الدؤلی یقول- انهزمنا یوم بدر- و نحن نسمع کوقع الحصى فی الطساس- بین أیدینا و من خلفنا- فکان ذلک أشد الرعب علینا فأما الذین قالوا نزلت الملائکه و لم تقاتل- فذکر الزمخشری فی کتابه فی تفسیر القرآن- المعروف بالکشاف- أن قوما أنکروا قتال الملائکه یوم بدر- و قالوا لو قاتل واحد من الملائکه جمیع البشر- لم یثبتوا له و لاستأصلهم بأجمعهم ببعض قوته- فإن جبرائیل ع رفع مدائن قوم لوط- کما جاء فی الخبر- على خافقه من جناحه‏ حتى بلغ بها إلى السماء- ثم قلبها فجعل عالیها سافلها- فما عسى أن یبلغ قوه ألف رجل من قریش- لیحتاج فی مقاومتها و حربها- إلى ألف ملک من ملائکه السماء- مضافین إلى ثلاثمائه و ثلاثه عشر رجلا من بنی آدم- و جعل هؤلاء قوله تعالى- فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ- أمرا للمسلمین لا أمرا للملائکه- .

و رووا فی نصره قولهم روایات- قالوا و إنما کان نزول الملائکه- لیکثروا سواد المسلمین فی أعین المشرکین- فإنهم کانوا یرونهم فی مبدأ الحال- قلیلین فی أعینهم- کما قال تعالى وَ یُقَلِّلُکُمْ- لیطمع المشرکون فیهم و یجترءوا على حربهم- فلما نشبت الحرب کثرهم الله تعالى بالملائکه- فی أعین المشرکین لیفروا و لا یثبتوا- و أیضا فإن الملائکه نزلت- و تصورت بصور البشر الذین یعرفهم المسلمون- و قالوا لهم ما جرت العاده أن یقال مثله- من تثبیت القلوب یوم الحرب- نحو قولهم لیس المشرکون بشی‏ء- لا قوه عندهم لا قلوب لهم- لو حملتم علیهم لهزمتموهم و أمثال ذلک- .

و لقائل أن یقول إذا کان قادرا- على أن یقلل ثلاثمائه إنسان فی أعین قریش- حتى یظنوهم مائه- فهو قادر على أن یکثرهم فی أعین قریش- بعد التقاء حلقتی البطان- فیظنوهم ألفین و أکثر- من غیر حاجه إلى إنزال الملائکه- . فإن قلت لعل فی إنزالهم لطفا للمکلفین- قلت و لعل فی محاربتهم لطفا للمکلفین- و أما أصحاب المعانی فإنهم لم یحملوا الکلام على ظاهره- و لهم فی تأویله قول لیس هذا موضع ذکره

القول فیما جرى فی الغنیمه و الأسارى بعد هزیمه قریش و رجوعها إلى مکه

قال الواقدی لما تصاف المشرکون و المسلمون- قال النبی ص- من قتل قتیلا فله کذا و کذا- و من أسر أسیرا فله کذا و کذا- فلما انهزم المشرکون کان الناس ثلاث فرق- فرقه قامت عند خیمه رسول الله ص- و کان أبو بکر معه فی الخیمه- و فرقه أغارت على النهب تنتهب- و فرقه طلبت العدو فأسروا و غنموا- فتکلم سعد بن معاذ- و کان ممن أقام على خیمه رسول الله ص- فقال یا رسول الله- ما منعنا أن نطلب العدو زهاده فی الأجر- و لا جبن عن العدو- و لکنا خفنا أن نعری موضعک- فیمیل علیک خیل من خیل المشرکین- و رجال من رجالهم- و قد أقام عند خیمتک- وجوه الناس من المهاجرین و الأنصار- و الناس کثیر- و متى تعط هؤلاء لا یبقى لأصحابک شی‏ء- و القتلى و الأسرى کثیر و الغنیمه قلیله- فاختلفوا فأنزل الله عز و جل- یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ الآیه- فرجع المسلمون و لیس لهم من الغنیمه شی‏ء- ثم أنزل الله فیما بعد- وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ- فقسمه علیهم بینهم- .

قال الواقدی- و قد روى عباده بن الولید بن عباده- عن جده عباده بن الصامت قال- سلمنا الأنفال یوم بدر لله و للرسول- و لم یخمس رسول الله ص بدرا- و نزلت بعد وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ‏ءٍ- فاستقبل رسول الله ص بالمسلمین‏ الخمس- فیما کان من أول غنیمه بعد بدر- . قال الواقدی و قد روی عن أبی أسید الساعدی مثله- .

و روى عکرمه قال اختلف الناس فی الغنائم یوم بدر- فأمر رسول الله ص بالغنائم أن ترد فی المقسم- فلم یبق منها شی‏ء إلا رد- و ظن أهل الشجاعه أنه ص یخصهم بها- دون غیرهم من أهل الضعف- ثم أمر رسول الله ص أن تقسم بینهم على سواء- فقال سعد بن أبی وقاص- یا رسول الله تعطی فارس القوم الذی یحمیهم- مثل ما تعطی الضعیف- فقال ص- ثکلتک أمک و هل تنصرون إلا بضعفائکم- .

قال الواقدی فروى محمد بن سهل بن خیثمه- قال أمر رسول الله ص- أن ترد الأسرى و الأسلاب و ما أخذوا من المغنم- ثم أقرع بینهم فی الأسرى- و قسم أسلاب المقتولین- الذین یعرف قاتلوهم بین قاتلیهم- و قسم ما وجده فی العسکر بین جمیع المسلمین عن فراق- . قال الواقدی و حدثنی عبد الحمید بن جعفر- قال سألت موسى بن سعد بن زید بن ثابت- کیف فعل النبی ص یوم بدر- فی الأسرى و الأسلاب و الأنفال- فقال نادى منادیه یومئذ- من قتل قتیلا فله سلبه- و من أسر أسیرا فهو له- و أمر بما وجد فی العسکر و ما أخذ بغیر قتال- فقسمه بینهم عن فراق- فقلت لعبد الحمید فلمن أعطى سلب أبی جهل- فقال قد قیل- إنه أعطاه معاذ بن عمرو بن الجموح- و قیل أعطاه ابن مسعود- . قال و أخذ علی ع درع الولید بن عتبه- و بیضته و مغفره- و أخذ حمزه سلاح عتبه- و أخذ عبیده بن الحارث سلاح شیبه- ثم صار إلى ورثته- .

قال الواقدی- فکانت القسمه على ثلاثمائه و سبعه عشر سهما- لأن الرجال کانت ثلاثمائه و ثلاثه عشر رجلا- و کان معهم فرسان لهما أربعه أسهم- و قسم أیضا فوق ذلک لثمانیه أسهم- لم یحضروا- ضرب لهم بسهامهم و أجورهم- ثلاثه من المهاجرین لا خلاف فیهم- و هم عثمان بن عفان- خلفه رسول الله ص على ابنته رقیه- و ماتت یوم قدم زید بن حارثه بالبشاره إلى المدینه- و طلحه بن عبید الله- و سعد بن زید بن عمرو بن نفیل- بعثهما رسول الله ص یتجسسان خبر العیر- و خمسه من الأنصار هم أبو لبابه بن عبد المنذر- خلفه على المدینه- و عاصم بن عدی خلفه على قباء و أهل العالیه- و الحارث بن حاطب أمره بأمر فی بنی عمرو بن عوف- و خوات بن جبیر کسر بالروحاء- و الحارث بن الصمه مثله- فلا اختلاف فی هؤلاء و اختلف فی أربعه غیرهم- فروی أنه ضرب لسعد بن عباده بسهمه و أجره- و قال لئن لم یشهدها لقد کان فیها راغبا- و ذلک أنه کان یحض الناس على الخروج إلى بدر- فنهش فمنعه ذلک من الخروج- .

و روی أنه ضرب لسعد بن مالک الساعدی- بسهمه و أجره- و کان تجهز إلى بدر فمرض بالمدینه- فمات خلاف رسول الله ص- و أوصى إلیه ع- . و روی أنه ضرب لرجلین آخرین من الأنصار- و لم یسمهما الواقدی- و قال هؤلاء الأربعه غیر مجمع علیهم- کإجماعهم على الثمانیه- . قال و قد اختلف- هل ضرب بسهم فی الغنیمه لقتلى بدر- فقال الأکثرون لم یضرب لهم- و قال بعضهم بل ضرب لهم- حدثنی ابن أبی سبره- عن یعقوب بن زید عن أبیه- أن رسول الله ص- ضرب لشهداء بدر أربعه عشر رجلا- قال و قد قال عبد الله ابن سعد بن خیثمه- أخذنا سهم أبی الذی ضرب له رسول الله ص- حین‏ قسم الغنائم- و حمله إلینا عویمر بن ساعده- قال و قد روى السائب بن أبی لبابه- أن رسول الله ص أسهم لمبشر بن عبد المنذر- قال و قد قدم بسهمه علینا معن بن عدی- .

قال الواقدی- و کانت الإبل التی أصابوا یومئذ مائه و خمسین بعیرا- و کان معه أدم کثیر- حملوه للتجاره فمنعه المسلمون یومئذ- و کان فیما أصابوا قطیفه حمراء- فقال بعضهم ما لنا لا نرى القطیفه- ما نرى رسول الله ص إلا أخذها- فأنزل الله تعالى وَ ما کانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَغُلَّ- و جاء رجل إلى رسول الله ص- و قال یا رسول الله إن فلانا غل قطیفه- فسأل رسول الله ص الرجل- فقال لم أفعل- فقال الدال یا رسول الله احفروا هاهنا- فحفرنا فاستخرجت القطیفه- فقال قائل یا رسول الله- استغفر لفلان مرتین أو مرارا- فقال ع دعونا من أبی حر- .

قال الواقدی- و أصاب المسلمون من خیولهم عشره أفراس- و کان جمل أبی جهل فیما غنموه- فأخذه النبی ص- فلم یزل عنده یضرب فی إبله و یغزو علیه- حتى ساقه فی هدی الحدیبیه- فسأله یومئذ المشرکون الجمل بمائه بعیر- فقال لو لا أنا سمیناه فی الهدی لفعلنا قال الواقدی- و کان لرسول الله ص صفی من الغنیمه قبل القسمه- فتنفل سیفه ذا الفقار یومئذ کان لمنبه بن الحجاج- و کان رسول الله ص قد غزا إلى بدر- بسیف وهبه له سعد بن عباده یقال له العضب- .

قال و سمعت ابن أبی سبره یقول- سمعت صالح بن کیسان یقول- خرج رسول‏ الله ص یوم بدر و ما معه سیف- و کان أول سیف قلده- سیف منبه بن الحجاج غنمه یوم بدر- . و قال البلاذری- کان ذو الفقار للعاص بن منبه بن الحجاج- و یقال لمنبه و یقال لشیبه- و الثبت عندنا أنه کان للعاص بن منبه- .

قال الواقدی و کان أبو أسید الساعدی- إذا ذکر الأرقم بن أبی الأرقم یقول- ما یومی منه بواحد فیقال ما هذا هو- فیقول أمر رسول الله ص المسلمین- أن یردوا یوم بدر ما فی أیدیهم من المغنم- فرددت سیف أبی عائذ المخزومی و اسم السیف المرزبان- و کان له قیمه و قدر و أنا أطمع أن یرد إلی- فکلم الأرقم رسول الله ص فیه- و کان رسول الله ص لا یمنع شیئا یسأله- فأعطاه السیف- و خرج بنی له یفعه فاحتمله الغول- فذهبت به متورکه ظهرا- فقیل لأبی أسید- و کانت الغیلان فی ذلک الزمان- فقال نعم و لکنها قد هلکت- فلقی بنی الأرقم بن أبی الأرقم- فبهش إلیه باکیا مستجیرا به- فقال من أنت فأخبره- فقالت الغول أنا حاضنته- فلها عنه و الصبی یکذبها- فلم یعرج علیه حتى الساعه- فخرج من داری فرس لی فقطع رسنه- فلقیه الأرقم بالغابه فرکبه- حتى إذا دنا من المدینه أفلت منه- فتعذر إلی أنه أفلت منی- فلم أقدر علیه حتى الساعه- .

قال و روى عامر بن سعد بن أبی وقاص عن أبیه- أنه سأل رسول الله ص یوم بدر- سیف العاص بن منبه فأعطاه- قال و أخذ ع ممالیک حضروا بدرا- و لم یسهم لهم و هم ثلاثه أعبد- غلام لحاطب بن أبی بلتعه- و غلام لعبد الرحمن بن عوف و غلام لسعد بن معاذ- و استعمل ص شقران غلامه على الأسرى- فأخذوا من کل أسیر ما لو کان حرا ما أصابه فی المقسم- .

و روى عامر بن سعد بن أبی وقاص عن أبیه- قال رمیت سهیل بن عمرو یوم بدر فقطعت نساءه- فاتبعت أثر الدم- حتى وجدته قد أخذه مالک بن الدخشم- و هو ممسک بناصیته فقلت أسیری رمیته- فقال أسیری أخذته- فأتینا رسول الله فأخذه منا جمیعا- و أفلت سهل الروحاء فصاح ع بالناس- فخرجوا فی طلبه- فقال ص من وجده فلیقتله- فوجده هو ص فلم یقتله- . قال الواقدی- و أصاب أبو برده بن نیار أسیرا من المشرکین- یقال له معبد بن وهب من بنی سعد بن لیث- فلقیه عمر بن الخطاب و کان عمر یحض على قتل الأسرى- لا یرى أحدا فی یدیه أسیرا إلا أمر بقتله- و ذلک قبل أن یتفرق الناس- فلقیه معبد و هو أسیر مع أبی برده- فقال أ ترون یا عمر أنکم قد غلبتم- کلا و اللات و العزى- فقال عمر عباد الله المسلمین- أ تتکلم و أنت أسیر فی أیدینا- ثم أخذه من أبی برده فضرب عنقه- و یقال إن أبا برده قتله- .

قال الواقدی- و روى أبو بکر بن إسماعیل عن أبیه- عن عامر بن سعد قال- قال النبی ص یومئذ- لا تخبروا سعدا بقتل أخیه- فیقتل کل أسیر فی أیدیکم- . قال الواقدی- و لما جی‏ء بالأسرى کره ذلک سعد بن معاذ- فقال له رسول الله ص- کأنه شق علیک أن یؤسروا- قال نعم یا رسول الله- کانت أول‏ وقعه التقینا فیها بالمشرکین- فأحببت أن یذلهم الله و أن یثخن فیهم القتل- .

قال الواقدی- و کان النضر بن الحارث أسره المقداد یومئذ- فلما خرج رسول الله ص من بدر- فکان الأثیل عرض علیه الأسرى- فنظر إلى النضر بن الحارث فأبده البصر- فقال لرجل إلى جنبه محمد و الله قاتلی- لقد نظر إلی بعینین فیهما الموت- فقال الذی إلى جنبه- و الله ما هذا منک إلا رعب- فقال النضر لمصعب بن عمیر- یا مصعب أنت أقرب من هاهنا بی رحما- کلم صاحبک أن یجعلنی کرجل من أصحابی- هو و الله قاتلی إن لم تفعل- قال مصعب إنک کنت تقول فی کتاب الله کذا و کذا- و تقول فی نبیه کذا و کذا- قال یا مصعب فلیجعلنی کأحد أصحابی- إن قتلوا قتلت و إن من علیهم من علی- قال مصعب إنک کنت تعذب أصحابه- قال أما و الله لو أسرتک قریش- ما قتلت أبدا و أنا حی- قال مصعب و الله إنی لأراک صادقا- و لکن لست مثلک قطع الإسلام العهود- . قال الواقدی- و عرضت الأسرى على رسول الله ص- فرأى النضر بن الحارث فقال اضربوا عنقه- فقال المقداد أسیری یا رسول الله- فقال اللهم أغن المقداد من فضلک- قم یا علی فاضرب عنقه- فقام علی فضرب عنقه بالسیف صبرا- و ذلک بالأثیل فقالت أخته-

 

یا راکبا إن الأثیل مظنه
من صبح خامسه و أنت موفق‏

بلغ به میتا فإن تحیه
ما إن تزال بها الرکائب تخفق‏

منی إلیه و عبره مسفوحه
جادت لمائحها و أخرى تخنق‏
فلیسمعن النضر إن نادیته
إن کان یسمع میت أو ینطق‏

ظلت سیوف بنی أبیه تنوشه‏
لله أرحام هناک تمزق‏

صبرا یقاد إلى المدینه راغما
رسف المقید و هو عان موثق‏

أ محمد و لأنت نجل نجیبه
فی قومها و الفحل فحل معرق‏

ما کان ضرک لو مننت و ربما
من الفتى و هو المغیظ المحنق‏

و النضر أقرب من قتلت وسیله
و أحقهم إن کان عتق یعتق‏

قال الواقدی- و روی أن النبی ص لما وصل إلیه شعرها رق له- و قال لو کنت سمعت شعرها قبل أن أقتله لما قتلته- . قال الواقدی و لما أسر سهیل بن عمرو- قال عمر بن الخطاب یا رسول الله- انزع ثنیتیه یدلع لسانه- فلا یقوم علیک خطیبا أبدا- فقال رسول الله ص- لا أمثل به فیمثل الله بی و إن کنت نبیا- و لعله یقوم مقاما لا تکرهه- فقام سهیل بن عمرو بمکه- حین جاءه وفاه النبی ص- بخطبه أبی بکر بالمدینه- کأنه کان یسمعها- فقال عمر حین بلغه کلام سهیل- أشهد أنک رسول الله- یرید قوله ص لعله یقوم مقاما لا تکرهه- .

قال الواقدی و کان علی ع یحدث- فیقول أتى جبریل النبی ص یوم بدر- فخیره فی الأسرى أن یضرب أعناقهم- أو یأخذ منهم الفداء- و یستشهد من المسلمین فی قابل عدتهم- فدعا رسول الله ص أصحابه- و قال هذا جبریل یخیرکم فی الأسرى- بین أن تضرب أعناقهم أو تؤخذ منهم الفدیه- و یستشهد منکم قابلا عدتهم- قالوا بل نأخذ الفدیه و نستعین بها- و یستشهد منا من یدخل الجنه فقبل منهم الفداء- و قتل من المسلمین قابلا عدتهم بأحد- . قلت لو کان هذا الحدیث صحیحا لما عوتبوا- فقیل لهم- ما کانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَکُونَ لَهُ أَسْرى‏ حَتَّى یُثْخِنَ فِی الْأَرْضِ- تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیا وَ اللَّهُ یُرِیدُ الْآخِرَهَ- ثم قال لَوْ لا کِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ- لَمَسَّکُمْ فِیما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ- لأنه إذا کان خیرهم- فقد أباحهم أخذ الفداء و أخبرهم أنه حسن- فلا یجوز فیما بعد أن ینکره علیهم و یقول إنه قبیح

قال الواقدی لما حبس الأسرى- و جعل علیهم شقران مولى رسول الله ص- طمعوا فی الحیاه- فقالوا لو بعثنا إلى أبی بکر- فإنه أوصل قریش لأرحامنا- فبعثوا إلى أبی بکر فأتاهم فقالوا یا أبا بکر- إن فینا الآباء و الأبناء و الإخوان- و العمومه و بنی العم و أبعدنا قریب- کلم صاحبک فلیمن علینا و یفادنا- فقال نعم إن شاء الله لا آلوکم خیرا- ثم انصرف إلى رسول الله ص- قالوا و ابعثوا إلى عمر بن الخطاب- فإنه من قد علمتم- و لا یؤمن أن یفسد علیکم لعله یکف عنکم- فأرسلوا إلیه فجاءهم- فقالوا له مثل ما قالوا لأبی بکر فقال لا آلوکم شرا- ثم انصرف إلى النبی ص- فوجد أبا بکر عنده و الناس حوله- و أبو بکر یلینه و یغشاه- و یقول یا رسول الله بأبی أنت و أمی- قومک فیهم الآباء و الأبناء و العمومه و الإخوان و بنو العم- و أبعدهم عنک قریب فامنن علیهم- من الله علیک أو فادهم قوه للمسلمین- فلعل الله یقبل بقلوبهم إلیک ثم قام فتنحى ناحیه- و سکت رسول الله ص فلم یجبه- فجاء عمر فجلس مجلس أبی بکر- فقال یا رسول الله هم أعداء الله- کذبوک و قاتلوک و أخرجوک اضرب رقابهم- فهم رءوس الکفر و أئمه الضلاله- یوطئ الله بهم الإسلام و یذل بهم الشرک- فسکت رسول الله ص و لم یجبه- و عاد أبو بکر إلى مقعده الأول- فقال بأبی أنت و أمی قومک فیهم الآباء و الأبناء- و العمومه و الإخوان و بنو العم- و أبعدهم منک قریب فامنن علیهم أو فادهم- هم عشیرتک و قومک لا تکن أول من یستأصلهم- و أن یهدیهم الله خیر من أن یهلکهم- فسکت ص عنه فلم یرد علیه شیئا و قام ناحیه- فقام عمر فجلس مجلسه فقال یا رسول الله ما تنتظر بهم- اضرب أعناقهم یوطئ الله بهم الإسلام- و یذل أهل الشرک هم أعداء الله- کذبوک و أخرجوک یا رسول الله اشف صدور المؤمنین- لو قدروا منا على مثل هذا ما أقالونا أبدا- فسکت رسول الله ص فلم یجبه- فقام ناحیه فجلس و عاد أبو بکر- فکلمه مثل کلامه الأول فلم یجبه ثم تنحى- فجاء عمر فکلمه بمثل کلامه الأول فلم یجبه- ثم قام رسول الله ص فدخل قبته- فمکث فیها ساعه ثم خرج- و الناس یخوضون فی شأنهم- یقول بعضهم القول ما قال أبو بکر- و آخرون یقولون القول ما قال عمر- فلما خرج قال للناس ما تقولون فی صاحبیکم هذین- دعوهما فإن لهما مثلا- مثل أبی بکر فی الملائکه کمیکائیل- ینزل برضا الله و عفوه على عباده- و مثله فی الأنبیاء کمثل إبراهیم- کان ألین على قومه من العسل- أوقد له قومه النار فطرحوه فیها- فما زاد على أن قال- أُفٍّ لَکُمْ وَ لِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ- و قال فَمَنْ تَبِعَنِی فَإِنَّهُ مِنِّی وَ مَنْ عَصانِی فَإِنَّکَ غَفُورٌ رَحِیمٌ- و کعیسى إذ یقول- إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُکَ- وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ- و مثل عمر فی الملائکه کمثل جبریل- ینزل بالسخط من الله و النقمه على أعداء الله- و مثله فی الأنبیاء کمثل نوح- کان أشد على قومه من الحجاره إذ یقول- رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى‏الْأَرْضِ مِنَ الْکافِرِینَ دَیَّاراً- فدعا علیهم دعوه أغرق الله بها الأرض جمیعا- و مثل موسى إذ یقول- رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى‏ أَمْوالِهِمْ وَ اشْدُدْ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ- فَلا یُؤْمِنُوا حَتَّى یَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِیمَ- و إن بکم عیله- فلا یفوتنکم رجل من هؤلاء إلا بفداء أو ضربه عنق- فقال عبد الله بن مسعود- یا رسول الله إلا سهیل بن بیضاء- .

قال الواقدی- هکذا روى ابن أبی حبیبه و هذا وهم- سهیل بن بیضاء مسلم من مهاجره الحبشه و شهد بدرا- و إنما هو أخ له و یقال له سهیل- قال قال عبد الله بن مسعود- فإنی رأیته یظهر الإسلام بمکه- قال فسکت النبی ص- قال عبد الله فما مرت علی ساعه قط- کانت أشد علی من تلک الساعه- جعلت أنظر إلى السماء- أتخوف أن تسقط علی الحجاره- لتقدمی بین یدی الله و رسوله بالکلام- فرفع رسول الله ص رأسه- فقال إلا سهیل بن بیضاء- قال فما مرت علی ساعه أقر لعینی منها- إذ قالها رسول الله ص- ثم قال إن الله عز و جل لیشدد القلب- حتى یکون أشد من الحجاره- و إنه لیلین القلب حتى یکون ألین من الزبد – فقبل الفداء ثم قال بعد- لو نزل عذاب یوم بدر لما نجا منه إلا عمر- کان یقول اقتل و لا تأخذ الفداء- و کان سعد بن معاذ یقول- اقتل و لا تأخذ الفداء- .

قلت عندی فی هذا کلام أما فی أصل الحدیث- فلأن فیه أن رسول الله ص قال و مثله کعیسى إذ قال- إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُکَ- وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ- و هذه الآیه من المائده و المائده أنزلت فی آخر عمره- و لم ینزل بعدها إلا سوره براءه- و بدر کانت فی السنه الثانیه من الهجره- فکیف هذا اللهم إلا أن یکون قوله تعالى- وَ إِذْ قالَ اللَّهُ یا عِیسَى ابْنَ مَرْیَمَ- أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِی وَ أُمِّی إِلهَیْنِ الآیات- قد کانت أنزلت أما بمکه أو بالمدینه قبل بدر-فلما جمع عثمان القرآن ضمها إلى سوره المائده- فلعله قد کان ذلک- فینبغی أن ننظر فی هذا فهو مشکل- .

و أما حدیث سهیل بن بیضاء- فإنه یوهم مذهب موسى بن عمران- فی أن النبی ص کان یحکم فی الوقائع بما یشاء- لأنه قیل له احکم بما تشاء- فإنک لا تحکم إلا بالحق- و هو مذهب متروک إلا أنه یمکن أن یقال- لعله لما سکت ص عند ما قال ابن مسعود ذلک القول- نزل علیه فی تلک السکته الوحی- و قیل له إلا سهیل بن بیضاء- فقال حینئذ إلا سهیل بن بیضاء- کما أوحی إلیه- . و أما الحدیث الذی فیه- لو نزل عذاب لما نجا منه إلا عمر- فالواقدی و غیره من المحدثین- اتفقوا على أن سعد بن معاذ- کان یقول مثل ما قاله عمر- بل هو المتبدئ بذلک الرأی- و رسول الله ص بعد فی العریش- و المشرکون لم ینفض جمعهم کل ذلک الانفضاض- فکیف خص عمر بالنجاه وحده دون سعد- و یمکن أن یقال- إنه کان شدید التألیب و التحریض علیهم- و کثیر الإلحاح على رسول الله ص فی أمرهم- فنسب ذلک الرأی إلیه لاشتهاره به- و إن شرکه فیه غیره- .

قال الواقدی و حدثنی معمر عن الزهری عن محمد بن جبیر بن مطعم عن أبیه قال قال رسول الله ص یوم بدر لو کان مطعم بن عدی حیا لوهبت له هؤلاء النتنى – قال و کانت لمطعم بن عدی عند النبی ص ید- أجاره حین رجع من الطائف- .

قال الواقدی و حدثنی محمد بن عبد الله- عن الزهری عن سعید بن المسیب قال- أمن رسول الله ص من الأسرى یوم بدر- أبا عزه عمرو بن عبد الله بن عمیر الجمحی و کان شاعرا- فأعتقه رسول الله ص و قال له- إن لی خمس بنات لیس لهن شی‏ء- فتصدق بی علیهن یا محمد- ففعل رسول الله ص ذلک- و قال أبو عزه أعطیک موثقا ألا أقاتلک- و لا أکثر علیک أبدا- فأرسله رسول الله ص- فلما خرجت قریش إلى أحد- جاء صفوان بن أمیه فقال اخرج معنا- قال إنی قد أعطیت محمدا موثقا ألا أقاتله- و لا أکثر علیه أبدا- و قد من علی و لم یمن على غیری- حتى قتله أو أخذ منه الفداء- فضمن له صفوان أن یجعل بناته مع بناته إن قتل- و إن عاش أعطاه مالا کثیرا لا یأکله عیاله- فخرج أبو عزه یدعو العرب و یحشرها- ثم خرج مع قریش یوم أحد- فأسر و لم یؤسر غیره من قریش- فقال یا محمد إنما خرجت کرها- و لی بنات فامنن علی- فقال رسول الله ص أین ما أعطیتنی من العهد و المیثاق- لا و الله لا تمسح عارضیک بمکه- تقول سخرت بمحمد مرتین فقتله- .

قال و روى سعید بن المسیب- أن رسول الله ص قال یومئذ- إن المؤمن لا یلدغ من جحر مرتین- یا عاصم بن ثابت قدمه فاضرب عنقه- فقدمه عاصم فضرب عنقه- . قال الواقدی و أمر رسول الله ص یوم بدر- بالقلب أن تغور ثم أمر بالقتلى- فطرحوا فیها کلهم إلا أمیه بن خلف- فإنه کان مسمنا انتفخ من یومه- فلما أرادوا أن یلقوه تزایل لحمه- فقال النبی ص اترکوه‏و قال ابن إسحاق- انتفخ أمیه بن خلف فی درعه حتى ملأها- فلما ذهبوا یحرکونه تزایل- فأقروه و ألقوا علیه التراب و الحجاره ما غیبه- . قال الواقدی- و نظر رسول الله ص- إلى عتبه بن ربیعه یجر إلى القلیب- و کان رجلا جسیما و فی وجهه أثر الجدری- فتغیر وجه ابنه أبی حذیفه بن عتبه- فقال له النبی ص- ما لک کأنک ساءک ما أصاب أباک- قال لا و الله یا رسول الله- و لکنی رأیت لأبی عقلا و شرفا- کنت أرجو أن یهدیه ذلک إلى الإسلام- فلما أخطأه ذلک- و رأیت ما أصابه غاظنی- فقال أبو بکر- کان و الله یا رسول الله أبقى فی العشیره من غیره- و لقد کان کارها لوجهه- و لکن الحین و مصارع السوء-

فقال رسول الله ص- الحمد لله الذی جعل خد أبی جهل الأسفل- و صرعه و شفانا منه- فلما توافوا فی القلیب- و قد کان رسول الله ص یطوف علیهم و هم مصرعون- جعل أبو بکر یخبره بهم رجلا رجلا- و رسول الله ص یحمد الله و یشکره و یقول- الحمد لله الذی أنجز لی ما وعدنی- فقد وعدنی إحدى الطائفتین- ثم وقف على أهل القلیب فناداهم رجلا رجلا یا عتبه بن ربیعه و یا شیبه بن ربیعه- و یا أمیه بن خلف و یا أبا جهل بن هشام- هل وجدتم ما وعد ربکم حقا- فإنی وجدت ما وعدنی ربی حقا- بئس القوم کنتم لنبیکم- کذبتمونی و صدقنی الناس- و أخرجتمونی و آوانی الناس- و قاتلتمونی و نصرنی الناس- فقالوا یا رسول الله أ تنادی قوما قد ماتوا- فقال لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق – . و قال ابن إسحاق فی کتاب المغازی- إن عائشه کانت تروی هذا الخبر و تقول- فالناس یقولون إن رسول الله ص قال- لقد سمعوا ما قلت لهم- و لیس کذلک إنما قال- لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق- .

قال محمد بن إسحاق و حدثنی حمید الطویل عن أنس بن مالک قال لما ناداهم رسول الله ص قال له المسلمون- یا رسول الله أ تنادی قوما قد أنتنوا- فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم- و لکنهم لا یستطیعون أن یجیبونی – . قلت لقائل أن یقول لعائشه- إذا جاز أن یعلموا و هم موتى- جاز أن یسمعوا و هم موتى- فإن قالت ما أخبرت أن یعلموا و هم موتى- و لکن تعود الأرواح إلى أبدانهم- و هی فی القلیب و یرون العذاب- فیعلمون أن ما وعدهم به الرسول حق- قیل لها و لا مانع من أن تعود الأرواح إلى أبدانهم- و هی فی القلیب- فیسمعوا صوت رسول الله ص- فإذن لا وجه لإنکارها ما یقوله الناس- . و یمکن أن ینتصر لقول عائشه على وجه حکمی- و هو أن الأنفس بعد المفارقه تعلم و لا تسمع- لأن الإحساس إنما یکون بواسطه الآله- و بعد الموت تفسد الآله- فأما العلم فإنه لا یحتاج إلى الآله- لأن النفس تعلم بجوهرها فقط- .

قال الواقدی- و کان انهزام قریش و تولیها حین زالت الشمس- فأقام رسول الله ص ببدر- و أمر عبد الله بن کعب بقبض الغنائم و حملها- و أمر نفرا من أصحابه أن یعینوه- فصلى العصر ببدر- ثم راح فمر بالأثیل قبل غروب الشمس فنزل به- و بات به و بأصحابه جراح و لیست بالکثیره- و قال من رجل یحفظنا اللیله- فأسکت القوم فقام رجل- فقال من أنت قال ذکوان بن عبد قیس- قال اجلس ثم أعاد القول الثانیه- فقام رجل فقال من أنت- قال ابن عبد القیس فقال اجلس- ثم مکث ساعه و أعاد القول- فقام رجل فقال من أنت- قال أبو سبع فسکت- .

ثم مکث ساعه- و قال قوموا ثلاثتکم- فقام ذکوان بن عبد قیس وحده- فقال له و أین صاحباک- قال یا رسول الله أنا الذی کنت أجیبک اللیله- فقال رسول الله ص فحفظک الله- فبات ذکوان یحرس المسلمین تلک اللیله- حتى کان آخر اللیل فارتحل- .

قال الواقدی- و روی أن رسول الله ص صلى العصر بالأثیل- فلما صلى رکعه تبسم فلما سلم سئل عن تبسمه- فقال مر بی میکائیل و على جناحه النقع- فتبسم إلی و قال إنی کنت فی طلب القوم- و أتانی جبریل على فرس أنثى معقود الناصیه- قد عم ثنیتیه الغبار- فقال یا محمد إن ربی بعثنی إلیک- و أمرنی ألا أفارقک حتى ترضى- فهل رضیت فقلت نعم- .

قال الواقدی و أقبل رسول الله ص بالأسرى- حتى إذا کان بعرق الظبیه- أمر عاصم بن ثابت بن أبی الأقلح- أن یضرب عنق عقبه بن أبی معیط- بن أبی عمرو بن أمیه بن عبد شمس- و کان أسره عبد الله بن سلمه العجلانی- فجعل عقبه یقول یا ویلی- علام أقتل یا معشر قریش من بین من هاهنا- فقال رسول الله ص لعداوتک لله و لرسوله- فقال یا محمد منک أفضل- فاجعلنی کرجل من قومی إن قتلتهم قتلتنی- و إن مننت علیهم مننت علی- و إن أخذت منهم الفداء کنت کأحدهم- یا محمد من للصبیه فقال النار- قدمه یا عاصم فاضرب عنقه- فقدمه عاصم فضرب عنقه- فقال النبی ص بئس الرجل کنت و الله- ما علمت کافرا بالله و برسوله و بکتابه مؤذیا لنبیه- فأحمد الله الذی قتلک و أقر عینی منک- .

قال محمد بن إسحاق- و روى عکرمه مولى ابن عباس عن أبی رافع- قال کنت غلاما للعباس بن عبد المطلب- و کان الإسلام قد فشا فینا أهل البیت فأسلم العباس-و أسلمت أم الفضل زوجته- و کان العباس یهاب قومه و یکره خلافهم- فکان یکتم إسلامه- و کان ذا مال کثیر متفرق فی قومه- و کان عدو الله أبو لهب قد تخلف عن بدر- و بعث مکانه العاص بن هشام بن المغیره- و کذلک کانوا صنعوا لم یتخلف رجل إلا بعث مکانه رجلا- فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قریش- کبته الله و أخزاه و وجدنا فی أنفسنا قوه و عزا- .

قال و کنت رجلا ضعیفا- و کنت أعمل القداح أنحتها فی حجره زمزم- فو الله إنی لجالس أنحت قداحی- و عندی أم الفضل جالسه- و قد سرنا ما جاءنا من الخبر- إذ أقبل الفاسق أبو لهب یجر رجلیه بشر- حتى جلس إلى طنب الحجره- فکان ظهره إلى ظهری- فبینا هو جالس إذ قال للناس- هذا أبو سفیان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم- و کان شهد مع المشرکین بدرا- فقال أبو لهب هلم یا ابن أخی فعندک و الله الخبر- قال فجلس إلیه و الناس قیام حوله- فقال یا ابن أخی- أخبرنی کیف کان أمر الناس- قال لا شی‏ء- و الله إن هو إلا أن لقیناهم فمنحناهم أکتافنا- فقتلونا کیف شاءوا و أسرونا کیف شاءوا- و ایم الله مع ذلک ما لمت الناس- لقینا رجالا بیضا على خیل بلق بین السماء و الأرض- لا و الله ما تبقی شیئا و لا یقوم لها شی‏ء- قال أبو رافع فرفعت طنب الحجره- ثم قلت تلک و الله الملائکه- قال فرفع أبو لهب یده- فضرب بی الأرض ثم برک علی یضربنی- و کنت رجلا ضعیفا- فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجره- فأخذته فضربته على رأسه- فشجته شجه منکره- و قالت استضعفته إذ غاب‏ سیده- فقام مولیا ذلیلا- فو الله ما عاش إلا سبع لیال- حتى رماه الله بالعدسه فقتلته- . و لقد ترکه ابناه لیلتین أو ثلاثا و ما یدفنانه- حتى أنتن فی بیته- و کانت قریش تتقی العدسه و عدواها- کما یتقی الناس الطاعون- حتى قال لهما رجل من قریش- ویحکما أ لا تستحیان- أن أباکما قد أنتن فی بیته لا تغیبانه- قالا إنا نخشى هذه القرحه- قال فانطلقا و أنا معکما- فو الله ما غسلوه إلا قذفا علیه بالماء من بعید- ما یمسونه و أخرجوه فألقوه بأعلى مکه إلى کنان هناک- و قذفوا علیه بالحجاره حتى واروه- .

قال محمد بن إسحاق- فحضر العباس بدرا فأسر فیمن أسر- و کان الذی أسره أبو الیسر کعب بن عمرو- أحد بنی سلمه- فلما أمسى القوم و الأسارى محبوسون فی الوثاق- و بات رسول الله ص تلک اللیله ساهرا- فقال له أصحابه ما لک لا تنام یا رسول الله- قال سمعت أنین العباس من وثاقه- فقاموا إلیه فأطلقوه- فنام رسول الله ص- .

قال و روى ابن عباس رحمه الله- قال کان أبو الیسر رجلا مجموعا- و کان العباس طویلا جسیما- فقال رسول الله ص یا أبا الیسر- کیف أسرت العباس- قال یا رسول الله لقد أعاننی علیه رجل ما رأیته من قبل- من هیئته کذا قال ص- لقد أعانک علیه ملک کریم قال محمد بن إسحاق قد کان رسول الله ص فی أول الوقعه فنهى أن یقتل أحد من بنی هاشم قال حدثنی بذلک الزهری عن عبد الله بن ثعلبه حلیف بنی زهره قال و حدثنی العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس عن بعض أهله عن عبد الله بن عباس رحمه الله‏ قال و قال النبی ص لأصحابه إنی قد عرفت أن رجالا من بنی هاشم و غیرهم- قد أخرجوا کرها لا حاجه لنا بقتلهم- فمن لقی منکم أحدا من بنی هاشم فلا یقتله- و من لقی أبا البختری فلا یقتله- و من لقی العباس بن عبد المطلب عم رسول الله ص فلا یقتله- فإنه إنما خرج مستکرها فقال أبو حذیفه بن عتبه بن ربیعه- أ نقتل آباءنا و إخواننا- و عشائرنا و نترک العباس- و الله لئن لقیته لألحمنه السیف- فسمعها رسول الله ص- فقال لعمر بن الخطاب یا أبا حفص- یقول عمر و الله إنه لأول یوم- کنانی فیه رسول الله ص بأبی حفص- أ یضرب وجه عم رسول الله ص بالسیف- فقال عمر یا رسول الله دعنی أضرب عنقه بالسیف- فو الله لقد نافق- قال فکان أبو حذیفه یقول- و الله ما أنا بآمن من تلک الکلمه التی قلت یومئذ- و لا أزال منها خائفا أبدا- إلا أن یکفرها الله عنی بشهاده- فقتل یوم الیمامه شهیدا

قال محمد بن إسحاق- و کان رسول الله ص- لما استشار أبا بکر و عمر و سعد بن معاذ فی أمر الأسارى- غلظ عمر علیهم غلظه شدیده- فقال یا رسول الله أطعنی فیما أشیر به علیک- فإنی لا آلوک نصحا- قدم عمک العباس فاضرب عنقه بیدک- و قدم عقیلا إلى علی أخیه یضرب عنقه- و قدم کل أسیر منهم إلى أقرب الناس إلیه یقتله- قال فکره رسول الله ص ذلک و لم یعجبه- .

قال محمد بن إسحاق فلما قدم بالأسرى إلى المدینه قال رسول الله ص‏افد نفسک یا عباس- و ابنی أخویک عقیل بن أبی طالب- و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب- و حلیفک عقبه بن عمرو فإنک ذو مال- فقال العباس یا رسول الله إنی کنت مسلما- و لکن القوم استکرهونی- فقال ص الله أعلم بإسلامک- إن یکن ما قلت حقا فإن الله یجزیک به- و أما ظاهر أمرک فقد کان علینا فافتد نفسک- و قد کان رسول الله ص أخذ منه عشرین أوقیه من ذهب- أصابها معه حین أسر- فقال العباس یا رسول الله احسبها لی من فدائی- فقال ص ذاک شی‏ء أعطانا الله منک- فقال یا رسول الله فإنه لیس لی مال- قال فأین المال الذی وضعته بمکه- حین خرجت عند أم الفضل بنت الحارث- و لیس معکما أحد- ثم قلت إن أصبت فی سفری هذا فللفضل کذا و کذا- و لعبد الله کذا و کذا و لقثم کذا و کذا- فقال العباس و الذی بعثک بالحق یا رسول الله- ما علم بهذا أحد غیری و غیرها- و إنی لأعلم أنک رسول الله ثم فدى نفسه و ابنی أخویه و حلیفه

قال الواقدی- قدم رسول الله ص من الأثیل- زید بن حارثه و عبد الله بن رواحه- یبشران الناس بالمدینه- فجاء یوم الأحد فی الضحى- و فارق عبد الله زیدا بالعقیق- فجعل عبد الله ینادی عوالی المدینه- یا معشر الأنصار أبشروا بسلامه رسول الله- و قتل المشرکین و أسرهم- قتل ابنا ربیعه و ابنا الحجاج- و أبو جهل و زمعه بن الأسود- و أمیه بن خلف- و أسر سهیل بن عمرو ذو الأنیاب فی أسرى کثیر- قال عاصم بن عدی فقمت إلیه فنحوته- فقلت أ حقا ما تقول یا ابن رواحه- قال إی و الله و غدا یقدم رسول الله إن شاء الله- و معه الأسرى مقرنین- ثم تتبع دور الأنصار بالعالیه یبشرهم- دارا دارا و الصبیان یشتدون معه- و یقولون قتل أبو جهل الفاسق- حتى انتهوا إلى‏ دور بنی أمیه بن زید- و قدم زید بن حارثه- على ناقه النبی ص القصواء یبشر أهل المدینه- فلما جاء المصلى صاح على راحلته- قتل عتبه و شیبه ابنا ربیعه- و ابنا الحجاج و أبو جهل- و أبو البختری و زمعه بن الأسود و أمیه بن خلف- و أسر سهیل بن عمرو ذو الأنیاب فی أسرى کثیره- فجعل الناس لا یصدقون زید بن حارثه- و یقولون ما جاء زید إلا فلا- حتى غاظ المسلمین ذلک و خافوا- قال و کان قدوم زید- حین سووا على رقیه بنت رسول الله ص التراب بالبقیع- فقال رجل من المنافقین لأسامه بن زید- قتل صاحبکم و من معه- و قال رجل من المنافقین لأبی لبابه بن عبد المنذر- قد تفرق أصحابکم تفرقا لا یجتمعون معه أبدا- و قد قتل علیه أصحابکم- و قتل محمد و هذه ناقته نعرفها- و هذا زید بن حارثه لا یدری ما یقول من الرعب- و قد جاء فلا- فقال أبو لبابه کذب الله قولک- و قالت یهود ما جاء زید إلا فلا- قال أسامه بن زید فجئت حتى خلوت بأبی- فقلت یا أبت أ حق ما تقول- فقال إی و الله حقا یا بنی- فقویت نفسی فرجعت إلى ذلک المنافق- فقلت أنت المرجف برسول الله و بالمسلمین- لنقدمنک إلى رسول الله ص إذا قدم- فلیضربن عنقک فقال یا أبا محمد- إنما هو شی‏ء سمعت الناس یقولونه- .

قال الواقدی فقدم بالأسرى و علیهم شقران- و هم تسعه و أربعون رجلا الذین أحصوا- و هم سبعون فی الأصل مجمع علیه لا شک فیه- إلا أنهم لم یحص سائرهم- و لقی الناس رسول الله ص بالروحاء- یهنئونه بفتح الله علیه- فلقیه وجوه الخزرج- فقال سلمه بن سلامه بن وقش ما الذی تهنئونه- فو الله ما قتلنا إلا عجائز صلعا- فتبسم النبی ص- فقال یا ابن أخی أولئک الملأ- لو رأیتهم لهبتهم و لو أمروک لأطعتهم- و لو رأیت فعالک مع فعالهم لاحتقرتها- و بئس القوم کانوا على ذلک لنبیهم- فقال سلمه أعوذ بالله من غضبه و غضب رسوله- إنک یا رسول الله لم تزل عنی معرضا- منذ کنا بالروحاء فی بدأتنا- فقال ص أما ما قلت للأعرابی- وقعت على ناقتک فهی حبلى منک- ففحشت و قلت ما لا علم لک به- و أما ما قلت فی القوم- فإنک عمدت إلى نعمه من نعم الله تزهدها- فقبل رسول الله ص معذرته- و کان من علیه أصحابه- . قال الواقدی فروى الزهری- قال لقی أبو هند البیاضی مولى فروه بن عمرو- رسول الله و معه حمیت مملوء حیسا أهداه له- فقال رسول الله ص- إنما أبو هند رجل من الأنصار- فأنکحوه و أنکحوا إلیه- .

قال الواقدی- و لقیه أسید بن حضیر فقال یا رسول الله- الحمد لله الذی ظفرک و أقر عینک- و الله یا رسول الله- ما کان تخلفی عن بدر و أنا أظن بک أنک تلقى عدوا- و لکنی ظننت أنها العیر- و لو ظننت أنه عدو لما تخلفت- فقال رسول الله صدقت- . قال و لقیه عبد الله بن قیس بتربان- فقال یا رسول الله الحمد لله على سلامتک و ظفرک- کنت یا رسول الله لیالی خرجت مورودا أی محموما- فلم تفارقنی حتى کان بالأمس- فأقبلت إلیک فقال آجرک الله- .

قال الواقدی و کان سهیل بن عمرو- لما کان بتنوکه بین السقیا و ملل- کان مع مالک بن الدخشم الذی أسره- فقال له خل سبیلی للغائط فقام معه- فقال سهیل إنی أحتشم فاستأخر عنى- فاستأخر عنه فمضى سهیل على وجهه- انتزع یده من القرآن و مضى- فلما أبطأ سهیل على مالک بن الدخشم- أقبل فصاح فی الناس فخرجوا فی طلبه- و خرج النبی ص فی طلبه بنفسه- و قال من وجده فلیقتله- فوجده رسول الله‏ ص بنفسه أخفى نفسه بین شجرات- فأمر به فربطت یداه إلى عنقه ثم قرنه إلى راحلته- فلم یرکب سهیل خطوه حتى قدم المدینه- .

قال الواقدی- فحدثنی إسحاق بن حازم بن عبد الله بن مقسم- عن جابر بن عبد الله الأنصاری- قال لقی رسول الله ص أسامه بن زید- و رسول الله ص على ناقته القصوى- فأجلسه بین یدیه و سهیل بن عمرو مجبوب- و یداه إلى عنقه- فلما نظر إلى سهیل قالوا یا رسول الله- أبو یزید قال نعم- هذا الذی کان یطعم الخبز بمکه و قال البلاذری قال أسامه و هو یومئذ غلام- یا رسول الله هذا الذی کان یطعم الناس بمکه السرید- یعنی الثرید- . قلت هذه لثغه مقلوبه- لأن الألثغ یبدل السین ثاء- و هذا أبدل الثاء سینا- و من الناس من یرویها- هذا الذی کان یطعم الناس بمکه الشرید- بالشین المعجمه- .

قال البلاذری- و حدثنی مصعب بن عبد الله الزبیری- عن أشیاخه أن أسامه رأى سهیلا یومئذ- فقال یا رسول الله- هذا الذی کان یطعم السرید بمکه- فقال رسول الله ص- هذا أبو یزید الذی یطعم الطعام- و لکنه سعى فی إطفاء نور الله فأمکن الله منه- . قال و فیه یقول أمیه بن أبی الصلت الثقفی- یا با یزید رأیت سیبک واسعا و سماء جودک تستهل فتمطر- .قال و فیه یقول مالک بن الدخشم- و هو الذی أسره یوم بدر-

أسرت سهیلا فلا أبتغی
به غیره من جمیع الأمم‏

و خندف تعلم أن الفتى‏
سهیلا فتاها إذا تظلم‏

ضربت بذی الشفر حتى انثنى
و أکرهت نفسی على ذی العلم‏

أی على ذی العلم بسکون اللام- و لکنه حرکه للضروره- . و کان سهیل أعلم مشقوق الشفه العلیا- فکانت أنیابه بادیه- فلذلک قالوا ذو الأنیاب- . قال الواقدی و لما قدم بالأسرى- کانت سوده بنت زمعه زوج النبی ص عند آل عفراء- فی مناحتهم على عوف و معوذ- و ذلک قبل أن یضرب الحجاب- قالت سوده فأتینا فقیل لنا هؤلاء الأسرى قد أتی بهم- فخرجت إلى بیتی و رسول الله ص فیه- و إذا أبو یزید مجموعه یداه إلى عنقه- فی ناحیه البیت- فو الله ما ملکت نفسی- حین رأیته مجموعه یداه إلى عنقه- أن قلت أبا یزید أعطیتم بأیدیکم- ألا متم کراما- فو الله ما راعنی إلا قول رسول الله ص من البیت- یا سوده أ على الله و على رسوله- فقلت یا نبی الله- و الذی بعثک بالحق إنی ما ملکت نفسی- حین رأیت أبا یزید- مجموعه یداه إلى عنقه أن قلت ما قلت- .

قال الواقدی و حدثنی خالد بن إلیاس- قال حدثنی أبو بکر بن عبد الله بن أبی جهم- قال دخل یومئذ خالد بن هشام بن المغیره- و أمیه بن أبی حذیفه منزل أم سلمه- و أم سلمه فی مناحه آل عفراء- فقیل لها أتی بالأسرى- فخرجت فدخلت علیهم فلم تکلمهم حتى‏ رجعت- فتجد رسول الله ص فی بیت عائشه- فقالت یا رسول الله- إن بنی عمی طلبوا أن یدخل بهم علی فأضیفهم- و أدهن رءوسهم و ألم من شعثهم- و لم أحب أن أفعل شیئا من ذلک حتى أستأمرک- فقال ص لست أکره شیئا من ذلک- فافعلی من هذا ما بدا لک- قال الواقدی و حدثنی محمد بن عبد الله عن الزهری- قال قال أبو العاص بن الربیع- کنت مستأسرا مع رهط من الأنصار جزاهم الله خیرا- کنا إذا تعشینا أو تغدینا آثرونی بالخبز- و أکلوا التمر- و الخبز عندهم قلیل و التمر زادهم- حتى إن الرجل لتقع فی یده الکسره فیدفعها إلی- و کان الولید بن الولید بن المغیره- یقول مثل ذلک و یزید- قال و کانوا یحملوننا و یمشون- .

و قال محمد بن إسحاق فی کتابه- کان أبو العاص بن الربیع بن عبد العزى بن عبد شمس- ختن رسول الله ص زوج ابنته زینب- و کان أبو العاص من رجال مکه المعدودین مالا و أمانه و تجاره- و کان ابنا لهاله بنت خویلد- أخت خدیجه بنت خویلد- و کان الربیع بن عبد العزى- بعل هذه فکانت خدیجه خالته- فسألت خدیجه رسول الله ص أن یزوجه زینب- و کان رسول الله ص لا یخالف خدیجه- و ذلک قبل أن ینزل علیه الوحی- فزوجه إیاها- فکان أبو العاص من خدیجه بمنزله ولدها- فلما أکرم الله رسوله بنبوته- آمنت به خدیجه و بناته کلهن و صدقته- و شهدن أن ما جاء به حق و دن بدینه- و ثبت أبو العاص على شرکه- و کان رسول الله ص قد زوج عتبه بن أبی- إحدى ابنتیه رقیه أو أم کلثوم- و ذلک من قبل أن ینزل علیه- فلما أنزل علیه الوحی و نادى قومه بأمر الله باعدوه- فقال بعضهم لبعض- إنکم قد فرغتم محمد من همه- أخذتم عنه بناته و أخرجتموهن من عیاله- فردوا علیه بناته فاشغلوه بهن- فمشوا إلى أبی العاص بن الربیع- فقالوا فارق صاحبتک بنت محمد- و نحن نزوجک أی‏امرأه شئت من قریش- فقال لا ها الله إذن لا أفارق صاحبتی- و ما أحب أن لی بها امرأه من قریش- فکان رسول الله ص إذا ذکره یثنی علیه خیرا فی صهره- ثم مشوا إلى الفاسق عتبه بن أبی لهب- فقالوا له طلق بنت محمد- و نحن ننکحک أی امرأه شئت من قریش- فقال إن أنتم زوجتمونی ابنه أبان بن سعید بن العاص- أو ابنه سعید بن العاص فارقتها- فزوجوه ابنه سعید بن العاص- ففارقها و لم یکن دخل بها- فأخرجها الله من یده کرامه لها و هوانا له- ثم خلف علیها عثمان بن عفان بعده- و کان رسول الله ص مغلوبا على أمره بمکه- لا یحل و لا یحرم- و کان الإسلام قد فرق بین زینب و أبی العاص- إلا أن رسول الله ص کان لا یقدر و هو بمکه- أن یفرق بینهما- فأقامت معه على إسلامها و هو على شرکه- حتى هاجر رسول الله ص إلى المدینه- و بقیت زینب بمکه مع أبی العاص- فلما سارت قریش إلى بدر- سار أبو العاص معهم- فأصیب فی الأسرى یوم بدر- فأتی به النبی ص فکان عنده مع الأسارى- فلما بعث أهل مکه فی فداء أساراهم- بعثت زینب فی فداء أبی العاص بعلها بمال- و کان فیما بعثت به قلاده- کانت خدیجه أمها أدخلتها بها على أبی العاص- لیله زفافها علیه- فلما رآها رسول الله ص رق لها رقه شدیده- و قال للمسلمین إن رأیتم أن تطلقوا لها أسیرها- و تردوا علیها ما بعثت به من الفداء فافعلوا- فقالوا نعم یا رسول الله نفدیک بأنفسنا و أموالنا- فردوا علیها ما بعثت به- و أطلقوا لها أبا العاص بغیر فداء- .

قلت قرأت على النقیب أبی جعفر- یحیى بن أبی زید البصری العلوی رحمه الله- هذا الخبر- فقال أ ترى أبا بکر و عمر لم یشهدا هذا المشهد- أ ما کان یقتضی التکریم و الإحسان-أن یطیب قلب فاطمه بفدک- و یستوهب لها من المسلمین- أ تقصر منزلتها عند رسول الله ص- عن منزله زینب أختها و هی سیده نساء العالمین- هذا إذا لم یثبت لها حق- لا بالنحله و لا بالإرث- فقلت له فدک بموجب الخبر- الذی رواه أبو بکر قد صار حقا من حقوق المسلمین- فلم یجز له أن یأخذه منهم- فقال و فداء أبی العاص بن الربیع- قد صار حقا من حقوق المسلمین- و قد أخذه رسول الله ص منهم- فقلت رسول الله ص صاحب الشریعه- و الحکم حکمه و لیس أبو بکر کذلک- فقال ما قلت هلا أخذه أبو بکر- من المسلمین قهرا فدفعه إلى فاطمه- و إنما قلت هلا استنزل المسلمین عنه- و استوهبه منهم لها- کما استوهب رسول الله ص المسلمین فداء أبی العاص- أ تراه لو قال هذه بنت نبیکم- قد حضرت تطلب هذه النخلات- أ فتطیبون عنها نفسا أ کانوا منعوها ذلک- فقلت له قد قال قاضی القضاه- أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد نحو هذا- قال إنهما لم یأتیا بحسن فی شرع التکرم- و إن کان ما أتیاه حسنا فی الدین- .

قال محمد بن إسحاق- و کان رسول الله ص لما أطلق سبیل أبی العاص- أخذ علیه فیما نرى أو شرط علیه فی إطلاقه- أو أن أبا العاص وعد رسول الله ص ابتداء- بأن یحمل زینب إلیه إلى المدینه- و لم یظهر ذلک من أبی العاص- و لا من رسول الله ص إلا أنه لما خلی سبیله- و خرج إلى مکه- بعث رسول الله ص بعده- زید بن حارثه و رجلا من الأنصار- فقال لهما کونا بمکان کذا- حتى تمر بکما زینب فتصحبانها حتى تأتیانی بها- فخرجا نحو مکه و ذلک بعد بدر بشهر-أو شیعه فلما قدم أبو العاص مکه- أمرها باللحوق بأبیها فأخذت تتجهز قال محمد بن إسحاق- فحدثت عن زینب أنها قالت- بینا أنا أتجهز للحوق بأبی- لقیتنی هند بنت عتبه فقالت- أ لم یبلغنی یا بنت محمد- أنک تریدین اللحوق بأبیک- فقلت ما أردت ذلک- فقالت أی بنت عم لا تفعلی- إن کانت لک حاجه فی متاع أو فیما یرفق بک فی سفرک- أو مال تبلغین به إلى أبیک- فإن عندی حاجتک فلا تضطنی منی- فإنه لا یدخل بین النساء ما یدخل بین الرجال- قالت و ایم الله إنی لأظنها حینئذ صادقه- ما أظنها قالت حینئذ إلا لتفعل- و لکن خفتها فأنکرت أن أکون أرید ذلک- قالت و تجهزت حتى فرغت من جهازی- فحملنی أخو بعلی و هو کنانه بن الربیع- .

قال محمد بن إسحاق- قدم لها کنانه بن الربیع بعیرا فرکبته- و أخذ قوسه و کنانته و خرج بها نهارا- یقود بعیرها و هی فی هودج لها- و تحدث بذلک الرجال من قریش و النساء- و تلاومت فی ذلک و أشفقت- أن تخرج ابنه محمد من بینهم على تلک الحال- فخرجوا فی طلبها سراعا حتى أدرکوها بذی طوى- فکان أول من سبق إلیها- هبار بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد- بن عبد العزى بن قصی- و نافع بن عبد القیس الفهری- فروعها هبار بالرمح و هی فی الهودج- و کانت حاملا فلما رجعت طرحت ما فی بطنها- و قد کانت من خوفها رأت دما و هی فی الهودج- فلذلک أباح رسول الله ص یوم فتح مکه- دم هبار بن الأسود- .

قلت و هذا الخبر أیضا- قرأته على النقیب أبی جعفر رحمه الله- فقال إذا کان رسول الله ص- أباح دم هبار بن الأسود- لأنه روع زینب فألقت ذا بطنها- فظهر الحال أنه لو کان حیا- لأباح دم من روع فاطمه حتى ألقت ذا بطنها- فقلت أروی عنک ما یقوله قوم- إن فاطمه روعت فألقت المحسن- فقال لا تروه عنی و لا ترو عنی بطلانه- فإنی متوقف فی هذا الموضع لتعارض الأخبار عندی فیه- . قال الواقدی فبرک حموها کنانه بن الربیع- و نثل کنانته بین یدیه- ثم أخذ منها سهما فوضعه فی کبد قوسه- و قال أحلف بالله لا یدنو الیوم منها رجل- إلا وضعت فیه سهما فتکر الناس عنه- .

قال و جاء أبو سفیان بن حرب فی جله من قریش- فقال أیها الرجل اکفف عنا نبلک حتى نکلمک فکف- فأقبل أبو سفیان حتى وقف علیه- فقال إنک لم تحسن و لم تصب- خرجت بالمرأه على رءوس الناس علانیه جهارا- و قد عرفت مصیبتنا و نکبتنا- و ما دخل علینا من محمد أبیها- فیظن الناس إذا أنت خرجت بابنته إلیه جهارا- أن ذلک عن ذل أصابنا- و أن ذلک منا وهن- و لعمری ما لنا فی حبسها عن أبیها من حاجه- و ما فیها من ثأر- و لکن ارجع بالمرأه حتى إذا هدأت الأصوات- و تحدث الناس بردها سلها سلا خفیا- فألحقها بأبیها- فردها کنانه بن الربیع إلى مکه- فأقامت بها لیالی حتى إذا هدأ الصوت عنها حملها على بعیرها- و خرج بها لیلا حتى سلمها إلى زید بن حارثه و صاحبه- فقدما بها على رسول الله ص- .

قال محمد بن إسحاق فروى سلیمان بن یسار عن أبی إسحاق الدوسی عن‏ أبی هریره قال بعث رسول الله ص سریه أنا فیها إلى عیر لقریش- فیها متاع لهم و ناس منهم- فقال إن ظفرتم بهبار بن الأسود- و نافع بن عبد قیس فحرقوهما بالنار- حتى إذا کان الغد بعث فقال لنا- إنی کنت قد أمرتکم بتحریق الرجلین إن أخذتموهما- ثم رأیت أنه لا ینبغی لأحد- أن یعذب بالنار إلا الله تعالى- فإن ظفرتم بهما فاقتلوهما و لا تحرقوهما – .

قلت لقائل من المجبره أن یقول- أ لیس هذا نسخ الشی‏ء قبل تقضی وقت فعله- و أهل العدل لا یجیزون ذلک- و هذا السؤال مشکل و لا جواب عنه- إلا بدفع الخبر أما بتضعیف أحد من رواته- أو إبطال الاحتجاج به لکونه خبر واحد- أو بوجه آخر- و هو أن نجیز للنبی الاجتهاد فی الأحکام الشرعیه- کما یذهب إلیه کثیر من شیوخنا- و هو مذهب القاضی أبی یوسف صاحب أبی حنیفه- و مثل هذا الخبر حدیث براءه و إنفاذها مع أبی بکر- و بعث علی ع فأخذها منه فی الطریق- و قرأها على أهل مکه- بعد أن کان أبو بکر هو المأمور بقراءتها علیهم- .

فأما البلاذری فإنه روى أن هبار بن الأسود- کان ممن عرض لزینب بنت رسول الله ص- حین حملت من مکه إلى المدینه- فکان رسول الله ص یأمر سرایاه- إن ظفروا به أن یحرقوه بالنار- ثم قال لا یعذب بالنار إلا رب النار- و أمرهم إن ظفروا به- أن یقطعوا یدیه و رجلیه و یقتلوه- فلم یظفروا به حتى إذا کان یوم الفتح هرب هبار- ثم قدم على رسول الله ص بالمدینه- و یقال أتاه بالجعرانه حین فرغ من أمر حنین- فمثل بین یدیه و هو یقول- أشهد أن لا إله إلا الله و أنک رسول الله- فقبل إسلامه و أمر ألا یعرض له- و خرجت سلمى مولاه رسول الله ص-فقالت لا أنعم الله بک عینا- فقال رسول الله ص- مهلا فقد محا الإسلام ما قبله- . قال البلاذری فقال الزبیر بن العوام- لقد رأیت رسول الله ص- بعد غلظته على هبار بن الأسود- یطأطئ رأسه استحیاء منه- و هبار یعتذر إلیه و هو یعتذر إلى هبار أیضا- .

قال محمد بن إسحاق- فأقام أبو العاص بمکه على شرکه- و أقامت زینب عند أبیها ص بالمدینه- قد فرق بینهما الإسلام- حتى إذا کان قبل الفتح- خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بمال له- و أموال لقریش أبضعوا بها معه- و کان رجلا مأمونا- فلما فرغ من تجارته و أقبل قافلا- لقیته سریه لرسول الله ص- فأصابوا ما معه و أعجزهم هو هاربا- فخرجت السریه بما أصابت من ماله- حتى قدمت به على رسول الله ص- و خرج أبو العاص تحت اللیل- حتى دخل على زینب ابنه رسول الله ص منزلها- فاستجار بها فأجارته- و إنما جاء فی طلب ماله الذی أصابته تلک السریه- فلما کبر رسول الله ص فی صلاه الصبح- و کبر الناس معه صرخت زینب من صفه النساء- أیها الناس إنی قد أجرت أبا العاص بن الربیع- فصلى رسول الله ص بالناس الصبح- فلما سلم من الصلاه أقبل علیهم- فقال أیها الناس هل سمعتم ما سمعت- قالوا نعم قال أما و الذی نفس محمد بیده- ما علمت بشی‏ء مما کان حتى سمعتم- إنه یجیر على الناس أدناهم- ثم انصرف و دخل على ابنته زینب- فقال أی بنیه أکرمی مثواه- و أحسنی قراه و لا یصلن إلیک- فإنک‏ لا تحلین له- ثم بعث إلى تلک السریه- الذین کانوا أصابوا مال أبی العاص- فقال لهم إن هذا الرجل منا بحیث علمتم- و قد أصبتم له مالا- فإن تحسنوا و تردوا علیه الذی له فإنا نحب ذلک- و إن أبیتم فهو فی‏ء الله الذی أفاء علیکم- و أنتم أحق به- فقالوا یا رسول الله بل نرده علیه- فردوا علیه ماله و متاعه- حتى إن الرجل کان یأتی بالحبل- و یأتی الآخر بالشنه و یأتی الآخر بالإداوه- و الآخر بالشظاظ- حتى ردوا ماله و متاعه بأسره- من عند آخره و لم یفقد منه شیئا- ثم احتمل إلى مکه- فلما قدمها أدى إلى کل ذی مال من قریش ماله- ممن کان أبضع معه بشی‏ء- حتى إذا فرغ من ذلک- قال لهم یا معشر قریش- هل بقی لأحد منکم عندی مال لم یأخذه- قالوا لا فجزاک الله خیرا- لقد وجدناک وفیا کریما- قال فإنی أشهد أن لا إله إلا الله- و أن محمدا رسول الله- و الله ما منعنی من الإسلام- إلا تخوف أن تظنوا- أنی أردت أن آکل أموالکم و أذهب بها- فإذ سلمها الله لکم و أداها إلیکم- فإنی أشهدکم أنی قد أسلمت و اتبعت دین محمد- ثم خرج سریعا حتى قدم على رسول الله المدینه- .

قال محمد بن إسحاق- فحدثنی داود بن الحصین عن عکرمه- عن ابن عباس أن رسول الله ص- رد زینب بعد ست سنین على أبی العاص- بالنکاح الأول لم یحدث شیئا قال الواقدی- فلما فرغ رسول الله ص من أمر الأسارى- و فرق الله عز و جل ببدر بین الکفر و الإیمان- أذل رقاب المشرکین و المنافقین و الیهود- و لم یبق بالمدینه یهودی و لا منافق إلا خضعت عنقه- .

و قال قوم من المنافقین- لیتنا خرجنا معه حتى نصیب غنیمه- و قالت یهود فیما بینها- هو الذی نجد نعته فی کتبنا- و الله لا ترفع له رایه بعد الیوم إلا ظهرت- . و قال کعب بن الأشرف- بطن الأرض الیوم خیر من ظهرها- هؤلاء أشراف الناس و ساداتهم- و ملوک العرب و أهل الحرم و الأمن قد أصیبوا- و خرج إلى مکه فنزل على أبی وداعه بن ضبیره- و جعله یرسل هجاء المسلمین- و رثى قتلى بدر من المشرکین فقال-

طحنت رحى بدر لمهلک أهله
و لمثل بدر یستهل و یدمع‏

قتلت سراه الناس حول حیاضه‏
لا تبعدوا إن الملوک تصرع‏

و یقول أقوام أذل بعزهم
إن ابن أشرف ظل کعبا یجزع‏

صدقوا فلیت الأرض ساعه قتلوا
ظلت تسیخ بأهلها و تصدع‏

نبئت أن الحارث بن هشامهم
فی الناس یبنی الصالحات و یجمع‏

لیزور یثرب بالجموع و إنما
یسعى على الحسب القدیم الأروع‏

قال الواقدی- أملاها علی عبد الله بن جعفر- و محمد بن صالح و ابن أبی الزناد- فلما أرسل کعب هذه الأبیات- أخذها الناس بمکه عنه- و أظهروا المراثی و قد کانوا حرموها- کیلا یشمت المسلمون بهم- و جعل الصبیان و الجواری ینشدونها بمکه- فناحت بها قریش‏ على قتلاها شهرا- و لم تبق دار بمکه إلا فیها النوح- و جز النساء شعورهن- و کان یؤتى براحله الرجل منهم أو بفرسه- فتوقف بین أظهرهم فینوحون حولها- و خرجن إلى السکک- و ضربن الستور فی الأزقه- و قطعن فخرجن إلیها ینحن- و صدق أهل مکه رؤیا عاتکه و جهیم بن الصلت- . قال الواقدی- و کان الذین قدموا من قریش- فی فداء الأسرى أربعه عشر رجلا- و قیل خمسه عشر رجلا- و کان أول من قدم المطلب بن أبی وداعه- ثم قدم الباقون بعده بثلاث لیال- .

قال فحدثنی إسحاق بن یحیى- قال سألت نافع بن جبیر- کیف کان الفداء قال- أرفعهم أربعه آلاف إلى ثلاثه آلاف- إلى ألفین إلى ألف- إلا قوما لا مال لهم من علیهم رسول الله ص- . قال الواقدی- و قال رسول الله ص فی أبی وداعه- إن له بمکه ابنا کیسا له مال- و هو مغل فداءه- فلما قدم افتداه بأربعه آلاف- و کان أول أسیر افتدی- و ذلک أن قریشا قالت لابنه المطلب بن أبی وداعه- و رأته یتجهز یخرج إلیه لا تعجل- فإنا نخاف أن تفسد علینا فی أسارانا- و یرى محمد تهالکنا فیغلی علینا الفدیه- فإن کنت تجد فإن کل قومک لا یجدون من السعه ما تجد- فقال لا أخرج حتى تخرجوا- فخادعهم حتى إذا غفلوا خرج من اللیل على راحلته- فسار أربعه لیال إلى المدینه فافتدى أباه بأربعه آلاف- فلامه قریش فی ذلک- فقال ما کنت لأترک أبی أسیرا فی أیدی القوم- و أنتم مضجعون- فقال أبو سفیان بن حرب- إن هذا غلام حدث یعجب بنفسه و برأیه- و هو مفسد علیکم- إنی و الله غیر مفتد عمرو بن أبی سفیان- و لو مکث سنه أو یرسله محمد- و الله ما أنا بأعوذکم- و لکنی أکره أن أدخل علیکم ما یشق علیکم- و لکن یکون عمرو کأسوتکم- .

قال الواقدی- فأما أسماء القوم الذین قدموا فی الأسرى- فإنه قدم من بنی عبد شمس- الولید بن عقبه بن أبی معیط- و عمرو بن الربیع أخو أبی العاص بن الربیع- و من بنی نوفل بن عبد مناف جبیر بن مطعم- و من بنی عبد الدار بن قصی طلحه بن أبی طلحه- و من بنی أسد بن عبد العزى بن قصی- عثمان بن أبی حبیش- و من بنی مخزوم عبد الله بن أبی ربیعه- و خالد بن الولید و هشام بن الولید بن المغیره- و فروه بن السائب و عکرمه بن أبی جهل- و من بنی جمح أبی بن خلف و عمیر بن وهب- و من بنی سهم المطلب بن أبی وداعه- و عمرو بن قیس- و من بنی مالک بن حسل- مکرز بن حفص بن الأحنف- کل هؤلاء قدموا المدینه فی فداء أهلهم و عشائرهم- و کان جبیر بن مطعم یقول- دخل الإسلام فی قلبی منذ قدمت المدینه فی الفداء- سمعت رسول الله ص یقرأ فی صلاه المغرب- وَ الطُّورِ وَ کِتابٍ مَسْطُورٍ- فاستمعت قراءته- فدخل الإسلام فی قلبی منذ ذلک الیوم
القول فی تفصیل أسماء أسارى بدر و من أسرهم

قال الواقدی- أسر من بنی هاشم العباس بن عبد المطلب- أسره أبو الیسر کعب بن عمرو- و عقیل بن أبی طالب- أسره عبید بن أوس الظفری- و نوفل بن الحارث‏ بن عبد المطلب- أسره جبار بن صخر- و أسر حلیف لبنی هاشم من بنی فهر- اسمه عتبه فهؤلاء أربعه- .

و من بنی المطلب بن عبد مناف السائب بن عبید- و عبید بن عمرو بن علقمه- رجلان أسرهما سلمه بن أسلم بن حریش الأشهلی- . قال الواقدی- حدثنی بذلک ابن أبی حبیبه- قال و لم یقدم لهما أحد و کانا لا مال لهما- ففک رسول الله ص عنهما بغیر فدیه- .

و من بنی عبد شمس بن عبد مناف- عقبه بن أبی معیط المقتول صبرا- على ید عاصم بن ثابت بن أبی الأقلح بأمر رسول الله- أسره عبد الله بن أبی سلمه العجلانی- و الحارث بن أبی وحره بن أبی عمرو بن أمیه- أسره سعد بن أبی وقاص- فقدم فی فدائه الولید بن عقبه بن أبی معیط- فافتداه بأربعه آلاف- .

قال الواقدی- و قد کان الحارث هذا لما أمر النبی ص برد الأسارى- ثم أقرع بین أصحابه علیهم- وقع فی سهم سعد بن أبی وقاص- الذی کان أسره أول مره- و عمرو بن أبی سفیان- أسره علی بن أبی طالب ع- و صار بالقرعه فی سهم رسول الله ص- فأطلقه بغیر فدیه- أطلقه بسعد بن النعمان بن أکال من بنی معاویه- خرج معتمرا فحبس بمکه فلم یطلقه المشرکون- حتى أطلق رسول الله ص عمرو بن أبی سفیان- .

و روى محمد بن إسحاق فی کتاب المغازی- أن عمرو بن أبی سفیان أسره علی ع یوم بدر- و کانت أمه ابنه عقبه بن أبی معیط- فمکث فی ید رسول الله ص- فقیل لأبی سفیان أ لا تفتدی ابنک عمرا- قال أ یجمع علی دمی و مالی- قتلوا حنظله و أفتدی عمرا- دعوه فی أیدیهم فلیمسکوه ما بدا لهم- فبینا هو محبوس بالمدینه- خرج‏ سعد بن النعمان بن أکال- أخو بنی عمرو بن عوف معتمرا- و معه امرأه له- و کان شیخا کبیرا لا یخشى ما صنع به أبو سفیان- و قد عهد قریشا ألا یعرض لحاج و لا معتمر- فعدا علیه أبو سفیان- فحبسه بمکه بابنه عمرو بن أبی سفیان- و أرسل إلى قوم بالمدینه هذا الشعر-

أ رهط ابن أکال أجیبوا دعاءه
تعاقدتم لا تسلموا السید الکهلا

فإن بنی عمرو لئام أذله
لئن لم یفکوا عن أسیرهم الکبلا

فمشى بنو عمرو بن عوف حین بلغهم الخبر- إلى رسول الله ص فأخبروه بذلک- و سألوه أن یعطیهم عمرو بن أبی سفیان- لیفکوا به صاحبهم فأعطاهم إیاه- فبعثوا به إلى أبی سفیان فخلى سبیل سعد- و قال حسان بن ثابت یجیب أبا سفیان-

و لو کان سعد یوم مکه مطلقا
لأکثر فیکم قبل أن یؤسر القتلى‏

بعضب حسام أو بصفراء نبعه
تحن إذا ما أنبضت تحفز التبلا

و أبو العاص بن الربیع أسره خراش بن الصمه- فقدم فی فدائه عمرو بن أبی الربیع أخوه- و حلیف لهم یقال له أبو ریشه- افتداه عمرو بن الربیع أیضا- و عمرو بن الأزرق افتکه عمرو بن الربیع أیضا- و کان قد صار فی سهم تمیم مولى خراش بن الصمه- و عقبه بن الحارث الحضرمی أسره عماره بن حزم- فصار فی القرعه لأبی بن کعب- افتداه عمرو بن أبی سفیان بن أمیه- و أبو العاص بن نوفل بن عبد شمس- أسره عمار بن یاسر قدم فی فدائه ابن عمه- فهؤلاء ثمانیه- .

و من بنی نوفل بن عبد مناف عدی بن الخیار- أسره خراش بن الصمه و عثمان بن عبد شمس- ابن أخی عتبه بن غزوان حلیفهم- أسره حارثه بن النعمان و أبو ثور- أسره أبو مرثد الغنوی- فهؤلاء ثلاثه افتداهم جبیر بن مطعم- . و من بنی عبد الدار بن قصی- أبو عزیز بن عمیر أسره أبو الیسر- ثم صار بالقرعه لمحرز بن نضله- قال الواقدی- أبو عزیز هذا هو أخو مصعب بن عمیر لأبیه و أمه- و قال مصعب لمحرز بن نضله اشدد یدیک به- فإن له أما بمکه کثیره المال- فقال له أبو عزیز هذه وصاتک بی یا أخی- فقال مصعب إنه أخی دونک- فبعثت فیه أمه أربعه آلاف- و ذلک بعد أن سألت ما أغلى ما تفادی به قریش- فقیل لها أربعه آلاف- و الأسود بن عامر بن الحارث بن السباق- أسره حمزه بن عبد المطلب- فهذان اثنان قدم فی فدائهما طلحه بن أبی طلحه و من بنی أسد بن عبد العزى بن قصی- السائب بن أبی حبیش بن المطلب- بن أسد بن عبد العزى- أسره عبد الرحمن بن عوف- و عثمان بن الحویرث بن عثمان بن أسد بن عبد العزى- أسره حاطب بن أبی بلتعه- و سالم بن شماخ أسره سعد بن أبی وقاص- فهؤلاء ثلاثه قدم فی فدائهم عثمان بن أبی حبیش- بأربعه آلاف لکل رجل منهم- . و من بنی تمیم بن مره- مالک بن عبد الله بن عثمان- أسره قطبه بن عامر بن حدیده- فمات فی المدینه أسیرا- .

و من بنی مخزوم خالد بن هشام بن المغیره- أسره سواد بن غزیه- و أمیه بن أبی حذیفه بن المغیره أسره بلال- و عثمان بن عبد الله بن المغیره- و کان أفلت یوم نخله- أسره واقد بن عبد الله التمیمی یوم بدر- فقال له الحمد لله الذی أمکننی منک- فقد کنت أفلت یوم نخله- و قدم فی فداء هؤلاء الثلاثه عبد الله بن أبی ربیعه- افتدى کل واحد منهم بأربعه آلاف- و الولید بن الولید بن المغیره- أسره عبد الله بن جحش-فقدم فی فدائه أخواه- خالد بن الولید و هشام بن الولید- فتمنع عبد الله بن جحش حتى افتکاه بأربعه آلاف- فجعل هشام بن الولید یرید ألا یبلغ ذلک- یرید ثلاثه آلاف فقال خالد لهشام- إنه لیس بابن أمک- و الله لو أبى فیه إلا کذا و کذا لفعلت- فلما افتدیاه خرجا به حتى بلغا به ذا الحلیفه- فأفلت فأتى النبی ص فأسلم- فقیل أ لا أسلمت قبل أن تفتدى- قال کرهت أن أسلم حتى أکون أسوه بقومی- .

قال الواقدی- و یقال إن الذی أسر الولید بن الولید- سلیط بن قیس المازنی- و قیس بن السائب أسره عبده بن الحسحاس- فحبسه عنده حینا و هو یظن أن له مالا- ثم قدم فی فدائه أخوه فروه بن السائب- فأقام أیضا حینا- ثم افتداه بأربعه آلاف فیها عروض- .

و من بنی أبی رفاعه- صیفی بن أبی رفاعه بن عائذ- بن عبد الله بن عمیر بن مخزوم- و کان لا مال له أسره رجل من المسلمین- فمکث عندهم ثم أرسله- و أبو المنذر بن أبی رفاعه بن عائذ- افتدی بألفین و لم یذکر الواقدی من أسره- و عبد الله و هو أبو عطاء بن السائب- بن عائذ بن عبد الله- افتدی بألف درهم- أسره سعد بن أبی وقاص- و المطلب بن حنظله بن الحارث- بن عبید بن عمیر بن مخزوم- أسره أبو أیوب الأنصاری- و لم یکن له مال فأرسله بعد حین- و خالد بن الأعلم العقیلی- حلیف لبنی مخزوم و هو الذی یقول-

و لسنا على الأعقاب تدمى کلومنا
و لکن على أقدامنا تقطر الدما

و قال محمد بن إسحاق- روی أنه کان أول المنهزمین- أسره الخباب بن المنذر بن الجموح- و قدم فی فدائه عکرمه بن أبی جهل- فهؤلاء عشره- .

و من بنی جمح عبد الله بن أبی بن خلف- أسره فروه بن أبی عمرو البیاضی- قدم فی فدائه أبوه أبی بن خلف- فتمنع به فروه حینا- و أبو غزه عمرو بن عبد الله بن وهب- أطلقه رسول الله ص بغیر فدیه- و کان شاعرا خبیث اللسان- ثم قتله یوم أحد بعد أن أسره- و لم یذکر الواقدی الذی أسره یوم بدر- و وهب بن عمیر بن وهب- أسره رفاعه بن رافع الزرقی- و قدم أبوه عمیر بن وهب فی فدائه- فأسلم فأرسل النبی ص له ابنه بغیر فداء- و ربیعه بن دراج بن العنبس بن وهبان- بن وهب بن حذافه بن جمح- و کان لا مال له فأخذ منه بشی‏ء یسیر- و أرسل به و لم یذکر الواقدی من أسره- و الفاکه مولى أمیه بن خلف- أسره سعد بن أبی وقاص فهؤلاء خمسه- .

و من بنی سهم بن عمرو أبو وداعه بن ضبیره- و کان أول أسیر افتدی- قدم فی فدائه ابنه المطلب فافتداه بأربعه آلاف- و لم یذکر الواقدی من أسره- و فروه بن قیس بن عدی بن حذافه بن سعید بن سهم- أسره ثابت بن أقزم- و قدم فی فدائه عمرو بن قیس افتداه بأربعه آلاف- و حنظله بن قبیصه بن حذاقه بن سعد- أسره عثمان بن مظعون- و الحجاج بن الحارث بن قیس بن سعد بن سهم- أسره عبد الرحمن بن عوف فأفلت- فأخذه أبو داود المازنی فهؤلاء أربعه- .

و من بنی مالک بن حسل- سهیل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالک- أسره مالک بن الدخشم- و قدم فی فدائه مکرز بن حفص بن الأحنف- و انتهى فی فدائه إلى إرضائهم بأربعه آلاف- فقالوا هات المال- فقال نعم اجعلوا رجلا مکان رجل-و قوم یروونها رجلا مکان رجل- فخلوا سبیل سهیل و حبسوا مکرز بن حفص عندهم- حتى بعث سهیل بالمال من مکه- و عبد الله بن زمعه بن قیس بن نصر بن مالک- أسره عمیر بن عوف مولى سهیل بن عمرو- و عبد العزى بن مشنوء بن وقدان- بن قیس بن عبد شمس بن عبد ود- سماه رسول الله ص بعد إسلامه عبد الرحمن- أسره النعمان بن مالک فهؤلاء ثلاثه- .

و من بنی فهر الطفیل بن أبی قنیع- فهؤلاء سته و أربعون أسیرا- . و فی کتاب الواقدی- أنه کان الأسارى الذین أحصوا و عرفوا تسعه و أربعین- و لم نجد التفصیل یلحق هذه الجمله- . و روى الواقدی عن سعید بن المسیب- قال کانت الأسارى سبعین- و أن القتلى کانت زیاده على سبعین- إلا أن المعروفین من الأسرى هم الذین ذکرناهم- و الباقون لم یذکر المؤرخون أسماءهم

القول فی المطعمین فی بدر من المشرکین

قال الواقدی- المتفق علیه و لا خلاف بینهم فیه تسعه- فمن بنی عبد مناف- الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف- و عتبه و شیبه ابنا ربیعه بن عبد شمس- . و من بنی أسد بن عبد العزى- زمعه بن الأسود بن المطلب بن أسد- و نوفل بن خویلد المعروف بابن العدویه- . و من بنی مخزوم أبو جهل عمرو بن هشام بن المغیره- . و من بنی جمح أمیه بن خلف- .

و من بنی سهم نبیه و منبه ابنا الحجاج- . فهؤلاء تسعه- . قال الواقدی و کان سعید بن المسیب یقول- ما أطعم أحد ببدر إلا قتل- . قال الواقدی- قد ذکروا عده من المطعمین اختلف فیهم- کسهیل بن عمرو و أبی البختری و غیرهما- . قال حدثنی إسماعیل بن إبراهیم- عن موسى بن عتبه- قال أول من نحر لهم أبو جهل بمر الظهران عشرا- ثم أمیه بن خلف بعسفان تسعا- ثم سهیل بن عمرو بقدید عشرا- ثم مالوا إلى میاه من نحو البحر ضلوا الطریق- فأقاموا بها یوما- فنحر لهم شیبه بن ربیعه تسعا- ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم قیس الجمحی تسعا- ثم نحر عتبه عشرا- و نحر لهم الحارث بن عمرو تسعا- ثم نحر لهم أبو البختری على ماء بدر عشرا- و نحر لهم مقیس بن ضبابه على ماء بدر تسعا- ثم شغلتهم الحرب- . قال الواقدی- و قد کان ابن أبی الزناد یقول- و الله ما أظن مقیسا کان یقدر على قلوص واحده- . قال الواقدی- و أما أنا فلا أعرف قیسا الجمحی- قال و قد روت أم بکر- عن المسور بن مخرمه ابنها- قال کان النفر یشترکون فی الإطعام- فینسب إلى الرجل الواحد و یسکت عن سائرهم- .

و روى محمد بن إسحاق- أن العباس بن عبد المطلب کان من المطعمین فی بدر- و کذلک طعیمه بن عدی بن نوفل- کان یعتقب هو و حکیم و الحارث بن عامر بن نوفل- و کان أبو البختری یعتقب هو و حکیم بن حزام فی الإطعام- و کان النضر بن الحارث بن کلده بن علقمه- بن عبد مناف بن عبد الدار من المطعمین- قال و کان النبی ص یکره قتل‏الحارث بن عامر- قال یوم بدر- من ظفر به منکم فلیترکه لأیتام بنی نوفل- فقتل فی المعرکه

القول فیمن استشهد من المسلمین ببدر

قال الواقدی حدثنی عبد الله بن جعفر- قال سألت الزهری کم استشهد من المسلمین ببدر- قال أربعه عشر- سته من المهاجرین و ثمانیه من الأنصار- . قال فمن بنی المطلب بن عبد مناف- عبیده بن الحارث قتله شیبه بن ربیعه- . و فی روایه الواقدی قتله عتبه- فدفنه النبی ص بالصفراء- . و من بنی زهره عمیر بن أبی وقاص- قتله عمرو بن عبد ود فارس الأحزاب- و عمیر بن عبد ود ذو الشمالین- حلیف لبنی زهره بن خزاعه- قتله أبو أسامه الجشمی- .

و من بنی عدی بن کعب عاقل بن أبی البکیر- حلیف لهم من بنی سعد بن بکر- قتله مالک بن زهیر الجشمی- و مهجع مولى عمر بن الخطاب قتله عامر بن الحضرمی- و یقال إن مهجعا أول من قتل من المهاجرین- . و من بنی الحارث بن فهر صفوان بن بیضاء- قتله طعیمه بن عدی- . و هؤلاء السته من المهاجرین- . و من الأنصار ثم من بنی عمرو بن عوف- مبشر بن عبد المنذر قتله أبو ثور- و سعد بن خیثمه قتله عمرو بن عبد ود- و یقال طعیمه بن عدی- و من بنی عدی بن النجار حارثه بن سراقه- رماه حبان بن العرقه بسهم فأصاب حنجرته فقتله- . و من بنی مالک بن النجار- عوف و معوذ ابنا عفراء- قتلهما أبو جهل- .

و من بنی سلمه بن حرام- عمیر بن الحمام بن الجموح- قتله خالد بن الأعلم العقیلی- و یقال إن عمیر بن الحمام أول قتیل قتل من الأنصار- و قد روی أن أول قتیل منهم حارث بن سراقه- . و من بنی زریق رافع بن المعلى- قتله عکرمه بن أبی جهل- . و من بنی الحارث بن الخزرج- یزید بن الحارث بن قسحم- قتله نوفل بن معاویه الدیلی- . فهؤلاء الثمانیه من الأنصار- .

قال الواقدی- و قد روی عن عکرمه عن ابن عباس- أن أنسه مولى النبی ص قتل ببدر- . و روی أن معاذ بن ماعص جرح ببدر- فمات من جراحته بالمدینه- و أن عبید بن السکن جرح فاشتکى جرحه- فمات منه حین قدم

القول فیمن قتل ببدر من المشرکین و أسماء قاتلیهم

قال الواقدی- فمن بنی عبد شمس بن عبد مناف- حنظله بن أبی سفیان بن حرب- قتله علی بن أبی طالب ع- و الحارث بن الحضرمی قتله عمار بن یاسر- و عامر بن الحضرمی- قتله عاصم بن ثابت بن أبی الأقلح- و عمیر بن أبی عمیر و ابنه مولیان لهم- قتل سالم مولى أبی حذیفه منهم عمیر بن أبی عمیر- و لم یذکر الواقدی من قتل ابنه- و عبیده بن سعید بن العاص- قتله الزبیر بن العوام- و العاص بن سعید بن العاص- قتله علی بن أبی طالب ع- و عقبه بن أبی معیط- قتله عاصم بن ثابت صبرا بالسیف- بأمر رسول الله ص- .

و روى البلاذری- أن رسول الله ص صلبه بعد قتله- فکان أول مصلوب فی الإسلام- قال و فیه یقول ضرار بن الخطاب- عین بکی لعقبه بن أبان فرع فهر و فارس الفرسان‏- . و عتبه بن ربیعه قتله حمزه بن عبد المطلب- و شیبه بن ربیعه قتله عبیده بن الحارث- و حمزه و علی- الثلاثه اشترکوا فی قتله- و الولید بن عتبه بن ربیعه- قتله علی بن أبی طالب ع- و عامر بن عبد الله حلیف لهم من أنمار- قتله علی بن أبی طالب ع- و قیل قتله سعد بن معاذ فهؤلاء اثنا عشر- .

و من بنی نوفل بن عبد مناف الحارث بن نوفل- قتله خبیب بن یساف- و طعیمه بن عدی و یکنى أبا الریان- قتله حمزه بن عبد المطلب فی روایه الواقدی- و قتله علی بن أبی طالب ع- فی روایه محمد بن إسحاق- و روى البلاذری روایه غریبه- أن طعیمه بن عدی أسر یوم بدر- فقتله النبی ص صبرا على ید حمزه- فهؤلاء اثنان- . و من بنی أسد بن عبد العزى- زمعه بن الأسود قتله أبو دجانه- و قیل قتله ثابت بن الجذع- و الحارث بن زمعه بن الأسود- قتله علی بن أبی طالب ع- و عقیل بن الأسود بن المطلب- قتله علی و حمزه شرکا فی قتله- .

قال الواقدی و حدثنی أبو معشر- قال قتله علی بن أبی طالب ع وحده- و قیل قتله أبو داود المازنی وحده- و أبو البختری و هو العاص بن هشام- قتله المجذر بن‏ زیاد- و قیل قتله أبو الیسر- و نوفل بن خویلد بن أسد بن عبد العزى- و هو ابن العدویه- قتله علی ع فهؤلاء خمسه- . و من بنی عبد الدار بن قصی- النضر بن الحارث بن کلده- قتله علی بن أبی طالب ع صبرا بالسیف- بأمر رسول الله ص- و کان الذی أسره المقداد بن عمرو- فوعد المقداد إن استنقذه بفداء جلیل- فلما قدم لیقتل- قال المقداد یا رسول الله- إنی ذو عیال و أحب الدین- فقال اللهم أغن المقداد من فضلک- یا علی قم فاضرب عنقه- و زید بن ملیص- مولى عمرو بن هاشم بن عبد مناف من عبد الدار- قتله علی بن أبی طالب ع- و قیل قتله بلال فهؤلاء اثنان- .

و من بنی تیم بن مره- عمیر بن عثمان بن عمرو بن کعب- بن سعد بن تیم بن مره- قتله علی بن أبی طالب ع- و عثمان بن مالک بن عبید الله بن عثمان قتله صهیب- فهؤلاء اثنان- و لم یذکر البلاذری عثمان بن مالک- . و من بنی مخزوم بن یقظه- ثم من بنی المغیره بن عبد الله بن عمیر بن مخزوم- أبو جهل عمرو بن هشام بن المغیره- ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح- و معوذ و عوف ابنا عفراء- و ذفف علیه عبد الله بن مسعود- و العاص بن هاشم بن المغیره خال عمر بن الخطاب- قتله عمرو بن یزید بن تمیم التمیمی- حلیف لهم قتله عمار بن یاسر- و قیل قتله علی ع- .

و من بنی الولید بن المغیره- أبو قیس بن الولید بن الولید- أخو خالد بن الولید- قتله علی بن أبی طالب ع- . و من بنی الفاکه بن المغیره- أبو قیس بن الفاکه بن المغیره- قتله حمزه بن عبد المطلب- و قیل قتله الحباب بن المنذر- .

و من بنی أمیه بن المغیره مسعود بن أبی أمیه- قتله علی بن أبی طالب ع- .

و من بنی عائذ بن عبد الله بن عمیر بن مخزوم- ثم من بنی رفاعه- أمیه بن عائذ بن رفاعه بن أبی رفاعه- قتله سعد بن الربیع- و أبو المنذر بن أبی رفاعه- قتله معن بن عدی العجلانی- و عبد الله بن أبی رفاعه- قتله علی بن أبی طالب ع- و زهیر بن أبی رفاعه قتله أبو أسید الساعدی- و السائب بن أبی رفاعه قتله عبد الرحمن بن عوف- .

و من بنی أبی السائب المخزومی- و هو صیفی بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم- السائب بن السائب قتله الزبیر بن العوام- و الأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم- قتله حمزه بن عبد المطلب- و حلیف لهم من طیئ و هو عمرو بن شیبان- قتله یزید بن قیس- و حلیف آخر و هو جبار بن سفیان- أخو عمرو بن سفیان المقدم ذکره- قتله أبو برده بن نیار- .

و من بنی عمران بن مخزوم- حاجز بن السائب بن عویمر بن عائذ- قتله علی ع- . و روى البلاذری- أن حاجزا هذا و أخاه عویمر بن السائب بن عویمر- قتلهما علی بن أبی طالب ع- و عویمر بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم- قتله النعمان بن أبی مالک فهؤلاء تسعه عشر- . و من بنی جمح بن عمرو بن هصیص أمیه بن خلف- قتله خبیب بن یساف و بلال شرکا فیه- .

قال الواقدی- و کان معاذ بن رفاعه بن رافع یقول- بل قتله أبو رفاعه بن رافع- .و علی بن أمیه بن خلف قتله عمار بن یاسر- و أوس بن المغیره بن لوذان- قتله علی ع و عثمان بن مظعون- شرکا فیه فهؤلاء ثلاثه- .

و من بنی سهم منبه بن الحجاج- قتله علی بن أبی طالب ع- و قیل قتله أبو أسید الساعدی- و نبیه بن الحجاج قتله علی بن أبی طالب ع- و العاص بن منبه بن الحجاج قتله علی ع- و أبو العاص بن قیس بن عدی بن سعد بن سهم- قتله أبو دجانه- قال الواقدی و حدثنی أبو معشر عن أصحابه- قالوا قتله علی ع- و عاص بن أبی عوف بن صبیره بن سعید بن سعد- قتله أبو دجانه فهؤلاء خمسه و من بنی عامر بن لؤی- ثم من بنی مالک بن حسل- معاویه بن عبد قیس حلیف لهم- قتله عکاشه بن محصن- و معبد بن وهب حلیف لهم من کلب- قتله أبو دجانه فهؤلاء اثنان- .

فجمیع من قتل ببدر- فی روایه الواقدی من المشرکین فی الحرب صبرا- اثنان و خمسون رجلا- قتل علی ع منهم مع الذین شرک فی قتلهم- أربعه و عشرین رجلا- و قد کثرت الروایه- أن المقتولین ببدر کانوا سبعین- و لکن الذین عرفوا و حفظت أسماؤهم من ذکرناه- و فی روایه الشیعه أن زمعه بن الأسود بن المطلب- قتله علی- و الأشهر فی الروایه أنه قتله الحارث بن زمعه- و أن زمعه قتله أبو دجانه

القول فیمن شهد بدرا من المسلمین

قال الواقدی کانوا ثلاثمائه و ثلاثه عشر رجلا- مع القوم الذین ضرب لهم رسول الله ص- بسهامهم و هم غائبون و عدتهم ثمانیه- قال و هذا هو الأغلب فی الروایه-قال و لم یشهد بدرا من المسلمین- إلا قرشی أو حلیف لقرشی- أو أنصاری أو حلیف لأنصاری- أو مولى واحد منهما- و هکذا من جانب المشرکین- فإنه لم یشهدها إلا قرشی أو حلیف لقرشی أو مولى لهم- . قال فکانت قریش و موالیها و حلفاؤها- سته و ثمانین رجلا- و کانت الأنصار و موالیها و حلفاؤها- مائتین و سبعه و عشرین رجلا- . فأما تفصیل أسماء من شهدها من المسلمین- فله موضع فی کتب المحدثین- أملک به من هذا الموضع

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۴

بازدیدها: ۹۰

نامه ۹ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)(کتاب له ع إلى معاویه) جز الاول

۹ و من کتاب له ع إلى معاویه

فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِیِّنَا وَ اجْتِیَاحَ أَصْلِنَا- وَ هَمُّوا بِنَا الْهُمُومَ وَ فَعَلُوا بِنَا الْأَفَاعِیلَ- وَ مَنَعُونَا الْعَذْبَ وَ أَحْلَسُونَا الْخَوْفَ- وَ اضْطَرُّونَا إِلَى جَبَلٍ وَعْرٍ- وَ أَوْقَدُوا لَنَا نَارَ الْحَرْبِ- فَعَزَمَ اللَّهُ لَنَا عَلَى الذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ- وَ الرَّمْیِ مِنْ وَرَاءِ حَوْمَتِهِ- مُؤْمِنُنَا یَبْغِی بِذَلِکَ الْأَجْرِ وَ کَافِرُنَا یُحَامِی عَنِ الْأَصْلِ- وَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَیْشٍ خِلْوٌ مِمَّا نَحْنُ فِیهِ بِحِلْفٍ یَمْنَعُهُ- أَوْ عَشِیرَهٍ تَقُومُ دُونَهُ فَهُوَ مِنَ الْقَتْلِ بِمَکَانِ أَمْنٍ- وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ- وَ أَحْجَمَ النَّاسُ- قَدَّمَ أَهْلَ بَیْتِهِ- فَوَقَى بِهِمْ أَصْحَابَهُ حَرَّ السُّیُوفِ وَ الْأَسِنَّهِ- فَقُتِلَ عُبَیْدَهُ بْنُ الْحَارِثِ یَوْمَ بَدْرٍ- وَ قُتِلَ حَمْزَهُ یَوْمَ أُحُدٍ- وَ قُتِلَ جَعْفَرٌ یَوْمَ مُؤْتَهَ- وَ أَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَکَرْتُ اسْمَهُ- مِثْلَ الَّذِی أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَهِ- وَ لَکِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ وَ مَنِیَّتَهُ أُخِّرَتْ- فَیَا عَجَباً لِلدَّهْرِ- إِذْ صِرْتُ یُقْرَنُ بِی مَنْ لَمْ یَسْعَ بِقَدَمِی- وَ لَمْ تَکُنْ لَهُ کَسَابِقَتِی- الَّتِی لَا یُدْلِی أَحَدٌ بِمِثْلِهَا- إِلَّا أَنْ یَدَّعِیَ مُدَّعٍ مَا لَا أَعْرِفُهُ وَ لَا أَظُنُّ اللَّهَ یَعْرِفُهُ- وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى کُلِّ حَالٍ- وَ أَمَّا مَا سَأَلْتَ مِنْ دَفْعِ قَتَلَهِ عُثْمَانَ إِلَیْکَ- فَإِنِّی نَظَرْتُ فِی هَذَا الْأَمْرِ- فَلَمْ أَرَهُ یَسَعُنِی دَفْعُهُمْ إِلَیْکَ وَ لَا إِلَى غَیْرِکَ- وَ لَعَمْرِی لَئِنْ لَمْ تَنْزِعْ عَنْ غَیِّکَ وَ شِقَاقِکَ- لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِیلٍ یَطْلُبُونَکَ- لَا یُکَلِّفُونَکَ طَلَبَهُمْ فِی بَرٍّ وَ لَا بَحْرٍ- وَ لَا جَبَلٍ‏وَ لَا سَهْلٍ- إِلَّا أَنَّهُ طَلَبٌ یَسُوءُکَ وِجْدَانُهُ- وَ زَوْرٌ لَا یَسُرُّکَ لُقْیَانُهُ وَ السَّلَامُ لِأَهْلِهِ

قوله ع فأراد قومنا یعنی قریشا- . و الاجتیاح الاستئصال و منه الجائحه و هی السنه- أو الفتنه التی تجتاح المال أو الأنفس- . قوله و منعونا العذب أی العیش العذب- لا أنهم منعوهم الماء العذب على أنه قد نقل- أنهم منعوا أیام الحصار فی شعب بنی هاشم- من الماء العذب- و سنذکر ذلک- . قوله و أحلسونا الخوف أی ألزموناه- و الحلس کساء رقیق یکون تحت برذعه البعیر- و أحلاس البیوت ما یبسط تحت حر الثیاب- و فی الحدیث کن حلس بیتک – أی لا تخالط الناس و اعتزل عنهم- فلما کان الحلس ملازما ظهر البعیر- و أحلاس البیوت ملازمه لها- قال و أحلسونا الخوف- أی جعلوه لنا کالحلس الملازم- . قوله و اضطرونا إلى جبل وعر- مثل ضربه ع لخشونه مقامهم و شظف منزلهم- أی کانت حالنا فیه- کحال من اضطر إلى رکوب جبل وعر- و یجوز أن یکون حقیقه لا مثلا- لأن الشعب الذی حصروهم فیه مضیق بین جبلین- . قوله فعزم الله لنا أی قضى الله لنا- و وفقنا لذلک و جعلنا عازمین علیه- . و الحوزه الناحیه و حوزه الملک بیضته- .

و حومه الماء و الرمل معظمه- . و الرمی عنها المناضله و المحاماه- و یروى و الرمی من وراء حرمته- و الضمیر فی حوزته و حومته- راجع إلى النبی ص و قد سبق ذکره- و هو قوله نبینا و یروى و الرمیا- . و قال الراوندی و هموا بنا الهموم- أی هموا نزول الهم بنا- فحذف المضاف و أقام المضاف إلیه مقامه- و لیس ما قاله بجید- بل الهموم منصوب هاهنا على المصدر- أی هموا بنا هموما کثیره- و هموا بنا أی أرادوا نهبنا- کقوله تعالى وَ هَمَّ بِها على تفسیر أصحابنا- و إنما أدخل لام التعریف فی الهموم- أی هموا بنا تلک الهموم التی تعرفونها- فأتى باللام لیکون أعظم و أکبر- فی الصدور من تنکیرها- أی تلک الهموم معروفه مشهوره بین الناس- لتکرر عزم المشرکین- فی أوقات کثیره مختلفه على الإیقاع- . و قوله و فعلوا بنا الأفاعیل- یقال لمن أثروا آثارا منکره فعلوا بنا الأفاعیل- و قل أن یقال ذلک فی غیر الضرر و الأذى- و منه قول أمیه بن خلف لعبد الرحمن بن عوف- و هو یذکر حمزه بن عبد المطلب یوم بدر- ذاک الذی فعل بنا الأفاعیل- .

قوله یحامی عن الأصل- أی یدافع عن محمد و یذب عنه حمیه و محافظه على النسب- . قوله خلو مما نحن فیه- أی خال و الحلف العهد- . و احمر البأس کلمه مستعاره- أی اشتدت الحرب حتى احمرت الأرض من الدم- فجعل البأس هو الأحمر مجازا- کقولهم الموت الأحمر- .

قوله و أحجم الناس- أی کفوا عن الحرب و جبنوا عن الإقدام- یقال حجمت فلانا عن کذا أحجمه بالضم فأحجم هو- و هذه اللفظه من النوادر کقولهم کببته فأکب- . و یوم مؤته بالهمز و مؤته أرض معروفه- . و قوله و أراد من لو شئت لذکرت اسمه- یعنی به نفسه- . قوله إذ صرت یقرن بی من لم یسع بقدمی- إشاره إلى معاویه فی الظاهر- و إلى من تقدم علیه من الخلفاء فی الباطن- و الدلیل علیه قوله التی لا یدلی أحد بمثلها- فأطلق القول إطلاقا عاما مستغرقا لکل الناس أجمعین- . ثم قال إلا أن یدعی مدع ما لا أعرفه- و لا أظن الله یعرفه- أی کل من ادعى خلاف ما ذکرته فهو کاذب- لأنه لو کان صادقا لکان علی ع یعرفه لا محاله- فإذا قال عن نفسه إن کل دعوه تخالف ما ذکرت- فإنی لا أعرف صحتها فمعناه أنها باطله- . و قوله و لا أظن الله یعرفه- فالظن هاهنا بمعنى العلم کقوله تعالى- وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها- و أخرج هذه الکلمه مخرج قوله تعالى- قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا یَعْلَمُ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ- و لیس المراد سلب العلم بل العلم بالسلب- کذلک لیس مراده ع- سلب الظن الذی هو بمعنى العلم- بل ظن السلب أی علم السلب- أی و أعلم أن الله سبحانه یعرف انتفاءه- و کل ما یعلم الله انتفاءه فلیس بثابت- .

و قال الراوندی قوله ع- و لا أظن الله یعرفه مثل قوله تعالى- وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِینَ مِنْکُمْ وَ الصَّابِرِینَ- .و الله یعلم کل شی‏ء قبل وجوده- و إنما معناه حتى نعلم جهادهم موجودا- و لیست هذه الکلمه من الآیه بسبیل لتجعل مثالا لها- و لکن الراوندی یتکلم بکل ما یخطر له- من غیر أن یمیز ما یقول- . و تقول أدلى فلان بحجته أی احتج بها- و فلان مدل برحمه أی مت بها- و أدلى بماله إلى الحاکم- دفعه إلیه لیجعله وسیله إلى قضاء حاجته منه- فأما الشفاعه فلا یقال فیها أدلیت- و لکن دلوت بفلان أی استشفعت به- و قال عمر لما استسقى بالعباس رحمه الله- اللهم إنا نتقرب إلیک بعم نبیک- و قفیه آبائه و کبر رجاله- دلونا به إلیک مستشفعین قوله ع فلم أره یسعنی- أی لم أر أنه یحل لی دفعهم إلیک- و الضمیر فی أره ضمیر الشأن و القصه- و أره من الرأی لا من الرؤیه- کقولک لم أر الرأی الفلانی- .

و نزع فلان عن کذا- أی فارقه و ترکه ینزع بالکسر- و الغی الجهل و الضلال- . و الشقاق الخلاف- . الوجدان مصدر وجدت کذا أی أصبته- و الزور الزائر- . و اللقیان مصدر لقیت تقول لقیته لقاء و لقیانا- . ثم قال و السلام لأهله- لم یستجز فی الدین أن یقول له و السلام علیک- لأنه عنده فاسق لا یجوز إکرامه- فقال و السلام لأهله أی على أهله- . و یجب أن نتکلم فی هذا الفصل فی مواضع- منها ذکر ما جاء فی السیره- من إجلاب قریش على رسول الله ص و بنی هاشم- و حصرهم فی الشعب- .و منها الکلام فی المؤمنین و الکافرین من بنی هاشم- الذین کانوا فی الشعب محصورین معه ص من هم- . و منها شرح قصه بدر- . و منها شرح غزاه أحد- . و منها شرح غزاه مؤته

الفصل الأول إجلاب قریش على بنی هاشم و حصرهم فی الشعب

فأما الکلام فی الفصل الأول- فنذکر منه ما ذکره محمد بن إسحاق بن یسار- فی کتاب السیره و المغازی- فإنه کتاب معتمد عند أصحاب الحدیث و المؤرخین- و مصنفه شیخ الناس کلهم- . قال محمد بن إسحاق رحمه الله- لم یسبق علیا ع إلى الإیمان بالله- و رساله محمد ص أحد من الناس- اللهم إلا أن تکون خدیجه زوجه رسول الله ص- قال و قد کان ص یخرج و معه علی مستخفین من الناس- فیصلیان الصلوات فی بعض شعاب مکه- فإذا أمسیا رجعا فمکثا بذلک ما شاء الله أن یمکثا- لا ثالث لهما- ثم إن أبا طالب عثر علیهما یوما و هما یصلیان- فقال لمحمد ص یا ابن أخی ما هذا الذی تفعله- فقال أی عم هذا دین الله و دین ملائکته و رسله- و دین أبینا إبراهیم- أو کما قال ع بعثنی الله به رسولا إلى العباد- و أنت أی عم أحق من بذلت له النصیحه- و دعوته إلى الهدى- و أحق من أجابنی إلیه و أعاننی علیه أو کما قال- فقال أبو طالب إنی لا أستطیع یا ابن أخی أن أفارق‏دینی- و دین آبائی و ما کانوا علیه- و لکن و الله لا یخلص إلیک شی‏ء تکرهه ما بقیت- فزعموا أنه قال لعلی أی بنی ما هذا الذی تصنع- قال یا أبتاه آمنت بالله و رسوله و صدقته فیما جاء به- و صلیت إلیه و اتبعت قول نبیه- فزعموا أنه قال له أما إنه لا یدعوک أو لن یدعوک- إلا إلى خیر فالزمه- . قال ابن إسحاق- ثم أسلم زید بن حارثه مولى رسول الله ص- فکان أول من أسلم- و صلى معه بعد علی بن أبی طالب ع- .

ثم أسلم أبو بکر بن أبی قحافه فکان ثالثا لهما- ثم أسلم عثمان بن عفان و طلحه و الزبیر- و عبد الرحمن و سعد بن أبی وقاص- فصاروا ثمانیه- فهم الثمانیه الذین سبقوا الناس إلى الإسلام بمکه- ثم أسلم بعد هؤلاء الثمانیه أبو عبیده بن الجراح- و أبو سلمه بن عبد الأسد و أرقم بن أبی أرقم- ثم انتشر الإسلام بمکه و فشا ذکره- و تحدث الناس به- و أمر الله رسوله أن یصدع بما أمر به- فکانت مده إخفاء رسول الله ص نفسه و شأنه- إلى أن أمر بإظهار الدین ثلاث سنین فیما بلغنی- .

قال محمد بن إسحاق- و لم تکن قریش تنکر أمره حینئذ کل الإنکار- حتى ذکر آلهتهم و عابها- فأعظموا ذلک و أنکروه- و أجمعوا على عداوته و خلافه- و حدب علیه عمه أبو طالب فمنعه و قام دونه- حتى مضى مظهرا لأمر الله لا یرده عنه شی‏ء- قال فلما رأت قریش محاماه أبی طالب عنه- و قیامه دونه و امتناعه من أن یسلمه- مشى إلیه رجال من أشراف قریش- منهم عتبه بن ربیعه و شیبه أخوه- و أبو سفیان بن حرب و أبو البختری بن هشام- و الأسود بن المطلب- و الولید بن المغیره و أبو جهل عمرو بن هشام-و العاص بن وائل و نبیه و منبه ابنا الحجاج- و أمثالهم من رؤساء قریش- فقالوا یا أبا طالب إن ابن أخیک قد سب آلهتنا- و عاب دیننا و سفه أحلامنا و ضلل آراءنا- فإما أن تکفه عنا و إما أن تخلی بیننا و بینه- فقال لهم أبو طالب قولا رفیقا و ردهم ردا جمیلا- فانصرفوا عنه و مضى رسول الله ص على ما هو علیه- یظهر دین الله و یدعو إلیه- ثم شرق الأمر بینه و بینهم تباعدا و تضاغنا- حتى أکثرت قریش ذکر رسول الله ص بینها- و تذامروا فیه و حض بعضهم بعضا علیه- فمشوا إلى أبی طالب مره ثانیه- فقالوا یا أبا طالب إن لک سنا و شرفا و منزله فینا- و إنا قد استنهیناک من ابن أخیک فلم تنهه عنا- و إنا و الله لا نصبر على شتم آبائنا- و تسفیه أحلامنا و عیب آلهتنا- فإما أن تکفه عنا أو ننازله و إیاک- حتى یهلک أحد الفریقین ثم انصرفوا- فعظم على أبی طالب فراق قومه و عداوتهم- و لم تطب نفسه بإسلام ابن أخیه لهم و خذلانه- فبعث إلیه فقال یا ابن أخی إن قومک قد جاءونی- فقالوا لی کذا و کذا للذی قالوا- فأبق علی و على نفسک- و لا تحملنی من الأمر ما لا أطیقه- قال فظن رسول الله ص أنه قد بدا لعمه فیه بداء- و أنه خاذله و مسلمه و أنه قد ضعف عن نصرته و القیام دونه- فقال یا عم- و الله لو وضعوا الشمس فی یمینی و القمر فی شمالی- على أن أترک هذا الأمر ما ترکته- حتى یظهره الله أو أهلک- ثم استعبر باکیا و قام- فلما ولى ناداه أبو طالب أقبل یا ابن أخی فأقبل راجعا- فقال له اذهب یا ابن أخی- فقل ما أحببت فو الله لا أسلمک لشی‏ء أبدا- .

قال ابن إسحاق- و قال أبو طالب یذکر ما أجمعت علیه قریش من حربه- لما قام بنصر محمد ص-

و الله لن یصلوا إلیک بجمعهم
حتى أوسد فی التراب دفینا

فانفذ لأمرک ما علیک مخافه
و ابشر و قر بذاک منه عیونا

و دعوتنی و زعمت أنک ناصحی
و لقد صدقت و کنت قبل أمینا

و عرضت دینا قد علمت بأنه‏
من خیر أدیان البریه دینا

لو لا الملامه أو حذاری سبه
لوجدتنی سمحا بذاک مبینا

 قال محمد بن إسحاق- ثم إن قریشا حین عرفت أن أبا طالب- قد أبى خذلان رسول الله ص و إسلامه إلیهم- و رأوا إجماعه على مفارقتهم و عداوتهم- مشوا إلیه بعماره بن الولید بن المغیره المخزومی- و کان أجمل فتى فی قریش- فقالوا له یا أبا طالب هذا عماره بن الولید- أبهى فتى فی قریش و أجمله- فخذه إلیک فاتخذه ولدا فهو لک- و أسلم لنا هذا ابن أخیک- الذی قد خالف دینک و دین آبائک- و فرق جماعه قومک لنقتله- فإنما هو رجل برجل- فقال أبو طالب و الله ما أنصفتمونی- تعطونی ابنکم أغذوه لکم- و أعطیکم ابنی تقتلونه- هذا و الله ما لا یکون أبدا- فقال له المطعم بن عدی بن نوفل و کان له صدیقا مصافیا- و الله یا أبا طالب ما أراک ترید أن تقبل من قومک شیئا- لعمری قد جهدوا فی التخلص مما تکره- و أراک لا تنصفهم- فقال أبو طالب و الله ما أنصفونی و لا أنصفتنی- و لکنک قد أجمعت على خذلانی- و مظاهره القوم علی فاصنع ما بدا لک‏ قال فعند ذلک تنابذ القوم و صارت الأحقاد- و نادى بعضهم بعضا- و تذامروا بینهم على من فی القبائل من المسلمین- الذین اتبعوا محمدا ص- فوثبت کل قبیله على من فیها منهم- یعذبونهم و یفتنونهم عن دینهم- و منع الله رسوله منهم بعمه أبی طالب- و قام فی بنی هاشم و بنی عبد المطلب- حین رأى قریشا تصنع ما تصنع- فدعاهم إلى ما هو علیه من منع رسول الله ص- و القیام دونه فاجتمعوا إلیه و قاموا معه- و أجابوه إلى ما دعاهم إلیه- من الدفاع عن رسول الله ص- إلا ما کان من أبی لهب- فإنه لم یجتمع معهم على ذلک- فکان أبو طالب یرسل إلیه الأشعار- و یناشده النصر منها القطعه التی أولها-
حدیث عن أبی لهب أتانا و کانفه على ذاکم رجال‏- .

و منها القطعه التی أولها-

أ ظننت عنی قد خذلت و غالنی
منک الغوائل بعد شیب المکبر

و منها القطعه التی أولها-

تستعرض الأقوام توسعهم
عذرا و ما إن قلت من عذر

قال محمد بن إسحاق فلم یؤثر عن أبی لهب خیر قط- إلا ما یروى أن أبا سلمه بن عبد الأسد المخزومی- لما وثب علیه قومه- لیعذبوه و یفتنوه عن الإسلام هرب منهم- فاستجار بأبی طالب و أم أبی طالب مخزومیه- و هی أم عبد الله والد رسول الله ص فأجاره- فمشى إلیه رجال من بنی مخزوم- و قالوا له یا أبا طالب هبک منعت منا ابن أخیک محمدا- فما لک و لصاحبنا تمنعه منا- قال إنه استجار بی و هو ابن أختی- و إن أنا لم أمنع ابن أختی لم أمنع ابن أخی- فارتفعت أصواتهم و أصواته- فقام أبو لهب و لم ینصر أبا طالب قبلها و لا بعدها- فقال یا معشر قریش- و الله لقد أکثرتم على هذاالشیخ- لا تزالون تتوثبون علیه فی جواره من بین قومه- أما و الله لتنتهن عنه- أو لنقومن معه فیما قام فیه حتى یبلغ ما أراد- فقالوا بل ننصرف عما تکره یا أبا عتبه- فقاموا فانصرفوا و کان ولیا لهم- و معینا على رسول الله ص و أبی طالب- فاتقوه و خافوا أن تحمله الحمیه على الإسلام- فطمع فیه أبو طالب حیث سمعه قال ما قال- و أمل أن یقوم معه فی نصره رسول الله ص- فقال یحرضه على ذلک-

و إن امرأ أبو عتیبه عمه
لفی معزل من أن یسام المظالما

و لا تقبلن الدهر ما عشت خطه
تسب بها أما هبطت المواسما

أقول له و أین منه نصیحتی
أبا عتبه ثبت سوادک قائما

و ول سبیل العجز غیرک منهم‏
فإنک لم تخلق على العجز لازما

و حارب فإن الحرب نصف و لن ترى
أخا الحرب یعطى الخسف حتى یسالما

کذبتم و بیت الله نبزى محمدا
و لما تروا یوما من الشعب قائما

و قال یخاطب أبا لهب أیضا-

عجبت لحلم یا ابن شیبه
عازب و أحلام أقوام لدیک سخاف‏

یقولون شایع من أراد محمدا
بظلم و قم فی أمره بخلاف‏

أضامیم إما حاسد ذو خیانه
و إما قریب عنک غیر مصاف‏

فلا ترکبن الدهر منه ذمامه
و أنت امرؤ من خیر عبد مناف‏

و لا تترکنه ما حییت لمعظم
و کن رجلا ذا نجده و عفاف‏

یذود العدا عن ذروه هاشمیه
إلافهم فی الناس خیر إلاف‏

فإن له قربى لدیک قریبه
و لیس بذی حلف و لا بمضاف‏

و لکنه من هاشم ذی صمیمها
إلى أبحر فوق البحور طواف‏

و زاحم جمیع الناس عنه و کن
له وزیرا على الأعداء غیر مجاف‏

و إن غضبت منه قریش فقل لها
بنی عمنا ما قومکم بضعاف‏

و ما بالکم تغشون منه ظلامه
و ما بال أحقاد هناک خوافی

فما قومنا بالقوم یخشون ظلمنا
و ما نحن فیما ساءهم بخفاف‏

و لکننا أهل الحفائظ و النهى
و عز ببطحاء المشاعر واف‏

قال محمد بن إسحاق- فلما طال البلاء على المسلمین و الفتنه و العذاب- و ارتد کثیر عن الدین باللسان لا بالقلب- کانوا إذا عذبوهم یقولون- نشهد أن هذا الله و أن اللات و العزى هی الآلهه- فإذا خلوا عنهم عادوا إلى الإسلام- فحبسوهم و أوثقوهم بالقد- و جعلوهم فی حر الشمس على الصخر و الصفا- و امتدت أیام الشقاء علیهم- و لم یصلوا إلى محمد ص لقیام أبی طالب دونه- فأجمعت قریش على أن یکتبوا بینهم و بین بنی هاشم صحیفه- یتعاقدون فیها ألا یناکحوهم- و لا یبایعوهم و لا یجالسوهم- فکتبوها و علقوها فی جوف الکعبه- تأکیدا على أنفسهم- و کان کاتبها منصور بن عکرمه بن هاشم- بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصی- فلما فعلوا ذلک انحازت هاشم و المطلب- فدخلوا کلهم مع أبی طالب فی الشعب- فاجتمعوا إلیه- و خرج منهم أبو لهب إلى قریش فظاهرها على قومه- .

قال محمد بن إسحاق- فضاق الأمر ببنی هاشم و عدموا القوت- إلا ما کان یحمل إلیهم سرا و خفیه- و هو شی‏ء قلیل لا یمسک أرماقهم- و أخافتهم قریش- فلم یکن یظهر منهم أحد و لا یدخل إلیهم أحد- و ذلک أشد ما لقی رسول الله ص و أهل بیته بمکه- .

قال محمد بن إسحاق- فأقاموا على ذلک سنتین أو ثلاثا- حتى جهدوا ألا یصل إلیهم‏ شی‏ء- إلا القلیل سرا ممن یرید صلتهم من قریش- و قد کان أبو جهل بن هشام لقی حکیم بن حزام- بن خویلد بن أسد بن عبد العزى- معه غلام یحمل قمحا یرید به عمته خدیجه بنت خویلد- و هی عند رسول الله محاصره فی الشعب- فتعلق به و قال أ تحمل الطعام إلى بنی هاشم- و الله لا تبرح أنت و طعامک حتى أفضحک بمکه- فجاءه أبو البختری العاص بن هشام- بن الحارث بن أسد بن عبد العزى- فقال ما لک و له- قال إنه یحمل الطعام إلى بنی هاشم- فقال أبو البختری یا هذا- إن طعاما کان لعمته عنده بعثت إلیه فیه- أ فتمنعه أن یأتیها بطعامها خل سبیل الرجل- فأبى أبو جهل حتى نال کل منهما من صاحبه- فأخذ له أبو البختری لحی بعیر فضربه به- فشجه و وطئه وطئا شدیدا- فانصرف و هو یکره أن یعلم رسول الله ص- و بنو هاشم بذلک فیشمتوا- فلما أراد الله تعالى من إبطال الصحیفه- و الفرج عن بنی هاشم من الضیق- و الأزل الذی کانوا فیه-

قام هشام بن عمرو بن الحارث بن حبیب- بن نصر بن مالک بن حسل بن عامر بن لؤی- فی ذلک أحسن قیام- و ذلک أن أباه عمرو بن الحارث- کان أخا لنضله بن هاشم بن عبد مناف بن قصی من أمه- فکان هشام بن عمرو یحسب لذلک واصلا ببنی هاشم- و کان ذا شرف فی قومه بنی عامر بن لؤی- فکان یأتی بالبعیر لیلا و قد أوقره طعاما- و بنو هاشم و بنو المطلب فی الشعب- حتى إذا أقبل به فم الشعب فمنع بخطامه من رأسه- ثم یضربه على جنبه فیدخل الشعب علیهم- ثم یأتی به مره أخرى- و قد أوقره تمرا فیصنع به مثل ذلک ثم إنه مشى إلى زهیر بن أبی أمیه بن المغیره المخزومی- فقال یا زهیر- أ رضیت أن تأکل الطعام و تشرب الشراب- و تلبس الثیاب و تنکح النساء- و أخوالک حیث قد علمت لا یبتاعون و لا یبتاع منهم- و لا ینکحون و لا ینکح إلیهم- و لا یواصلون و لا یزارون- أما إنی أحلف لو کان أخوک أبو الحکم بن هشام- و دعوته إلى مثل ما دعاک إلیه منهم- ما أجابک أبدا- قال ویحک یا هشام فما ذا أصنع- إنما أنا رجل واحد- و الله لو کان معی رجل آخر- لقمت فی نقض هذه الصحیفه القاطعه- قال قد وجدت رجلا قال من هو- قال أنا قال زهیر أبغنا ثالثا- فذهب إلى مطعم بن عدی بن نوفل بن عبد مناف- فقال له یا مطعم- أ رضیت أن یهلک بطنان من عبد مناف جوعا و جهدا- و أنت شاهد على ذلک موافق لقریش فیه- أما و الله لئن أمکنتموهم من هذا- لتجدن قریشا إلى مساءتکم فی غیره سریعه- قال ویحک ما ذا أصنع إنما أنا رجل واحد- قال قد وجدت ثانیا- قال من هو قال أنا قال أبغنی ثالثا- قال قد وجدت قال من هو قال زهیر بن أمیه-

قال أنا قال أبغنا رابعا فذهب إلى أبی البختری بن هشام- فقال له نحو ما قال للمطعم- قال و هل من أحد یعین على هذا- قال نعم و ذکرهم قال فأبغنا خامسا- فمضى إلى زمعه بن الأسود- بن المطلب بن أسد بن عبد العزى فکلمه- فقال و هل یعین على ذلک من أحد- قال نعم ثم سمى له القوم- فاتعدوا خطم الحجون لیلا بأعلى مکه فأجمعوا أمرهم- و تعاقدوا على القیام فی الصحیفه حتى ینقضوها- و قال زهیر أنا أبدؤکم و أکون أولکم یتکلم- فلما أصبحوا غدوا إلى أندیتهم- و غدا زهیر بن أبی أمیه علیه حله له- فطاف بالبیت سبعا ثم أقبل على الناس- فقال یا أهل مکه أ نأکل الطعام- و نشرب الشراب و نلبس الثیاب و بنو هاشم هلکى- و الله لا أقعد حتى تشق هذه الصحیفه القاطعه الظالمه- و کان أبو جهل فی ناحیه المسجد- فقال کذبت و الله لا تشق- فقال زمعه بن الأسود لأبی جهل و الله أنت أکذب- ما رضینا و الله بها حین کتبت- فقال أبو البختری معه صدق و الله زمعه- لا نرضى بها و لا نقر بما کتب فیها- فقال المطعم بن عدی صدقا و الله- و کذب من قال غیر ذلک- نبرأ إلى الله منها و مما کتب فیها- و قال هشام بن عمرو مثل قولهم- فقال أبو جهل هذا أمر قضی بلیل- و قام مطعم بن عدی إلى الصحیفه فحطها و شقها- فوجد الأرضه قد أکلتها- إلاما کان من باسمک اللهم- قالوا و أما کاتبها منصور بن عکرمه- فشلت یده فیما یذکرون- فلما مزقت الصحیفه خرج بنو هاشم من حصار الشعب- .

قال محمد بن إسحاق- فلم یزل أبو طالب ثابتا صابرا- مستمرا على نصر رسول الله ص- و حمایته و القیام دونه- حتى مات فی أول السنه الحادیه العشره- من مبعث رسول الله ص فطمعت فیه قریش حینئذ- و نالت منه- فخرج عن مکه خائفا یطلب أحیاء العرب- یعرض علیهم نفسه- فلم یزل کذلک حتى دخل مکه فی جوار المطعم بن عدی- ثم کان من أمره مع الخزرج ما کان لیله العقبه- . قال و من شعر أبی طالب- الذی یذکر فیه رسول الله ص و قیامه دونه-

أرقت و قد تصوبت النجوم
و بت و لا تسالمک الهموم‏

لظلم عشیره ظلموا و عقوا
و غب عقوقهم لهم وخیم‏

هم انتهکوا المحارم من أخیهم
و کل فعالهم دنس ذمیم‏

و راموا خطه جورا و ظلما
و بعض القول ذو جنف ملیم‏

لتخرج هاشما فتکون منها
بلاقع بطن مکه فالحطیم‏

فمهلا قومنا لا ترکبونا
بمظلمه لها خطب جسیم‏

فیندم بعضکم و یذل بعض
و لیس بمفلح أبدا ظلوم‏

أرادوا قتل أحمد زاعمیه‏
و لیس بقتله منهم زعیم‏

و دون محمد منا ندی هم
العرنین و العضو الصمیم‏

و من ذلک قوله-

و قالوا لأحمد أنت امرؤ خلوف
الحدیث ضعیف السبب‏

و إن کان أحمد قد جاءهم
بصدق و لم یأتهم بالکذب‏

فإنا و من حج من راکب‏
و کعبه مکه ذات الحجب‏

تنالون أحمد أو تصطلوا
ظباه الرماح و حد القضب‏

و تغترفوا بین أبیاتکم‏
صدور العوالی و خیلا شزب‏

تراهن من بین ضافی السبیب
قصیر الحزام طویل اللبب‏

علیها صنادید من هاشم‏
هم الأنجبون مع المنتجب‏

 و روى عبد الله بن مسعود قال- لما فرغ رسول الله ص من قتلى بدر- و أمر بطرحهم فی القلیب- جعل یتذکر من شعر أبی طالب بیتا فلا یحضره- فقال له أبو بکر لعله قوله یا رسول الله-

و إنا لعمر الله إن جد جدنا
لتلتبسن أسیافنا بالأماثل‏

فسر بظفره بالبیت و قال إی لعمر الله لقد التبست- . و من شعر أبی طالب قوله-

ألا أبلغا عنی لؤیا رساله بحق
و ما تغنی رساله مرسل‏

بنی عمنا الأدنین فیما یخصهم‏
و إخواننا من عبد شمس و نوفل‏

أ ظاهرتم قوما علینا سفاهه
و أمرا غویا من غواه و جهل‏

یقولون لو أنا قتلنا محمدا
أقرت نواصی هاشم بالتذلل‏

کذبتم و رب الهدی تدمى نحوره
بمکه و البیت العتیق المقبل‏

تنالونه أو تصطلوا دون نیله‏
صوارم تفری کل عضو و مفصل‏

فمهلا و لما تنتج الحرب بکرها
بخیل تمام أو بآخر معجل‏

و تلقوا بیع الأبطحین محمدا
على ربوه فی رأس عنقاء عیطل‏

و تأوی إلیه هاشم إن هاشما
عرانین کعب آخر بعد أول‏

فإن کنتم ترجون قتل محمد
فروموا بما جمعتم نقل یذبل‏

فإنا سنحمیه بکل طمره
و ذی میعه نهد المراکل هیکل‏

و کل ردینی ظماء کعوبه
و عضب کإیماض الغمامه مفصل‏

 قلت کان صدیقنا علی بن یحیى البطریق رحمه الله- یقول لو لا خاصه النبوه و سرها- لما کان مثل أبی طالب- و هو شیخ قریش و رئیسها و ذو شرفها- یمدح ابن أخیه محمدا- و هو شاب قد ربی فی حجره و هو یتیمه و مکفوله- و جار مجرى أولاده بمثل قوله-

و تلقوا ربیع الأبطحین محمدا
على ربوه فی رأس عنقاء عیطل‏

و تأوی إلیه هاشم إن هاشما
عرانین کعب آخر بعد أول‏

و مثل قوله-

و أبیض یستسقى الغمام بوجهه
ثمال الیتامى عصمه للأرامل‏

یطیف به الهلاک من آل هاشم‏
فهم عنده فی نعمه و فواضل

فإن هذا الأسلوب من الشعر- لا یمدح به التابع و الذنابى من الناس- و إنما هو من مدیح الملوک و العظماء- فإذا تصورت أنه شعر أبی طالب- ذاک الشیخ المبجل العظیم- فی محمد ص و هو شاب مستجیر به- معتصم بظله من قریش قد رباه فی حجره غلاما- و على عاتقه طفلا و بین یدیه شابا- یأکل من زاده و یأوی إلى داره- علمت موضع خاصیه النبوه و سرها- و أن أمره کان عظیما- و أن الله تعالى أوقع فی القلوب و الأنفس له- منزله رفیعه و مکانا جلیلا و قرأت فی أمالی أبی جعفر بن حبیب رحمه الله- قال کان أبو طالب إذا رأى رسول الله ص أحیانا- یبکی و یقول إذا رأیته ذکرت أخی- و کان عبد الله أخاه لأبویه- و کان شدید الحب و الحنو علیه- و کذلک کان عبد المطلب شدید الحب له- و کان أبو طالب- کثیرا ما یخاف على رسول الله ص البیات- إذا عرف مضجعه یقیمه لیلا من منامه- و یضجع ابنه علیا مکانه- فقال له علی لیله یا أبت إنی مقتول فقال له-

اصبرن یا بنی فالصبر أحجى
کل حی مصیره لشعوب‏

قدر الله و البلاء شدید
لفداء الحبیب و ابن الحبیب‏

لفداء الأعز ذی الحسب
الثاقب و الباع و الکریم النجیب‏

إن تصبک المنون فالنبل تبری‏
فمصیب منها و غیر مصیب‏

کل حی و إن تملى بعمر
آخذ من مذاقها بنصیب‏

 فأجاب علی ع فقال له‏

أ تأمرنی بالصبر فی نصر أحمد
و و الله ما قلت الذی قلت جازعا

و لکننی أحببت أن ترى نصرتی‏
و تعلم أنی لم أزل لک طائعا

سأسعى لوجه الله فی نصر أحمد
نبی الهدى المحمود طفلا و یافعا

الفصل الثانی القول فی المؤمنین و الکافرین من بنی هاشم

الفصل الثانی فی تفسیر قوله ع- مؤمننا یبغی بذلک الأجر و کافرنا یحامی عن الأصل- و من أسلم من قریش خلو مما نحن فیه لحلف یمنعه- أو عشیره تقوم دونه‏ فهم من القتل بمکان أمن- فنقول إن بنی هاشم لما حصروا فی الشعب- بعد أن منعوا رسول الله ص من قریش- کانوا صنفین مسلمین و کفارا- فکان علی ع و حمزه بن عبد المطلب مسلمین- . و اختلف فی جعفر بن أبی طالب- هل حصر فی الشعب معهم أم لا- فقیل حصر فی الشعب معهم- و قیل بل کان قد هاجر إلى الحبشه- و لم یشهد حصار الشعب و هذا هو القول الأصح- و کان من المسلمین المحصورین فی الشعب مع بنی هاشم- عبیده بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف- و هو و إن لم یکن من بنی هاشم- إلا أنه یجری مجراهم- لأن بنی المطلب و بنی هاشم کانوا یدا واحده- لم یفترقوا فی جاهلیه و لا إسلام- .

و کان العباس رحمه الله فی حصار الشعب معهم- إلا أنه کان على دین قومه- و کذلک عقیل بن أبی طالب و طالب بن أبی طالب- و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب- و أبو سفیان بن الحارث بن عبد المطلب- و ابنه الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب- و کان شدیدا على رسول الله ص- یبغضه و یهجوه بالأشعار- إلا أنه کان لا یرضى بقتله- و لا یقار قریشا فی دمه محافظه على النسب- و کان سید المحصورین فی الشعب و رئیسهم و شیخهم- أبو طالب بن عبد المطلب و هو الکافل و المحامی

اختلاف الرأی فی إیمان أبی طالب

و اختلف الناس فی إیمان أبی طالب- فقالت الإمامیه و أکثر الزیدیه ما مات إلا مسلما- .و قال بعض شیوخنا المعتزله بذلک- منهم الشیخ أبو القاسم البلخی- و أبو جعفر الإسکافی و غیرهما- . و قال أکثر الناس من أهل الحدیث و العامه- من شیوخنا البصریین و غیرهم- مات على دین قومه- و یروون فی ذلک حدیثا مشهورا أن رسول الله ص قال له عند موته- قل یا عم کلمه أشهد لک بها غدا عند الله تعالى – فقال لو لا أن تقول العرب- إن أبا طالب جزع عند الموت لأقررت بها عینک- .

و روی أنه قال أنا على دین الأشیاخ- . و قیل إنه قال- أنا على دین عبد المطلب و قیل غیر ذلک- . و روى کثیر من المحدثین أن قوله تعالى- ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا- أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ- وَ لَوْ کانُوا أُولِی قُرْبى‏- مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِیمِ- وَ ما کانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ- إِلَّا عَنْ مَوْعِدَهٍ وَعَدَها إِیَّاهُ- فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ الآیه- أنزلت فی أبی طالب لأن رسول الله استغفر له بعد موته- . و رووا أن قوله تعالى إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ- نزلت فی أبی طالب- .

و رووا أن علیا ع- جاء إلى رسول الله ص بعد موت أبی طالب- فقال له إن عمک الضال قد قضى- فما الذی تأمرنی فیه- . و احتجوا بأنه لم ینقل أحد عنه أنه رآه یصلی- و الصلاه هی المفرقه بین المسلم و الکافر- و أن علیا و جعفرا لم یأخذا من ترکته شیئا- و رووا عن النبی ص أنه قال إن الله قد وعدنی بتخفیف عذابه- لما صنع فی حقی و إنه فی ضحضاح من نار و رووا عنه أیضا أنه قیل له لو استغفرت لأبیک و أمک- فقال لو استغفرت لهما لاستغفرت لأبی طالب- فإنه صنع إلی ما لم یصنعا- و إن عبد الله و آمنه و أبا طالب جمرات من جمرات جهنم – .

فأما الذین زعموا أنه کان مسلما فقد رووا خلاف ذلک- و أسندوا خبرا إلى أمیر المؤمنین ع أنه قال قال رسول الله ص قال لی جبرائیل إن الله مشفعک فی سته- بطن حملتک آمنه بنت وهب- و صلب أنزلک عبد الله بن عبد المطلب- و حجر کفلک أبی طالب- و بیت آواک عبد المطلب- و أخ کان لک فی الجاهلیه- قیل یا رسول الله و ما کان فعله- قال کان سخیا یطعم الطعام و یجود بالنوال- و ثدی أرضعتک حلیمه بنت أبی ذؤیب – .

قلت سألت النقیب أبا جعفر یحیى بن أبی زید- عن هذا الخبر و قد قرأته علیه- هل کان لرسول الله ص أخ من أبیه- أو من أمه أو منهما فی الجاهلیه- فقال لا إنما یعنی أخا له فی الموده و الصحبه- قلت له فمن هو قال لا أدری- . قالوا و قد نقل الناس کافه- عن رسول الله ص أنه قال نقلنا من الأصلاب الطاهره إلى الأرحام الزکیه – فوجب بهذا أن یکون آباؤه کلهم منزهین عن الشرک- لأنهم لو کانوا عبده أصنام لما کانوا طاهرین- . قالوا و أما ما ذکر فی القرآن من إبراهیم و أبیه آزر- و کونه کان ضالا مشرکا فلا یقدح فی مذهبنا- لأن آزر کان عم إبراهیم- فأما أبوه فتارخ بن ناحور- و سمی العم أبا کما قال- أَمْ کُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ یَعْقُوبَ الْمَوْتُ- إِذْ قالَ لِبَنِیهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِی- قالُوا نَعْبُدُ إِلهَکَ وَ إِلهَ آبائِکَ- ثم عد فیهم إسماعیل و لیس من آبائه و لکنه عمه- . قلت و هذا الاحتجاج عندی ضعیف- لأن المراد من قوله- نقلنا من الأصلاب الطاهره إلى الأرحام الزکیه- تنزیه آبائه و أجداده و أمهاته عن السفاح لا غیر- هذا مقتضى‏ سیاقه الکلام- لأن العرب کان یعیب بعضها بعضا- باختلاط المیاه و اشتباه الأنساب و نکاح الشبهه- .

و قولهم لو کانوا عبده أصنام لما کانوا طاهرین- یقال لهم لم قلتم إنهم لو کانوا عبده أصنام- لما کانوا طاهری الأصلاب- فإنه لا منافاه بین طهاره الأصلاب و عباده الصنم- أ لا ترى أنه لو أراد ما زعموه- لما ذکر الأصلاب و الأرحام بل جعل عوضها العقائد- و اعتذارهم عن إبراهیم و أبیه یقدح فی قولهم فی أبی طالب- لأنه لم یکن أبا محمد ص بل کان عمه- فإذا جاز عندهم أن یکون العم و هو آزر مشرکا- کما قد اقترحوه فی تأویلهم- لم یکن لهم حجه من هذا الوجه على إسلام أبی طالب- . و احتجوا فی إسلام الآباء- بما روی عن جعفر بن محمد ع أنه قال یبعث الله عبد المطلب یوم القیامه- و علیه سیماء الأنبیاء و بهاء الملوک و روی أن العباس بن عبد المطلب قال لرسول الله ص بالمدینه- یا رسول الله ما ترجو لأبی طالب- فقال أرجو له کل خیر من الله عز و جل و روی أن رجلا من رجال الشیعه و هو أبان بن محمود- کتب إلى علی بن موسى الرضا ع- جعلت فداک إنی قد شککت فی إسلام أبی طالب- فکتب إلیه- وَ مَنْ یُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدى‏- وَ یَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ الآیه و بعدها- إنک إن لم تقر بإیمان أبی طالب- کان مصیرک إلى النار و قد روی عن علی بن محمد الباقر ع أنه سئل عما یقوله الناس- إن أبا طالب فی ضحضاح من نار- فقال لو وضع إیمان أبی طالب فی کفه میزان- و إیمان هذا الخلق فی الکفه الأخرى لرجح إیمانه- ثم قال أ لم تعلموا أن أمیر المؤمنین علیا ع- کان یأمر أن یحج عن عبد الله- و أبیه أبی طالب فی حیاته- ثم أوصى فی وصیته بالحج عنهم – .

و روی أن أبا بکر جاء بأبی قحافه إلى النبی ص- عام الفتح یقوده‏ و هو شیخ کبیر أعمى- فقال رسول الله أ لا ترکت الشیخ حتى نأتیه- فقال أردت یا رسول الله أن یأجره الله- أما و الذی بعثک بالحق- لأنا کنت أشد فرحا بإسلام عمک أبی طالب- منی بإسلام أبی- ألتمس بذلک قره عینک فقال صدقت- .

و روی أن علی بن الحسین ع سئل عن هذا- فقال وا عجبا إن الله تعالى نهى رسوله- أن یقر مسلمه على نکاح کافر- و قد کانت فاطمه بنت أسد من السابقات إلى الإسلام- و لم تزل تحت أبی طالب حتى مات – . و یروی قوم من الزیدیه- أن أبا طالب أسند المحدثون عنه حدیثا- ینتهی إلى أبی رافع مولى رسول الله ص- قال سمعت أبا طالب یقول بمکه- حدثنی محمد ابن أخی أن ربه بعثه بصله الرحم- و أن یعبده وحده لا یعبد معه غیره- و محمد عندی الصادق الأمین- .

و قال قوم- إن قول النبی ص أنا و کافل الیتیم کهاتین فی الجنه – إنما عنى به أبا طالب- . و قالت الإمامیه- إن ما یرویه العامه من أن علیا ع و جعفرا- لم یأخذا من ترکه أبی طالب شیئا- حدیث موضوع- و مذهب أهل البیت بخلاف ذلک- فإن المسلم عندهم یرث الکافر- و لا یرث الکافر المسلم- و لو کان أعلى درجه منه فی النسب- .

قالوا و قوله ص لا توارث بین أهل ملتین نقول بموجبه- لأن التوارث تفاعل و لا تفاعل عندنا فی میراثهما- و اللفظ یستدعی الطرفین- کالتضارب لا یکون إلا من اثنین- قالوا و حب رسول الله ص‏ لأبی طالب معلوم مشهور- و لو کان کافرا ما جاز له حبه لقوله تعالى- لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ- یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ الآیه- . قالوا و قد اشتهر و استفاض الحدیث- و هو قوله ص لعقیل أنا أحبک حبین- حبا لک و حبا لحب أبی طالب فإنه کان یحبک – .

قالوا و خطبه النکاح مشهوره-

خطبها أبو طالب عند نکاح محمد ص خدیجه- و هی قوله الحمد لله- الذی جعلنا من ذریه إبراهیم و زرع إسماعیل- و جعل لنا بلدا حراما و بیتا محجوجا- و جعلنا الحکام على الناس- ثم إن محمد بن عبد الله أخی- من لا یوازن به فتى من قریش- إلا رجح علیه برا و فضلا- و حزما و عقلا و رأیا و نبلا- و إن کان فی المال قل فإنما المال ظل زائل- و عاریه مسترجعه و له فی خدیجه بنت خویلد رغبه- و لها فیه مثل ذلک و ما أحببتم من الصداق فعلی- و له و الله بعد نبأ شائع و خطب جلیل- . قالوا أ فتراه یعلم نبأه الشائع و خطبه الجلیل- ثم یعانده و یکذبه و هو من أولی الألباب- هذا غیر سائغ فی العقول- .

قالوا و قد روی عن أبی عبد الله جعفر بن محمد ع أن رسول الله ص قال إن أصحاب الکهف أسروا الإیمان- و أظهروا الکفر فآتاهم الله أجرهم مرتین- و إن أبا طالب أسر الإیمان و أظهر الشرک- فآتاه الله أجره مرتین و فی الحدیث المشهور أن جبرائیل ع قال له لیله مات أبو طالب- اخرج منها فقد مات ناصرک – . قالوا و أما حدیث الضحضاح من النار- فإنما یرویه الناس کلهم عن رجل واحد- و هو المغیره بن شعبه- و بغضه لبنی هاشم- و على الخصوص لعلی ع مشهور معلوم- و قصته و فسقه أمر غیر خاف- .

و قالوا و قد روی بأسانید کثیره- بعضها عن العباس بن عبد المطلب- و بعضها عن أبی بکر بن أبی قحافه- أن أبا طالب ما مات حتى قال- لا إله إلا الله محمد رسول الله- و الخبر مشهور أن أبا طالب عند الموت قال کلاما خفیا- فأصغى إلیه أخوه العباس- ثم رفع رأسه إلى رسول الله ص فقال یا ابن أخی- و الله لقد قالها عمک و لکنه ضعف عن أن یبلغک صوته- . و روی عن علی ع أنه قال ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله ص من نفسه الرضا – .

قالوا و أشعار أبی طالب تدل على أنه کان مسلما- و لا فرق بین الکلام المنظوم و المنثور- إذا تضمنا إقرارا بالإسلام- أ لا ترى أن یهودیا لو توسط جماعه من المسلمین- و أنشد شعرا قد ارتجله و نظمه- یتضمن الإقرار بنبوه محمد ص- لکنا نحکم بإسلامه- کما لو قال أشهد أن محمدا رسول الله ص- فمن تلک الأشعار قوله-

یرجون منا خطه دون نیلها
ضراب و طعن بالوشیج المقوم‏

یرجون أن نسخى بقتل محمد
و لم تختضب سمر العوالی من الدم‏

کذبتم و بیت الله حتى تفلقوا
جماجم تلقى بالحطیم و زمزم‏

و تقطع أرحام و تنسى حلیله
حلیلا و یغشى محرم بعد محرم‏

على ما مضى من مقتکم و عقوقکم
و غشیانکم فی أمرکم کل مأثم‏

و ظلم نبی جاء یدعو إلى الهدى‏
و أمر أتى من عند ذی العرش قیم‏

فلا تحسبونا مسلمیه فمثله
إذا کان فی قوم فلیس بمسلم‏

 و من شعر أبی طالب فی أمر الصحیفه- التی کتبتها قریش فی قطیعه بنی هاشم-

ألا أبلغا عنی على ذات بینها
لؤیا و خصا من لؤی بنی کعب‏

أ لم تعلموا أنا وجدنا محمدا
رسولا کموسى خط فی أول الکتب‏

و أن علیه فی العباد محبه
و لا حیف فیمن خصه الله بالحب‏

و أن الذی رقشتم فی کتابکم‏
یکون لکم یوما کراغیه السقب‏

أفیقوا أفیقوا قبل أن تحفر الزبى
و یصبح من لم یجن ذنبا کذی ذنب‏

و لا تتبعوا أمر الغواه و تقطعوا
أواصرنا بعد الموده و القرب‏

و تستجلبوا حربا عوانا و ربما
أمر على من ذاقه حلب الحرب‏

فلسنا و بیت الله نسلم أحمد
العزاء من عض الزمان و لا کرب‏

و لما تبن منا و منکم سوالف 

سیاقه الکلام- لأن العرب کان یعیب بعضها بعضا- باختلاط المیاه و اشتباه الأنساب و نکاح الشبهه- . و قولهم لو کانوا عبده أصنام لما کانوا طاهرین- یقال لهم لم قلتم إنهم لو کانوا عبده أصنام- لما کانوا طاهری الأصلاب- فإنه لا منافاه بین طهاره الأصلاب و عباده الصنم- أ لا ترى أنه لو أراد ما زعموه- لما ذکر الأصلاب و الأرحام بل جعل عوضها العقائد- و اعتذارهم عن إبراهیم و أبیه یقدح فی قولهم فی أبی طالب- لأنه لم یکن أبا محمد ص بل کان عمه- فإذا جاز عندهم أن یکون العم و هو آزر مشرکا- کما قد اقترحوه فی تأویلهم- لم یکن لهم حجه من هذا الوجه على إسلام أبی طالب- .

و احتجوا فی إسلام الآباء- بما روی عن جعفر بن محمد ع أنه قال یبعث الله عبد المطلب یوم القیامه- و علیه سیماء الأنبیاء و بهاء الملوک و روی أن العباس بن عبد المطلب قال لرسول الله ص بالمدینه- یا رسول الله ما ترجو لأبی طالب- فقال أرجو له کل خیر من الله عز و جل و روی أن رجلا من رجال الشیعه و هو أبان بن محمود- کتب إلى علی بن موسى الرضا ع- جعلت فداک إنی قد شککت فی إسلام أبی طالب- فکتب إلیه- وَ مَنْ یُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدى‏- وَ یَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ الآیه و بعدها- إنک إن لم تقر بإیمان أبی طالب- کان مصیرک إلى النار و قد روی عن علی بن محمد الباقر ع أنه سئل عما یقوله الناس- إن أبا طالب فی ضحضاح من نار- فقال لو وضع إیمان أبی طالب فی کفه میزان- و إیمان هذا الخلق فی الکفه الأخرى لرجح إیمانه- ثم قال أ لم تعلموا أن أمیر المؤمنین علیا ع- کان یأمر أن یحج عن عبد الله- و أبیه أبی طالب فی حیاته- ثم أوصى فی وصیته بالحج عنهم – .

و روی أن أبا بکر جاء بأبی قحافه إلى النبی ص- عام الفتح یقوده‏و هو شیخ کبیر أعمى- فقال رسول الله أ لا ترکت الشیخ حتى نأتیه- فقال أردت یا رسول الله أن یأجره الله- أما و الذی بعثک بالحق- لأنا کنت أشد فرحا بإسلام عمک أبی طالب- منی بإسلام أبی- ألتمس بذلک قره عینک فقال صدقت- .

و روی أن علی بن الحسین ع سئل عن هذا- فقال وا عجبا إن الله تعالى نهى رسوله- أن یقر مسلمه على نکاح کافر- و قد کانت فاطمه بنت أسد من السابقات إلى الإسلام- و لم تزل تحت أبی طالب حتى مات – . و یروی قوم من الزیدیه- أن أبا طالب أسند المحدثون عنه حدیثا- ینتهی إلى أبی رافع مولى رسول الله ص- قال سمعت أبا طالب یقول بمکه- حدثنی محمد ابن أخی أن ربه بعثه بصله الرحم- و أن یعبده وحده لا یعبد معه غیره- و محمد عندی الصادق الأمین- .

و قال قوم- إن قول النبی ص أنا و کافل الیتیم کهاتین فی الجنه – إنما عنى به أبا طالب- . و قالت الإمامیه- إن ما یرویه العامه من أن علیا ع و جعفرا- لم یأخذا من ترکه أبی طالب شیئا- حدیث موضوع- و مذهب أهل البیت بخلاف ذلک- فإن المسلم عندهم یرث الکافر- و لا یرث الکافر المسلم- و لو کان أعلى درجه منه فی النسب- .

قالوا و قوله ص لا توارث بین أهل ملتین نقول بموجبه- لأن التوارث تفاعل و لا تفاعل عندنا فی میراثهما- و اللفظ یستدعی الطرفین- کالتضارب لا یکون إلا من اثنین- قالوا و حب رسول الله ص‏ لأبی طالب معلوم مشهور- و لو کان کافرا ما جاز له حبه لقوله تعالى- لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ- یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ الآیه- .

قالوا و قد اشتهر و استفاض الحدیث- و هو قوله ص لعقیل أنا أحبک حبین- حبا لک و حبا لحب أبی طالب فإنه کان یحبک – . قالوا و خطبه النکاح مشهوره- خطبها أبو طالب عند نکاح محمد ص خدیجه- و هی قوله الحمد لله- الذی جعلنا من ذریه إبراهیم و زرع إسماعیل- و جعل لنا بلدا حراما و بیتا محجوجا- و جعلنا الحکام على الناس- ثم إن محمد بن عبد الله أخی- من لا یوازن به فتى من قریش- إلا رجح علیه برا و فضلا- و حزما و عقلا و رأیا و نبلا- و إن کان فی المال قل فإنما المال ظل زائل- و عاریه مسترجعه و له فی خدیجه بنت خویلد رغبه- و لها فیه مثل ذلک و ما أحببتم من الصداق فعلی- و له و الله بعد نبأ شائع و خطب جلیل- .

قالوا أ فتراه یعلم نبأه الشائع و خطبه الجلیل- ثم یعانده و یکذبه و هو من أولی الألباب- هذا غیر سائغ فی العقول- . قالوا و قد روی عن أبی عبد الله جعفر بن محمد ع أن رسول الله ص قال إن أصحاب الکهف أسروا الإیمان- و أظهروا الکفر فآتاهم الله أجرهم مرتین- و إن أبا طالب أسر الإیمان و أظهر الشرک- فآتاه الله أجره مرتین و فی الحدیث المشهور أن جبرائیل ع قال له لیله مات أبو طالب- اخرج منها فقد مات ناصرک – .

قالوا و أما حدیث الضحضاح من النار- فإنما یرویه الناس کلهم عن رجل واحد- و هو المغیره بن شعبه- و بغضه لبنی هاشم- و على الخصوص لعلی ع مشهور معلوم- و قصته و فسقه أمر غیر خاف- .

و قالوا و قد روی بأسانید کثیره- بعضها عن العباس بن عبد المطلب- و بعضها عن أبی بکر بن أبی قحافه- أن أبا طالب ما مات حتى قال- لا إله إلا الله محمد رسول الله- و الخبر مشهور أن أبا طالب عند الموت قال کلاما خفیا- فأصغى إلیه أخوه العباس- ثم رفع رأسه إلى رسول الله ص فقال یا ابن أخی- و الله لقد قالها عمک و لکنه ضعف عن أن یبلغک صوته- .

و روی عن علی ع أنه قال ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله ص من نفسه الرضا – . قالوا و أشعار أبی طالب تدل على أنه کان مسلما- و لا فرق بین الکلام المنظوم و المنثور- إذا تضمنا إقرارا بالإسلام- أ لا ترى أن یهودیا لو توسط جماعه من المسلمین- و أنشد شعرا قد ارتجله و نظمه- یتضمن الإقرار بنبوه محمد ص- لکنا نحکم بإسلامه- کما لو قال أشهد أن محمدا رسول الله ص- فمن تلک الأشعار قوله-

یرجون منا خطه دون نیلها
ضراب و طعن بالوشیج المقوم‏

یرجون أن نسخى بقتل محمد
و لم تختضب سمر العوالی من الدم‏

کذبتم و بیت الله حتى تفلقوا
جماجم تلقى بالحطیم و زمزم‏

و تقطع أرحام و تنسى حلیله
حلیلا و یغشى محرم بعد محرم‏

على ما مضى من مقتکم و عقوقکم
و غشیانکم فی أمرکم کل مأثم‏

و ظلم نبی جاء یدعو إلى الهدى‏
و أمر أتى من عند ذی العرش قیم‏

فلا تحسبونا مسلمیه فمثله
إذا کان فی قوم فلیس بمسلم‏

و من شعر أبی طالب فی أمر الصحیفه- التی کتبتها قریش فی قطیعه بنی هاشم-

ألا أبلغا عنی على ذات بینها
لؤیا و خصا من لؤی بنی کعب‏

أ لم تعلموا أنا وجدنا محمدا
رسولا کموسى خط فی أول الکتب‏

و أن علیه فی العباد محبه
و لا حیف فیمن خصه الله بالحب‏

و أن الذی رقشتم فی کتابکم‏
یکون لکم یوما کراغیه السقب‏

أفیقوا أفیقوا قبل أن تحفر الزبى
و یصبح من لم یجن ذنبا کذی ذنب‏

و لا تتبعوا أمر الغواه و تقطعوا
أواصرنا بعد الموده و القرب‏

و تستجلبوا حربا عوانا و ربما
أمر على من ذاقه حلب الحرب‏

فلسنا و بیت الله نسلم أحمدا
لعزاء من عض الزمان و لا کرب‏

و لما تبن منا و منکم سوالف
و أید أترت بالمهنده الشهب‏

بمعترک ضیق ترى قصد القنا
به و الضباع العرج تعکف کالشرب‏

کأن مجال الخیل فی حجراته
و غمغمه الأبطال معرکه الحرب‏

أ لیس أبونا هاشم شد أزره‏
و أوصى بنیه بالطعان و بالضرب‏

و لسنا نمل الحرب حتى تملنا
و لا نشتکی مما ینوب من النکب‏

و لکننا أهل الحفائظ و النهى
إذا طار أرواح الکماه من الرعب‏

و من ذلک قوله-

فلا تسفهوا أحلامکم فی محمد
و لا تتبعوا أمر الغواه الأشائم‏

تمنیتم أن تقتلوه و إنما
أمانیکم هذی کأحلام نائم‏

و إنکم و الله لا تقتلونه و لما تروا
قطف اللحى و الجماجم‏

زعمتم بأنا مسلمون محمدا
و لما نقاذف دونه و نزاحم‏

من القوم مفضال أبی على العدا
تمکن فی الفرعین من آل هاشم‏

أمین حبیب فی العباد مسوم‏
بخاتم رب قاهر فی الخواتم‏

یرى الناس برهانا علیه و هیبه
و ما جاهل فی قومه مثل عالم‏

نبی أتاه الوحی من عند ربه‏
و من قال لا یقرع بها سن نادم‏

و من ذلک قوله- و قد غضب لعثمان بن مظعون الجمحی- حین عذبته قریش و نالت منه-

أ من تذکر دهر غیر مأمون
أصبحت مکتئبا تبکی کمحزون‏

أم من تذکر أقوام ذوی سفه‏
یغشون بالظلم من یدعو إلى الدین‏

أ لا یرون أذل الله جمعهم
أنا غضبنا لعثمان بن مظعون‏

و نمنع الضیم من یبغی مضامتنا
بکل مطرد فی الکف مسنون‏

و مرهفات کأن الملح خالطها
یشفى بها الداء من هام المجانین‏

حتى تقر رجال لا حلوم لها
بعد الصعوبه بالإسماح و اللین‏

أو تؤمنوا بکتاب منزل عجب
على نبی موسى أو کذی النون‏

 قالوا و قد جاء فی الخبر- أن أبا جهل بن هشام- جاء مره إلى رسول الله ص و هو ساجد- و بیده حجر یرید أن یرضخ به رأسه- فلصق الحجر بکفه فلم یستطع ما أراد- فقال أبو طالب فی ذلک من جمله أبیات-

أفیقوا بنی عمنا و انتهوا
عن الغی من بعض ذا المنطق‏

و إلا فإنی إذا خائف‏
بوائق فی دارکم تلتقی‏

کما ذاق من کان من قبلکم
ثمود و عاد و ما ذا بقی‏

و منها-

و أعجب من ذاک فی أمرکم
عجائب فی الحجر الملصق‏

بکف الذی قام من حینه‏
إلى الصابر الصادق المتقی‏

فأثبته الله فی کفه
على رغمه الخائن الأحمق‏

قالوا و قد اشتهر عن عبد الله المأمون رحمه الله- أنه کان یقول أسلم أبو طالب و الله بقوله-

نصرت الرسول رسول الملیک
ببیض تلألأ کلمع البروق‏

أذب و أحمی رسول الإله‏
حمایه حام علیه شفیق‏

و ما إن أدب لأعدائه
دبیب البکار حذار الفنیق‏

و لکن أزیر لهم سامیا
کما زار لیث بغیل مضیق‏

قالوا و قد جاء فی السیره و ذکره أکثر المؤرخین- أن عمرو بن العاص لما خرج إلى بلاد الحبشه- لیکید جعفر بن أبی طالب و أصحابه عند النجاشی قال-

تقول ابنتی أین أین الرحیل
و ما البین منی بمستنکر

فقلت دعینی فإنی امرؤ
أرید النجاشی فی جعفر

لأکویه عنده کیه
أقیم بها نخوه الأصعر

و لن أنثنی عن بنی هاشم‏
بما اسطعت فی الغیب و المحضر

و عن عائب اللات فی قوله
و لو لا رضا اللات لم تمطر

و إنی لأشنا قریش له‏
و إن کان کالذهب الأحمر

قالوا فکان عمرو یسمى الشانئ ابن الشانئ- لأن أباه کان إذا مر علیه رسول الله ص بمکه- یقول له و الله إنی لأشنؤک و فیه أنزل- إِنَّ شانِئَکَ هُوَ الْأَبْتَرُ- قالوا فکتب أبو طالب إلى النجاشی شعرا- یحرضه فیه على إکرام جعفر و أصحابه- و الإعراض عما یقوله عمرو فیه و فیهم من جملته-

ألا لیت شعری کیف فی الناس
جعفر و عمرو و أعداء النبی الأقارب‏

و هل نال إحسان النجاشی جعفرا
و أصحابه أم عاق عن ذاک شاغب

فی أبیات کثیره- . قالوا و روی عن علی ع أنه قال قال لی أبی یا بنی الزم ابن عمک- فإنک تسلم به من کل بأس عاجل و آجل- ثم قال لیإن الوثیقه فی لزوم محمد فاشدد بصحبته على أیدیکا- .و من شعره المناسب لهذا المعنى قوله-

إن علیا و جعفرا ثقتی
عند ملم الزمان و النوب‏

لا تخذلا و انصرا ابن عمکما
أخی لأمی من بینهم و أبی‏

و الله لا أخذل النبی
و لا یخذله من بنی ذو حسب‏

قالوا و قد جاءت الروایه أن أبا طالب لما مات- جاء علی ع إلى رسول الله ص فآذنه بموته- فتوجع عظیما و حزن شدیدا- ثم قال له امض فتول غسله- فإذا رفعته على سریره فأعلمنی ففعل- فاعترضه رسول الله ص و هو محمول على رءوس الرجال- فقال وصلتک رحم یا عم و جزیت خیرا- فلقد ربیت و کفلت صغیرا- و نصرت و آزرت کبیرا- ثم تبعه إلى حفرته فوقف علیه- فقال أما و الله لأستغفرن لک- و لأشفعن فیک شفاعه یعجب لها الثقلان- .

قالوا و المسلم لا یجوز أن یتولى غسل الکافر- و لا یجوز للنبی أن یرق لکافر- و لا أن یدعو له بخیر- و لا أن یعده بالاستغفار و الشفاعه- و إنما تولى علی ع غسله- لأن طالبا و عقیلا لم یکونا أسلما بعد- و کان جعفر بالحبشه و لم تکن صلاه الجنائز شرعت بعد- و لا صلى رسول الله ص على خدیجه- و إنما کان تشییع و رقه و دعاء- . قالوا و من شعر أبی طالب یخاطب أخاه حمزه- و کان یکنى أبا یعلى-

فصبرا أبا یعلى على دین أحمد
و کن مظهرا للدین وفقت صابرا

و حط من أتى بالحق من عند ربه‏
بصدق و عزم لا تکن حمز کافرا

فقد سرنی إذ قلت إنک مؤمن
فکن لرسول الله فی الله ناصرا

و باد قریشا بالذی قد أتیته
جهارا و قل ما کان أحمد ساحرا

قالوا و من شعره المشهور-

أنت النبی محمد
قرم أعز مسود

لمسودین أکارم‏
طابوا و طاب المولد

نعم الأرومه أصلها
عمرو الخضم الأوحد

هشم الربیکه فی الجفان‏
و عیش مکه أنکد

فجرت بذلک سنه
فیها الخبیزه تثرد

و لنا السقایه للحجیج‏
بها یماث العنجد

و المأزمان و ما حوت
عرفاتها و المسجد

أنى تضام و لم أمت‏
و أنا الشجاع العربد

و بطاح مکه لا یرى
فیها نجیع أسود

و بنو أبیک کأنهم‏
أسد العرین توقد

و لقد عهدتک صادقا
فی القول لا تتزید

ما زلت تنطق بالصواب‏
و أنت طفل أمرد

قالوا و من شعره المشهور أیضا- قوله یخاطب محمدا و یسکن جأشه- و یأمره بإظهار الدعوه-

لا یمنعنک من حق تقوم به
أید تصول و لا سلق بأصوات‏

فإن کفک کفی إن بلیت بهم
و دون نفسک نفسی فی الملمات‏

لا یمنعنک من حق تقوم به
أید تصول و لا سلق بأصوات‏

فإن کفک کفی إن بلیت بهم
و دون نفسک نفسی فی الملمات

و من ذلک قوله و یقال إنها لطالب بن أبی طالب-

إذا قیل من خیر هذا الورى
قبیلا و أکرمهم أسره‏

أناف لعبد مناف أب‏
و فضله هاشم العزه‏

لقد حل مجد بنی هاشم
مکان النعائم و النثره‏

و خیر بنی هاشم أحمد
رسول الإله على فتره‏

– . و من ذلک قوله-

لقد أکرم الله النبی محمدا
فأکرم خلق الله فی الناس أحمد

و شق له من اسمه لیجله‏
فذو العرش محمود و هذا محمد

و قوله أیضا و قد یروى لعلی ع-

یا شاهد الله علی فاشهد
أنی على دین النبی أحمد
من ضل فی الدین فإنی مهتد

قالوا فکل هذه الأشعار قد جاءت مجی‏ء التواتر- لأنه إن لم تکن آحادها متواتره- فمجموعها یدل على أمر واحد مشترک- و هو تصدیق محمد ص و مجموعها متواتر- کما أن کل واحده من قتلات علی ع الفرسان- منقوله آحادا و مجموعها متواتر- یفیدنا العلم الضروری بشجاعته- و کذلک القول فیما روی من سخاء حاتم- و حلم الأحنف و معاویه- و ذکاء إیاس و خلاعه أبی نواس و غیر ذلک- قالوا و اترکوا هذا کله جانبا- ما قولکم فی القصیده اللامیه- التی شهرتها کشهره قفا نبک- و إن جاز الشک فیها أو فی شی‏ء من أبیاتها- جاز الشک فی قفا نبک و فی بعض أبیاتها- و نحن نذکر منها هاهنا قطعه و هی قوله-

أعوذ برب البیت من کل طاعن
علینا بسوء أو یلوح بباطل‏

و من فاجر یغتابنا بمغیبه
و من ملحق فی الدین ما لم نحاول‏

کذبتم و بیت الله یبزى محمد
و لما نطاعن دونه و نناضل‏

و ننصره حتى نصرع دونه‏
و نذهل عن أبنائنا و الحلائل‏

و حتى نرى ذا الردع یرکب ردعه
من الطعن فعل الأنکب المتحامل‏

و ینهض قوم فی الحدید إلیکم‏
نهوض الروایا تحت ذات الصلاصل‏

و إنا و بیت الله من جد جدنا
لتلتبسن أسیافنا بالأماثل‏

بکل فتى مثل الشهاب سمیدع‏
أخی ثقه عند الحفیظه باسل‏

و ما ترک قوم لا أبا لک سیدا
یحوط الذمار غیر نکس مواکل‏

و أبیض یستسقى الغمام بوجهه‏
ثمال الیتامى عصمه للأرامل‏

یلوذ به الهلاک من آل هاشم
فهم عنده فی نعمه و فواضل‏

و میزان صدق لا یخیس شعیره
و وزان صدق وزنه غیر عائل‏

أ لم تعلموا أن ابننا لا مکذب
لدینا و لا یعبأ بقول الأباطل‏

لعمری لقد کلفت وجدا بأحمد
و أحببته حب الحبیب المواصل‏

و جدت بنفسی دونه فحمیته
و دافعت عنه بالذرى و الکواهل‏

فلا زال للدنیا جمالا لأهلها
و شینا لمن عادى و زین المحافل‏

و أیده رب العباد بنصره
و أظهر دینا حقه غیر باطل‏

و ورد فی السیره و المغازی- أن عتبه بن ربیعه أو شیبه- لما قطع رجل عبیده بن الحارث بن المطلب یوم بدر- أشبل علیه علی و حمزه فاستنقذاه منه- و خبطا عتبه بسیفیهما حتى قتلاه- و احتملا صاحبهما من المعرکه إلى العریش- فألقیاه بین یدی رسول الله ص و إن مخ ساقه لیسیل- فقال یا رسول الله لو کان أبو طالب حیا- لعلم أنه قد صدق فی قوله-

کذبتم و بیت الله نخلی محمدا
و لما نطاعن دونه و نناضل‏

و ننصره حتى نصرع حوله‏
و نذهل عن أبنائنا و الحلائل‏

فقالوا إن رسول الله ص استغفر له- و لأبی طالب یومئذ- و بلغ عبیده مع النبی ص إلى الصفراء فمات فدفن بها- .
قالوا و قد روی أن أعرابیا- جاء إلى رسول الله ص فی عام جدب- فقال أتیناک یا رسول الله و لم یبق لنا صبی یرتضع- و لا شارف یجتر ثم أنشده-

أتیناک و العذراء تدمى لبانها
و قد شغلت أم الرضیع عن الطفل‏

و ألقى بکفیه الفتى لاستکانه
من الجوع حتى ما یمر و لا یحلی‏

و لا شی‏ء مما یأکل الناس عندنا
سوى الحنظل العامی و العلهز الفسل‏

و لیس لنا إلا إلیک فرارنا
و أین فرار الناس إلا إلى الرسل‏

فقام النبی ص یجر رداءه- حتى صعد المنبر فحمد الله و أثنى علیه- و قال اللهم اسقنا غیثا مغیثا مریئا هنیئا- مریعا سحا سجالا غدقا طبقا قاطبا دائما- درا تحیی به الأرض و تنبت به الزرع- و تدر به الضرع و اجعله سقیا نافعا عاجلا غیر رائث- فو الله ما رد رسول الله ص یده إلى نحره- حتى ألقت السماء أرواقها و جاء الناس یضجون- الغرق الغرق یا رسول الله- فقال اللهم حوالینا و لا علینا- فانجاب السحاب عن المدینه- حتى استدار حولها کالإکلیل- فضحک رسول الله حتى بدت نواجذه- ثم قال لله در أبی طالب- لو کان حیا لقرت عینه- من ینشدنا قوله فقام علی- فقال یا رسول الله لعلک أردت-

و أبیض یستسقى الغمام بوجهه‏

– قال أجل فأنشده أبیاتا من هذه القصیده- و رسول الله یستغفر لأبی طالب على المنبر- ثم قام رجل من کنانه فأنشده-

لک الحمد و الحمد ممن شکر
سقینا بوجه النبی المطر

دعا الله خالقه دعوه
إلیه و أشخص منه البصر

فما کان إلا کما ساعه
أو أقصر حتى رأینا الدرر

دفاق العزالی و جم البعاق‏
أغاث به الله علیا مضر

فکان کما قاله عمه
أبو طالب ذو رواء غرر

به یسر الله صوب الغمام‏
فهذا العیان و ذاک الخبر

فمن یشکر الله یلق المزید
و من یکفر الله یلق الغیر

فقال رسول الله إن یکن شاعر أحسن فقد أحسنت قالوا و إنما لم یظهر أبو طالب الإسلام و یجاهر به- لأنه لو أظهره لم یتهیأ له- من نصره النبی ص ما تهیأ له- و کان کواحد من المسلمین الذین اتبعوه- نحو أبی بکر- و عبد الرحمن بن عوف و غیرهما ممن أسلم- و لم یتمکن من نصرته و القیام دونه‏حینئذ- و إنما تمکن أبو طالب من المحاماه عنه- بالثبات فی الظاهر على دین قریش و إن أبطن الإسلام- کما لو أن إنسانا کان یبطن التشیع مثلا- و هو فی بلد من بلاد الکرامیه- و له فی ذلک البلد وجاهه و قدم- و هو یظهر مذهب الکرامیه- و یحفظ ناموسه بینهم بذلک- و کان فی ذلک البلد نفر یسیر من الشیعه- لا یزالون ینالون بالأذى و الضرر من أهل ذلک البلد و رؤسائه- فإنه ما دام قادرا على إظهار مذهب أهل البلد- یکون أشد تمکنا من المدافعه- و المحاماه عن أولئک النفر- فلو أظهر ما یجوز من التشیع- و کاشف أهل البلد بذلک- صار حکمه حکم واحد من أولئک النفر- و لحقه من الأذى و الضرر ما یلحقهم- و لم یتمکن من الدفاع أحیانا عنهم کما کان أولا- .

قلت فأما أنا فإن الحال ملتبسه عندی- و الأخبار متعارضه- و الله أعلم بحقیقه حاله کیف کانت- . و یقف فی صدری رساله النفس الزکیه إلى المنصور- و قوله فیها فأنا ابن خیر الأخیار و أنا ابن شر الأشرار- و أنا ابن سید أهل الجنه و أنا ابن سید أهل النار- . فإن هذه شهاده منه على أبی طالب بالکفر- و هو ابنه و غیر متهم علیه- و عهده قریب من عهد النبی ص- لم یطل الزمان فیکون الخبر مفتعلا- . و جمله الأمر أنه قد روی فی إسلامه أخبار کثیره- و روی فی موته على دین قومه أخبار کثیره- فتعارض الجرح و التعدیل- فکان کتعارض البینتین عند الحاکم- و ذلک یقتضی التوقف فأنا فی أمره من المتوقفین- .

فأما الصلاه و کونه لم ینقل عنه أنه صلى- فیجوز أن یکون لأن الصلاه لم تکن بعد قد فرضت- و إنما کانت نفلا غیر واجب- فمن شاء صلى و من شاء ترک- و لم تفرض إلا بالمدینه- و یمکن أن یقول أصحاب الحدیث- إذا تعارض الجرح و التعدیل کما قد أشرتم إلیه- فالترجیح عند أصحاب أصول الفقه لجانب الجرح- لأن الجارح قد اطلع على زیاده لم یطلع علیها المعدل- . و لخصومهم أن یجیبوا عن هذا فنقول- إن هذا إنما یقال و یذکر فی أصول الفقه- فی طعن مفصل فی مقابله تعدیل مجمل- مثاله أن یروی شعبه مثلا حدیثا عن رجل- فهو بروایته عنه قد وثقه- و یکفی فی توثیقه له أن یکون مستور الحال- ظاهره العداله- فیطعن فیه الدار قطنی مثلا- بأن یقول کان مدلسا- أو کان یرتکب الذنب الفلانی- فیکون قد طعن طعنا مفصلا فی مقابله تعدیل مجمل- و فیما نحن فیه و بصدده- الروایتان متعارضتان تفصیلا لا إجمالا- لأن هؤلاء یروون- أنه تلفظ بکلمتی الشهاده عند الموت- و هؤلاء یروون أنه قال عند الموت- أنا على دین الأشیاخ- .

و بمثل هذا یجاب على من یقول من الشیعه- روایتنا فی إسلامه أرجح- لأنا نروی حکما إیجابیا و نشهد على إثبات- و خصومنا یشهدون على النفی و لا شهاده على النفی- و ذلک أن الشهاده فی الجانبین معا- إنما هی على إثبات و لکنه إثبات متضاد- . و صنف بعض الطالبیین فی هذا العصر- کتابا فی إسلام أبی طالب و بعثه إلی- و سألنی أن أکتب علیه بخطی نظما أو نثرا- أشهد فیه بصحه ذلک و بوثاقه الأدله علیه- فتحرجت أن أحکم بذلک حکما قاطعا- لما عندی من التوقف فیه- و لم أستجز أن أقعد عن تعظیم أبی طالب- فإنی أعلم أنه لولاه لما قامت للإسلام دعامه- و أعلم أن حقه واجب على کل مسلم فی الدنیا- إلى أن تقوم الساعه فکتبت على ظاهر المجلد-

و لو لا أبو طالب و ابنه لما
مثل الدین شخصا فقاما

فذاک بمکه آوى و حامى‏
و هذا بیثرب جس الحماما

تکفل عبد مناف بأمر
و أودى فکان علی تماما

فقل فی ثبیر مضى بعد ما
قضى ما قضاه و أبقى شماما

فلله ذا فاتحا للهدى
و لله ذا للمعالی ختاما

و ما ضر مجد أبی طالب‏
جهول لغا أو بصیر تعامى‏

کما لا یضر إیاه الصباح
من ظن ضوء النهار الظلاما

فوفیته حقه من التعظیم و الإجلال- و لم أجزم بأمر عندی فیه وقفه

الفصل الثالث قصه غزوه بدر

الفصل الثالث فی شرح القصه فی غزاه بدر- و نحن نذکر ذلک من کتاب المغازی- لمحمد بن عمر الواقدی- و نذکر ما عساه زاده محمد بن إسحاق- فی کتاب المغازی- و ما زاده أحمد بن یحیى بن جابر البلاذری- فی تاریخ الأشراف- . قال الواقدی بلغ رسول الله ص- أن عیر قریش قد فصلت من مکه ترید الشام- و قد جمعت قریش فیها أموالها فندب لها أصحابه- و خرج یعترضها على رأس سته عشر شهرا من مهاجره ع- فخرج فی خمسین و مائه و یقال فی مائتین- فلم یلق العیر و فاتته ذاهبه إلى الشام- و هذه غزاه ذی العشیره- رجع منها إلى المدینه فلم یلق حربا- فلما تحین انصراف العیر من الشام قافله- ندب أصحابه لها- و بعث طلحه بن عبید الله- و سعید بن زید بن عمرو بن نفیل- قبل خروجه من المدینه بعشر لیال-یتجسسان خبر العیر حتى نزلا على کشد الجهنی- بالموضع المعروف بالنخبار- و هو من وراء ذی المروه على الساحل- فأجارهما و أنزلهما- فلم یزالا مقیمین فی خباء وبر حتى مرت العیر- فرفعهما على نشز من الأرض-

فنظرا إلى القوم و إلى ما تحمل العیر- و جعل أهل العیر یقولون لکشد- یا کشد هل رأیت أحدا من عیون محمد- فیقول أعوذ بالله و أنى لمحمد عیون بالنخبار- فلما راحت العیر باتا حتى أصبحا ثم خرجا- و خرج معهما کشد خفیرا حتى أوردهما ذا المروه- و ساحلت العیر فأسرعت- و سار بها أصحابها لیلا و نهارا فرقا من الطلب- و قدم طلحه و سعید المدینه- فی الیوم الذی لقی رسول الله ص قریشا ببدر- فخرجا یعترضان رسول الله ص- فلقیاه بتربان و تربان بین ملل و الساله على المحجه- و کانت منزل عروه بن أذینه الشاعر- و قدم کشد بعد ذلک على النبی ص- و قد أخبر طلحه و سعید رسول الله ص بما صنع بهما- فحباه و أکرمه و قال أ لا أقطع لک ینبع- قال إنی کبیر و قد نفد عمری- و لکن أقطعها لابن أخی فأقطعها له قالوا و ندب رسول الله ص المسلمین- و قال هذه عیر قریش فیها أموالهم- لعل الله أن یغنمکموها- فأسرع من أسرع- حتى إن کان الرجل لیساهم أباه فی الخروج- فکان ممن ساهم أباه سعد بن خیثمه- فقال سعد لأبیه إنه لو کان غیر الجنه آثرتک به- إنی لأرجو الشهاده فی وجهی هذا- فقال خیثمه آثرنی و قر مع نسائک- فأبى سعد-

فقال خیثمه إنه لا بد لأحدنا من أن یقیم- فاستهما فخرج سهم سعد فقتل ببدر- و أبطأ عن النبی ص بشر کثیر من أصحابه- و کرهوا خروجه- و کان فی ذلک کلام کثیر و اختلاف- و بعضهم تخلف من أهل النیات و البصائر- لم یظنوا أنه یکون قتال- إنما هو الخروج للغنیمه- و لو ظنوا أنه یکون قتال لما تخلفوا- منهم أسید بن حضیر- فلما قدم رسول الله ص- قال أسید الحمد لله الذی سرک و أظهرک على عدوک- و الذی بعثک بالحق- ما تخلفت عنک رغبه بنفسی عن نفسک- و لا ظننت أنک تلاقی عدوا- و لا ظننت إلا أنها العیر- فقال له رسول الله ص صدقت- . قال و خرج رسول الله ص- حتى انتهى إلى المکان المعروف بالبقع- و هی بیوت السقیا و هی متصله ببیوت المدینه- فضرب عسکره هناک و عرض المقاتله- فعرض عبد الله بن عمر- و أسامه بن زید و رافع بن خدیج- و البراء بن عازب و أسید بن ظهیر- و زید بن أرقم و زید بن ثابت- فردهم و لم یجزهم- .

قال الواقدی فحدثنی أبو بکر بن إسماعیل- عن أبیه عن عامر بن سعد عن أبیه- قال رأیت أخی عمیر بن أبی وقاص- قبل أن یعرضنا رسول الله ص یتوارى- فقلت ما لک یا أخی- قال إنی أخاف أن یرانی رسول الله ص- فیستصغرنی فیردنی و أنا أحب الخروج- لعل الله أن یرزقنی الشهاده- قال فعرض على رسول الله ص فاستصغره- فقال ارجع فبکى عمیر فأجازه- . قال فکان سعد یقول- کنت أعقد له حمائل سیفه من صغره- فقتل ببدر و هو ابن ست عشره سنه- . قال فلما نزل ع بیوت السقیا- أمر أصحابه أن یستقوا من بئرهم- و شرب ع منها- کان أول من شرب و صلى عندها- و دعا یومئذ لأهل المدینه-

فقال اللهم إن إبراهیم عبدک و خلیلک و نبیک- دعاک لأهل مکه و إنی محمد عبدک و نبیک- أدعوک لأهل المدینه- أن تبارک لهم فی صاعهم و مدهم و ثمارهم- اللهم حبب إلینا المدینه- و اجعل ما بها من الوباء بخم- اللهم إنی حرمت ما بین لابتیها- کما حرم إبراهیم خلیلک مکه- .

قال الواقدی و خم على میلین من الجحفه- . و قدم رسول الله ص أمامه عدی بن أبی الزغباء- و بسیس بن عمرو و جاء إلیه عبد الله بن عمرو بن حرام- فقال یا رسول الله لقد سرنی منزلک هذا- و عرضک فیه أصحابک و تفاءلت به- إن هذا منزلنا فی بنی سلمه- حیث کان بیننا و بین أهل حسیکه ما کان- .

قال الواقدی هی حسیکه الذباب- و الذباب جبل بناحیه المدینه- و کان بحسیکه یهود و کان لهم بها منازل- . قال عبد الله بن عمرو بن حرام- فعرضنا یا رسول الله هاهنا أصحابنا- فأجزنا من کان یطیق السلاح- و رددنا من صغر عن حمل السلاح- ثم سرنا إلى یهود حسیکه- و هم أعز یهود کانوا یومئذ- فقتلناهم کیف شئنا- فذلت لنا سائر یهود إلى الیوم- و أنا أرجو یا رسول الله- أن نلتقی نحن و قریش- فیقر الله عینک منهم- .

قال الواقدی و کان خلاد بن عمرو بن الجموح- لما کان من النهار رجع إلى أهله بخرباء- فقال له أبوه عمرو بن الجموح- ما ظننت إلا أنکم قد سرتم- فقال إن رسول الله ص یعرض الناس بالبقیع- فقال عمرو نعم الفأل- و الله إنی لأرجو أن تغنموا- و أن تظفروا بمشرکی قریش- إن هذا منزلنا یوم سرنا إلى حسیکه-قال فإن رسول الله ص قد غیر اسمه- و سماه السقیا- قال فکانت فی نفسی أن أشتریها- حتى اشتراها سعد بن أبی وقاص ببکرین- و یقال بسبع أواق- فذکر للنبی ص أن سعدا اشتراها- فقال ربح البیع- .

قال الواقدی- فراح رسول الله ص من بیوت السقیا- لاثنتی عشره لیله مضت من رمضان- و خرج المسلمون معه ثلاثمائه و خمسه- و تخلف ثمانیه ضرب لهم بسهامهم و أجورهم- فکانت الإبل سبعین بعیرا- و کانوا یتعاقبون الإبل الاثنین و الثلاثه و الأربعه- فکان رسول الله ص و علی بن أبی طالب ع- و مرثد بن أبی مرثد-

و یقال زید بن حارثه مکان مرثد- یتعاقبون بعیرا واحدا- و کان حمزه بن عبد المطلب- و زید بن حارثه و أبو کبشه و أنسه- موالی النبی ص على بعیر- و کان عبیده بن الحارث و الطفیل- و الحصین ابنا الحارث- و مسطح بن أثاثه على بعیر- لعبیده بن الحارث ناضح- ابتاعه من أبی داود المازنی- و کان معاذ و عوف و معوذ بنو عفراء- و مولاهم أبو الحمراء على بعیر- و کان أبی بن کعب و عماره بن حزام- و حارثه بن النعمان على بعیر- و کان خراش بن الصمه و قطبه بن عامر بن حدیده- و عبد الله بن عمرو بن حزام على بعیر- و کان عتبه بن غزوان و طلیب بن عمیر- على جمل لعتبه بن غزوان یقال له العبس- و کان مصعب بن عمیر و سویبط بن حرمله- و مسعود بن ربیع على جمل لمصعب- و کان عمار بن یاسر و عبد الله بن مسعود على بعیر- و کان عبد الله بن کعب و أبو داود المازنی- و سلیط بن قیس على جمل لعبد الله بن کعب- و کان عثمان بن عفان و قدامه بن مظعون- و عبد الله بن مظعون و السائب بن عثمان على بعیر یتعاقبون- و کان أبو بکر و عمر و عبد الرحمن بن عوف على بعیر- و کان سعد بن معاذ و أخوه- و ابن أخیه الحارث بن أوس- و الحارث بن أنس على جمل لسعد بن معاذ- ناضح یقال له الذیال- و کان سعید بن زید- و سلمه بن سلامه بن وقش- و عباد بن بشر و رافع بن یزید- على ناضح لسعید بن زید- ما تزودوا إلا صاعا من تمر- .

قال الواقدی فروى معاذ بن رفاعه عن أبیه- قال خرجت مع النبی ص إلى بدر- و کان کل ثلاثه یتعاقبون بعیرا- فکنت أنا و أخی خلاد بن رافع على بکر لنا- و معنا عبیده بن یزید بن عامر- فکنا نتعاقب فسرنا حتى إذا کنا بالروحاء- إذ مر بنا بکرنا و برک علینا و أعیا- فقال أخی اللهم إن لک علی نذرا- لئن رددتنا إلى المدینه لأنحرنه- فمر بنا النبی ص و نحن على تلک الحال- فقلنا یا رسول الله برک علینا بکرنا- فدعا بماء فتمضمض و توضأ فی إناء- ثم قال افتحا فاه ففعلنا فصبه فی فیه- ثم على رأسه ثم على عنقه ثم على حارکه- ثم على سنامه ثم على عجزه- ثم على ذنبه ثم قال ارکبا- و مضى رسول الله ص فلحقناه أسفل من المنصرف- و إن بکرنا لینفر بنا- حتى إذا کنا بالمصلى راجعین من بدر- برک علینا فنحره أخی فقسم لحمه و تصدق به- .

قال الواقدی و قد روی أن سعد بن عباده- حمل فی بدر على عشرین جملا- . قال و روی عن سعد بن أبی وقاص- أنه قال فخرجنا إلى بدر مع رسول الله ص و معنا سبعون بعیرا- فکانوا یتعاقبون الثلاثه و الأربعه و الاثنان- على بعیر- و کنت أنا من أعظم أصحاب النبی ع عنه غناء- و أرجلهم رجله و أرماهم لسهم- لم أرکب خطوه ذاهبا و لا راجعا قال الواقدی و قال رسول الله ص حین فصل من بیوت السقیا اللهم إنهم حفاه فاحملهم و عراه فاکسهم- و جیاع فأشبعهم و عاله فأغنهم من فضلک- فما رجع أحد منهم یرید أن یرکب إلا وجد ظهرا- للرجل البعیر و البعیران و اکتسى‏من کان عاریا- و أصابوا طعاما من أزوادهم- و أصابوا فداء الأسرى فأغنى به کل عائل – .

قال و استعمل رسول الله ص على المشاه- قیس بن أبی صعصعه- و اسم أبی صعصعه عمر بن یزید بن عوف بن مبذول- و أمره النبی ص حین فصل من بیوت السقیا أن یعد المسلمین- فوقف لهم ببئر أبی عبیده یعدهم- ثم أخبر النبی ص و خرج من بیوت السقیا- حتى سلک بطن العقیق ثم سلک طریق المکیمن- حتى خرج على بطحاء بن أزهر- فنزل تحت شجره هناک- فقام أبو بکر إلى حجاره هناک فبنى منها مسجدا- فصلى فیه رسول الله و أصبح یوم الاثنین و هو هناک- ثم صار إلى بطن ملل و تربان بین الحفیره و ملل- .

قال الواقدی فکان سعد بن أبی وقاص- یقول لما کنا بتربان قال لی رسول الله ص- یا سعد انظر إلى الظبی فأفوق له بسهم- و قام رسول الله ص فوضع رأسه بین منکبی و أذنی- ثم قال اللهم سدد رمیته- قال فما أخطأ سهمی عن نحره- فتبسم رسول الله ص- و خرجت أعدو فأخذته و به رمق فذکیته- فحملناه حتى نزلنا قریبا- و أمر به رسول الله ص فقسم بین أصحابه- . قال الواقدی و کان معهم فرسان- فرس لمرثد بن أبی مرثد الغنوی- و فرس للمقداد بن عمرو البهرانی حلیف بنی زهره- و یقال فرس للزبیر- و لم یکن إلا فرسان لاختلاف عندهم- أن المقداد له فرس- و قد روی عن ضباعه بنت الزبیر عن المقداد-

قال کان معی یوم بدر فرس یقال له سبحه- و قد روى سعد بن مالک الغنوی عن آبائه- أن مرثد بن أبی مرثد الغنوی- شهد بدرا على فرس له یقال له السیل- . قال الواقدی و لحقت قریش بالشام فی عیرها- و کانت العیر ألف بعیر و کان فیها أموال عظام- و لم یبق بمکه قرشی و لا قرشیه- له مثقال فصاعدا إلا بعث به فی العیر- حتى إن المرأه لتبعث بالشی‏ء التافه- و کان یقال إن فیها لخمسین ألف دینار- و قالوا أقل و إن کان لیقال إن أکثر ما فیها من المال- لآل سعید بن العاص لأبی أحیحه- إما مال لهم أو مال مع قوم قراض على النصف- و کان عامه العیر لهم- و یقال بل کان لبنی مخزوم فیها مائتا بعیر- و خمسه أو أربعه آلاف مثقال ذهبا- و کان یقال للحارث بن عامر بن نوفل فیها ألفا مثقال- .

قال الواقدی و حدثنی هشام بن عماره بن أبی الحویرث- قال کان لبنی عبد مناف فیها عشره آلاف مثقال- و کان متجرهم إلى غزه من أرض الشام- . قال الواقدی و حدثنی عبد الله بن جعفر- عن أبی عون مولى المسور عن مخرمه بن نوفل- قال لما لحقنا بالشام أدرکنا رجل من جذام فأخبرنا أن محمدا قد کان عرض لعیرنا فی بدأتنا- و أنه ترکه مقیما ینتظر رجعتنا- قد حالف علینا أهل الطریق و وادعهم- قال مخرمه فخرجنا خائفین نخاف الرصد- فبعثنا ضمضم بن عمرو حین فصلنا من الشام- .

قال الواقدی و کان عمرو بن العاص مع العیر- و کان یحدث بعد ذلک یقول- لما کنا بالزرقاء و الزرقاء بالشام- من أذرعات على مرحلتین- و نحن منحدرون إلى مکه لقینا رجلا من جذام- فقال قد کان عرض محمد لکم فی بدأتکم فی أصحابه- فقلنا ما شعرنا قال بلى فأقام شهرا- ثم رجع إلى یثرب- و أنتم یوم عرض محمد لکم مخفون- فهو الآن أحرى أن یعرض لکم- إنما یعد لکم الأیام عدا فاحذروا على عیرکم-و ارتئوا آراءکم- فو الله ما أرى من عدد و لا کراع و لا حلقه- فأجمع القوم أمرهم- فبعثوا ضمضم بن عمرو و کان فی العیر- و قد کانت قریش مرت به و هو بالساحل- معه بکران فاستأجروه بعشرین مثقالا- و أمره أبو سفیان أن یخبر قریشا أن محمدا قد عرض لعیرهم- و أمره أن یجدع بعیره إذا دخل- و یحول رحله و یشق قمیصه من قبله و دبره- و یصیح الغوث الغوث- و یقال إنما بعثوه من تبوک- و کان فی العیر ثلاثون رجلا من قریش- فیهم عمرو بن العاص و مخرمه بن نوفل- .

قال الواقدی و قد کانت عاتکه بنت عبد المطلب- رأت قبل مجی‏ء ضمضم بن عمرو رؤیا أفزعتها- و عظمت فی صدرها- فأرسلت إلى أخیها العباس- فقالت یا أخی لقد و الله رأیت رؤیا أفزعتنی- و تخوفت أن یدخل على قومک منها شر و مصیبه- فاکتم علی ما أحدثک منها- رأیت راکبا أقبل على بعیر حتى وقف بالأبطح- ثم صرخ بأعلى صوته یا آل غدر- انفروا إلى مصارعکم فی ثلاث فصرخ بها ثلاث مرات- فأرى الناس اجتمعوا إلیه- ثم دخل المسجد و الناس یتبعونه- إذ مثل به بعیره على ظهر الکعبه- فصرخ مثلها ثلاثا- ثم مثل به بعیره على رأس أبی قبیس- فصرخ بمثلها ثلاثا- ثم أخذ صخره من أبی قبیس فأرسلها فأقبلت تهوی- حتى إذا کانت فی أسفل الجبل ارفضت- فما بقی بیت من بیوت مکه و لا دار من دورها- إلا دخلته منها فلذه- .

قال الواقدی و کان عمرو بن العاص یحدث بعد ذلک- فیقول لقد رأیت کل هذا- و لقد رأیت فی دارنا فلقه من الصخره- التی انفلقت من أبی قبیس- و لقد کان ذلک عبره- و لکن الله لم یرد أن نسلم یومئذ- لکنه أخر إسلامنا إلى ما أراد- . قلت کان بعض أصحابنا یقول- لم یکف عمرا أن یقول- رأیت الصخره فی دور مکه عیانا- فیخرج ذلک مخرج الاستهزاء- باطنا على وجه النفاق و استخفافه بعقول المسلمین‏ زعم- حتى یضیف إلى ذلک القول بالخبر الصراح- فیقول إن الله تعالى لم یکن أراد منه الإسلام یومئذ- .

قال الواقدی- قالوا و لم یدخل دارا و لا بیتا- من دور بنی هاشم و لا بنی زهره من تلک الصخره شی‏ء- قال فقال العباس إن هذه لرؤیا فخرج مغتما- حتى لقی الولید بن عتبه بن ربیعه و کان له صدیقا- فذکرها له و استکتمه ففشا الحدیث فی الناس- قال العباس فغدوت أطوف بالبیت- و أبو جهل فی رهط من قریش- یتحدثون برؤیا عاتکه- فقال أبو جهل ما رأت عاتکه هذه- فقلت و ما ذاک فقال یا بنی عبد المطلب- أ ما رضیتم بأن تتنبأ رجالکم حتى تتنبأ نساءکم- زعمت عاتکه أنها رأت فی المنام کذا و کذا للذی رأت- فسنتربص بکم ثلاثا- فإن یکن ما قالت حقا فسیکون- و إن مضت الثلاث و لم یکن- نکتب علیکم أنکم أکذب أهل بیت فی العرب- فقال له العباس یا مصفر استه- أنت أولى بالکذب و اللؤم منا- فقال أبو جهل إنا استبقنا المجد و أنتم- فقلتم فینا السقایه- فقلنا لا نبالی تسقون الحجاج- ثم قلتم فینا الحجابه- فقلنا لا نبالی تحجبون البیت- ثم قلتم فینا الندوه- قلنا لا نبالی یکون الطعام فتطعمون الناس- ثم قلتم فینا الرفاده فقلنا لا نبالی- تجمعون عندکم ما ترفدون به الضعیف- فلما أطعمنا الناس و أطعمتم- و ازدحمت الرکب و استبقنا المجد- فکنا کفرسی رهان- قلتم منا نبی ثم قلتم منا نبیه- فلا و اللات و العزى لا کان هذا أبدا- .

قلت لا أرى کلام أبی جهل منتظما- لأنه إذا سلم للعباس أن هذه الخصال کلها فیهم- و هی الخصال التی تشرف بها القبائل- بعضها على بعض- فکیف یقول لا نبالی لا نبالی- و کیف یقول فلما أطعمنا للناس و أطعمتم- و قد کان الکلام منتظما- لو قال و لنا بإزاء هذه المفاخر کذا و کذا- ثم یقول بعد ذلک- استبقنا المجد فکنا کفرسی رهان- و ازدحمت الرکب- و لم یقل شیئا و لا عد مآثره- و لعل أبا جهل قد قال ما لم ینقل‏ قال الواقدی قال العباس- فو الله ما کان منی غیر أنی جحدت ذلک- و أنکرت أن تکون عاتکه رأت شیئا- فلما أمسیت لم تبق امرأه- أصابتها ولاده عبد المطلب إلا جاءت- فقلن لی أ رضیتم بهذا الفاسق الخبیث- یقع فی رجالکم ثم قد تناول نساءکم- و لم تکن لک عند ذلک غیره- فقلت و الله ما قلت إلا لأنی لا أبالی به- و لایم الله لأعرضن له غدا- فإن عاد کفیتکن إیاه- فلما أصبحوا من ذلک الیوم- الذی رأت فیه عاتکه ما رأت- قال أبو جهل هذه ثلاثه أیام ما بقی-

قال العباس و غدوت فی الیوم الثالث- و أنا حدید مغضب- أرى أن قد فاتنی منه أمر أحب أن أدرکه- و أذکر ما أحفظنی به النساء من مقالتهن- فو الله إنی لأمشی نحوه- و کان رجلا خفیفا حدید الوجه حدید اللسان- حدید النظر إذ خرج نحو باب بنی سهم یشتد- فقلت ما باله لعنه الله- أ کل هذا فرقا من أن أشاتمه- فإذا هو قد سمع صوت ضمضم بن عمرو- و هو یقول یا معشر قریش- یا آل لؤی بن غالب- اللطیمه قد عرض لها محمد فی أصحابه- الغوث الغوث و الله ما أرى أن تدرکوها- و ضمضم ینادی بذلک فی بطن الوادی- و قد جدع أذنی بعیره و شق قمیصه قبلا و دبرا- و حول رحله و کان یقول- لقد رأیتنی قبل أن أدخل مکه- و إنی لأرى فی النوم و أنا على راحلتی- کأن وادی مکه یسیل من أسفله إلى أعلاه دما- فاستیقظت فزعا مذعورا فکرهتها لقریش- و وقع فی نفسی أنها مصیبه فی أنفسهم- .

قال الواقدی- و کان عمیر بن وهب الجمحی یقول- ما رأیت أعجب من أمر ضمضم قط- و ما صرح على لسانه إلا شیطان- کأنه لم یملکنا من أمورنا شیئا- حتى نفرنا على الصعب و الذلول- و کان حکیم بن حزام یقول- ما کان الذی جاءنا فاستنفرنا إلى العیر إنسانا- إن هو إلا شیطان- قیل کیف یا أبا خالد قال إنی لأعجب منه- ما ملکنا من أمرنا شیئا- .

قال الواقدی- فجهز الناس و شغل بعضهم عن بعض- و کان الناس بین رجلین- إما خارج و إما باعث مکانه رجلا- و أشفقت قریش لرؤیا عاتکه و سر بنو هاشم-و قال قائلهم کلا- زعمتم أنا کذبنا و کذبت عاتکه- فأقامت قریش ثلاثا تتجهز و یقال یومین- و أخرجت أسلحتها و اشتروا سلاحا- و أعان قویهم ضعیفهم- و قام سهیل بن عمرو فی رجال من قریش- فقال یا معشر قریش- هذا محمد و الصباه معه من شبانکم- و أهل یثرب قد عرضوا لعیرکم و لطیمتکم- فمن أراد ظهرا فهذا ظهر- و من أراد قوه فهذه قوه- و قام زمعه بن الأسود- فقال إنه و اللات و العزى- ما نزل بکم أمر أعظم من أن طمع محمد و أهل یثرب- أن یعرضوا لعیرکم فیها خزائنکم- فأوعبوا و لا یتخلف منکم أحد- و من کان لا قوه له فهذه قوه- و الله لئن أصابها محمد و أصحابه لا یروعکم منهم- إلا و قد دخلوا علیکم بیوتکم- و قال طعیمه بن عدی یا معشر قریش- و الله ما نزل بکم أمر أجل من هذه- أن یستباح عیرکم- و لطیمه قریش فیها أموالکم و خزائنکم- و الله ما أعرف رجلا و لا امرأه من بنی عبد مناف- له نش فصاعدا إلا و هو فی هذه العیر- فمن کان لا قوه به فعندنا قوه نحمله و نقویه- فحمل على عشرین بعیرا و قوی بهم- و خلفهم فی أهلهم بمعونه- و قام حنظله بن أبی سفیان و عمرو بن أبی سفیان- فحضا الناس على الخروج- و لم یدعوا إلى قوه و لا حملان- فقیل لهما أ لا تدعوان- إلى ما دعا إلیه قومکما من الحملان- قالا و الله ما لنا مال- و ما المال إلا لأبی سفیان- و مشى نوفل بن معاویه الدیلمی إلى أهل القوه من قریش- و کلمهم فی بذل النفقه و الحملان لمن خرج- فکلم عبد الله بن أبی ربیعه- فقال هذه خمسمائه دینار تضعها حیث رأیت- و کلم حویطب بن عبد العزى- فأخذ منه مائتی دینار أو ثلاثمائه- ثم قوی بها فی السلاح و الظهر- .

قال الواقدی- و ذکروا أنه کان لا یتخلف أحد من قریش- إلا بعث مکانه بعثا- فمشت قریش إلى أبی لهب- فقالوا له إنک سید من سادات قریش- و إنک إن تخلفت عن‏ النفیر- یعتبر بک غیرک من قومک- فاخرج أو ابعث رجلا- فقال و اللات و العزى لا أخرج و لا أبعث أحدا- فجاءه أبو جهل فقال أقم یا أبا عتبه- فو الله ما خرجنا إلا غضبا لدینک و دین آبائک- و خاف أبو جهل أن یسلم أبو لهب- فسکت أبو لهب و لم یخرج و لم یبعث- و ما منع أبا لهب أن یخرج- إلا الإشفاق من رؤیا عاتکه- کان یقول إنما رؤیا عاتکه أخذ بالید- و یقال إنه بعث مکانه العاص بن هشام بن المغیره- و کان له علیه دین- فقال اخرج و دینی علیک لک فخرج عنه- .

و قال محمد بن إسحاق فی المغازی- کان دین أبی لهب على العاص بن هشام- أربعه آلاف درهم فمطله بها و أفلس- فترکها له على أن یکون مکانه فخرج مکانه- . قال الواقدی و أخرج عتبه و شیبه دروعا لهما- فنظر إلیهما مولاهما عداس- و هما یصلحان دروعهما و آله حربهما- فقال ما تریدان- فقالا أ لم تر إلى الرجل الذی أرسلناک إلیه- بالعنب فی کرمنا بالطائف قال نعم- قالا نخرج فنقاتله فبکى- و قال لا تخرجا فو الله إنه لنبی- فأبیا فخرجا و خرج معهما فقتل ببدر معهما- .

قلت حدیث العنب فی کرم ابنی ربیعه بالطائف- قد ذکره أرباب السیره و شرحه الطبری فی التاریخ- قال لما مات أبو طالب بمکه- طمعت قریش فی رسول الله ص- و نالت منه ما لم تکن تناله فی حیاه أبی طالب- فخرج من مکه خائفا على نفسه- مهاجرا إلى ربه یؤم الطائف- راجیا أن یدعو أهلها إلى الإسلام فیجیبوه- و ذلک فی شوال من سنه عشر من النبوه- فأقام بالطائف عشره أیام و قیل شهرا- لا یدع أحدا من أشراف ثقیف إلا جاءه و کلمه- فلم یجیبوه و أشاروا علیه أن یخرج عن أرضهم- و یلحق بمجاهل الأرض و بحیث لا یعرف- و أغروا به سفهاءهم فرموه بالحجاره- حتى إن رجلیه لتدمیان- فکان معه زید بن حارثه فکان یقیه بنفسه- حتى لقد شج فی رأسه- .

و الشیعه تروی أن علی بن أبی طالب- کان معه أیضا فی هجره الطائف- فانصرف رسول الله ص عن ثقیف و هو محزون- بعد أن مشى إلى عبد یالیل و مسعود- و حبیب ابنی عمرو بن عمیر- و هم یومئذ ساده ثقیف- فجلس إلیهم و دعاهم إلى الله- و إلى نصرته و القیام معه على قومه- فقال له أحدهم أنا أمرط بباب الکعبه- إن کان الله أرسلک- و قال الآخر أ ما وجد الله أحدا أرسله غیرک- و قال الثالث و الله لا أکلمک کلمه أبدا- لئن کنت رسولا من الله کما تقول- لأنت أعظم خطرا من أن أرد علیک الکلام- و لئن کنت کاذبا على الله ما ینبغی أن أکلمک- فقام رسول الله ص من عندهم- و قد یئس من خیر ثقیف- و اجتمع علیه صبیانهم و سفهاؤهم- و صاحوا به و سبوه و طردوه- حتى اجتمع علیه الناس یعجبون منه- و ألجئوه بالحجاره و الطرد و الشتم- إلى حائط لعتبه بن ربیعه و شیبه بن ربیعه- و هما یومئذ فی الحائط- فلما دخل الحائط رجع عنه سفهاء ثقیف- فعمد إلى ظل حبله منه فجلس فیه- و ابنا ربیعه ینظران و یریان ما لقی من سفهاء ثقیف قال الطبری فلما اطمأن به قال فیما ذکر لی اللهم إلیک أشکو ضعف قوتی و قله حیلتی- و هوانی على الناس یا أرحم الراحمین- أنت رب المستضعفین و أنت ربی- إلى من تکلنی إلى بعید فیتجهمنی- أم إلى عدو ملکته أمری- فإن لم یکن منک غضب علی فلا أبالی- و لکن عافیتک هی أوسع لی- أعوذ بنور وجهک الذی أشرقت به الظلمات- و صلح علیه أمر الدنیا و الآخره- من أن ینزل بی غضبک أو یحل علی سخطک- لک العتبى حتى ترضى لا حول و لا قوه إلا بک – .

فلما رأى عتبه و شیبه ما لقی تحرکت له رحمهما- فدعوا غلاما نصرانیا لهما یقال له‏ عداس- فقالا له خذ قطفا من هذا العنب- و ضعه فی ذلک الطبق- ثم اذهب به إلى ذلک الرجل- و قل له فلیأکل منه- ففعل و أقبل به حتى وضعه بین یدیه- فوضع یده فیه فقال بسم الله و أکل- فقال عداس و الله إن هذه الکلمه- لا یقولها أهل هذه البلده- فقال له رسول الله ص من أی البلاد أنت و ما دینک- قال أنا نصرانی من أهل نینوى- قال أ من قریه الرجل الصالح یونس بن متى- قال و ما یدریک من یونس بن متى- قال ذاک أخی کان نبیا و أنا نبی- فأکب عداس على یدیه و رجلیه و رأسه یقبلها- قال یقول ابنا ربیعه أحدهما لصاحبه- أما غلامک فقد أفسده علیک- فلما جاءهما قالا ویلک ویلک یا عداس- ما لک تقبل رأس هذا الرجل و یدیه و قدمیه- قال یا سیدی ما فی الأرض خیر من هذا- فقد أخبرنی بأمر لا یعلمه إلا نبی- . قال الواقدی- و استقسمت قریش بالأزلام عند هبل للخروج- و استقسم أمیه بن خلف و عتبه و شیبه بالآمر و الناهی- فخرج القدح الناهی- فأجمعوا المقام حتى أزعجهم أبو جهل- فقال ما استقسمت و لا نتخلف عن عیرنا- .

قال الواقدی لما توجه زمعه بن الأسود خارجا- فکان بذی طوى أخرج قداحه و استقسم بها- فخرج الناهی عن الخروج فلقی غیظا- ثم أعادها الثانیه فخرج مثل ذلک فکسرها- و قال ما رأیت کالیوم قدحا أکذب- و مر به سهیل بن عمرو و هو على تلک الحال- فقال ما لی أراک غضبان یا أبا حکیمه- فأخبره زمعه- فقال امض عنک أیها الرجل- قد أخبرنی عمیر بن وهب أنه لقیه مثل الذی أخبرتنی- فمضوا على هذا الحدیث- .

قال الواقدی- و حدثنی موسى بن ضمره بن سعید عن أبیه- قال قال أبو سفیان بن حرب لضمضم- إذا قدمت على قریش فقل لها لا تستقسم بالأزلام- . قال الواقدی- و حدثنی محمد بن عبد الله عن الزهری- عن أبی بکر بن سلیم بن أبی خیثمه- قال سمعت حکیم بن حزام یقول- ما توجهت وجها قط- کان أکره إلی من مسیری إلى بدر- و لا بان لی فی وجه قط- ما بان لی قبل أن أخرج- ثم قال قدم ضمضم- فصاح بالنفیر فاستقسمت بالأزلام- کل ذلک یخرج الذی أکره- ثم خرجت على ذلک حتى نزلنا مر الظهران- فنحر ابن الحنظلیه جزورا منها بها حیاه- فما بقی خباء من أخبیه العسکر- إلا أصابه من دمها- فکان هذا بین ثم هممت بالرجوع- ثم أذکر ابن الحنظلیه و شؤمه- فیردنی حتى مضیت لوجهی- و کان حکیم یقول- لقد رأینا حین بلغنا الثنیه البیضاء- و هی الثنیه التی تهبطک على فخ- و أنت مقبل من المدینه- إذا عداس جالس علیها- و الناس یمرون إذ مر علینا ابنا ربیعه- فوثب إلیهما فأخذ بأرجلهما فی غرزهما- و هو یقول بأبی أنتما و أمی- و الله إنه لرسول الله ص- و ما تساقان إلا إلى مصارعکما- و إن عینیه لتسیل دمعا على خدیه- فأردت أن أرجع أیضا ثم مضیت- و مر به العاص بن منبه بن الحجاج- فوقف علیه حین ولى عتبه و شیبه- فقال ما یبکیک قال یبکینی سیدی- أو سیدا أهل الوادی یخرجان إلى مصارعهما- و یقاتلان رسول الله ص- فقال العاص و إن محمدا لرسول الله- فانتفض عداس انتفاضه و اقشعر جلده- ثم بکى و قال إی و الله- إنه لرسول الله إلى الناس کافه- قال فأسلم العاص بن منبه- و مضى و هو على الشک- حتى قتل مع المشرکین على شک و ارتیاب- و یقال رجع عداس و لم یشهد بدرا- و یقال شهد بدرا و قتل- . قال الواقدی و القول الأول أثبت عندنا- .

قال الواقدی و خرج سعد بن معاذ معتمرا قبل بدر- فنزل على أمیه بن خلف- فأتاه أبو جهل و قال أ تترک هذا- و قد آوى محمدا و آذننا بالحرب- فقال سعد بن معاذ قل ما شئت- أما إن طریق عیرکم علینا- قال أمیه بن خلف مه- لا تقل هذا لأبی الحکم فإنه سید أهل الوادی- قال سعد بن معاذ و أنت تقول ذلک یا أمیه- أما و الله لسمعت محمدا یقول لأقتلن أمیه بن خلف- قال أمیه أنت سمعته- قال سعد بن معاذ فقلت نعم- قال فوقع فی نفسه- فلما جاء النفیر أبى أمیه أن یخرج معهم إلى بدر- فأتاه عقبه بن أبی معیط و أبو جهل- و مع عقبه مجمره فیها بخور- و مع أبی جهل مکحله و مرود- فأدخلها عقبه تحته فقال تبخر فإنما أنت امرأه- و قال أبو جهل اکتحل فإنما أنت امرأه- فقال أمیه ابتاعوا لی أفضل بعیر فی الوادی- فابتاعوا له جملا بثلاثمائه دینار من نعم بنی قشیر- فغنمه المسلمون یوم بدر- فصار فی سهم خبیب بن یساف- .

قال الواقدی و قالوا ما کان أحد ممن خرج إلى العیر- أکره للخروج من الحارث بن عامر- و قال لیت قریشا تعزم على القعود- و أن مالی فی العیر تلف و مال بنی عبد مناف أیضا- فیقال له إنک سید من ساداتها- أ فلا تردعها عن الخروج- قال إنی أرى قریشا قد أزمعت على الخروج- و لا أرى أحدا به طرق تخلف إلا من عله- و أنا أکره خلافها- و ما أحب أن تعلم قریش ما أقول- على أن ابن الحنظلیه رجل مشئوم على قومه- ما أعلمه إلا یحرز قومه أهل یثرب- و لقد قسم الحارث مالا من ماله بین ولده- و وقع فی نفسه أنه لا یرجع إلى مکه- و جاءه ضمضم بن عمرو و کانت للحارث عنده أیاد- فقال أبا عامر إنی رأیت رؤیا کرهتها- و إنی لکالیقظان على راحلتی- و أراکم أن وادیکم یسیل دما من أسفله إلى أعلاه- فقال الحارث ما خرج أحد وجها من الوجوه- أکره له من وجهی هذا- قال یقول ضمضم- و الله إنی لأرى لک أن تجلس- فقال لو سمعت هذا منک قبل أن أخرج ما سرت خطوه- فاطو هذا الخبر أن تعلمه قریش- فإنها تتهم کل من عوقها عن المسیر- و کان ضمضم قد ذکر هذا الحدیث- للحارث ببطن یأجج- قالوا و کرهت قریش أهل الرأی منهم المسیر- و مشى بعضهم إلى بعض- و کان ممن أبطأ بهم عن ذلک الحارث بن عامر- و أمیه بن خلف و عتبه و شیبه ابنا ربیعه- و حکیم بن حزام و أبو البختری- و علی بن أمیه بن خلف و العاص بن منبه- حتى بکتهم أبو جهل بالجبن- و أعانه عقبه بن أبی معیط- و النضر بن الحارث بن کلده- و حضوهم على الخروج- و قالوا هذا فعل النساء فأجمعوا المسیر- و قالت قریش لا تدعوا أحدا من عدوکم خلفکم- .

قال الواقدی- و مما استدل به على کراهه الحارث بن عامر للخروج- و عتبه و شیبه- أنه ما عرض رجل منهم حملانا- و لا حملوا أحدا من الناس- و إن کان الرجل لیأتیهم حلیفا أو عدیدا- و لا قوه له فیطلب الحملان منهم- فیقولون إن کان لک مال و أحببت أن تخرج فافعل- و إلا فأقم حتى کانت قریش تعرف ذلک منهم- . قال الواقدی فلما اجتمعت قریش إلى الخروج و المسیر- ذکروا الذی بینهم و بین بنی بکر من العداوه- و خافوهم على من یخلفونه- و کان أشدهم خوفا عتبه بن ربیعه- و کان یقول یا معشر قریش- إنکم و إن ظفرتم بالذی تریدون- فإنا لا نأمن على من نخلف- إنما نخلف نساء و لا ذریه و من لا طعم به- فارتئوا آراءکم- فتصور لهم إبلیس فی صوره سراقه بن جعشم المدلجی- فقال یا معشر قریش قد عرفتم شرفی و مکانی فی قومی- أنا لکم جار أن تأتیکم کنانه بشی‏ء تکرهونه- فطابت نفس عتبه- و قال له أبو جهل فما ترید- هذا سید کنانه هو لنا جار على من نخلف- فقال عتبه لا شی‏ء أنا خارج قال الواقدی و کان الذی بین بنی کنانه و قریش- أن ابنا لحفص بن الأحنف- أحد بنی معیط بن عامر بن لؤی- خرج یبغی ضاله و هو غلام فی رأسه ذؤابه- و علیه حله و کان غلاما وضیئا- فمر بعامر بن یزید بن عامر بن الملوح بن یعمر- أحد رؤساء بنی کنانه و کان بضجنان- فقال من أنت یا غلام- قال ابن لحفص بن الأحنف- فقال یا بنی بکر أ لکم فی قریش دم قالوا نعم-

قال ما کان رجل یقتل هذا برجله إلا استوفى- فاتبعه رجل من بنی بکر فقتله بدم له فی قریش- فتکلمت فیه قریش- فقال عامر بن یزید قد کانت لنا فیکم دماء- فإن شئتم فأدوا ما لنا قبلکم- و نؤدی إلیکم ما کان فینا- و إن شئتم فإنما هو الدم رجل برجل- و إن شئتم فتجافوا عنا فیما قبلنا- و نتجافى عنکم فیما قبلکم- فهان ذلک الغلام على قریش- و قالوا صدق رجل برجل- فلهوا عنه أن یطلبوا بدمه- فبینا أخوه مکرز بن حفص بمر الظهران- إذ نظر عامر بن یزید و هو سید بنی بکر على جمل له- فلما رآه قال ما أطلب أثرا بعد عین- و أناخ بعیره و هو متوشح سیفه- فعلاه به حتى قتله ثم أتى مکه من اللیل- فعلق سیف عامر بن یزید بأستار الکعبه- فلما أصبحت قریش رأوا سیف عامر بن یزید- فعرفوا أن مکرز بن حفص قتله- و قد کانت تسمع من مکرز فی ذلک قولا- و جزعت بنو بکر من قتل سیدها- فکانت معده لقتل رجلین من قریش سیدین- أو ثلاثه من ساداتها- فجاء النفیر و هم على هذا الأمر- فخافوهم على من تخلف بمکه من ذراریهم- فلما قال سراقه ما قال و هو ینطق بلسان إبلیس شجع القوم- .

قال الواقدی و خرجت قریش سراعا- و خرجوا بالقیان و الدفوف- ساره مولاه عمرو بن هاشم بن عبد المطلب- و عزه مولاه أسود بن المطلب- و فلانه مولاه أمیه بن خلف- یغنین فی کل منهل و ینحرون الجزر- و خرجوا بالجیش یتقاذفون بالحراب- و خرجوا بتسعمائه و خمسین مقاتلا- و قادوا مائه فرس بطرا و رئاء الناس- کما ذکر الله تعالى فی کتابه- و أبو جهل یقول أ یظن محمد- أن یصیب منا ما أصاب بنخله و أصحابه- سیعلم أ نمنع عیرنا أم لا- .

قلت سریه نخله سریه قبل بدر- و کان أمیرها عبد الله بن جحش- قتل فیها عمرو بن الحضرمی- حلیف بنی عبد شمس- قتله واقد بن عبد الله التمیمی رماه بسهم فقتله- و أسر الحکم بن کیسان- و عثمان بن عبد الله بن المغیره- و استاق المسلمون العیر- و کانت خمسمائه بعیر فخمسها رسول الله ص- و قسم أربعمائه فیمن شهدها من المسلمین- و هم مائتا رجل فأصاب کل رجل بعیران- . قال الواقدی و کانت الخیل لأهل القوه منهم- و کان فی بنی مخزوم منها ثلاثون فرسا- و کانت الإبل سبعمائه بعیر- و کان أهل الخیل کلهم دارع و کانوا مائه- و کان فی الرجاله دروع سوى ذلک- .

قال الواقدی و أقبل أبو سفیان بالعیر- و خاف هو و أصحابه خوفا شدیدا حین دنوا من المدینه- و استبطئوا ضمضما و النفیر- فلما کانت اللیله التی یصبحون فیها على ماء بدر- جعلت العیر تقبل بوجوهها إلى ماء بدر- و کانوا باتوا من وراء بدر آخر لیلتهم- و هم على‏ أن یصبحوا بدرا إن لم یعترض لهم- فما أقرتهم العیر حتى ضربوها بالعقل- على أن بعضها لیثنى بعقالین- و هی ترجع الحنین تواردا إلى ماء بدر- و ما إن بها إلى الماء من حاجه لقد شربت بالأمس- و جعل أهل العیر یقولون- إن هذا شی‏ء ما صنعته الإبل منذ خرجنا- قالوا و غشینا تلک اللیله ظلمه شدیده- حتى ما نبصر شیئا- .

قال الواقدی- و کان بسبس بن عمرو و عدی بن أبی الزغباء- وردا على مجدی بدرا یتجسسان الخبر- فلما نزلا ماء بدر- أناخا راحلتیهما إلى قریب من الماء- ثم أخذ أسقیتهما یسقیان من الماء- فسمعا جاریتین من جواری جهینه- یقال لإحداهما برزه و هی تلزم صاحبتها فی درهم- کان لها علیها و صاحبتها تقول- إنما العیر غدا أو بعد غد قد نزلت- و مجدی بن عمر یسمعها فقال صدقت- فلما سمع ذلک بسبس و عدی انطلقا- راجعین إلى النبی ص- حتى أتیاه بعرق الظبیه فأخبراه الخبر- .

قال الواقدی و حدثنی کثیر بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزنی عن أبیه عن جده و کان أحد البکاءین قال قال رسول الله ص لقد سلک فج الروحاء موسى النبی ع- فی سبعین ألفا من بنی إسرائیل- و صلوا فی المسجد الذی بعرق الظبیه – . قال الواقدی- و هی من الروحاء على میلین مما یلی المدینه- إذا خرجت على یسارک- . قال الواقدی و أصبح أبو سفیان ببدر- قد تقدم العیر و هو خائف من الرصد- فقال یا مجدی هل أحسست أحدا- تعلم و الله ما بمکه قرشی و لا قرشیه له نش‏ فصاعدا- و النش نصف أوقیه وزن عشرین درهما- إلا و قد بعث به معنا- و لئن کتمتنا شأن عدونا- لا یصالحک رجل من قریش ما بل بحر صوفه- فقال مجدی و الله ما رأیت أحدا أنکره- و لا بینک و بین یثرب من عدو- و لو کان بینک و بینها عدو لم یخف علینا- و ما کنت لأخفیه عنک- إلا أنی قد رأیت راکبین أتیا إلى هذا المکان- و أشار إلى مناخ عدی و بسبس فأناخا به- ثم استقیا بأسقیتهما ثم انصرفا- فجاء أبو سفیان مناخهما- فأخذ أبعارا من أبعار بعیریهما ففتها- فإذا فیها نوى- فقال هذه و الله علائف یثرب- هذه و الله عیون محمد و أصحابه- ما أرى القوم إلا قریبا- فضرب وجه عیره فساحل بها- و ترک بدرا یسارا و انطلق سریعا- و أقبلت قریش من مکه ینزلون کل منهل- یطعمون الطعام من أتاهم و ینحرون الجزور- فبینا هم کذلک فی مسیرهم- إذ تخلف عتبه و شیبه و هما یترددان- قال أحدهما لصاحبه- أ لم تر إلى رؤیا عاتکه بنت عبد المطلب- لقد خشیت منها قال الآخر فاذکرها- و ذکرها فأدرکهما أبو جهل- فقال ما تتحادثون به- قالا نذکر رؤیا عاتکه- قال یا عجبا من بنی عبد المطلب- لم یرضوا أن تتنبأ علینا رجالهم- حتى تنبأت علینا النساء- أما و الله لئن رجعنا إلى مکه لنفعلن بهم و لنفعلن- قال عتبه إن لهم أرحاما و قرابه قریبه- ثم قال أحدهما لصاحبه هل لک أن ترجع- قال أبو جهل أ ترجعان بعد ما سرنا فتخذلان قومکما- و تقطعان بهم بعد أن رأیتم ثأرکم بأعینکم- أ تظنان أن محمدا و أصحابه یلاقونکما- کلا و الله إن معی من قومی- مائه و ثمانین کلهم من أهل بیتی یحلون إذا أحللت- و یرحلون إذا رحلت فارجعا إن شئتما- قالا و الله لقد هلکت و أهلکت قومک- .

ثم قال عتبه لأخیه شیبه- إن هذا رجل مشئوم یعنی أبا جهل- و إنه لا یمسه من قرابه محمد ما یمسنا- مع أن محمدا معه الولد فارجع بنا و دع قوله- .

قلت مراده بقوله مع أن محمدا معه الولد- أبو حذیفه بن عتبه بن ربیعه- کان أسلم و شهد بدرا مع رسول الله ص قال الواقدی فقال شیبه- و الله تکون علینا سبه یا أبا الولید- أن نرجع الآن بعد ما سرنا فمضینا- ثم انتهى إلى الجحفه عشاء- فنام جهیم بن الصلت بن مخرمه بن عبد المطلب بن عبد مناف- فقال إنی لأرى بین النائم و الیقظان- أنظر إلى رجل أقبل على فرس معه بعیر له- حتى وقف علی فقال قتل عتبه بن ربیعه- و شیبه بن ربیعه و زمعه بن الأسود- و أمیه بن خلف و أبو البختری- و أبو الحکم و نوفل بن خویلد- فی رجال سماهم من أشراف قریش- و أسر سهیل بن عمرو- و فر الحارث بن هشام عن أخیه- قال و کأن قائلا یقول- و الله إنی لأظنهم الذین یخرجون إلى مصارعهم- ثم قال أراه ضرب فی لبه بعیره فأرسله فی العسکر- فقال أبو جهل و هذا نبی آخر من بنی عبد مناف- ستعلم غدا من المقتول نحن أو محمد و أصحابه- و قالت قریش لجهیم- إنما یلعب بک الشیطان فی منامک- فسترى غدا خلاف ما رأیت- یقتل أشراف محمد و یؤسرون- قال فخلا عتبه بأخیه شیبه- فقال له هل لک فی الرجوع- فهذه الرؤیا مثل رؤیا عاتکه و مثل قول عداس- و الله ما کذبنا عداس- و لعمری لئن کان محمد کاذبا- إن فی العرب لمن یکفیناه- و لئن کان صادقا إنا لأسعد العرب به للحمته- فقال شیبه هو على ما تقول- أ فنرجع من بین أهل العسکر- فجاء أبو جهل و هما على ذلک- فقال ما تریدان قالا الرجوع- أ لا ترى إلى رؤیا عاتکه- و إلى رؤیا جهیم بن الصلت مع قول عداس لنا- فقال لا تخذلان و الله قومکما و تقطعان بهم- قالا هلکت و الله و أهلکت قومک فمضیا على ذلک- .

قال الواقدی فلما أفلت أبو سفیان بالعیر- و رأى أن قد أحرزها و أمن علیها- أرسل إلى قریش قیس بن إمرئ القیس- و کان مع أصحاب العیر خرج معهم من مکه- فأرسله أبو سفیان یأمرهم بالرجوع- و یقول قد نجت عیرکم و أموالکم- فلا تحرزوا أنفسکم‏ أهل یثرب- فلا حاجه لکم فیما وراء ذلک- إنما خرجتم لتمنعوا عیرکم و أموالکم- و قد نجاها الله- فإن أبوا علیک فلا یأبون خصله واحده- یردون القیان- فعالج قیس بن إمرئ القیس قریشا فأبت الرجوع- قالوا أما القیان فسنردهن- فردوهن من الجحفه- .

قلت لا أعلم مراد أبی سفیان برد القیان- و هو الذی أخرجهن مع الجیش یوم أحد- یحرضن قریشا على إدراک الثأر- و یغنین و یضربن الدفوف- فکیف نهى عن ذلک فی بدر و فعله فی أحد- و أقول من تأمل الحال علم- أن قریشا لم یمکن أن تنتصر یوم بدر- لأن الذی خالطها من التخاذل و التواکل- و کراهیه الحرب و حب الرجوع- و خوف اللقاء و خفوق الهمم و فتور العزائم- و رجوع بنی زهره و غیرهم من الطریق- و اختلاف آرائهم فی القتال- یکفی بعضه فی هلاکهم و عدم فلاحهم- لو کانوا قد لقوا قوما جبناء- فکیف و إنما لقوا الأوس و الخزرج- و هم أشجع العرب- و فیهم علی بن أبی طالب ع و حمزه بن عبد المطلب- و هما أشجع البشر- و جماعه من المهاجرین أنجاد أبطال- و رئیسهم محمد بن عبد الله رسول الله- الداعی إلى الحق و العدل و التوحید- المؤید بالقوه الإلهیه- دع ما أضیف إلى ذلک من ملائکه السماء- کما نطق به الکتاب- .

قال الواقدی و لحق الرسول أبا سفیان بالهده- و الهده على سبعه أمیال من عقبه عسفان- على تسعه و ثلاثین میلا من مکه- فأخبره بمضی قریش فقال وا قوماه- هذا عمل عمرو بن هشام- یکره أن یرجع لأنه قد ترأس على الناس و بغى- و البغی منقصه و شؤم- و الله لئن أصاب أصحاب محمد النفیر- ذللنا إلى أن یدخل مکه علینا- .

قال الواقدی و قال أبو جهل- و الله لا نرجع حتى نرد بدرا- و کانت بدر موسمامن مواسم العرب فی الجاهلیه- یجتمعون بها و فیها سوق- تسمع بنا العرب و بمسیرنا فنقیم على بدر ثلاثا- ننحر الجزر و نطعم الطعام و نشرب الخمر- و تعزف علینا القیان- فلن تزال العرب تهابنا أبدا- . قال الواقدی و کان الفرات بن حیان العجلی- أرسلته قریش حین فصلت من مکه- إلى أبی سفیان بن حرب- یخبره بمسیرها و فصولها و ما قد حشدت- فحالف أبا سفیان فی الطریق- و ذلک أن أبا سفیان لصق بالبحر- و لزم الفرات بن حیان المحجه- فوافى المشرکین بالجحفه- فسمع کلام أبی جهل و هو یقول لا نرجع- فقال ما بأنفسهم عن نفسک رغبه- و إن الذی یرجع- بعد أن رأى ثأره من کثب لضعیف- فمضى مع قریش فترک أبا سفیان- و جرح یوم بدر جراحات کثیره- و هرب على قدمیه و هو یقول- ما رأیت کالیوم أمرا أنکد- إن ابن الحنظلیه لغیر مبارک الأمر- .

قال الواقدی- و قال الأخنس بن شریق و اسمه أبی- و کان حلیفا لبنی زهره یا بنی زهره- قد نجى الله عیرکم و خلص أموالکم- و نجى صاحبکم مخرمه بن نوفل- و إنما خرجتم لتمنعوه و ماله- و إنما محمد رجل منکم ابن أختکم- فإن یک نبیا فأنتم أسعد به- و إن یک کاذبا یلی قتله غیرکم- خیر من أن تلوا قتل ابن أختکم- فارجعوا و اجعلوا خبثها لی- فلا حاجه لکم أن تخرجوا فی غیر ما یهمکم- و دعوا ما یقوله هذا الرجل- یعنی أبا جهل فإنه مهلک قومه- سریع فی فسادهم فأطاعته بنو زهره- و کان فیهم مطاعا و کانوا یتیمنون به- فقالوا فکیف نصنع بالرجوع حتى نرجع- فقال الأخنس نسیر مع القوم- فإذا أمسیت سقطت عن بعیری- فیقولون نحل الأخنس- فإذا أصبحوا فقالوا سیروا- فقولوا لا نفارق صاحبنا- حتى نعلم أ حی هو أم میت‏ فندفنه- فإذا مضوا رجعنا إلى مکه- ففعلت بنو زهره ذلک- فلما أصبحوا بالأبواء راجعین- تبین للناس أن بنی زهره رجعوا- فلم یشهدها زهری البته- و کانوا مائه و قیل أقل من مائه و هو أثبت- و قال قوم کانوا ثلاثمائه و لم یثبت ذلک- .

قال الواقدی و قال عدی بن أبی الزغباء- منحدره من بدر إلى المدینه- و انتشرت الرکاب علیه فجعل عدی یقول-

أقم لها صدورها یا بسبس
إن مطایا القوم لا تحبس‏

و حملها على الطریق أکیس‏
قد نصر الله و فر الأخنس‏

قال الواقدی- و ذکر أبو بکر بن عمر بن عبد الرحمن- بن عبد الله بن عمر بن الخطاب- إن بنی عدی خرجوا من النفیر- حتى کانوا بثنیه لفت- فلما کان فی السحر عدلوا فی الساحل منصرفین إلى مکه- فصادفهم أبو سفیان فقال کیف رجعتم یا بنی عدی- و لا فی العیر و لا فی النفیر- قالوا أنت أرسلت إلى قریش أن ترجع- فرجع من رجع و مضى من مضى- فلم یشهدها أحد من بنی عدی- و یقال إنه لاقاهم بمر الظهران- فقال تلک المقاله لهم- . قال الواقدی و أما رسول الله ص- فکان صبیحه أربع عشره من شهر رمضان بعرق الظبیه- فجاء أعرابی قد أقبل من تهامه- فقال له أصحاب النبی ص- هل لک علم بأبی سفیان بن حرب- قال ما لی بأبی سفیان علم- قالوا تعال فسلم على رسول الله ص- قال أ و فیکم رسول الله قالوا نعم- قال فأیکم رسول الله قالوا هذا- فقال أنت رسول الله قال نعم- قال فما فی‏ بطن ناقتی هذه إن کنت صادقا- فقال سلمه بن سلامه بن وقش نکحتها و هی حبلى منک- فکره رسول الله ص مقالته و أعرض عنه- .

قال الواقدی و سار رسول الله ص- حتى أتى الروحاء لیله الأربعاء للنصف من شهر رمضان- فقال لأصحابه هذا سجاسج- یعنی وادی الروحاء هذا أفضل أودیه العرب- .

قال الواقدی و صلى رسول الله ص بالروحاء- فلما رفع رأسه من الرکعه الأخیره من وتره- لعن الکفره و دعا علیهم- فقال اللهم لا تفلتن أبا جهل بن هشام فرعون هذه الأمه- اللهم لا تفلتن زمعه بن الأسود- اللهم أسخن عین أبی زمعه- اللهم أعم بصر أبی دبیله- اللهم لا تفلتن سهیل بن عمرو- ثم دعا لقوم من قریش- فقال اللهم أنج سلمه بن هشام- و عیاش بن أبی ربیعه و المستضعفین من المؤمنین
– و لم یدع للولید بن المغیره یومئذ و أسر ببدر- و لکنه لما رجع إلى مکه بعد بدر أسلم- و أراد أن یخرج إلى المدینه فحبس- فدعا له النبی ص بعد ذلک قال الواقدی و کان خبیب بن یساف رجلا شجاعا- و کان یأبى الإسلام- فلما خرج النبی ص إلى بدر- خرج هو و قیس بن محرث و یقال ابن الحارث- و هما على دین قومهما- فأدرکا رسول الله ص بالعقیق- و خبیب مقنع فی الحدید- فعرفه رسول الله ص من تحت المغفر- فالتفت إلى سعد بن معاذ و هو یسیر إلى جنبه- فقال أ لیس بخبیب بن یساف قال بلى- فأقبل خبیب حتى أخذببطان ناقه رسول الله ص- فقال له و لقیس بن محرث ما أخرجکما- قال کنت ابن أختنا و جارنا- و خرجنا مع قومنا للغنیمه- فقال ص لا یخرجن معنا رجل لیس على دیننا- فقال خبیب لقد علم قومی أنی عظیم الغناء فی الحرب- شدید النکایه- فأقاتل معک للغنیمه و لا أسلم- فقال رسول الله ص لا و لکن أسلم ثم قاتل- فلما کان بالروحاء جاء- فقال یا رسول الله أسلمت لرب العالمین- و شهدت أنک رسول الله فسر بذلک و قال امضه- فکان عظیم الغناء فی بدر و فی غیر بدر- و أما قیس بن الحارث فأبى أن یسلم فرجع إلى المدینه- فلما قدم النبی ص من بدر- أسلم و شهد أحدا فقتل- . قال الواقدی- و لما خرج رسول الله ص صام یوما أو یومین- ثم نادى منادیه یا معشر العصاه- إنی مفطر فأفطروا- و ذلک أنه قد کان قال لهم قبل ذلک أفطروا فلم یفعلوا- .

قلت هذا هو سر النبوه و خاصیتها- إذا تأمل المتأملون ذلک- و هو أن یبلغ بهم حبه و طاعته و قبول قوله- على أن یکلفهم ما یشق علیهم- فیمتثلوه امتثالا صادرا عن حب شدید- و حرص عظیم على الطاعه- حتى إنه لینسخه عنهم و یسقط وجوبه علیهم- فیکرهون ذلک و لا یسقطونه عن أنفسهم- إلا بعد الإنکار التام- و هذا أحسن من المعجزات الخارقه للعادات- بل هذا بعینه معجزه خارقه للعاده- أقوى و آکد من شق البحر و قلب العصا حیه- .

قال الواقدی- و مضى رسول الله ص حتى إذا کان دوین بدر- أتاه الخبر بمسیر قریش- فأخبر رسول الله ص بمسیرهم- و استشار الناس ‏فقام أبو بکر فقال فأحسن- ثم قام عمر فقال فأحسن- ثم قال یا رسول الله إنها قریش و عزها- و الله ما ذلت منذ عزت و لا آمنت منذ کفرت- و الله لا تسلم عزها أبدا و لتقاتلنک- فاتهب لذلک أهبته و أعد عدته- ثم قام المقداد بن عمرو- فقال یا رسول الله لأمر الله فنحن معک- و الله لا نقول لک کما قالت بنو إسرائیل لنبیها- فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّکَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ- و لکن اذهب أنت و ربک فقاتلا إنا معکم مقاتلون- و الذی بعثک بالحق لو سرت بنا إلى برک الغماد لسرنا- .

قال الواقدی برک الغماد من وراء مکه- بخمس لیال من وراء الساحل مما یلی البحر- و هو على ثمان لیال من مکه إلى الیمن- . فقال له رسول الله ص خیرا و دعا له بخیر- ثم قال ص أشیروا علی أیها الناس- و إنما یرید الأنصار- و کان یظن أن الأنصار لا تنصره إلا فی الدار- و ذلک أنهم شرطوا أن یمنعوه- مما یمنعون منه أنفسهم و أولادهم- فقال رسول الله ص أشیروا علی- فقام سعد بن معاذ فقال أنا أجیب عن الأنصار- کأنک یا رسول الله تریدنا قال أجل- قال إنک عسى أن تکون خرجت عن أمر- قد أوحی إلیک- و إنا قد آمنا بک و صدقناک- و شهدنا أن ما جئت به حق- و أعطیناک مواثیقنا و عهودنا على السمع و الطاعه- فامض یا نبی الله لما أردت- فو الذی بعثک بالحق- لو استعرضت بنا هذا البحر- فخضته لخضناه معک ما بقی منا رجل- و صل من شئت و خذ من أموالنا ما أردت- فما أخذته من أموالنا أحب إلینا مما ترکت- و الذی نفسی بیده ما سلکت هذه الطریق قط- و ما لی بها من علم- و إنا لا نکره أن نلقى عدونا غدا- إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء- لعل الله یریک منا بعض ما تقر به عینک- .

قال الواقدی و حدثنی محمد بن صالح- عن عاصم بن عمر بن قتاده عن محمود بن لبید- قال قال سعد بن معاذ یومئذ یا رسول الله- إنا قد خلفنا من قومنا قوما ما نحن بأشد حبا لک منهم- و لا أطوع لهم رغبه و نیه فی الجهاد- و لو ظنوا أنک یا رسول الله ملاق عدوا ما تخلفوا عنک- و لکن إنما ظنوا أنها العیر- نبنی لک عریشا فتکون فیه و نعد عندک رواحلک- ثم نلقى عدونا- فإن أعزنا الله و أظهرنا على عدونا- کان ذلک ما أحببنا- و إن تکن الأخرى جلست على رواحلک- فلحقت من وراءنا- فقال له النبی ص خیرا- ثم قال أ و یقضی الله خیرا یا سعد- . قال الواقدی فلما فرغ سعد من المشوره- قال رسول الله ص سیروا على برکه الله- فإن الله قد وعدنی إحدى الطائفتین- و الله لکأنی أنظر إلى مصارع القوم- .

قال الواقدی- و قالوا لقد أرانا رسول الله ص مصارعهم یومئذ- هذا مصرع فلان و هذا مصرع فلان- فما عدا کل رجل منهم مصرعه- قال فعلم القوم أنهم یلاقون القتال- و أن العیر تفلت- و رجا القوم النصر لقول النبی ص- . قال الواقدی فمن یومئذ عقد رسول الله ص الألویه- و کانت ثلاثه و أظهر السلاح- و کان خرج من المدینه على غیر لواء معقود- و سار فلقی سفیان الضمری- و مع رسول الله ص قتاده بن النعمان و معاذ بن جبل- فقال رسول الله ص من الرجل- فقال الضمری بل و من أنتم- فقال رسول الله ص تخبرنا و نخبرک- فقال الضمری و ذاک بذاک قال نعم- قال الضمری فاسألوا عما شئتم- فقال له ص أخبرنا عن قریش- قال الضمری بلغنی أنهم خرجوا یوم کذا من مکه- فإن کان الخبر صادقا فإنهم بجنب هذا الوادی- ثم قال الضمری فمن أنتم- فقال النبی ص نحن من ماء- و أشار بیده نحو العراق- فجعل الضمری یقول من ماء من أی ماء- من العراق أم من غیره- ثم انصرف رسول الله ص إلى أصحابه- .

قال الواقدی- فبات الفریقان کل منهم لا یعلم بمنزل صاحبه- إنما بینهم قوز من رمل- . قال الواقدی و مر رسول الله ص بجبلین- فسأل عنهما فقالوا هذا مسلح و مخرئ- فقال من ساکنهما- فقیل بنو النار و بنو حراق- فانصرف عنهما و جعلهما یسارا- و لقیه بسبس بن عمرو و عدی بن أبی الزغباء- فأخبراه خبر قریش- و نزل رسول الله ص وادی بدر- عشاء لیله الجمعه لسبع عشره مضت من رمضان- فبعث علیا ع و الزبیر و سعد بن أبی وقاص- و بسبس بن عمرو یتحسسون على الماء- و أشار لهم إلى ظریب- و قال أرجو أن تجدوا الخیر عند القلیب- الذی یلی هذا الظریب- فاندفعوا تلقاءه- فوجدوا على تلک القلیب- روایا قریش فیها سقاؤهم فأسروهم و أفلت بعضهم- فکان ممن عرف أنه أفلت عجیر- فکان أول من جاء قریشا بخبر النبی ص و أصحابه- فنادى یا آل غالب هذا ابن أبی کبشه و أصحابه- و قد أخذوا سقاءکم فماج العسکر و کرهوا ما جاء به- .

قال الواقدی فکان حکیم بن حزام یحدث- قال کنا یومئذ فی خباء لنا على جزور نشوی من لحمها- فما هو إلا أن سمعنا الخبر- فامتنع الطعام منا و لقی بعضنا بعضا- و لقینی عتبه بن ربیعه فقال یا أبا خالد- ما أعلم أحدا یسیر أعجب من مسیرنا- إن عیرنا قد نجت- و إنا جئنا إلى قوم فی بلادهم بغیا علیهم- فقلت أراه لأمر حم و لا رأی لمن لا یطاع- هذا شؤم ابن الحنظلیه- فقال عتبه أبا خالد أ تخاف أن تبیتنا القوم- قلت لأنت آمن من ذلک- قال فما الرأی یا أبا خالد- قلت نتحارس حتى نصبح و ترون رأیکم- قال عتبه هذا الرأی- قال فتحارسنا حتى أصبحنا- فقال أبو جهل هذا عن أمر عتبه- کره قتال محمد و أصحابه- إن هذا لهو العجب- أ تظنون أن محمدا و أصحابه یعترضون لجمعکم- و الله لأنتحین ناحیه بقومی فلا یحرسنا أحد- فتنحى ناحیه و إن السماء لتمطر علیه- قال یقول عتبه إن هذا لهو النکد قال الواقدی أخذ من السقاء من على القلیب- یسار غلام سعید بن العاص- و أسلم غلام منبه بن الحجاج- و أبو رافع غلام أمیه بن خلف- فأتی بهم النبی ص و هو قائم یصلی- فسألهم المسلمون فقالوا نحن سقاء قریش- بعثونا نسقیهم من الماء فکره القوم خبرهم- و رجوا أن یکونوا لأبی سفیان و أصحاب العیر- فضربوهم فلما أذلقوهم بالضرب- قالوا نحن لأبی سفیان و نحن فی العیر- و هذا العیر بهذا القوز- فکانوا إذا قالوا ذلک یمسکون عن ضربهم- فسلم رسول الله ص من صلاته- ثم قال إن صدقوکم ضربتموهم- و إن کذبوکم ترکتموهم- فقال أصحابه ع- إنهم یا رسول الله یقولون إن قریشا قد جاءت- فقال لقد صدقوکم خرجت قریش تمنع عیرها- و خافوکم علیها ثم أقبل ص على السقاء- فقال أین قریش- فقالوا خلف هذا الکثیب الذی ترى- قال کم هم قالوا کثیر- قال کم عددهم قالوا لا ندری- قال کم ینحرون- قالوا یوما عشره و یوما تسعه- فقال القوم ما بین الألف و التسعمائه- ثم قال للسقاء کم خرج من أهل مکه- قالوا لم یبق أحد به طعم إلا خرج- فأقبل رسول الله ص على الناس- فقال هذه مکه قد ألقت إلیکم أفلاذ کبدها- ثم سألهم رسول الله ص هل رجع منهم أحد- قالوا نعم رجع ابن أبی شریق ببنی زهره- فقال ص راشدهم و ما کان برشید- و إن کان ما علمت لمعادیا لله و لکتابه- ثم قال فأحد غیرهم- قالوا نعم بنو عدی بن کعب فترکهم رسول الله ص- ثم قال لأصحابه أشیروا علی فی المنزل- فقال الحباب بن المنذر- یا رسول الله أ رأیت منزلک هذا- أ هو منزل أنزلکه الله- فلیس لنا أن نتقدمه و لا نتأخر عنه- أم هو الرأی و الحرب و المکیده- قال بل هو الرأی و الحرب و المکیده- قال فإن هذا لیس بمنزل- انطلق بنا إلى أدنى میاه القوم- فإنی عالم بها و بقلبها- فإن بها قلیبا قد عرفت عذوبه مائها- و ماؤها کثیر لا ینزح- نبنی علیها حوضا و نقذف فیها بالآنیه فنشرب- و نقاتل و نعور ما سواها من القلب- .

قال الواقدی فکان ابن عباس یقول- نزل جبریل على النبی ص فقال- الرأی ما أشار به الحباب- فقال یا حباب أشرت بالرأی- و نهض و فعل کل ذلک- . قال الواقدی و بعث الله السماء- و کان الوادی دهسا أی کثیر الرمل- فأصاب المسلمین ما لبد الأرض و لم یمنعهم من المسیر- و أصاب قریشا ما لم یقدروا معه أن یرتحلوا منه- و إنما بین الطائفتین قوز من رمل- . قال الواقدی- و أصاب المسلمین تلک اللیله النعاس ألقی علیهم- فناموا و لم یصبهم من المطر ما یؤذیهم- .

قال الزبیر بن العوام- لقد سلط الله علیهم النعاس تلک اللیله- حتى إنی کنت لأتشدد- و النعاس یجلد بی الأرض فما أطیق إلا ذلک- فکان رسول الله ص و أصحابه على مثل ذلک الحال- و قال سعد بن أبی وقاص لقد رأیتنی- و إن ذقنی بین ثدیی فما أشعر حتى أقع على جنبی- . و قال رفاعه بن رافع بن مالک لقد غلبنی النوم- فاحتلمت حتى اغتسلت آخر اللیل- . قال الواقدی فلما تحول رسول الله ص إلى المنزل- بعد أن أخذ السقاء- أرسل عمار بن یاسر و عبد الله بن مسعود- فأطافا بالقوم ثم رجعا إلیه- فقالا له یا رسول الله القوم مذعورون فزعون- إن الفرس لیرید أن یصهل فیضرب وجهه- مع أن السماء تسح علیهم- .

قال الواقدی فلما أصبحوا قال منبه بن الحجاج- و کان رجلا یبصر الأثر- هذا و الله أثر ابن سمیه و ابن أم عبد أعرفهما- لقد جاءنا محمد بسفهائنا و سفهاء أهل یثرب- ثم قال لم یترک الجوع لنا مبیتا لا بد أن نموت أو نمیتا- . یا معشر قریش انظروا غدا إن لقینا محمد و أصحابه- فاتقوا على شبانکم و فتیانکم‏ بأهل یثرب- فإنا إن نرجع بهم إلى مکه- یبصروا من ضلالتهم ما فارقوا من دین آبائهم- . قال الواقدی و لما نزل رسول الله ص على القلیب- بنی له عریش من جرید- فقام سعد بن معاذ على باب العریش متوشحا سیفه- فدخل النبی ص و أبو بکر- .

قلت لأعجب من أمر العریش من أین کان لهم- أو معهم من سعف النخل ما یبنون به عریشا- و لیس تلک الأرض أعنی أرض بدر أرض نخل- و الذی کان معهم من سعف النخل- یجری مجرى السلاح کان یسیرا جدا- قیل إنه کان بأیدی سبعه منهم سعاف عوض السیوف- و الباقون کانوا بالسیوف و القسی- و هذا قول شاذ- و الصحیح أنه ما خلا أحد منهم عن سلاح- اللهم إلا أن یکون معهم سعافات یسیره- و ظلل علیها بثوب أو ستر- و إلا فلا أرى لبناء عریش- من جرید النخل هناک وجها- .

قال الواقدی- و صف رسول الله ص أصحابه قبل أن تنزل قریش- فطلعت قریش و رسول الله ص یصف أصحابه- و قد أترعوا حوضا یفرطون فیه من السحر- و قذفت فیه الآنیه- و دفع رسول الله ص رایته إلى مصعب بن عمیر- فتقدم بها إلى الموضع الذی أمره أن یضعها- و وقف رسول الله ص ینظر إلى الصفوف- فاستقبل المغارب و جعل الشمس خلفه- و أقبل المشرکون فاستقبلوا الشمس- و نزل بالعدوه الدنیا من الوادی- و نزلوا بالعدوه الیمانیه و هی القصوى- و جاءه رجل من أصحابه فقال یا رسول الله- إن کان هذا عن وحی فامض له- و إلا فإنی‏ أرى أن تعلوا الوادی- فإنی أرى ریحا قد هاجت من أعلاها- و أراها بعثت بنصرک- فقال رسول الله ص قد صففت صفوفی- و وضعت رایتی فلا أغیر ذلک- ثم دعا رسول الله ص فأمده الله بالملائکه- .

قال الواقدی و روى عروه بن الزبیر- قال عدل رسول الله ص الصفوف یومئذ- فتقدم سواد بن غزیه أمام الصف- فدفع النبی ص بقدح فی بطنه- و قال استو یا سواد- فقال أوجعتنی و الذی بعثک بالحق- أقدنی فکشف ص عن بطنه- و قال استقد فاعتنقه و قبله- فقال ما حملک على ما صنعت- قال حضر یا رسول الله من أمر الله ما قد ترى- و خشیت القتل- فأردت أن یکون آخر عهدی بک و أن أعتنقک- .

قال الواقدی فحدثنی موسى بن یعقوب عن أبی الحویرث عن محمد بن جبیر بن مطعم عن رجل من بنی أود قال سمعت علیا ع یخطب على منبر الکوفه و یقول بینا أنا أمیح فی قلیب بدر- جاءت ریح لم أر مثلها قط شده- ثم ذهبت فجاءت أخرى- لم أر مثلها إلا التی کانت قبلها- ثم جاءت ریح أخرى لم أر مثلها إلا الأولیین- فکانت الأولى جبریل فی ألف مع رسول الله ص- و الثانیه میکائیل فی ألف عن میمنته- و الثالثه إسرافیل فی ألف عن میسرته- فلما هزم الله أعداءه- حملنی رسول الله ص على فرس- فجرت بی فلما جرت بی خررت على عنقها- فدعوت ربی فأمسکنی حتى استویت- و ما لی و للخیل و إنما کنت صاحب الحشم- فلما استویت طعنت فیهم بیدی هذه- حتى اختضبت منی ذی یعنی إبطه قلت أکثر الرواه یروونه- فحملنی رسول الله على فرسه- و الصحیح ما ذکرناه- لأنه لم یکن لرسول الله ص فرس یوم بدر- و إنما حضرها راکب بعیر- و لکنه لما اصطدم الصفان- و قتل قوم من فرسان المشرکین- حمل رسول الله ص علیا ع على بعض الخیل المأخوذه منهم- .

قال الواقدی- قالوا کان على میمنه رسول الله ص أبو بکر- و کان على میسرته علی بن أبی طالب ع- و کان على میمنه قریش هبیره بن أبی وهب المخزومی- و على میسرتهم عمرو بن عبد ود- قیل کان زمعه بن الأسود على میسرتهم- و قیل بل کان على خیل المشرکین- و قیل الذی على الخیل الحارث بن هشام- و قال قوم لم یکن هبیره على المیمنه- بل کان علیها الحارث بن عامر بن نوفل- . قال الواقدی- و حدثنی محمد بن صالح عن یزید بن رومان- و ابن أبی حبیبه- قالا ما کان على میمنه النبی ص یوم بدر- و لا على میسرته أحد یسمى- و کذلک میمنه المشرکین و میسرتهم ما سمعنا فیها بأحد قال الواقدی و هذا هو الثبت عندنا- قال و کان لواء رسول الله ص یومئذ الأعظم- لواء المهاجرین مع مصعب بن عمیر- و لواء الخزرج مع الحباب بن المنذر- و لواء الأوس مع سعد بن معاذ- و کان مع قریش ثلاثه ألویه- لواء مع أبی عزیز و لواء مع المنذر بن الحارث- و لواء مع طلحه بن أبی طلحه- .

قال الواقدی و خطب رسول الله ص المسلمین یومئذ- فحمد الله و أثنى علیه ثم قال أما بعد- فإنی أحثکم على ما حثکم الله علیه- و أنهاکم عما نهاکم الله عنه- فإن الله عظیم شأنه- یأمر بالحق و یحب الصدق- و یعطی على الخیر أهله- على منازلهم عنده‏ به یذکرون و به یتفاضلون- و إنکم أصبحتم بمنزل من منازل الحق- لا یقبل الله فیه من أحد إلا ما ابتغى به وجهه- و إن الصبر فی البأس مما یفرج الله به الهم- و ینجی به من الغم- تدرکون به النجاه فی الآخره- فیکم نبی الله یحذرکم و یأمرکم- فاستحیوا الیوم أن یطلع الله على شی‏ء من أمرکم- یمقتکم علیه- فإنه تعالى یقول- لَمَقْتُ اللَّهِ أَکْبَرُ مِنْ مَقْتِکُمْ أَنْفُسَکُمْ- انظروا إلى الذی أمرکم به من کتابه- و أراکم من آیاته و ما أعزکم به بعد الذله- فاستمسکوا به یرض ربکم عنکم- و ابلوا ربکم فی هذه المواطن أمرا- تستوجبون به الذی وعدکم من رحمته و مغفرته- فإن وعده حق و قوله صدق و عقابه شدید- و إنما أنا و أنتم بالله الحی القیوم- إلیه ألجأنا ظهورنا و به اعتصمنا- و علیه توکلنا و إلیه المصیر و یغفر الله لی و للمسلمین – .

قال الواقدی- و لما رأى رسول الله ص قریشا تصوب من الوادی- و کان أول من طلع زمعه بن الأسود- على فرس له یتبعه ابنه- فاستجال بفرسه یرید أن یبنوا للقوم منزلا- فقال رسول الله ص اللهم إنک أنزلت علی الکتاب و أمرتنی بالقتال- و وعدتنی إحدى الطائفتین- و أنت لا تخلف المیعاد- اللهم هذه قریش قد أقبلت بخیلائها و فخرها- تخاذل و تکذب رسولک- اللهم نصرک الذی وعدتنی اللهم أحنهم الغداه
– و طلع عتبه بن ربیعه على جمل أحمر- فقال رسول الله ص- إن یک فی أحد من القوم خیر- ففی صاحب الجمل الأحمر- إن یطیعوه یرشدوا- .

قال الواقدی- و کان إیماء بن رحضه قد بعث إلى قریش ابنا له- بعشر جزائر حین مروا به أهداها لهم- و قال إن أحببتم أن یمدکم بسلاح و رجال- فإنا معدون لذلک مؤدون فعلنا- فأرسلوا أن وصلتک رحم- قد قضیت الذی علیک- و لعمری لئن‏ کنا إنما نقاتل الناس ما بنا ضعف عنهم- و لئن کنا نقاتل الله بزعم محمد- فما لأحد بالله طاقه- . قال الواقدی فروى خفاف بن إیماء بن رحضه- قال کان أبی لیس شی‏ء أحب إلیه من إصلاح بین الناس- موکلا بذلک- فلما مرت به قریش أرسلنی بجزائر عشر هدیه لها- فأقبلت أسوقها و تبعنی أبی- فدفعتها إلى قریش فقبلوها و وزعوها فی القبائل- فمر أبی على عتبه بن ربیعه و هو سید الناس یومئذ- فقال یا أبا الولید ما هذا المسیر- قال لا أدری و الله غلبت- قال فأنت سید العشیره- فما یمنعک أن ترجع بالناس و تحمل دم حلیفک- و تحمل العیر التی أصابوا بنخله- فتوزعها على قومک- فو الله ما یطلبون قبل محمد إلا هذا- و الله یا أبا الولید ما تقتلون بمحمد و أصحابه- إلا أنفسکم- . قال الواقدی- و حدثنی ابن أبی الزناد عن أبیه- قال ما سمعنا بأحد سار بغیر مال إلا عتبه بن ربیعه- .

قال الواقدی و روى محمد بن جبیر بن مطعم- قال لما نزل القوم أرسل رسول الله ص- عمر بن الخطاب إلى قریش- فقال ارجعوا فلأن یلی هذا الأمر منی غیرکم- أحب إلی من أن تلوه منی- و أن ألیه من غیرکم أحب إلى من أن ألیه منکم- فقال حکیم بن حزام قد عرض نصفا فلبوه- و الله لا تنصرون علیه- بعد أن عرض علیکم من النصف ما عرض- و قال أبو جهل لا نرجع بعد أن أمکننا الله منهم- و لا نطلب أثرا بعد عین- و لا یعرض لعیرنا بعد هذا أبدا- .

قال الواقدی- و أقبل نفر من قریش حتى وردوا الحوض- منهم حکیم بن حزام فأراد المسلمون تنحیتهم عنه- فقال النبی ص دعوهم- فوردوا الماءفشربوا- فلم یشرب منهم أحد إلا قتل- إلا ما کان من حکیم بن حزام- . قال الواقدی فکان سعید بن المسیب یقول- نجا حکیم من الدهر مرتین- لما أراد الله تعالى به من الخیر- خرج رسول الله ص على نفر من المشرکین- و هم جلوس یریدونه- فقرأ یس و نثر على رءوسهم التراب- فما أفلت منهم أحد إلا قتل ما عدا حکیم بن حزام- و ورد الحوض یوم بدر مع من ورده مع المشرکین- فما ورده إلا من قتل إلا حکیم بن حزام- .

قال الواقدی فلما اطمأن القوم- بعثوا عمیر بن وهب الجمحی و کان صاحب قداح- فقالوا احزر لنا محمدا و أصحابه- فاستجال بفرسه حول العسکر- و صوب فی الوادی و صعد یقول- عسى أن یکون لهم مدد أو کمین- ثم رجع فقال لا مدد و لا کمین- و القوم ثلاثمائه إن زادوا قلیلا- و معهم سبعون بعیرا و معهم فرسان- ثم قال یا معشر قریش البلایا تحمل المنایا- نواضح یثرب تحمل الموت الناقع- قوم لیس لهم منعه و لا ملجأ إلا سیوفهم- أ لا ترونهم خرسا لا یتکلمون- یتلمظون تلمظ الأفاعی- و الله ما أرى أن یقتل منهم رجل حتى یقتل رجلا- فإذا أصابوا منکم عددهم- فما خیر فی العیش بعد ذلک فروا رأیکم- .

قال الواقدی- و حدثنی یونس بن محمد الظفری عن أبیه- أنه قال لما قال لهم عمیر بن وهب هذه المقاله- أرسلوا أبا أسامه الجشمی و کان فارسا- فأطاف بالنبی ص و أصحابه- ثم رجع إلیهم فقالوا له ما رأیت- قال و الله ما رأیت جلدا و لا عددا و لا حلقه و لا کراعا- و لکنی و الله رأیت قوما- لا یریدون أن یردوا إلى أهلیهم- رأیت قوما مستمیتین- لیست معهم منعه و لا ملجأ إلا سیوفهم- زرق العیون‏ کأنهم الحصا تحت الحجف- ثم قال أخشى أن یکون لهم کمین أو مدد- فصوب فی الوادی ثم صعد ثم رجع إلیهم- فقال لا کمین و لا مدد فروا رأیکم- .

قال الواقدی- و لما سمع حکیم بن حزام ما قال عمیر بن وهب- مشى فی الناس فأتى عتبه بن ربیعه- فقال یا أبا الولید- أنت کبیر قریش و سیدها و المطاع فیها- فهل لک ألا تزال تذکر فیها بخیر آخر الدهر- مع ما فعلت یوم عکاظ- و عتبه یومئذ رئیس الناس- فقال و ما ذاک یا أبا خالد- قال ترجع بالناس و تحمل دم حلیفک- و ما أصابه محمد من تلک العیر ببطن نخله- إنکم لا تطلبون من محمد شیئا غیر هذا الدم و العیر- فقال عتبه قد فعلت و أنت علی بذلک- ثم جلس عتبه على جمله فسار فی المشرکین من قریش- یقول یا قوم أطیعونی- و لا تقاتلوا هذا الرجل و أصحابه- و اعصبوا هذا الأمر برأسی و اجعلوا جبنها فی- فإن منهم رجالا قرابتهم قریبه- و لا یزال الرجل منکم ینظر إلى قاتل أبیه و أخیه- فیورث ذلک بینکم شحناء و أضغانا- و لن تخلصوا إلى قتلهم حتى یصیبوا منکم عددهم- مع أنه لا آمن أن تکون الدائره علیکم- و أنتم لا تطلبون إلا دم القتیل منکم- و العیر التی أصیبت و أنا أحتمل ذلک- و هو علی یا قوم إن یک محمد کاذبا یکفیکموه ذؤبان العرب- و إن یک ملکا کنتم فی ملک ابن أخیکم- و إن یک نبیا کنتم أسعد الناس به- یا قوم لا تردوا نصیحتی و لا تسفهوا رأیی- فحسده أبو جهل حین سمع خطبته- و قال إن یرجع الناس عن خطبه عتبه- یکن سید الجماعه- و کان عتبه أنطق الناس- و أطولهم لسانا و أجملهم جمالا- ثم قال عتبه لهم أنشدکم الله فی هذه الوجوه- التی کأنها المصابیح- أن تجعلوها أندادا لهذه الوجوه- التی کأنها وجوه الحیات- فلما فرغ عتبه من کلامه- قال أبو جهل إن عتبه یشیر علیکم بهذا-لأن محمدا ابن عمه- و هو یکره أن یقتل ابنه و ابن عمه- امتلأ و الله سحرک یا عتبه و جبنت- حین التقت حلقتا البطان- الآن تخذل بیننا و تأمرنا بالرجوع- لا و الله لا نرجع حتى یحکم الله بیننا و بین محمد- فغضب عتبه فقال یا مصفرا استه- ستعلم أینا أجبن و ألأم- و ستعلم قریش من الجبان المفسد لقومه و أنشد-

هذای و أمرت أمری
فبشری بالثکل أم عمرو

قال الواقدی- و ذهب أبو جهل إلى عامر بن الحضرمی- أخی عمرو بن الحضرمی المقتول بنخله- فقال له هذا حلیفک یعنی عتبه- یرید أن یرجع بالناس و قد رأیت ثأرک بعینک- و تخذل بین الناس أ قد تحمل دم أخیک- و زعم أنک قابل الدیه- أ لا تستحی تقبل الدیه- و قد قدرت على قاتل أخیک- قم فانشد خفرتک فقام عامر بن الحضرمی فاکتشف- ثم حثا على استه التراب و صرخ وا عمراه- یخزی بذلک عتبه لأنه حلیفه من بین قریش- فأفسد على الناس الرأی الذی دعاهم إلیه عتبه- و حلف عامر لا یرجع حتى یقتل من أصحاب محمد- و قال أبو جهل لعمیر بن وهب حرش بین الناس- فحمل عمیر فناوش المسلمین لأن ینفض الصف- فثبت المسلمون على صفهم و لم یزولوا- و تقدم ابن الحضرمی فشد على القوم فنشبت الحرب- .

قال الواقدی- فروى نافع بن جبیر عن حکیم بن حزام- قال لما أفسد الرأی أبو جهل على الناس- و حرش بینهم عامر بن الحضرمی فأقحم فرسه- کان أول من خرج إلیه من المسلمین- مهجع مولى عمر بن الخطاب فقتله عامر- و کان أول قتیل قتل من الأنصار حارثه بن سراقه- قتله حیان بن العرقه- . قال الواقدی و قال عمر بن الخطاب فی مجلس ولایته- یا عمیر بن وهب أنت‏ حاذرنا للمشرکین یوم بدر- تصعد فی الوادی و تصوب- کأنی أنظر إلى فرسک تحتک تخبر المشرکین- أنه لا کمین لنا و لا مدد- قال إی و الله یا أمیر المؤمنین و أخرى- أنا و الله الذی حرشت بین الناس یومئذ- و لکن الله جاءنا بالإسلام و هدانا له- و ما کان فینا من الشرک أعظم من ذلک- قال عمر صدقت- .

قال الواقدی- و کان عتبه بن ربیعه کلم حکیم بن حزام- و قال لیس عند أحد خلاف إلا عند ابن الحنظلیه- فاذهب إلیه فقل له إن عتبه یحمل دم حلیفه- و یضمن العیر- قال حکیم فدخلت على أبی جهل- و هو یتخلق بخلوق طیب و درعه موضوعه بین یدیه- فقلت إن عتبه بن ربیعه بعثنی إلیک- فأقبل علی مغضبا- فقال ما وجد عتبه أحدا یرسله غیرک- فقلت و الله لو کان غیره أرسلنی ما مشیت فی ذلک- و لکنی مشیت فی إصلاح بین الناس- و کان أبو الولید سید العشیره- فغضب غضبه أخرى-

قال و تقول أیضا سید العشیره- فقلت أنا أقوله و قریش کلها تقوله- فأمر عامرا أن یصیح بخفرته و اکتشف- و قال إن عتبه جاع فاسقوه سویقا- و جعل المشرکین یقولون- عتبه جاع فاسقوه سویقا- و جعل أبو جهل یسر بما صنع المشرکون بعتبه- قال حکیم فجئت إلى منبه بن الحجاج- فقلت له مثل ما قلت لأبی جهل- فوجدته خیرا من أبی جهل- قال نعما مشیت فیه و ما دعا إلیه عتبه- فرجعت إلى عتبه فوجدته قد غضب من کلام قریش- فنزل عن جمله- و قد کان طاف علیهم فی عسکرهم- یأمرهم بالکف عن القتال- فیأبون فحمی فنزل فلبس درعه- و طلبوا له بیضه فلم یوجد فی الجیش بیضه- تسع رأسه من عظم هامته- فلما رأى ذلک اعتجر- ثم برز راجلا بین أخیه شیبه و بین ابنه الولید بن عتبه- فبینا أبو جهل فی الصف على فرس أنثى- حاذاه عتبه و سل سیفه- فقیل هو و الله یقتله- فضرب بالسیف عرقوب فرس أبی جهل- فاکتسعت الفرس-و قال انزل فإن هذا الیوم لیس بیوم رکوب- لیس کل قومک راکبا- فنزل أبو جهل و عتبه یقول- سیعلم أینا شؤم عشیرته الغداه- قال حکیم فقلت تالله ما رأیت کالیوم- .

قال الواقدی- ثم دعا عتبه إلى المبارزه و رسول الله ص فی العریش- و أصحابه على صفوفهم فاضطجع فغشیه النوم- و قال لا تقاتلوا حتى أوذنکم- و إن کثبوکم فارموهم- و لا تسلوا السیوف حتى یغشوکم- فقال أبو بکر یا رسول الله قد دنا القوم- و قد نالوا منا فاستیقظ- و قد أراه الله إیاهم فی منامه قلیلا- و قلل بعضهم فی أعین بعض- ففزع رسول الله ص و هو رافع یدیه- یناشد ربه ما وعده من النصر- و یقول اللهم إن تظهر علی هذه العصابه- یظهر الشرک و لا یقم لک دین – و أبو بکر یقول- و الله لینصرنک الله و لیبیضن وجهک- قال عبد الله بن رواحه یا رسول الله- إنی أشیر علیک و أنت أعظم و أعلم بالله- من أن یشار علیک- إن الله أجل و أعظم من أن ینشد وعده- فقال ع یا ابن رواحه- أ لا أنشد الله وعده- إن الله لا یخلف المیعاد- و أقبل عتبه یعمد إلى القتال- فقال له حکیم بن حزام- مهلا مهلا یا أبا الولید- لا تنه عن شی‏ء و تکون أوله- .

قال الواقدی قال خفاف بن إیماء- فرأیت أصحاب النبی ص یوم بدر- و قد تصاف الناس و تزاحفوا و هم لا یسلون السیوف- و لکنهم قد انتضوا القسی- و قد تترس بعضهم عن بعض- بصفوف متقاربه لا فرج بینها- و الآخرون قد سلوا السیوف حین طلعوا- فعجبت من ذلک- فسألت بعد ذلک رجلا من المهاجرین- فقال أمرنا رسول الله ص ألا نسل السیوف حتى یغشونا- . قال الواقدی- فلما تزاحف الناس قال الأسود بن عبد الأسد المخزومی- حین دنا من‏ الحوض- أعاهد الله لأشربن من حوضهم- أو لأهدمنه أو لأموتن دونه- فشد حتى دنا من الحوض- و استقبله حمزه بن عبد المطلب- فضربه فأطن قدمه- فزحف الأسود لیبر قسمه زعم- حتى وقف فی الحوض فهدمه برجله الصحیحه- و شرب منه و أتبعه حمزه فضربه فی الحوض فقتله- و المشرکون ینظرون ذلک على صفوفهم- .

قال الواقدی- و دنا الناس بعضهم من بعض- فخرج عتبه و شیبه و الولید حتى فصلوا من الصف- ثم دعوا إلى المبارزه- فخرج إلیهم فتیان ثلاثه من الأنصار و هم بنو عفراء- معاذ و معوذ و عوف بنو الحارث- و یقال إن ثالثهم عبد الله بن رواحه- و الثابت عندنا أنهم بنو عفراء- فاستحى رسول الله ص من ذلک- و کره أن یکون أول قتال- لقی المسلمون فیه المشرکین فی الأنصار- و أحب أن تکون الشوکه لبنی عمه و قومه- فأمرهم فرجعوا إلى مصافهم و قال لهم خیرا- ثم نادى منادی المشرکین- یا محمد أخرج إلینا الأکفاء من قومنا- فقال لهم رسول الله ص یا بنی هاشم قوموا فقاتلوا- بحقکم الذی بعث الله به نبیکم- إذ جاءوا بباطلهم لیطفئوا نور الله- فقام حمزه بن عبد المطلب و علی بن أبی طالب- و عبیده بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف- فمشوا إلیهم فقال عتبه- تکلموا نعرفکم و کان علیهم البیض- فأنکروهم فإن کنتم أکفاءنا قاتلناکم و روى محمد بن إسحاق فی کتاب المغازی- خلاف هذه الروایه- قال إن بنی عفراء و عبد الله بن رواحه- برزوا إلى عتبه و شیبه و الولید- فقالوا لهم من أنتم قالوا رهط من الأنصار- فقالوا ارجعوا فما لنا بکم من حاجه- ثم نادى منادیهم یا محمد-أخرج إلینا أکفاءنا من قومنا- فقال رسول الله ص قم یا فلان قم یا فلان قم یا فلان- .

قلت و هذه الروایه أشهر من روایه الواقدی- و فی روایه الواقدی ما یؤکد صحه روایه محمد بن إسحاق- و هو قوله إن منادی المشرکین نادى یا محمد- أخرج إلینا الأکفاء من قومنا- فلو لم یکن قد کلمهم بنو عفراء و کلموهم و ردوهم- لما نادى منادیهم بذلک- و یدل على ذلک قول بعض القرشیین- لبعض الأنصار فی فخر فخر به علیه- أنا من قوم لم یرض مشرکوهم- أن یقتلوا مؤمنی قومک- . قال الواقدی فقال حمزه أنا حمزه بن عبد المطلب- أسد الله و أسد رسوله- فقال عتبه کف‏ء کریم و أنا أسد الحلفاء- من هذان معک قال علی بن أبی طالب- و عبیده بن الحارث بن المطلب- فقال کفآن کریمان- .

قال الواقدی قال ابن أبی الزناد حدثنی أبی- قال لم أسمع لعتبه کلمه قط أوهن من قوله- أنا أسد الحلفاء یعنی بالحلفاء الأجمه- . قلت قد روی هذه الکلمه على صیغه أخرى- و أنا أسد الحلفاء- و روی أنا أسد الأحلاف- . قالوا فی تفسیرهما أراد أنا سید أهل الحلف المطیبین- و کان الذین حضروه بنی عبد مناف- و بنی أسد بن عبد العزى و بنی تیم- و بنی زهره و بنی الحارث بن فهر- خمس قبائل- و رد قوم هذا التأویل- فقالوا إن المطیبین لم یکن یقال لهم- الحلفاء و لا الأحلاف- و إنما ذلک لقب خصومهم و أعدائهم- الذین وقع التحالف لأجلهم- و هم بنو عبد الدار و بنو مخزوم- و بنو سهم و بنو جمح و بنو عدی بن کعب- خمس‏ قبائل- و قال قوم فی تفسیرهما إنما عنى حلف الفضول- و کان بعد حلف المطیبین بزمان- و شهد حلف الفضول رسول الله ص- و هو صغیر فی دار ابن جدعان- و کان سببه أن رجلا من الیمن قدم مکه بمتاع- فاشتراه العاص بن وائل السهمی و مطله بالثمن حتى أتعبه- فقام بالحجر و ناشد قریشا ظلامته- فاجتمع بنو هاشم و بنو أسد بن عبد العزى- و بنو زهره و بنو تمیم فی دار ابن جدعان- فتحالفوا غمسوا أیدیهم فی ماء زمزم- بعد أن غسلوا به أرکان البیت- أن ینصروا کل مظلوم بمکه- و یردوا علیه ظلامته و یأخذوا على ید الظالم- و ینهوا عن کل منکر ما بل بحر صوفه- فسمی حلف الفضول لفضله- و
قد ذکره رسول الله ص فقال شهدته و ما أحب أن لی به حمر النعم- و لا یزیده الإسلام إلا شده – و هذا التفسیر أیضا غیر صحیح- لأن بنی عبد الشمس لم یکونوا فی حلف الفضول- فقد بان أن ما ذکره الواقدی أصح و أثبت- .

قال الواقدی ثم قال عتبه لابنه- قم یا ولید فقام الولید و قام إلیه علی- و کانا أصغر النفر فاختلفا ضربتین- فقتله علی بن أبی طالب ع- ثم قام عتبه و قام إلیه حمزه فاختلفا ضربتین- فقتله حمزه رضی الله عنه- ثم قام شیبه و قام إلیه عبیده- و هو یومئذ أسن أصحاب رسول الله ص- فضرب شیبه رجل عبیده بذباب السیف- فأصاب عضله ساقه فقطعها- و کر حمزه و علی على شیبه فقتلاه- و احتملا عبیده فحازاه إلى الصف- و مخ ساقه یسیل- فقال عبیده یا رسول الله أ لست شهیدا- قال بلى قال أما و الله لو کان أبو طالب حیا- لعلم أنی أحق بما قال حین یقول-

کذبتم و بیت الله نخلی محمدا
و لما نطاعن دونه و نناضل‏

و ننصره حتى نصرع حوله‏
و نذهل عن أبنائنا و الحلائل‏

و نزلت فیهم هذه الآیه- هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِی رَبِّهِمْ- .و روى محمد بن إسحاق- أن عتبه بارز عبیده بن الحارث- و أن شیبه بارز حمزه بن عبد المطلب- فقتل حمزه شیبه لم یمهله أن قتله- و لم یمهل علی الولید أن قتله- و اختلف عبیده و عتبه بینهما ضربتین- کلاهما أثبت صاحبه- و کر حمزه و علی ع على عتبه بأسیافهما- حتى وقعا علیه و احتملا صاحبهما- فحازاه إلى الصف- . قلت- و هذه الروایه توافق ما یذکره أمیر المؤمنین ع فی کلامه- إذ یقول لمعاویه- و عندی السیف الذی أعضضت به- أخاک و خالک و جدک یوم بدر- و یقول فی موضع آخر- قد عرفت مواقع نصالها فی أخیک و خالک و جدک- و ما هی من الظالمین ببعید- . و اختار البلاذری روایه الواقدی- و قال إن حمزه قتل عتبه- و إن علیا ع قتل الولید و شرک فی قتل شیبه- .

و هذا هو المناسب لأحوالهم من طریق السن- لأن شیبه أسن الثلاثه- فجعل بإزاء عبیده و هو أسن الثلاثه- و الولید أصغر الثلاثه سنا- فجعل بإزاء علی ع و هو أصغر الثلاثه سنا- و عتبه أوسطهم سنا فجعل بإزاء حمزه- و هو أوسطهم سنا- و أیضا فإن عتبه کان أمثل الثلاثه- فمقتضى القیاس أن یکون قرنه أمثل الثلاثه- و هو حمزه إذ ذاک- لأن علیا ع لم یکن قد اشتهر أمره جدا- و إنما اشتهر الشهره التامه بعد بدر- و لمن روى أن حمزه بارز شیبه و هی روایه ابن إسحاق- أن ینتصر بشعر هند بنت عتبه ترثی أباها-

أ عینی جودا بدمع سرب
على خیر خندف لم ینقلب‏

تداعى له رهطه قصره
بنو هاشم و بنو المطلب‏

یذیقونه حر أسیافهم
یعلونه بعد ما قد عطب‏

فإذا کانت قد قالت إن عتبه أباها- أذاقه بنو هاشم و بنو المطلب حر أسیافهم- فقد ثبت أن المبارز لعتبه إنما هو عبیده- لأنه من بنی المطلب جرح عتبه- فأثبته ثم ذفف علیه حمزه و علی ع- فأما الشیعه فإنها تروی أن حمزه بادر عتبه فقتله- و أن اشتراک علی و حمزه إنما هو فی دم شیبه- بعد أن جرحه عبیده بن الحارث- هکذا ذکر محمد بن النعمان فی کتاب الإرشاد- و هو خلاف ما تنطق به کتب أمیر المؤمنین ع إلى معاویه- و الأمر عندی مشتبه فی هذا الموضع- .

و روى محمد بن النعمان عن أمیر المؤمنین ع أنه کان یذکر یوم بدر و یقول- أختلف أنا و الولید بن عتبه ضربتین- فأخطأتنی ضربته- و أضربه فاتقانی بیده الیسرى فأبانها السیف- فکأنی أنظر إلى ومیض خاتم فی شماله- ثم ضربته أخرى فصرعته و سلبته- فرأیت به الردع من خلوق- فعلمت أنه قریب عهد بعرس قال الواقدی- و قد روی أن عتبه بن ربیعه حین دعا إلى البراز- قام إلیه ابنه أبو حذیفه بن عتبه یبارزه- فقال له النبی ص اجلس- فلما قام إلیه النفر- أعان أبو حذیفه على أبیه عتبه بضربه- .

قال الواقدی و أخبرنی ابن أبی الزناد عن أبیه- قال شیبه أکبر من عتبه بثلاث سنین- و حمزه أسن من النبی ص بأربع سنین- و العباس أسن من النبی ص بثلاث سنین- . قال الواقدی و استفتح أبو جهل یوم بدر- فقال اللهم أقطعنا للرحم و آتانا بما لا یعلم- فأحنه الغداه فأنزل الله تعالى- إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَکُمُ الْفَتْحُ الآیه- .

قال الواقدی و روى عروه عن عائشه- أن النبی ص جعل شعار المهاجرین یوم بدر- یا بنی عبد الرحمن- و شعار الخزرج یا بنی عبد الله- و شعار الأوس یا بنی عبد الله- . قال و روى زید بن علی بن الحسین ع- أن شعار رسول الله ص یوم بدر یا منصور أمت- . قال الواقدی- و نهى رسول الله ص عن قتل أبی البختری- و کان قد لبس السلاح بمکه یوما قبل الهجره- فی بعض ما کان ینال النبی ص من الأذى- و قال لا یعرض الیوم أحد لمحمد بأذى- إلا وضعت فیه السلاح- فشکر ذلک له النبی ص- قال أبو داود المازنی فلحقته یوم بدر- فقلت له إن رسول الله ص- قد نهى عن قتلک إن أعطیت بیدک- قال و ما ترید إلی إن کان قد نهى عن قتلی- فقد کنت أبلیته ذلک- فأما أن أعطی بیدی- فو اللات و العزى لقد علمت نسوه بمکه أنی لا أعطی بیدی- و قد عرفت أنک لا تدعنی فافعل الذی ترید- فرماه أبو داود بسهم- و قال اللهم سهمک و أبو البختری عبدک- فضعه فی مقتله- و أبو البختری دارع ففتق السهم الدرع فقتله- .

قال الواقدی- و یقال إن المجذر بن ذیاد قتل أبا البختری و لا یعرفه- و قال المجذر فی ذلک شعرا عرف منه أنه قاتله- . و فی روایه محمد بن إسحاق- أن رسول الله ص نهى یوم بدر عن قتل أبی البختری- و اسمه الولید بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى- لأنه کان أکف‏الناس عن رسول الله ص بمکه- کان لا یؤذیه و لا یبلغه عنه شی‏ء یکرهه- و کان فیمن قام فی نقض الصحیفه- التی کتبتها قریش على بنی هاشم- فلقیه المجذر بن ذیاد البلوی حلیف الأنصار- فقال له إن رسول الله ص نهانا عن قتلک- و مع أبی البختری زمیل له خرج معه من مکه- یقال له جناده بن ملیحه فقال البختری و زمیلی- قال المجذر و الله ما نحن بتارکی زمیلک- ما نهانا رسول الله ص إلا عنک وحدک- قال إذا و الله لأموتن أنا و هو جمیعا- لا تتحدث عنی نساء أهل مکه- أنی ترکت زمیلی حرصا على الحیاه- فنازله المجذر و ارتجز أبو البختری فقال-

لن یسلم ابن حره زمیله
حتى یموت أو یرى سبیله‏

 ثم اقتتلا فقتله المجذر- و جاء إلى رسول الله ص فأخبره- و قال و الذی بعثک بالحق- لقد جهدت أن یستأسر فآتیک به- فأبى إلا القتال فقاتلته فقتلته- . قال الواقدی- و نهى النبی ص عن قتل الحارث بن عامر بن نوفل- و قال ائسروه و لا تقتلوه و کان کارها للخروج إلى بدر- فلقیه خبیب بن یساف فقتله و لا یعرفه- فبلغ النبی ص ذلک- فقال لو وجدته قبل أن یقتل لترکته لنسائه- و نهى عن قتل زمعه بن الأسود- فقتله ثابت بن الجذع و لا یعرفه- . قال الواقدی- و ارتجز عدی بن أبی الزغباء یوم بدر فقال-

أنا عدی و السحل
أمشی بها مشی الفحل‏

یعنی درعه- فقال النبی ص من عدی- فقال رجل من القوم أنا یا رسول الله- قال و ما ذا قال ابن فلان- قال لست أنت عدیا- فقال عدی بن أبی‏الزغباء- أنا یا رسول الله عدی قال و ما ذا- قال و السحل أمشی بها مشی الفحل- قال النبی ص و ما السحل- قال درعی فقال ص- نعم العدی عدی بن أبی الزغباء- . قال الواقدی و کان عقبه بن أبی معیط قال بمکه- حین هاجر رسول الله ص إلى المدینه-

یا راکب الناقه القصواء ها
جرنا عما قلیل ترانی راکب الفرس‏

أعل رمحی فیکم ثم أنهله‏
و السیف یأخذ منکم کل ملتبس‏

فبلغ قوله النبی ص- فقال اللهم أکبه لمنخره و اصرعه- فجمح به فرسه یوم بدر بعد أن ولى الناس- فأخذه عبد الله بن سلمه العجلانی أسیرا- و أمر النبی ص عاصم بن أبی الأقلح فضرب عنقه صبرا- . قال الواقدی و کان عبد الرحمن یحدث یقول- إنی لأجمع أدراعا یوم بدر بعد أن ولى الناس- فإذا أمیه بن خلف و کان لی صدیقا فی الجاهلیه- و کان اسمی عبد عمرو- فلما جاء الإسلام تسمیت عبد الرحمن- فکان یلقانی بمکه فیقول یا عبد عمرو فلا أجیبه- فیقول إنی لا أقول لک عبد الرحمن- إن مسیلمه بالیمامه تسمى بالرحمن- فأنا لا أدعوک إلیه- فکان یدعونی عبد الإله- فلما کان یوم بدر رأیته و کأنه جمل یساق- و معه ابنه علی فنادانی یا عبد عمرو- فأبیت أن أجیبه فنادانی یا عبد الإله- فأجبته فقال أ ما لکم حاجه فی اللبن- نحن خیر لک من أدرعک هذه- فقلت امضیا فجعلت أسوقهما أمامی- و قد رأى أمیه أنه قد أمن بعض الأمن- فقال لی أمیه رأیت رجلا فیکم الیوم- معلما فی صدره بریشه نعامه من هو- فقلت حمزه بن عبد المطلب-فقال ذاک الذی فعل بنا الأفاعیل- ثم قال فمن رجل دحداح قصیر معلم بعصابه حمراء- قلت ذاک رجل من الأنصار یقال له سماک بن خرشه- قال و بذاک أیضا یا عبد الإله صرنا الیوم جزرا لکم- قال فبینا هو معی أزجیه أمامی و معه ابنه- إذ بصر به بلال و هو یعجن عجینا له فترک العجین- و جعل یفتل یدیه منه فتلا ذریعا- و هو ینادی یا معشر الأنصار أمیه بن خلف رأس الکفر- لا نجوت إن نجوت قال لأنه کان یعذبه بمکه- فأقبلت الأنصار کأنهم عوذ حنت إلى أولادها- حتى طرحوا أمیه على ظهره- و اضطجعت علیه أحمیه منهم- فأقبل الخباب بن المنذر فأدخل سیفه- فاقتطع أرنبه أنفه- فلما فقد أمیه أنفه قال لی إیها عنک- أی خل بینی و بینهم- قال عبد الرحمن فذکرت قول حسان- أو عن ذلک الأنف جادع‏- .

قال و یقبل إلیه خبیب بن یساف فضربه حتى قتله- و قد کان أمیه ضرب خبیب بن یساف- حتى قطع یده من المنکب- فأعادها النبی ص فالتحمت و استوت- فتزوج خبیب بن یساف بعد ذلک ابنه أمیه بن خلف- فرأت تلک الضربه- فقالت لا یشل الله ید رجل فعل هذا- فقال خبیب و أنا و الله قد أوردته شعوب- فکان خبیب یحدث یقول فأضربه فوق العاتق- فأقطع عاتقه حتى بلغت مؤتزره و علیه الدرع- و أنا أقول خذها و أنا ابن یساف- و أخذت سلاحه و درعه- و أقبل علی بن أمیه فتعرض له الخباب فقطع رجله- فصاح صیحه ما سمع مثلها قط- و لقیه عمار فضربه ضربه فقتله- و یقال إن عمارا لاقاه قبل ضربه الخباب- فاختلفا ضربات فقتله عمار- و الأولى أثبت أنه ضربه بعد أن قطعت رجله- . قال الواقدی و قد سمعنا فی قتل أمیه غیر ذلک-

حدثنی عبید بن یحیى عن معاذ بن‏ رفاعه عن أبیه- قال لما کان یوم بدر و أحدقنا بأمیه بن خلف- و کان له فیهم شأن و معی رمحی و معه رمحه- فتطاعنا حتى سقطت أزجتها- ثم صرنا إلى السیفین فتضاربنا بهما حتى انثلما- ثم بصرت بفتق فی درعه تحت إبطه- فحششت السیف فیه حتى قتلته- و خرج السیف علیه الودک قال الواقدی و قد سمعنا وجها آخر- حدثنی محمد بن قدامه بن موسى عن أبیه- عن عائشه بنت قدامه- قالت قال صفوان بن أمیه بن خلف یوما- یا قدام لقدامه بن مظعون- أنت المشلی بأبی یوم بدر الناس- فقال قدامه لا و الله ما فعلت- و لو فعلت ما اعتذرت من قتل مشرک- قال صفوان فمن یا قدام المشلی به یوم بدر- قال رأیت فتیه من الأنصار أقبلوا إلیه- فیهم معمر بن خبیب بن عبید الحارث- یرفع سیفه و یضعه فیه- فقال صفوان أبو قرد و کان معمر رجلا دمیما- فسمع بذلک الحارث بن حاطب فغضب له- فدخل على أم صفوان- فقال ما یدعنا صفوان من الأذى فی الجاهلیه و الإسلام- قالت و ما ذاک فأخبرها بمقاله صفوان لمعمر- حین قال أبو قرد فقالت أم صفوان- یا صفوان أ تنتقص معمر بن خبیب من أهل بدر- و الله لا أقبل لک کرامه سنه- قال صفوان یا أمه لا أعود و الله أبدا- تکلمت بکلمه لم ألق لها بالا- .

قال الواقدی و حدثنی محمد بن قدامه عن أبیه- عن عائشه بنت قدامه- قالت قیل لأم صفوان بن أمیه- و نظرت إلى الخباب بن المنذر بمکه- هذا الذی قطع رجل علی بن أمیه یوم بدر- قالت دعونا عن ذکر من قتل على الشرک- قد أهان الله علیا بضربه الخباب بن المنذر- و أکرم الله الخباب بضربته علیا- و لقد کان على الإسلام حین خرج من هاهنا- فقتل على غیر ذلک- .

فأما محمد بن إسحاق- فإنه قال قال عبد الرحمن بن عوف- أخذت بید أمیه بن خلف- و ید ابنه علی بن أمیه أسیرین یوم بدر- فبینا أنا أمشی بینهما رآنا بلال- و کان أمیه هو الذی یعذب بلالا بمکه- یخرجه إلى رمضاء مکه إذا حمیت- فیضجعه على ظهره ثم یأمره بالصخره العظیمه- فتوضع بحرارتها على صدره- و یقول له لا تزال هکذا أو تفارق دین محمد- فیقول بلال أحد أحد لا یزیده على ذلک- فلما رآه صاح رأس الکفر أمیه بن خلف- لا نجوت إن نجوت- قال عبد الرحمن فقلت أی بلال أسیری- فقال لا نجوت إن نجا- فقلت استمع یا ابن السوداء- قال لا نجوت إن نجا ثم صرخ بأعلى صوته- یا أنصار الله أمیه بن خلف رأس الکفر لا نجوت إن نجا- فأحاطوا بنا حتى جعلونا فی مثل المسکه و أنا أذب عنه- و یحذف عمار بن یاسر علیا ابنه بالسیف- فأصاب رجله فوقع- و صاح أمیه صیحه ما سمعت مثلها قط- فخلیت عنه و قلت انج بنفسک و لا نجاء به- فو الله ما أغنی عنک شیئا- قال فهبروهما بأسیافهم حتى فرغوا منهما- قال فکان عبد الرحمن بن عوف یقول- رحم الله بلالا أذهب أدرعی و فجعنی بأسیری- .

قال الواقدی و کان الزبیر بن العوام یحدث فیقول- لما کان یومئذ لقیت عبیده بن سعد بن العاص على فرس- علیه لأمه کامله لا یرى منه إلا عیناه- و هو یقول و کانت له صبیه صغیره- یحملها و کان لها بطین و کانت مقسمه- أنا أبو ذات الکرش أنا أبو ذات‏الکرش- قال و فی یدی عنزه فأطعن بها فی عینه و وقع- و أطؤه برجلی على خده- حتى أخرجت العنزه متعقفه و أخرجت حدقته- و أخذ رسول الله ص تلک العنزه- فکانت تحمل بین یدیه- ثم صارت تحمل بین یدی أبی بکر و عمر و عثمان- .

قال الواقدی- و أقبل عاصم بن أبی عوف بن صبیره السهمی- لما جال الناس و اختلطوا و کأنه ذئب و هو یقول- یا معشر قریش علیکم بالقاطع مفرق الجماعه- الآتی بما لا یعرف محمد- لا نجوت إن نجا- و یعترضه أبو دجانه فاختلفا ضربتین- و یضربه أبو دجانه فقتله و وقف على سلبه یسلبه- فمر به عمر بن الخطاب فقال- دع سلبه حتى یجهض العدو- و أنا أشهد لک به قال الواقدی- و یقبل معبد بن وهب أحد بنی عامر بن لؤی- فضرب أبا دجانه ضربه- برک منها أبو دجانه کما یبرک الجمل- ثم انتهض و أقبل على معبد- فضربه ضربات لم یصنع سیفه شیئا- حتى یقع معبد بحفره أمامه لا یراها- و نزل أبو دجانه علیه- فذبحه ذبحا و أخذ سلبه- .

قال الواقدی- و لما کان یومئذ و رأت بنو مخزوم مقتل من قتل- قالت أبو الحکم لا یخلص إلیه- فإن ابنی ربیعه عجلا و بطرا- و لم تحام عنهما عشیرتهما- فاجتمعت بنو مخزوم فأحدقوا به- فجعلوه فی مثل الحرجه- و أجمعوا أن یلبسوا لأمه أبی جهل رجلا منهم- فألبسوها عبد الله بن المنذر بن أبی رفاعه- فصمد له علی ع فقتله و هو یراه أبا جهل- و مضى عنه و هو یقول أنا ابن عبد المطلب- ثم ألبسوها أبا قیس بن الفاکه بن المغیره- فصمد له حمزه و هو یراه أبا جهل- فضربه فقتله و هو یقول- خذها و أنا ابن عبد المطلب- ثم ألبسوها حرمله بن عمرو- فصمد له علی ع فقتله- ثم أرادوا أن یلبسوها خالد بن الأعلم- فأبى أن یلبسها- قال معاذ بن عمرو بن الجموح- فنظرت یومئذ إلى أبی جهل فی مثل الحرجه- و هم یقولون أبو الحکم لا یخلص إلیه- فعرفت أنه هو فقلت- و الله لأموتن دونه الیوم أو لأخلصن إلیه- فصمدت له حتى إذا أمکنتنی منه غره حملت علیه- فضربته ضربه طرحت رجله من الساق- فشبهتها النواه تنزو من تحت المراضخ- فأقبل ابنه عکرمه علی فضربنی على عاتقی- فطرح یدی من العاتق إلا أنه بقیت جلده- فذهبت أسحب یدی بتلک الجلده خلفی- فلما آذتنی وضعت علیها رجلی- ثم تمطیت علیها فقطعتها- ثم لاقیت عکرمه و هو یلوذ کل ملاذ- و لو کانت یدی معی لرجوت یومئذ أن أصیبه- و مات معاذ فی زمن عثمان- .

قال الواقدی- فروی أن رسول الله ص- نفل معاذ بن عمرو بن الجموح سیف أبی جهل- و أنه عند آل معاذ بن عمرو الیوم و به فل- بعد أن أرسل النبی ص- إلى عکرمه بن أبی جهل- یسأله من قتل أباک- قال الذی قطعت یده- فدفع رسول الله ص سیفه إلى معاذ بن عمرو- لأن عکرمه بن أبی جهل قطع یده یوم بدر- . قال الواقدی- و ما کان بنو المغیره یشکون أن سیف أبی الحکم- صار إلى معاذ بن عمرو بن الجموح- و أنه قاتله یوم بدر- .

قال الواقدی- و قد سمعت فی قتله و أخذ سلبه غیر هذا- حدثنی عبد الحمید بن جعفر عن عمر بن الحکم بن ثوبان- عن عبد الرحمن بن عوف- قال عبأنا رسول الله ص بلیل- فأصبحنا و نحن على صفوفنا- فإذا بغلامین لیس منهما واحد- إلا قد ربطت حمائل سیفه فی عنقه لصغره- فالتفت إلی أحدهما فقال یا عم أیهم أبو جهل- قال قلت و ما تصنع به یا ابن أخی- قال بلغنی أنه یسب رسول الله ص- فحلفت لئن رأیته لأقتلنه أو لأموتن دونه- فأشرت إلیه فالتفت إلی الآخر و قال لی مثل ذلک- فأشرت له إلیه و قلت له من أنتما- قالا ابنا الحارث- قال فجعلا لا یطرفان عن أبی جهل- حتى إذا کان القتال خلصا إلیه فقتلاه و قتلهما- .

قال الواقدی فحدثنی محمد بن عوف- عن إبراهیم بن یحیى بن زید بن ثابت- قال لما کان یومئذ قال عبد الرحمن- و نظر إلیهما عن یمینه و عن شماله- لیته کان إلى جنبی من هو أبدن من هذین الصبیین- فلم أنشب أن التفت إلى عوف- فقال أیهم أبو جهل- فقلت ذاک حیث ترى- فخرج یعدو إلیه کأنه سبع- و لحقه أخوه فأنا أنظر إلیهم- یضطربون بالسیوف- ثم نظرت إلى رسول الله ص یمر بهم فی القتلى- و هما إلى جانب أبی جهل- .

قال الواقدی و حدثنی محمد بن رفاعه بن ثعلبه- قال سمعت أبی ینکر ما یقول الناس- فی ابنی عفراء من صغرهما- و یقول کانا یوم بدر أصغرهما ابن خمس و ثلاثین سنه- فهذا یربط حمائل سیفه- قال الواقدی و القول الأول أثبت- . و روى محمد بن عمار بن یاسر- عن ربیع بنت معوذ قالت- دخلت فی نسوه من الأنصار على أسماء أم أبی جهل- فی زمن عمر بن الخطاب- و کان ابنها عبد الله بن أبی ربیعه- یبعث إلیها بعطر من الیمن- فکانت تبیعه إلى الأعطیه فکنا نشتری منها- فلما جعلت لی فی قواریری- و وزنت لی کما وزنت لصواحبی- قال اکتبن لی علیکن حقی- قلت نعم اکتب لها على الربیع بنت معوذ- فقالت أسماء خلفی و إنک لابنه قاتل سیده- فقلت لا و لکن ابنه قاتل عبده- فقالت و الله لا أبیعک شیئا أبدا- فقلت أنا و الله لا أشتری منک أبدا- فو الله ما هو بطیب و لا عرف- و الله یا بنی ما شممت عطرا قط کان أطیب منه- و لکنی یا بنی غضبت قال الواقدی فلما وضعت الحرب أوزارها- أمر رسول الله ص أن یلتمس أبو جهل-

قال ابن مسعود فوجدته فی آخر رمق- فوضعت رجلی على عنقه- فقلت الحمد لله الذی أخزاک- قال إنما أخزى الله العبد ابن أم عبد- لقد ارتقیت یا رویعی الغنم مرتقى صعبا- لمن الدبره قلت لله و لرسوله- قال ابن مسعود فأقلع بیضته عن قفاه- و قلت إنی قاتلک- قال لست بأول عبد قتل سیده- أما إن أشد ما لقیته الیوم لقتلک إیای- ألا یکون ولی قتلی- رجل من الأحلاف أو من المطیبین- قال فضربه عبد الله ضربه وقع رأسه بین یدیه- ثم سلبه و أقبل بسلاحه و درعه و بیضته- فوضعها بین یدی رسول الله ص- فقال أبشر یا نبی الله بقتل عدو الله أبی جهل- فقال رسول الله أ حقا یا عبد الله- فو الذی نفسی بیده لهو أحب إلی من حمر النعم- أو کما قال ثم قال إنه أصابه جحش- من دفع دفعته فی مأدبه ابن جدعان- فجحشت رکبته فالتمسوه- فوجدوا ذلک الأثر- .

قال الواقدی- و روی أن أبا سلمه بن عبد الأسد المخزومی- کان عند النبی ص تلک الساعه- فوجد فی نفسه- و أقبل على ابن مسعود و قال أنت قتلته- قال نعم الله قتله- قال أبو سلمه أنت ولیت قتله قال نعم- قال لو شاء لجعلک فی کمه- فقال ابن مسعود فقد و الله قتلته و جردته- فقال أبو سلمه فما علامته- قال شامه سوداء ببطن فخذه الیمنى- فعرف أبو سلمه النعت- فقال أ جردته و لم یجرد قرشی غیره- فقال‏ ابن مسعود- إنه و الله لم یکن فی قریش و لا فی حلفائها- أحد أعدى لله و لا لرسوله منه- و ما أعتذر من شی‏ء صنعته به فأمسک أبو سلمه- .

قال الواقدی سمع أبو سلمه بعد ذلک- یستغفر الله من کلامه فی أبی جهل و قال- اللهم إنک قد أنجزت ما وعدتنی فتمم علی نعمتک- قال و کان عبد الله بن عتبه بن مسعود یقول- سیف أبی جهل عندنا محلى بفضه- غنمه عبد الله بن مسعود یومئذ- . قال الواقدی اجتمع قول أصحابنا- أن معاذ بن عمرو و ابنی عفراء أثبتوه- و ضرب ابن مسعود عنقه فی آخر رمق- فکل شرک فی قتله- . قال الواقدی و قد روی أن رسول الله ص وقف على مصرع ابنی عفراء- فقال یرحم الله ابنی عفراء- فإنهما قد شرکا فی قتل فرعون هذه الأمه- و رأس أئمه الکفر- فقیل یا رسول الله و من قتله معهما- قال الملائکه و ذفف علیه ابن مسعود- فکان قد شرک فی قتله – .

قال الواقدی و حدثنی معمر عن الزهری قال- قال رسول الله ص یوم بدر اللهم اکفنی نوفل بن العدویه و هو نوفل بن خویلد- من بنی أسد بن عبد العزى- و أقبل نوفل یومئذ یصیح و هو مرعوب- قد رأى قتل أصحابه- و کان فی أول ما التقوا هم و المسلمون- یصیح بصوت له زجل رافعا عقیرته- یا معشر قریش إن هذا الیوم یوم العلاء و الرفعه- فلما رأى قریشا قد انکشفت جعل یصیح بالأنصار- ما حاجتکم إلى دمائنا- أ ما ترون من تقتلون- أ ما لکم فی اللبن من حاجه- فأسره جبار بن صخر فهو یسوقه أمامه- فجعل نوفل یقول لجبار- و رأى علیا ع مقبلا نحوه- یا أخا الأنصار من هذا و اللات و العزى- إنی لأرى رجلا إنه لیریدنی- قال‏ جبار هذا علی بن أبی طالب- قال نوفل- تالله ما رأیت کالیوم رجلا أسرع فی قومه- فصمد له علی ع- فیضربه فینشب سیف علی فی حجفته ساعه- ثم ینزعه فیضرب به ساقیه- و درعه مشتمره فیقطعها- ثم أجهز علیه فقتله- فقال رسول الله ص من له علم بنوفل بن خویلد- قال علی ع أنا قتلته- فکبر رسول الله ص- و قال الحمد لله الذی أجاب دعوتی فیه – .

قال الواقدی- و أقبل العاص بن سعید بن العاص یبحث للقتال- فالتقى هو و علی ع و قتله علی- فکان عمر بن الخطاب- یقول لابنه سعید بن العاص بن سعید بن العاص- ما لی أراک معرضا تظن أنی قتلت أباک- فقال سعید لو قتلته لکان على الباطل و کنت على الحق- قال فقال عمر إن قریشا أعظم الناس أحلاما- و أکثرها أمانه- لا یبغیهم أحد الغوائل إلا کبه الله لفیه- . قال الواقدی- و روی أن عمر قال لسعید بن العاص- ما لی أراک معرضا کأنی قتلت أباک یوم بدر- و إن کنت لا أعتذر من قتل مشرک- لقد قتلت خالی بیدی العاص بن هاشم بن المغیره- .

و نقلت من غیر کتاب الواقدی- أن عثمان بن عفان و سعید بن العاص- حضرا عند عمر فی أیام خلافته- فجلس سعید بن العاص حجره- فنظر إلیه عمر فقال ما لی أراک معرضا- کأنی قتلت أباک إنی لم أقتله- و لکنه قتله أبو حسن و کان علی ع حاضرا- فقال اللهم غفرا ذهب الشرک بما فیه- و محا الإسلام ما قبله- فلما ذا تهاج‏ القلوب فسکت عمر- و قال سعید لقد قتله کف‏ء کریم- و هو أحب إلی من أن یقتله من لیس من بنی عبد مناف- .

قال الواقدی و کان علی ع یحدث فیقول إنی یومئذ بعد ما متع النهار- و نحن و المشرکون قد اختلطت صفوفنا و صفوفهم- خرجت فی إثر رجل منهم- فإذا رجل من المشرکین على کثیب رمل و سعد بن خیثمه- و هما یقتتلان حتى قتل المشرک سعد بن خیثمه- و المشرک مقنع فی الحدید و کان فارسا- فاقتحم عن فرسه فعرفنی و هو معلم- فنادانی هلم یا ابن أبی طالب إلى البراز- فعطفت إلى البراز فعطفت علیه- فانحط إلی مقبلا و کنت رجلا قصیرا- فانحططت راجعا لکی ینزل إلی- کرهت أن یعلونی- فقال یا ابن أبی طالب فررت- فقلت قریبا مفر ابن الشتراء- فلما استقرت قدمای و ثبت أقبل- فاتقیت فلما دنا منی ضربنی بالدرقه- فوقع سیفه فلحج فأضربه على عاتقه و هو دارع- فارتعش و لقد قط سیفی درعه- فظننت أن سیفی سیقتله- فإذا بریق سیف من ورائی فطأطأت رأسی- و یقع السیف فأطن قحف رأسه بالبیضه- و هو یقول خذها و أنا ابن عبد المطلب- فالتفت من ورائی فإذا هو حمزه عمی- و المقتول طعیمه بن عدی – .

قلت فی روایه محمد بن إسحاق بن یسار- أن طعیمه بن عدی قتله علی بن أبی طالب ع- ثم قال و قیل قتله حمزه- . و فی روایه الشیعه قتله علی بن أبی طالب- شجره بالرمح- فقال له و الله لا تخاصمنا فی الله بعد الیوم أبدا- و هکذا روى محمد بن إسحاق- .

و روى محمد بن إسحاق قال و خرج النبی ص من العریش إلى الناس ینظر القتال- فحرض المسلمین و قال کل امرئ بما أصاب- و قال و الذی نفس محمد بیده- لا یقاتلهم الیوم رجل فی جمله- فیقتل صابرا محتسبا مقبلا غیر مدبر- إلا أدخله الله الجنه – فقال عمیر بن الحمام أخو بنی سلمه- و فی یده تمرات یأکلهن بخ بخ- فما بینی و بین أن أدخل الجنه إلا أن یقتلنی هؤلاء- ثم قذف التمرات من یده- و أخذ سیفه فقاتل القوم حتى قتل قال محمد بن إسحاق- و حدثنی عاصم بن عمرو بن قتاده- أن عوف بن الحارث و هو ابن عفراء- قال لرسول الله ص یوم بدر- یا رسول الله ص ما یضحک الرب من عبده- قال غمسه یده فی العدو حاسرا- فنزع عوف درعا کانت علیه و قذفها- ثم أخذ سیفه فقاتل القوم حتى قتل- .

قال الواقدی و ابن إسحاق و أخذ رسول الله ص کفا من البطحاء- فرماهم بها و قال شاهت الوجوه- اللهم أرعب قلوبهم و زلزل أقدامهم
فانهزم المشرکون لا یلوون على شی‏ء- و المسلمون یتبعونهم یقتلون و یأسرون- . قال الواقدی- و کان هبیره بن أبی وهب المخزومی- لما رأى الهزیمه انخزل ظهره فعقر- فلم یستطع أن یقوم- فأتاه أبو أسامه الجشمی حلیفه- ففتق درعه و احتمله- و یقال ضربه أبو داود المازنی بالسیف فقطع درعه- و وقع لوجهه و أخلد إلى الأرض- و جاوزه أبو داود- و بصر به ابنا زهیر الجشمیان- مالک و أبو أسامه و هما حلیفاه- فذبا عنه حتى نجوا به- و احتمله أبو أسامه و مالک یذب عنه حتى خلصاه- فقال رسول الله ص حماه کلباه الحلیفان- .

قال الواقدی- و حدثنی عمر بن عثمان عن عکاشه بن محصن- قال انقطع سیفی یوم بدر- فأعطانی رسول الله ص عودا- فإذا هو سیف أبیض طویل- فقاتلت به حتى هزم الله المشرکین- و لم یزل ذلک السیف عند عکاشه حتى هلک- . قال و قد روى رجال من بنی عبد الأشهل عده- قالوا انکسر سیف سلمه بن أسلم بن حریش یوم بدر- فبقی أعزل لا سلاح معه- فأعطاه رسول الله ص قضیبا- کان فی یده من عراجین ابن طاب- فقال اضرب به فإذا هو سیف جید- فلم یزل عنده حتى قتل یوم جسر أبی عبید- . قال الواقدی و أصاب حارثه بن سراقه- و هو یکرع فی الحوض سهم غرب من المشرکین- فوقع فی نحره فمات- فلقد شرب القوم آخر النهار من دمه- و بلغ أمه و أخته و هما بالمدینه مقتله- فقالت أمه و الله لا أبکی علیه- حتى یقدم رسول الله ص فأسأله- فإن کان فی الجنه لم أبک علیه- و إن کان فی النار بکیته لعمر الله فأعولته- فلما قدم رسول الله ص من بدر جاءت أمه إلیه- فقالت یا رسول الله قد عرفت موضع حارثه فی قلبی- فأردت أن أبکی علیه- ثم قلت لا أفعل حتى أسأل رسول الله ص عنه- فإن کان فی الجنه لم أبکه- و إن کان فی النار بکیته فأعولته- فقال النبی ص هبلت- أ جنه واحده إنها جنان کثیره- و الذی نفسی بیده إنه لفی الفردوس الأعلى- قالت فلا أبکی علیه أبدا- .

قال الواقدی- و دعا رسول الله ص حینئذ بماء فی إناء- فغمس یده فیه و مضمض فاه- ثم ناول أم حارثه بن سراقه- فشربت ثم ناولت ابنتها فشربت-ثم أمرهما فنضحتا فی جیوبهما- ثم رجعتا من عند النبی ص- و ما بالمدینه امرأتان أقر عینا منهما و لا أسر- . قال الواقدی- و کان حکیم بن حزام یقول- انهزمنا یوم بدر فجعلت أسعى و أقول- قاتل الله ابن الحنظلیه یزعم أن النهار قد ذهب- و الله إن النهار لکما هو- قال حکیم و ما ذا بی إلا حبا- أن یأتی اللیل فیقصر عنا طلب القوم- فیدرک حکیم عبید الله و عبد الرحمن بنی العوام- على جمل لهما- فقال عبد الرحمن لأخیه- انزل فاحمل أبا خالد- و کان عبید الله رجلا أعرج لا رجله به- فقال عبید الله إنه لا رجله بی کما ترى- و قال عبد الرحمن و الله أن منه لا بد- ألا نحمل رجلا إن متنا کفانا ما خلفنا من عیالنا- و إن عشنا حملنا کلنا- فنزل عبد الرحمن و أخوه الأعرج- فحملاه فکانوا یتعاقبون الجمل- فلما دنا من مکه و کان بمر الظهران- قال و الله لقد رأیت هاهنا أمرا- ما کان یخرج على مثله أحد له رأی- و لکنه شؤم ابن الحنظلیه- إن جزورا نحرت هاهنا- فلم یبق خباء إلا أصابه من دمها- فقالا قد رأینا ذلک- و لکن رأیناک و قومک قد مضیتم- فمضینا معکم و لم یکن لنا معکم أمر- .

قال الواقدی- فحدثنی عبد الرحمن بن الحارث عن مخلد بن خفاف- عن أبیه قال کانت الدروع فی قریش کثیره یومئذ- فلما انهزموا جعلوا یلقونها- و جعل المسلمون یتبعونهم و یلقطون ما طرحوا- و لقد رأیتنی یومئذ- التقطت ثلاث أدرع جئت بها أهلی- فکانت عندنا بعد- فزعم لی رجل من قریش- و رأى درعا منها عندنا فعرفها- قال هذه درع الحارث بن هشام- .

قال الواقدی- و حدثنی محمد بن حمید- عن عبد الله بن عمرو بن أمیه- قال أخبرنی من انکشف من قریش یومئذ منهزما- و إنه لیقول فی نفسه- ما رأیت مثل هذا فر منه إلا النساء- .

قال الواقدی- کان قباث بن أشیم الکنانی یقول- شهدت مع المشرکین بدرا- و إنی لأنظر إلى قله أصحاب محمد فی عینی- و کثره من معنا من الخیل و الرجل- فانهزمت فیمن انهزم- فلقد رأیتنی و إنی لأنظر إلى المشرکین- فی کل وجه- و إنی لأقول فی نفسی- ما رأیت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء- و صاحبنی رجل- فبینا هو یسیر معی إذ لحقنا من خلفنا- فقلت لصاحبی أ بک نهوض- قال لا و الله ما بی- قال و عقر و ترفعت فلقد صبحت غیقه- قال و غیقه عن یسار السقیا- بینها و بین الفرع لیله- و بین الفرع و المدینه ثمانیه برد قبل الشمس- کنت هادیا بالطریق- و لم أسلک المحاج- و خفت من الطلب فتنکبت عنها- فلقینی رجل من قومی بغیقه- فقال ما وراءک قلت لا شی‏ء- قتلنا و أسرنا و انهزمنا- فهل عندک من حملان- قال فحملنی على بعیر و زودنی زادا- حتى لقیت الطریق بالجحفه- ثم مضیت حتى دخلت مکه- و إنی لأنظر إلى الحیسمان بن حابس الخزاعی بالغمیم- فعرفت أنه تقدم ینعى قریشا بمکه- فلو أردت أن أسبقه لسبقته- فتنکبت عنه حتى سبقنی ببعض النهار- فقدمت و قد انتهى إلى مکه خبر قتلاهم- و هم یلعنون الخزاعی و یقولون- ما جاءنا بخیر فمکثت بمکه- فلما کان بعد الخندق قلت- لو قدمت المدینه فنظرت ما یقول محمد- و قد وقع فی قلبی الإسلام فقدمت المدینه- فسألت عن رسول الله ص- فقالوا هو ذاک فی ظل المسجد- مع ملأ من أصحابه- فأتیته و أنا لا أعرفه من بینهم- فسلمت فقال یا قباث بن أشیم- أنت القائل یوم بدر- ما رأیت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء- قلت أشهد أنک رسول الله- و أن هذا الأمر ما خرج منی إلى أحد قط- و ما ترمرمت به- إلا شیئا حدثت به نفسی- فلو لا أنک نبی ما أطلعک الله علیه- هلم حتى أبایعک فأسلمت‏ قال الواقدی- و قد روی أنه لما توجه المشرکون إلى بدر- کان فتیان ممن تخلف عنهم بمکه سمارا- یسمرون بذی طوى فی القمر حتى یذهب اللیل- یتناشدون الأشعار و یتحدثون- فبینا هم کذلک إذ سمعوا صوتا قریبا منهم- و لا یرون القائل رافعا صوته یتغنى-

أزاد الحنیفیون بدرا مصیبه
سینقض منها رکن کسرى و قیصرا

أرنت لها صم الجبال و أفزعت‏
قبائل ما بین الوتیر فخیبرا

أجازت جبال الأخشبین و جردت
حرائر یضربن الترائب حسرا

 قال الواقدی أنشدنیه- و رواه لی عبد الله بن أبی عبیده- عن محمد بن عمار بن یاسر- قال فاستمعوا الصوت- فلا یرون أحدا فخرجوا فی طلبه- فلم یروا أحدا فخرجوا فزعین- حتى جازوا الحجر- فوجدوا مشیخه منهم جله سمارا- فأخبروهم الخبر فقالوا لهم- إن کان ما تقولون- فإن محمدا و أصحابه یسمون الحنیفیه- قال فلم یبق أحد من الفتیان- الذین کانوا بذی طوى إلا وعک- فما مکثوا إلا لیلتین أو ثلاثا- حتى قدم الحیسمان الخزاعی بخبر أهل بدر- و من قتل منهم فجعل یخبرهم- فیقول قتل عتبه و شیبه ابنا ربیعه- و قتل ابنا الحجاج و أبو البختری- و زمعه بن الأسود قال- و صفوان بن أمیه فی الحجر جالس یقول- لا یعقل هذا شیئا مما یتکلم به- سلوه عنی فقالوا صفوان بن أمیه لک به علم- قال نعم هو ذاک فی الحجر- و لقد رأیت أباه و أخاه مقتولین- و رأیت سهیل بن عمرو- و النضر بن الحارث أسیرین- رأیتهما مقرونین فی الحبال- .

قال الواقدی- و بلغ النجاشی مقتل قریش- و ما ظفر الله به رسوله- فخرج فی ثوبین أبیضین- ثم جلس على الأرض- و دعا جعفر بن أبی طالب و أصحابه- فقال أیکم یعرف بدرا فأخبروه- فقال أنا عارف بها قد رعیت الغنم فی جوانبها- هی من الساحل على بعض نهار- و لکنی أردت أن أتثبت منکم- قد نصر الله رسوله ببدر فاحمدوا الله على ذلک- فقال بطارقته أصلح الله الملک- إن هذا شی‏ء لم تکن تصنعه- یریدون لبس البیاض و الجلوس على الأرض- فقال إن عیسى ابن مریم کان إذا حدثت له نعمه- ازداد بها تواضعا- .

قال الواقدی فلما رجعت قریش إلى مکه- قام فیهم أبو سفیان بن حرب- فقال یا معشر قریش لا تبکوا على قتلاکم- و لا تنح علیهم نائحه- و لا یندبهم شاعر و أظهروا الجلد و العزاء- فإنکم إذا نحتم علیهم و بکیتموهم بالشعر- أذهب ذلک غیظکم فأکلکم ذلک- عن عداوه محمد و أصحابه- مع أن محمدا إن بلغه و أصحابه ذلک شمتوا بکم- فتکون أعظم المصیبتین- و لعلکم تدرکون ثأرکم- فالدهن و النساء علی حرام حتى أغزو محمدا- فمکثت قریش شهرا لا یبکیهم شاعر- و لا تنوح علیهم نائحه- .

قال الواقدی- و کان الأسود بن المطلب قد ذهب بصره- و قد کمد على من قتل من ولده- و کان یحب أن یبکی علیهم فتأبى علیه قریش ذلک- فکان یقول لغلامه بین الیومین- ویلک احمل معی خمرا- و اسلک بی الفج الذی سلکه أبو حکیمه- یعنی زمعه ولده المقتول ببدر- فیأتی به غلامه على الطریق عند ذلک الفج فیجلس- فیسقیه الخمرحتى ینتشی- ثم یبکی على أبی حکیمه و إخوته- ثم یحثی التراب على رأسه- و یقول لغلامه ویحک اکتم علی- فإنی أکره أن تعلم بی قریش- إنی أراها لم تجمع البکاء على قتلاها- .

قال الواقدی- حدثنی مصعب بن ثابت عن عیسى بن معمر- عن عباد بن عبد الله بن الزبیر عن عائشه قالت- قالت قریش حین رجعوا إلى مکه- لا تبکوا على قتلاکم- فیبلغ محمدا و أصحابه فیشمتوا بکم- و لا تبعثوا فی أسراکم فیأرب بکم القوم- ألا فأمسکوا عن البکاء- . قال و کان الأسود بن المطلب أصیب له ثلاثه من ولده- زمعه و عقیل و الحارث بن زمعه- فکان یحب أن یبکی على قتلاه- فبینا هو کذلک إذ سمع نائحه من اللیل- فقال لغلامه و قد ذهب بصره- انظر هل بکت قریش على قتلاها- لعلی أبکی على أبی حکیمه یعنی زمعه- فإن جوفی قد احترق- فذهب الغلام و رجع إلیه- فقال إنما هی امرأه تبکی على بعیرها قد أضلته- فقال الأسود-

تبکی أن یضل لها بعیر
و یمنعها من النوم السهود

فلا تبکی على بکر و لکن‏
على بکر تصاغرت الخدود

فبکى إن بکیت على عقیل
و بکى حارثا أسد الأسود

و بکیهم و لا تسمی جمیعا
فما لأبی حکیمه من ندید

على بدر سراه بنی هصیص
و مخزوم و رهط أبی الولید

ألا قد ساد بعدهم رجال‏
و لو لا یوم بدر لم یسودوا

قال الواقدی- و مشت نساء من قریش إلى هند بنت عتبه- فقلن أ لا تبکین على أبیک و أخیک و عمک و أهل بیتک- فقالت حلأنی أن أبکیهم- فیبلغ محمدا و أصحابه فیشمتوا بنا و نساء بنی الخزرج- لا و الله حتى أثأر محمدا و أصحابه- و الدهن علی حرام إن دخل رأسی حتى نغزو محمدا- و الله لو أعلم أن الحزن یذهب عن قلبی لبکیت- و لکن لا یذهبه إلا أن أرى ثأری بعینی من قتله الأحبه- فمکثت على حالها لا تقرب الدهن- و لا قربت فراش أبی سفیان من یوم حلفت- حتى کانت وقعه أحد- .

قال الواقدی- و بلغ نوفل بن معاویه الدیلی و هو فی أهله- و قد کان شهد معهم بدرا- أن قریشا بکت على قتلاها- فقدم مکه فقال یا معشر قریش- لقد خفت أحلامکم و سفه رأیکم- و أطعتم نساءکم أ مثل قتلاکم یبکى علیهم- هم أجل من البکاء- مع أن ذلک یذهب غیظکم عن عداوه محمد و أصحابه- فلا ینبغی أن یذهب الغیظ عنکم- إلا أن تدرکوا ثأرکم من عدوکم- فسمع أبو سفیان بن حرب کلامه- فقال یا أبا معاویه غلبت- و الله ما ناحت امرأه من بنی عبد شمس- على قتیل لها إلى الیوم- و لا بکاهم شاعر إلا نهیته- حتى ندرک ثأرنا من محمد و أصحابه- و إنی لأنا الموتور الثائر- قتل ابنی حنظله و ساده أهل هذا الوادی- أصبح هذا الوادی مقشعرا لفقدهم- .

قال الواقدی- و حدثنی معاذ بن محمد الأنصاری- عن عاصم بن عمر بن قتاده قال- لما رجع المشرکون إلى مکه- و قد قتل صنادیدهم و أشرافهم- أقبل عمیر بن وهب بن عمیر الجمحی- حتى جلس إلى صفوان بن أمیه فی الحجر- فقال صفوان بن أمیه قبح العیش بعد قتلى بدر- قال عمیر بن وهب أجل و الله- ما فی العیش بعدهم خیر- و لو لا دین علی لا أجد له قضاء- و عیال لا أدع لهم شیئا- لرحلت إلى محمد حتى أقتله إن ملأت عینی منه- فإنه بلغنی أنه یطوف فی الأسواق- فإن لی عندهم عله- أقول قدمت على ابنی هذا الأسیر- ففرح صفوان بقوله و قال یا أبا أمیه- و هل نراک فاعلا قال إی و رب هذه البنیه- قال صفوان فعلی دینک و عیالک أسوه عیالی- فأنت تعلم أنه لیس بمکه- رجل أشد توسعا على عیاله منی-

قال عمیر قد عرفت ذلک یا أبا وهب- قال صفوان فإن عیالک مع عیالی- لا یسعنی شی‏ء و نعجز عنهم و دینک علی- فحمله صفوان على بعیره و جهزه- و أجرى على عیاله مثل ما یجری على عیال نفسه- و أمر عمیر بسیفه فشحذ و سم- ثم خرج إلى المدینه- و قال لصفوان اکتم علی أیاما حتى أقدمها- و خرج فلم یذکره صفوان- و قدم عمیر فنزل على باب المسجد- و عقل راحلته و أخذ السیف فتقلده- ثم عمد نحو رسول الله ص- و عمر بن الخطاب فی نفر من المسلمین یتحدثون- و یذکرون نعمه الله علیهم فی بدر- فرأى عمیرا و علیه السیف ففزع عمر منه- و قال لأصحابه دونکم الکلب- هذا عمیر بن وهب عدو الله- الذی حرش بیننا یوم بدر- و حزرنا للقوم و صعد فینا و صوب- یخبر قریشا أنه لا عدد لنا و لا کمین- فقاموا إلیه فأخذوه- فانطلق عمر إلى رسول الله ص- فقال یا رسول الله هذا عمیر بن وهب- قد دخل المسجد و معه السلاح- و هو الغادر الخبیث الذی لا یؤمن على شی‏ء فقال النبی ص أدخله علی فخرج عمر فأخذ بحمائل سیفه فقبض بیده علیها و أخذ بیده الأخرى قائم السیف- ثم أدخله على رسول الله ص- فلما رآه قال یا عمر تأخر عنه- فلما دنا عمیر إلى النبی ص قال أنعم صباحا- فقال له النبی ص- قد أکرمنا الله عن تحیتک- و جعل تحیتنا السلام و هی تحیه أهل الجنه-

قال عمیر إن عهدک بها لحدیث- فقال النبی ص قد أبدلنا الله خیرا- فما أقدمک یا عمیر- قال قدمت فی أسیری عندکم- تفادونه و تقاربوننا فیه- فإنکم العشیره و الأصل- قال النبی ص فما بال السیف- قال عمیر قبحها الله من سیوف- و هل أغنت من شی‏ء- إنما نسیته حین نزلت و هو فی رقبتی- و لعمری إن لی لهما غیره فقال رسول الله ص- اصدق یا عمیر ما الذی أقدمک- قال ما قدمت إلا فی أسیری- قال ص فما شرطت لصفوان بن أمیه فی الحجر- ففزع عمیر و قال ما ذا شرطت له- قال تحملت بقتلی- على أن یقضی دینک و یعول عیالک- و الله حائل بینک و بین ذلک- قال عمیر أشهد أنک صادق- و أشهد أن لا إله إلا الله- کنا یا رسول الله نکذبک بالوحی- و بما یأتیک من السماء- و إن هذا الحدیث کان بینی و بین صفوان کما قلت- لم یطلع علیه غیره و غیری- و قد أمرته أن یکتمه لیالی- فأطلعک الله علیه فآمنت بالله و رسوله- و شهدت أن ما جئت به حق- الحمد لله الذی ساقنی هذا المساق- و فرح المسلمون حین هداه الله- و قال عمر بن الخطاب- لخنزیر کان أحب إلی منه حین طلع- و هو الساعه أحب إلی من بعض ولدی-

و قال النبی ص- علموا أخاکم القرآن و أطلقوا له أسیره- فقال عمیر یا رسول الله- إنی کنت جاهدا على إطفاء نور الله- فله الحمد أن هدانی- فأذن لی فألحق قریشا- فأدعوهم إلى الله و إلى الإسلام- فلعل الله یهدیهم و یستنقذهم من الهلکه- فأذن له فخرج فلحق بمکه- و کان صفوان یسأل عن عمیر بن وهب- کل راکب یقدم من المدینه- یقول هل حدث بالمدینه من حدث- و یقول لقریش أبشروا بوقعه تنسیکم وقعه بدر- فقدم رجل من المدینه فسأله صفوان عن عمیر- فقال أسلم فلعنه صفوان و لعنه المشرکون بمکه- و قالوا صبأ عمیر و حلف صفوان ألا یکلمه أبدا- و لا ینفعه و طرح عیاله- و قدم عمیر فنزل فی أهله- و لم یأت صفوان و أظهر الإسلام- فبلغ صفوان فقال- قد عرفت حین لم یبدأ بی قبل منزله- و قد کان رجل أخبرنی أنه ارتکس- لا أکلمه من رأسی أبدا- و لا أنفعه و لا عیاله بنافعه أبدا- فوقع علیه عمیر و هو فی الحجر- فقال یا أبا وهب فأعرض صفوان عنه- فقال عمیر أنت سید من ساداتنا- أ رأیت الذی کنا علیه- من عباده حجر و الذبح له أ هذا دین- أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله- فلم یجبه صفوان بکلمه و أسلم مع عمیر بشر کثیر- .

قال الواقدی- و کان فتیه من قریش خمسه قد أسلموا- فاحتبسهم آباؤهم- فخرجوا مع أهلهم و قومهم إلى بدر- و هم على الشک و الارتیاب لم یخلصوا إسلامهم- و هم قیس بن الولید بن المغیره- و أبو قیس بن الفاکه بن المغیره- و الحارث بن زمعه بن الأسود- و علی بن أمیه بن خلف- و العاص بن منبه بن الحجاج- فلما قدموا بدرا و رأوا قله أصحاب النبی ص- قالوا غر هؤلاء دینهم ففیهم أنزل- إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ- غَرَّ هؤُلاءِ دِینُهُمْ ثم أنزل فیهم- إِنَّ الَّذِینَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَهُ ظالِمِی أَنْفُسِهِمْ- قالُوا فِیمَ کُنْتُمْ قالُوا کُنَّا مُسْتَضْعَفِینَ فِی الْأَرْضِ- قالُوا أَ لَمْ تَکُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَهً فَتُهاجِرُوا فِیها- إلى تمام ثلاث آیات- .

قال فکتب بها المهاجرون بالمدینه- إلى من أقام بمکه مسلما- فقال جندب بن ضمره الخزاعی- لا عذر لی و لا حجه فی مقامی بمکه- و کان مریضا فقال لأهله أخرجونی- لعلی أجد روحا قالوا أی وجه أحب إلیک- قال نعم التنعیم فخرجوا به إلى التنعیم- و بین التنعیم و مکه أربعه أمیال من طریق المدینه- فقال اللهم إنی خرجت إلیک مهاجرا فأنزل الله تعالى- وَ مَنْ یَخْرُجْ مِنْ بَیْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ الآیه- فلما رأى ذلک من کان بمکه ممن یطیق الخروج- خرجوا فطلبهم أبو سفیان فی رجال من المشرکین-فردوهم و سجنوهم فافتتن منهم ناس- و کان الذین افتتنوا إنما افتتنوا حین أصابهم البلاء- فأنزل الله تعالى فیهم- وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ- فَإِذا أُوذِیَ فِی اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَهَ النَّاسِ کَعَذابِ اللَّهِ- الآیه و ما بعدها- فکتب بها المهاجرون بالمدینه إلى من کان بمکه مسلما- فلما جاءهم الکتاب بما أنزل فیهم- قالوا اللهم إن لک علینا إن أفلتنا- ألا نعدل بک أحدا- فخرجوا الثانیه فطلبهم أبو سفیان و المشرکون- فأعجزوهم هربا فی الجبال- حتى قدموا المدینه- و اشتد البلاء على من ردوا من المسلمین- فضربوهم و آذوهم و أکرهوهم على ترک الإسلام- و رجع ابن أبی سرح مشرکا- فقال لقریش ما کان یعلم محمدا- إلا ابن قمطه عبد نصرانی- لقد کنت أکتب له فأحول ما أردت- فأنزل الله تعالى- وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ یَقُولُونَ إِنَّما یُعَلِّمُهُ بَشَرٌ الآیه 

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۴

بازدیدها: ۲۵۸

نامه ۸ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

۸ و من کتاب له ع إلى جریر بن عبد الله البجلی- لما أرسله إلى معاویه

أَمَّا بَعْدُ فَإِذَا أَتَاکَ کِتَابِی فَاحْمِلْ مُعَاوِیَهَ عَلَى الْفَصْلِ- وَ خُذْهُ بِالْأَمْرِ الْجَزْمِ- ثُمَّ خَیِّرْهُ بَیْنَ حَرْبٍ مُجْلِیَهٍ أَوْ سِلْمٍ مُخْزِیَهٍ- فَإِنِ اخْتَارَ الْحَرْبَ فَانْبِذْ إِلَیْهِ- وَ إِنِ اخْتَارَ السِّلْمَ فَخُذْ بَیْعَتَهُ وَ السَّلَامُ قد تقدم ذکر نسب جریر بن عبد الله البجلی- . و قوله ع فاحمل معاویه على الفصل- أی لا تترکه متلکئا مترددا- یطمعک تاره و یؤیسک أخرى- بل احمله على أمر فیصل- إما البیعه أو أن یأذن بالحرب- .

و کذلک قوله و خذه بالأمر الجزم- أی الأمر المقطوع به- لا تکن ممن یقدم رجلا و یؤخر أخرى- و أصل الجزم القطع- . و حرب مجلیه- تجلی المقهورین فیها عن دیارهم أی تخرجهم- . و سلم مخزیه أی فاضحه- و إنما جعلها مخزیه لأن معاویه امتنع أولا من البیعه- فإذا دخل فی السلم فإنما یدخل فیها بالبیعه- و إذا بایع بعد الامتناع فقد دخل تحت الهضم- و رضی بالضیم و ذلک هو الخزی- .

قوله فانبذ إلیه من قوله تعالى- فَانْبِذْ إِلَیْهِمْ عَلى‏ سَواءٍ و أصله العهد و الهدنه- و عقد الحلف یکون بین الرجلین أو بین القبیلتین- ثم یبدو لهما فی ذلک- فینتقلان إلى الحرب فینبذ أحدهما إلى الآخر عهده- کأنه کتاب مکتوب بینهما- قد نبذه أحدهما یوم الحرب و أبطله- فاستعیر ذلک للمجاهره بالعداوه و المکاشفه- و نسخ شریعه السلام السابقه بالحرب المعاقبه لها

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۴

بازدیدها: ۱۸

نامه ۷ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

۷ و من کتاب منه ع إلیه أیضا

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَتْنِی مِنْکَ مَوْعِظَهٌ مُوَصَّلَهٌ وَ رِسَالَهٌ مُحَبَّرَهٌ- نَمَّقْتَهَا بِضَلَالِکَ وَ أَمْضَیْتَهَا بِسُوءِ رَأْیِکَ- وَ کِتَابُ امْرِئٍ لَیْسَ لَهُ بَصَرٌ یَهْدِیهِ- وَ لَا قَائِدٌ یُرْشِدُهُ قَدْ دَعَاهُ الْهَوَى فَأَجَابَهُ- وَ قَادَهُ الضَّلَالُ فَاتَّبَعَهُ- فَهَجَرَ لَاغِطاً وَ ضَلَّ خَابِطاً

موعظه موصله- أی مجموعه الألفاظ من هاهنا و هاهنا- و ذلک عیب فی الکتابه و الخطابه- و إنما الکاتب من یرتجل فیقول قولا فصلا- أو یروی فیأتی بالبدیع المستحسن- و هو فی الحالین کلیهما ینفق من کیسه- و لا یستعیر کلام غیره- . و الرساله المحبره المزینه الألفاظ- کأنه ع یشیر إلى أنه قد کان یظهر علیها- أثر التکلف و التصنع- . و التنمیق التزیین أیضا- . و هجر الرجل أی هذى- و منه قوله تعالى فی أحد التفسیرین- إِنَّ قَوْمِی اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً- . و اللاغط ذو اللغط و هو الصوت و الجلبه- .

و خبط البعیر فهو خابط- إذا مشى ضالا فحبط بیدیه کل ما یلقاه- و لا یتوقى شیئا- . و هذا الکتاب کتبه علی ع- جوابا عن کتاب کتبه معاویه إلیه فی أثناء حرب صفین- بل فی أواخرها و کان کتاب معاویه- من عبد الله معاویه بن أبی سفیان- إلى علی بن أبی طالب أما بعد- فإن الله تعالى یقول فی محکم کتابه- وَ لَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْکَ وَ إِلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ- لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ- وَ لَتَکُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِینَ- و إنی أحذرک الله أن تحبط عملک و سابقتک- بشق عصا هذه الأمه و تفریق جماعتها- فاتق الله و اذکر موقف القیامه- و أقلع عما أسرفت فیه من الخوض فی دماء المسلمین- و إنی سمعت رسول الله ص یقول لو تمالأ أهل صنعاء و عدن على قتل رجل واحد من المسلمین- لأکبهم الله على مناخرهم فی النار – فکیف یکون حال من قتل أعلام المسلمین- و سادات المهاجرین- بله ما طحنت رحى حربه من أهل القرآن- و ذی العباده و الإیمان- من شیخ کبیر و شاب غریر- کلهم بالله تعالى مؤمن و له مخلص- و برسوله مقر عارف- فإن کنت أبا حسن إنما تحارب على الإمره و الخلافه- فلعمری لو صحت خلافتک لکنت قریبا- من أن تعذر فی حرب المسلمین- و لکنها ما صحت لک- أنى بصحتها و أهل الشام لم یدخلوا فیها- و لم یرتضوا بها- و خف الله و سطواته و اتق بأسه و نکاله- و أغمد سیفک عن الناس- فقد و الله أکلتهم الحرب- فلم یبق منهم إلا کالثمد فی قراره الغدیر- و الله المستعان- .

فکتب علی ع إلیه جوابا عن کتابه‏

من عبد الله علی أمیر المؤمنین- إلى معاویه بن أبی سفیان- أما بعد فقد أتتنی منک موعظه موصله- و رساله محبره- نمقتها بضلالک و أمضیتها بسوء رأیک- و کتاب امرئ لیس له بصر یهدیه و لا قائد یرشده- دعاه الهوى فأجابه و قاده الضلال فاتبعه- فهجر لاغطا و ضل خابطا- فأما أمرک لی بالتقوى فأرجو أن أکون من أهلها- و أستعیذ بالله من أن أکون- من الذین إذا أمروا بها أخذتهم العزه بالإثم- و أما تحذیرک إیای أن یحبط عملی و سابقتی فی الإسلام- فلعمری لو کنت الباغی علیک- لکان لک أن تحذرنی ذلک- و لکنی وجدت الله تعالى یقول- فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّى تَفِی‏ءَ إِلى‏ أَمْرِ اللَّهِ- فنظرنا إلى الفئتین- أما الفئه الباغیه فوجدناها الفئه التی أنت فیها- لأن بیعتی بالمدینه لزمتک و أنت بالشام- کما لزمتک بیعه عثمان بالمدینه- و أنت أمیر لعمر على الشام- و کما لزمت یزید أخاک- بیعه عمر و هو أمیر لأبی بکر على الشام- و أما شق عصا هذه الأمه فأنا أحق أن أنهاک عنه- فأما تخویفک لی من قتل أهل البغی- فإن رسول الله ص أمرنی بقتالهم و قتلهم- و قال لأصحابه- إن فیکم من یقاتل على تأویل القرآن- کما قاتلت على تنزیله- و أشار إلی و أنا أولى من اتبع أمره- و أما قولک- إن بیعتی لم تصح لأن أهل الشام لم یدخلوا فیها- کیف و إنما هی بیعه واحده تلزم الحاضر و الغائب- لا یثنى فیها النظر و لا یستأنف فیها الخیار- الخارج منها طاعن و المروی فیها مداهن- فاربع على ظلعک و انزع سربال غیک- و اترک ما لا جدوى له علیک- فلیس لک عندی إلا السیف- حتى تفی‏ء إلى أمر الله صاغرا- و تدخل فی البیعه راغما و السلام

وَ مِنْ هَذَا الْکِتَابِ لِأَنَّهَا بَیْعَهٌ وَاحِدَهٌ لَا یُثَنَّى فِیهَا النَّظَرُ- وَ لَا یُسْتَأْنَفُ فِیهَا الْخِیَارُ- الْخَارِجُ مِنْهَا طَاعِنٌ وَ الْمُرَوِّی فِیهَا مُدَاهِنٌ لا یثنى فیها النظر أی لا یعاود و لا یراجع ثانیه- و لا یستأنف فیها الخیار- لیس بعد عقدها خیار لمن عقدها و لا لغیرهم- لأنها تلزم غیر العاقدین کما تلزم العاقدین- فیسقط الخیار فیها- الخارج منها طاعن على الأمه- لأنهم أجمعوا على أن الاختیار طریق الإمامه- . و المروی فیها مداهن- أی الذی یرتئی و یبطئ عن الطاعه و یفکر- و أصله من الرویه و المداهن المنافق

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۴

بازدیدها: ۳۴

نامه ۶ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

۶ و من کتاب له ع إلى معاویه

إِنَّهُ بَایَعَنِی الْقَوْمُ الَّذِینَ بَایَعُوا أَبَا بَکْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ- عَلَى مَا بَایَعُوهُمْ عَلَیْهِ- فَلَمْ یَکُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ یَخْتَارَ- وَ لَا لِلْغَائِبِ أَنْ یَرُدَّ- وَ إِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ- فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَ سَمَّوْهُ إِمَاماً کَانَ ذَلِکَ لِلَّهِ رِضًا- فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ- بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَهٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ- فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتَّبَاعِهِ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ- وَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى- وَ لَعَمْرِی یَا مُعَاوِیَهُ لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِکَ دُونَ هَوَاکَ- لَتَجِدَنِّی أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ- وَ لَتَعْلَمَنَّ أَنِّی کُنْتُ فِی عُزْلَهٍ عَنْهُ- إِلَّا أَنْ تَتَجَنَّى فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَکَ وَ السَّلَامُ

قد تقدم ذکر هذا الکلام- فی أثناء اقتصاص مراسله أمیر المؤمنین ع- معاویه بجریر بن عبد الله البجلی- و قد ذکره أرباب السیره کلهم- و أورده شیوخنا المتکلمون فی کتبهم- احتجاجا على صحه الاختیار و کونه طریقا إلى الإمامه- و أول الکتاب- أما بعد- فإن بیعتی بالمدینه لزمتک و أنت بالشام- لأنه بایعنی القوم الذین بایعوا إلى آخر الفصل- .

و المشهور المروی- فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبه- أی رغبه عن ذلک الإمام الذی وقع الاختیار له- . و المروی بعد قوله ولاه الله بعد ما تولى- و أصلاه جهنم و ساءت مصیرا- و إن طلحه و الزبیر بایعانی ثم نقضا بیعتی- فکان نقضهما کردتهما فجاهدتهما على ذلک- حتى جاء الحق و ظهر أمر الله و هم کارهون- فادخل فیما دخل فیه المسلمون- فإن أحب الأمور إلی فیک العافیه- إلا أن تتعرض للبلاء فإن تعرضت له قاتلتک- و استعنت بالله علیک- و قد أکثرت فی قتله عثمان- فادخل فیما دخل الناس فیه- ثم حاکم القوم إلی أحملک و إیاهم على کتاب الله- فأما تلک التی تریدها فخدعه الصبی عن اللبن- و لعمری یا معاویه إن نظرت بعقلک – إلى آخر الکلام- .

و بعده و اعلم أنک من الطلقاء- الذین لا تحل لهم الخلافه و لا تعترض بهم الشورى- و قد أرسلت إلیک جریر بن عبد الله البجلی- و هو من أهل الإیمان و الهجره فبایع و لا قوه إلا بالله- . و اعلم أن هذا الفصل دال بصریحه- على کون الاختیار طریقا إلى الإمامه- کما یذکره أصحابنا المتکلمون- لأنه احتج على معاویه ببیعه أهل الحل و العقد له- و لم یراع فی ذلک إجماع المسلمین کلهم- و قیاسه على بیعه أهل الحل و العقد لأبی بکر- فإنه ما روعی فیها إجماع المسلمین- لأن سعد بن عباده لم یبایع- و لا أحد من أهل بیته و ولده- و لأن علیا و بنی هاشم و من انضوى إلیهم- لم یبایعوا فی مبدإ الأمر و امتنعوا- و لم یتوقف المسلمون فی تصحیح إمامه أبی بکر- و تنفیذ أحکامه على بیعتهم- و هذا دلیل على صحه الاختیار- و کونه طریقا إلى الإمامه- و أنه لا یقدح فی إمامته ع- امتناع معاویه من البیعه و أهل الشام- فأما الإمامیه فتحمل هذا الکتاب منه ع على التقیه- و تقول إنه ما کان یمکنه‏ أن یصرح لمعاویه- فی مکتوبه بباطن الحال- و یقول له أنا منصوص علی من رسول الله ص- و معهود إلى المسلمین أن أکون خلیفه فیهم بلا فصل- فیکون فی ذلک طعن على الأئمه المتقدمین- و تفسد حاله مع الذین بایعوه من أهل المدینه- و هذا القول من الإمامیه دعوى- لو عضدها دلیل لوجب أن یقال بها و یصار إلیها- و لکن لا دلیل لهم على ما یذهبون إلیه- من الأصول التی تسوقهم إلى حمل هذا الکلام على التقیه- .

فأما قوله ع- و قد أکثرت فی قتله عثمان- فادخل فیما دخل فیه المسلمون- ثم حاکم القوم إلی أحملک و إیاهم على کتاب الله- فیجب أن یذکر فی شرحه ما یقول المتکلمون فی هذه الواقعه- قال أصحابنا المعتزله رحمهم الله- هذا الکلام حق و صواب- لأن أولیاء الدم یجب أن یبایعوا الإمام- و یدخلوا تحت طاعته- ثم یرفعوا خصومهم إلیه- فإن حکم بالحق استدیمت إمامته- و إن حاد عن الحق انقضت خلافته- و أولیاء عثمان الذین هم بنوه- لم یبایعوا علیا ع و لا دخلوا تحت طاعته ثم- و کذلک معاویه ابن عم عثمان لم یبایع و لا أطاع- فمطالبتهم له بأن یقتص لهم من قاتلی عثمان- قبل بیعتهم إیاه و طاعتهم له ظلم منهم و عدوان- .

فإن قلت هب أن القصاص من قتله عثمان- موقوف على ما ذکره ع- أ ما کان یجب علیه لا من طریق القصاص أن ینهى عن المنکر- و أنتم تذهبون إلى أن النهی عن المنکر واجب- على من هو سوقه فکیف على الإمام الأعظم- قلت هذا غیر وارد هاهنا- لأن النهی عن المنکر إنما یجب قبل وقوع المنکر- لکیلا یقع- فإذا وقع المنکر فأی نهی یکون عنه- و قد نهى علی ع أهل مصر و غیرهم- عن قتل عثمان قبل قتله مرارا- و نابذهم بیده و لسانه و بأولاده فلم یغن‏ شیئا- و تفاقم الأمر حتى قتل- و لا یجب بعد القتل إلا القصاص- فإذا امتنع أولیاء الدم من طاعه الإمام- لم یجب علیه أن یقتص من القاتلین- لأن القصاص حقهم- و قد سقط ببغیهم على الإمام و خروجهم عن طاعته- و قد قلنا نحن فیما تقدم- أن القصاص إنما یجب على من باشر القتل- و الذین باشروا قتل عثمان- قتلوا یوم قتل عثمان فی دار عثمان- و الذین کان معاویه یطالبهم بدم عثمان لم یباشروا القتل- و إنما کثروا السواد و حصروه عثمان فی الدار- و أجلبوا علیه و شتموه و توعدوه- و منهم من تسور علیه داره و لم ینزل إلیه- و منهم من نزل فحضر محضر قتله و لم یشرک فیه- و کل هؤلاء لا یجب علیهم القصاص فی الشرع

جریر بن عبد الله البجلی عند معاویه 

و قد ذکرنا فیما تقدم- شرح حال جریر بن عبد الله البجلی- فی إرسال علی ع إیاه إلى معاویه مستقصى- و ذکر الزبیر بن بکار فی الموفقیات- أن علیا ع لما بعث جریرا إلى معاویه- خرج و هو لا یرى أحدا قد سبقه إلیه- قال فقدمت على معاویه فوجدته یخطب الناس- و هم حوله یبکون حول قمیص عثمان- و هو معلق على رمح مخضوب بالدم- و علیه أصابع زوجته نائله بنت الفرافصه مقطوعه- فدفعت إلیه کتاب علی ع- و کان معی فی الطریق رجل یسیر بسیری- و یقیم بمقامی- فمثل بین یدیه فی تلک الحال و أنشده-

إن بنی عمک عبد المطلب
هم قتلوا شیخکم غیر کذب‏
و أنت أولى الناس بالوثب فثب‏

 و قد ذکرنا تمام هذه الأبیات فیما تقدم- .

قال ثم دفع إلیه کتابا- من الولید بن عقبه بن أبی معیط- و هو أخو عثمان لأمه- کتبه مع هذا الرجل من الکوفه سرا أوله- معاوی إن الملک قد جب غاربه‏- . الأبیات التی ذکرنا فیما تقدم- . قال فقال لی معاویه- أقم فإن الناس قد نفروا عند قتل عثمان حتى یسکنوا- فأقمت أربعه أشهر- ثم جاءه کتاب آخر من الولید بن عقبه أوله-

ألا أبلغ معاویه بن حرب
فإنک من أخی ثقه ملیم‏

قطعت الدهر کالسدم المعنى‏
تهدر فی دمشق و لا تریم‏

و إنک و الکتاب إلى علی
کدابغه و قد حلم الأدیم‏

فلو کنت القتیل و کان حیا
لشمر لا ألف و لا سئوم‏

قال فلما جاءه هذا الکتاب- وصل بین طومارین أبیضین- ثم طواهما و کتب عنوانهما-من معاویه بن أبی سفیان إلى علی بن أبی طالب- و دفعهما إلی لا أعلم ما فیهما- و لا أظنهما إلا جوابا- و بعث معی رجلا من بنی عبس لا أدری ما معه- فخرجنا حتى قدمنا إلى الکوفه- و اجتمع الناس فی المسجد لا یشکون أنها بیعه أهل الشام- فلما فتح علی ع الکتاب لم یجد شیئا- و قام العبسی فقال من هاهنا من أحیاء قیس- و أخص من قیس غطفان- و أخص من غطفان عبسا- إنی أحلف بالله لقد ترکت تحت قمیص عثمان- أکثر من خمسین ألف شیخ خاضبی لحاهم بدموع أعینهم- متعاقدین متحالفین لیقتلن قتلته فی البر و البحر- و إنی أحلف بالله لیقتحمنها علیکم ابن أبی سفیان- بأکثر من أربعین ألفا من خصیان الخیل- فما ظنکم بعد بما فیها من الفحول- ثم دفع إلى علی ع- کتابا من معاویه ففتحه فوجد فیه-
أتانی أمر فیه للنفس غمه و فیه اجتداع للأنوف أصیل‏

مصاب أمیر المؤمنین و هده‏
تکاد لها صم الجبال تزول‏

 و قد ذکرنا هذا الشعر فیما تقدم

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۴

 

بازدیدها: ۳۱

نامه ۵ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

۵ و من کتاب له ع إلى الأشعث بن قیس- و هو عامل أذربیجان

وَ إِنَّ عَمَلَکَ لَیْسَ لَکَ بِطُعْمَهٍ وَ لَکِنَّهُ فِی عُنُقِکَ أَمَانَهٌ- وَ أَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَکَ- لَیْسَ لَکَ أَنْ تَفْتَاتَ فِی رَعِیَّهٍ- وَ لَا تُخَاطِرَ إِلَّا بِوَثِیقَهٍ- وَ فِی یَدَیْکَ مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى- وَ أَنْتَ مِنْ خُزَّانِهِ حَتَّى تُسَلِّمَهُ إِلَیَّ- وَ لَعَلِّی أَلَّا أَکُونَ شَرَّ وُلَاتِکَ لَکَ وَ السَّلَامُ قد ذکرنا نسب أشعث بن قیس فیما تقدم- . و أذربیجان اسم أعجمی غیر مصروف- الألف مقصوره و الذال ساکنه- قال حبیب-

و أذربیجان احتیال بعد ما
کانت معرس عبره و نکال‏

 و قال الشماخ-

تذکرتها وهنا و قد حال دونها
قرى أذربیجان المسالح و الجال‏

و النسبه إلیه أذری بسکون الذال هکذا القیاس- و لکن المروی عن أبی بکر فی الکلام الذی قاله عند موته- و لتألمن النوم على الصوف الأذری بفتح الذال- . و الطعمه بضم الطاء المهمله المأکله- و یقال فلان خبیث الطعمه أی ردی‏ء الکسب- . و الطعمه بالکسر لهیئه التطعم- یقول إن عملک لم یسوغه الشرع- و الوالی من قبلی إیاه-و لا جعله لک أکلا- و لکنه أمانه فی یدک و عنقک للمسلمین- و فوقک سلطان أنت له رعیه- فلیس لک أن تفتات فی الرعیه الذین تحت یدک- یقال افتات فلان على فلان- إذا فعل بغیر إذنه ما سبیله أن یستأذنه فیه- و أصله من الفوت و هو السبق- کأنه سبقه إلى ذلک الأمر و قوله و لا تخاطر إلا بوثیقه- أی لا تقدم على أمر مخوف فیما یتعلق بالمال الذی تتولاه- إلا بعد أن تتوثق لنفسک- یقال أخذ فلان بالوثیقه فی أمره أی احتاط-

ثم قال له و لعلی لا أکون شر ولاتک- و هو کلام یطیب به نفسه و یسکن به جأشه- لأن فی أول الکلام إیحاشا له- إذ کانت ألفاظه تدل على أنه لم یره أمینا على المال- فاستدرک ذلک بالکلمه الأخیره- أی ربما تحمد خلافتی و ولایتی علیک- و تصادف منی إحسانا إلیک- أی عسى ألا یکون شکرک لعثمان و من قبله- أکثر من شکرک لی- و هذا من باب وعدک الخفی و تسمیه العرب الملث- .

و أول هذا الکتاب- من عبد الله علی أمیر المؤمنین إلى الأشعث بن قیس أما بعد فلو لا هنات و هنات کانت منک- کنت المقدم فی هذا الأمر قبل الناس- و لعل أمرا کان یحمل بعضه بعضا- إن اتقیت الله عز و جل- و قد کان من بیعه الناس إیای ما قد علمت- و کان من أمر طلحه و الزبیر ما قد بلغک- فخرجت إلیهما فأبلغت فی الدعاء- و أحسنت فی البقیه و إن عملک لیس لک بطعمه إلى آخر الکلام- و هذا الکتاب کتبه إلى الأشعث بن قیس بعد انقضاء الجمل

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۴

بازدیدها: ۱۳

نامه ۴ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

۴ و من کتاب له کتبه ع إلى بعض أمراء جیشه

فَإِنْ عَادُوا إِلَى ظِلِّ الطَّاعَهِ فَذَاکَ الَّذِی نُحِبُّ- وَ إِنْ تَوَافَتِ الْأُمُورُ بِالْقَوْمِ إِلَى الشِّقَاقِ وَ الْعِصْیَانِ- فَانْهَدْ بِمَنْ أَطَاعَکَ إِلَى مَنْ عَصَاکَ- وَ اسْتَغْنِ بِمَنِ انْقَادَ مَعَکَ عَمَّنْ تَقَاعَسَ عَنْکَ- فَإِنَّ الْمُتَکَارِهَ مَغِیبُهُ خَیْرٌ مِنْ مَشْهَدِهِ- وَ قُعُودُهُ أَغْنَى مِنْ نُهُوضِهِ انهد أی انهض و تقاعس أی أبطأ و تأخر- . و المتکاره- الذی یخرج إلى الجهاد من غیر نیه و بصیره- و إنما یخرج کارها مرتابا- و مثل قوله ع- فإن المتکاره مغیبه خیر من مشهده- و قعوده أغنى من نهوضه قوله تعالى- لَوْ خَرَجُوا فِیکُمْ ما زادُوکُمْ إِلَّا خَبالًا

 

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۴

بازدیدها: ۱۰

نامه ۳ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)( کتبه لشریح بن الحارث قاضیه)

۳ و من کتاب له ع کتبه لشریح بن الحارث قاضیه

رُوِیَ أَنَّ شُرَیْحَ بْنَ الْحَارِثِ قَاضِیَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع- اشْتَرَى عَلَى عَهْدِهِ دَاراً بِثَمَانِینَ دِینَاراً- فَبَلَغَهُ ذَلِکَ فَاسْتَدْعَى شُرَیْحاً- وَ قَالَ لَهُ بَلَغَنِی أَنَّکَ ابْتَعْتَ دَاراً بِثَمَانِینَ دِینَاراً- وَ کَتَبْتَ لَهَا کِتَاباً وَ أَشْهَدْتَ فِیهِ شُهُوداً- فَقَالَ لَهُ شُرَیْحٌ قَدْ کَانَ ذَلِکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ- قَالَ فَنَظَرَ إِلَیْهِ نَظَرَ الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ لَهُ- یَا شُرَیْحُ أَمَا إِنَّهُ سَیَأْتِیکَ مَنْ لَا یَنْظُرُ فِی کِتَابِکَ- وَ لَا یَسْأَلُکَ عَنْ بَیِّنَتِکَ- حَتَّى یُخْرِجَکَ مِنْهَا شَاخِصاً وَ یُسْلِمَکَ إِلَى قَبْرِکَ خَالِصاً- فَانْظُرْ یَا شُرَیْحُ لَا تَکُونُ ابْتَعْتَ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ غَیْرِ مَالِکَ- أَوْ نَقَدْتَ الثَّمَنَ مِنْ غَیْرِ حَلَالِکَ- فَإِذَا أَنْتَ قَدْ خَسِرْتَ دَارَ الدُّنْیَا وَ دَارَ الآْخِرَهِ- . أَمَا إِنَّکَ لَوْ کُنْتَ أَتَیْتَنِی عِنْدَ شِرَائِکَ مَا اشْتَرَیْتَ- لَکَتَبْتُ لَکَ کِتَاباً عَلَى هَذِهِ النُّسْخَهِ- فَلَمْ تَرْغَبْ فِی شِرَاءِ هَذِهِ الدَّارِ بِالدِّرْهَمِ فَمَا فَوْقُ- وَ النُّسْخَهُ هَذِهِ- هَذَا مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ذَلِیلٌ مِنْ مَیِّتٍ قَدْ أُزْعِجَ لِلرَّحِیلِ- اشْتَرَى مِنْهُ دَاراً مِنْ دَارِ الْغُرُورِ- مِنْ جَانِبِ الْفَانِینَ وَ خِطَّهِ الْهَالِکِینَ- وَ تَجْمَعُ هَذِهِ الدَّارَ حُدُودٌ أَرْبَعَهٌ- الْحَدُّ الْأَوَّلُ یَنْتَهِی إِلَى دَوَاعِی الآْفَاتِ- وَ الْحَدُّ الثَّانِی یَنْتَهِی إِلَى دَوَاعِی الْمُصِیبَاتِ- وَ الْحَدُّ الثَّالِثُ یَنْتَهِی إِلَى الْهَوَى الْمُرْدِی- وَ الْحَدُّ الرَّابِعُ یَنْتَهِی إِلَى الشَّیْطَانِ الْمُغْوِی- وَ فِیهِ یُشْرَعُ بَابُ هَذِهِ الدَّارِ- اشْتَرَى هَذَا الْمُغْتَرُّ بِالْأَمَلِ مِنْ هَذَا الْمُزْعَجِ بِالْأَجَلِ- هَذِهِ الدَّارَ بِالْخُرُوجِ مِنْ عِزِّ الْقَنَاعَهِ- وَ الدُّخُولِ فِی ذُلِّ الطَّلَبِ وَ الضَّرَاعَهِ- فَمَا أَدْرَکَ هَذَا الْمُشْتَرِی فِیمَا اشْتَرَى مِنْ دَرَکٍ- فَعَلَى مُبَلْبِلِ أَجْسَامِ الْمُلُوکِ وَ سَالِبِ نُفُوسِ الْجَبَابِرَهِ- وَ مُزِیلِ مُلْکِ الْفَرَاعِنَهِ- مِثْلِ کِسْرَى وَ قَیْصَرَ وَ تُبَّعٍ وَ حِمْیَرَ- وَ مَنْ جَمَعَ الْمَالَ عَلَى الْمَالِ فَأَکْثَرَ- وَ مَنْ بَنَى وَ شَیَّدَ وَ زَخْرَفَ وَ نَجَّدَ- وَ ادَّخَرَ وَ اعْتَقَدَ وَ نَظَرَ بِزَعْمِهِ لِلْوَلَدِ- إِشْخَاصُهُمْ جَمِیعاً إِلَى مَوْقِفِ الْعَرْضِ وَ الْحِسَابِ- وَ مَوْضِعِ الثَّوَابِ وَ الْعِقَابِ- إِذَا وَقَعَ الْأَمْرُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ وَ خَسِرَ هُنَالِکَ الْمُبْطِلُونَ- شَهِدَ عَلَى ذَلِکَ الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى- وَ سَلِمَ مِنْ عَلَائِقِ الدُّنْیَا  

نسب شریح و ذکر بعض أخباره

هو شریح بن الحارث بن المنتجع بن معاویه- بن جهم بن ثور بن عفیر بن عدی بن الحارث- بن مره بن أدد الکندی- و قیل إنه حلیف لکنده من بنی الرائش- . و قال ابن الکلبی لیس اسم أبیه الحارث- و إنما هو شریح بن معاویه بن ثور- . و قال قوم هو شریح بن هانئ- . و قال قوم هو شریح بن شراحیل- و الصحیح أنه شریح بن الحارث و یکنى أبا أمیه- استعمله عمر بن الخطاب على القضاء بالکوفه- فلم یزل قاضیا ستین سنه- لم یتعطل فیها إلا ثلاث سنین فی فتنه ابن الزبیر- امتنع فیها من القضاء- ثم استعفى الحجاج من‏ العمل فأعفاه- فلزم منزله إلى أن مات و عمر عمرا طویلا- قیل إنه عاش مائه سنه و ثمانیا و ستین- و قیل مائه سنه و توفی سنه سبع و ثمانین- .

و کان خفیف الروح مزاحا- فقدم إلیه رجلان فأقر أحدهما بما ادعى به خصمه- و هو لا یعلم فقضى علیه- فقال لشریح من شهد عندک بهذا- قال ابن أخت خالک- و قیل إنه جاءته امرأته تبکی و تتظلم على خصمها- فما رق لها حتى قال له إنسان کان بحضرته- أ لا تنظر أیها القاضی إلى بکائها- فقال إن إخوه یوسف جاءوا أباهم عشاء یبکون- .

و أقر علی ع شریحا على القضاء- مع مخالفته له فی مسائل کثیره من الفقه- مذکوره فی کتب الفقهاء- . و استأذنه شریح و غیره من قضاه عثمان- فی القضاء أول ما وقعت الفرقه- فقال اقضوا کما کنتم تقضون- حتى تکون للناس جماعه أو أموت کما مات أصحابی- . و سخط علی ع مره علیه- فطرده عن الکوفه و لم یعزله عن القضاء- و أمره بالمقام ببانقیا- و کانت قریه قریبه من الکوفه- أکثر ساکنها الیهود- فأقام بها مده حتى رضی عنه و أعاده إلى الکوفه- . و قال أبو عمر بن عبد البر فی کتاب الإستیعاب- أدرک شریح الجاهلیه و لا یعد من الصحابه- بل من التابعین و کان شاعرا محسنا- و کان سناطا لا شعر فی وجهه

قوله ع و خطه الهالکین بکسر الخاء- و هی الأرض التی یختطها الإنسان-أی یعلم علیها علامه بالخط لیعمرها- و منه خطط الکوفه و البصره- . و زخرف البناء- أی ذهب جدرانه بالزخرف و هو الذهب- . و نجد فرش المنزل بالوسائد- و النجاد الذی یعالج الفرش و الوسائد و یخیطهما- و التنجید التزیین بذلک- و یجوز أن یرید بقوله نجد رفع و علا- من النجد و هو المرتفع من الأرض- . و اعتقد جعل لنفسه عقده کالضیعه- أو الذخیره من المال الصامت- . و إشخاصهم مرفوع بالابتداء- و خبره الجار المجرور المقدم- و هو قوله فعلى مبلبل أجسام الملوک- و موضع الاستحسان من هذا الفصل- و إن کان کله حسنا أمران-

أحدهما أنه ع نظر إلیه نظر مغضب- إنکارا لابتیاعه دارا بثمانین دینارا- و هذا یدل على زهد شدید فی الدنیا- و استکثار للقلیل منها- و نسبه هذا المشتری إلى الإسراف- و خوف من أن یکون ابتاعها بمال حرام- . الثانی أنه أملى علیه کتابا زهدیا وعظیا- مماثلا لکتب الشروط التی تکتب فی ابتیاع الأملاک- فإنهم یکتبون هذا ما اشترى فلان من فلان- اشترى منه دارا من شارع کذا و خطه کذا- و یجمع هذه الدار حدود أربعه- فحد منها ینتهی إلى دار فلان- و حد آخر ینتهی إلى ملک فلان- و حد آخر ینتهی إلى ما کان یعرف بفلان- و هو الآن معروف بفلان و حد آخر ینتهی إلى کذا- و منه شروع باب هذه الدار- و طریقها اشترى هذا المشتری المذکور- من البائع المذکور جمیع الدار المذکوره- بثمن مبلغه کذا و کذا دینارا أو درهما- فما أدرک المشتری المذکور من درک- فمرجوع به على من یوجب الشرع الرجوع به علیه- ثم تکتب الشهود فی آخر الکتاب- شهد فلان ابن فلان بذلک- و شهد فلان ابن فلان به أیضا- و هذا یدل على أن الشروط المکتوبه الآن- قد کانت‏ فی زمن الصحابه تکتب مثلها أو نحوها- إلا أنا ما سمعنا عن أحد منهم- نقل صیغه الشرط الفقهی إلى معنى آخر- کما قد نظمه هو ع- و لا غرو فما زال سباقا إلى العجائب و الغرائب- . فإن قلت لم جعل الشیطان المغوی فی الحد الرابع- قلت لیقول و فیه یشرع باب هذه الدار- لأنه إذا کان الحد إلیه ینتهی- کان أسهل لدخوله إلیها و دخول أتباعه و أولیائه- من أهل الشیطنه و الضلال

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۴

بازدیدها: ۱۶

نامه ۲ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)(بعد فتح البصره)

۲ و من کتاب له ع إلیهم بعد فتح البصره

وَ جَزَاکُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ بَیْتِ نَبِیِّکُمْ- أَحْسَنَ مَا یَجْزِی الْعَامِلِینَ بِطَاعَتِهِ- وَ الشَّاکِرِینَ لِنِعْمَتِهِ- فَقَدْ سَمِعْتُمْ وَ أَطَعْتُمْ وَ دُعِیتُمْ فَأَجَبْتُمْ

موضع قوله من أهل مصر نصب على التمییز- و یجوز أن یکون حالا- . فإن قلت کیف یکون تمییزا- و تقدیره و جزاکم الله متمدنین أحسن ما یجزی المطیع- و التمییز لا یکون إلا جامدا و هذا مشتق-

قلت إنهم أجازوا کون التمییز مشتقا- فی نحو قولهم ما أنت جاره- و قولهم یا سیدا ما أنت من سید- . و ما یجوز أن تکون مصدریه- أی أحسن جزاء العاملین- و یجوز أن تکون بمعنى الذی- و یکون قد حذف العائد إلى الموصول- و تقدیره أحسن الذی یجزی به العاملین

شرح ‏نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی ‏الحدید) ج ۱۴

بازدیدها: ۱۶

نامه ۱ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)(عند مسیره من المدینه إلى البصره)

۱ من کتاب له ع إلى أهل الکوفه- عند مسیره من المدینه إلى البصره

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَى أَهْلِ الْکُوفَهِ- جَبْهَهِ الْأَنْصَارِ وَ سَنَامِ الْعَرَبِ- أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أُخْبِرُکُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ- حَتَّى یَکُونَ سَمْعُهُ کَعِیَانِهِ- إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَیْهِ- فَکُنْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِینَ أُکْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ- وَ أُقِلُّ عِتَابَهُ- وَ کَانَ طَلْحَهُ وَ الزُّبَیْرُ أَهْوَنُ سَیْرِهِمَا فِیهِ الْوَجِیفُ- وَ أَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِیفُ- وَ کَانَ مِنْ عَائِشَهَ فِیهِ فَلْتَهُ غَضَبٍ- فَأُتِیحَ لَهُ قَوْمٌ قَتَلُوهُ- وَ بَایَعَنِی النَّاسُ غَیْرَ مُسْتَکْرَهِینَ- وَ لَا مُجْبَرِینَ بَلْ طَائِعِینَ مُخَیَّرِینَ- وَ اعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الْهِجْرَهِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَ قَلَعُوا بِهَا- وَ جَاشَتْ جَیْشَ الْمِرْجَلِ- وَ قَامَتِ الْفِتْنَهُ عَلَى الْقُطْبِ- فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِیرِکُمْ- وَ بَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّکُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قوله جبهه الأنصار- یمکن أن یرید جماعه الأنصار- فإن الجبهه فی اللغه الجماعه- و یمکن أن یرید به ساده الأنصار و أشرافهم- لأن جبهه الإنسان أعلى أعضائه- و لیس یرید بالأنصار هاهنا بنی قیله- بل الأنصار هاهنا الأعوان- .

قوله ع و سنام العرب- أی أهل الرفعه و العلو منهم- لأن السنام أعلى أعضاء البعیر- . قوله ع أکثر استعتابه و أقل عتابه- الاستعتاب طلب العتبى و هی الرضا- قال کنت أکثر طلب رضاه- و أقل عتابه و تعنیفه على الأمور- و أما طلحه و الزبیر فکانا شدیدین علیه- . و الوجیف سیر سریع- و هذا مثل للمشمرین فی الطعن علیه- حتى إن السیر السریع أبطأ ما یسیران فی أمره- و الحداء العنیف أرفق ما یحرضان به علیه- . و دار الهجره المدینه- . و قوله قد قلعت بأهلها و قلعوا بها- الباء هاهنا زائده فی أحد الموضعین- و هو الأول و بمعنى من فی الثانی- یقول فارقت أهلها و فارقوها- و منه قولهم هذا منزل قلعه- أی لیس بمستوطن- . و جاشت اضطربت و المرجل القدر- . و من لطیف الکلام قوله ع- فکنت رجلا من المهاجرین- فإن فی ذلک من التخلص و التبری- ما لا یخفى على المتأمل- أ لا ترى أنه لم یبق علیه فی ذلک حجه لطاعن- حیث کان قد جعل نفسه کواحد من عرض المهاجرین- الذین بنفر یسیر منهم انعقدت خلافه أبی بکر- و هم أهل الحل و العقد- و إنما کان الإجماع حجه لدخولهم فیه- . و من لطیف الکلام أیضا قوله فأتیح له قوم قتلوه- و لم یقل أتاح الله له قوما- و لا قال أتاح له الشیطان قوما- و جعل الأمر مبهما- . و قد ذکر أن خط الرضی رحمه الله مستکرهین بکسر الراء- و الفتح أحسن و أصوب- و إن کان قد جاء استکرهت الشی‏ء بمعنى کرهته- .

و قال الراوندی- المراد بدار الهجره هاهنا الکوفه- التی هاجر أمیر المؤمنین ع إلیها و لیس بصحیح- بل المراد المدینه و سیاق الکلام یقتضی ذلک- و لأنه کان حین کتب هذا الکتاب- إلى أهل الکوفه بعیدا عنهم- فکیف یکتب إلیهم یخبرهم عن أنفسهم

أخبار علی عند مسیره إلى البصره و رسله إلى أهل الکوفه

و روى محمد بن إسحاق- عن عمه عبد الرحمن بن یسار القرشی- قال لما نزل علی ع الربذه متوجها إلى البصره- بعث إلى الکوفه محمد بن جعفر بن أبی طالب- و محمد بن أبی بکر الصدیق- و کتب إلیهم هذا الکتاب و
زاد فی آخره فحسبی بکم إخوانا و للدین أنصارا- ف انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا- وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِکُمْ وَ أَنْفُسِکُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ- ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏ و روى أبو مخنف قال حدثنی الصقعب قال سمعت عبد الله بن جناده یحدث أن علیا ع لما نزل الربذه- بعث هاشم بن عتبه بن أبی وقاص إلى أبی موسى الأشعری- و هو الأمیر یومئذ على الکوفه لینفر إلیه الناس- و کتب إلیه معه- من عبد الله علی أمیر المؤمنین إلى عبد الله بن قیس- أما بعد فإنی قد بعثت إلیک هاشم بن عتبه- لتشخص إلی من قبلک من المسلمین- لیتوجهوا إلى قوم نکثوا بیعتی و قتلوا شیعتی- و أحدثوا فی الإسلام هذا الحدث العظیم- فاشخص بالناس إلی معه حین یقدم علیک- فإنی لم أولک المصر الذی أنت فیه- و لم أقرک علیه إلا لتکون من أعوانی على الحق- و أنصاری على هذا الأمر و السلام .

فأما روایه محمد بن إسحاق فإنه قال- لما قدم محمد بن جعفر و محمد بن أبی بکر الکوفه- استنفرا الناس- فدخل قوم منهم على أبی موسى لیلا فقالوا له- أشر علینا برأیک فی الخروج- مع هذین الرجلین إلى علی ع- فقال أما سبیل الآخره فالزموا بیوتکم- و أما سبیل الدنیا فاشخصوا معهما- فمنع بذلک أهل الکوفه من الخروج- و بلغ ذلک المحمدین فأغلظا لأبی موسى- فقال أبو موسى و الله إن بیعه عثمان لفی عنق علی- و عنقی و أعناقکما- و لو أردنا قتالا ما کنا لنبدأ بأحد قبل قتله عثمان- فخرجا من عنده فلحقا بعلی ع فأخبراه الخبر- . و أما روایه أبی مخنف فإنه قال- إن هاشم بن عتبه لما قدم الکوفه- دعا أبو موسى السائب بن مالک الأشعری- فاستشاره فقال اتبع ما کتب به إلیک- فأبى ذلک و حبس الکتاب- و بعث إلى هاشم یتوعده و یخوفه- .

قال السائب فأتیت هاشما فأخبرته برأی أبی موسى- فکتب إلى علی ع- لعبد الله علی أمیر المؤمنین من هاشم بن عتبه- أما بعد یا أمیر المؤمنین- فإنی قدمت بکتابک على امرئ مشاق بعید الود- ظاهر الغل و الشنآن فتهددنی بالسجن- و خوفنی بالقتل- و قد کتبت إلیک هذا الکتاب- مع المحل بن خلیفه أخی طیئ- و هو من شیعتک و أنصارک و عنده علم ما قبلنا- فاسأله عما بدا لک و اکتب إلی برأیک و السلام- . قال فلما قدم المحل بکتاب هاشم على علی ع- سلم علیه ثم قال- الحمد لله الذی أدى الحق إلى أهله- و وضعه موضعه- فکره ذلک قوم قد و الله کرهوا نبوه محمد ص- ثم بارزوه و جاهدوه- فرد الله علیهم کیدهم فی نحورهم- و جعل دائره السوء علیهم- و الله یا أمیر المؤمنین لنجاهدنهم معک فی کل موطن- حفظا لرسول الله ص فی أهل بیته- إذ صاروا أعداء لهم بعده- .

فرحب به علی ع و قال له خیرا- ثم أجلسه إلى جانبه و قرأ کتاب هاشم- و سأله عن الناس و عن أبی موسى- فقال و الله یا أمیر المؤمنین- ما أثق به و لا آمنه على خلافک- إن وجد من یساعده على ذلک- فقال علی ع- و الله ما کان عندی بمؤتمن و لا ناصح- و لقد أردت عزله فأتانی الأشتر فسألنی أن أقره- و ذکر أن أهل الکوفه به راضون فأقررته و روى أبو مخنف قال و بعث علی ع من الربذه- بعد وصول المحل بن خلیفه أخی طیئ- عبد الله بن عباس و محمد بن أبی بکر إلى أبی موسى- و کتب معهما- من عبد الله علی أمیر المؤمنین إلى عبد الله بن قیس- أما بعد یا ابن الحائک یا عاض أیر أبیه- فو الله إنی کنت لأرى أن بعدک من هذا الأمر- الذی لم یجعلک الله له أهلا و لا جعل لک فیه نصیبا- سیمنعک من رد أمری و الانتزاء علی- و قد بعثت إلیک ابن عباس و ابن أبی بکر- فخلهما و المصر و أهله- و اعتزل عملنا مذءوما مدحورا- فإن فعلت و إلا فإنی قد أمرتهما- أن ینابذاک على سواء- إن الله لا یهدی کید الخائنین- فإذا ظهرا علیک قطعاک إربا إربا- و السلام على من شکر النعمه- و وفى بالبیعه و عمل برجاء العاقبه – .

قال أبو مخنف- فلما أبطأ ابن عباس و ابن أبی بکر- عن علی ع- و لم یدر ما صنعا- رحل عن الربذه إلى ذی قار فنزلها- فلما نزل ذا قار بعث إلى الکوفه الحسن ابنه ع- و عمار بن یاسر و زید بن صوحان- و قیس بن سعد بن عباده و معهم کتاب إلى أهل الکوفه- فأقبلوا حتى کانوا بالقادسیه فتلقاهم الناس- فلما دخلوا الکوفه قرءوا کتاب علی و هو من عبد الله علی أمیر المؤمنین- إلى من بالکوفه من المسلمین-أما بعد فإنی خرجت مخرجی هذا- إما ظالما و إما مظلوما- و إما باغیا و إما مبغیا علی- فأنشد الله رجلا بلغه کتابی هذا إلا نفر إلی- فإن کنت مظلوما أعاننی- و إن کنت ظالما استعتبنی و السلام

قال أبو مخنف- فحدثنی موسى بن عبد الرحمن بن أبی لیلى- عن أبیه قال أقبلنا مع الحسن- و عمار بن یاسر من ذی قار- حتى نزلنا القادسیه فنزل الحسن و عمار- و نزلنا معهما فاحتبى عمار بحمائل سیفه- ثم جعل یسأل الناس عن أهل الکوفه و عن حالهم- ثم سمعته یقول- ما ترکت فی نفسی حزه أهم إلی- من ألا نکون نبشنا عثمان من قبره ثم أحرقناه بالنار- .

قال فلما دخل الحسن و عمار الکوفه- اجتمع إلیهما الناس فقام الحسن- فاستنفر الناس فحمد الله و صلى على رسوله ثم قال- أیها الناس- إنا جئنا ندعوکم إلى الله و إلى کتابه و سنه رسوله- و إلى أفقه من تفقه من المسلمین- و أعدل من تعدلون و أفضل من تفضلون- و أوفى من تبایعون من لم یعبه القرآن- و لم تجهله السنه و لم تقعد به السابقه- إلى من قربه الله تعالى إلى رسوله قرابتین- قرابه الدین و قرابه الرحم- إلى من سبق الناس إلى کل مأثره- إلى من کفى الله به رسوله و الناس متخاذلون- فقرب منه و هم متباعدون و صلى معه و هم مشرکون- و قاتل معه و هم منهزمون- و بارز معهم و هم محجمون و صدقه و هم یکذبون- إلى من لم ترد له روایه و لا تکافأ له سابقه- و هو یسألکم النصر و یدعوکم إلى الحق- و یأمرکم بالمسیر إلیه- لتوازروه و تنصروه على قوم نکثوا بیعته- و قتلوا أهل الصلاح من أصحابه- و مثلوا بعماله و انتهبوا بیت ماله- فاشخصوا إلیه رحمکم الله- فمروا بالمعروف و انهوا عن المنکر- و احضروا بما یحضر به الصالحون .

قال أبو مخنف حدثنی جابر بن یزید- قال حدثنی تمیم بن حذیم الناجی- قال قدم علینا الحسن بن علی ع- و عمار بن یاسر یستنفران الناس إلى علی ع- و معهما کتابه فلما فرغا من قراءه کتابه- قام الحسن و هو فتى حدث- و الله إنی لأرثی له من حداثه سنه و صعوبه مقامه- فرماه الناس بأبصارهم و هم یقولون- اللهم سدد منطق ابن بنت نبینا- فوضع یده على عمود یتساند إلیه- و کان علیلا من شکوى به-
فقال الحمد لله العزیز الجبار الواحد القهار- الکبیر المتعال- سواء منکم من أسر القول و من جهر به- و من هو مستخف باللیل و سارب بالنهار- أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء- و على ما أحببنا و کرهنا من شده و رخاء- و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له- و أن محمدا عبده و رسوله امتن علینا بنبوته- و اختصه برسالته و أنزل علیه وحیه- و اصطفاه على جمیع خلقه و أرسله إلى الإنس و الجن- حین عبدت الأوثان و أطیع الشیطان- و جحد الرحمن فصلى الله علیه و على آله و جزاه أفضل ما جزى المسلمین- أما بعد فإنی لا أقول لکم إلا ما تعرفون- إن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب- أرشد الله أمره و أعز نصره- بعثنی إلیکم یدعوکم إلى الصواب- و إلى العمل بالکتاب و الجهاد فی سبیل الله- و إن کان فی عاجل ذلک ما تکرهون- فإن فی آجله ما تحبون إن شاء الله- و لقد علمتم أن علیا صلى مع رسول الله ص وحده- و إنه یوم صدق به لفی عاشره من سنه- ثم شهد مع رسول الله ص جمیع مشاهده- و کان من اجتهاده فی مرضاه الله و طاعه رسوله- و آثاره الحسنه فی الإسلام ما قد بلغکم- و لم یزل رسول الله ص راضیا عنه- حتى غمضه بیده و غسله وحده- و الملائکه أعوانه و الفضل ابن عمه ینقل إلیه الماء- ثم أدخله حفرته و أوصاه بقضاء دینه و عداته- و غیر ذلک من أموره- کل ذلک من من الله علیه- ثم و الله ما دعا إلى نفسه- و لقد تداک الناس علیه- تداک الإبل الهیم عند ورودها- فبایعوه طائعین- ثم نکث منهم ناکثون بلا حدث أحدثه- و لا خلاف أتاه حسدا له و بغیا علیه- فعلیکم عباد الله بتقوى الله و طاعته- و الجد و الصبر و الاستعانه بالله-و الخفوف إلى ما دعاکم إلیه أمیر المؤمنین- عصمنا الله و إیاکم بما عصم به أولیاءه و أهل طاعته- و ألهمنا و إیاکم تقواه- و أعاننا و إیاکم على جهاد أعدائه- و أستغفر الله العظیم لی و لکم ثم مضى إلى الرحبه فهیأ منزلا لأبیه أمیر المؤمنین- . قال جابر فقلت لتمیم- کیف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من کلامه- فقال و لما سقط عنی من قوله أکثر- و لقد حفظت بعض ما سمعت- .

قال و لما نزل علی ع ذا قار- کتبت عائشه إلى حفصه بنت عمر أما بعد- فإنی أخبرک أن علیا قد نزل ذا قار- و أقام بها مرعوبا خائفا لما بلغه من عدتنا و جماعتنا- فهو بمنزله الأشقر- إن تقدم عقر و إن تأخر نحر- فدعت حفصه جواری لها یتغنین و یضربن بالدفوف- فأمرتهن أن یقلن فی غنائهن- ما الخبر ما الخبر علی فی السفر کالفرس الأشقر- إن تقدم عقر و إن تأخر نحر- . و جعلت بنات الطلقاء یدخلن على حفصه- و یجتمعن لسماع ذلک الغناء- . فبلغ أم کلثوم بنت علی ع فلبست جلابیبها- و دخلت علیهن فی نسوه متنکرات- ثم أسفرت عن وجهها فلما عرفتها حفصه خجلت- و استرجعت فقالت أم کلثوم- لئن تظاهرتما علیه منذ الیوم- لقد تظاهرتما على أخیه من قبل فأنزل الله فیکما ما أنزل- فقالت حفصه کفى رحمک الله- و أمرت بالکتاب فمزق و استغفرت الله- . قال أبو مخنف- روى هذا جریر بن یزید عن الحکم- و رواه الحسن بن دینار عن الحسن البصری و ذکر الواقدی مثل ذلک- و ذکر المدائنی أیضا مثله- قال فقال سهل بن حنیف فی ذلک هذه الأشعار-

عذرنا الرجال بحرب
الرجال فما للنساء و ما للسباب‏

أ ما حسبنا ما أتینا به‏
لک الخیر من هتک ذاک الحجاب‏

و مخرجها الیوم من بیتها
یعرفها الذنب نبح الکلاب‏

إلى أن أتانا کتاب لها
مشوم فیا قبح ذاک الکتاب‏

 قال فحدثنا الکلبی عن أبی صالح- أن علیا ع لما نزل ذا قار فی قله من عسکره- صعد الزبیر منبر البصره- فقال أ لا ألف فارس أسیر بهم إلى علی- فأبیته بیاتا و أصبحه صباحا- قبل أن یأتیه المدد- فلم یجبه أحد فنزل واجما- و قال هذه و الله الفتنه التی کنا نحدث بها- فقال له بعض موالیه رحمک الله یا أبا عبد الله- تسمیها فتنه ثم نقاتل فیها- فقال ویحک و الله إنا لنبصر ثم لا نصبر- فاسترجع المولى ثم خرج فی اللیل فارا- إلى علی ع فأخبره فقال اللهم علیک به- .

قال أبو مخنف- و لما فرغ الحسن بن علی ع من خطبته- قام بعده عمار فحمد الله و أثنى علیه- و صلى على رسوله ثم قال أیها الناس- أخو نبیکم و ابن عمه یستنفرکم لنصر دین الله- و قد بلاکم الله بحق دینکم- و حرمه أمکم فحق دینکم أوجب و حرمته أعظم- أیها الناس علیکم بإمام لا یؤدب- و فقیه لا یعلم و صاحب بأس لا ینکل- و ذی سابقه فی الإسلام لیست لأحد- و إنکم لو قد حضرتموه بین لکم أمرکم إن شاء الله- .

قال فلما سمع أبو موسى خطبه الحسن و عمار- قام فصعد المنبر و قال- الحمد لله الذی أکرمنا بمحمد فجمعنا بعد الفرقه- و جعلنا إخوانا متحابین بعد العداوه- و حرم علینا دماءنا و أموالنا قال الله سبحانه- وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ-و قال تعالى وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها- فاتقوا الله عباد الله و ضعوا أسلحتکم- و کفوا عن قتال إخوانکم- . أما بعد یا أهل الکوفه إن تطیعوا الله بادیا- و تطیعونی ثانیا تکونوا جرثومه من جراثیم العرب- یأوی إلیکم المضطر و یأمن فیکم الخائف- إن علیا إنما یستنفرکم لجهاد أمکم عائشه- و طلحه و الزبیر حواری رسول الله- و من معهم من المسلمین- و أنا أعلم بهذه الفتن أنها إذا أقبلت شبهت- و إذا أدبرت أسفرت- إنی أخاف علیکم أن یلتقی غاران منکم فیقتتلا- ثم یترکا کالأحلاس الملقاه بنجوه من الأرض- ثم یبقى رجرجه من الناس- لا یأمرون بالمعروف و لا ینهون عن منکر- إنها قد جاءتکم فتنه کافره لا یدرى من أین تؤتى- تترک الحلیم حیران- کأنی أسمع رسول الله ص بالأمس یذکر الفتن- فیقول أنت فیها نائما خیر منک قاعدا- و أنت فیها جالسا خیر منک قائما- و أنت فیها قائما خیر منک ساعیا- فثلموا سیوفکم و قصفوا رماحکم- و انصلوا سهامکم و قطعوا أوتارکم- و خلوا قریشا ترتق فتقها- و ترأب صدعها فإن فعلت فلأنفسها ما فعلت- و إن أبت فعلى أنفسها ما جنت سمنها فی أدیمها- استنصحونی و لا تستغشونی- و أطیعونی و لا تعصونی- یتبین لکم رشدکم و یصلى هذه الفتنه من جناها- فقام إلیه عمار بن یاسر فقال- أنت سمعت رسول الله ص یقول ذلک- قال نعم هذه یدی بما قلت- فقال إن کنت صادقا فإنما عناک بذلک وحدک- و اتخذ علیک الحجه- فالزم بیتک و لا تدخلن فی الفتنه- أما إنی أشهد أن رسول الله ص- أمر علیا بقتال الناکثین- و سمى له فیهم من سمى- و أمره بقتال القاسطین- و إن شئت لأقیمن لک شهودا یشهدون- أن رسول الله ص‏ إنما نهاک وحدک- و حذرک من الدخول فی الفتنه- ثم قال له أعطنی یدک على ما سمعت- فمد إلیه یده- فقال له عمار غلب الله من غالبه و جاهده- ثم جذبه فنزل عن المنبر- .

و روى محمد بن جریر الطبری فی التاریخ- قال لما أتى علیا ع الخبر و هو بالمدینه- بأمر عائشه و طلحه و الزبیر- و أنهم قد توجهوا نحو العراق- خرج یبادر و هو یرجو أن یدرکهم و یردهم- فلما انتهى إلى الربذه أتاه عنهم أنهم قد أمعنوا- فأقام بالربذه أیاما- و أتاه عنهم أنهم یریدون البصره فسر بذلک- و قال إن أهل الکوفه أشد لی حبا- و فیهم رؤساء العرب و أعلامهم- فکتب إلیهم- إنی قد اخترتکم على الأمصار و إنی بالأثر- .

قال أبو جعفر محمد بن جریر رحمه الله کتب علی ع من الربذه إلى أهل الکوفه- أما بعد فإنی قد اخترتکم- و آثرت النزول بین أظهرکم- لما أعرف من مودتکم و حبکم لله و رسوله- فمن جاءنی و نصرنی فقد أجاب الحق- و قضى الذی علیه – .

قال أبو جعفر- فأول من بعثه علی ع من الربذه إلى الکوفه- محمد بن أبی بکر و محمد بن جعفر- فجاء أهل الکوفه إلى أبی موسى و هو الأمیر علیهم- لیستشیروه فی الخروج إلى علی بن أبی طالب ع- فقال لهم أما سبیل الآخره فأن تقعدوا- و أما سبیل الدنیا فأن تخرجوا- . و بلغ المحمدین قول أبی موسى الأشعری- فأتیاه و أغلظا له فأغلظ لهما- و قال‏لا یحل لک القتال مع علی- حتى لا یبقى أحد من قتله عثمان إلا قتل- حیث کان- و قالت أخت علی بن عدی- من بنی عبد العزى بن عبد شمس- و کان أخوها علی بن عدی من شیعه علی ع- و فی جمله عسکره-

لا هم فاعقر بعلی جمله
و لا تبارک فی بعیر حمله‏
ألا علی بن عدی لیس له‏

قال أبو جعفر ثم أجمع علی ع على المسیر- من الربذه إلى البصره- فقام إلیه رفاعه بن رافع- فقال یا أمیر المؤمنین- أی شی‏ء ترید و أین تذهب بنا- قال أما الذی نرید و ننوی فإصلاح- إن قبلوا منا و أجابوا إلیه- قال فإن لم یقبلوا- قال ندعوهم و نعطیهم من الحق ما نرجو أن یرضوا به- قال فإن لم یرضوا قال ندعهم ما ترکونا- قال فإن لم یترکونا- قال نمتنع منهم قال فنعم إذا- . و قام الحجاج بن غزیه الأنصاری- فقال و الله یا أمیر المؤمنین لأرضینک بالفعل- کما أرضیتنی منذ الیوم بالقول ثم قال-

دراکها دراکها قبل الفوت
و انفر بنا و اسم بنا نحو الصوت‏
لا وألت نفسی إن خفت الموت‏

و لله لننصرن الله عز و جل کما سمانا أنصارا- . قال أبو جعفر رحمه الله- و سار علی ع نحو البصره- و رأیته مع ابنه محمد بن الحنفیه- و على میمنته عبد الله بن عباس- و على میسرته عمر بن أبی سلمه- و علی ع فی القلب على ناقه حمراء- یقود فرسا کمیتا- فتلقاه بفید غلام من‏ بنی سعد بن ثعلبه یدعى مره- فقال من هؤلاء- قیل هذا أمیر المؤمنین فقال- سفره قانیه فیها دماء من نفوس فانیه- فسمعها علی ع فدعاه- فقال ما اسمک قال مره- قال أمر الله عیشک أ کاهن سائر الیوم- قال بل عائف فخلى سبیله- و نزل بفید فأتته أسد و طیئ- فعرضوا علیه أنفسهم- فقال الزموا قرارکم ففی المهاجرین کفایه- . و قدم رجل من الکوفه فیدا- فأتى علیا ع فقال له من الرجل- قال عامر بن مطرف- قال اللیثی قال الشیبانی- قال أخبرنی عما وراءک- قال إن أردت الصلح فأبو موسى صاحبک- و إن أردت القتال فأبو موسى لیس لک بصاحب- فقال ع ما أرید إلا الصلح إلا أن یرد علینا

قال أبو جعفر و قدم علیه عثمان بن حنیف- و قد نتف طلحه و الزبیر شعر رأسه و لحیته و حاجبیه- فقال یا أمیر المؤمنین- بعثتنی ذا لحیه و جئتک أمرد- فقال أصبت خیرا و أجرا- ثم قال أیها الناس إن طلحه و الزبیر بایعانی- ثم نکثانی بیعتی و ألبا علی الناس- و من العجب انقیادهما لأبی بکر و عمر و خلافهما علی- و الله إنهما لیعلمان أنی لست بدونهما- اللهم فاحلل ما عقدا- و لا تبرم ما قد أحکما فی أنفسهما- و أرهما المساءه فیما قد عملا – .

قال أبو جعفر- و عاد محمد بن أبی بکر و محمد بن جعفر إلى علی ع- فلقیاه و قد انتهى إلى ذی قار فأخبراه الخبر- فقال علی ع لعبد الله بن العباس- اذهب أنت إلى الکوفه فادع أبا موسى إلى الطاعه- و حذره من العصیان و الخلاف و استنفر الناس- فذهب عبد الله بن عباس حتى قدم الکوفه- فلقی أبا موسى و اجتمع الرؤساء من أهل الکوفه- فقام أبو موسى فخطبهم و قال- إن أصحاب رسول الله ص صحبوه فی مواطن کثیره- فهم أعلم بالله ممن لم یصحبه- و إن لکم علی حقاو أنا مؤدیه إلیکم- أمر ألا تستخفوا بسلطان الله- و ألا تجترءوا على الله أن تأخذوا کل من قدم علیکم- من أهل المدینه فی هذا الأمر فتردوه إلى المدینه- حتى تجتمع الأمه على إمام ترتضی به- إنها فتنه صماء النائم فیها خیر من الیقظان- و الیقظان خیر من القاعد و القاعد خیر من القائم- و القائم خیر من الراکب- فکونوا جرثومه من جراثیم العرب- أغمدوا سیوفکم و أنصلوا أسنتکم- و اقطعوا أوتار قسیکم- حتى یلتئم هذا الأمر و تنجلی هذه الفتنه- .

قال أبو جعفر رحمه الله- ف