خطبه ۱۹ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۹ و من کلام له ع- قاله للأشعث بن قیس

 

و هو على منبر الکوفه یخطب- فمضى فی بعض کلامه شی‏ء اعترضه الأشعث فیه- فقال یا أمیر المؤمنین هذه علیک لا لک- فخفض إلیه بصره ع ثم قال- : وَ مَا یُدْرِیکَ مَا عَلَیَّ مِمَّا لِی- عَلَیْکَ لَعْنَهُ اللَّهِ وَ لَعْنَهُ اللَّاعِنِینَ- حَائِکٌ ابْنُ حَائِکٍ مُنَافِقٌ ابْنُ کَافِرٍ- وَ اللَّهِ لَقَدْ أَسَرَکَ الْکُفْرُ مَرَّهً وَ الْإِسْلَامُ أُخْرَى- فَمَا فَدَاکَ مِنْ وَاحِدَهٍ مِنْهُمَا مَالُکَ وَ لَا حَسَبُکَ- وَ إِنَّ امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّیْفَ- وَ سَاقَ إِلَیْهِمُ الْحَتْفَ- لَحَرِیٌّ أَنْ یَمْقُتَهُ الْأَقْرَبُ وَ لَا یَأْمَنَهُ الْأَبْعَدُ قال الرضی رحمه الله- یرید ع أنه أسر فی الکفر مره و فی الإسلام مره- . و أما قوله ع دل على قومه السیف- فأراد به حدیثا- کان للأشعث مع خالد بن الولید بالیمامه- غر فیه قومه و مکر بهم- حتى أوقع بهم خالد- و کان قومه بعد ذلک یسمونه عرف النار- و هو اسم للغادر عندهم‏ خفض إلیه بصره طأطأه- و قوله فما فداک لا یرید به الفداء الحقیقی- فإن الأشعث فدی فی الجاهلیه بفداء یضرب به المثل- فقال أغلى فداء من الأشعث و سنذکره- و إنما یرید ما دفع عنک الأسر مالک و لا حسبک- و یمقته یبغضه و المقت البغض

الأشعث بن قیس و نسبه و بعض أخباره

اسم الأشعث معدیکرب و أبوه قیس الأشج- سمی الأشج لأنه شج فی بعض حروبهم- ابن معدیکرب بن معاویه بن معدیکرب- بن معاویه بن جبله بن عبد العزى بن ربیعه- بن معاویه الأکرمین بن الحارث بن معاویه- بن الحارث بن معاویه بن ثور بن مرتع- بن معاویه بن کنده بن عفیر بن عدی- بن الحارث بن مره بن أدد- . و أم الأشعث کبشه بنت یزید بن شرحبیل بن یزید- بن إمرئ القیس بن عمرو المقصور الملک- . کان الأشعث أبدا أشعث الرأس- فسمی الأشعث و غلب علیه حتى نسی اسمه- و لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث یقول أعشى همدان-

 

یا ابن الأشج قریع کنده
لا أبالی فیک عتبا

 
أنت الرئیس ابن الرئیس
و أنت أعلى الناس کعبا

 

تزوج رسول الله ص قتیله أخت الأشعث- فتوفی قبل أن تصل إلیه- . فأما الأسر- الذی أشار أمیر المؤمنین ع إلیه فی الجاهلیه- فقد ذکره ابن الکلبی فی جمهره النسب- فقال إن مرادا لما قتلت قیسا الأشج- خرج الأشعث طالبا بثأره- فخرجت کنده متساندین على ثلاثه ألویه- على أحد الألویه کبس بن هانئ بن شرحبیل- بن الحارث بن عدی بن ربیعه بن معاویه الأکرمین- و یعرف هانئ بالمطلع- لأنه کان یغزو فیقول اطلعت بنی فلان فسمی المطلع- و على أحدها القشعم أبو جبر بن یزید الأرقم- و على أحدها الأشعث فأخطئوا مرادا- و لم یقعوا علیهم و وقعوا على بنی الحارث بن کعب- فقتل کبس و القشعم أبو جبر و أسر الأشعث- ففدی بثلاثه آلاف بعیر لم یفد بها عربی بعده و لا قبله- فقال فی ذلک عمرو بن معدیکرب الزبیدی-

 

فکان فداؤه ألفی بعیر
و ألفا من طریفات و تلد

 

– . و أما الأسر الثانی فی الإسلام- فإن رسول الله ص لما قدمت کنده حجاجا قبل الهجره- عرض رسول الله ص نفسه علیهم- کما کان یعرض نفسه على أحیاء العرب- فدفعه بنو ولیعه من بنی عمرو بن معاویه و لم یقبلوه- فلما هاجر ص و تمهدت دعوته و جاءته وفود العرب- جاءه وفد کنده فیهم الأشعث و بنو ولیعه فأسلموا- فأطعم رسول الله ص بنی ولیعه طعمه من صدقات حضرموت- و کان قد استعمل على حضرموت- زیاد بن لبید البیاضی الأنصاری- فدفعها زیاد إلیهم فأبوا أخذها- و قالوا لا ظهر لنا- فابعث بها إلى بلادنا على ظهر من عندک- فأبى زیاد و حدث بینهم و بین زیاد شر کاد یکون حربا- فرجع منهم قوم إلى رسول الله ص- و کتب زیاد إلیه ع یشکوهم- و فی هذه الوقعه کان الخبر المشهور عن رسول الله ص قال لبنی ولیعه لتنتهن یا بنی ولیعه- أو لأبعثن علیکم رجلا عدیل نفسی- یقتل مقاتلتکم و یسبی ذراریکم- قال عمر بن الخطاب فما تمنیت الإماره إلا یومئذ- و جعلت أنصب له صدری رجاء أن یقول هو هذا- فأخذ بید علی ع و قال هو هذا – . ثم کتب لهم رسول الله ص إلى زیاد- فوصلوا إلیه بالکتاب و قد توفی رسول الله ص- و طار الخبر بموته إلى قبائل العرب- فارتدت بنو ولیعه و غنت بغایاهم- و خضبن له أیدیهن- . و قال محمد بن حبیب کان إسلام بنی ولیعه ضعیفا- و کان رسول الله ص یعلم ذلک منهم- و لما حج رسول الله ص حجه الوداع- و انتهى إلى فم الشعب دخل أسامه بن زید لیبول- فانتظره رسول الله ص و کان أسامه أسود أفطس- فقال بنو ولیعه هذا الحبشی حبسنا- فکانت الرده فی أنفسهم- . قال أبو جعفر محمد بن جریر- فأمر أبو بکر زیادا على حضرموت- و أمره بأخذ البیعه على أهلها و استیفاء صدقاتهم- فبایعوه إلا بنی ولیعه- فلما خرج لیقبض الصدقات من بنی عمرو بن معاویه- أخذ ناقه لغلام منهم یعرف بشیطان بن حجر- و کانت صفیه نفیسه اسمها شذره- فمنعه الغلام عنها و قال خذ غیرها- فأبى زیاد ذلک و لج- فاستغاث شیطان بأخیه العداء بن حجر- فقال لزیاد دعها و خذ غیرها- فأبى زیاد ذلک و لج الغلامان فی أخذها- و لج زیاد و قال لهما لا تکونن شذره علیکما کالبسوس- فهتف الغلامان یا لعمرو أ نضام و نضطهد- إن الذلیل من أکل فی داره- و هتفا بمسروق بن معدیکرب- فقال مسروق لزیاد أطلقها فأبى- فقال مسروق

 

یطلقها شیخ بخدیه الشیب
ملمع فیه کتلمیع الثوب‏

ماض على الریب إذا کان الریب‏

 

– . ثم قام فأطلقها فاجتمع إلى زیاد بن لبید أصحابه- و اجتمع بنو ولیعه و أظهروا أمرهم- فبیتهم زیاد و هم غارون- فقتل منهم جمعا کثیرا و نهب و سبى- و لحق فلهم بالأشعث بن قیس فاستنصروه- فقال لا أنصرکم حتى تملکونی علیکم- فملکوه و توجوه کما یتوج الملک من قحطان- فخرج إلى زیاد فی جمع کثیف- و کتب أبو بکر إلى المهاجر بن أبی أمیه و هو على صنعاء- أن یسیر بمن معه إلى زیاد- فاستخلف على صنعاء و سار إلى زیاد- فلقوا الأشعث فهزموه و قتل مسروق- و لجأ الأشعث و الباقون إلى الحصن المعروف بالنجیر- فحاصرهم المسلمون حصارا شدیدا حتى ضعفوا- و نزل الأشعث لیلا إلى المهاجر و زیاد- فسألهما الأمان على نفسه حتى یقدما به على أبی بکر- فیرى فیه رأیه- على أن یفتح لهم الحصن و یسلم إلیهم من فیه- . و قیل بل کان فی الأمان عشره من أهل الأشعث- . فأمناه و أمضیا شرطه ففتح لهم الحصن- فدخلوه و استنزلوا کل من فیه و أخذوا أسلحتهم- و قالوا للأشعث اعزل العشره فعزلهم- فترکوهم و قتلوا الباقین و کانوا ثمانمائه- و قطعوا أیدی النساء اللواتی شمتن برسول الله ص- و حملوا الأشعث‏ إلى أبی بکر- موثقا فی الحدید هو و العشره- فعفا عنه و عنهم- و زوجه أخته أم فروه بنت أبی قحافه و کانت عمیاء- فولدت للأشعث محمدا و إسماعیل و إسحاق- .

و خرج الأشعث یوم البناء علیها إلى سوق المدینه- فما مر بذات أربع إلا عقرها- و قال للناس هذه ولیمه البناء و ثمن کل عقیره فی مالی- فدفع أثمانها إلى أربابها- . قال أبو جعفر محمد بن جریر فی التاریخ- و کان المسلمون یلعنون الأشعث- و یلعنه الکافرون أیضا و سبایا قومه- و سماه نساء قومه عرف النار و هو اسم للغادر عندهم- . و هذا عندی هو الوجه- و هو أصح مما ذکره الرضی رحمه الله تعالى- من قوله فی تفسیر قول أمیر المؤمنین- و إن امرأ دل على قومه السیف- أنه أراد به حدیثا کان للأشعث مع خالد بن الولید- بالیمامه غر فیه قومه و مکر بهم حتى قتلهم- فإنا لم نعرف فی التواریخ- أن الأشعث جرى له بالیمامه مع خالد هذا و لا شبهه- و أین کنده و الیمامه- کنده بالیمن و الیمامه لبنی حنیفه- و لا أعلم من أین نقل الرضی رحمه الله تعالى هذا- . فأما الکلام الذی کان أمیر المؤمنین ع- قاله على منبر الکوفه فاعترضه فیه الأشعث- فإن علیا ع قام إلیه و هو یخطب- و یذکر أمر الحکمین رجل من أصحابه- بعد أن انقضى أمر الخوارج- فقال له نهیتنا عن الحکومه ثم أمرتنا بها- فما ندری أی الأمرین أرشد- فصفق ع بإحدى یدیه على الأخرى و قال- هذا جزاء من ترک العقده- و کان مراده ع هذا جزاؤکم إذ ترکتم الرأی و الحزم- و أصررتم على إجابه القوم إلى التحکیم- فظن الأشعث أنه أراد- هذا جزائی حیث ترکت الرأی و الحزم و حکمت- لأن هذه اللفظه محتمله- أ لا ترى أن الرئیس‏ إذا شغب علیه جنده- و طلبوا منه اعتماد أمر لیس بصواب- فوافقهم تسکینا لشغبهم لا استصلاحا لرأیهم- ثم ندموا بعد ذلک قد یقول- هذا جزاء من ترک الرأی و خالف وجه الحزم- و یعنی بذلک أصحابه و قد یقوله یعنی به نفسه- حیث وافقهم أمیر المؤمنین ع- إنما عنى ما ذکرناه دون ما خطر للأشعث- فلما قال له هذه علیک لا لک قال له- و ما یدریک ما علی مما لی- علیک لعنه الله و لعنه اللاعنین- . و کان الأشعث من المنافقین فی خلافه علی ع- و هو فی أصحاب أمیر المؤمنین ع- کما کان عبد الله بن أبی بن سلول فی أصحاب رسول الله ص- کل واحد منهما رأس النفاق فی زمانه – . و أما قوله ع للأشعث حائک ابن حائک- فإن أهل الیمن یعیرون بالحیاکه- و لیس هذا مما یخص الأشعث- . و من کلام خالد بن صفوان- ما أقول فی قوم لیس فیهم إلا حائک برد- أو دابغ جلد أو سائس قرد- ملکتهم امرأه و أغرقتهم فأره و دل علیهم هدهد

بازدیدها: ۵۰

خطبه ۱۸ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(ذم اختلاف العلماء فی الفتیا)

۱۸ و من کلام له ع فی ذم اختلاف العلماء فی الفتیا

 

 : تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِیَّهُ فِی حُکْمٍ مِنَ الْأَحْکَامِ- فَیَحْکُمُ فِیهَا بِرَأْیِهِ- ثُمَّ تَرِدُ تِلْکَ الْقَضِیَّهُ بِعَیْنِهَا عَلَى غَیْرِهِ- فَیَحْکُمُ فِیهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ- ثُمَّ یَجْتَمِعُ الْقُضَاهُ بِذَلِکَ عِنْدَ الْإِمَامِ الَّذِی اسْتَقْضَاهُمْ- فَیُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِیعاً وَ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ- وَ نَبِیُّهُمْ وَاحِدٌ وَ کِتَابُهُمْ وَاحِدٌ- أَ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاخْتِلَافِ فَأَطَاعُوهُ- أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ- أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِیناً نَاقِصاً- فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ- أَمْ کَانُوا شُرَکَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ یَقُولُوا وَ عَلَیْهِ أَنْ یَرْضَى- أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِیناً تَامّاً- فَقَصَّرَ الرَّسُولُ ص عَنْ تَبْلِیغِهِ وَ أَدَائِهِ- وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ یَقُولُ ما فَرَّطْنا فِی الْکِتابِ مِنْ شَیْ‏ءٍ- وَ فِیهِ تِبْیَانُ کُلِّ شَیْ‏ءٍ- وَ ذَکَرَ أَنَّ الْکِتَابَ یُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً- وَ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِیهِ- فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ لَوْ کانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللَّهِ- لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلافاً کَثِیراً- وَ إِنَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِیقٌ وَ بَاطِنُهُ عَمِیقٌ- لَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ وَ لَا تَنْقَضِی غَرَائِبُهُ- وَ لَا تُکْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِهِ‏

الأنیق المعجب و آنقنی الشی‏ء أی أعجبنی- یقول لا ینبغی أن یحمل جمیع ما فی الکتاب العزیز- على ظاهره- فکم من ظاهر فیه غیر مراد- بل المراد به أمر آخر باطن- و المراد الرد على أهل الاجتهاد فی الأحکام الشرعیه- و إفساد قول من قال کل مجتهد مصیب- و تلخیص الاحتجاج من خمسه أوجه-

الأول أنه لما کان الإله سبحانه واحدا- و الرسول ص واحدا و الکتاب واحدا- وجب أن یکون الحکم فی الواقعه واحدا- کالملک الذی یرسل إلى رعیته رسولا بکتاب- یأمرهم فیه بأوامر یقتضیها ملکه و إمرته- فإنه لا یجوز أن تتناقض أوامره- و لو تناقضت لنسب إلى السفه و الجهل- .

الثانی لا یخلو الاختلاف الذی ذهب إلیه المجتهدون- إما أن یکون مأمورا به أو منهیا عنه- و الأول باطل- لأنه لیس فی الکتاب و السنه- ما یمکن الخصم أن یتعلق به فی کون الاختلاف مأمورا به- و الثانی حق و یلزم منه تحریم الاختلاف- .

الثالث إما أن یکون دین الإسلام ناقصا أو تاما- فإن کان الأول کان الله سبحانه قد استعان بالمکلفین- على إتمام شریعه ناقصه أرسل بها رسوله- إما استعانه على سبیل النیابه عنه أو على سبیل المشارکه له- و کلاهما کفر- و إن کان الثانی- فإما أن یکون الله تعالى أنزل الشرع تاما- فقصر الرسول عن تبلیغه- أو یکون الرسول قد أبلغه على تمامه و کماله- فإن کان الأول فهو کفر أیضا- و إن کان الثانی فقد بطل الاجتهاد- لأن الاجتهاد إنما یکون فیما لم یتبین- فأما ما قد بین فلا مجال للاجتهاد فیه- .

الرابع الاستدلال بقوله تعالى- ما فَرَّطْنا فِی الْکِتابِ مِنْ شَیْ‏ءٍ- و قوله تِبْیاناً لِکُلِّ شَیْ‏ءٍ- و قوله سبحانه وَ لا رَطْبٍ وَ لا یابِسٍ إِلَّا فِی کِتابٍ‏  مُبِینٍ- فهذه الآیات داله على اشتمال الکتاب العزیز على جمیع الأحکام- فکل ما لیس فی الکتاب وجب ألا یکون فی الشرع- .

الخامس قوله تعالى- وَ لَوْ کانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلافاً کَثِیراً- فجعل الاختلاف دلیلا على أنه لیس من عند الله- لکنه من عند الله سبحانه- بالأدله القاطعه الداله على صحه النبوه- فوجب ألا یکون فیه اختلاف- . و اعلم أن هذه الوجوه هی التی یتعلق بها الإمامیه- و نفاه القیاس و الاجتهاد فی الشرعیات- و قد تکلم علیها أصحابنا فی کتبهم- و قالوا إن أمیر المؤمنین ع کان یجتهد و یقیس- و ادعوا إجماع الصحابه على صحه الاجتهاد و القیاس- و دفعوا صحه هذا الکلام- المنسوب فی هذا الکتاب إلى أمیر المؤمنین ع- و قالوا إنه من روایه الإمامیه- و هو معارض بما ترویه الزیدیه عنه و عن أبنائه ع- فی صحه القیاس و الاجتهاد- و مخالطه الزیدیه لأئمه أهل البیت ع- کمخالطه الإمامیه لهم- و معرفتهم بأقوالهم و أحوالهم و مذاهبهم- کمعرفه الإمامیه- لا فرق بین الفئتین فی ذلک- و الزیدیه قاطبه جارودیتها و صالحیتها- تقول بالقیاس و الاجتهاد- و ینقلون فی ذلک نصوصا عن أهل البیت ع- و إذا تعارضت الروایتان تساقطتا- و عدنا إلى الأدله المذکوره فی هذه المسأله- و قد تکلمت فی اعتبار الذریعه للمرتضى- على احتجاجه فی إبطال القیاس و الاجتهاد- بما لیس هذا موضع ذکره

بازدیدها: ۲۰

خطبه ۱۷ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۷ و من کلام له ع فی صفه من یتصدى للحکم بین الأمه- و لیس لذلک بأهل

 
إِنَّ أَبْغَضَ الْخَلَائِقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى رَجُلَانِ- رَجُلٌ وَکَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ- فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِیلِ- مَشْغُوفٌ بِکَلَامِ بِدْعَهٍ وَ دُعَاءِ ضَلَالَهٍ- فَهُوَ فِتْنَهٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ ضَالٌّ عَنْ هُدَى مَنْ کَانَ قَبْلَهُ- مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ فِی حَیَاتِهِ وَ بَعْدَ وَفَاتِهِ- حَمَّالٌ خَطَایَا غَیْرِهِ رَهْنٌ بِخَطِیئَتِهِ- وَ رَجُلٌ قَمَشَ جَهْلًا مُوضِعٌ فِی جُهَّالِ الْأُمَّهِ- عَادٍ فِی أَغْبَاشِ الْفِتْنَهِ عَمٍ بِمَا فِی عَقْدِ الْهُدْنَهِ- قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً وَ لَیْسَ بِهِ- بَکَّرَ فَاسْتَکْثَرَ مِنْ جَمْعٍ مَا قَلَّ مِنْهُ خَیْرٌ مِمَّا کَثُرَ- حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ آجِنٍ وَ اکْتَنَزَ مِنْ غَیْرِ طَائِلٍ- جَلَسَ بَیْنَ النَّاسِ قَاضِیاً ضَامِناً لِتَخْلِیصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَیْرِهِ- فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ- هَیَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْیِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ- فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِی مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْکَبُوتِ- لَا یَدْرِی أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ- فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ یَکُونَ قَدْ أَخْطَأَ- وَ إِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ یَکُونَ قَدْ أَصَابَ- جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالَاتٍ عَاشٍ رَکَّابُ عَشَوَاتٍ- لَمْ یَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ- یُذْرِی الرِّوَایَاتِ إِذْرَاءَ الرِّیحِ الْهَشِیمَ- لَا مَلِی‏ءٌ وَ اللَّهِ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَیْهِ- وَ لَا هُوَ أَهْلٌ لِمَا فُوِّضَ إِلَیْهِ- لَا یَحْسَبُ الْعِلْمَ فِی شَیْ‏ءٍ مِمَّا أَنْکَرَهُ- وَ لَا یَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَیْرِهِ- وَ إِنْ أَظْلَمَ عَلَیْهِ أَمْرٌ اکْتَتَمَ بِهِ- لِمَا یَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ- تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ- وَ تَعَجُّ مِنْهُ‏ الْمَوَارِیثُ إِلَى اللَّهِ- مِنْ مَعْشَرٍ یَعِیشُونَ جُهَّالًا وَ یَمُوتُونَ ضُلَّالًا- لَیْسَ فِیهِمْ سِلْعَهٌ أَبْوَرُ مِنَ الْکِتَابِ إِذَا تُلِیَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ- وَ لَا سِلْعَهٌ أَنْفَقُ بَیْعاً- وَ لَا أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْکِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ- وَ لَا عِنْدَهُمْ أَنْکَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَ لَا أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْکَرِ وکله إلى نفسه ترکه و نفسه وکلته وکلا و وکولا- و الجائر الضال العادل عن الطریق- و قمش جهلا جمعه و موضع مسرع- أوضع البعیر أسرع- و أوضعه راکبه فهو موضع به أی أسرع به- . و أغباش الفتنه ظلمها الواحده غبش- و أغباش اللیل بقایا ظلمته- و منه الحدیث فی صلاه الصبح و النساء متلفعات بمروطهن ما یعرفن من الغبش – و الماء الآجن الفاسد- و أکثر کقولک استکثر- و یروى اکتنز أی اتخذ العلم کنزا- . و التخلیص التبیین و هو و التلخیص متقاربان- و لعلهما شی‏ء واحد من المقلوب- . و المبهمات المشکلات- و إنما قیل لها مبهمه لأنها أبهمت عن البیان- کأنها أصمتت فلم یجعل علیها دلیل و لا إلیها سبیل- أو جعل علیها دلیل و إلیها سبیل إلا أنه متعسر مستصعب- و لهذا قیل لما لا ینطق من الحیوان بهیمه- و قیل للمصمت اللون الذی لا شیه فیه بهیم- . و قوله حشوا رثا کلام مخرجه الذم- و الرث الخلق ضد الجدید- . و قوله حشوا یعنی کثیرا لا فائده فیه- و عاش خابط فی ظلام- و قوله لم یعض یرید أنه لم یتقن و لم یحکم الأمور- فیکون بمنزله من یعض بالناجذ و هو آخر الأضراس-

و إنمایطلع إذا استحکمت شبیبه الإنسان و اشتدت مرته- و لذلک یدعوه العوام ضرس الحلم- کأن الحلم یأتی مع طلوعه و یذهب نزق الصبا- و یقولون رجل منجذ أی مجرب محکم- کأنه قد عض على ناجذه و کمل عقله- . و قوله یذری الروایات هکذا أکثر النسخ- و أکثر الروایات یذری من أذرى رباعیا- و قد أوضحه قوله إذراء الریح- یقال طعنه فأذراه أی ألقاه- و أذریت الحب للزرع أی ألقیته- فکأنه یقول یلقی الروایات- کما یلقی الإنسان الشی‏ء على الأرض- و الأجود الأصح الروایه الأخرى- یذرو الروایات ذرو الریح الهشیم- و هکذا ذکر ابن قتیبه فی غریب الحدیث- لما ذکر هذه الخطبه عن أمیر المؤمنین ع- قال تعالى فَأَصْبَحَ هَشِیماً تَذْرُوهُ الرِّیاحُ- و الهشیم ما یبس من النبت و تفتت- . قوله لا ملی‏ء أی لا قیم به- و فلان غنی ملی‏ء أی ثقه بین الملأ و الملاء بالمد- و فی کتاب ابن قتیبه تتمه هذا الکلام- و لا أهل لما قرظ به- قال أی لیس بمستحق للمدح الذی مدح به- و الذی رواه ابن قتیبه من تمام کلام أمیر المؤمنین ع- هو الصحیح الجید- لأنه یستقبح فی العربیه أن تقول لا زید قائم- حتى تقول و لا عمرو أو تقول و لا قاعد- فقوله ع لا ملی‏ء أی لا هو ملی‏ء- و هذا یستدعی لا ثانیه و لا یحسن الاقتصار على الأولى- .

و قوله ع اکتتم به أی کتمه و ستره- و قوله تصرخ منه و تعج العج رفع الصوت- و هذا من باب الاستعاره- . و فی کثیر من النسخ إلى الله أشکو- فمن روى ذلک وقف على المواریث- و من روى الروایه الأولى وقف على قوله إلى الله- و یکون قوله من معشر من تمام صفات ذلک الحاکم- أی هو من معشر صفتهم کذا- . و أبور أفعل من البور الفاسد- بار الشی‏ء أی فسد و بارت السلعه أی کسدت و لم تنفق- و هو المراد هاهنا و أصله الفساد أیضا- . إن قیل بینوا الفرق بین الرجلین- اللذین أحدهما وکله الله إلى نفسه و الآخر رجل قمش جهلا- فإنهما فی الظاهر واحد- . قیل أما الرجل الأول فهو الضال فی أصول العقائد- کالمشبه و المجبر و نحوهما- أ لا تراه کیف قال مشغوف بکلام بدعه و دعاء ضلاله- و هذا یشعر بما قلناه- من أن مراده به المتکلم فی أصول الدین- و هو ضال عن الحق- و لهذا قال إنه فتنه لمن افتتن به ضال عن هدى من قبله- مضل لمن یجی‏ء بعده- و أما الرجل الثانی فهو المتفقه فی فروع الشرعیات- و لیس بأهل لذلک کفقهاء السوء- أ لا تراه کیف یقول جلس بین الناس قاضیا- .

و قال أیضا تصرخ من جور قضائه الدماء- و تعج منه المواریث- فإن قیل ما معنى قوله فی الرجل الأول رهن بخطیئته- قیل لأنه إن کان ضالا فی دعوته مضلا لمن اتبعه- فقد حمل خطایاه و خطایا غیره- فهو رهن بالخطیئتین معا- و هذا مثل قوله تعالى- وَ لَیَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ- . إن قیل ما معنى قوله عم بما فی عقد الهدنه- قیل الهدنه أصلها فی اللغه السکون- یقال هدن إذا سکن- و معنى الکلام أنه لا یعرف ما فی الفتنه من الشر- و لا ما فی السکون و المصالحه من الخیر- .

 

و یروى بما فی غیب الهدنه أی فی طیها و فی ضمنها- و یروى غار فی أغباش الفتنه أی غافل ذو غره- . و روی من جمع بالتنوین- فتکون ما على هذا اسما موصولا- و هی و صلتها فی موضع جر لأنها صفه جمع- و من لم یرو التنوین فی جمع حذف الموصوف- تقدیره من جمع شی‏ء ما قل منه خیر مما کثر- فتکون ما مصدریه- و تقدیر الکلام قلته خیر من کثرته- و یکون موضع ذلک جرا أیضا بالصفه

بازدیدها: ۴۳

خطبه ۱۶ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۶ و من خطبه له ع لما بویع بالمدینه

 

 
: ذِمَّتِی بِمَا أَقُولُ رَهِینَهٌ وَ أَنَا بِهِ زَعِیمٌ- إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ الْمَثُلَاتِ- حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ- أَلَا وَ إِنَّ بَلِیَّتَکُمْ قَدْ عَادَتْ کَهَیْئَتِهَا یَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِیَّهُ- وَ الَّذِی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَهً- وَ لَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَهً وَ لَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ- حَتَّى یَعُودَ أَسْفَلُکُمْ أَعْلَاکُمْ وَ أَعْلَاکُمْ أَسْفَلَکُمْ- وَ لَیَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ کَانُوا قَصَّرُوا- وَ لَیُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ کَانُوا سَبَقُوا- وَ اللَّهِ مَا کَتَمْتُ وَشْمَهً وَ لَا کَذَبْتُ کِذْبَهً- وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَ هَذَا الْیَوْمِ- أَلَا وَ إِنَّ الْخَطَایَا خَیْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَیْهَا أَهْلُهَا- وَ خُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِی النَّارِ- أَلَا وَ إِنَّ التَّقْوَى مَطَایَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَیْهَا أَهْلُهَا- وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّهَ- حَقٌّ وَ بَاطِلٌ وَ لِکُلٍّ أَهْلٌ- فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِیماً فَعَلَ- وَ لَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ لَرُبَّمَا وَ لَعَلَّ وَ لَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَیْ‏ءٌ فَأَقْبَلَ- قال الرضی و أقول- إن فی هذا الکلام الأدنى من مواقع‏ الإحسان- ما لا تبلغه مواقع الاستحسان- و إن حظ العجب منه أکثر من حظ العجب به- و فیه مع الحال التی وصفنا زوائد من الفصاحه- لا یقوم بها لسان و لا یطلع فجها إنسان- و لا یعرف ما أقول إلا من ضرب فی هذه الصناعه بحق- و جرى فیها على عرق- وَ ما یَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ- و من هذه الخطبه شُغِلَ مَنِ الْجَنَّهُ وَ النَّارُ أَمَامَهُ- سَاعٍ سَرِیعٌ نَجَا وَ طَالِبٌ بَطِی‏ءٌ رَجَا- وَ مُقَصِّرٌ فِی النَّارِ هَوَى- الْیَمِینُ وَ الشِّمَالُ مَضَلَّهٌ وَ الطَّرِیقُ الْوُسْطَى هِیَ الْجَادَّهُ- عَلَیْهَا بَاقِی الْکِتَابِ وَ آثَارُ النُّبُوَّهِ- وَ مِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّهِ وَ إِلَیْهَا مَصِیرُ الْعَاقِبَهِ- هَلَکَ مَنِ ادَّعَى وَ خَابَ مَنِ افْتَرَى- مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَکَ عِنْدَ جَهَلَهِ النَّاسِ- وَ کَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا یَعْرِفَ قَدْرَهُ- لَا یَهْلِکُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ- وَ لَا یَظْمَأُ عَلَیْهَا زَرْعُ قَوْمٍ- فَاسْتَتِرُوا فِی بُیُوتِکُمْ وَ أَصْلِحُوا ذَاتَ بَیْنِکُمْ- وَ التَّوْبَهُ مِنْ وَرَائِکُمْ- وَ لَا یَحْمَدْ حَامِدٌ إِلَّا رَبَّهُ وَ لَا یَلُمْ لَائِمٌ إِلَّا نَفْسَهُ‏ الذمه العقد و العهد-

یقول هذا الدین فی ذمتی کقولک فی عنقی- و هما کنایه عن الالتزام و الضمان و التقلد- و الزعیم الکفیل- و مخرج الکلام لهم مخرج الترغیب فی سماع ما یقوله- کما یقول المهتم بإیضاح أمر لقوم لهم- أنا المدرک المتقلد بصدق ما أقوله لکم- و صرحت کشفت و العبر جمع عبره و هی الموعظه- و المثلات العقوبات و حجزه منعه- . و قوله لتبلبلن أی لتخلطن تبلبلت الألسن أی اختلطت- و لتغربلن- یجوز أن یکون من الغربال الذی یغربل به الدقیق- و یجوز أن یکون من غربلت اللحم أی قطعته- فإن کان الأول کان له معنیان- أحدهما الاختلاط کالتبلبل- لأن غربله الدقیق تخلط بعضه ببعض- و الثانی أن یرید بذلک أنه یستخلص الصالح منکم من الفاسد- و یتمیز کما یتمیز الدقیق عند الغربله من نخالته- . و تقول ما عصیت فلانا وشمه أی کلمه- و حصان شموس یمنع ظهره- شمس الفرس بالفتح و به شماس و أمر الباطل کثر- . و قوله لقدیما فعل أی لقدیما فعل الباطل ذلک- و نسب الفعل إلى الباطل مجازا- و یجوز أن یکون فعل بمعنى انفعل- کقوله

قد جبر الدین الإله فجبر

أی فانجبر- و السنخ الأصل و قوله سنخ أصل کقوله-

إذا حاص عینیه کرى النوم‏

 

 و فی بعض الروایات من أبدى صفحته للحق هلک عند جهله الناس و التأویل مختلف- فمراده على الروایه الأولى و هی الصحیحه- من کاشف الحق مخاصما له هلک- و هی کلمه جاریه مجرى المثل- و مراده على الروایه الثانیه- من أبدى صفحته لنصره الحق غلبه أهل الجهل- لأنهم العامه و فیهم الکثره فهلک- . و هذه الخطبه من جلائل خطبه ع و من مشهوراتها- قد رواها الناس کلهم و فیها زیادات حذفها الرضی- إما اختصارا أو خوفا من إیحاش السامعین- و قد ذکرها شیخنا أبو عثمان الجاحظ- فی کتاب البیان و التبیین على وجهها- و رواها عن أبی عبیده معمر بن المثنى- .

 

قال أول خطبه خطبها أمیر المؤمنین علی ع بالمدینه- فی خلافته- حمد الله و أثنى علیه و صلى على النبی ص ثم قال- ألا لا یرعین مرع إلا على نفسه- شغل من الجنه و النار أمامه- ساع مجتهد ینجو و طالب یرجو و مقصر فی النار ثلاثه- و اثنان ملک طار بجناحیه و نبی أخذ الله بیده لا سادس- هلک من ادعى و ردی من اقتحم- الیمین و الشمال مضله و الوسطى الجاده- منهج علیه باقی الکتاب و السنه و آثار النبوه- إن الله داوى هذه الأمه بدواءین السوط و السیف- لا هواده عند الإمام فیهما- استتروا فی بیوتکم و أصلحوا ذات بینکم- و التوبه من ورائکم- من أبدى صفحته‏ للحق هلک- قد کانت لکم أمور ملتم فیها على میله- لم تکونوا عندی فیها محمودین و لا مصیبین- أما إنی لو أشاء لقلت عفا الله عما سلف- سبق الرجلان و قام الثالث کالغراب همته بطنه- ویحه لو قص جناحاه و قطع رأسه لکان خیرا له- انظروا فإن أنکرتم فأنکروا و إن عرفتم فآزروا- حق و باطل و لکل أهل- و لئن أمر الباطل لقدیما فعل- و لئن قل الحق لربما و لعل- و قلما أدبر شی‏ء فأقبل- و لئن رجعت إلیکم أمورکم إنکم لسعداء- و إنی لأخشى أن تکونوا فی فتره و ما علینا إلا الاجتهاد

قال شیخنا أبو عثمان رحمه الله تعالى و قال أبو عبیده و زاد فیها فی روایه جعفر بن محمد ع عن آبائه ع ألا إن أبرار عترتی و أطایب أرومتی- أحلم الناس صغارا و أعلم الناس کبارا- ألا و إنا أهل بیت من علم الله علمنا و بحکم الله حکمنا- و من قول صادق سمعنا- فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا- و إن لم تفعلوا یهلککم الله بأیدینا- و معنا رایه الحق من تبعها لحق و من تأخر عنها غرق- ألا و بنا یدرک تره کل مؤمن- و بنا تخلع ربقه الذل عن أعناقکم- و بنا فتح لا بکم و منا یختم لا بکم- .

 

قوله لا یرعین أی لا یبقین- أرعیت علیه أی أبقیت- یقول من أبقى على الناس فإنما أبقى على نفسه- و الهواده الرفق و الصلح و أصله اللین- و التهوید المشی‏ رویدا-و فی الحدیث أسرعوا المشی فی الجنازه- و لا تهودوا کما تهود أهل الکتاب – و آزرت زیدا أعنته التره و الوتر- و الربقه الحبل یجعل فی عنق الشاه- و ردی هلک من الردى- کقولک عمی من العمى و شجی من الشجا- . و قوله شغل من الجنه و النار أمامه- یرید به أن من کانت هاتان الداران أمامه- لفی شغل عن أمور الدنیا إن کان رشیدا- . و قوله ساع مجتهد إلى قوله لا سادس کلام- تقدیره المکلفون على خمسه أقسام- ساع مجتهد و طالب راج و مقصر هالک- ثم قال ثلاثه أی فهؤلاء ثلاثه أقسام- و هذا ینظر إلى قوله سبحانه- ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنا مِنْ عِبادِنا- فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ- وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ- ثم ذکر القسمین الرابع و الخامس- فقال هما ملک طار بجناحیه و نبی أخذ الله بیده- یرید عصمه هذین النوعین من القبیح-

 

ثم قال لا سادس أی لم یبق فی المکلفین قسم سادس- و هذا یقتضی أن العصمه لیست إلا للأنبیاء و الملائکه- و لو کان الإمام یجب أن یکون معصوما لکان قسما سادسا- فإذن قد شهد هذا الکلام بصحه ما تقوله المعتزله- فی نفی اشتراط العصمه فی الإمامه- اللهم إلا أن یجعل الإمام المعصوم داخلا فی القسم الأول- و هو الساعی المجتهد- و فیه بعد و ضعف- . و قوله هلک من ادعى و ردی من اقتحم- یرید هلک من ادعى و کذب- لا بد من تقدیر ذلک لأن الدعوى تعم الصدق و الکذب- و کأنه یقول هلک من ادعى الإمامه- و ردی من اقتحمها و ولجها عن غیر استحقاق- لأن کلامه ع فی هذه الخطبه- کله کنایات عن الإمامه لا عن غیرها- .

 

و قوله الیمین و الشمال مثال- لأن السالک الطریق المنهج اللاحب ناج- و العادل عنها یمینا و شمالا معرض للخطر- . و نحو هذا الکلام ما روی عن عمر- أنه لما صدر عن منى فی السنه التی قتل فیها- کوم کومه من البطحاء فقام علیها فخطب الناس- فقال أیها الناس قد سنت لکم السنن- و فرضت لکم الفرائض و ترکتم على الواضحه- إلا أن تمیلوا بالناس یمینا و شمالا- ثم قرأ أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَیْنَیْنِ وَ لِساناً وَ شَفَتَیْنِ- وَ هَدَیْناهُ النَّجْدَیْنِ- ثم قال إلا إنهما نجدا الخیر و الشر- فما جعل نجد الشر أحب إلیکم من نجد الخیر

 

من کلام للحجاج و زیاد نسجا فیه على منوال کلام علی

 

و قوله إن الله داوى هذه الأمه بدواءین کلام شریف- و على منواله نسج الحجاج و زیاد- کلامهما المذکور فیه السوط و السیف- فمن ذلک قول الحجاج من أعیاه داؤه فعلی دواؤه- و من استبطأ أجله فعلی أن أعجله- و من استثقل رأسه وضعت عنه ثقله- و من استطال ماضی عمره قصرت علیه باقیه- إن للشیطان طیفا و إن للسلطان سیفا- فمن سقمت سریرته صحت عقوبته- و من وضعه ذنبه رفعه صلبه- و من لم تسعه العافیه لم تضق عنه الهلکه- و من سبقته بادره فمه سبق بدنه سفک دمه- إنی لأنذر ثم لا أنظر و أحذر ثم لا أعذر- و أتوعد ثم لا أغفر إنما أفسدکم ترقیق ولاتکم- و من استرخى لببه ساء أدبه- إن الحزم و العزم سلبانی‏ سوطی- و جعلا سوطی سیفی فقائمه فی یدی- و نجاده فی عنقی و ذبابه قلاده لمن عصانی- و الله لا آمر أحدا أن یخرج من باب من أبواب المسجد- فیخرج من الباب الذی یلیه إلا ضربت عنقه- . و من ذلک قول زیاد- إنما هو زجر بالقول ثم ضرب بالسوط- ثم الثالثه التی لا شوى لها- فلا یکونن لسان أحدکم شفره- تجری على أوداجه- و لیعلم إذا خلا بنفسه أنی قد حملت سیفی بیده- فإن شهره لم أغمده و إن أغمده لم أشهره-

و قوله ع کالغراب یعنی الحرص و الجشع- و الغراب یقع على الجیفه و یقع على التمره- و یقع على الحبه- و فی الأمثال أجشع من غراب و أحرص من غراب- . و قوله ویحه لو قص- یرید لو کان قتل أو مات قبل أن یتلبس بالخلافه- لکان خیرا له من أن یعیش و یدخل فیها- ثم قال لهم أفکروا فیما قد قلت- فإن کان منکرا فأنکروه و إن کان حقا فأعینوا علیه- . و قوله استتروا فی بیوتکم نهی لهم عن العصبیه- و الاجتماع و التحزب- فقد کان قوم بعد قتل عثمان تکلموا فی قتله- من شیعه بنی أمیه بالمدینه- .

 
و أما قوله قد کانت أمور لم تکونوا عندی فیها محمودین- فمراده أمر عثمان و تقدیمه فی الخلافه علیه- و من الناس من یحمل ذلک على خلافه الشیخین أیضا- و یبعد عندی أن یکون أراده- لأن المده قد کانت طالت- و لم یبق من یعاتبه لیقول- قد کانت أمور لم تکونوا عندی فیها محمودین- فإن هذا الکلام یشعر بمعاتبه قوم على أمر- کان أنکره منهم- و أما بیعه عثمان- ثم ما جرى بینه و بین عثمان من منازعات طویله- و غضب تاره و صلح أخرى- و مراسلات خشنه و لطیفه- و کون الناس بالمدینه کانوا حزبین و فئتین- إحداهما معه ع و الأخرى مع عثمان- فإن صرف الکلام إلى ما قلناه بهذا الاعتبار ألیق- . و لسنا نمنع من أن یکون فی کلامه ع الکثیر- من التوجد و التألم- لصرف الخلافه بعد وفاه الرسول ص عنه- و إنما کلامنا الآن فی هذه اللفظات التی فی هذه الخطبه- على أن قوله ع سبق الرجلان- و الاقتصار على ذلک فیه کفایه فی انحرافه عنهما- . و أما قوله حق و باطل إلى آخر الفصل- فمعناه کل أمر فهو إما حق و إما باطل- و لکل واحد من هذین أهل- و ما زال أهل الباطل أکثر من أهل الحق- و لئن کان الحق قلیلا لربما کثر و لعله ینتصر أهله- . ثم قال على سبیل التضجر بنفسه و قلما أدبر شی‏ء فأقبل- استبعد ع أن تعود دوله قوم بعد زوالها عنهم- و إلى هذا المعنى ذهب الشاعر فی قوله-

 

و قالوا یعود الماء فی النهر بعد ما
ذوی نبت جنبیه و جف المشارع‏

 

فقلت إلى أن یرجع النهر جاریا
و یعشب جنباه تموت الضفادع‏

 

ثم قال و لئن رجعت علیکم أمورکم- أی إن ساعدنی الوقت- و تمکنت من أن أحکم فیکم بحکم الله تعالى و رسوله- و عادت إلیکم أیام شبیهه بأیام رسول الله ص- و سیره مماثله لسیرته فی أصحابه إنکم لسعداء- . ثم قال و إنی لأخشى أن تکونوا فی فتره- الفتره هی الأزمنه التی بین الأنبیاء- إذا انقطعت الرسل فیها- کالفتره التی بین عیسى ع و محمد ص- لأنه لم یکن بینهما نبی- بخلاف المده التی کانت بین موسى و عیسى ع- لأنه بعث فیها أنبیاء کثیرون- فیقول ع- إنی لأخشى ألا أتمکن من الحکم بکتاب الله تعالى فیکم- فتکونوا کالأمم الذین فی أزمنه الفتره- لا یرجعون إلى نبی یشافههم بالشرائع و الأحکام- و کأنه ع قد کان یعلم أن الأمر سیضطرب علیه- . ثم قال و ما علینا إلا الاجتهاد- یقول أنا أعمل ما یجب علی من الاجتهاد- فی القیام بالشریعه و عزل ولاه السوء- و أمراء الفساد عن المسلمین- فإن تم ما أریده فذاک- و إلا کنت قد أعذرت- . و أما التتمه المرویه عن جعفر بن محمد ع فواضحه الألفاظ- و قوله فی آخرها و بنا تختم لا بکم- إشاره إلى المهدی الذی یظهر فی آخر الزمان- و أکثر المحدثین على أنه من ولد فاطمه ع- و أصحابنا المعتزله لا ینکرونه- و قد صرحوا بذکره فی کتبهم- و اعترف به شیوخهم إلا أنه عندنا لم یخلق بعد و سیخلق- . و إلى هذا المذهب یذهب أصحاب الحدیث أیضا- .

 

و روى قاضی القضاه

 
رحمه الله تعالى عن کافی الکفاه أبی القاسم إسماعیل بن عباد رحمه الله بإسناد متصل بعلی ع أنه ذکر المهدی و قال- إنه من ولد الحسین ع و ذکر حلیته- فقال رجل أجلى الجبین أقنى الأنف- ضخم البطن أزیل الفخذین أبلج الثنایا- بفخذه الیمنى شامه و ذکر هذا الحدیث بعینه عبد الله بن قتیبه فی کتاب غریب الحدیث

بازدیدها: ۱۳۳

خطبه ۱۵ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۵ و من کلام له ع فیما رده على المسلمین من قطائع عثمان- رضی الله عنه

 

وَ اللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ وَ مُلِکَ بِهِ الْإِمَاءُ- لَرَدَدْتُهُ- فَإِنَّ فِی الْعَدْلِ سَعَهً- وَ مَنْ ضَاقَ عَلَیْهِ الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَیْهِ أَضْیَقُ القطائع ما یقطعه الإمام بعض الرعیه- من أرض بیت المال ذات الخراج- و یسقط عنه خراجه- و یجعل علیه ضریبه یسیره عوضا عن الخراج- و قد کان عثمان أقطع کثیرا من بنی أمیه- و غیرهم من أولیائه و أصحابه- قطائع من أرض الخراج على هذه الصوره- و قد کان عمر أقطع قطائع- و لکن لأرباب الغناء فی الحرب- و الآثار المشهوره فی الجهاد- فعل ذلک ثمنا عما بذلوه من مهجهم فی طاعه الله سبحانه- و عثمان أقطع القطائع صله لرحمه و میلا إلى أصحابه- عن غیر عناء فی الحرب و لا أثر- .

 
و هذه الخطبه ذکرها الکلبی مرویه مرفوعه إلى أبی صالح عن ابن عباس رضی الله عنهما أن علیا ع خطب فی الیوم الثانی من بیعته بالمدینه- فقال ألا إن کل قطیعه أقطعها عثمان- و کل مال أعطاه من مال الله- فهو مردود فی بیت المال- فإن الحق القدیم لا یبطله شی‏ء- و لو وجدته و قد تزوج به النساء و فرق فی البلدان- لرددته إلى حاله- فإن فی العدل سعه- و من ضاق عنه الحق فالجور علیه أضیق
و تفسیر هذا الکلام- أن الوالی إذا ضاقت علیه تدبیرات أموره فی العدل- فهی فی الجور أضیق علیه- لأن الجائر فی مظنه أن یمنع و یصد عن جوره- . قال الکلبی- ثم أمر ع بکل سلاح وجد لعثمان فی داره- مما تقوى به على المسلمین- فقبض- و أمر بقبض نجائب کانت فی داره من إبل الصدقه- فقبضت- و أمر بقبض سیفه و درعه- و أمر ألا یعرض لسلاح وجد له لم یقاتل به المسلمون- و بالکف عن جمیع أمواله التی وجدت فی داره- و فی غیر داره- و أمر أن ترتجع الأموال التی أجاز بها عثمان- حیث أصیبت أو أصیب أصحابها- . فبلغ ذلک عمرو بن العاص و کان بأیله من أرض الشام- أتاها حیث وثب الناس على عثمان- فنزلها فکتب إلى معاویه ما کنت صانعا فاصنع- إذ قشرک ابن أبی طالب من کل مال- تملکه کما تقشر عن العصا لحاها- . و قال الولید بن عقبه و هو أخو عثمان من أمه- یذکر قبض علی ع نجائب عثمان و سیفه و سلاحه-

 

بنی هاشم ردوا سلاح ابن أختکم
و لا تنهبوه لا تحل مناهبه‏

 

بنی هاشم کیف الهواده بیننا
و عند علی درعه و نجائبه‏

 

بنی هاشم کیف التودد منکم
و بز ابن أروى فیکم و حرائبه‏

 

بنی هاشم إلا تردوا فإننا
سواء علینا قاتلاه و سالبه‏

 

بنی هاشم إنا و ما کان منکم
کصدع الصفا لا یشعب الصدع شاعبه‏

 

قتلتم أخی کیما تکونوا مکانه‏
کما غدرت یوما بکسرى مرازبه‏

 

فأجابه عبد الله بن أبی سفیان- بن الحارث بن عبد المطلب- بأبیات طویله من جملتها-

 

فلا تسألونا سیفکم إن سیفکم
أضیع و ألقاه لدى الروع صاحبه‏

 

و شبهته کسرى و قد کان مثله‏
شبیها بکسرى هدبه و ضرائبه‏

 

 أی کان کافرا کما کان کسرى کافرا- . و کان المنصور رحمه الله تعالى إذا أنشد هذا الشعر- یقول لعن الله الولید- هو الذی فرق بین بنی عبد مناف بهذا الشعر

بازدیدها: ۲۸

خطبه ۱۴ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۴ و من کلام له ع فی مثل ذلک

 
 : أَرْضُکُمْ قَرِیبَهٌ مِنَ الْمَاءِ بَعِیدَهٌ مِنَ السَّمَاءِ- خَفَّتْ عُقُولُکُمْ وَ سَفِهَتْ حُلُومُکُمْ- فَأَنْتُمْ غَرَضٌ لِنَابِلٍ وَ أُکْلَهٌ لآِکِلٍ وَ فَرِیسَهٌ لِصَائِلٍ الغرض ما ینصب الیرمى بالسهام- و النابل ذو النبل و الأکله بضم الهمزه المأکول- و فریسه الأسد ما یفترسه- . و سفه فلان بالکسر أی صار سفیها و سفه بالضم أیضا- فإذا قلت سفه فلان رأیه أو حلمه أو نفسه- لم تقل إلا بالکسر لأن فعل بالضم لا یتعدى- و قولهم سفه فلان نفسه و غبن رأیه و بطر عیشه- و ألم بطنه و رفق حاله و رشد أمره- کان الأصل فیه کله سفهت نفس زید- فلما حول الفعل إلى الرجل انتصب ما بعده بالمفعولیه- هذا مذهب البصریین و الکسائی من الکوفیین- . و قال الفراء لما حول الفعل إلى الرجل- خرج ما بعده مفسرا لیدل على أن السفاهه فیه- و کان حکمه أن یکون سفه زید نفسا- لأن المفسر لا یکون إلا نکره- و لکنه ترک على إضافته- و نصب کنصب النکره تشبیها بها- . و یجوز عند البصریین و الکسائی تقدیم المنصوب- کما یجوز ضرب غلامه زید- و عند الفراء لا یجوز تقدیمه لأن المفسر لا یتقدم- .

 

فأما قوله أرضکم قریبه من الماء بعیده من السماء- فقد قدمنا معنى قوله قریبه من الماء- و ذکرنا غرقها من بحر فارس دفعتین- و مراده ع بقوله قریبه من الماء- أی قریبه من الغرق بالماء- و أما بعیده من السماء- فإن أرباب علم الهیئه و صناعه التنجیم یذکرون- أن أبعد موضع فی الأرض عن السماء الأبله- و ذلک موافق لقوله ع- . و معنى البعد عن السماء هاهنا- هو بعد تلک الأرض المخصوصه- عن دائره معدل النهار و البقاع- و البلاد تختلف فی ذلک- و قد دلت الأرصاد و الآلات النجومیه- على أن أبعد موضع فی المعموره عن دائره معدل النهار- هو الأبله و الأبله هی قصبه البصره- . و هذا الموضع من خصائص أمیر المؤمنین ع- لأنه أخبر عن أمر لا تعرفه العرب و لا تهتدى إلیه- و هو مخصوص بالمدققین من الحکماء- و هذا من أسراره و غرائبه البدیعه

بازدیدها: ۱۸

خطبه ۱۳ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(ذم أهل البصره)

۱۳ و من کلام له ع فی ذم أهل البصره

 
– کُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَهِ وَ أَتْبَاعَ الْبَهِیمَهِ- رَغَا فَأَجَبْتُمْ وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ- أَخْلَاقُکُمْ دِقَاقٌ وَ عَهْدُکُمْ شِقَاقٌ- وَ دِینُکُمْ نِفَاقٌ وَ مَاؤُکُمْ زُعَاقٌ- وَ الْمُقِیمُ بَیْنَ أَظْهُرِکُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ- وَ الشَّاخِصُ عَنْکُمْ مُتَدَارَکٌ بِرَحْمَهٍ مِنْ رَبِّهِ- کَأَنِّی بِمَسْجِدِکُمْ کَجُؤْجُؤِ سَفِینَهٍ- قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَیْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَ مِنْ تَحْتِهَا- وَ غَرَّقَ مَنْ فِی ضِمْنِهَا- وَ فِی رِوَایَهٍ وَ ایْمُ اللَّهِ لَتُغْرَقَنَّ بَلْدَتُکُمْ- حَتَّى کَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا کَجُؤْجُؤِ سَفِینَهٍ- أَوْ نَعَامَهٍ جَاثِمَهٍ- وَ فِی رِوَایَهٍ کَجُؤْجُؤِ طَیْرٍ فِی لُجَّهِ بَحْرٍ- وَ فِی رِوَایَهٍ أُخْرَى بِلَادُکُمْ أَنْتَنُ بِلَادِ اللَّهِ تُرْبَهً- أَقْرَبُهَا مِنَ الْمَاءِ وَ أَبْعَدُهَا مِنَ السَّمَاءِ- وَ بِهَا تِسْعَهُ أَعْشَارِ الشَّرِّ- الْمُحْتَبَسُ فِیهَا بِذَنْبِهِ وَ الْخَارِجُ بِعَفْوِ اللَّهِ- کَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَى قَرْیَتِکُمْ هَذِهِ قَدْ طَبَّقَهَا الْمَاءُ- حَتَّى مَا یُرَى مِنْهَا إِلَّا شُرَفُ الْمَسْجِدِ- کَأَنَّهُ جُؤْجُؤُ طَیْرٍ فِی لُجَّهِ بَحْرٍ

قوله و أتباع البهیمه یعنی الجمل- و کان جمل عائشه رایه عسکر البصره- قتلوا دونه کما تقتل الرجال تحت رایاتها- . و قوله أخلاقکم دقاق یصفهم باللؤم- و فی الحدیث أن رجلا قال له یا رسول الله- إنی أحب أن أنکح فلانه إلا أن فی أخلاق أهلها دقه- فقال له إیاک و خضراء الدمن- إیاک و المرأه الحسناء فی منبت السوء – . قوله و عهدکم شقاق یصفهم بالغدر- یقول عهدکم و ذمتکم لا یوثق بها- بل هی و إن کانت فی الصوره عهدا أو ذمه- فإنها فی المعنى خلاف و عداوه- . قوله و ماؤکم زعاق أی ملح- و هذا و إن لم یکن من أفعالهم إلا أنه مما تذم به المدینه- کما قال

 

بلاد بها الحمى و أسد عرینه
و فیها المعلى یعتدی و یجور

 

فإنی لمن قد حل فیها لراحم‏
و إنی من لم یأتها لنذیر

 

– و لا ذنب لأهلها فی أنها بلاد الحمى و السباع- . ثم وصف المقیم بین أظهرهم بأنه مرتهن بذنبه- لأنه إما أن یشارکهم فی الذنوب أو یراها فلا ینکرها- و مذهب أصحابنا أنه لا تجوز الإقامه فی دار الفسق- کما لا تجوز الإقامه فی دار الکفر- . و جؤجؤ عظم الصدر و جؤجؤ السفینه صدرها- .

فأما إخباره ع أن البصره تغرق عدا المسجد الجامع بها- فقد رأیت من یذکر أن کتب الملاحم- تدل على أن البصره تهلک بالماء الأسود- ینفجر من أرضها فتغرق و یبقى مسجدها- . و الصحیح أن المخبر به قد وقع فإن البصره غرقت مرتین- مره فی أیام القادر بالله و مره فی أیام القائم بأمر الله- غرقت بأجمعها و لم یبق منها إلا مسجدها الجامع- بارزا بعضه کجؤجؤ الطائر- حسب ما أخبر به أمیر المؤمنین ع- جاءها الماء من بحر فارس- من جهه الموضع المعروف الآن بجزیره الفرس- و من جهه الجبل المعروف بجبل السنام- و خربت دورها و غرق کل ما فی ضمنها- و هلک کثیر من أهلها- . و أخبار هذین الغرقین معروفه عند أهل البصره- یتناقلها خلفهم عن سلفهم
من أخبار یوم الجمل أیضا

قال أبو الحسن علی بن محمد بن سیف المدائنی- و محمد بن عمر الواقدی- ما حفظ رجز قط أکثر من رجز قیل یوم الجمل- و أکثره لبنی ضبه و الأزد- الذین کانوا حول الجمل یحامون عنه- و لقد کانت الرءوس تندر عن الکواهل- و الأیدی تطیح من المعاصم و أقتاب البطن- تندلق من الأجواف- و هم حول الجمل کالجراد الثابته لا تتحلحل و لا تتزلزل- حتى لقد صرخ ع بأعلى صوته- ویلکم اعقروا الجمل فإنه شیطان- ثم قال اعقروه و إلا فنیت العرب- لا یزال السیف قائما و راکعا- حتى یهوی هذا البعیرإلى الأرض- فصمدوا له حتى عقروه فسقط و له رغاء شدید- فلما برک کانت الهزیمه- . و من الأراجیز المحفوظه یوم الجمل لعسکر البصره- قول بعضهم-

 

نحن بنی ضبه أصحاب الجمل
ننازل الموت إذا الموت نزل‏

 

ننعى ابن عفان بأطراف الأسل‏
ردوا علینا شیخنا ثم بجل‏

 

الموت أحلى عندنا من العسل
لا عار فی الموت إذا حان الأجل‏

 

إن علیا هو من شر البدل‏
إن تعدلوا بشیخنا لا یعتدل‏

أین الوهاد و شماریخ القلل‏

 

 

 فأجابه رجل من عسکر الکوفه- من أصحاب أمیر المؤمنین ع-

 

نحن قتلنا نعثلا فیمن قتل
أکثر من أکثر فیه أو أقل‏

 

أنى یرد نعثل و قد قحل‏
نحن ضربنا وسطه حتى انجدل‏

 

لحکمه حکم الطواغیت الأول
آثر بالفی‏ء و جافى فی العمل‏

 

فأبدل الله به خیر بدل‏
إنی امرؤ مستقدم غیر وکل‏

مشمر للحرب معروف بطل‏

 

 

و من أراجیز أهل البصره-

 

 

یا أیها الجند الصلیب الإیمان
قوموا قیاما و استغیثوا الرحمن‏
إنی أتانی خبر ذو ألوان
إن علیا قتل ابن عفان‏

 

ردوا إلینا شیخنا کما کان‏
یا رب و ابعث ناصرا لعثمان‏

 

یقتلهم بقوه و سلطان‏

فأجابه رجل من عسکر الکوفه-

 

أبت سیوف مذحج و همدان
بأن ترد نعثلا کما کان‏

 

خلقا سویا بعد خلق الرحمن‏
و قد قضى بالحکم حکم الشیطان‏

 

و فارق الحق و نور الفرقان
فذاق کأس الموت شرب الظمآن‏

 

 و من الرجز المشهور المقول یوم الحمل- قاله أهل البصره-

 

یا أمنا عائش لا تراعی
کل بنیک بطل المصاع‏

 

ینعى ابن عفان إلیک ناع‏
کعب بن سور کاشف القناع‏

 

فارضی بنصر السید المطاع
و الأزد فیها کرم الطباع‏

 

 و منه قول بعضهم-

 

 

یا أمنا یکفیک منا دنوه
لن یؤخذ الدهر الخطام عنوه‏

 

و حولک الیوم رجال شنوه‏
و حی همدان رجال الهبوه‏

 

و المالکیون القلیلو الکبوه
و الأزد حی لیس فیهم نبوه‏

 

 

 قالوا و خرج من أهل البصره شیخ صبیح الوجه نبیل- علیه جبه وشی یحض الناس على الحرب و یقول-

 

 

یا معشر الأزد علیکم أمکم
فإنها صلاتکم و صومکم‏

 

و الحرمه العظمى التی تعمکم‏
فأحضروها جدکم و حزمکم‏

 

لا یغلبن سم العدو سمکم
إن العدو إن علاکم زمکم‏

 

و خصکم بجوره و عمکم‏
لا تفضحوا الیوم فداکم قومکم‏

 

– قال المدائنی و الواقدی- و هذا الرجز یصدق الروایه- أن الزبیر و طلحه قاما فی الناس فقالا- إن علیا إن یظفر فهو فناؤکم یا أهل البصره- فاحموا حقیقتکم- فإنه لا یبقی حرمه إلا انتهکها- و لا حریما إلا هتکه و لا ذریه إلا قتلها- و لا ذوات خدر إلا سباهن- فقاتلوا مقاتله من یحمی عن حریمه- و یختار الموت على الفضیحه یراها فی أهله- . و قال أبو مخنف- لم یقل أحد من رجاز البصره قولا- کان أحب إلى أهل الجمل من قول هذا الشیخ- استقتل الناس عند قوله و ثبتوا حول الجمل و انتدبوا- فخرج عوف بن قطن الضبی و هو ینادی- لیس لعثمان ثأر إلا علی بن أبی طالب و ولده- فأخذ خطام الجمل و قال-

 

یا أم یا أم خلا منی الوطن
لا أبتغی القبر و لا أبغی الکفن‏

 

من هاهنا محشر عوف بن قطن‏
إن فاتنا الیوم علی فالغبن‏

 

أو فاتنا ابناه حسین و حسن
إذا أمت بطول هم و حزن‏

 

ثم تقدم فضرب بسیفه حتى قتل- . و تناول عبد الله بن أبزى خطام الجمل- و کان کل من أراد الجد فی الحرب و قاتل قتال مستمیت- یتقدم إلى الجمل فیأخذ بخطامه- ثم شد على عسکر علی ع و قال-

 

أضربهم و لا أرى أبا حسن
ها إن هذا حزن من الحزن‏

 

 فشد علیه علی أمیر المؤمنین ع بالرمح فطعنه فقتله- و قال قد رأیت أبا حسن فکیف رأیته و ترک الرمح فیه- .

و أخذت عائشه کفا من حصى- فحصبت به أصحاب علی ع- و صاحت بأعلى صوتها شاهت الوجوه- کما صنع رسول الله ص یوم حنین- فقال لها قائل و ما رمیت إذ رمیت و لکن الشیطان رمى- و زحف علی ع نحو الجمل بنفسه- فی کتیبته الخضراء من المهاجرین و الأنصار- و حوله بنوه حسن و حسین و محمد ع- و دفع الرایه إلى محمد- و قال أقدم بها حتى ترکزها فی عین الجمل و لا تقفن دونه- فتقدم محمد فرشقته السهام- فقال لأصحابه رویدا حتى تنفد سهامهم- فلم یبق لهم إلا رشقه أو رشقتان- فأنفذا إلیه علی ع إلیه یستحثه و یأمره بالمناجزه- فلما أبطأ علیه جاء بنفسه من خلفه- فوضع یده الیسرى على منکبه الأیمن و قال له- أقدم لا أم لک- فکان محمد رضی الله عنه إذا ذکر ذلک بعد یبکی- و یقول لکأنی أجد ریح نفسه فی قفای- و الله لا أنسى أبدا- ثم أدرکت علیا ع رقه على ولده- فتناول الرایه منه بیده الیسرى- و ذو الفقار مشهور فی یمنى یدیه- ثم حمل فغاص فی عسکر الجمل ثم رجع و قد انحنى سیفه- فأقامه برکبته- فقال له أصحابه و بنوه و الأشتر و عمار- نحن نکفیک یا أمیر المؤمنین- فلم یجب أحدا منهم و لا رد إلیهم بصره- و ظل ینحط و یزأر زئیر الأسد حتى فرق من حوله- و تبادروه و إنه لطامح ببصره نحو عسکر البصره- لا یبصر من حوله و لا یرد حوارا- ثم دفع الرایه إلى ابنه محمد ثم حمل حمله ثانیه وحده- فدخل وسطهم فضربهم بالسیف قدما قدما- و الرجال تفر من بین یدیه و تنحاز عنه یمنه و یسره- حتى خضب الأرض بدماء القتلى- ثم رجع و قد انحنى سیفه فأقامه برکبته- فاعصوصب به أصحابه- و ناشدوه الله فی نفسه و فی الإسلام- و قالوا إنک إن تصب یذهب الدین فأمسک و نحن نکفیک- فقال و الله ما أرید بما ترون إلا وجه الله و الدار الآخره- ثم قال لمحمد ابنه هکذا تصنع یا ابن الحنفیه- فقال الناس من الذی یستطیع ما تستطیعه یا أمیر المؤمنین- .

 

و من کلماته الفصیحه ع فی یوم الجمل- ما رواه الکلبی عن رجل من الأنصار- قال بینا أنا واقف فی أول الصفوف یوم الجمل- إذ جاء علی ع فانحرفت إلیه- فقال أین مثرى القوم فقلت هاهنا نحو عائشه- . قال الکلبی- یرید أین عددهم و أین جم و من کلماته الفصیحه ع فی یوم الجمل- ما رواه الکلبی عن رجل من الأنصار- قال بینا أنا واقف فی أول الصفوف یوم الجمل- إذ جاء علی ع فانحرفت إلیه- فقال أین مثرى القوم فقلت هاهنا نحو عائشه- . قال الکلبی- یرید أین عددهم و أین جمهورهم و کثرتهم- و المال الثری على فعیل هو الکثیر- و منه رجل ثروان و امرأه ثروى و تصغیرها ثریا- و الصدقه مثراه للمال أی مکثره له- . قال أبو مخنف- و بعث علی ع إلى الأشتر أن احمل على میسرتهم- فحمل علیها و فیها هلال بن وکیع فاقتتلوا قتالا شدیدا- و قتل هلال قتله الأشتر- فمالت المیسره إلى عائشه فلاذوا بها- و عظمهم بنو ضبه و بنو عدی- ثم عطفت الأزد و ضبه و ناجیه و باهله إلى الجمل- فأحاطوا به و اقتتل الناس حوله قتالا شدیدا- و قتل کعب بن سور قاضی البصره- جاءه سهم غرب فقتله و خطام الجمل فی یده- ثم قتل عمرو بن یثربی الضبی- و کان فارس أصحاب الجمل و شجاعهم- بعد أن قتل کثیرا من أصحاب علی ع- . قالوا کان عمرو أخذ بخطام الجمل فدفعه إلى ابنه- ثم دعا إلى البراز- فخرج إلیه علباء بن الهیثم السدوسی فقتله عمرو- ثم دعا إلى البراز- فخرج إلیه هند بن عمرو الجملی فقتله عمرو- ثم دعا إلى البراز- فقال زید بن صوحان العبدی لعلی ع یا أمیر المؤمنین- إنی رأیت یدا أشرفت علی من السماء- و هی تقول هلم إلینا- و أنا خارج إلى‏
ابن یثربی- فإذا قتلنی فادفنی بدمی و لا تغسلنی- فإنی مخاصم عند ربی- ثم خرج فقتله عمرو- ثم رجع إلى خطام الجمل مرتجزا یقول-

 

أردیت علباء و هندا فی طلق
ثم ابن صوحان خضیبا فی علق‏

 

قد سبق الیوم لنا ما قد سبق‏
و الوتر منا فی عدی ذی الفرق‏

 

و الأشتر الغاوی و عمرو بن الحمق
و الفارس المعلم فی الحرب الحنق‏

 

ذاک الذی فی الحادثات لم یطق‏
أعنی علیا لیته فینا مزق‏

 

 قال قوله و الوتر منا فی عدی یعنی عدی بن حاتم الطائی- و کان من أشد الناس على عثمان و من أشدهم جهادا مع علی ع- ثم ترک ابن یثربی الخطام و خرج یطلب المبارزه- فاختلف فی قاتله فقال قوم إن عمار بن یاسر خرج إلیه- و الناس یسترجعون له- لأنه کان أضعف من برز إلیه یومئذ- أقصرهم سیفا و أقصفهم رمحا و أحمشهم ساقا- حماله سیفه من نسعه الرحل- و ذباب سیفه قریب من إبطه- فاختلفا ضربتین فنشب سیف ابن یثربی فی حجفه عمار- فضربه عمار على رأسه فصرعه- ثم أخذ برجله یسحبه حتى انتهى به إلى علی ع- فقال یا أمیر المؤمنین استبقنی أجاهد بین یدیک- و أقتل منهم مثل ما قتلت منکم- فقال له علی ع أ بعد زید و هند و علباء أستبقیک- لاها الله إذا- قال فأدننی منک أسارک قال له أنت متمرد- و قد أخبرنی رسول الله ص بالمتمردین و ذکرک فیهم- فقال أما و الله لو وصلت إلیک لعضضت أنفک عضه أبنته منک- . فأمر به علی ع فضربت عنقه- .

و قال قوم- إن عمرا لما قتل من قتل و أراد أن یخرج لطلب البراز- قال للأزد یا معشر الأزد إنکم قوم لکم حیاء و بأس- و إنی قد وترت القوم و هم قاتلی- و هذه أمکم نصرها دین و خذلانها عقوق- و لست أخشى أن أقتل حتى أصرع فإن صرعت فاستنقذونی- فقالت له الأزد- ما فی هذا الجمع أحد نخافه علیک إلا الأشتر- قال فإیاه أخاف- . قال أبو مخنف- فقیضه الله له و قد أعلما جمیعا فارتجز الأشتر-

 

إنی إذا ما الحرب أبدت نابها
و أغلقت یوم الوغى أبوابها

 

و مزقت من حنق أثوابها
کنا قداماها و لا أذنابها

 

لیس العدو دوننا أصحابها
من هابها الیوم فلن أهابها

 

لا طعنها أخشى و لا ضرابها

 

 

ثم حمل علیه فطعنه فصرعه- و حامت عنه الأزد فاستنقذوه فوثب و هو وقیذ ثقیل- فلم یستطع أن یدفع عن نفسه- و استعرضه عبد الرحمن بن طود البکری- فطعنه فصرعه ثانیه- و وثب علیه رجل من سدوس فأخذه مسحوبا برجله- حتى أتى به علیا ع- فناشده الله و قال یا أمیر المؤمنین اعف عنی- فإن العرب لم تزل قائله عنک- إنک لم تجهز على جریح قط- فأطلقه و قال اذهب حیث شئت- فجاء إلى أصحابه و هو لما به حضره الموت- فقالوا له دمک عند أی الناس- فقال أما الأشتر فلقینی و أنا کالمهر الأرن فعلا حده حدی- و لقیت رجلا یبتغی له عشره أمثالی- و أما البکری فلقینی و أنا لما بی- و کان یبتغی لی عشره أمثاله- و تولى أسری أضعف القوم و صاحبی الأشتر- . قال أبو مخنف فلما انکشفت الحرب- شکرت ابنه عمرو بن یثربی الأزد و عابت قومها فقالت-

 
یا ضب إنک قد فجعت بفارس
حامی الحقیقه قاتل الأقران‏

 

عمرو بن یثرب الذی فجعت به‏
کل القبائل من بنی عدنان‏

 

لم یحمه وسط العجاجه قومه
و حنت علیه الأزد أزد عمان‏

 

فلهم علی بذاک حادث نعمه
و لحبهم أحببت کل یمان‏

 

لو کان یدفع عن منیه هالک
طول الأکف بذابل المران‏

 

أو معشر وصلوا الخطا بسیوفهم‏
وسط العجاجه و الحتوف دوان‏

 

ما نیل عمر و الحوادث جمه
حتى ینال النجم و القمران‏

 

لو غیر الأشتر ناله لندبته‏
و بکیته ما دام هضب أبان‏

 

لکنه من لا یعاب بقتله
أسد الأسود و فارس الفرسان‏

 

 

قال أبو مخنف- و بلغنا أن عبد الرحمن بن طود البکری قال لقومه- أنا و الله قتلت عمرا- و إن الأشتر کان بعدی و أنا أمامه فی الصعالیک- فطعنت عمرا طعنه لم أحسب أنها تجعل للأشتر دونی- و إنما الأشتر ذو حظ فی الحرب- و إنه لیعلم أنه کان خلفی- و لکن أبى الناس إلا أنه صاحبه- و لا أرى أن أکون خصم العامه و إن الأشتر لأهل ألا ینازع- فلما بلغ الأشتر قوله قال- أما و الله لو لا أنی أطفأت جمرته عنه ما دنا منه- و ما صاحبه غیری و إن الصید لمن وقذه- فقال عبد الرحمن لا أنازع فیه- ما القول إلا ما قاله و أنى لی أن أخالف الناس- . قال و خرج عبد الله بن خلف الخزاعی- و هو رئیس البصره و أکثر أهلها مالا و ضیاعا- فطلب البراز و سأل ألا یخرج إلیه إلا علی ع- و ارتجز فقال

 
أبا تراب ادن منی فترا
فإننی دان إلیک شبرا
و إن فی صدری علیک غمرا

 

 

فخرج إلیه علی ع فلم یمهله أن ضربه ففلق هامته- . قالوا استدار الجمل کما تدور الرحى- و تکاثفت الرجال من حوله و اشتد رغاؤه- و اشتد زحام الناس علیه- و نادى الحتات المجاشعی أیها الناس أمکم أمکم- و اختلط الناس فضرب بعضهم بعضا- و تقصد أهل الکوفه قصد الجمل- و الرجال دونه کالجبال- کلما خف قوم جاء أضعافهم- فنادى علی ع ویحکم ارشقوا الجمل بالنبل- اعقروه لعنه الله فرشق بالسهام- فلم یبق فیه موضع إلا أصابه النبل و کان مجففا- فتعلقت السهام به فصار کالقنفذ- و نادت الأزد و ضبه یا لثارات عثمان- فاتخذوها شعارا- و نادى أصحاب علی ع یا محمد فاتخذوها شعارا- و اختلط الفریقان- و نادى علی ع بشعار رسول الله ص یا منصور أمت- و هذا فی الیوم الثانی من أیام الجمل- فلما دعا بها تزلزلت أقدام القوم- و ذلک وقت العصر بعد أن کانت الحرب من وقت الفجر- . قال الواقدی-
و قد روی أن شعاره ع کان فی ذلک الیوم حم لا ینصرون- اللهم انصرنا على القوم الناکثین – ثم تحاجز الفریقان و القتل فاش فیهما- إلا أنه فی أهل البصره أکثر- و أمارات النصر لائحه لعسکر الکوفه- ثم تواقفوا فی الیوم الثالث- فبرز أول الناس عبد الله بن الزبیر- و دعا إلى المبارزه فبرز إلیه الأشتر- فقالت عائشه من برز إلى عبد الله قالوا الأشتر- فقالت وا ثکل أسماء- فضرب کل منهما صاحبه فجرحه ثم اعتنقا- فصرع الأشتر عبد الله و قعد على صدره- و اختلط الفریقان- هؤلاء لینقذوا عبد الله و هؤلاء لیعینوا الأشتر- و کان الأشتر طاویا ثلاثه أیام‏ لم یطعم- و هذه عادته فی الحرب و کان أیضا شیخا عالی السن- فجعل عبد الله ینادی-اقتلونی و مالکا

 فلو قال اقتلونی و الأشتر لقتلوهما- إلا أن أکثر من کان یمر بهما لا یعرفهما- لکثره من وقع فی المعرکه صرعى بعضهم فوق بعض- و أفلت ابن الزبیر من تحته و لم یکد- فذلک قول الأشتر-

 

 

أ عائش لو لا أننی کنت طاویا
ثلاثا لألفیت ابن أختک هالکا

 

غداه ینادی و الرجال تحوزه‏
بأضعف صوت اقتلونی و مالکا

 

فلم یعرفوه إذ دعاهم و غمه
خدب علیه فی العجاجه بارکا

 

فنجاه منی أکله و شبابه‏
و أنی شیخ لم أکن متماسکا

 

 

 و روى أبو مخنف عن الأصبغ بن نباته قال- دخل عمار بن یاسر و مالک بن الحارث الأشتر على عائشه- بعد انقضاء أمر الجمل- فقالت عائشه یا عمار من معک قال الأشتر- فقالت یا مالک أنت الذی صنعت بابن أختی ما صنعت- قال نعم- و لو لا أنی کنت طاویا ثلاثه أیام لأرحت أمه محمد منه- فقالت أ ما علمت- أن رسول الله ص قال لا یحل دم مسلم إلا بأحد أمور ثلاثه- کفر بعد إیمان أو زنا بعد إحصان- أو قتل نفس بغیر حق

– فقال الأشتر- على بعض هذه الثلاثه قاتلناه یا أم المؤمنین- و ایم الله ما خاننی سیفی قبلها- و لقد أقسمت ألا یصحبنی بعدها- . قال أبو مخنف- ففی ذلک یقول الأشتر من جمله هذا الشعر الذی ذکرناه-

 

 

و قالت على أی الخصال صرعته
بقتل أتى أم رده لا أبا لکا

 

 

أم المحصن الزانی الذی حل قتله‏
فقلت لها لا بد من بعض ذلکا

 

 

قال أبو مخنف- و انتهى الحارث بن زهیر الأزدی من أصحاب علی ع- إلى الجمل- و رجل آخذ بخطامه لا یدنو منه أحد إلا قتله- فلما رآه الحارث بن زهیر مشى إلیه بالسیف و ارتجز- فقال لعائشه-

 

 

یا أمنا أعق أم نعلم
و الأم تغذو ولدها و ترحم

أ ما ترین کم شجاع یکلم‏
و تختلى هامته و المعصم‏

 

 

 فاختلف هو و الرجل ضربتین فکلاهما أثخن صاحبه- . قال جندب بن عبد الله الأزدی- فجئت حتى وقفت علیهما- و هما یفحصان بأرجلهما حتى ماتا- قال فأتیت عائشه بعد ذلک أسلم علیها بالمدینه- فقالت من أنت قلت رجل من أهل الکوفه- قالت هل شهدتنا یوم البصره قلت نعم- قالت مع أی الفریقین قلت مع علی- قالت هل سمعت مقاله الذی قال-یا أمنا أعق أم نعلم‏

– . قلت نعم و أعرفه- قالت و من هو قلت ابن عم لی- قالت و ما فعل قلت قتل عند الجمل و قتل قاتله- قال فبکت حتى ظننت و الله أنها لا تسکت- ثم قالت لوددت و الله أننی کنت مت قبل ذلک الیوم- بعشرین سنه- . قالوا و خرج رجل من عسکر البصره- یعرف بخباب بن عمرو الراسبی فارتجز فقال-

 

 

أضربهم و لو أرى علیا
عممته أبیض مشرفیا

أریح منه معشرا غویا

 

 

 فصمد علیه الأشتر فقتله- . ثم تقدم عبد الرحمن بن عتاب بن أسید- بن أبی العاص بن أمیه بن عبد شمس- و هومن أشراف قریش- و کان اسم سیفه ولول فارتجز فقال-

 

 

أنا ابن عتاب و سیفی ولول
و الموت دون الجمل المجلل‏

 

 

فحمل علیه الأشتر فقتله- ثم خرج عبد الله بن حکیم بن حزام- من بنی أسد بن عبد العزى بن قصی من أشراف قریش أیضا- فارتجز و طلب المبارزه- فخرج إلیه الأشتر فضربه على رأسه فصرعه- ثم قام فنجا بنفسه- . قالوا و أخذ خطام الجمل سبعون من قریش قتلوا کلهم- و لم یکن یأخذ بخطام الجمل أحد إلا سالت نفسه- أو قطعت یده- و جاءت بنو ناجیه فأخذوا بخطام الجمل- و لم یکن یأخذ الخطام أحد إلا سألت عائشه من هذا- فسألت عنهم فقیل بنو ناجیه- فقالت عائشه صبرا یا بنی ناجیه- فإنی أعرف فیکم شمائل قریش- قالوا و بنو ناجیه مطعون فی نسبهم إلى قریش- فقتلوا حولها جمیعا- . قال أبو مخنف- و حدثنا إسحاق بن راشد عن عبد الله بن الزبیر- قال أمسیت یوم الجمل و بی سبعه و ثلاثون جرحا- من ضربه و طعنه و رمیه- و ما رأیت مثل یوم الجمل قط- ما کان الفریقان إلا کالجبلین لا یزولان- 

 

قال أبو مخنف و قام رجل إلى علی ع فقال- یا أمیر المؤمنین أی فتنه أعظم من هذه- إن البدریه لیمشی بعضها إلى بعض بالسیف- فقال علی ع ویحک- أ تکون فتنه أنا أمیرها و قائدها- و الذی بعث محمدا بالحق و کرم وجهه- ما کذبت و لا کذبت و لا ضللت و لا ضل بی- و لا زللت و لا زل بی- و إنی لعلى بینه من ربی بینها الله لرسوله- و بینها رسوله لی و سأدعى یوم القیامه و لا ذنب لی- و لو کان لی ذنب لکفر عنی ذنوبی ما أنا فیه من قتالهم قال أبو مخنف و حدثنا مسلم الأعور عن حبه العرنی- قال فلما رأى علی ع‏ أن الموت عند الجمل- و أنه ما دام قائما فالحرب لا تطفأ- وضع سیفه على عاتقه و عطف نحوه- و أمر أصحابه بذلک و مشى نحوه و الخطام مع بنی ضبه- فاقتتلوا قتالا شدیدا و استحر القتل فی بنی ضبه- فقتل منهم مقتله عظیمه- و خلص علی ع فی جماعه من النخع و همدان إلى الجمل- فقال لرجل من النخع اسمه بجیر دونک الجمل یا بجیر- فضرب عجز الجمل بسیفه فوقع لجنبه- و ضرب بجرانه الأرض و عج عجیجا لم یسمع بأشد منه- فما هو إلا أن صرع الجمل حتى فرت الرجال- کما یطیر الجراد فی الریح الشدیده الهبوب- و احتملت عائشه بهودجها- فحملت إلى دار عبد الله بن خلف- و أمر علی ع بالجمل أن یحرق ثم یذرى فی الریح- و قال ع لعنه الله من دابه فما أشبهه بعجل بنی إسرائیل- ثم قرأ وَ انْظُرْ إِلى‏ إِلهِکَ الَّذِی ظَلْتَ عَلَیْهِ عاکِفاً- لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِی الْیَمِّ نَسْفاً

بازدیدها: ۶۴

خطبه ۱۲ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

و من کلام له ( علیه‏السلام ) لما أظفره الله بأصحاب الجمل


وَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَدِدْتُ أَنَّ أَخِی فُلَاناً کَانَ شَاهِدَنَا لِیَرَى مَا نَصَرَکَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِکَ فَقَالَ عَلِیٌّ ( علیه‏السلام )أَ هَوَى أَخِیکَ مَعَنَا
فَقَالَ نَعَمْ
قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا
وَ لَقَدْ شَهِدَنَا فِی عَسْکَرِنَا هَذَا قَوْمٌ فِی أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ
سَیَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ
وَ یَقْوَى بِهِمُ الْإِیمَانُ

 

۱۲ و من کلام له ع لما أظفره الله بأصحاب الجمل
– وَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ- وَدِدْتُ أَنَّ أَخِی فُلَاناً کَانَ شَاهِدَنَا- لِیَرَى مَا نَصَرَکَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِکَ- فَقَالَ عَلِیٌّ ع أَ هَوَى أَخِیکَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ- قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا- وَ لَقَدْ شَهِدَنَا فِی عَسْکَرِنَا هَذَا قَوْمٌ فِی أَصْلَابِ الرِّجَالِ- وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ- سَیَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ وَ یَقْوَى بِهِمُ الْإِیمَانُ یرعف بهم الزمان یوجدهم و یخرجهم- کما یرعف الإنسان بالدم الذی یخرجه من أنفه- قال الشاعر

 

و ما رعف الزمان بمثل عمرو
و لا تلد النساء له ضریبا

 

و المعنى مأخوذ من قول النبی ص لعثمان- و لم یکن شهد بدرا تخلف على رقیه ابنه رسول الله ص- لما مرضت مرض موتها- لقد کنت شاهدا و إن کنت غائبا لک أجرک و سهمک

 

من أخبار یوم الجمل

 

قال الکلبی قلت لأبی صالح- کیف لم یضع علی ع السیف فی أهل البصره یوم الجمل- بعد ظفره- قال سار فیهم بالصفح و المن- الذی سار به رسول الله ص‏ فی أهل مکه یوم الفتح- فإنه أراد أن یستعرضهم بالسیف ثم من علیهم- و کان یحب أن یهدیهم الله- . قال فطر بن خلیفه- ما دخلت دار الولید بالکوفه التی فیها القصارون- إلا و ذکرت بأصواتهم وقع السیوف یوم الجمل- . حرب بن جیهان الجعفی لقد رأیت الرماح یوم الجمل- قد أشرعها الرجال بعضهم فی صدر بعض- کأنها آجام القصب- لو شاءت الرجال أن تمشی علیها لمشت- و لقد صدقونا القتال حتى ما ظننت أن ینهزموا- و ما رأیت یوما قط أشبه بیوم الجمل- من یوم جلولاء الوقیعه- . الأصبغ بن نباته لما انهزم أهل البصره- رکب علی ع بغله رسول الله ص الشهباء- و کانت باقیه عنده و سار فی القتلى یستعرضهم- فمر بکعب بن سور القاضی قاضی البصره و هو قتیل- فقال أجلسوه فأجلس فقال له- ویلمک کعب بن سور لقد کان لک علم لو نفعک- و لکن الشیطان أضلک فأزلک فعجلک إلى النار- أرسلوه- ثم مر بطلحه بن عبید الله قتیلا- فقال أجلسوه فأجلس- قال أبو مخنف فی کتابه- فقال ویلمک طلحه لقد کان لک قدم لو نفعک- و لکن الشیطان أضلک فأزلک فعجلک إلى النار- . و أما أصحابنا فیروون غیر ذلک- یروون أنه ع قال له لما أجلسوه- أعزز علی أبا محمد أن أراک معفرا تحت نجوم السماء- و فی بطن هذا الوادی أ بعد جهادک فی الله و ذبک عن رسول الله ص- فجاء إلیه إنسان فقال أشهد یا أمیر المؤمنین- لقد مررت علیه بعد أن أصابه السهم و هو صریع- فصاح بی فقال من أصحاب من أنت- فقلت من أصحاب أمیر المؤمنین ع- فقال امدد یدک لأبایع‏ لأمیر المؤمنین ع- فمددت إلیه یدی فبایعنی لک-
فقال علی ع أبى الله أن یدخل طلحه الجنه- إلا و بیعتی فی عنقه – ثم مر بعبد الله بن خلف الخزاعی- و کان ع قتله بیده مبارزه- و کان رئیس أهل البصره فقال أجلسوه فأجلس- فقال الویل لک یا ابن خلف لقد عانیت أمرا عظیما- . و قال شیخنا أبو عثمان الجاحظ- و مر ع بعبد الرحمن بن عتاب بن أسید- فقال أجلسوه فأجلس- فقال هذا یعسوب قریش- هذا اللباب المحض من بنی عبد مناف- ثم قال شفیت نفسی و قتلت معشری- إلى الله أشکو عجری و بجری- قتلت الصنادید من بنی عبد مناف- و أفلتنی الأعیار من بنی جمح- فقال له قائل- لشد ما أطریت هذا الفتى منذ الیوم یا أمیر المؤمنین- قال إنه قام عنی و عنه نسوه لم یقمن عنک- . قال أبو الأسود الدؤلی- لما ظهر علی ع یوم الجمل دخل بیت المال بالبصره- فی ناس من المهاجرین و الأنصار و أنا معهم- فلما رأى کثره ما فیه قال غری غیری مرارا- ثم نظر إلى المال و صعد فیه بصره و صوب- و قال اقسموه بین أصحابی خمسمائه خمسمائه- فقسم بینهم- فلا و الذی بعث محمدا بالحق- ما نقص درهما و لا زاد درهما- کأنه کان یعرف مبلغه و مقداره- و کان سته آلاف ألف درهم و الناس اثنا عشر ألفا- .

 

حبه العرنی- قسم علی ع بیت مال البصره على أصحابه- خمسمائه خمسمائه- و أخذ خمسمائه درهم کواحد منهم- فجاءه إنسان لم یحضر الوقعه فقال یا أمیر المؤمنین- کنت شاهدا معک بقلبی و إن غاب عنک جسمی- فأعطنی من الفی‏ء شیئا- فدفع إلیه الذی أخذه لنفسه و هو خمسمائه درهم- و لم یصب من الفی‏ء شیئا- . اتفقت الرواه کلها على- أنه ع قبض ما وجد فی عسکر الجمل- من سلاح و دابه و مملوک و متاع و عروض- فقسمه بین أصحابه و أنهم قالوا له- اقسم بیننا أهل البصره فاجعلهم رقیقا فقال لا- فقالوا فکیف تحل لنا دماءهم و تحرم علینا سبیهم- فقال کیف یحل لکم ذریه ضعیفه فی دار هجره و إسلام- أما ما أجلب به القوم فی معسکرهم علیکم فهو لکم مغنم- و أما ما وارت الدور و أغلقت علیه الأبواب فهو لأهله- و لا نصیب لکم فی شی‏ء منه- فلما أکثروا علیه قال- فأقرعوا على عائشه لأدفعها إلى من تصیبه القرعه- فقالوا نستغفر الله یا أمیر المؤمنین ثم انصرفوا

بازدیدها: ۳۷

خطبه ۱۱ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۱ و من کلام له ع لابنه محمد بن الحنفیه- لما أعطاه الرایه یوم الجمل

 
تَزُولُ الْجِبَالُ وَ لَا تَزُلْ- عَضَّ عَلَى نَاجِذِکَ أَعِرِ اللَّهَ جُمْجُمَتَکَ- تِدْ فِی الْأَرْضِ قَدَمَکَ- ارْمِ بِبَصَرِکَ أَقْصَى الْقَوْمِ وَ غُضَّ بَصَرَکَ- وَ اعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ قوله تزول الجبال و لا تزل خبر فیه معنى الشرط- تقدیره إن زالت الجبال فلا تزل أنت و المراد المبالغه- فی أخبار صفین أن بنی عکل- و کانوا مع أهل الشام- حملوا فی یوم من أیام صفین- خرجوا و عقلوا أنفسهم بعمائمهم- و تحالفوا أنا لا نفر حتى یفر هذا الحکر بالکاف- قالوا لأن عکلا تبدل الجیم کافا- . و الناجذ أقصى الأضراس- و تد أمر من وتد قدمه فی الأرض أی أثبتها فیها کالوتد- و لا تناقض بین قوله ارم ببصرک و قوله غض بصرک- و ذلک لأنه فی الأولى أمره أن یفتح عینه و یرفع طرفه- و یحدق إلى أقاصی القوم ببصره- فعل الشجاع المقدام غیر المکترث و لا المبالی- لأن الجبان تضعف نفسه و یخفق قلبه فیقصر بصره- و لا یرتفع طرفه و لا یمتد عنقه- و یکون ناکس الرأس غضیض الطرف- و فی الثانیه أمره أن یغض بصره- عن بریق سیوفهم و لمعان دروعهم- لئلا یبرق بصره و یدهش و یستشعر خوفا- و تقدیر الکلام و احمل و حذف ذلک للعلم به- فکأنه قال إذا عزمت على الحمله و صممت- فغض حینئذ بصرک و احمل- و کن کالعشواء التی تخبط ما أمامها و لا تبالی- . و قوله عض على ناجذک- قالوا إن العاض على نواجذه ینبو السیف عن دماغه- لأن عظام الرأس تشتد و تصلب- و قد جاء فی کلامه ع هذا مشروحا فی موضع آخر- و هو قوله و عضوا على النواجذ- فإنه أنبى للصوارم عن الهام- و یحتمل أن یرید به شده الحنق- قالوا فلان یحرق علی الأرم یریدون شده الغیظ- و الحرق صریف الأسنان و صوتها و الأرم الأضراس- .

و قوله أعر الله جمجمتک معناه ابذلها فی طاعه الله- و یمکن أن یقال- إن ذلک إشعار له أنه لا یقتل فی تلک الحرب- لأن العاریه مردوده- و لو قال له بع الله جمجمتک- لکان ذلک إشعارا له بالشهاده فیها- . و أخذ یزید بن المهلب هذه اللفظه- فخطب أصحابه بواسط- فقال إنی قد أسمع قول الرعاع جاء مسلمه و جاء العباس- و جاء أهل الشام و من أهل الشام- و الله ما هم إلا تسعه أسیاف سبعه منها معی و اثنان علی- و أما مسلمه فجراده صفراء- و أما العباس فنسطوس ابن نسطوس- أتاکم فی برابره و صقالبه و جرامقه و جراجمه- و أقباط و أنباط و أخلاط- إنما أقبل إلیکم الفلاحون و أوباش کأشلاء اللحم- و الله ما لقوا قط کحدیدکم و عدیدکم- أعیرونی سواعدکم ساعه تصفقون بها خراطیمهم- فإنما هی غدوه أو روحه- حتى یحکم الله بیننا و بین القوم الظالمین- . من صفات الشجاع قولهم فلان مغامر و فلان غشمشم- أی لا یبصر ما بین یدیه فی الحرب- و ذلک لشده تقحمه و رکوبه المهلکه- و قله نظره فی العاقبه- و هذا هو معنى قوله ع لمحمد غض بصرک‏

 

ذکر خبر مقتل حمزه بن عبد المطلب

 
و کان حمزه بن عبد المطلب مغامرا غشمشما لا یبصر أمامه- قال جبیر بن مطعم بن عدی بن نوفل بن عبد مناف- لعبده وحشی یوم أحد- ویلک إن علیا قتل عمی طعیمه سید البطحاء یوم بدر- فإن قتلته الیوم فأنت حر- و إن قتلت محمدا فأنت حر و إن قتلت حمزه فأنت حر- فلا أحد یعدل عمی إلا هؤلاء- فقال أما محمد فإن أصحابه دونه و لن یسلموه- و لا أرانی أصل إلیه- و أما علی فرجل حذر مرس کثیر الالتفات فی الحرب- لا أستطیع قتله- و لکن سأقتل لک حمزه فإنه رجل لا یبصر أمامه فی الحرب- فوقف لحمزه حتى إذا حاذاه زرقه بالحربه- کما تزرق الحبشه بحرابها فقتله

 
محمد بن الحنفیه و نسبه و بعض أخباره

 
دفع أمیر المؤمنین ع یوم الجمل رایته إلى محمد ابنه ع- و قد استوت الصفوف- و قال له احمل فتوقف قلیلا- فقال له احمل فقال یا أمیر المؤمنین- أ ما ترى السهام کأنها شآبیب المطر- فدفع فی صدره فقال أدرکک عرق من أمک- ثم أخذ الرایه فهزها ثم قال-

 

 

اطعن بها طعن أبیک تحمد

لا خیر فی الحرب إذا لم توقد

بالمشرفی و القنا المسدد

 
ثم حمل و حمل الناس خلفه فطحن عسکر البصره قیل لمحمد لم یغرر بک أبوک فی الحرب- و لا یغرر بالحسن و الحسین ع- فقال إنهما عیناه و أنا یمینه فهو یدفع عن عینیه بیمینه کان علی ع یقذف بمحمد فی مهالک الحرب- و یکف حسنا و حسینا عنها- .

و من کلامه فی یوم صفین املکوا عنی هذین الفتیین- أخاف أن ینقطع بهما نسل رسول الله ص أم محمد رضی الله عنه خوله بنت جعفر بن قیس- بن مسلمه بن عبید بن ثعلبه بن یربوع بن ثعلبه بن الدؤل- بن حنیفه بن لجیم بن صعب بن علی بن بکر بن وائل- . و اختلف فی أمرها فقال قوم إنها سبیه من سبایا الرده- قوتل أهلها على ید خالد بن الولید فی أیام أبی بکر- لما منع کثیر من العرب الزکاه- و ارتدت بنو حنیفه و ادعت نبوه مسیلمه- و إن أبا بکر دفعها إلى علی ع من سهمه فی المغنم- . و قال قوم منهم أبو الحسن علی بن محمد بن سیف المدائنی- هی سبیه فی أیام رسول الله ص- قالوا بعث رسول الله ص علیا إلى الیمن- فأصاب خوله فی بنی زبید- و قد ارتدوا مع عمرو بن معدیکرب- و کانت زبید سبتها من بنی حنیفه فی غاره لهم علیهم- فصارت فی سهم علی ع- فقال له رسول الله ص إن ولدت منک غلاما فسمه باسمی و کنه بکنیتی  فولدت له بعد موت فاطمه ع محمدا فکناه أبا القاسم- . و قال قوم و هم المحققون و قولهم الأظهر- إن بنی أسد أغارت على بنی حنیفه فی خلافه أبی بکر الصدیق- فسبوا خوله بنت جعفر- و قدموا بها المدینه فباعوها من علی ع-

و بلغ قومها خبرها فقدموا المدینه على علی ع- فعرفوها و أخبروه بموضعها منهم- فأعتقها و مهرها و تزوجها- فولدت له محمدا فکناه أبا القاسم- . و هذا القول هو اختیار أحمد بن یحیى البلاذری- فی کتابه المعروف بتاریخ الأشراف- . لما تقاعس محمد یوم الجمل عن الحمله- و حمل علی ع بالرایه- فضعضع أرکان عسکر الجمل دفع إلیه الرایه- و قال امح الأولى بالأخرى و هذه الأنصار معک- . و ضم إلیه خزیمه بن ثابت ذا الشهادتین- فی جمع من الأنصار کثیر منهم من أهل بدر- فحمل حملات کثیره- أزال بها القوم عن مواقفهم و أبلى بلاء حسنا- فقال خزیمه بن ثابت لعلی ع- أما إنه لو کان غیر محمد الیوم لافتضح- و لئن کنت خفت علیه الحین- و هو بینک و بین حمزه و جعفر- لما خفناه علیه- و إن کنت أردت أن تعلمه الطعان- فطالما علمته الرجال- .

و قالت الأنصار یا أمیر المؤمنین- لو لا ما جعل الله تعالى للحسن و الحسین- لما قدمنا على محمد أحدا من العرب- فقال علی ع أین النجم من الشمس و القمر- أما إنه قد أغنى و أبلى و له فضله- و لا ینقص فضل صاحبیه علیه- و حسب صاحبکم ما انتهت به نعمه الله تعالى إلیه- فقالوا یا أمیر المؤمنین إنا و الله لا نجعله کالحسن و الحسین- و لا نظلمهما له و لا نظلمه لفضلهما علیه حقه- فقال علی ع أین یقع ابنی من ابنی بنت رسول الله ص – فقال خزیمه بن ثابت فیه-

محمد ما فی عودک الیوم وصمه
و لا کنت فی الحرب الضروس معردا

أبوک الذی لم یرکب الخیل مثله‏
علی و سماک النبی محمدا

فلو کان حقا من أبیک خلیفه
لکنت و لکن ذاک ما لا یرى بدا

و أنت بحمد الله أطول غالب
لسانا و أنداها بما ملکت یدا

و أقربها من کل خیر تریده‏
قریش و أوفاها بما قال موعدا

و أطعنهم صدر الکمی برمحه
و أکساهم للهام عضبا مهندا

سوى أخویک السیدین کلاهما
إمام الورى و الداعیان إلى الهدى‏

أبى الله أن یعطی عدوک مقعدا
من الأرض أو فی الأوج مرقى و مصعدا

بازدیدها: ۳۳

خطبه ۱۰ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۱۰ و من خطبه له ع

أَلَا وَ إِنَّ الشَّیْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ- وَ اسْتَجْلَبَ خَیْلَهُ وَ رَجِلَهُ- وَ إِنَّ مَعِی لَبَصِیرَتِی مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِی وَ لَا لُبِّسَ عَلَیَّ- وَ ایْمُ اللَّهِ لَأُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ- لَا یَصْدُرُونَ عَنْهُ وَ لَا یَعُودُونَ إِلَیْهِ یمکن أن یعنی بالشیطان الشیطان الحقیقی- و یمکن أن یعنی به معاویه- فإن عنى معاویه- فقوله قد جمع حزبه و استجلب خیله و رجله کلام- جار على حقائقه- و إن عنى به الشیطان کان ذلک من باب الاستعاره- و مأخوذا من قوله تعالى- وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِکَ- وَ أَجْلِبْ عَلَیْهِمْ بِخَیْلِکَ وَ رَجِلِکَ- و الرجل جمع راجل کالشرب جمع شارب- و الرکب جمع راکب- . قوله و إن معی لبصیرتی- یرید أن البصیره التی کانت معی فی زمن رسول الله ص- تتغیر- . و قوله ما لبست تقسیم جید- لأن کل ضال عن الهدایه فإما أن یضل من تلقاء نفسه- أو بإضلال غیره له- . و قوله لأفرطن من رواها بفتح الهمزه- فأصله فرط ثلاثی یقال فرط زید القوم أی سبقهم- و رجل فرط یسبق القوم إلى البئر- فیهیئ لهم الأرشیه و الدلاء- و منه قوله ع إنا فرطکم على الحوض- و یکون تقدیر الکلام و ایم الله لأفرطن لهم إلى حوض- فلما حذف الجار عدی الفعل بنفسه فنصب- کقوله تعالى وَ اخْتارَ مُوسى‏ قَوْمَهُ- و تکون اللام فی لهم إما لام التعدیه- کقوله و یؤمن للمؤمنین أی و یؤمن المؤمنین- أو تکون لام التعلیل أی لأجلهم- و من رواها لأفرطن بضم الهمزه- فهو من أفرط المزاده- أی ملأها- . و الماتح المستقی متح یمتح بالفتح- و المائح بالیاء الذی ینزل إلى البئر فیملأ الدلو- . و قیل لأبی علی رحمه الله ما الفرق بین الماتح و المائح- فقال هما کإعجامهما یعنی أن التاء بنقطتین من فوق- و کذلک الماتح لأنه المستقی فهو فوق البئر- و الیاء بنقطتین من تحت- و کذلک المائح- لأنه تحت فی الماء الذی فی البئر یملأ الدلاء- و معنى قوله أنا ماتحه أنا خبیر به- کما یقول من یدعی معرفه الدار أنا بانی هذه الدار- و الکلام استعاره- یقول لأملأن لهم حیاض الحرب التی هی دربتی و عادتی- أو لأسبقنهم إلى حیاض حرب أنا متدرب بها مجرب لها- إذا وردوها لا یصدرون عنها- یعنی قتلهم و إزهاق أنفسهم- و من فر منهم لا یعود إلیها- و من هذا اللفظ قول الشاعر-

مخضت بدلوه حتى تحسى
ذنوب الشر ملأى أو قرابا

بازدیدها: ۴۹

خطبه ۹ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۹ و من کلام له ع

وَ قَدْ أَرْعَدُوا وَ أَبْرَقُوا- وَ مَعَ هَذَیْنِ الْأَمْرَیْنِ الْفَشَلُ- وَ لَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ وَ لَا نُسِیلُ حَتَّى نُمْطِرَ أرعد الرجل و أبرق إذا أوعد و تهدد- و کان الأصمی ینکره و یزعم أنه لا یقال إلا رعد و برق- و لما احتج علیه ببیت الکمیت-

أرعد و أبرق یا یزید
فما وعیدک لی بضائر

– . قال الکمیت قروی لا یحتج بقوله- . و کلام أمیر المؤمنین ع حجه داله على بطلان قول الأصمی- و الفشل الجبن و الخور- . و قوله و لا نسیل حتى نمطر کلمه فصیحه- یقول إن أصحاب الجمل فی وعیدهم و إجلابهم- بمنزله من یدعی أنه یحدث السیل قبل إحداث المطر- و هذا محال لأن السیل إنما یکون من المطر- فکیف یسبق المطر- و أما نحن فإنا لا ندعی ذلک- و إنما نجری الأمور على حقائقها- فإن کان منا مطر کان منا سیل- و إذا أوقعنا بخصمنا أوعدنا حینئذ بالإیقاع به غیره- من خصومنا- .

و قوله ع و مع هذین الأمرین الفشل معنى حسن- لأن الغالب من الجبناء کثره الضوضاء و الجلبه- یوم الحرب- کما أن الغالب من الشجعان الصمت و السکون- . و سمع أبو طاهر الجنابی- ضوضاء عسکر المقتدر بالله و دبادبهم و بوقاتهم- و هو فی ألف و خمسمائه- و عسکر المقتدر فی عشرین ألفا- مقدمهم یوسف بن أبی الساج- فقال لبعض أصحابه ما هذا الزجل- قال فشل قال أجل- . و یقال إنه ما رئی جیش کجیش أبی طاهر- ما کان یسمع لهم صوت حتى أن الخیل لم تکن لها حمحمه- فرشق عسکر ابن أبی الساج القرامطه بالسهام المسمومه- فجرح منهم أکثر من خمسمائه إنسان- . و کان أبو طاهر فی عماریه له فنزل و رکب فرسات- و حمل بنفسه و معه أصحابه حمله على عسکر ابن أبی الساج- فکسروه و فلوه و خلصوا إلى یوسف فأسروه- و تقطع عسکره بعد أن أتى بالقتل على کثیر منهم- و کان ذلک فی سنه خمس عشره و ثلاثمائه- . و من أمثالهم الصدق ینبئ عنک لا الوعید

بازدیدها: ۱۲

خطبه ۸ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(بیعت زبیر)

۸: و من کلام له ع یعنی به الزبیر فی حال اقتضت ذلک

– یَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَایَعَ بِیَدِهِ وَ لَمْ یُبَایِعْ بِقَلْبِهِ- فَقَدْ أَقَرَّ بِالْبَیْعَهِ وَ ادَّعَى الْوَلِیجَهَ- فَلْیَأْتِ عَلَیْهَا بِأَمْرٍ یُعْرَفُ- وَ إِلَّا فَلْیَدْخُلْ فِیمَا خَرَجَ مِنْهُ الولیجه البطانه و الأمر یسر و یکتم- قال الله سبحانه- وَ لَمْ یَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَهً- کان الزبیر یقول بایعت بیدی لا بقلبی- و کان یدعی تاره أنه أکره- و یدعی تاره أنه ورى فی البیعه توریه- و نوى دخیله و أتى بمعاریض لا تحمل على ظاهرها- فقال ع هذا الکلام إقرار منه بالبیعه- و ادعاء أمر آخر لم یقم علیه دلیلا و لم ینصب له برهانا- فإما أن یقیم دلیلا على فساد البیعه الظاهره- و أنها غیر لازمه له- و إما أن یعاود طاعته- .
قال علی ع للزبیر یوم بایعه- إنی لخائف أن تغدر بی و تنکث بیعتی- قال لا تخافن فإن ذلک لا یکون منی أبدا- فقال ع فلی الله علیک بذلک راع و کفیل- قال نعم الله لک علی بذلک راع و کفیل أمر طلحه و الزبیر مع علی بن أبی طالب بعد بیعتهما له لما بویع علی ع کتب إلى معاویه- أما بعد فإن الناس قتلوا عثمان عن غیر مشوره منی- و بایعونی عن مشوره منهم و اجتماع- فإذا أتاک کتابی فبایع لی- و أوفد إلی أشراف أهل الشام قبلک – فلما قدم رسوله على معاویه و قرأ کتابه- بعث رجلا من بنی عمیس- و کتب معه کتابا إلى الزبیر بن العوام- و فیه بسم الله الرحمن الرحیم- لعبد الله الزبیر أمیر المؤمنین- من معاویه بن أبی سفیان- سلام علیک أما بعد فإنی قد بایعت لک أهل الشام- فأجابوا و استوسقوا کما یستوسق الجلب- فدونک الکوفه و البصره لا یسبقک إلیها ابن أبی طالب- فإنه لا شی‏ء بعد هذین المصرین- و قد بایعت لطلحه بن عبید الله من بعدک- فأظهرا الطلب بدم عثمان و ادعوا الناس إلى ذلک- و لیکن منکما الجد و التشمیر- أظفرکما الله و خذل مناوئکما- . فلما وصل هذا الکتاب إلى الزبیر سر به- و أعلم به طلحه و أقرأه إیاه- فلم یشکا فی النصح لهما من قبل معاویه- و أجمعا عند ذلک على خلاف علی ع- . جاء الزبیر و طلحه إلى علی ع بعد البیعه بأیام- فقالا له یا أمیر المؤمنین- قد رأیت ما کنا فیه من الجفوه فی ولایه عثمان کلها- و علمت رأی عثمان کان فی بنی أمیه- و قد ولاک الله الخلافه من بعده- فولنا بعض أعمالک- فقال لهما ارضیا بقسم الله لکما حتى أرى رأیی- و اعلما أنی لا أشرک فی أمانتی- إلا من أرضى بدینه و أمانته من أصحابی- و من قد عرفت دخیلته- . فانصرفا عنه و قد دخلهما الیأس فاستأذناه فی العمره- .

طلب طلحه و الزبیر من علی ع أن یولیهما المصرین- البصره و الکوفه- فقال حتى أنظر- ثم استشار المغیره بن شعبه- فقال له أرى أن تولیهما إلى أن یستقیم لک أمر الناس- فخلا بابن عباس و قال ما ترى- قال یا أمیر المؤمنین إن الکوفه و البصره عین الخلافه- و بهما کنوز الرجال- و مکان طلحه و الزبیر من الإسلام ما قد علمت- و لست آمنهما إن ولیتهما أن یحدثا أمرا- فأخذ علی ع برأی ابن عباس- و قد کان استشار المغیره أیضا فی أمر معاویه- فقال له أرى إقراره على الشام- و أن تبعث إلیه بعده إلى أن یسکن شغب الناس- و لک بعد رأیک- فلم یأخذ برأیه- . فقال المغیره بعد ذلک- و الله ما نصحته قبلها و لا أنصحه بعدها ما بقیت- .

دخل الزبیر و طلحه على علی ع فاستأذناه فی العمره- فقال ما العمره تریدان- فحلفا له بالله أنهما ما یریدان غیر العمره- فقال لهما ما العمره تریدان- و إنما تریدان الغدره و نکث البیعه- فحلفا بالله ما الخلاف علیه و لا نکث بیعه یریدان- و ما رأیهما غیر العمره- قال لهما فأعیدا البیعه لی ثانیه- فأعاداها بأشد ما یکون من الإیمان و المواثیق فأذن لهما- فلما خرجا من عنده قال لمن کان حاضرا- و الله لا ترونهما إلا فی فتنه یقتتلان فیها- قالوا یا أمیر المؤمنین فمر بردهما علیک- قال لیقضی الله أمرا کان مفعولا- لما خرج الزبیر و طلحه من المدینه إلى مکه- لم یلقیا أحدا إلا و قالا له لیس لعلی فی أعناقنا بیعه- و إنما بایعناه مکرهین- فبلغ علیا ع قولهما- فقال أبعدهما الله و أغرب دارهما- أما و الله لقد علمت أنهما سیقتلان أنفسهما أخبث مقتل- و یأتیان من‏ وردا علیه بأشأم یوم- و الله ما العمره یریدان- و لقد أتیانی بوجهی فاجرین- و رجعا بوجهی غادرین ناکثین- و الله لا یلقیاننی بعد الیوم إلا فی کتیبه خشناء- یقتلان فیها أنفسهما فبعدا لهما و سحقا و ذکر أبو مخنف فی کتاب الجمل أن علیا ع خطب لما سار الزبیر و طلحه من مکه- و معهما عائشه یریدون البصره فقال أیها الناس- إن عائشه سارت إلى البصره و معها طلحه و الزبیر- و کل منهما یرى الأمر له دون صاحبه- أما طلحه فابن عمها و أما الزبیر فختنها- و الله لو ظفروا بما أرادوا- و لن ینالوا ذلک أبدا- لیضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شدید- و الله إن راکبه الجمل الأحمر- ما تقطع عقبه و لا تحل عقده- إلا فی معصیه الله و سخطه- حتى تورد نفسها و من معها موارد الهلکه- إی و الله لیقتلن ثلثهم و لیهربن ثلثهم- و لیتوبن ثلثهم- و إنها التی تنبحها کلاب الحوأب- و إنهما لیعلمان أنهما مخطئان- و رب عالم قتله جهله و معه علمه لا ینفعه- و حسبنا الله و نعم الوکیل- فقد قامت الفتنه فیها الفئه الباغیه- أین المحتسبون أین المؤمنون ما لی و لقریش- أما و الله لقد قتلتهم کافرین و لأقتلنهم مفتونین- و ما لنا إلى عائشه من ذنب إلا أنا أدخلناها فی حیزنا- و الله لأبقرن الباطل حتى یظهر الحق من خاصرته- فقل لقریش فلتضج ضجیجها ثم نزل برز علی ع یوم الجمل- و نادى بالزبیر یا أبا عبد الله مرارا فخرج الزبیر- فتقاربا حتى اختلفت أعناق خیلهما- فقال له علی ع إنما دعوتک لأذکرک حدیثا- قاله لی و لک رسول الله ص- أ تذکر یوم رآک و أنت معتنقی فقال لک‏ أ تحبه- قلت و ما لی لا أحبه و هو أخی و ابن خالی- فقال أما إنک ستحاربه و أنت ظالم له – فاسترجع الزبیر- و قال أذکرتنی ما أنسانیه الدهر و رجع إلى صفوفه- فقال له عبد الله ابنه- لقد رجعت إلینا بغیر الوجه الذی فارقتنا به- فقال أذکرنی علی حدیثا أنسانیه الدهر فلا أحاربه أبدا- و إنی لراجع و تارککم منذ الیوم- فقال له عبد الله- ما أراک إلا جبنت عن سیوف بنی عبد المطلب- إنها لسیوف حداد تحملها فتیه أنجاد- فقال الزبیر ویلک أ تهیجنی على حربه- أما إنی قد حلفت ألا أحاربه- قال کفر عن یمینک- لا تتحدث نساء قریش أنک جبنت و ما کنت جبانا- فقال الزبیر غلامی مکحول حر کفاره عن یمینی- ثم أنصل سنان رمحه- و حمل على عسکر علی ع برمح لا سنان له- فقال علی ع أفرجوا له فإنه محرج- ثم عاد إلى أصحابه ثم حمل ثانیه ثم ثالثه- ثم قال لابنه أ جبنا ویلک ترى فقال لقد أعذرت- . لما أذکر علی ع الزبیر بما أذکره به و رجع الزبیر قال-

نادى علی بأمر لست أنکره
و کان عمر أبیک الخیر مذ حین‏

فقلت حسبک من عذل أبا حسن‏
بعض الذی قلت منذ الیوم یکفینی‏

ترک الأمور التی تخشى مغبتها
و الله أمثل فی الدنیا و فی الدین‏

فاخترت عارا على نار مؤججه
أنى یقوم لها خلق من الطین‏

لما خرج علی ع لطلب الزبیر خرج حاسرا- و خرج إلیه الزبیر دارعا مدججا- فقال للزبیر یا أبا عبد الله- قد لعمری أعددت سلاحا- و حبذا فهل أعددت عند الله عذرا- فقال الزبیر إن مردنا إلى الله- قال علی ع- یومئذ یوفیهم الله دینهم الحق- و یعلمون أن الله هو الحق المبین- ثم أذکره الخبر- فلما کر الزبیر راجعا إلى أصحابه نادما واجما- رجع علی ع إلى أصحابه جذلا مسرورا- فقال له أصحابه یا أمیر المؤمنین- تبرز إلى الزبیر حاسرا و هو شاک فی السلاح- و أنت تعرف شجاعته- قال إنه لیس بقاتلی- إنما یقتلنی رجل خامل الذکر ضئیل النسب- غیله فی غیر مأقط حرب و لا معرکه رجال- ویلمه أشقى البشر- لیودن أن أمه هبلت به- أما إنه و أحمر ثمود لمقرونان فی قرن- . لما انصرف الزبیر عن حرب علی ع مر بوادی السباع- و الأحنف بن قیس هناک فی جمع من بنی تمیم- قد اعتزل الفریقین- فأخبر الأحنف بمرور الزبیر فقال رافعا صوته- ما أصنع بالزبیر لف غارین من المسلمین- حتى أخذت السیوف منهما مأخذها انسل و ترکهم- أما إنه لخلیق بالقتل قتله الله- فاتبعه عمرو بن جرموز و کان فاتکا- فلما قرب منه وقف الزبیر و قال ما شأنک- قال جئت لأسألک عن أمر الناس- قال الزبیر إنی ترکتهم قیاما فی الرکب- یضرب بعضهم وجه بعض بالسیف- فسار ابن جرموز معه و کل واحد منهما یتقی الآخر- فلما حضرت الصلاه قال الزبیر یا هذا إنا نرید أن نصلی- . فقال ابن جرموز و أنا أرید ذلک- فقال الزبیر فتؤمنی و أؤمنک قال نعم- فثنى الزبیر رجله و أخذ وضوءه- فلما قام إلى الصلاه شد ابن جرموز علیه فقتله- و أخذ رأسه و خاتمه و سیفه و حثا علیه ترابا یسیرا- و رجع إلى الأحنف فأخبره- فقال و الله ما أدری أسأت أم أحسنت- اذهب إلى علی ع فأخبره- فجاء إلى علی ع فقال للآذن قل له عمرو بن جرموز بالباب- و معه رأس الزبیر و سیفه- فأدخله- و فی کثیر من الروایات أنه لم یأت بالرأس بل بالسیف- فقال له و أنت قتلته قال نعم- قال و الله ما کان ابن صفیه جبانا و لا لئیما- و لکن الحین و مصارع السوء-

ثم قال ناولنی سیفه فناوله فهزه- و قال سیف طالما جلى به الکرب عن وجه رسول الله ص- فقال ابن جرموز الجائزه یا أمیر المؤمنین- فقال أما إنی سمعت رسول الله ص یقول- بشر قاتل ابن صفیه بالنار
– فخرج ابن جرموز خائبا و قال-

أتیت علیا برأس الزبیر
أبغی به عنده الزلفه‏

فبشر بالنار یوم الحساب‏
فبئست بشاره ذی التحفه‏

فقلت له إن قتل الزبیر
لو لا رضاک من الکلفه‏

فإن ترض ذاک فمنک الرضا
و إلا فدونک لی حلفه‏

و رب المحلین و المحرمین
و رب الجماعه و الألفه‏

لسیان عندی قتل الزبیر
و ضرطه عنز بذی الجحفه‏

 ثم خرج ابن جرموز على علی ع مع أهل النهر- فقتله معهم فیمن قتل

بازدیدها: ۵۴

خطبه ۷ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

۷ و من خطبه له ع

اتَّخَذُوا الشَّیْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلَاکاً- وَ اتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاکاً- فَبَاضَ وَ فَرَّخَ فِی صُدُورِهِمْ- وَ دَبَّ وَ دَرَجَ فِی حُجُورِهِمْ- فَنَظَرَ بِأَعْیُنِهِمْ وَ نَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ- فَرَکِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ- فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِکَهُ الشَّیْطَانُ فِی سُلْطَانِهِ- وَ نَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ یجوز أن یکون أشراکا جمع شریک- کشریف و أشراف- و یجوز أن یکون جمع شرک کجبل و أجبال- و المعنى بالاعتبارین مختلف- . و باض و فرخ فی صدورهم استعاره للوسوسه و الإغواء- و مراده طول مکثه و إقامته علیهم- لأن الطائر لا یبیض و یفرخ إلا فی الأعشاش- التی هی وطنه و مسکنه- و دب و درج فی حجورهم أی ربوا الباطل- کما یربی الوالدان الولد فی حجورهما- ثم ذکر أنه لشده اتحاده بهم و امتزاجه- صار کمن ینظر بأعینهم و ینطق بألسنتهم- أی صار الاثنان کالواحد- قال أبو الطیب-

 

ما الخل إلا من أود بقلبه
و أرى بطرف لا یرى بسوائه‏

 

و قال آخر

 

کنا من المساعده
نحیا بروح واحده‏

 
و قال آخر

 

جبلت نفسک فی نفسی کما
تجبل الخمره بالماء الزلال‏

فإذا مسک شی‏ء مسنی‏
فإذا أنت أنا فی کل حال‏

 

 و الخطل القول الفاسد- و یجوز أشرکه الشیطان فی سلطانه بالهمزه و شرکه أیضا- و بغیر الهمزه أفصح

بازدیدها: ۲۳

خطبه ۶ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی) (طلحه وزبیر)

۶: و من کلام له لما أشیر علیه بألا یتبع طلحه و الزبیر- و لا یرصد لهما القتال
– وَ اللَّهِ لَا أَکُونُ کَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اللَّدْمِ- حَتَّى یَصِلَ إِلَیْهَا طَالِبُهَا وَ یَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا- وَ لَکِنِّی أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ- وَ بِالسَّامِعِ الْمُطِیعِ الْعَاصِیَ الْمُرِیبَ أَبَداً- حَتَّى یَأْتِیَ عَلَیَّ یَوْمِی- فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّی- مُسْتَأْثَراً عَلَیَّ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ نَبِیَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ- حَتَّى یَوْمِ النَّاسِ هَذَا یقال أرصد له بشر أی أعد له و هیأه- و فی الحدیث إلا أن أرصده لدین علی- و اللدم صوت الحجر أو العصا أو غیرهما- تضرب به الأرض ضربا لیس بشدید- . و لما شرح الراوندی هذه اللفظات- قال و فی الحدیث و الله لا أکون مثل الضبع- تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد- و قد کان سامحه الله وقت تصنیفه الشرح- ینظر فی صحاح الجوهری و ینقل منها- فنقل هذا الحدیث ظنا منه أنه حدیث عن رسول الله ص- و لیس کما ظن- بل الحدیث الذی أشار إلیه الجوهری هو حدیث علی ع- الذی نحن بصدد تفسیره- . و یختلها راصدها یخدعها مترقبها- ختلت فلانا خدعته و رصدته ترقبته- و مستأثرا علی أی مستبدا دونی بالأمر- و الاسم الأثره و فی الحدیث أنه ص قال للأنصار- ستلقون بعدی أثره- فإذا کان ذلک فاصبروا حتى تردوا علی الحوض – . و العرب تقول فی رموزها و أمثالها أحمق من الضبع- و یزعمون أن الصائد یدخل علیها وجارها- فیقول لها أطرقی أم طریق خامری أم عامر- و یکرر ذلک علیها مرارا- معنى أطرقی أم طریق طأطئی رأسک- و کناها أم طریق لکثره إطراقها- على فعیل کالقبیط للناطف و العلیق لنبت- و معنى خامری الزمی وجارک و استتری فیه- خامر الرجل منزله إذا لزمه- قالوا فتلجأ إلى أقصى مغارها و تتقبض- فیقول أم عامر لیست فی وجارها- أم عامر نائمه فتمد یدیها و رجلیها و تستلقی- فیدخل علیها فیوثقها و هو یقول لها- أبشری أم عامر بکم الرجال- أبشری أم عامر بشاء هزلى و جراد عظلى- أی یرکب بعضه بعضا- فتشد عراقیبها فلا تتحرک- و لو شاءت أن تقتله لأمکنها- قال الکمیت

فعل المقره للمقاله
خامری یا أم عامر

 

و قال الشنفری-

 

لا تقبرونی إن قبری محرم
علیکم و لکن خامری أم عامر

 

إذا ما مضى رأسی و فی الرأس أکثری‏
و غودر عند الملتقى ثم سائری‏

 

هنا لک لا أرجو حیاه تسرنی
سجیس اللیالی مبسلا بالجرائر

 

أوصاهم ألا یدفنوه إذا قتل- و قال اجعلونی أکلا للسباع- کالشی‏ء الذی یرغب به الضبع فی الخروج- و تقدیر الکلام لا تقبرونی- و لکن اجعلونی کالتی یقال لها- خامری أم عامر و هی الضبع فإنها لا تقبر- و یمکن أن یقال أیضا- أراد لا تقبرونی و اجعلونی فریسه- للتی یقال لها خامری أم عامر- لأنها تأکل الجیف و أشلاء القتلى و الموتى- . و قال أبو عبیده یأتی الصائد- فیضرب بعقبه الأرض عند باب مغارها ضربا خفیفا- و ذلک هو اللدم- و یقول خامری أم عامر مرارا- بصوت لیس بشدید فتنام على ذلک- فیدخل إلیها فیجعل الحبل فی عرقوبها- و یجرها فیخرجها- یقول لا أقعد عن الحرب و الانتصار لنفسی و سلطانی- فیکون حالی مع القوم المشار إلیهم- حال الضبع مع صائدها- فأکون قد أسلمت نفسی فعل العاجز الأحمق- و لکنی أحارب من عصانی بمن أطاعنی حتى أموت- ثم عقب ذلک بقوله إن الاستئثار علی- و التغلب أمر لم یتجدد الآن- و لکنه کان منذ قبض رسول الله ص

طلحه و الزبیر و نسبهما

و طلحه هو أبو محمد طلحه بن عبید الله بن عثمان- بن عمرو بن کعب بن سعد بن تیم بن مره- أبوه ابن عم أبی بکر و أمه الصعبه بنت الحضرمی- و کانت قبل أن تکون عند عبید الله- تحت أبی سفیان صخر بن حرب- فطلقها ثم تبعتها نفسه فقال فیها شعرا أوله-

 

و إنی و صعبه فیما أرى
بعیدان و الود ود قریب‏

 

فی أبیات مشهوره- و طلحه أحد العشره المشهود لهم بالجنه- و أحد أصحاب الشورى- و کان له فی الدفاع عن رسول الله ص یوم أحد أثر عظیم- و شلت بعض‏ أصابعه یومئذ- وقى رسول الله ص بیده من سیوف المشرکین- و قال رسول الله ص یومئذ الیوم أوجب طلحه الجنه – . و الزبیر هو أبو عبد الله الزبیر بن العوام- بن خویلد بن أسد بن عبد العزى بن قصی- أمه صفیه بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف- عمه رسول الله ص- و هو أحد العشره أیضا و أحد السته- و ممن ثبت مع رسول الله ص یوم أحد- و أبلى بلاء حسنا-
و قال النبی ص لکل نبی حواری و حواری الزبیر – . و الحواری الخالصه تقول فلان خالصه فلان- و خلصانه و حواریه- أی شدید الاختصاص به و الاستخلاص له

خروج طارق بن شهاب لاستقبال علی بن أبی طالب

خرج طارق بن شهاب الأحمسی یستقبل علیا ع- و قد صار بالربذه طالبا عائشه و أصحابها- و کان طارق من صحابه علی ع و شیعته- قال فسألت عنه قبل أن ألقاه ما أقدمه- فقیل خالفه طلحه و الزبیر و عائشه فأتوا البصره- فقلت فی نفسی إنها الحرب أ فأقاتل أم المؤمنین- و حواری رسول الله ص- إن هذا لعظیم ثم قلت أ أدع علیا- و هو أول المؤمنین إیمانا بالله- و ابن عم رسول الله ص و وصیه هذا أعظم- ثم أتیته فسلمت علیه ثم جلست إلیه- فقص علی قصه القوم و قصته ثم صلى بنا الظهر- فلما انفتل جاءه الحسن ابنه ع- فبکى بین یدیه قال ما بالک- قال أبکی لقتلک غدا بمضیعه و لا ناصر لک- أما إنی أمرتک فعصیتنی ثم أمرتک فعصیتنی- فقال ع لا تزال تخن خنین الأمه- ما الذی أمرتنی به فعصیتک- قال أمرتک حین أحاط الناس بعثمان أن تعتزل- فإن الناس إذا قتلوه طلبوک أینما کنت- حتى یبایعوک فلم تفعل- ثم أمرتک لما قتل عثمان ألا توافقهم على‏ البیعه- حتى یجتمع الناس و یأتیک وفود العرب فلم تفعل- ثم خالفک هؤلاء القوم- فأمرتک ألا تخرج من المدینه و أن تدعهم و شأنهم- فإن اجتمعت علیک الأمه فذاک- و إلا رضیت بقضاء الله- فقال ع و الله لا أکون کالضبع تنام على اللدم- حتى یدخل إلیها طالبها فیعلق الحبل برجلها- و یقول لها دباب دباب حتى یقطع عرقوبها- … و ذکر تمام الفصل- فکان طارق بن شهاب یبکی إذا ذکر هذا الحدیث- دباب اسم الضبع- مبنی على الکسر کبراح اسم للشمس

بازدیدها: ۷۳

خطبه ۵ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

 ۵ و من کلام له ع لما قبض رسول الله ص- و خاطبه العباس و أبو سفیان بن حرب- فی أن یبایعا له بالخلافه

– أَیُّهَا النَّاسُ شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاهِ- وَ عَرِّجُوا عَنْ طَرِیقِ الْمُنَافَرَهِ- وَ ضَعُوا تِیجَانَ الْمُفَاخَرَهِ- أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اسْتَسْلَمَ فَأَرَاحَ- مَاءٌ آجِنٌ وَ لُقْمَهٌ یَغَصُّ بِهَا آکِلُهَا- وَ مُجْتَنِی الثَّمَرَهِ لِغَیْرِ وَقْتِ إِینَاعِهَا- کَالزَّارِعِ بِغَیْرِ أَرْضِهِ- فَإِنْ أَقُلْ یَقُولُوا حَرَصَ عَلَى الْمُلْکِ- وَ إِنْ أَسْکُتْ یَقُولُوا جَزِعَ مِنَ الْمَوْتِ- هَیْهَاتَ بَعْدَ اللَّتَیَّا وَ الَّتِی- وَ اللَّهِ لَابْنُ أَبِی طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ- مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْیِ أُمِّهِ- بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَکْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لَاضْطَرَبْتُمْ- اضْطِرَابَ الْأَرْشِیَهِ فِی الطَّوِیِّ الْبَعِیدَهِ المفاخره أن یذکر کل واحد من الرجلین- مفاخره و فضائله و قدیمه- ثم یتحاکما إلى ثالث- و الماء الآجن المتغیر الفاسد- أجن الماء بفتح الجیم- یأجن و یأجن بالکسر و الضم- و الإیناع إدراک الثمره- و اللتیا تصغیر التی کما أن اللذیا تصغیر الذی- و اندمجت انطویت و الطوی البئر المطویه بالحجاره- یقول تخلصوا عن الفتنه و انجوا منها بالمتارکه و المسالمه- و العدول عن المنافره و المفاخره- .

أفلح من نهض بجناح أی مات- شبه المیت المفارق للدنیا- بطائر نهض عن الأرض بجناحه- و یحتمل أن یرید بذلک- أفلح من اعتزل هذا العالم و ساح فی الأرض- منقطعا عن تکالیف الدنیا- و یحتمل أیضا أن یرید- أفلح من نهض فی طلب الرئاسه بناصر ینصره- و أعوان یجاهدون بین یدیه- و على التقادیر کلها تنطبق اللفظه الثانیه- و هی قوله أو استسلم فأراح- أی أراح نفسه باستسلامه- . ثم قال الإمره على الناس وخیمه العاقبه- ذات مشقه فی العاجله- فهی فی عاجلها کالماء الآجن یجد شاربه مشقه- و فی آجلها کاللقمه التی تحدث عن أکلها الغصه- و یغص مفتوح حرف المضارعه و مفتوح الغین- أصله غصصت بالکسر- و یحتمل أن یکون الأمران معا للعاجله- لأن الغصص فی أول البلع- کما أن ألم شرب الماء الآجن یحدث فی أول الشرب- و یجوز ألا یکون عنى الإمره المطلقه- بل هی الإمره المخصوصه یعنی بیعه السقیفه- .

ثم أخذ فی الاعتذار عن الإمساک و ترک المنازعه- فقال مجتنی الثمره قبل أن تدرک لا ینتفع بما اجتناه- کمن زرع فی غیر أرضه و لا ینتفع بذلک الزرع- یرید أنه لیس هذا الوقت هو الوقت- الذی یسوغ لی فیه طلب الأمر و أنه لم یأن بعد- . ثم قال قد حصلت بین حالین- إن قلت قال الناس حرص على الملک- و إن لم أقل قالوا جزع من الموت- . قال هیهات استبعادا لظنهم فیه الجزع- ثم قال اللتیا و التی أی أ بعد اللتیا و التی أجزع- أ بعد أن قاسیت الأهوال الکبار و الصغار- و منیت بکل داهیه عظیمه و صغیره- فاللتیا للصغیره و التی للکبیره- .

ذکر أن أنسه بالموت کأنس الطفل بثدی أمه- و أنه انطوى على علم هو ممتنع لموجبه من المنازعه- و أن ذلک العلم لا یباح به- و لو باح به لاضطرب سامعوه- کاضطراب الأرشیه و هی الحبال- فی البئر البعیده القعر- و هذا إشاره إلى الوصیه التی خص بها ع- إنه قد کان من جملتها الأمر بترک النزاع- فی مبدأ الاختلاف علیه
استطراد بذکر طائفه من الاستعارات
و اعلم أن أحسن الاستعارات- ما تضمن مناسبه بین المستعار و المستعار منه- کهذه الاستعارات- فإن قوله ع- شقوا أمواج الفتن بسفن النجاه من هذا النوع- و ذلک لأن الفتن قد تتضاعف و تترادف- فحسن تشبیهها بأمواج البحر المضطربه- و لما کانت السفن الحقیقیه تنجی من أمواج البحر- حسن أن یستعار لفظ السفن لما ینجی من الفتن- و کذلک قوله و ضعوا تیجان المفاخره- لأن التاج لما کان مما یعظم به قدر الإنسان استعاره- لما یتعظم به الإنسان من الافتخار و ذکر القدیم- و کذلک استعاره النهوض بالجناح لمن اعتزل الناس- کأنه لما نفض یدیه عنهم صار کالطائر- الذی ینهض من الأرض بجناحیه- . و فی الاستعارات ما هو خارج عن هذا النوع- و هو مستقبح و ذلک کقول أبی نواس-

بح صوت المال مما
منک یبکی و ینوح‏

 

و کذلک قوله

 

ما لرجل المال أضحت
تشتکی منک الکلالا
و قول أبی تمام-

و کم أحرزت منکم على قبح قدها
صروف النوى من مرهف حسن القد

و کقوله

بلوناک أما کعب عرضک فی العلا
فعال و لکن خد مالک أسفل‏

– . فإنه لا مناسبه بین الرجل و المال- و لا بین الصوت و المال- و لا معنى لتصییره للنوى قدا- و لا للعرض کعبا و لا للمال خدا- . و قریب منه أیضا قوله-

لا تسقنی ماء الملام فإننی
صب قد استعذبت ماء بکائی‏

– . و یقال إن مخلدا الموصلی بعث إلیه بقاروره- یسأله أن یبعث له فیها قلیلا من ماء الملام- فقال لصاحبه قل له یبعث إلی بریشه من جناح الذل- لأستخرج بها من القاروره ما أبعثه إلیه- . و هذا ظلم من أبی تمام المخلد و ما الأمران سوء- لأن الطائر إذا أعیا و تعب ذل و خفض جناحیه- و کذلک الإنسان إذا استسلم ألقى بیدیه ذلا و یده جناحه- فذاک هو الذی حسن قوله تعالى- وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ- أ لا ترى أنه لو قال و اخفض لهما ساق الذل- أو بطن الذل لم یکن مستحسنا- . و من الاستعاره المستحسنه فی الکلام المنثور- ما اختاره قدامه بن جعفر فی کتاب الخراج- نحو قول أبی الحسین جعفر بن محمد بن ثوابه- فی جوابه لأبی الجیش خمارویه‏ بن أحمد بن طولون- عن المعتضد بالله لما کتب بإنفاذ ابنته قطر الندى- التی تزوجها المعتضد- و ذلک قول ابن ثوابه هذا- و أما الودیعه فهی بمنزله ما انتقل من شمالک إلى یمینک- عنایه بها و حیاطه لها و رعایه لمودتک فیها- . و قال ابن ثوابه لما کتب هذا الکتاب- لأبی القاسم عبید الله بن سلیمان بن وهب- وزیر المعتضد- و الله إن تسمیتی إیاها بالودیعه نصف البلاغه- . و ذکر أحمد بن یوسف الکاتب رجلا خلا بالمأمون- فقال ما زال یفتله فی الذروه و الغارب- حتى لفته عن رأیه- . و قال إسحاق بن إبراهیم الموصلی النبیذ قید الحدیث- . و ذکر بعضهم رجلا فذمه- فقال هو أملس لیس فیه مستقر لخیر و لا شر- . و رضی بعض الرؤساء عن رجل من موجده- ثم أقبل یوبخه علیها- فقال إن رأیت ألا تخدش وجه رضاک بالتوبیخ فافعل- . و قال بعض الأعراب خرجنا فی لیله حندس- قد ألقت على الأرض أکارعها- فمحت صوره الأبدان فما کنا نتعارف إلا بالآذان- . و غزت حنیفه نمیرا فأتبعتهم نمیر فأتوا علیهم- فقیل لرجل منهم کیف صنع قومک- قال اتبعوهم و الله- و قد أحقبوا کل جمالیه خیفانه- فما زالوا یخصفون آثار المطی بحوافر الخیل- حتى لحقوهم- فجعلوا المران أرشیه الموت فاستقوا بها أرواحهم- . و من کلام لعبد الله بن المعتز یصف القلم- یخدم الإراده و لا یمل الاستزاده-

و یسکت واقفا و ینطق سائرا- على أرض بیاضها مظلم و سوادها مضی‏ء – . فأما القطب الراوندی فقال- قوله ع شقوا أمواج الفتن بسفن النجاه- معناه کونوا مع أهل البیت لأنهم سفن النجاه-

لقوله ع مثل أهل بیتی کسفینه نوح- من رکبها نجا و من تخلف عنها غرق – . و لقائل أن یقول لا شبهه أن أهل البیت سفن النجاه- و لکنهم لم یرادوا هاهنا بهذه اللفظه- لأنه لو کان ذلک هو المراد- لکان قد أمر أبا سفیان و العباس بالکون مع أهل البیت- و مراده الآن ینقض ذلک- لأنه یأمر بالتقیه و إظهار اتباع الذین عقد لهم الأمر- و یرى أن الاستسلام هو المتعین- فالذی ظنه الراوندی لا یحتمله الکلام و لا یناسبه- . و قال أیضا التعریج على الشی‏ء الإقامه علیه- یقال عرج فلان على المنزل- إذا حبس نفسه علیه- فالتقدیر عرجوا على الاستقامه- منصرفین عن المنافره- . و لقائل أن یقال التعریج یعدى تاره بعن- و تاره بعلى- فإذا عدیته بعن أردت التجنب و الرفض- و إذا عدیته بعلى أردت المقام و الوقوف- و کلامه ع معدى بعن- قال و عرجوا عن طریق المنافره- . و قال أیضا آنس بالموت أی أسر به- و لیس بتفسیر صحیح بل هو من الأنس ضد الوحشه

اختلاف الرأی فی الخلافه بعد وفاه رسول الله

لما قبض رسول الله ص- و اشتغل علی ع بغسله و دفنه- و بویع أبو بکر خلا الزبیر و أبو سفیان- و جماعه من المهاجرین بعباس و علی ع لإجاله الرأی- و تکلموا بکلام یقتضی الاستنهاض و التهییج- فقال العباس رضی الله عنه- قد سمعنا قولکم فلا لقله نستعین بکم- و لا لظنه نترک آراءکم- فأمهلونا نراجع الفکر- فإن یکن لنا من الإثم مخرج یصر بنا- و بهم الحق صریر الجدجد- و نبسط إلى المجد أکفا لا نقبضها أو نبلغ المدى- و إن تکن الأخرى فلا لقله فی العدد- و لا لوهن فی الأید- و الله لو لا أن الإسلام قید الفتک- لتدکدکت جنادل صخر- یسمع اصطکاکها من المحل العلی- .

فحل علی ع حبوته و قال الصبر حلم- و التقوى دین و الحجه محمد و الطریق الصراط- أیها الناس شقوا أمواج الفتن… الخطبه- ثم نهض فدخل إلى منزله و افترق القوم- . و قال البراء بن عازب لم أزل لبنی هاشم محبا- فلما قبض رسول الله ص- خفت أن تتمالأ قریش على إخراج هذا الأمر عنهم- فأخذنی ما یأخذ الوالهه العجول- مع ما فی نفسی من الحزن لوفاه رسول الله ص- فکنت أتردد إلى بنی هاشم- و هم عند النبی ص فی الحجره- و أتفقد وجوه قریش- فإنی کذلک إذ فقدت أبا بکر و عمر- و إذا قائل یقول القوم فی سقیفه بنی ساعده- و إذا قائل آخر یقول قد بویع أبو بکر فلم ألبث- و إذا أنا بأبی بکر قد أقبل و معه عمر و أبو عبیده- و جماعه من أصحاب السقیفه و هم محتجزون بالأزر الصنعانیه- لا یمرون بأحد إلا خبطوه- و قدموه فمدوا یده فمسحوها على ید أبی بکر یبایعه- شاء ذلک أو أبى فأنکرت عقلی- و خرجت أشتد حتى انتهیت إلى بنی هاشم و الباب مغلق- فضربت علیهم الباب ضربا عنیفا- و قلت قد بایع الناس لأبی بکر بن أبی قحافه- فقال العباس تربت أیدیکم إلى آخر الدهر- أما إنی قد أمرتکم فعصیتمونی- فمکثت أکابد ما فی نفسی- و رأیت فی اللیل المقداد و سلمان و أبا ذر- و عباده بن الصامت و أبا الهیثم بن التیهان- و حذیفه و عمارا- و هم یریدون أن یعیدوا الأمر شورى بین المهاجرین- . و بلغ ذلک أبا بکر و عمر- فأرسلا إلى أبی عبیده و إلى المغیره بن شعبه- فسألاهما عن الرأی- فقال المغیره الرأی أن تلقوا العباس- فتجعلوا له و لولده فی هذه الإمره نصیبا- لیقطعوا بذلک ناحیه علی بن أبی طالب- . فانطلق أبو بکر و عمر و أبو عبیده و المغیره- حتى دخلوا على العباس- و ذلک فی اللیله الثانیه من وفاه رسول الله ص- فحمد أبو بکر الله و أثنى علیه و قال- إن الله ابتعث لکم محمدا ص نبیا و للمؤمنین ولیا- فمن الله علیهم بکونه بین ظهرانیهم- حتى اختار له ما عنده فخلى على الناس أمورهم- لیختاروا لأنفسهم متفقین غیر مختلفین- فاختارونی علیهم والیا و لأمورهم راعیا- فتولیت ذلک- و ما أخاف بعون الله و تسدیده وهنا و لا حیره و لا جبنا- و ما توفیقی إلا بالله- علیه توکلت و إلیه أنیب- و ما أنفک یبلغنی عن طاعن یقول بخلاف قول عامه المسلمین- یتخذکم لجأ فتکونون حصنه المنیع و خطبه البدیع- فإما دخلتم فیما دخل فیه الناس- أو صرفتموهم عما مالوا إلیه- فقد جئناک و نحن نرید أن نجعل لک فی هذا الأمر نصیبا- و لمن بعدک من عقبک- إذ کنت عم رسول الله ص- و إن کان المسلمون قد رأوا مکانک من رسول الله ص- و مکان أهلک- ثم عدلوا بهذا الأمر عنکم و على رسلکم بنی هاشم- فإن رسول الله ص منا و منکم- . فاعترض کلامه عمر- و خرج إلى مذهبه فی الخشونه و الوعید- و إتیان الأمر من أصعب جهاته- فقال إی و الله و أخرى- إنا لم نأتکم حاجه إلیکم- و لکن کرهنا أن یکون الطعن- فیما اجتمع علیه المسلمون منکم- فیتفاقم الخطب بکم و بهم- فانظروا لأنفسکم و لعامتهم ثم سکت- .

فتکلم العباس فحمد الله و أثنى علیه ثم قال- إن الله ابتعث محمدا نبیا کما وصفت و ولیا للمؤمنین- فمن الله به على أمته حتى اختار له ما عنده- فخلى الناس على أمرهم لیختاروا لأنفسهم- مصیبین للحق مائلین عن زیغ الهوى- فإن کنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت- و إن کنت بالمؤمنین فنحن منهم- ما تقدمنا فی أمرکم فرطا و لا حللنا وسطا- و لا نزحنا شحطا- فإن کان هذا الأمر یجب لک بالمؤمنین- فما وجب إذ کنا کارهین- و ما أبعد قولک- إنهم طعنوا من قولک إنهم مالوا إلیک- و أما ما بذلت لنا- فإن یکن حقک أعطیتناه فأمسکه علیک- و إن یکن حق المؤمنین فلیس لک أن تحکم فیه- و إن یکن حقنا لم نرض لک ببعضه دون بعض- و ما أقول هذا أروم صرفک عما دخلت فیه- و لکن للحجه نصیبها من البیان- و أما قولک إن رسول الله ص منا و منکم- فإن رسول الله ص من شجره نحن أغصانها و أنتم جیرانها- و أما قولک یا عمر إنک تخاف الناس علینا- فهذا الذی قدمتموه أول ذلک و بالله المستعان- . لما اجتمع المهاجرون على بیعه أبی بکر- أقبل أبو سفیان و هو یقول- أما و الله إنی لأرى عجاجه لا یطفئها إلا الدم- یا لعبد مناف فیم أبو بکر من أمرکم- أین المستضعفان أین الأذلان یعنی علیا و العباس- ما بال هذا الأمر فی أقل حی من قریش- ثم قال لعلی ابسط یدک أبایعک- فو الله إن شئت لأملأنها على أبی فصیل یعنی أبا بکر- … خیلا و رجلا- فامتنع علیه علی ع- فلما یئس منه قام عنه و هو ینشد شعر المتلمس-

 

و لا یقیم على ضیم یراد به
إلا الأذلان عیر الحی و الوتد

 

هذا على الخسف مربوط برمته‏
و ذا یشج فلا یرثی له أحد

 

– . قیل لأبی قحافه یوم ولی الأمر ابنه- قد ولی ابنک الخلافه فقرأ- قُلِ اللَّهُمَّ مالِکَ الْمُلْکِ تُؤْتِی الْمُلْکَ مَنْ تَشاءُ- وَ تَنْزِعُ الْمُلْکَ مِمَّنْ تَشاءُ- ثم قال لم ولوه- قالوا لسنه قال أنا أسن منه- . نازع أبو سفیان أبا بکر فی أمر فأغلظ له أبو بکر- فقال له أبو قحافه یا بنی- أ تقول هذا لأبی سفیان شیخ البطحاء- قال إن الله تعالى رفع بالإسلام بیوتا و وضع بیوتا- فکان مما رفع بیتک یا أبت- و مما وضع بیت أبی سفیان

بازدیدها: ۵۷

خطبه ۴ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

۴ و من خطبه له ع

بِنَا اهْتَدَیْتُمْ فِی الظَّلْمَاءِ وَ تَسَنَّمْتُمُ الْعَلْیَاءَ- وَ بِنَا انْفَجَرْتُمْ عَنِ السِّرَارِ- وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ یَفْقَهِ الْوَاعِیَهَ- وَ کَیْفَ یُرَاعِی النَّبْأَهَ مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّیْحَهُ- رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ یُفَارِقْهُ الْخَفَقَانُ- مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ بِکُمْ عَوَاقِبَ الْغَدْرِ- وَ أَتَوَسَّمُکُمْ بِحِلْیَهِ الْمُغْتَرِّینَ- سَتَرَنِی عَنْکُمْ جِلْبَابُ الدِّینِ- وَ بَصَّرَنِیکُمْ صِدْقُ النِّیَّهِ- أَقَمْتُ لَکُمْ عَلَى سَنَنِ الْحَقِّ فِی جَوَادِّ الْمَضَلَّهِ- حَیْثُ تَلْتَقُونَ وَ لَا دَلِیلَ- وَ تَحْتَفِرُونَ وَ لَا تُمِیهُونَ- الْیَوْمَ أُنْطِقُ لَکُمُ الْعَجْمَاءَ ذَاتَ الْبَیَانِ- عَزَبَ رَأْیُ امْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنِّی- مَا شَکَکْتُ فِی الْحَقِّ مُذْ أُرِیتُهُ- لَمْ یُوجِسْ مُوسَى خِیفَهً عَلَى نَفْسِهِ- أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَهِ الْجُهَّالِ وَ دُوَلِ الضَّلَالِ- الْیَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلَى سَبِیلِ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ- مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ یَظْمَأْ

هذه الکلمات و الأمثال ملتقطه من خطبه طویله- منسوبه إلیه ع- قد زاد فیها قوم أشیاء حملتهم علیها أهواؤهم- لا توافق ألفاظها طریقته ع فی الخطب- و لا تناسب فصاحتها فصاحته- و لا حاجه إلى ذکرها فهی شهیره- و نحن نشرح هذه الألفاظ لأنها کلامه ع- لا یشک فی ذلک من له ذوق و نقد- و معرفه بمذاهب الخطباء و الفصحاء فی خطبهم و رسائلهم- و لأن الروایه لها کثیره- و لأن الرضی رحمه الله تعالى علیه قد التقطها- و نسبها إلیه ع و صححها و حذف ما عداها- . و أما قوله ع بنا اهتدیتم فی الظلماء- فیعنی بالظلماء الجهاله- و تسنمتم العلیاء رکبتم سنامها و هذه استعاره- . قوله و بنا انفجرتم عن السرار أی دخلتم فی الفجر- و السرار اللیله و اللیلتان یستتر فیهما القمر- فی آخر الشهر فلا یظهر- و روی أفجرتم و هو أفصح و أصح- لأن انفعل لا یکون إلا مطاوع فعل- نحو کسرته فانکسر و حطمته فانحطم- إلا ما شذ من قولهم أغلقت الباب فانغلق- و أزعجته فانزعج- و أیضا فإنه لا یقع إلا حیث یکون علاج و تأثیر- نحو انکسر و انحطم- و لهذا قالوا إن قولهم انعدم خطأ- و أما أفعل فیجی‏ء لصیروره الشی‏ء على حال و أمر- نحو أغد البعیر أی صار ذا غده- و أجرب الرجل إذا صار ذا إبل جربى و غیر ذلک- فأفجرتم أی صرتم ذوی فجر- .

و أما عن فی قوله عن السرار- فهی للمجاوزه على حقیقه معناها الأصلی- أی منتقلین عن السرار و متجاوزین له- . و قوله ع وقر سمع- هذا دعاء على السمع الذی لم یفقه الواعیه- بالثقل و الصمم- وقرت أذن زید بضم الواو فهی موقوره- و الوقر بالفتح الثقل فی الأذن-وقرت أذنه بفتح الواو و کسر القاف- توقر وقرا أی صمت- و المصدر فی هذا الموضع جاء بالسکون و هو شاذ- و قیاسه التحریک بالفتح نحو ورم ورما- و الواعیه الصارخه من الوعاء- و هو الجلبه و الأصوات و المراد العبر و المواعظ- . قوله کیف یراعی النبأه هذا مثل آخر- یقول کیف یلاحظ و یراعی العبر الضعیفه- من لم ینتفع بالعبر الجلیه الظاهره بل فسد عندها- و شبه ذلک بمن أصمته الصیحه القویه- فإنه محال أن یراعی بعد ذلک الصوت الضعیف- و النبأه هی الصوت الخفی- .

فإن قیل هذا یخالف قولکم- إن الاستفساد لا یجوز على الحکیم سبحانه- فإن کلامه ع صریح- فی أن بعض المکلفین یفسد عند العبر و المواعظ- . قیل إن لفظه أفعل قد تأتی لوجود الشی‏ء على صفه- نحو أحمدته إذا أصبته محمودا- و قالوا أحییت الأرض إذا وجدتها حیه النبات- فقوله أصمته الصیحه- لیس معناه أن الصیحه کانت عله لصممه- بل معناه صادفته أصم- و بهذا تأول أصحابنا قوله تعالى- وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ- . قوله ربط جنان لم یفارقه الخفقان- هذا مثل آخر- و هو دعاء لقلب لا یزال خائفا من الله- یخفق بالثبوت و الاستمساک- .

قوله ما زلت أنتظر بکم- یقول کنت مترقبا غدرکم متفرسا فیکم الغرر- و هو الغفله- . و قیل إن هذه الخطبه خطبها بعد مقتل طلحه و الزبیر- مخاطبا بها لهما و لغیرهما من أمثالهما- کما قال النبی ص یوم بدر بعد قتل من قتل من قریش- یا عتبه بن ربیعه یا شیبه بن ربیعه یا عمرو بن هشام- و هم جیف منتنه قد جروا إلى القلیب- .

قوله سترنی عنکم هذا یحتمل وجوها- أوضحها أن إظهارکم شعار الإسلام عصمکم منی- مع علمی بنفاقکم- و إنما أبصرت نفاقکم و بواطنکم الخبیثه- بصدق نیتی- کما یقال المؤمن یبصر بنور الله- و یحتمل أن یرید سترنی عنکم جلباب دینی- و منعنی أن أعرفکم نفسی- و ما أقدر علیه من عسفکم- کما تقول لمن استهان بحقک- أنت لا تعرفنی و لو شئت لعرفتک نفسی- . و فسر القطب الراوندی قوله ع- و بصرنیکم صدق النیه- قال معناه أنکم إذا صدقتم نیاتکم- و نظرتم بأعین لم تطرف بالحسد و الغش- و أنصفتمونی أبصرتم عظیم منزلتی- . و هذا لیس بجید لأنه لو کان هو المراد لقال- و بصرکم إیای صدق النیه- و لم یقل ذلک و إنما قال بصرنیکم- فجعل صدق النیه مبصرا له لا لهم- و أیضا فإنه حکم بأن صدق النیه هو عله التبصیر- و أعداؤه لم یکن فیهم صادق النیه- و ظاهر الکلام الحکم و القطع لا التعلیق بالشرط- .

قوله أقمت لکم على سنن الحق- یقال تنح عن سنن الطریق و سنن الطریق- بفتح السین و ضمها فالأول مفرد و الثانی جمع سنه- و هی جاده الطریق و الواضح منها- و أرض مضله و مضله بفتح الضاد و کسرها یضل سالکها- و أماه المحتفر یمیه أنبط الماء- یقول فعلت من إرشادکم و أمرکم بالمعروف- و نهیکم عن المنکر ما یجب على مثلی- فوقفت لکم على جاده الحق و منهجه- حیث طرق الضلال کثیره مختلفه من سائر جهاتی- و أنتم تائهون فیها تلتقون و لا دلیل لکم- و تحتفرون لتجدوا ماء تنقعون به- غلتکم فلا تظفرون بالماء و هذه کلها استعارات- .

قوله الیوم أنطق هذا مثل آخر- و العجماء التی لا نطق لها- و هذا إشاره إلى الرموز التی تتضمنها هذه الخطبه- یقول هی خفیه غامضه- و هی مع غموضها جلیه لأولى الألباب- فکأنها تنطق کما ینطق ذوو الألسنه- کما قیل ما الأمور الصامته الناطقه- فقیل الدلائل المخبره و العبر الواعظه- و فی الأثر سل الأرض من شق أنهارک- و أخرج ثمارک فإن لم تجبک حوارا أجابتک اعتبارا- . قوله عزب رأی امرئ تخلف عنی هذا کلام آخر- عزب أی بعد و العازب البعید- و یحتمل أن یکون هذا الکلام إخبارا و أن یکون دعاء- کما أن قوله تعالى حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ یحتمل الأمرین- . قوله ما شککت فی الحق مذ رأیته هذا کلام آخر- یقول معارفی ثابته لا یتطرق إلیها الشک و الشبهه- .

قوله لم یوجس موسى هذا کلام شریف جدا- یقول إن موسى لما أوجس الخیفه- بدلاله قوله تعالى فَأَوْجَسَ فِی نَفْسِهِ خِیفَهً مُوسى‏- لم یکن ذلک الخوف على نفسه- و إنما خاف من الفتنه و الشبهه الداخله على المکلفین- عند إلقاء السحره عصیهم- فخیل إلیه من سحرهم أنها تسعى- و کذلک أنا لا أخاف على نفسی من الأعداء- الذین نصبوا لی الحبائل و أرصدوا لی المکاید- و سعروا علی نیران الحرب- و إنما أخاف أن یفتتن المکلفون بشبههم و تمویهاتهم- فتقوى دوله الضلال و تغلب کلمه الجهال- .

قوله الیوم تواقفنا القاف قبل الفاء- تواقف القوم على الطریق أی وقفوا کلهم علیها- یقول الیوم اتضح الحق و الباطل و عرفناهما نحن و أنتم- . قوله من وثق بماء لم یظمأ- الظمأ الذی یکون عند عدم الثقه بالماء- و لیس‏ یرید النفی المطلق- لأن الواثق بالماء قد یظمأ- و لکن لا یکون عطشه على حد العطش الکائن عند عدم الماء- و عدم الوثوق بوجوده- و هذا کقول أبی الطیب-

و ما صبابه مشتاق على أمل
من اللقاء کمشتاق بلا أمل‏

– . و الصائم فی شهر رمضان یصبح جائعا- تنازعه نفسه إلى الغذاء- و فی أیام الفطر لا یجد تلک المنازعه فی مثل ذلک الوقت- لأن الصائم ممنوع- و النفس تحرص على طلب ما منعت منه- یقول إن وثقتم بی و سکنتم إلى قولی- کنتم أبعد عن الضلال و أقرب إلى الیقین و ثلج النفس- کمن وثق بأن الماء فی إداوته- یکون عن الظمأ و خوف الهلاک من العطش- أبعد ممن لم یثق بذلک

بازدیدها: ۵۵

خطبه ۳ شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)(المعروفه بالشقشقیه)

۳ و من خطبه له و هی المعروفه بالشقشقیه

 

أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِی قُحَافَهَ وَ إِنَّهُ لَیَعْلَمُ أَنْ مَحَلِّی مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى یَنْحَدِرُ عَنِّی السَّیْلُ وَ لَا یَرْقَى إِلَیَّ الطَّیْرُ- فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَیْتُ عَنْهَا کَشْحاً- وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِی بَیْنَ أَنْ أَصُولَ بِیَدٍ جَذَّاءَ- أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْیَهٍ عَمْیَاءَ- یَهْرَمُ فِیهَا الْکَبِیرُ وَ یَشِیبُ فِیهَا الصَّغِیرُ- وَ یَکْدَحُ فِیهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى یَلْقَى رَبَّهُ- فَرَأَیْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى- فَصَبَرْتُ وَ فِی الْعَیْنِ قَذًى وَ فِی الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِی نَهْباً سدلت دونها ثوبا أی أرخیت- یقول ضربت بینی و بینها حجابا- فعل الزاهد فیها الراغب عنها- و طویت عنها کشحا أی قطعتها و صرمتها- و هو مثل قالوا لأن من کان إلى جانبک الأیمن ماثلا- فطویت کشحک الأیسر فقد ملت عنه- و الکشح ما بین الخاصره و الجنب- و عندی أنهم أرادوا غیر ذلک- و هو أن من أجاع نفسه فقد طوى کشحه- کما أن من أکل و شبع فقد ملأ کشحه- فکأنه أراد أنی أجعت نفسی عنها و لم ألقمها- و الید الجذاء بالدال المهمله و بالذال المعجمه- و الحاء المهمله مع الذال المعجمه- کله بمعنى المقطوعه- و الطخیه قطعه من الغیم و السحاب- و قوله عمیاء تأکید لظلام الحال و اسودادها- یقولون مفازه عمیاء أی یعمى فیها الدلیل-
و یکدح یسعى و یکد مع مشقه- قال تعالى إِنَّکَ کادِحٌ إِلى‏ رَبِّکَ کَدْحاً- و هاتا بمعنى هذه ها للتنبیه- و تا للإشاره و معنى تا ذی- و هذا أحجى من کذا أی ألیق بالحجا و هو العقل- . و فی هذا الفصل من باب البدیع فی علم البیان- عشره ألفاظ- . أولها قوله لقد تقمصها- أی جعلها کالقمیص مشتمله علیه- و الضمیر للخلافه و لم یذکرها للعلم بها- کقوله سبحانه حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ- و کقوله کُلُّ مَنْ عَلَیْها فانٍ- و کقول حاتم

 

أماوی ما یغنی الثراء عن الفتى
إذا حشرجت یوما و ضاق بها الصدر

 

و هذه اللفظه مأخوذه من کتاب الله تعالى- فی قوله سبحانه وَ لِباسُ التَّقْوى‏- و قول النابغه

 

تسربل سربالا من النصر و ارتدى
علیه بعضب فی الکریهه قاصل‏

 

– . الثانیه قوله ینحدر عنی السیل- یعنی رفعه منزلته ع- کأنه فی ذروه جبل أو یفاع مشرف- ینحدر السیل عنه إلى الوهاد و الغیطان- قال الهذلی

 

و عیطاء یکثر فیها الزلیل
و ینحدر السیل عنها انحدارا

 

– . الثالثه قوله ع و لا یرقى إلی الطیر- هذه أعظم فی الرفعه و العلو من التی قبلها- لأن السیل ینحدر عن الرابیه و الهضبه- و أما تعذر رقی الطیر- فربما یکون للقلال الشاهقه جدا- بل ما هو أعلى من قلال الجبال- کأنه یقول إنی لعلو منزلتی- کمن فی السماء التی یستحیل أن یرقى الطیر إلیها- قال أبو الطیب

 

فوق السماء و فوق ما طلبوا
فإذا أرادوا غایه نزلوا
و قال حبیب

 

مکارم لجت فی علو کأنما
تحاول ثأرا عند بعض الکواکب‏

 

– . الرابعه قوله سدلت دونها ثوبا قد ذکرناه- . الخامسه قوله و طویت عنها کشحا قد ذکرناه أیضا- . السادسه قوله أصول بید جذاء قد ذکرناه- . السابعه قوله أصبر على طخیه عمیاء قد ذکرناه أیضا- . الثامنه قوله و فی العین قذى- أی صبرت على مضض کما یصبر الأرمد- . التاسعه قوله و فی الحلق شجا- و هو ما یعترض فی الحلق- أی کما یصبر من غص بأمر فهو یکابد الخنق- . العاشره قوله أرى تراثی نهبا- کنى عن الخلافه بالتراث- و هو الموروث من المال- . فأما قوله ع إن محلی منها محل القطب من الرحى- فلیس من هذا النمط الذی نحن فیه- و لکنه تشبیه محض- خارج من باب الاستعاره و التوسع- یقول کما أن الرحى لا تدور إلا على القطب- و دورانها بغیر قطب لا ثمره له و لا فائده فیه- کذلک نسبتی إلى الخلافه- فإنها لا تقوم إلا بی و لا یدور أمرها إلا علی- . هکذا فسروه و عندی أنه أراد أمرا آخر- و هو أنی من الخلافه فی الصمیم- و فی وسطها و بحبوحتها- کما أن القطب وسط دائره الرحى- قال الراجز

 

على قلاص مثل خیطان السلم
إذا قطعن علما بدا علم‏

 

حتى أنحناها إلى باب الحکم‏
خلیفه الحجاج غیر المتهم‏

فی سره المجد و بحبوح الکرم‏

 

 و قال أمیه بن أبی الصلت لعبد الله بن جدعان-

 

فحللت منها بالبطاح
و حل غیرک بالظواهر

 

– . و أما قوله یهرم فیها الکبیر و یشیب فیها الصغیر- فیمکن أن یکون من باب الحقائق- و یمکن أن یکون من باب المجازات و الاستعارات- أما الأول فإنه یعنی به طول مده ولایه المتقدمین علیه- فإنها مده یهرم فیها الکبیر و یشیب فیها الصغیر- . و أما الثانی فإنه یعنی بذلک صعوبه تلک الأیام- حتى أن الکبیر من الناس یکاد یهرم لصعوبتها- و الصغیر یشیب من أهوالها- کقولهم هذا أمر یشیب له الولید- و إن لم یشب على الحقیقه- .
و اعلم أن فی الکلام تقدیما و تأخیرا- و تقدیره و لا یرقى إلی الطیر- فطفقت أرتئی بین کذا و کذا- فرأیت أن الصبر على هاتا أحجى فسدلت دونها ثوبا- و طویت عنها کشحا- ثم فصبرت و فی العین قذى إلى آخر القصه- لأنه لا یجوز أن یسدل دونها ثوبا و یطوی عنها کشحا- ثم یطفق یرتئی بین أن ینابذهم أو یصبر- أ لا ترى أنه إذا سدل دونها ثوبا- و طوى عنها کشحا فقد ترکها و صرمها- و من یترک و یصرم لا یرتئی فی المنابذه- و التقدیم و التأخیر طریق لاحب- و سبیل مهیع فی لغه العرب- قال سبحانه الَّذِی أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْکِتابَ- وَ لَمْ یَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَیِّماً- أی أنزل على عبده الکتاب قیما- و لم یجعل له عوجا و هذا کثیر- . و قوله ع حتى یلقى ربه بالوقف و الإسکان- کما جاءت به الروایه فی قوله سبحانه ذلِکَ لِمَنْ خَشِیَ رَبَّهُ بالوقف أیضا

نسب أبی بکر و نبذه من أخبار أبیه

ابن أبی قحافه المشار إلیه هو أبو بکر- و اسمه القدیم عبد الکعبه- فسماه رسول الله ص عبد الله- و اختلفوا فی عتیق فقیل کان اسمه فی الجاهلیه- و قیل بل سماه به رسول الله ص- و اسم أبی قحافه عثمان- و هو عثمان بن عامر بن عمرو بن کعب- بن سعد بن تیم بن مره بن کعب بن لؤی بن غالب- و أمه ابنه عم أبیه- و هی أم الخیر بنت صخر بن عمرو بن کعب بن سعد- أسلم أبو قحافه یوم الفتح- جاء به ابنه أبو بکر إلى النبی ص و هو شیخ کبیر- رأسه کالثغامه البیضاء فأسلم- فقال رسول الله ص غیروا شیبته- .

و ولی ابنه الخلافه و هو حی منقطع فی بیته- مکفوف عاجز عن الحرکه- فسمع ضوضاء الناس فقال ما الخبر- فقالوا ولی ابنک الخلافه- فقال رضیت بنو عبد مناف بذلک قالوا نعم- قال اللهم لا مانع لما أعطیت و لا معطی لما منعت- . و لم یل الخلافه من أبوه حی إلا أبو بکر- و أبو بکر عبد الکریم الطائع لله- ولی الأمر و أبوه المطیع حی- خلع نفسه من الخلافه و عهد بها إلى ابنه- و کان المنصور یسمی عبد الله بن الحسن بن الحسن- أبا قحافه تهکما به- لأن ابنه محمدا ادعى الخلافه و أبوه حی- . و مات أبو بکر و أبو قحافه حی- فسمع الأصوات فسأل فقیل مات ابنک- فقال رزء جلیل- و توفی أبو قحافه فی أیام عمر فی سنه أربع عشره للهجره- و عمره سبع و تسعون سنه- و هی السنه التی توفی فیها نوفل- بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم- .

إن قیل بینوا لنا ما عندکم فی هذا الکلام- أ لیس صریحه دالا على تظلیم القوم- و نسبتهم إلى اغتصاب الأمر- فما قولکم فی ذلک- إن حکمتم علیهم بذلک فقد طعنتم فیهم- و إن لم تحکموا علیهم بذلک- فقد طعنتم فی المتظلم المتکلم علیهم- . قیل أما الإمامیه من الشیعه- فتجری هذه الألفاظ على ظواهرها- و تذهب إلى أن النبی ص- نص على أمیر المؤمنین ع- و أنه غصب حقه- .

و أما أصحابنا رحمهم الله فلهم أن یقولوا- إنه لما کان أمیر المؤمنین ع هو الأفضل و الأحق- و عدل عنه إلى من لا یساویه فی فضل- و لا یوازیه فی جهاد و علم و لا یماثله فی سؤدد و شرف- ساغ إطلاق هذه الألفاظ- و إن کان من وسم بالخلافه قبله عدلا تقیا- و کانت بیعته بیعه صحیحه- أ لا ترى أن البلد قد یکون فیه فقیهان- أحدهما أعلم من الآخر بطبقات کثیره- فیجعل السلطان الأنقص علما منهما قاضیا- فیتوجد الأعلم و یتألم- و ینفث أحیانا بالشکوى- و لا یکون ذلک طعنا فی القاضی و لا تفسیقا له- و لا حکما منه بأنه غیر صالح- بل للعدول عن الأحق و الأولى- و هذا أمر مرکوز فی طباع البشر- و مجبول فی أصل الغریزه و الفطره- فأصحابنا رحمهم الله لما أحسنوا الظن بالصحابه- و حملوا ما وقع منهم على وجه الصواب- و أنهم نظروا إلى مصلحه الإسلام- و خافوا فتنه لا تقتصر على ذهاب الخلافه فقط- بل و تفضی إلى ذهاب النبوه و المله- فعدلوا عن الأفضل الأشرف الأحق إلى فاضل آخر دونه- فعقدوا له- احتاجوا إلى تأویل هذه الألفاظ- الصادره عمن یعتقدونه فی الجلاله و الرفعه- قریبا من منزله النبوه- فتأولوها بهذا التأویل- و حملوها على التألم للعدول عن الأولى- .

و لیس هذا بأبعد من تأویل الإمامیه قوله تعالى- وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‏- و قولهم معنى عصى أنه عدل عن الأولى- لأن الأمر بترک أکل الشجره کان أمرا على سبیل الندب- فلما ترکه آدم کان تارکا للأفضل و الأولى- فسمی عاصیا باعتبار مخالفه الأولى- و حملوا غوى على خاب- لا على الغوایه بمعنى الضلال- و معلوم أن تأویل کلام أمیر المؤمنین ع- و حمله على أنه شکا من ترکهم الأولى- أحسن من حمل قوله تعالى وَ عَصى‏ آدَمُ على أنه ترک الأولى- .

إن قیل لا تخلو الصحابه- إما أن تکون عدلت عن الأفضل- لعله و مانع فی الأفضل أو لا لمانع- فإن کان لا لمانع کان ذلک عقدا للمفضول بالهوى- فیکون باطلا- و إن کان لمانع- و هو ما تذکرونه من خوف الفتنه- و کون الناس کانوا یبغضون علیا ع و یحسدونه- فقد کان یجب أن یعذرهم أمیر المؤمنین ع- فی العدول عنه- و یعلم أن العقد لغیره هو المصلحه للإسلام- فکیف حسن منه أن یشکوهم بعد ذلک و یتوجد علیهم- . و أیضا فما معنى قوله- فطفقت أرتئی بین أن أصول بید جذاء- على ما تأولتم به کلامه- فإن تارک الأولى لا یصال علیه بالحرب- . قیل یجوز أن یکون أمیر المؤمنین ع لم یغلب على ظنه- ما غلب على ظنون الصحابه- من الشغب و ثوران الفتنه- و الظنون تختلف باختلاف الأمارات- فرب إنسان یغلب على ظنه أمر یغلب على ظن غیره خلافه- و أما قوله أرتئی بین أن أصول- فیجوز أن یکون لم یعن به صیال الحرب- بل صیال الجدل و المناظره- یبین ذلک أنه لو کان جادلهم- و أظهر ما فی نفسه لهم- فربما خصموه بأن یقولوا له- قد غلب على ظنوننا أن الفساد یعظم و یتفاقم- إن ولیت الأمر- و لا یجوز مع غلبه ظنوننا لذلک أن نسلم الأمر إلیک- فهو ع قال- طفقت أرتئی بین أن أذکر لهم فضائلی علیهم- و أحاجهم بها فیجیبونی بهذا الضرب من الجواب- الذی تصیر حجتی به جذاء مقطوعه- و لا قدره لی على تشییدها و نصرتها- و بین أن أصبر على ما منیت به و دفعت إلیه- . إن قیل إذا کان ع لم یغلب على ظنه- وجود العله و المانع فیه- و قد استراب الصحابه و شکاهم لعدولهم- عن الأفضل الذی لا عله فیه عنده- فقد سلمتم أنه ظلم الصحابه و نسبهم إلى غصب حقه- فما الفرق بین ذلک و بین أن یستظلمهم لمخالفه النص- و کیف‏ هربتم من نسبته لهم إلى الظلم لدفع النص- و وقعتم فی نسبته لهم إلى الظلم- لخلاف الأولى من غیر عله فی الأولى- و معلوم أن مخالفه الأولى من غیر عله فی الأولى- کتارک النص- لأن العقد فی کلا الموضعین یکون فاسدا- . قیل الفرق بین الأمرین ظاهر- لأنه ع لو نسبهم إلى مخالفه النص لوجب وجود النص- و لو کان النص موجودا- لکانوا فساقا أو کفارا لمخالفته- و أما إذا نسبهم إلى ترک الأولى من غیر عله فی الأولى- فقد نسبهم إلى أمر یدعون فیه خلاف ما یدعی ع- و أحد الأمرین لازم- و هو إما أن یکون ظنهم صحیحا أو غیر صحیح- فإن کان ظنهم هو الصحیح فلا کلام فی المسأله- و إن لم یکن ظنهم صحیحا- کانوا کالمجتهد إذا ظن و أخطأ فإنه معذور- و مخالفه النص أمر خارج عن هذا الباب- لأن مخالفه غیر معذور بحال فافترق المحملان

مرض رسول الله و أمره أسامه بن زید على الجیش

لما مرض رسول الله ص مرض الموت- دعا أسامه بن زید بن حارثه- فقال سر إلى مقتل أبیک فأوطئهم الخیل- فقد ولیتک على هذا الجیش و إن أظفرک الله بالعدو- فأقلل اللبث و بث العیون و قدم الطلائع- فلم یبق أحد من وجوه المهاجرین و الأنصار- إلا کان فی ذلک الجیش- منهم أبو بکر و عمر- فتکلم قوم و قالوا- یستعمل هذا الغلام على جله المهاجرین و الأنصار- فغضب رسول الله ص لما سمع ذلک- و خرج عاصبا رأسه فصعد المنبر و علیه قطیفه- فقال أیها الناس- ما مقاله بلغتنی عن بعضکم فی تأمیر أسامه- لئن طعنتم فی تأمیری أسامه- فقد طعنتم فی تأمیری أباه من قبله- و ایم الله إن کان لخلیقا بالإماره- و ابنه من بعده لخلیق بها و إنهما لمن أحب الناس إلی- فاستوصوا به خیرا فإنه من خیارکم – ثم نزل و دخل بیته- و جاء المسلمون یودعون رسول الله ص- و یمضون إلى عسکر أسامه بالجرف- . و ثقل رسول الله ص و اشتد ما یجده- فأرسل بعض نسائه إلى أسامه و بعض من کان معه- یعلمونهم ذلک- فدخل أسامه من معسکره و النبی ص مغمور- و هو الیوم الذی لدوه فیه- فتطأطأ أسامه علیه فقبله- و رسول الله ص قد أسکت فهو لا یتکلم- فجعل یرفع یدیه إلى السماء- ثم یضعهما على أسامه کالداعی له- ثم أشار إلیه بالرجوع إلى عسکره- و التوجه لما بعثه فیه- فرجع أسامه إلى عسکره- ثم أرسل نساء رسول الله ص إلى أسامه یأمرنه بالدخول- و یقلن إن رسول الله ص قد أصبح بارئا- فدخل أسامه من معسکره یوم الإثنین- الثانی عشر من شهر ربیع الأول- فوجد رسول الله ص مفیقا- فأمره بالخروج و تعجیل النفوذ- و قال اغد على برکه الله- و جعل یقول أنفذوا بعث أسامه و یکرر ذلک- فودع رسول الله ص و خرج و معه أبو بکر و عمر- فلما رکب جاءه رسول أم أیمن- فقال إن رسول الله ص یموت- فأقبل و معه أبو بکر و عمر و أبو عبیده- فانتهوا إلى رسول الله ص حین زالت الشمس- من هذا الیوم و هو یوم الإثنین- و قد مات و اللواء مع بریده بن الحصیب- فدخل باللواء فرکزه عند باب رسول الله ص و هو مغلق- و علی ع و بعض بنی هاشم مشتغلون بإعداد جهازه و غسله- فقال العباس لعلی و هما فی الدار- امدد یدک أبایعک- فیقول الناس عم رسول الله بایع ابن عم رسول الله- فلا یختلف علیک‏

اثنان- فقال له أ و یطمع یا عم فیها طامع غیری قال ستعلم- فلم یلبثا أن جاءتهما الأخبار- بأن الأنصار أقعدت سعدا لتبایعه- و أن عمر جاء بأبی بکر فبایعه و سبق الأنصار بالبیعه- فندم علی ع على تفریطه فی أمر البیعه و تقاعده عنها- و أنشده العباس قول درید-

أمرتهم أمری بمنعرج اللوى
فلم یستبینوا النصح إلا ضحى الغد

– . و تزعم الشیعه أن رسول الله ص کان یعلم موته- و أنه سیر أبا بکر و عمر فی بعث أسامه- لتخلو دار الهجره منهما فیصفو الأمر لعلی ع- و یبایعه من تخلف من المسلمین بالمدینه- على سکون و طمأنینه- فإذا جاءهما الخبر بموت رسول الله ص- و بیعه الناس لعلی ع بعده- کانا عن المنازعه و الخلاف أبعد- لأن العرب کانت تلتزم بإتمام تلک البیعه- و یحتاج فی نقضها إلى حروب شدیده- فلم یتم له ما قدر و تثاقل أسامه بالجیش أیاما- مع شده حث رسول الله ص على نفوذه و خروجه بالجیش- حتى مات ص و هما بالمدینه- فسبقا علیا إلى البیعه و جرى ما جرى- . و هذا عندی غیر منقدح- لأنه إن کان ص یعلم موته- فهو أیضا یعلم أن أبا بکر سیلی الخلافه- و ما یعلمه لا یحترس منه- و إنما یتم هذا و یصح- إذا فرضنا أنه ع کان یظن موته و لا یعلمه حقیقه- و یظن أن أبا بکر و عمر یتمالآن على ابن عمه- و یخاف وقوع ذلک منهما و لا یعلمه حقیقه- فیجوز إن کانت الحال هکذا أن ینقدح هذا التوهم- و یتطرق هذا الظن کالواحد منا له ولدان- یخاف من أحدهما
أن یتغلب بعد موته على جمیع ماله- و لا یوصل أخاه إلى شی‏ء من حقه- فإنه قد یخطر له عند مرضه الذی یتخوف أن یموت فیه- أن یأمر الولد المخوف جانبه بالسفر إلى بلد بعید- فی تجاره یسلمها إلیه- یجعل ذلک طریقا إلى دفع تغلبه على الولد الآخر
حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِیلِهِ- فَأَدْلَى بِهَا إِلَى ابْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَهُ-

شَتَّانَ مَا یَوْمِی عَلَى کُورِهَا
وَ یَوْمُ حَیَّانَ أَخِی جَابِرِ

– فَیَا عَجَباً بَیْنَا هُوَ یَسْتَقِیلُهَا فِی حَیَاتِهِ- إِذْ عَقَدَهَا لآِخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَیْهَا- فَصَیَّرَهَا فِی حَوْزَهٍ خَشْنَاءَ یَغْلُظُ کَلْمُهَا- وَ یَخْشُنُ مَسُّهَا وَ یَکْثُرُ الْعِثَارُ فِیهَا وَ الِاعْتِذَارُ مِنْهَا- فَصَاحِبُهَا کَرَاکِبِ الصَّعْبَهِ- إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ وَ إِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ- فَمُنِیَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللَّهِ بِخَبْطٍ وَ شِمَاسٍ وَ تَلَوُّنٍ وَ اعْتِرَاضٍ- فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّهِ وَ شِدَّهِ الْمِحْنَهِ مضى لسبیله مات و السبیل الطریق- و تقدیره مضى على سبیله و تجی‏ء اللام بمعنى على- کقوله

فخر صریعا للیدین و للفم‏

– . و قوله فأدلى بها من قوله تعالى- وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ- وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُکَّامِ- أی تدفعوها إلیهم رشوه- و أصله من أدلیت الدلو فی البئر أرسلتها- . فإن قلت فإن أبا بکر إنما دفعها إلى عمر حین مات- و لا معنى للرشوه عند الموت- . قلت لما کان ع یرى أن العدول بها عنه إلى غیره- إخراج لها إلى غیر جهه الاستحقاق- شبه ذلک بإدلاء الإنسان بماله إلى الحاکم- فإنه إخراج للمال إلى غیر وجهه- فکان ذلک من باب الاستعاره- .

عهد أبی بکر بالخلافه إلى عمر بن الخطاب

و ابن الخطاب هو أبو حفص عمر الفاروق- و أبوه الخطاب بن نفیل بن عبد العزى- بن ریاح بن عبد الله بن قرط بن رزاح- بن عدی بن کعب بن لؤی بن غالب- و أم عمر حنتمه بنت هاشم بن المغیره- بن عبد الله بن عمر بن مخزوم- . لما احتضر أبو بکر قال للکاتب اکتب- هذا ما عهد عبد الله بن عثمان- آخر عهده بالدنیا و أول عهده بالآخره- فی الساعه التی یبر فیها الفاجر و یسلم فیها الکافر- ثم أغمی علیه فکتب الکاتب عمر بن الخطاب- ثم أفاق أبو بکر فقال اقرأ ما کتبت- فقرأ و ذکر اسم عمر فقال أنى لک هذا- قال ما کنت لتعدوه فقال أصبت- ثم قال أتم کتابک قال ما أکتب- قال اکتب و ذلک حیث أجال رأیه و أعمل فکره- فرأى أن هذا الأمر لا یصلح آخره إلا بما یصلح به أوله- و لا یحتمله إلا أفضل العرب مقدره و أملکهم لنفسه- و أشدهم فی حال الشده و أسلسهم فی حال اللین- و أعلمهم برأی ذوی الرأی- لا یتشاغل بما لا یعنیه و لا یحزن لما لم ینزل به- و لا یستحی من التعلم- و لا یتحیر عند البدیهه قوی على الأمور- لا یجوز بشی‏ء منها حده عدوانا و لا تقصیرا- یرصد لما هو آت عتاده من الحذر- . فلما فرغ من الکتاب دخل علیه قوم من الصحابه- منهم طلحه فقال له ما أنت قائل لربک غدا- و قد ولیت علینا فظا غلیظا- تفرق منه النفوس و تنفض عنه القلوب- . فقال أبو بکر أسندونی و کان مستلقیا فأسندوه- فقال لطلحه أ بالله تخوفنی- إذا قال لی ذلک غدا قلت له ولیت علیهم خیر أهلک- .

و یقال أصدق الناس فراسه ثلاثه- العزیز فی قوله لامرأته عن یوسف ع- وَ قالَ الَّذِی اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ- أَکْرِمِی مَثْواهُ عَسى‏ أَنْ یَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً- و ابنه شعیب حیث قالت لأبیها فی موسى- یا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَیْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِیُّ الْأَمِینُ- و أبو بکر فی عمر- . و روى کثیر من الناس أن أبا بکر لما نزل به الموت- دعا عبد الرحمن بن عوف فقال أخبرنی عن عمر- فقال إنه أفضل من رأیک فیه إلا أن فیه غلظه- فقال أبو بکر ذاک لأنه یرانی رقیقا- و لو قد أفضى الأمر إلیه لترک کثیرا مما هو علیه- و قد رمقته إذا أنا غضبت على رجل أرانی الرضا عنه- و إذا لنت له أرانی الشده علیه- ثم دعا عثمان بن عفان فقال أخبرنی عن عمر- فقال سریرته خیر من علانیته و لیس فینا مثله- فقال لهما لا تذکرا مما قلت لکما شیئا- و لو ترکت عمر لما عدوتک یا عثمان- و الخیره لک ألا تلی من أمورهم شیئا- و لوددت أنی کنت من أمورکم خلوا- و کنت فیمن مضى من سلفکم- و دخل طلحه بن عبید الله على أبی بکر- فقال إنه بلغنی أنک یا خلیفه
رسول الله- استخلفت على الناس عمر- و قد رأیت ما یلقى الناس منه و أنت معه- فکیف به إذا خلا بهم- و أنت غدا لاق ربک فیسألک عن رعیتک- فقال أبو بکر أجلسونی ثم قال أ بالله تخوفنی- إذا لقیت ربی فسألنی قلت استخلفت علیهم خیر أهلک- فقال طلحه أ عمر خیر الناس یا خلیفه رسول الله- فاشتد غضبه و قال إی و الله هو خیرهم و أنت شرهم- أما و الله لو ولیتک لجعلت أنفک فی قفاک- و لرفعت نفسک فوق قدرها- حتى یکون الله هو الذی یضعها- أتیتنی و قد دلکت عینک- ترید أن تفتننی عن دینی و تزیلنی عن رأیی- قم لا أقام الله رجلیک- أما و الله لئن عشت فواق ناقه و بلغنی أنک غمصته فیها- أو ذکرته بسوء لألحقنک بمحمضات قنه- حیث کنتم تسقون و لا تروون و ترعون و لا تشبعون- و أنتم بذلک بجحون راضون فقام طلحه فخرج- . أحضر أبو بکر عثمان و هو یجود بنفسه- فأمره أن یکتب عهدا- و قال اکتب بسم الله الرحمن الرحیم- هذا ما عهد عبد الله بن عثمان إلى المسلمین أما بعد ثم أغمی علیه و کتب عثمان- قد استخلفت علیکم عمر بن الخطاب- و أفاق أبو بکر فقال اقرأ فقرأه- فکبر أبو بکر و سر- و قال أراک خفت أن یختلف الناس أن مت فی غشیتی- قال نعم قال جزاک الله خیرا عن الإسلام و أهله- ثم أتم العهد و أمر أن یقرأ على الناس فقرئ علیهم- ثم أوصى عمر فقال له- إن لله حقا باللیل لا یقبله فی النهار- و حقا فی النهار لا یقبله باللیل- و إنه لا یقبل نافله ما لم تؤد الفریضه- و إنما ثقلت موازین من اتبع الحق مع ثقله علیه- و إنما خفت موازین من اتبع الباطل لخفته علیه- إنما أنزلت آیه الرخاء مع آیه الشده- لئلا یرغب المؤمن رغبه یتمنى فیها على الله ما لیس له- و لئلایرهب رهبه یلقى فیها بیده- فإن حفظت وصیتی- فلا یکن غائب أحب إلیک من الموت و لست معجزه- ثم توفی أبو بکر- . دعا أبو بکر عمر یوم موته بعد عهده إلیه- فقال إنی لأرجو أن أموت فی یومی هذا- فلا تمسین حتى تندب الناس مع المثنى بن حارثه- و إن تأخرت إلى اللیل فلا تصبحن حتى تندب الناس معه- و لا تشغلنکم مصیبه عن دینکم- و قد رأیتنی متوفى رسول الله ص کیف صنعت- . و توفی أبو بکر لیله الثلاثاء- لثمان بقین من جمادى الآخره من سنه ثلاث عشره – . و أما البیت الذی تمثل به ع- فإنه للأعشى الکبیر أعشى قیس- و هو أبو بصیر میمون بن قیس بن جندل- من القصیده التی قالها- فی منافره علقمه بن علاثه و عامر بن الطفیل- و أولها

علقم ما أنت إلى عامر
الناقض الأوتار و الواتر

یقول فیها

و قد أسلی الهم إذ یعتری
بجسره دوسره عاقر

زیافه بالرحل خطاره
تلوی بشرخی میسه قاتر

شرخا الرحل مقدمه و مؤخره- و المیس شجر یتخذ منه الرحال- و رحل قاتر جید الوقوع على ظهر البعیر-
شتان ما یومی على کورها
و یوم حیان أخی جابر

أرمی بها البیداء إذ هجرت‏
و أنت بین القرو و العاصر

فی مجدل شید بنیانه
یزل عنه ظفر الطائر

– . تقول شتان ما هما و شتان هما- و لا یجوز شتان ما بینهما إلا على قول ضعیف- . و شتان أصله شتت کوشکان ذا خروجا من وشک- و حیان و جابر ابنا السمین الحنفیان- و کان حیان صاحب شراب و معاقره خمر- و کان ندیم الأعشى- و کان أخوه جابر أصغر سنا منه- فیقال إن حیان قال للأعشى- نسبتنی إلى أخی و هو أصغر سنا منی- فقال إن الروی اضطرنی إلى ذلک- فقال و الله لا نازعتک کأسا أبدا ما عشت- یقول شتان یومی و أنا فی الهاجره و الرمضاء- أسیر على کور هذه الناقه- و یوم حیان و هو فی سکره الشراب- ناعم البال مرفه من الأکدار و المشاق- و القرو شبه حوض یتخذ من جذع- أو من شجر ینبذ فیه- و العاصر الذی یعتصر العنب و المجدل الحصن المنیع- . و شبیه بهذا المعنى قول الفضل بن الربیع- فی أیام فتنه الأمین یذکر حاله و حال أخیه المأمون- إنما نحن شعب من أصل- إن قوی قوینا و إن ضعف ضعفنا- و إن هذا الرجل قد ألقى بیده إلقاء الأمه الوکعاء- یشاور النساء و یقدم على الرؤیا- قد أمکن أهل الخساره و اللهو من سمعه- فهم یمنونه الظفر و یعدونه عقب الأیام- و الهلاک أسرع إلیه من السیل إلى قیعان الرمل- ینام نوم الظربان و ینتبه انتباه الذئب- همه بطنه و فرجه لا یفکر فی زوال نعمه- و لا یروى فی إمضاء رأی و لا مکیده- قد شمر له عبد الله‏ عن ساقه و فوق إلیه أسد سهامه- یرمیه على بعد الدار بالحتف النافذ- و الموت القاصد قد عبا له المنایا على متون الخیل- و ناط له البلایا بأسنه الرماح و شفار السیوف- فهو کما قال الشاعر-

لشتان ما بینی و بین ابن خالد
أمیه فی الرزق الذی الله یقسم‏

 

یقارع أتراک ابن خاقان لیله‏
إلى أن یرى الإصباح لا یتلعثم‏

 

و آخذها حمراء کالمسک ریحها
لها أرج من دنها یتنسم‏

 

فیصبح من طول الطراد و جسمه‏
نحیل و أضحی فی النعیم أصمم‏

 

– . و أمیه المذکور فی هذا الشعر- هو أمیه بن عبد الله بن خالد بن أسید- بن أبی العیص بن أمیه بن عبد شمس- کان والی خراسان و حارب الترک- و الشعر للبعیث- . یقول أمیر المؤمنین ع- شتان بین یومی فی الخلافه مع ما انتقض علی من الأمر- و منیت به من انتشار الحبل و اضطراب أرکان الخلافه- و بین یوم عمر حیث ولیها على قاعده ممهده- و أرکان ثابته و سکون شامل- فانتظم أمره و اطرد حاله و سکنت أیامه- . قوله ع فیا عجبا أصله فیا عجبی- کقولک یا غلامی ثم قلبوا الیاء ألفا- فقالوا یا عجبا کقولهم یا غلاما- فإن وقفت وقفت على هاء السکت- فقلت یا عجباه و یا غلاماه- قال العجب منه و هو یستقیل المسلمین- من الخلافه أیام حیاته- فیقول أقیلونی ثم یعقدها عند وفاته لآخر- و هذا یناقض الزهد فیها و الاستقاله منها- و قال شاعر من شعراء الشیعه

حملوها یوم السقیفه
أوزارا تخف الجبال و هی ثقال‏
ثم جاءوا من بعدها
یستقیلون و هیهات عثره لا تقال‏

– . و قد اختلف الرواه فی هذه اللفظه- فکثیر من الناس رواها- أقیلونی فلست بخیرکم- و من الناس من أنکر هذه اللفظه و لم یروها- و إنما روى قوله ولیتکم و لست بخیرکم- و احتج بذلک من لم یشترط الأفضلیه فی الإمامه- و من رواها اعتذر لأبی بکر فقال إنما قال أقیلونی- لیثور ما فی نفوس الناس من بیعته- و یخبر ما عندهم من ولایته- فیعلم مریدهم و کارههم و محبهم و مبغضهم- فلما رأى النفوس إلیه ساکنه- و القلوب لبیعته مذعنه- استمر على إمارته و حکم حکم الخلفاء فی رعیته- و لم یکن منکرا منه أن یعهد إلى من استصلحه لخلافته- . قالوا و قد جرى مثل ذلک لعلی ع- فإنه قال للناس بعد قتل عثمان-
دعونی و التمسوا غیری- فأنا لکم وزیرا خیر منی لکم أمیرا- و قال لهم اترکونی فأنا کأحدکم- بل أنا أسمعکم و أطوعکم لمن ولیتموه أمرکم
– فأبوا علیه و بایعوه فکرهها أولا- ثم عهد بها إلى الحسن ع عند موته- . قالت الإمامیه هذا غیر لازم- و الفرق بین الموضعین ظاهر- لأن علیا ع لم یقل إنی لا أصلح و لکنه کره الفتنه- و أبو بکر قال کلاما معناه أنی لا أصلح لها- لقوله لست بخیرکم- و من نفى عن نفسه صلاحیته للإمامه- لا یجوز أن یعهد بها إلى غیره- . و اعلم أن الکلام فی هذا الموضع- مبنی على أن الأفضلیه هل هی شرط فی الإمامه أم لا- و قد تکلمنا فی شرح الغرر- لشیخنا أبی الحسین رحمه الله تعالى فی هذا البحث- بما لا یحتمله هذا الکتاب-

و قوله ع لشد ما تشطرا ضرعیها- شد أصله شدد کقولک حب فی حبذا أصله حبب- و معنى شد صار شدیدا جدا و معنى حب صار حبیبا- قال البحتری

شد ما أغریت ظلوم بهجری
بعد وجدی بها و غله صدری‏

– . و للناقه أربعه أخلاف خلفان قادمان و خلفان آخران- و کل اثنین منهما شطر- و تشطرا ضرعیها اقتسما فائدتهما و نفعهما- و الضمیر للخلافه و سمى القادمین معا ضرعا- و سمى الآخرین معا ضرعا لما کانا لتجاورهما- و لکونهما لا یحلبان إلا معا کشی‏ء واحد- . قوله ع فجعلها فی حوزه خشناء- أی فی جهه صعبه المرام شدیده الشکیمه- و الکلم الجرح- . و قوله یغلظ- من الناس من قال کیف قال یغلظ کلمها- و الکلم لا یوصف بالغلظ و هذا قله فهم بالفصاحه- أ لا ترى کیف قد وصف الله سبحانه العذاب بالغلظ- فقال وَ نَجَّیْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِیظٍ أی متضاعف- لأن الغلیظ من الأجسام هو ما کثف و جسم- فکان أجزاؤه و جواهره متضاعفه- فلما کان العذاب أعاذنا الله منه متضاعفا سمی غلیظا- و کذلک الجرح إذا أمعن و عمق- فکأنه قد تضاعف و صار جروحا فسمی غلیظا- . إن قیل قد قال ع فی حوزه خشناء فوصفها بالخشونه- فکیف أعاد ذکر الخشونه ثانیه فقال یخشن مسها- . قیل الاعتبار مختلف- لأن مراده بقوله فی حوزه خشناء- أی لا ینال ما عندها و لا یرام- یقال إن فلانا لخشن الجانب و وعر الجانب- و مراده بقوله یخشن‏ مسها- أی تؤذی و تضر و تنکئ من یمسها- یصف جفاء أخلاق الوالی المذکور- و نفور طبعه و شده بادرته- . قوله ع و یکثر العثار فیها و الاعتذار منها- یقول لیست هذه الجهه جددا مهیعا- بل هی کطریق کثیر الحجاره لا یزال الماشی فیه عاثرا- . و أما منها فی قوله ع و الاعتذار منها- فیمکن أن تکون من على أصلها- یعنی أن عمر کان کثیرا ما یحکم بالأمر ثم ینقضه- و یفتی بالفتیا ثم یرجع عنها- و یعتذر مما أفتى به أولا- و یمکن أن تکون من هاهنا للتعلیل و السببیه- أی و یکثر اعتذار الناس عن أفعالهم و حرکاتهم لأجلها- قال

أ من رسم دار مربع و مصیف
لعینیک من ماء الشئون و کیف‏

– . أی لأجل أن رسم المربع و المصیف هذه الدار- و کف دمع عینیک- . و الصعبه من النوق ما لم ترکب و لم ترض- إن أشنق لها راکبها بالزمام خرم أنفها- و إن أسلس زمامها تقحم فی المهالک- فألقته فی مهواه أو ماء أو نار- أو ندت فلم تقف حتى تردیه عنها فهلک- . و أشنق الرجل ناقته إذا کفها بالزمام و هو راکبها- و اللغه المشهوره شنق ثلاثیه- و فی الحدیث أن طلحه أنشد قصیده- فما زال شانقا راحلته حتى کتبت له- و أشنق البعیر نفسه إذا رفع رأسه یتعدى و لا یتعدى- و أصله من الشناق و هو خیط یشد به فم القربه- . و قال الرضی أبو الحسن رحمه الله تعالى- إنما قال ع أشنق لها و لم یقل أشنقها- لأنه جعل ذلک فی مقابله قوله أسلس لها و هذا حسن- فإنهم إذا
قصدوا الازدواج فی الخطابه فعلوا مثل هذا- قالوا الغدایا و العشایا- و الأصل الغدوات جمع غدوه-و قال ص ارجعن مأزورات غیر مأجورات – و أصله موزورات بالواو لأنه من الوزر- . و قال الرضی رحمه الله تعالى- و مما یشهد على أن أشنق بمعنى شنق- قول عدی بن زید العبادی-

ساءها ما لها تبین فی الأیدی
و إشناقها إلى الأعناق‏

 قلت تبین فی هذا البیت فعل ماض تبین یتبین تبینا- و اللام فی لها تتعلق بتبین- یقول ظهر لها ما فی أیدینا فساءها- و هذا البیت من قصیده أولها-

لیس شی‏ء على المنون بباق
غیر وجه المسبح الخلاق‏

و قد کان زارته بنیه له صغیره اسمها هند- و هو فی الحبس حبس النعمان- و یداه مغلولتان إلى عنقه فأنکرت ذلک- و قالت ما هذا الذی فی یدک و عنقک یا أبت و بکت- فقال هذا الشعر و قبل هذا البیت-

و لقد غمنی زیاره ذی قربى
صغیر لقربنا مشتاق‏

ساءها ما لها تبین فی الأیدی‏
و إشناقها إلى الأعناق‏

أی ساءها ما ظهر لها من ذلک- و یروى ساءها ما بنا تبین أی ما بان و ظهر- و یروى ما بنا تبین بالرفع على أنه مضارع- . و یروى إشناقها بالرفع عطفا على ما- التی هی بمعنى الذی و هی فاعله- و یروى بالجر عطفا على الأیدی- .

و قال الرضی رحمه الله تعالى أیضا- و یروى أن رسول الله ص خطب الناس- و هو على ناقه قد شنق لها و هی تقصع بجرتها- . قلت الجره ما یعلو من الجوف و تجتره الإبل- و الدره ما یسفل و تقصع بها تدفع- و قد کان للرضی رحمه الله تعالى إذا کانت الروایه- قد وردت هکذا أن یحتج بها على جواز أشنق لها- فإن الفعل فی الخبر قد عدی باللام لا بنفسه- قوله ع فمنی الناس أی بلی الناس- قال منیت بزمرده کالعصاو الخبط السیر على غیر جاده- و الشماس النفار و التلون التبدل- و الاعتراض السیر لا على خط مستقیم- کأنه یسیر عرضا فی غضون سیره طولا- و إنما یفعل ذلک البعیر الجامح الخابط- و بعیر عرضی یعترض فی مسیره لأنه لم یتم ریاضته- و فی فلان عرضیه أی عجرفه و صعوبه
طرف من أخبار عمر بن الخطاب
و کان عمر بن الخطاب صعبا- عظیم الهیبه شدید السیاسه- لا یحابی أحدا و لا یراقب شریفا و لا مشروفا- و کان أکابر الصحابه یتحامون و یتفادون من لقائه- کان أبو سفیان بن حرب فی مجلس عمر- و هناک زیاد بن سمیه و کثیر من الصحابه- فتکلم زیاد فأحسن و هو یومئذ غلام- فقال علی ع و کان حاضرا- لأبی سفیان و هو إلى جانبه- لله هذا الغلام لو کان قرشیا لساق العرب بعصاه- فقال له أبو سفیان أما و الله لو عرفت أباه- لعرفت أنه من خیر أهلک- قال و من أبوه قال أنا وضعته و الله فی رحم أمه- فقال علی ع فما یمنعک من استلحاقه- قال أخاف هذا العیر الجالس أن یخرق علی إهابی-

و قیل لابن عباس لما أظهر قوله فی العول- بعد موت عمر و لم یکن قبل یظهره- هلا قلت هذا و عمر حی- قال هبته و کان امرأ مهابا- . و استدعى عمر امرأه لیسألها عن أمر و کانت حاملا- فلشده هیبته ألقت ما فی بطنها- فأجهضت به جنینا میتا- فاستفتى عمر أکابر الصحابه فی ذلک- فقالوا لا شی‏ء علیک إنما أنت مؤدب- فقال له علی ع إن کانوا راقبوک فقد غشوک- و إن کان هذا جهد رأیهم فقد أخطئوا- علیک غره یعنی عتق رقبه- فرجع عمر و الصحابه إلى قوله- . و عمر هو الذی شد بیعه أبی بکر و وقم المخالفین فیها- فکسر سیف الزبیر لما جرده و دفع فی صدر المقداد- و وطئ فی السقیفه سعد بن عباده- و قال اقتلوا سعدا قتل الله سعدا- و حطم أنف الحباب بن المنذر الذی قال یوم السقیفه- أنا جذیلها المحکک و عذیقها المرجب- و توعد من لجأ إلى دار فاطمه ع من الهاشمیین- و أخرجهم منها- و لولاه لم یثبت لأبی بکر أمر و لا قامت له قائمه- .

و هو الذی ساس العمال و أخذ أموالهم فی خلافته- و ذلک من أحسن السیاسات- . و روى الزبیر بن بکار- قال لما قلد عمر عمرو بن العاص مصر- بلغه أنه قد صار له مال عظیم من ناطق و صامت- فکتب إلیه أما بعد- فقد ظهر لی من مالک ما لم یکن فی رزقک- و لا کان لک مال قبل أن أستعملک- فأنى لک هذا فو الله لو لم یهمنی فی ذات الله- إلا من اختان فی مال الله- لکثر همی و انتثر أمری- و لقد کان عندی من المهاجرین الأولین من هو خیر منک- و لکنی قلدتک رجاء غنائک- فاکتب إلی من أین لک هذا المال و عجل- .

فکتب إلیه عمرو- أما بعد فقد فهمت کتاب أمیر المؤمنین- فأما ما ظهر لی من مال- فأنا قدمنا بلادا رخیصه الأسعار کثیره الغزو- فجعلنا ما أصابنا فی الفضول- التی اتصل بأمیر المؤمنین نبؤها- و و الله لو کانت خیانتک حلالا ما خنتک و قد ائتمنتنی- فإن لنا أحسابا إذا رجعنا إلیها أغنتنا عن خیانتک- و ذکرت أن عندک من المهاجرین الأولین من هو خیر منی- فإذا کان ذاک فو الله ما دققت لک یا أمیر المؤمنین بابا- و لا فتحت لک قفلا- فکتب إلیه عمر- أما بعد فإنی لست من تسطیرک الکتاب- و تشقیقک الکلام فی شی‏ء- و لکنکم معشر الأمراء قعدتم على عیون الأموال- و لن تعدموا عذرا- و إنما تأکلون النار و تتعجلون العار- و قد وجهت إلیک محمد بن مسلمه- فسلم إلیه شطر مالک- . فلما قدم محمد صنع له عمرو طعاما و دعاه فلم یأکل- و قال هذه تقدمه الشر و لو جئتنی بطعام الضیف لأکلت- فنح عنی طعامک و أحضر لی مالک- فأحضره فأخذ شطره- فلما رأى عمرو کثره ما أخذ منه قال- لعن الله زمانا صرت فیه عاملا لعمر- و الله لقد رأیت عمر و أباه- على کل واحد منهما عباءه قطوانیه- لا تجاوز مأبض رکبتیه و على عنقه حزمه حطب- و العاص بن وائل فی مزررات الدیباج- فقال محمد إیها عنک یا عمرو- فعمر و الله خیر منک و أما أبوک و أبوه فإنهما فی النار- و لو لا الإسلام لألفیت معتلقا شاه- یسرک غزرها و یسوؤک بکوؤها- قال صدقت فاکتم علی قال أفعل- قال الربیع بن زیاد الحارثی- کنت عاملا لأبی موسى الأشعری على البحرین-

فکتب إلیه عمر بالقدوم علیه هو و عماله- و أن یستخلفوا جمیعا- فلما قدمنا المدینه- أتیت یرفأ حاجب عمر- فقلت یا یرفأ مسترشد و ابن سبیل- أی الهیئات أحب إلى أمیر المؤمنین أن یرى فیها عماله- فأومأ إلی بالخشونه فاتخذت خفین مطارقین- و لبست جبه صوف و لثت عمامتی على رأسی- ثم دخلنا على عمر فصفنا بین یدیه- فصعد بصره فینا و صوب- فلم تأخذ عینه أحدا غیری فدعانی- فقال من أنت قلت الربیع بن زیاد الحارثی- قال و ما تتولى من أعمالنا قلت البحرین- قال کم ترزق قلت ألفا قال کثیر فما تصنع به- قلت أتقوت منه شیئا و أعود بباقیه على أقارب لی- فما فضل منهم فعلى فقراء المسلمین- قال لا بأس ارجع إلى موضعک- فرجعت إلى موضعی من الصف فصعد فینا و صوب- فلم تقع عینه إلا علی فدعانی- فقال کم سنک قلت خمس و أربعون- فقال الآن حیث استحکمت ثم دعا بالطعام- و أصحابی حدیث عهدهم بلین العیش- و قد تجوعت له فأتى بخبز یابس و أکسار بعیر- فجعل أصحابی یعافون ذلک و جعلت آکل فأجید- و أنا أنظر إلیه و هو یلحظنی من بینهم- ثم سبقت منی کلمه تمنیت لها أنی سخت فی الأرض- فقلت یا أمیر المؤمنین إن الناس یحتاجون إلى صلاحک- فلو عمدت إلى طعام ألین من هذا- فزجرنی ثم قال کیف قلت فقلت یا أمیر المؤمنین- أن تنظر إلى قوتک من الطحین- فیخبز قبل إرادتک إیاه بیوم- و یطبخ لک اللحم کذلک- فتؤتى بالخبز لینا و باللحم غریضا- فسکن من غربه و قال أ هاهنا غرت قلت نعم- فقال یا ربیع- إنا لو نشاء لملأنا هذه الرحاب- من صلائق و سبائک و صناب- و لکنی رأیت الله نعى على قوم شهواتهم- فقال أَذْهَبْتُمْ طَیِّباتِکُمْ‏ فِی حَیاتِکُمُ الدُّنْیا – ثم أمر أبا موسى بإقراری و أن یستبدل بأصحابی- . أسلم عمر بعد جماعه من الناس- و کان سبب إسلامه أن أخته و بعلها أسلما سرا من عمر- فدخل إلیهما خباب بن الأرت یعلمهما الدین خفیه- فوشى بهم واش إلى عمر فجاء دار أخته- فتوارى خباب منه داخل البیت- فقال عمر ما هذه الهینمه عندکم- قالت أخته ما عدا حدیثا تحدثناه بیننا- قال أراکما قد صبوتما- قال ختنه أ رأیت إن کان هو الحق- فوثب علیه عمر فوطئه وطئا شدیدا- فجاءت أخته فدفعته عنه فنفحها بیده- فدمی وجهها ثم ندم و رق و جلس واجما- فخرج إلیه خباب فقال أبشر یا عمر- فإنی أرجو أن تکون دعوه رسول الله لک اللیله- فإنه لم یزل یدعو منذ اللیله- اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام- . قال فانطلق عمر متقلدا سیفه- حتى- أتى إلى الدار التی فیها رسول الله ص یومئذ- و هی الدار التی فی أصل الصفا- و على الباب حمزه و طلحه و ناس من المسلمین- فوجل القوم من عمر إلا حمزه فإنه قال قد جاءنا عمر- فإن یرد الله به خیرا یهده- و إن یرد غیر ذلک کان قتله علینا هینا- و النبی ص داخل الدار یوحى إلیه فسمع کلامهم- فخرج حتى أتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه و حمائل سیفه- و قال ما أنت بمنته یا عمر- حتى ینزل الله بک من الخزی و النکال- ما أنزل بالولید بن المغیره- اللهم هذا عمر اللهم أعز الإسلام بعمر- فقال عمر أشهد أن لا إله إلا الله- و أشهد أن محمدا رسول الله- . مر یوما عمر فی بعض شوارع المدینه فناداه إنسان- ما أراک إلا تستعمل عمالک و تعهد إلیهم العهود- و ترى أن ذلک قد أجزأک- کلا و الله إنک المأخوذ بهم إن لم تتعهدهم-

قال ما ذاک قال عیاض بن غنم یلبس اللین- و یأکل الطیب و یفعل کذا و کذا- قال أ ساع قال بل مؤد ما علیه- فقال لمحمد بن مسلمه الحق بعیاض بن غنم- فأتنی به کما تجده- فمضى محمد بن مسلمه حتى أتى باب عیاض- و هو أمیر على حمص و إذا علیه بواب- فقال له قل لعیاض على بابک رجل یرید أن یلقاک- قال ما تقول قال قل له ما أقول لک- فقام کالمعجب فأخبره فعرف عیاض أنه أمر حدث- فخرج فإذا محمد بن مسلمه فأدخله- فرأى على عیاض قمیصا رقیقا و رداء لینا- فقال إن أمیر المؤمنین أمرنی ألا أفارقک- حتى آتیه بک کما أجدک- فأقدمه على عمر و أخبره أنه وجده فی عیش ناعم- فأمر له بعصا و کساء- و قال اذهب بهذه الغنم فأحسن رعیها- فقال الموت أهون من ذلک فقال کذبت- و لقد کان ترک ما کنت علیه أهون علیک من ذلک- فساق الغنم بعصاه و الکساء فی عنقه فلما بعد رده- و قال أ رأیت إن رددتک إلى عملک أ تصنع خیرا- قال نعم و الله یا أمیر المؤمنین- لا یبلغک منی بعدها ما تکره- فرده إلى عمله فلم یبلغه عنه بعدها ما ینقمه علیه- . کان الناس بعد وفاه رسول الله ص یأتون الشجره- التی کانت بیعه الرضوان تحتها فیصلون عندها- فقال عمر أراکم أیها الناس رجعتم إلى العزى- ألا لا أوتی منذ الیوم بأحد عاد لمثلها- إلا قتلته بالسیف کما یقتل المرتد- ثم أمر بها فقطعت- . لما مات رسول الله ص و شاع بین الناس موته- طاف عمر على الناس قائلا إنه لم یمت- و لکنه غاب عنا کما غاب موسى عن قومه- و لیرجعن فلیقطعن أیدی رجال و أرجلهم یزعمون أنه مات- فجعل لا یمر بأحد یقول إنه مات إلا و یخبطه و یتوعده- حتى جاء أبو بکر فقال أیها الناس- من کان یعبد محمدا فإن محمدا قد مات-

و من کان یعبد رب محمد فإنه حی لم یمت- ثم تلا قوله تعالى- أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِکُمْ- قالوا فو الله لکان الناس ما سمعوا هذه الآیه- حتى تلاها أبو بکر- و قال عمر لما سمعته یتلوها هویت إلى الأرض- و علمت أن رسول الله قد مات- . لما قتل خالد مالک بن نویره و نکح امرأته- کان فی عسکره أبو قتاده الأنصاری- فرکب فرسه و التحق بأبی بکر- و حلف ألا یسیر فی جیش تحت لواء خالد أبدا- فقص على أبی بکر القصه- فقال أبو بکر لقد فتنت الغنائم العرب- و ترک خالد ما أمر به- فقال عمر إن علیک أن تقیده بمالک فسکت أبو بکر- و قدم خالد فدخل المسجد- و علیه ثیاب قد صدئت من الحدید- و فی عمامته ثلاثه أسهم- فلما رآه عمر قال أ ریاء یا عدو الله- عدوت على رجل من المسلمین فقتلته و نکحت امرأته- أما و الله إن أمکننی الله منک لأرجمنک- ثم تناول الأسهم من عمامته فکسرها- و خالد ساکت لا یرد علیه- ظنا أن ذلک عن أمر أبی بکر و رأیه- فلما دخل إلى أبی بکر و حدثه- صدقه فیما حکاه و قبل عذره- فکان عمر یحرض أبا بکر على خالد- و یشیر علیه أن یقتص منه بدم مالک- فقال أبو بکر إیها یا عمر- ما هو بأول من أخطأ فارفع لسانک عنه- ثم ودى مالکا من بیت مال المسلمین- . لما صالح خالد أهل الیمامه و کتب بینه و بینهم کتاب الصلح- و تزوج ابنه مجاعه بن مراره الحنفی- وصل إلیه کتاب أبی بکر لعمری یا ابن أم خالد- إنک لفارغ حتى تزوج النساء- و حول حجرتک دماء المسلمین لم تجف بعد- فی کلام أغلظ له فیه- فقال خالد هذا الکتاب لیس من عمل أبی بکر- هذا عمل الأعیسر یعنی عمر-

عزل عمر خالدا عن إماره حمص فی سنه سبع عشره- و إقامه للناس و عقله بعمامته- و نزع قلنسوته عن رأسه- و قال أعلمنی من أین لک هذا المال- و ذلک أنه أجاز الأشعث بن قیس بعشره آلاف درهم- فقال من الأنفال و السهمان- فقال لا و الله لا تعمل لی عملا بعد الیوم- و شاطره ماله و کتب إلى الأمصار بعزله- و قال إن الناس فتنوا به فخفت أن یوکلوا إلیه- و أحببت أن یعلموا أن الله هو الصانع- . لما أسر الهرمزان حمل إلى عمر من تستر إلى المدینه- و معه رجال من المسلمین- منهم الأحنف بن قیس و أنس بن مالک- فأدخلوه المدینه فی هیئته و تاجه و کسوته- فوجدوا عمر نائما فی جانب المسجد- فجلسوا عنده ینتظرون انتباهه- فقال الهرمزان و أین عمر قالوا ها هو ذا- قال أین حرسه قالوا لا حاجب له و لا حارس- قال فینبغی أن یکون هذا نبیا- قالوا إنه یعمل بعمل الأنبیاء- و استیقظ عمر فقال الهرمزان فقالوا نعم- قال لا أکلمه أو لا یبقى علیه من حلیته شی‏ء- فرموا ما علیه و ألبسوه ثوبا صفیقا- فلما کلمه عمر أمر أبا طلحه أن ینتضی سیفه- و یقوم على رأسه ففعل- ثم قال له ما عذرک فی نقض الصلح و نکث العهد- و قد کان الهرمزان صالح أولا ثم نقض و غدر- فقال أخبرک قال قل قال و أنا شدید العطش- فاسقنی ثم أخبرک فأحضر له ماء- فلما تناوله جعلت یده ترعد- قال ما شأنک قال أخاف أن أمد عنقی- و أنا أشرب فیقتلنی سیفک- قال لا بأس علیک حتى تشرب- فألقى الإناء عن یده فقال ما بالک- أعیدوا علیه الماء و لا تجمعوا علیه بین القتل و العطش- قال إنک قد أمنتنی قال کذبت قال لم أکذب- قال أنس صدق یا أمیر المؤمنین- قال ویحک یا أنس- أنا أؤمن قاتل مجزأه بن ثور و البراء بن مالک- و الله لتأتینی بالمخرج أو لأعاقبنک- قال أنت یا أمیر المؤمنین قلت- لا بأس علیک حتى تشرب- و قال له ناس من المسلمین

مثل قول أنس- فقال للهرمزان ویحک أ تخدعنی- و الله لأقتلنک إلا أن تسلم ثم أومأ إلى أبی طلحه- فقال الهرمزان أشهد أن لا إله إلا الله- و أشهد أن محمدا رسول الله فأمنه و أنزله المدینه- . سأل عمر عمرو بن معدیکرب عن السلاح- فقال له ما تقول فی الرمح قال أخوک و ربما خانک- قال فالنبل قال رسل المنایا تخطئ و تصیب- قال فالدرع قال مشغله للفارس متعبه للراجل- و إنها مع ذلک لحصن حصین- قال فالترس قال هو المجن و علیه تدور الدوائر- قال فالسیف قال هناک قارعت أمک الهبل- قال بل أمک قال و الحمى أضرعتنی لک- . و أول من ضرب عمر بالدره أم فروه بنت أبی قحافه- مات أبو بکر فناح النساء علیه و فیهن أخته أم فروه- فنهاهن عمر مرارا و هن یعاودن- فأخرج أم فروه من بینهن و علاها بالدره- فهربن و تفرقن- . کان یقال دره عمر أهیب من سیف الحجاج- و فی الصحیح أن نسوه کن عند رسول الله ص قد کثر لغطهن- فجاء عمر فهربن هیبه له- فقال لهن یا عدیات أنفسهن- أ تهبننی و لا تهبن رسول الله- قلن نعم أنت أغلظ و أفظ- . و کان عمر یفتی کثیرا بالحکم ثم ینقضه- و یفتی بضده و خلافه- قضى فی الجد مع الإخوه قضایا کثیره مختلفه- ثم خاف من الحکم فی هذه المسأله- فقال من أراد أن یتقحم جراثیم جهنم- فلیقل فی الجد برأیه- .

و قال مره لا یبلغنی أن امرأه تجاوز صداقها صداق نساء النبی- إلا ارتجعت ذلک منها- فقالت له امرأه ما جعل الله لک ذلک- إنه تعالى قال وَ آتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئاً- أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً- فقال کل النساء أفقه من عمر حتى ربات الحجال- أ لا تعجبون من إمام أخطأ و امرأه أصابت- فاضلت إمامکم ففضلته- . و مر یوما بشاب من فتیان الأنصار و هو ظمآن- فاستسقاه فجدح له ماء بعسل فلم یشربه- و قال إن الله تعالى یقول أَذْهَبْتُمْ طَیِّباتِکُمْ فِی حَیاتِکُمُ الدُّنْیا- فقال له الفتى یا أمیر المؤمنین- إنها لیست لک و لا لأحد من هذه القبیله- اقرأ ما قبلها وَ یَوْمَ یُعْرَضُ الَّذِینَ کَفَرُوا عَلَى النَّارِ- أَذْهَبْتُمْ طَیِّباتِکُمْ فِی حَیاتِکُمُ الدُّنْیا- فقال عمر کل الناس أفقه من عمر- . و قیل إن عمر کان یعس باللیل- فسمع صوت رجل و امرأه فی بیت فارتاب- فتسور الحائط فوجد امرأه و رجلا و عندهما زق خمر- فقال یا عدو الله- أ کنت ترى أن الله یسترک و أنت على معصیته- قال یا أمیر المؤمنین إن کنت أخطأت فی واحده- فقد أخطأت فی ثلاث- قال الله تعالى وَ لا تَجَسَّسُوا و قد تجسست- و قال وَ أْتُوا الْبُیُوتَ مِنْ أَبْوابِها و قد تسورت- و قال فَإِذا دَخَلْتُمْ بُیُوتاً فَسَلِّمُوا و ما سلمت- . و قال متعتان کانتا على عهد رسول الله و أنا محرمهما- و معاقب علیهما- متعه النساء و متعه الحج- و هذا الکلام و إن کان ظاهره منکرا- فله عندنا مخرج و تأویل- و قد ذکره أصحابنا الفقهاء فی کتبهم- .

و کان فی أخلاق عمر و ألفاظه جفاء و عنجهیه ظاهره- یحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم یکن قد أراد- و یتوهم من تحکى له أنه قصد بها ظاهرا ما لم یقصده- فمنها الکلمه التی قالها فی مرض رسول الله ص- و معاذ الله أن یقصد بها ظاهرها- و لکنه أرسلها على مقتضى خشونه غریزته و لم یتحفظ منها- و کان الأحسن أن یقول مغمور أو مغلوب بالمرض- و حاشاه أن یعنی بها غیر ذلک- . و لجفاه الأعراب من هذا الفن کثیر- سمع سلیمان بن عبد الملک أعرابیا یقول فی سنه قحط-

رب العباد ما لنا و ما لکا
قد کنت تسقینا فما بدا لکا

أنزل علینا القطر لا أبا لکا

– . فقال سلیمان أشهد أنه لا أب له و لا صاحبه و لا ولد- فأخرجه أحسن مخرج- . و على نحو هذا یحتمل کلامه فی صلح الحدیبیه- لما قال للنبی ص أ لم تقل لنا ستدخلونها- فی ألفاظ نکره حکایتها- حتى شکاه النبی ص إلى أبی بکر- و حتى قال له أبو بکر الزم بغرزه فو الله إنه لرسول الله- . و عمر هو الذی أغلظ على جبله بن الأیهم- حتى اضطره إلى مفارقه دار الهجره- بل مفارقه دار الإسلام کلها- و عاد مرتدا داخلا فی دین النصرانیه لأجل لطمه لطمها- و قال جبله بعد ارتداده متندما على ما فعل-

 

تنصرت الأشراف من أجل لطمه
و ما کان فیها لو صبرت لها ضرر

فیا لیت أمی لم تلدنی و لیتنی‏
رجعت إلى القول الذی قاله عمر

: حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِیلِهِ- جَعَلَهَا فِی سِتَّهٍ زَعَمَ أَنِّی أَحَدُهُمْ فَیَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَى- مَتَى اعْتَرَضَ الرَّیْبُ فِیَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ- حَتَّى صِرْتُ أَقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ- لَکِنِّی أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ إِذْ طَارُوا- فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ- وَ مَالَ الآْخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ اللام فی یا لله مفتوحه- و اللام فی و للشورى مکسوره- لأن الأولى للمدعو و الثانیه للمدعو إلیه- قال

 

یا للرجال لیوم الأربعاء أما
ینفک یحدث لی بعد النهی طربا

 

– . اللام فی للرجال مفتوحه و فی لیوم مکسوره- و أسف الرجل إذا دخل فی الأمر الدنی‏ء- أصله من أسف الطائر إذا دنا من الأرض فی طیرانه- و الضغن الحقد- . و قوله مع هن و هن- أی مع أمور یکنى عنها و لا یصرح بذکرها- و أکثر ما یستعمل ذلک فی الشر- قال على هنوات شرها متتابع‏- . یقول ع إن عمر لما طعن جعل الخلافه فی سته- هو ع أحدهم ثم تعجب من ذلک- فقال متى اعترض الشک فی مع أبی بکر- حتى أقرن بسعد بن أبی وقاص- و عبد الرحمن بن عوف و أمثالهما- لکنی طلبت الأمر و هو موسوم بالأصاغر منهم- کما طلبته أولا و هو موسوم بأکابرهم- أی هو حقی فلا أستنکف من طلبه- إن کان المنازع فیه جلیل القدر أو صغیر المنزله- . و صغا الرجل بمعنى مال الصغو المیل بالفتح و الکسر
قصه الشورى

و صوره هذه الواقعه أن عمر لما طعنه أبو لؤلؤه- و علم أنه میت استشار فیمن یولیه الأمر بعده- فأشیر علیه بابنه عبد الله فقال لاها الله إذا- لا یلیها رجلان من ولد الخطاب حسب عمر ما حمل- حسب عمر ما احتقب- لاها الله لا أتحملها حیا و میتا- ثم قال إن رسول الله مات- و هو راض عن هذه السته من قریش- علی و عثمان و طلحه و الزبیر- و سعد و عبد الرحمن بن عوف- و قد رأیت أن أجعلها شورى بینهم لیختاروا لأنفسهم- ثم قال إن أستخلف فقد استخلف من هو خیر منی- یعنی أبا بکر- و إن أترک فقد ترک من هو خیر منی یعنی رسول الله ص- ثم قال ادعوهم لی فدعوهم- فدخلوا علیه و هو ملقى على فراشه یجود بنفسه- . فنظر إلیهم فقال أ کلکم یطمع فی الخلافه بعدی فوجموا- فقال لهم ثانیه فأجابه الزبیر و قال- و ما الذی یبعدنا منها ولیتها أنت فقمت بها- و لسنا دونک فی قریش و لا فی السابقه و لا فی القرابه- . قال الشیخ أبو عثمان الجاحظ- و الله لو لا علمه أن عمر یموت فی مجلسه ذلک- لم یقدم على أن یفوه من هذا الکلام بکلمه- و لا أن ینبس منه بلفظه- . فقال عمر أ فلا أخبرکم عن أنفسکم- قال قل فإنا لو استعفیناک لم تعفنا- فقال أما أنت یا زبیر فوعق لقس- مؤمن الرضا کافر الغضب یوما إنسان و یوما شیطان- و لعلها لو أفضت إلیک ظلت یومک- تلاطم بالبطحاء على مد من شعیر- أ فرأیت إن أفضت إلیک- فلیت شعری من یکون للناس یوم تکون شیطانا- و من یکون یوم تغضب- و ما کان الله لیجمع لک أمر هذه الأمه- و أنت على هذه الصفه- .

ثم أقبل على طلحه و کان له مبغضا- منذ قال لأبی بکر یوم وفاته ما قال فی عمر- فقال له أقول أم أسکت- قال قل فإنک لا تقول من الخیر شیئا- قال أما إنی أعرفک منذ أصیبت إصبعک یوم أحد- و البأو الذی حدث لک- و لقد مات رسول الله ص‏ ساخطا علیک- بالکلمه التی قلتها یوم أنزلت آیه الحجاب- . قال شیخنا أبو عثمان الجاحظ رحمه الله تعالى- الکلمه المذکوره أن طلحه لما أنزلت آیه الحجاب- قال بمحضر ممن نقل عنه إلى رسول الله ص- ما الذی یغنیه حجابهن الیوم و سیموت غدا فننکحهن- قال أبو عثمان أیضا لو قال لعمر قائل أنت قلت- إن رسول الله ص مات و هو راض عن السته- فکیف تقول الآن لطلحه إنه مات ع ساخطا علیک- للکلمه التی قلتها- لکان قد رماه بمشاقصه- و لکن من الذی کان یجسر على عمر أن یقول له ما دون هذا- فکیف هذا- . قال ثم أقبل على سعد بن أبی وقاص فقال- إنما أنت صاحب مقنب من هذه المقانب تقاتل به- و صاحب قنص و قوس و أسهم- و ما زهره و الخلافه و أمور الناس- . ثم أقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال- و أما أنت یا عبد الرحمن- فلو وزن نصف إیمان المسلمین بإیمانک- لرجح إیمانک به- و لکن لیس یصلح هذا الأمر لمن فیه ضعف کضعفک- و ما زهره و هذا الأمر- . ثم أقبل على علی ع فقال- لله أنت لو لا دعابه فیک أما و الله لئن ولیتهم- لتحملنهم على الحق الواضح و المحجه البیضاء- ثم أقبل على عثمان فقال هیها إلیک- کأنی بک قد قلدتک قریش هذا الأمر لحبها إیاک- فحملت بنی أمیه و بنی أبی معیط على رقاب الناس- و آثرتهم بالفی‏ء فسارت إلیک عصابه من ذؤبان العرب- فذبحوک على فراشک ذبحا- و الله لئن فعلوا لتفعلن و لئن فعلت لیفعلن- ثم أخذ بناصیته فقال- فإذا کان ذلک فاذکر قولی فإنه کائن- .

ذکر هذا الخبر کله شیخنا أبو عثمان فی کتاب السفیانیه- و ذکره جماعه غیره فی باب فراسه عمر- و ذکر أبو عثمان فی هذا الکتاب عقیب روایه هذا الخبر- قال و روى‏ معمر بن سلیمان التیمی عن أبیه عن سعید بن المسیب عن ابن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب یقول لأهل الشورى- إنکم إن تعاونتم و توازرتم و تناصحتم- أکلتموها و أولادکم- و إن تحاسدتم و تقاعدتم و تدابرتم و تباغضتم- غلبکم على هذا الأمر معاویه بن أبی سفیان- و کان معاویه حینئذ أمیر الشام- . ثم رجع بنا الکلام إلى تمام قصه الشورى- ثم قال ادعوا إلی أبا طلحه الأنصاری- فدعوه له فقال انظر یا أبا طلحه- إذا عدتم من حفرتی- فکن فی خمسین رجلا من الأنصار حاملی سیوفکم- فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر و تعجیله- و اجمعهم فی بیت و قف بأصحابک على باب البیت- لیتشاوروا و یختاروا واحدا منهم- فإن اتفق خمسه و أبى واحد فاضرب عنقه- و إن اتفق أربعه و أبى اثنان فاضرب أعناقهما- و إن اتفق ثلاثه و خالف ثلاثه- فانظر الثلاثه التی فیها عبد الرحمن- فارجع إلى ما قد اتفقت علیه- فإن أصرت الثلاثه الأخرى على خلافها فاضرب أعناقها- و إن مضت ثلاثه أیام و لم یتفقوا على أمر- فاضرب أعناق السته- و دع المسلمین یختاروا لأنفسهم- . فلما دفن عمر جمعهم أبو طلحه- و وقف على باب البیت بالسیف- فی خمسین من الأنصار حاملی سیوفهم- ثم تکلم القوم و تنازعوا- فأول ما عمل طلحه أنه أشهدهم على نفسه- أنه قد وهب حقه من الشورى لعثمان- و ذلک لعلمه أن الناس لا یعدلون به علیا و عثمان- و أن الخلافه لا تخلص له و هذان موجودان- فأراد تقویه أمر عثمان و إضعاف جانب علی ع- بهبه أمر لا انتفاع له به و لا تمکن له منه- .

فقال الزبیر فی معارضته- و أنا أشهدکم على نفسی- أنی قد وهبت حقی من الشورى لعلی- و إنما فعل ذلک لأنه لما رأى علیا قد ضعف- و انخزل بهبه طلحه حقه لعثمان دخلته حمیه النسب- لأنه ابن عمه أمیر المؤمنین ع- و هی صفیه بنت عبد المطلب و أبو طالب خاله- و إنما مال طلحه إلى عثمان لانحرافه عن علی ع- باعتبار أنه‏ تیمی و ابن عم أبی بکر الصدیق- و قد کان حصل فی نفوس بنی هاشم- من بنی تیم حنق شدید لأجل الخلافه- و کذلک صار فی صدور تیم على بنی هاشم- و هذا أمر مرکوز فی طبیعه البشر- و خصوصا طینه العرب و طباعها- و التجربه إلى الآن تحقق ذلک- فبقی من السته أربعه- . فقال سعد بن أبی وقاص- و أنا قد وهبت حقی من الشورى لابن عمی عبد الرحمن- و ذلک لأنهما من بنی زهره و لعلم سعد أن الأمر لا یتم له- فلما لم یبق إلا الثلاثه- قال عبد الرحمن لعلی و عثمان- أیکما یخرج نفسه من الخلافه- و یکون إلیه الاختیار فی الاثنین الباقیین- فلم یتکلم منهما أحد- فقال عبد الرحمن أشهدکم أننی قد أخرجت نفسی- من الخلافه على أن أختار أحدهما- فأمسکا فبدأ بعلی ع و قال له- أبایعک على کتاب الله و سنه رسول الله- و سیره الشیخین أبی بکر و عمر- فقال بل على کتاب الله و سنه رسوله و اجتهاد رأیی- فعدل عنه إلى عثمان فعرض ذلک علیه فقال نعم- فعاد إلى علی ع فأعاد قوله فعل ذلک عبد الرحمن ثلاثا- فلما رأى أن علیا غیر راجع عما قاله- و أن عثمان ینعم له بالإجابه صفق على ید عثمان- و قال السلام علیک یا أمیر المؤمنین- فیقال إن علیا ع قال له- و الله ما فعلتها إلا لأنک رجوت منه- ما رجا صاحبکما من صاحبه- دق الله بینکما عطر منشم- .

قیل ففسد بعد ذلک بین عثمان و عبد الرحمن- فلم یکلم أحدهما صاحبه حتى مات عبد الرحمن – ثم نرجع إلى تفسیر ألفاظ الفصل- أما قوله ع فصغا رجل منهم لضغنه فإنه یعنی طلحه- و قال القطب الراوندی یعنی سعد بن أبی وقاص- لأن علیا ع قتل أباه یوم بدر- و هذا خطأ فإن أباه أبو وقاص- و اسمه مالک بن أهیب بن عبد مناف بن زهره- بن کلاب بن مره بن کعب بن لؤی بن غالب مات فی الجاهلیه حتف أنفه- . و أما قوله و مال الآخر لصهره- یعنی عبد الرحمن مال إلى عثمان- لأن أم کلثوم بنت عقبه بن أبی معیط کانت تحته- و أم کلثوم هذه هی أخت عثمان من أمه أروى بنت کریز- . و روى القطب الراوندی أن عمر لما قال- کونوا مع الثلاثه التی عبد الرحمن فیها-

قال ابن عباس لعلی ع ذهب الأمر منا- الرجل یرید أن یکون الأمر فی عثمان- فقال علی ع و أنا أعلم ذلک- و لکنی أدخل معهم فی الشورى- لأن عمر قد أهلنی الآن للخلافه- و کان قبل ذلک یقول- إن رسول الله ص قال- إن النبوه و الإمامه لا یجتمعان فی بیت- فأنا أدخل فی ذلک لأظهر للناس- مناقضه فعله لروایته الذی ذکره الراوندی غیر معروف- و لم ینقل عمر هذا عن رسول الله ص- و لکنه قال لعبد الله بن عباس یوما یا عبد الله- ما تقول منع قومکم منکم- قال لا أعلم یا أمیر المؤمنین قال اللهم غفرا- إن قومکم کرهوا أن تجتمع لکم النبوه و الخلافه- فتذهبون فی السماء بذخا و شمخا- لعلکم تقولون إن أبا بکر أراد الإمره علیکم و هضمکم- کلا لکنه حضره أمر لم یکن عنده أحزم مما فعل- و لو لا رأی أبی بکر فی بعد موته لأعاد أمرکم إلیکم- و لو فعل ما هنأکم مع قومکم- إنهم لینظرون إلیکم نظر الثور إلى جازره- . فأما الروایه التی جاءت- بأن طلحه لم یکن حاضرا یوم الشورى- فإن صحت فذو الضغن هو سعد بن أبی وقاص- لأن أمه حمنه بنت سفیان بن أمیه بن عبد شمس و الضغینه التی عنده على علی ع من قبل أخواله- الذین قتل صنادیدهم و تقلد دماءهم- و لم یعرف أن علیا ع قتل أحدا من بنی زهره- لینسب الضغن إلیه- . و هذه الروایه هی التی اختارها أبو جعفر- محمد بن جریر الطبری صاحب التاریخ- قال لما طعن عمر قیل له لو استخلفت- یا أمیر المؤمنین فقال من أستخلف- لو کان أبو عبیده حیا لاستخلفته- و قلت لربی لو سألنی-
سمعت نبیک یقول أبو عبیده أمین هذه الأمه
 و لو کان سالم مولى أبی حذیفه حیا استخلفته- و قلت لربی إن سألنی-
سمعت نبیک ع یقول إن سالما شدید الحب لله
 فقال له رجل ول عبد الله بن عمر- فقال قاتلک الله و الله ما الله أردت بهذا الأمر- ویحک کیف أستخلف رجلا عجز عن طلاق امرأته- لا أرب لعمر فی خلافتکم- ما حمدتها فأرغب فیها لأحد من أهل بیتی- إن تک خیرا فقد أصبنا منه و إن تک شرا یصرف عنا- حسب آل عمر أن یحاسب منهم رجل واحد- و یسأل عن أمر أمه محمد- . فخرج الناس من عنده- ثم راحوا إلیه فقالوا له لو عهدت عهدا- قال قد کنت أجمعت بعد مقالتی لکم- أن أولی أمرکم رجلا هو أحراکم أن یحملکم على الحق-

و أشار إلى علی ع فرهقتنی غشیه- فرأیت رجلا یدخل جنه قد غرسها- فجعل یقطف کل غضه و یانعه فیضمها إلیه- و یصیرها تحته فخفت أن أتحملها حیا و میتا- و علمت أن الله غالب أمره علیکم بالرهط- الذی قال رسول الله عنهم إنهم من أهل الجنه- ثم ذکر خمسه علیا و عثمان و عبد الرحمن و الزبیر و سعدا- . قال و لم یذکر فی هذا المجلس طلحه- و لا کان طلحه یومئذ بالمدینه- ثم قال لهم انهضوا إلى حجره عائشه فتشاوروا فیها- و وضع رأسه و قد نزفه الدم- فقال العباس لعلی ع لا تدخل معهم و ارفع نفسک عنهم- قال إنی أکره الخلاف قال إذن ترى ما تکره- فدخلوا الحجره فتناجوا حتى ارتفعت أصواتهم- فقال عبد الله بن عمر إن أمیر المؤمنین لم یمت بعد- ففیم هذا اللغط- و انتبه عمر و سمع الأصوات فقال- لیصل بالناس صهیب- و لا یأتین الیوم الرابع من یوم موتی إلا و علیکم أمیر- و لیحضر عبد الله بن عمر مشیرا- و لیس له شی‏ء من الأمر- و طلحه بن عبید الله شریککم فی الأمر- فإن قدم إلى ثلاثه أیام فأحضروه أمرکم- و إلا فأرضوه و من لی برضا طلحه- فقال سعد أنا لک به و لن یخالف إن شاء الله تعالى- . ثم ذکر وصیته لأبی طلحه الأنصاری- و ما خص به عبد الرحمن بن عوف- من کون الحق فی الفئه التی هو فیها- و أمره بقتل من یخالف- ثم خرج الناس فقال علی ع لقوم معه من بنی هاشم- إن أطیع فیکم قومکم من قریش لم تؤمروا أبدا- و قال للعباس عدل بالأمر عنی یا عم-

قال و ما علمک قال قرن بی عثمان – و قال عمر کونوا مع الأکثر- فإن رضی رجلان رجلا و رجلان رجلا- فکونوا مع الذین فیهم عبد الرحمن- فسعد لا یخالف ابن عمه- و عبد الرحمن صهر عثمان لا یختلفان- فیولیها أحدهما الآخر- فلو کان الآخران معی لم یغنیا شیئا- فقال العباس لم أدفعک إلى شی‏ء- إلا رجعت إلی‏ مستأخرا بما أکره- أشرت علیک عند مرض رسول الله ص- أن تسأله عن هذا الأمر فیمن هو فأبیت- و أشرت علیک عند وفاته أن تعاجل البیعه فأبیت- و قد أشرت علیک حین سماک عمر فی الشورى الیوم- أن ترفع نفسک عنها و لا تدخل معهم فیها فأبیت- فاحفظ عنی واحده- کلما عرض علیک القوم الأمر فقل لا إلا أن یولوک- و اعلم أن هؤلاء لا یبرحون یدفعونک عن هذا الأمر- حتى یقوم لک به غیرک- و ایم الله لا تناله إلا بشر لا ینفع معه خیر- فقال ع أما إنی أعلم أنهم سیولون عثمان- و لیحدثن البدع و الأحداث و لئن بقی لأذکرنک- و إن قتل أو مات لیتداولنها بنو أمیه بینهم- و إن کنت حیا لتجدنی حیث تکرهون- ثم تمثل

حلفت برب الراقصات عشیه
غدون خفافا یبتدرن المحصبا

لیجتلبن رهط ابن یعمر غدوه
نجیعا بنو الشداخ وردا مصلبا

– . قال ثم التفت فرأى أبا طلحه الأنصاری فکره مکانه- فقال أبو طلحه لا ترع أبا حسن- فلما مات عمر و دفن و خلوا بأنفسهم للمشاوره فی الأمر- و قام أبو طلحه یحجبهم بباب البیت- جاء عمرو بن العاص و المغیره بن شعبه فجلسا بالباب- فحصبهما سعد و أقامهما- و قال إنما تریدان أن تقولا حضرنا و کنا فی أصحاب الشورى- . فتنافس القوم فی الأمر و کثر بینهم الکلام- فقال أبو طلحه أنا کنت لأن تدافعوها- أخوف منی علیکم أن تنافسوها- أما و الذی ذهب بنفس عمر- لا أزیدکم على الأیام الثلاثه التی وقفت لکم- فاصنعوا ما بدا لکم- . قال ثم إن عبد الرحمن قال لابن عمه سعد بن أبی وقاص- إنی قد کرهتها و سأخلع نفسی منها- لأنی رأیت اللیله روضه خضراء کثیره العشب- فدخل فحل ما رأیت‏ أکرم منه- فمر کأنه سهم لم یلتفت إلى شی‏ء منها حتى قطعها- لم یعرج- و دخل بعیر یتلوه تابع أثره حتى خرج منها- ثم دخل فحل عبقری یجر خطامه و مضى قصد الأولین- ثم دخل بعیر رابع فوقع فی الروضه یرتع و یخضم- و لا و الله لا أکون الرابع- و إن أحدا لا یقوم مقام أبی بکر و عمر فیرضى الناس عنه- . ثم ذکر خلع عبد الرحمن نفسه من الأمر- على أن یولیها أفضلهم فی نفسه- و أن عثمان أجاب إلى ذلک و أن علیا ع سکت- فلما روجع رضی على موثق أعطاه عبد الرحمن- أن یؤثر الحق و لا یتبع الهوى- و لا یخص ذا رحم و لا یألو الأمه نصحا- و أن عبد الرحمن ردد القول بین علی و عثمان متلوما- و أنه خلا بسعد تاره- و بالمسور بن مخرمه الزهری تاره أخرى- و أجال فکره و أعمل نظره- و وقف موقف الحائر بینهما- قال
قال علی ع لسعد بن أبی وقاص- یا سعد اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِی تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ- أسألک برحم ابنی هذا من رسول الله ص- و برحم عمی حمزه منک- ألا تکون مع عبد الرحمن لعثمان ظهیرا
– قلت رحم حمزه من سعد هی أن أم حمزه- هاله بنت أهیب بن عبد مناف بن زهره- و هی أیضا أم المقوم و حجفل- و اسمه المغیره و الغیداق- أبناء عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف- هؤلاء الأربعه بنو عبد المطلب من هاله- و هاله هذه هی عمه سعد بن أبی وقاص- فحمزه إذن ابن عمه سعد و سعد ابن خال حمزه- . قال أبو جعفر- فلما أتى الیوم الثالث جمعهم عبد الرحمن- و اجتمع الناس کافه فقال عبد الرحمن أیها الناس- أشیروا علی فی هذین الرجلین- فقال عمار بن یاسر- إن أردت ألا یختلف الناس فبایع علیا ع- فقال المقداد صدق عمار- و إن بایعت علیا سمعنا و أطعنا- فقال عبد الله بن أبی سرح- إن أردت ألا تختلف قریش‏ فبایع عثمان- قال عبد الله بن أبی ربیعه المخزومی صدق- إن بایعت عثمان سمعنا و أطعنا- فشتم عمار ابن أبی سرح و قال له- متى کنت تنصح الإسلام- . فتکلم بنو هاشم و بنو أمیه و قام عمار- فقال أیها الناس إن الله أکرمکم بنبیه- و أعزکم بدینه- فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بیت نبیکم- فقال رجل من بنی مخزوم- لقد عدوت طورک یا ابن سمیه- و ما أنت و تأمیر قریش لأنفسها- فقال سعد یا عبد الرحمن افرغ من أمرک قبل أن یفتتن الناس- فحینئذ عرض عبد الرحمن على علی ع- العمل بسیره الشیخین فقال بل أجتهد برأیی- فبایع عثمان بعد أن عرض علیه فقال نعم-
فقال علی ع لیس هذا بأول یوم تظاهرتم فیه علینا- فَصَبْرٌ جَمِیلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى‏ ما تَصِفُونَ- و الله ما ولیته الأمر إلا لیرده إلیک- و الله کل یوم فی شأن – .

فقال عبد الرحمن- لا تجعلن على نفسک سبیلا یا علی- یعنی أمر عمر أبا طلحه أن یضرب عنق المخالف- فقام علی ع فخرج- و قال سیبلغ الکتاب أجله- فقال عمار یا عبد الرحمن- أما و الله لقد ترکته- و إنه من الذین یقضون بالحق و به کانوا یعدلون- فقال المقداد تالله ما رأیت- مثل ما أتى إلى أهل هذا البیت بعد نبیهم- وا عجبا لقریش لقد ترکت رجلا ما أقول- و لا أعلم أن أحدا أقضى بالعدل و لا أعلم و لا أتقى منه- أما و الله لو أجد أعوانا- فقال عبد الرحمن اتق الله یا مقداد- فإنی خائف علیک الفتنه- .
و قال علی ع إنی لأعلم ما فی أنفسهم- إن الناس ینظرون إلى قریش- و قریش تنظر فی صلاح شأنها- فتقول إن ولی الأمر بنو هاشم لم یخرج منهم أبدا- و ما کان فی غیرهم فهو متداول فی بطون قریش
– . قال و قدم طلحه فی الیوم الذی بویع فیه لعثمان- فتلکأ ساعه ثم بایع- .و روى أبو جعفر روایه أخرى أطالها و ذکر خطب أهل الشورى و ما قاله کل منهم- و ذکر کلاما قاله علی ع فی ذلک الیوم- و هو الحمد لله الذی اختار محمدا منا نبیا- و ابتعثه إلینا رسولا- فنحن أهل بیت النبوه و معدن الحکمه- أمان لأهل الأرض و نجاه لمن طلب- إن لنا حقا إن نعطه نأخذه- و إن نمنعه نرکب أعجاز الإبل و إن طال السرى- لو عهد إلینا رسول الله ص عهدا لأنفذنا عهده- و لو قال لنا قولا لجالدنا علیه حتى نموت- لن یسرع أحد قبلی إلى دعوه حق و صله رحم- و لا حول و لا قوه إلا بالله العلی العظیم- اسمعوا کلامی و عوا منطقی- عسى أن تروا هذا الأمر بعد هذا الجمع- تنتضى فیه السیوف و تخان فیه العهود- حتى لا یکون لکم جماعه- و حتى یکون بعضکم أئمه لأهل الضلاله و شیعه لأهل الجهاله- .

قلت و قد ذکر الهروی فی کتاب الجمع بین الغریبین- قوله و إن نمنعه نرکب أعجاز الإبل و فسره على وجهین- أحدهما أن من رکب عجز البعیر یعانی مشقه- و یقاسی جهدا- فکأنه قال و إن نمنعه نصبر على المشقه- کما یصبر علیها راکب عجز البعیر- . و الوجه الثانی أنه أراد نتبع غیرنا- کما أن راکب عجز البعیر یکون ردیفا لمن هو أمامه- فکأنه قال و إن نمنعه نتأخر و نتبع غیرنا- کما یتأخر راکب البعیر- .

و قال أبو هلال العسکری فی کتاب الأوائل- استجیبت دعوه علی ع فی عثمان و عبد الرحمن- فما ماتا إلا متهاجرین متعادیین- أرسل عبد الرحمن إلى عثمان یعاتبه و قال لرسوله- قل له لقد ولیتک ما ولیتک من أمر الناس- و إن لی لأمورا ما هی لک- شهدت بدرا و ما شهدتها- و شهدت بیعه الرضوان و ما شهدتها- و فررت یوم أحد و صبرت- فقال عثمان لرسوله قل له أما یوم بدر- فإن رسول الله ص ردنی إلى ابنته لما بها من المرض- و قد کنت خرجت للذی خرجت له- و لقیته عند منصرفه فبشرنی بأجر مثل أجورکم- و أعطانی سهما مثل سهامکم- و أما بیعه الرضوان- فإنه ص بعثنی أستأذن قریشا فی دخوله إلى مکه- فلما قیل له إنی قتلت- بایع المسلمین على الموت لما سمعه عنی- و قال إن کان حیا فأنا أبایع عنه- و صفق بإحدى یدیه على الأخرى- و قال یساری خیر من یمین عثمان- فیدک أفضل أم ید رسول الله ص- و أما صبرک یوم أحد و فراری فلقد کان ذلک- فأنزل الله تعالى العفو عنی فی کتابه- فعیرتنی بذنب غفره الله لی- و نسیت من ذنوبک ما لا تدری أ غفر لک أم لم یغفر- . لما بنى عثمان قصره طمار بالزوراء- و صنع طعاما کثیرا و دعا الناس إلیه- کان فیهم عبد الرحمن فلما نظر للبناء و الطعام قال- یا ابن عفان لقد صدقنا علیک ما کنا نکذب فیک- و إنی أستعیذ بالله من بیعتک- فغضب عثمان و قال أخرجه عنی یا غلام فأخرجوه- و أمر الناس ألا یجالسوه- فلم یکن یأتیه أحد إلا ابن عباس- کان یأتیه فیتعلم منه القرآن و الفرائض- و مرض عبد الرحمن فعاده عثمان و کلمه فلم یکلمه حتى مات‏: إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَیْهِ- بَیْنَ نَثِیلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ- وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِیهِ یَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ- خَضْمَ الْإِبِلِ نِبْتَهَ الرَّبِیعِ- إِلَى أَنِ انْتَکَثَ فَتْلُهُ وَ أَجْهَزَ عَلَیْهِ عَمَلُهُ- وَ کَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ نافجا حضنیه رافعا لهما- و الحضن ما بین الإبط و الکشح- یقال للمتکبر جاء نافجا حضنیه- و یقال لمن امتلأ بطنه طعاما جاء نافجا حضنیه- و مراده ع هذا الثانی- و النثیل الروث و المعتلف موضع العلف- یرید أن همه الأکل و الرجیع- و هذا من ممض الذم و أشد من قول الحطیئه الذی قیل- إنه أهجى بیت للعرب-

دع المکارم لا ترحل لبغیتها
و اقعد فإنک أنت الطاعم الکاسی‏

 

و الخضم أکل بکل الفم و ضده القضم- و هو الأکل بأطراف الأسنان- و قیل الخضم أکل الشی‏ء الرطب- و القضم أکل الشی‏ء الیابس- و المراد على التفسیرین لا یختلف- و هو أنهم على قدم عظیمه من النهم- و شده الأکل و امتلاء الأفواه- و قال أبو ذر رحمه الله تعالى إن بنی أمیه- یخضمون و نقضم و الموعد لله- و الماضی خضمت بالکسر و مثله قضمت- . و النبته بکسر النون کالنبات- تقول نبت الرطب نباتا و نبته- و انتکث فتله انتقض و هذه استعاره- و أجهز علیه عمله تمم قتله- یقال أجهزت على الجریح- مثل ذففت إذا أتممت قتله- و کبت به بطنته کبا الجواد إذا سقط لوجهه- و البطنه الإسراف فی الشبع‏
نتف من أخبار عثمان بن عفان

و ثالث القوم هو عثمان بن عفان بن أبی العاص- بن أمیه بن عبد شمس بن عبد مناف- کنیته أبو عمرو و أمه أروى بنت کریز- بن ربیعه بن حبیب بن عبد شمس- . بایعه الناس بعد انقضاء الشورى و استقرار الأمر له- و صحت فیه فراسه عمر- فإنه أوطأ بنی أمیه رقاب الناس- و ولاهم الولایات و أقطعهم القطائع- و افتتحت إفریقیه فی أیامه- فأخذ الخمس کله فوهبه لمروان- فقال عبد الرحمن بن حنبل الجمحی-

 

أحلف بالله رب الأنام
ما ترک الله شیئا سدى‏

 

و لکن خلقت لنا فتنه
لکی نبتلى بک أو تبتلى‏

 

فإن الأمینین قد بینا
منار الطریق علیه الهدى‏

 

فما أخذا درهما غیله
و لا جعلا درهما فی هوى‏

 

و أعطیت مروان خمس البلاد
فهیهات سعیک ممن سعى‏

 

– . الأمینان أبو بکر و عمر- . و طلب منه عبد الله بن خالد بن أسید صله- فأعطاه أربعمائه ألف درهم- . و أعاد الحکم بن أبی العاص- بعد أن کان رسول الله ص قد سیره- ثم لم یرده أبو بکر و لا عمر- و أعطاه مائه ألف درهم- . و تصدق رسول الله ص بموضع سوق بالمدینه- یعرف بمهزور على المسلمین- فأقطعه عثمان الحارث بن الحکم أخا مروان بن الحکم- . و أقطع مروان فدک- و قد کانت فاطمه ع طلبتها بعد وفاه أبیها ص-تاره بالمیراث و تاره بالنحله فدفعت عنها- . و حمى المراعی حول المدینه کلها- من مواشی المسلمین کلهم إلا عن بنی أمیه- . و أعطى عبد الله بن أبی سرح جمیع ما أفاء الله علیه- من فتح إفریقیه بالمغرب- و هی من طرابلس الغرب إلى طنجه- من غیر أن یشرکه فیه أحد من المسلمین- . و أعطى أبا سفیان بن حرب مائتی ألف من بیت المال- فی الیوم الذی أمر فیه لمروان بن الحکم- بمائه ألف من بیت المال- و قد کان زوجه ابنته أم أبان- فجاء زید بن أرقم صاحب بیت المال بالمفاتیح- فوضعها بین یدی عثمان و بکى- فقال عثمان أ تبکی أن وصلت رحمی قال لا- و لکن أبکی لأنی أظنک أنک أخذت هذا المال- عوضا عما کنت أنفقته فی سبیل الله- فی حیاه رسول الله ص- و الله لو أعطیت مروان مائه درهم لکان کثیرا- فقال ألق المفاتیح یا ابن أرقم فأنا سنجد غیرک- . و أتاه أبو موسى بأموال من العراق جلیله- فقسمها کلها فی بنی أمیه- و أنکح الحارث بن الحکم ابنته عائشه- فأعطاه مائه ألف من بیت المال أیضا- بعد صرفه زید بن أرقم عن خزنه- . و انضم إلى هذه الأمور أمور أخرى نقمها علیه المسلمون- کتسییر أبی ذر رحمه الله تعالى إلى الربذه- و ضرب عبد الله بن مسعود حتى کسر أضلاعه- و ما أظهر من الحجاب و العدول عن طریقه عمر- فی إقامه الحدود و رد المظالم- و کف الأیدی العادیه و الانتصاب لسیاسه الرعیه- و ختم ذلک ما وجدوه من کتابه إلى معاویه- یأمره فیه بقتل قوم من المسلمین- و اجتمع علیه کثیر من أهل المدینه- مع القوم الذین وصلوا من مصر- لتعدید أحداثه علیه فقتلوه- . و قد أجاب أصحابنا عن المطاعن فی عثمان- بأجوبه مشهوره مذکوره فی کتبهم- و الذی نقول نحن إنها و إن کانت أحداثا- إلا أنها لم تبلغ المبلغ الذی یستباح به دمه-

و قد کان الواجب علیهم أن یخلعوه من الخلافه- حیث لم یستصلحوه لها و لا یعجلوا بقتله- و أمیر المؤمنین ع أبرأ الناس من دمه- و قد صرح بذلک فی کثیر من کلامه- من ذلک قوله ع و الله ما قتلت عثمان و لا مالأت على قتله

– و صدق ص: فَمَا رَاعَنِی إِلَّا وَ النَّاسُ إِلَیَّ کَعُرْفِ الضَّبُعِ- یَنْثَالُونَ عَلَیَّ مِنْ کُلِّ جَانِبٍ- حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَایَ- مُجْتَمِعِینَ حَوْلِی کَرَبِیضَهِ الْغَنَمِ- فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَکَثَتْ طَائِفَهٌ- وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ فَسَقَ آخَرُونَ- کَأَنَّهُمْ لَمْ یَسْمَعُوا کَلَامَ اللَّهِ حَیْثُ یَقُولُ- تِلْکَ الدَّارُ الْآخِرَهُ نَجْعَلُها لِلَّذِینَ- لا یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَ لا فَساداً- وَ الْعاقِبَهُ لِلْمُتَّقِینَ- بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا- وَ لَکِنَّهُمْ حَلِیَتِ الدُّنْیَا فِی أَعْیُنِهِمْ وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا عرف الضبع ثخین و یضرب به المثل فی الازدحام- و ینثالون یتتابعون مزدحمین- و الحسنان الحسن و الحسین ع- و العطفان الجانبان من المنکب إلى الورک- و یروى عطافی و العطاف الرداء و هو أشبه بالحال- إلا أن الروایه الأولى أشهر- و المعنى خدش جانبای لشده الاصطکاک منهم و الزحام- و قال القطب الراوندی- الحسنان إبهاما الرجل و هذا لا أعرفه- .

و قوله کربیضه الغنم أی کالقطعه الرابضه من الغنم- یصف شده ازدحامهم حوله و جثومهم بین یدیه- . و قال القطب الراوندی- یصف بلادتهم و نقصان عقولهم- لأن الغنم توصف بقله الفطنه- و هذا التفسیر بعید و غیر مناسب للحال- . فأما الطائفه الناکثه فهم أصحاب الجمل- و أما الطائفه الفاسقه فأصحاب صفین- و سماهم رسول الله ص القاسطین- و أما الطائفه المارقه فأصحاب النهروان- و أشرنا نحن بقولنا- سماهم رسول الله ص القاسطین- إلى قوله ع ستقاتل بعدی الناکثین و القاسطین و المارقین – و هذا الخبر من دلائل نبوته ص- لأنه إخبار صریح بالغیب- لا یحتمل التمویه و التدلیس- کما تحتمله الأخبار المجمله- و صدق قوله ع و المارقین-

قوله أولا فی الخوارج یمرقون من الدین کما یمرق السهم من الرمیه – و صدق قوله ع الناکثین- کونهم نکثوا البیعه بادئ بدء- و قد کان ع یتلو وقت مبایعتهم له- فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ- . و أما أصحاب صفین- فإنهم عند أصحابنا رحمهم الله مخلدون فی النار لفسقهم- فصح فیهم قوله تعالى- وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَکانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً- . و قوله ع حلیت الدنیا فی أعینهم- تقول حلا الشی‏ء فی فمی یحلو و حلی لعینی یحلى- و الزبرج الزینه من وشی أو غیره و یقال الزبرج الذهب- . فأما الآیه فنحن نذکر بعض ما فیها- فنقول إنه تعالى لم یعلق الوعد- بترک العلو فی الأرض و الفساد- و لکن بترک إرادتهما- و هو کقوله تعالى وَ لا تَرْکَنُوا إِلَى الَّذِینَ‏ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ- علق الوعید بالرکون إلیهم و المیل معهم- و هذا شدید فی الوعید- .

و یروى عن أمیر المؤمنین ع أنه قال إن الرجل لیعجبه أن یکون شراک نعله- أحسن من شراک نعل صاحبه – فیدخل تحت هذه الآیه- و یقال إن عمر بن عبد العزیز کان یرددها حتى قبض: أَمَا وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّهَ وَ بَرَأَ النَّسَمَهَ- لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَ قِیَامُ الْحُجَّهِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ- وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ- أَلَّا یُقَارُّوا عَلَى کِظَّهِ ظَالِمٍ وَ لَا سَغَبِ مَظْلُومٍ- لَأَلْقَیْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا- وَ لَسَقَیْتُ آخِرَهَا بِکَأْسِ أَوَّلِهَا- وَ لَأَلْفَیْتُمْ دُنْیَاکُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِی مِنْ عَفْطَهِ عَنْزٍ فلق الحبه من قوله تعالى فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى‏- و النسمه کل ذی روح من البشر خاصه- . قوله لو لا حضور الحاضر- یمکن أن یرید به لو لا حضور البیعه- فإنها بعد عقدها تتعین المحاماه عنها- و یمکن أن یرید بالحاضر من حضره من الجیش- الذین یستعین بهم على الحرب- و الکظه بکسر الکاف- ما یعتری الإنسان من الثقل و الکرب- عند الامتلاء من الطعام- و السغب الجوع- و قولهم قد ألقى فلان حبل فلان على غاربه-
أی ترکه هملا یسرح حیث یشاء من غیر وازع و لا مانع- و الفقهاء یذکرون هذه اللفظه فی کنایات الطلاق- و عفطه عنز ما تنثره من أنفها عفطت تعفط بالکسر- و أکثر ما یستعمل ذلک فی النعجه- فأما العنز فالمستعمل الأشهر فیها النفطه بالنون- و یقولون ما له عافط و لا نافط أی نعجه و لا عنز- فإن قیل أ یجوز أن یقال العفطه هاهنا الحبقه- فإن ذلک یقال فی العنز خاصه عفطت تعفط- قیل ذلک جائز إلا أن الأحسن- و الألیق بکلام أمیر المؤمنین ع التفسیر الأول- فإن جلالته و سؤدده تقتضی- أن یکون ذاک أراد لا الثانی- فإن صح أنه لا یقال فی العطسه عفطه إلا للنعجه- قلنا إنه استعمله فی العنز مجازا- .

یقول ع لو لا وجود من ینصرنی- لا کما کانت الحال علیها أولا بعد وفاه رسول الله ص- فإنی لم أکن حینئذ واجدا للناصر مع کونی مکلفا- إلا أمکن الظالم من ظلمه لترکت الخلافه- و لرفضتها الآن کما رفضتها قبل- و لوجدتم هذه الدنیا عندی أهون من عطسه عنز- و هذا إشاره إلى ما یقوله أصحابنا- من وجوب النهی عن المنکر عند التمکن: قَالُوا وَ قَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ- عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ- فَنَاوَلَهُ کِتَاباً فَأَقْبَلَ یَنْظُرُ فِیهِ- فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمَا- یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ- لَوِ اطَّرَدَتْ مَقَالَتُکَ مِنْ حَیْثُ أَفْضَیْتَ- فَقَالَ هَیْهَاتَ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ- تِلْکَ شِقْشِقَهٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَوَاللَّهِ مَا أَسَفْتُ عَلَى کَلَامٍ قَطُّ- کَأَسَفِی عَلَى هَذَا الْکَلَامِ- أَلَّا یَکُونَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ بَلَغَ مِنْهُ حَیْثُ أَرَادَ

قوله علیه السلام فی هذه الخطبه- کراکب الصعبه إن أشنق لها خرم- و إن أسلس لها تقحم- یرید أنه إذا شدد علیها فی جذب الزمام- و هی تنازعه رأسها خرم أنفها- و إن أرخى لها شیئا مع صعوبتها- تقحمت به فلم یملکها- یقال أشنق الناقه إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه- و شنقها أیضا ذکر ذلک ابن السکیت فی إصلاح المنطق- و إنما قال ع أشنق لها و لم یقل أشنقها- لأنه جعله فی مقابله قوله أسلس لها- فکأنه قال إن رفع لها رأسها بالزمام- یعنی أمسکه علیها- و فی الحدیث أن رسول الله ص خطب على ناقه- و قد شنق لها فهی تقصع بجرتها- و من الشاهد على أن أشنق بمعنى شنق- قول عدی بن زید العبادی-

 

ساءها ما لها تبین فی الأیدی
و إشناقها إلى الأعناق‏

 

سمی السواد سوادا لخضرته بالزروع و الأشجار و النخل- و العرب تسمی الأخضر أسود- قال سبحانه مُدْهامَّتانِ یرید الخضره- و قوله لو اطردت مقالتک- أی أتبعت الأول قولا ثانیا- من قولهم اطرد النهر إذا تتابع جریه- . و قوله من حیث أفضیت- أصل أفضى خرج إلى الفضاء- فکأنه شبهه ع حیث سکت عما کان یقوله- بمن خرج من خباء أو جدار إلى فضاء من الأرض- و ذلک لأن النفس و القوى و الهمه- عند ارتجال الخطب و الأشعار تجتمع إلى القلب- فإذا قطع الإنسان و فرغ- تفرقت و خرجت عن حجر الاجتماع و استراحت-

و الشقشقه بالکسر فیهما- شی‏ء یخرجه البعیر من فیه إذا هاج- و إذا قالوا للخطیب- ذو شقشقه فإنما شبهوه بالفحل- و الهدیر صوتها- . و أما قول ابن عباس ما أسفت على کلام إلى آخره- فحدثنی شیخی أبو الخیر مصدق بن شبیب الواسطی- فی سنه ثلاث و ستمائه قال- قرأت على الشیخ أبی محمد عبد الله بن أحمد- المعروف بابن الخشاب- هذه الخطبه- فلما انتهیت إلى هذا الموضع قال لی- لو سمعت ابن عباس یقول هذا لقلت له- و هل بقی فی نفس ابن عمک أمر لم یبلغه فی هذه الخطبه- لتتأسف ألا یکون بلغ من کلامه ما أراد- و الله ما رجع عن الأولین و لا عن الآخرین- و لا بقی فی نفسه أحد لم یذکره إلا رسول الله ص- . قال مصدق و کان ابن الخشاب صاحب دعابه و هزل قال فقلت له أ تقول إنها منحوله- فقال لا و الله و إنی لأعلم أنها کلامه- کما أعلم أنک مصدق- قال فقلت له إن کثیرا من الناس یقولون- إنها من کلام الرضی رحمه الله تعالى- فقال أنى للرضی و لغیر الرضی هذا النفس- و هذا الأسلوب- قد وقفنا على رسائل الرضی- و عرفنا طریقته و فنه فی الکلام المنثور- و ما یقع مع هذا الکلام فی خل و لا خمر- ثم قال و الله لقد وقفت على هذه الخطبه- فی کتب صنفت قبل أن یخلق الرضی بمائتی سنه- و لقد وجدتها مسطوره بخطوط أعرفها- و أعرف خطوط من هو من العلماء و أهل الأدب- قبل أن یخلق النقیب أبو أحمد والد الرضی- . قلت و قد وجدت أنا کثیرا من هذه الخطبه فی- تصانیف شیخنا أبی القاسم البلخی-
إمام البغدادیین من المعتزله- و کان فی دوله المقتدر قبل أن یخلق الرضی بمده طویله- و وجدت أیضا کثیرا منها فی کتاب أبی جعفر بن قبه- أحد متکلمی الإمامیه- و هو الکتاب المشهور المعروف بکتاب الإنصاف- و کان أبو جعفر هذا من تلامذه الشیخ أبی القاسم البلخی رحمه الله تعالى- و مات فی ذلک العصر- قبل أن یکون الرضی رحمه الله تعالى موجودا

بازدیدها: ۲۶۲

خطبه۲ شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

متن عربی خطبه

و من خطبه له ( علیه‏السلام ) بعد انصرافه من صفین‏
أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِهِ وَ اسْتِسْلَاماً لِعِزَّتِهِ وَ اسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِیَتِهِ
وَ أَسْتَعِینُهُ فَاقَهً إِلَى کِفَایَتِهِ
إِنَّهُ لَا یَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ وَ لَا یَئِلُ مَنْ عَادَاهُ وَ لَا یَفْتَقِرُ مَنْ کَفَاهُ
فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مَا وُزِنَ وَ أَفْضَلُ مَا خُزِنَ
وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیکَ لَهُ شَهَادَهً مُمْتَحَناً إِخْلَاصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا نَتَمَسَّکُ بِهَا أَبَداً
مَا أَبْقَانَا وَ نَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِیلِ مَا یَلْقَانَا
فَإِنَّهَا عَزِیمَهُ الْإِیمَانِ وَ فَاتِحَهُ الْإِحْسَانِ وَ مَرْضَاهُ الرَّحْمَنِ وَ مَدْحَرَهُ الشَّیْطَانِ
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالدِّینِ الْمَشْهُورِ وَ الْعَلَمِ الْمَأْثُورِ
وَ الْکِتَابِ الْمَسْطُورِ وَ النُّورِ السَّاطِعِ وَ الضِّیَاءِ اللَّامِعِ وَ الْأَمْرِ الصَّادِعِ
إِزَاحَهً لِلشُّبُهَاتِ وَ احْتِجَاجاً بِالْبَیِّنَاتِ وَ تَحْذِیراً بِالْآیَاتِ وَ تَخْوِیفاً بِالْمَثُلَاتِ
وَ النَّاسُ فِی فِتَنٍ انْجَذَمَ فِیهَا حَبْلُ الدِّینِ وَ تَزَعْزَعَتْ سَوَارِی الْیَقِینِ وَ اخْتَلَفَ النَّجْرُ وَ تَشَتَّتَ الْأَمْرُ وَ ضَاقَ الْمَخْرَجُ وَ عَمِیَ الْمَصْدَرُ
فَالْهُدَى خَامِلٌ وَ الْعَمَى شَامِلٌ
عُصِیَ الرَّحْمَنُ وَ نُصِرَ الشَّیْطَانُ وَ خُذِلَ الْإِیمَانُ فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ وَ تَنَکَّرَتْ مَعَالِمُهُ وَ دَرَسَتْ سُبُلُهُ وَ عَفَتْ شُرُکُهُ
أَطَاعُوا الشَّیْطَانَ فَسَلَکُوا مَسَالِکَهُ وَ وَرَدُوا مَنَاهِلَهُ
بِهِمْ سَارَتْ أَعْلَامُهُ وَ قَامَ لِوَاؤُهُ
فِی فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا وَ وَطِئَتْهُمْ بِأَظْلَافِهَا وَ قَامَتْ عَلَى سَنَابِکِهَا
فَهُمْ فِیهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ فِی خَیْرِ دَارٍ وَ شَرِّ جِیرَانٍ
نَوْمُهُمْ سُهُودٌ وَ کُحْلُهُمْ دُمُوعٌ بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ وَ جَاهِلُهَا مُکْرَمٌ
وَ مِنْهَا وَ یَعْنِی آلَ النَّبِیِّ ( صلى‏ الله ‏علیه )
هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَ لَجَأُ أَمْرِهِ وَ عَیْبَهُ عِلْمِهِ وَ مَوْئِلُ حُکْمِهِ وَ کُهُوفُ کُتُبِهِ وَ جِبَالُ دِینِهِ
بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَ أَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ
وَ مِنْهَا فِی الْمُنَافِقِینَ‏
زَرَعُوا الْفُجُورَ وَ سَقَوْهُ الْغُرُورَ وَ حَصَدُوا الثُّبُورَ
لَا یُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ ( صلى‏الله‏علیه )مِنْ هَذِهِ الْأُمَّهِ أَحَدٌ وَ لَا یُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَیْهِ أَبَداً
هُمْ أَسَاسُ الدِّینِ وَ عِمَادُ الْیَقِینِ
إِلَیْهِمْ یَفِی‏ءُ الْغَالِی وَ بِهِمْ یُلْحَقُ‏ التَّالِی
وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَایَهِ وَ فِیهِمُ الْوَصِیَّهُ وَ الْوِرَاثَهُ
الْآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَ نُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ

**************************************************

شرح ابن ابی الحدید

۲ و من خطبه له ع بعد انصرافه من صفین

صفین اسم الأرض التی کانت فیها الحرب- و النون فیها أصلیه ذکر ذلک صاحب الصحاح- فوزنها على هذا فعیل- کفسیق و خمیر و صریع و ظلیم و ضلیل- . فإن قیل فاشتقاقه مما ذا یکون- . قیل لو کان اسما لحیوان- لأمکن أن یکون من صفن الفرس- إذا قام على ثلاث و أقام الرابعه على طرف الحافر- یصفن بالکسر صفونا- أو من صفن القوم- إذا صفوا أقدامهم لا یخرج بعضها من بعض- . فإن قیل أ یمکن أن یشتق من ذلک و هو اسم أرض- . قیل یمکن على تعسف- و هو أن تکون تلک الأرض لما کانت مما تصفن فیها الخیل- أو تصطف فیها الأقدام سمیت صفین- . فإن قیل أ یمکن أن تکون النون زائده مع الیاء- کما هما فی غسلین و عفرین- . قیل لو جاء فی الأصل صف بکسر الصاد- لأمکن أن تتوهم الزیاده- کالزیاده فی غسل و هو ما یغتسل به- نحو الخطمی و غیره- فقیل غسلین لما یسیل من صدید أهل النار و دمائهم- و کالزیاده فی عفر و هو الخبیث الداهی- فقیل عفرین لمأسده بعینها- و قیل عفریت للداهیه هکذا ذکروه- و لقائل أن یقول لهم أ لیس قد قالوا للأسد- عفرنی بفتح العین و أصله العفر بالکسر- فقد بان أنهم لم یراعوا فی اشتقاقهم- و تصریف کلامهم الحرکه المخصوصه- و إنما یراعون الحرف و لا کل الحروف بل الأصلی منها- فغیر ممتنع على هذا عندنا- أن تکون الیاء و النون زائدتین فی صفین- . و صفین اسم غیر منصرف للتأنیث و التعریف- قال

إنی أدین بما دان الوصی به
یوم الخریبه من قتل المحلینا

و بالذی دان یوم النهر دنت به‏
و شارکت کفه کفی بصفینا

تلک الدماء معا یا رب فی عنقی
ثم اسقنی مثلها آمین آمینا

أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِهِ وَ اسْتِسْلَاماً لِعِزَّتِهِ- وَ اسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِیَتِهِ- وَ أَسْتَعِینُهُ فَاقَهً إِلَى کِفَایَتِهِ- إِنَّهُ لَا یَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ وَ لَا یَئِلُ مَنْ عَادَاهُ- وَ لَا یَفْتَقِرُ مَنْ کَفَاهُ- فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مَا وُزِنَ وَ أَفْضَلُ مَا خُزِنَ- وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیکَ لَهُ- شَهَادَهً مُمْتَحَناً إِخْلَاصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا- نَتَمَسَّکُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا- وَ نَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِیلِ مَا یَلْقَانَا- فَإِنَّهَا عَزِیمَهُ الْإِیمَانِ وَ فَاتِحَهُ الْإِحْسَانِ- وَ مَرْضَاهُ الرَّحْمَنِ وَ مَدْحَرَهُ الشَّیْطَانِ وأل أی نجا یئل- و المصاص خالص الشی‏ء و الفاقه الحاجه و الفقر- الأهاویل جمع أهوال و الأهوال جمع هول- فهو جمع الجمع کما قالوا أنعام و أناعیم- و قیل أهاویل أصله تهاویل- و هی ما یهولک من شی‏ء أی یروعک- و إن جاز هذا فهو بعید لأن التاء قل أن تبدل همزه- و العزیمه النیه المقطوع علیها- و مدحره الشیطان أی تدحره أی تبعده و تطرده- . و قوله ع استتماما و استسلاما و استعصاما- من لطیف الکنایه و بدیعها- فسبحان من خصه بالفضائل- التی لا تنتهی ألسنه الفصحاء إلى وصفها- و جعله إمام کل ذی علم و قدوه کل صاحب خصیصه- . و قوله فإنه أرجح- الهاء عائده إلى ما دل علیه قوله أحمده یعنی الحمد- و الفعل یدل على المصدر و ترجع الضمائر إلیه- کقوله تعالى بَلْ هُوَ شَرٌّ- و هو ضمیر البخل الذی دل علیه قوله یَبْخَلُونَ

باب لزوم ما لا یلزم و إیراد أمثله منه

و قوله ع وزن و خزن بلزوم الزای- من الباب المسمى لزوم ما لا یلزم- و هو أحد أنواع البدیع- و ذلک أن تکون الحروف التی قبل الفاصله حرفا واحدا- هذافی المنثور- و أما فی المنظوم فأن تتساوى الحروف التی قبل الروی- مع کونها لیست بواجبه التساوی- مثال ذلک قول بعض شعراء الحماسه-

بیضاء باکرها النعیم فصاغها
بلباقه فأدقها و أجلها

حجبت تحیتها فقلت لصاحبی‏
ما کان أکثرها لنا و أقلها

و إذا وجدت لها وساوس سلوه
شفع الضمیر إلى الفؤاد فسلها

أ لا تراه کیف قد لزم اللام الأولى من اللامین- اللذین صارا حرفا مشددا- فالثانی منهما هو الروی- و اللام الأول الذی قبله التزام ما لا یلزم- فلو قال فی القصیده وصلها و قبلها و فعلها لجاز- . و احترزنا نحن بقولنا- مع کونها لیست بواجبه التساوی- عن قول الراجز و هو من شعر الحماسه أیضا-

و فیشه لیست کهذی الفیش
قد ملئت من نزق و طیش‏

إذا بدت قلت أمیر الجیش‏
من ذاقها یعرف طعم العیش‏

فإن لزوم الیاء قبل حرف الروی لیس من هذا الباب- لأنه لزوم واجب- أ لا ترى أنه لو قال فی هذا الرجز- البطش و الفرش و العرش لم یجز- لأن الردف لا یجوز- أن یکون حرفا خارجا عن حروف العله- و قد جاء من اللزوم فی الکتاب العزیز مواضع-لیست بکثیره- فمنها قوله سبحانه فَتَکُونَ لِلشَّیْطانِ وَلِیًّا- قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِی یا إِبْراهِیمُ- لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّکَ وَ اهْجُرْنِی مَلِیًّا- و قوله تعالى وَ لکِنْ کانَ فِی ضَلالٍ بَعِیدٍ- قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَیَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَیْکُمْ بِالْوَعِیدِ- و قوله اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِی خَلَقَ- خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ- و قوله وَ الطُّورِ وَ کِتابٍ مَسْطُورٍ- و قوله بِکاهِنٍ وَ لا مَجْنُونٍ- أَمْ یَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَیْبَ الْمَنُونِ- و قوله فِی سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ- و قوله فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما یَعْمَلُونَ بَصِیرٌ- وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاکُمْ- نِعْمَ الْمَوْلى‏ وَ نِعْمَ النَّصِیرُ- و الظاهر أن ذلک غیر مقصود قصده- . و مما ورد منه فی کلام العرب- أن لقیط بن زراره تزوج ابنه قیس بن خالد الشیبانی- فأحبته- فلما قتل عنها تزوجت غیره- فکانت تذکر لقیطا فسألها عن حبها له- فقالت أذکره و قد خرج تاره فی یوم دجن- و قد تطیب و شرب الخمر و طرد بقرا فصرع بعضها- ثم جاءنی و به نضح دم و عبیر- فضمنی ضمه و شمنی شمه- فلیتنی کنت مت ثمه- . و قد صنع أبو العلاء المعری کتابا فی اللزوم من نظمه- فأتى فیه بالجید و الردی‏ء و أکثره متکلف- و من جیده قوله-

لا تطلبن بآله لک حاله
قلم البلیغ بغیر حظ مغزل‏

سکن السماکان السماء کلاهما
هذا له رمح و هذا أعزل‏

وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ- أَرْسَلَهُ بِالدِّینِ الْمَشْهُورِ وَ الْعَلَمِ الْمَأْثُورِ-وَ الْکِتَابِ الْمَسْطُورِ وَ النُّورِ السَّاطِعِ- وَ الضِّیَاءِ اللَّامِعِ وَ الْأَمْرِ الصَّادِعِ- إِزَاحَهً لِلشُّبُهَاتِ وَ احْتِجَاجاً بِالْبَیِّنَاتِ- وَ تَحْذِیراً بِالآْیَاتِ وَ تَخْوِیفاً بِالْمَثُلَاتِ- وَ النَّاسُ فِی فِتَنٍ انْجَذَمَ فِیهَا حَبْلُ الدِّینِ- وَ تَزَعْزَعَتْ سَوَارِی الْیَقِینِ- وَ اخْتَلَفَ النَّجْرُ وَ تَشَتَّتَ الْأَمْرُ- وَ ضَاقَ الْمَخْرَجُ وَ عَمِیَ الْمَصْدَرُ- فَالْهُدَى خَامِلٌ وَ الْعَمَى شَامِلٌ- عُصِیَ الرَّحْمَنُ وَ نُصِرَ الشَّیْطَانُ وَ خُذِلَ الْإِیمَانُ- فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ وَ تَنَکَّرَتْ مَعَالِمُهُ- وَ دَرَسَتْ سُبُلُهُ وَ عَفَتْ شُرُکُهُ- أَطَاعُوا الشَّیْطَانَ فَسَلَکُوا مَسَالِکَهُ وَ وَرَدُوا مَنَاهِلَهُ- بِهِمْ سَارَتْ أَعْلَامُهُ وَ قَامَ لِوَاؤُهُ- فِی فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا وَ وَطِئَتْهُمْ بِأَظْلَافِهَا- وَ قَامَتْ عَلَى سَنَابِکِهَا- فَهُمْ فِیهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ- فِی خَیْرِ دَارٍ وَ شَرِّ جِیرَانٍ- نَوْمُهُمْ سُهُودٌ وَ کُحْلُهُمْ دُمُوعٌ- بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ وَ جَاهِلُهَا مُکْرَمٌ قوله ع و العلم المأثور- یجوز أن یکون عنى به القرآن- لأن المأثور المحکی و العلم ما یهتدى به- و المتکلمون یسمون المعجزات أعلاما- و یجوز أن یرید به أحد معجزاته غیر القرآن- فإنها کثیره و مأثوره و یؤکد هذا قوله بعد- و الکتاب المسطور فدل على تغایرهما- و من یذهب إلى الأول یقول المراد بهما واحد- و الثانیه توکید الأولى على قاعده الخطابه و الکتابه- . و الصادع الظاهر الجلی- قال تعالى فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ أی أظهره و لا تخفه- . و المثلات بفتح المیم و ضم الثاء العقوبات جمع مثله- قال تعالى وَ یَسْتَعْجِلُونَکَ بِالسَّیِّئَهِ قَبْلَ الْحَسَنَهِ- وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ- . و انجذم انقطع و السواری جمع ساریه- و هی الدعامه یدعم بها السقف- و النجرالأصل و مثله النجار- و انهارت تساقطت و الشرک الطرائق جمع شراک- و الأخفاف للإبل و الأظلاف للبقر و المعز- .

و قال الراوندی فی تفسیر قوله خیر دار و شر جیران- خیر دار الکوفه و قیل الشام لأنها الأرض المقدسه- و أهلها شر جیران یعنی أصحاب معاویه- و على التفسیر الأول یعنی أصحابه ع- . قال و قوله نومهم سهود- یعنی أصحاب معاویه لا ینامون طول اللیل- بل یرتبون أمره- و إن کان وصفا لأصحابه ع بالکوفه و هو الأقرب- فالمعنى أنهم خائفون یسهرون و یبکون- لقله موافقتهم إیاه- و هذا شکایه منه ع لهم- . و کحلهم دموع أی نفاقا- فإنه إذا تم نفاق المرء ملک عینیه- . و لقائل أن یقول- لم یجر فیما تقدم ذکر أصحابه ع و لا أصحاب معاویه- و الکلام کله فی وصف أهل الجاهلیه قبل مبعث محمد ص- ثم لا یخفى ما فی هذا التفسیر من الرکاکه و الفجاجه- و هو أن یرید بقوله نومهم سهود- أنهم طوال اللیل یرتبون أمر معاویه لا ینامون- و أن یرید بذلک أن أصحابه یبکون- من خوف معاویه و عساکره- أو أنهم یبکون نفاقا- و الأمر أقرب من أن یتمحل له مثل هذا- . و نحن نقول إنه ع لم یخرج من صفه أهل الجاهلیه- و قوله فی خیر دار یعنی مکه و شر جیران یعنی قریشا- و هذا لفظ النبی ص حین حکى بالمدینه- حاله کانت فی مبدأ البعثه- فقال کنت فی خیر دار و شر جیران- ثم حکى ع ما جرى له مع عقبه بن أبی معیط و الحدیث مشهور- . و قوله نومهم سهود و کحلهم دموع- مثل أن یقول جودهم بخل و أمنهم خوف- أی لو استماحهم محمد ع النوم- لجادوا علیه بالسهود عوضا عنه- و لو استجداهم الکحل- لکان کحلهم الذی یصلونه به الدموع- .

ثم قال بأرض عالمها ملجم- أی من عرف صدق محمد ص و آمن به فی تقیه و خوف- و جاهلها مکرم أی من جحد نبوته و کذبه فی عز و منعه- و هذا ظاهر: وَ مِنْهَا وَ یَعْنِی آلَ النَّبِیِّ ص- هُمْ مَوْضِعُ سَرِّهِ وَ لَجَأُ أَمْرِهِ- وَ عَیْبَهُ عِلْمِهِ وَ مَوْئِلُ حُکْمِهِ- وَ کُهُوفُ کُتُبِهِ وَ جِبَالُ دِینِهِ- بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَ أَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ اللجأ ما تلتجئ إلیه کالوزر ما تعتصم به- و الموئل ما ترجع إلیه- یقول إن أمر النبی ص أی شأنه ملتجئ إلیهم- و علمه مودع عندهم کالثوب یودع العیبه- . و حکمه أی شرعه یرجع و یؤول إلیهم- و کتبه یعنی القرآن و السنه عندهم- فهم کالکهوف له لاحتوائهم علیه- و هم جبال دینه لا یتحلحلون عن الدین- أو أن الدین ثابت بوجودهم- کما أن الأرض ثابته بالجبال و لو لا الجبال لمادت بأهلها- . و الهاء فی ظهره ترجع إلى الدین- و کذلک الهاء فی فرائصه- و الفرائص جمع فریصه و هی اللحمه بین الجنب و الکتف- لا تزال ترعد من الدابه: وَ مِنْهَا فِی الْمُنَافِقِینَ زَرَعُوا الْفُجُورَ وَ سَقَوْهُ الْغُرُورَ وَ حَصَدُوا الثُّبُورَ- لَا یُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ ص مِنْ هَذِهِ الْأُمَّهِ أَحَدٌ- وَ لَا یُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَیْهِ أَبَداً- هُمْ أَسَاسُ الدِّینِ وَ عِمَادُ الْیَقِینِ- إِلَیْهِمْ یَفِی‏ءُ الْغَالِی وَ بِهِمْ یُلْحَقُ‏ التَّالِی- وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَایَهِ- وَ فِیهِمُ الْوَصِیَّهُ وَ الْوِرَاثَهُ- الآْنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَ نُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ جعل ما فعلوه من القبیح بمنزله زرع زرعوه ثم سقوه- فالذی زرعوه الفجور ثم سقوه بالغرور- و الاستعاره واقعه موقعها- لأن تمادیهم و ما سکنت إلیه نفوسهم من الإمهال- هو الذی أوجب استمرارهم على القبائح التی واقعوها- فکان ذلک کما یسقى الزرع و یربى بالماء و یستحفظ- . ثم قال و حصدوا الثبور- أی کانت نتیجه ذلک الزرع و السقی- حصاد ما هو الهلاک و العطب- . و إشارته هذه لیست إلى المنافقین- کما ذکر الرضی رحمه الله- و إنما هی إشاره إلى من تغلب علیه و جحد حقه- کمعاویه و غیره- و لعل الرضی رحمه الله تعالى عرف ذلک و کنى عنه- . ثم عاد إلى الثناء على آل محمد ص- فقال هم أصول الدین إلیهم یفی‏ء الغالی- و بهم یلحق التالی- جعلهم کمقنب یسیر فی فلاه- فالغالی منه أی الفارط المتقدم- الذی قد غلا فی سیره یرجع إلى ذلک المقنب- إذا خاف عدوا- و من قد تخلف عن ذلک المقنب فصار تالیا له- یلتحق به إذا أشفق من أن یتخطف- .

ثم ذکر خصائص حق الولایه و الولایه الإمره- فأما الإمامیه فیقولون- أراد نص النبی ص علیه و على أولاده- و نحن نقول لهم خصائص حق ولایه الرسول ص على الخلق- . ثم قال ع و فیهم الوصیه و الوراثه- أما الوصیه فلا ریب عندنا- أن علیا ع کان وصی رسول الله ص- و إن خالف فی ذلک من هو منسوب‏ عندنا إلى العناد- و لسنا نعنی بالوصیه النص و الخلافه- و لکن أمورا أخرى لعلها إذا لمحت أشرف و أجل- . و أما الوراثه- فالإمامیه یحملونها على میراث المال و الخلافه- و نحن نحملها على وراثه العلم- . ثم ذکر ع أن الحق رجع الآن إلى أهله- و هذا یقتضی أن یکون فیما قبل فی غیر أهله- و نحن نتأول ذلک على غیر ما تذکره الإمامیه- و نقول إنه ع کان أولى بالأمر و أحق- لا على وجه النص بل على وجه الأفضلیه- فإنه أفضل البشر بعد رسول الله ص- و أحق بالخلافه من جمیع المسلمین- لکنه ترک حقه لما علمه من المصلحه- و ما تفرس فیه هو و المسلمون- من اضطراب الإسلام و انتشار الکلمه- لحسد العرب له و ضغنهم علیه- و جائز لمن کان أولى بشی‏ء فترکه ثم استرجعه- أن یقول قد رجع الأمر إلى أهله- . و أما قوله و انتقل إلى منتقله ففیه مضاف محذوف- تقدیره إلى موضع منتقله- و المنتقل بفتح القاف مصدر بمعنى الانتقال- کقولک لی فی هذا الأمر مضطرب أی اضطراب- قال

قد کان لی مضطرب واسع
فی الأرض ذات الطول و العرض‏

و تقول ما معتقدک أی ما اعتقادک- قد رجع الأمر إلى نصابه- و إلى الموضع الذی هو على الحقیقه الموضع- الذی یجب أن یکون انتقاله إلیه- . فإن قیل ما معنى قوله ع- لا یقاس بآل محمد من هذه الأمه أحد- و لا یسوى بهم من جرت نعمتهم علیه أبدا- . قیل لا شبهه أن المنعم أعلى و أشرف من المنعم علیه- و لا ریب أن محمدا ص-و أهله الأدنین من بنی هاشم- لا سیما علیا ع- أنعموا على الخلق کافه بنعمه لا یقدر قدرها- و هی الدعاء إلى الإسلام و الهدایه إلیه- فمحمد ص و إن کان هدى الخلق بالدعوه- التی قام بها بلسانه و یده- و نصره الله تعالى له بملائکته و تأییده- و هو السید المتبوع و المصطفى المنتجب الواجب الطاعه- إلا أن لعلی ع من الهدایه أیضا- و إن کان ثانیا لأول و مصلیا على إثر سابق- ما لا یجحد- و لو لم یکن إلا جهاده بالسیف أولا و ثانیا- و ما کان بین الجهادین من نشر العلوم- و تفسیر القرآن و إرشاد العرب- إلى ما لم تکن له فاهمه و لا متصوره- لکفى فی وجوب حقه و سبوغ نعمته ع- . فإن قیل لا ریب فی أن کلامه هذا تعریض بمن تقدم علیه- فأی نعمه له علیهم قیل نعمتان- الأولى منهما الجهاد عنهم و هم قاعدون- فإن من أنصف علم أنه لو لا سیف علی ع لاصطلم المشرکون- من أشار إلیه و غیرهم من المسلمین- و قد علمت آثاره فی بدر و أحد و الخندق و خیبر و حنین- و أن الشرک فیها فغرفاه- فلو لا أن سده بسیفه لالتهم المسلمین کافه- و الثانیه علومه التی لولاه لحکم بغیر الصواب- فی کثیر من الأحکام- و قد اعترف عمر له بذلک- و الخبر مشهور لو لا علی لهلک عمر- .

و یمکن أن یخرج کلامه على وجه آخر- و ذلک أن العرب تفضل القبیله- التی منها الرئیس الأعظم على سائر القبائل- و تفضل الأدنى منه نسبا فالأدنى- على سائر آحاد تلک القبیله- فإن بنی دارم یفتخرون بحاجب و إخوته- و بزراره أبیهم على سائر بنی تمیم- و یسوغ للواحد من أبناء بنی دارم أن یقول- لا یقاس ببنی دارم أحد من بنی تمیم- و لا یستوی بهم من جرت رئاستهم علیه أبدا- و یعنی بذلک أن واحدا من بنی دارم قد رأس على بنی تمیم- فکذلک لما کان رسول الله ص رئیس الکل-و المنعم على الکل- جاز لواحد من بنی هاشم لا سیما مثل علی ع- أن یقول هذه الکلمات- و اعلم أن علیا ع کان یدعی التقدم على الکل- و الشرف على الکل و النعمه على الکل- بابن عمه ص و بنفسه و بأبیه أبی طالب- فإن من قرأ علوم السیر- عرف أن الإسلام لو لا أبو طالب لم یکن شیئا مذکورا- . و لیس لقائل أن یقول- کیف یقال هذا فی دین تکفل الله تعالى بإظهاره- سواء کان أبو طالب موجودا أو معدوما- لأنا نقول فینبغی على هذا ألا یمدح رسول الله ص- و لا یقال إنه هدى الناس من الضلاله- و أنقذهم من الجهاله- و إن له حقا على المسلمین- و إنه لولاه لما عبد الله تعالى فی الأرض- و ألا یمدح أبو بکر- و لا یقال إن له أثرا فی الإسلام- و إن عبد الرحمن و سعدا و طلحه و عثمان- و غیرهم من الأولین فی الدین- اتبعوا رسول الله ص لاتباعه له- و إن له یدا غیر مجحوده فی الإنفاق- و اشتراء المعذبین و إعتاقهم- و إنه لولاه لاستمرت الرده بعد الوفاه- و ظهرت دعوه مسیلمه و طلیحه و إنه لو لا عمر لما کانت الفتوح و لا جهزت الجیوش- و لا قوی أمر الدین بعد ضعفه- و لا انتشرت الدعوه بعد خمولها- . فإن قلتم فی کل ذلک- إن هؤلاء یحمدون و یثنى علیهم- لأن الله تعالى أجرى هذه الأمور على أیدیهم- و وفقهم لها- و الفاعل بذلک بالحقیقه هو الله تعالى- و هؤلاء آله مستعمله- و وسائط تجرى الأفعال على أیدیها- فحمدهم و الثناء علیهم- و الاعتراف لهم إنما هو باعتبار ذلک- . قیل لکم فی شأن أبی طالب مثله- .

و اعلم أن هذه الکلمات- و هی قوله ع الآن إذ رجع الحق إلى أهله إلى آخرها- یبعد عندی أن تکون مقوله عقیب انصرافه ع من صفین- لأنه انصرف عنها وقتئذ مضطرب الأمر- منتشر الحبل بواقعه التحکیم- و مکیده ابن العاص و ما تم لمعاویه علیه من الاستظهار- و ما شاهد فی عسکره من الخذلان- و هذه الکلمات لا تقال فی مثل هذه الحال- و أخلق بها أن تکون قیلت فی ابتداء بیعته- قبل أن یخرج من المدینه إلى البصره- و أن الرضی رحمه الله تعالى نقل ما وجد- و حکى ما سمع و الغلط من غیره- و الوهم سابق له و ما ذکرناه واضح
ما ورد فی الوصایه من الشعر و مما رویناه من الشعر المقول فی صدر الإسلام- المتضمن کونه ع وصی رسول الله- قول عبد الله بن أبی سفیان بن الحارث بن عبد المطلب-

و منا علی ذاک صاحب خیبر
و صاحب بدر یوم سالت کتائبه‏

وصی النبی المصطفى و ابن عمه‏
فمن ذا یدانیه و من ذا یقاربه‏

– . و قال عبد الرحمن بن جعیل-

لعمری لقد بایعتم ذا حفیظه
على الدین معروف العفاف موفقا

علیا وصی المصطفى و ابن عمه‏
و أول من صلى أخا الدین و التقى‏

 و قال أبو الهیثم بن التیهان و کان بدریا-

قل للزبیر و قل لطلحه إننا
نحن الذین شعارنا الأنصار

نحن الذین رأت قریش فعلنا
یوم القلیب أولئک الکفار

کنا شعار نبینا و دثاره
یفدیه منا الروح و الأبصار

إن الوصی إمامنا و ولینا
برح الخفاء و باحت الأسرار

 و قال عمر بن حارثه الأنصاری- و کان مع محمد بن الحنفیه یوم الجمل- و قد لامه أبوه ع لما أمره بالحمله فتقاعس-

أبا حسن أنت فصل الأمور
یبین بک الحل و المحرم‏

جمعت الرجال على رایه
بها ابنک یوم الوغى مقحم‏

و لم ینکص المرء من خیفه
و لکن توالت له أسهم‏

فقال رویدا و لا تعجلوا
فإنی إذا رشقوا مقدم‏

فأعجلته و الفتى مجمع
بما یکره الوجل المحجم‏

سمی النبی و شبه الوصی‏
و رایته لونها العندم‏

و قال رجل من الأزد یوم الجمل-

هذا علی و هو الوصی
آخاه یوم النجوه النبی‏

و قال هذا بعدی الولی‏
وعاه واع و نسی الشقی‏

و خرج یوم الجمل غلام من بنی ضبه- شاب معلم من عسکر عائشه و هو یقول-

نحن بنی ضبه أعداء علی
ذاک الذی یعرف قدما بالوصی‏

و فارس الخیل على عهد النبی‏
ما أنا عن فضل علی بالعمی‏

لکننی أنعى ابن عفان التقی
إن الولی طالب ثأر الولی‏

و قال سعید بن قیس الهمدانی یوم الجمل- و کان فی عسکر علی ع-

أیه حرب أضرمت نیرانها
و کسرت یوم الوغى مرانها

قل للوصی أقبلت قحطانها
فادع بها تکفیکها همدانها

هم بنوها و هم إخوانها

و قال زیاد بن لبید الأنصاری یوم الجمل- و کان من أصحاب علی ع-

کیف ترى الأنصار فی یوم الکلب
إنا أناس لا نبالی من عطب‏

و لا نبالی فی الوصی من غضب‏
و إنما الأنصار جد لا لعب‏

هذا علی و ابن عبد المطلب
ننصره الیوم على من قد کذب‏

من یکسب البغی
فبئس ما اکتسب‏

 و قال حجر بن عدی الکندی فی ذلک الیوم أیضا-

یا ربنا سلم لنا علیا
سلم لنا المبارک المضیا

المؤمن الموحد التقیا
لا خطل الرأی و لا غویا

بل هادیا موفقا مهدیا
و احفظه ربی و احفظ النبیا

فیه فقد کان له ولیا
ثم ارتضاه بعده وصیا

و قال خزیمه بن ثابت الأنصاری ذو الشهادتین و کان بدریا- فی یوم الجمل أیضا-

لیس بین الأنصار فی جحمه الحرب
و بین العداه إلا الطعان‏

و قراع الکمأه بالقضب‏
البیض إذا ما تحطم المران‏

فادعها تستجب فلیس من الخز
رج و الأوس یا علی جبان‏

یا وصی النبی قد أجلت‏
الحرب الأعادی و سارت الأظعان‏

و استقامت لک الأمور سوى
الشام و فی الشام یظهر الإذعان‏

حسبهم ما رأوا و حسبک منا
هکذا نحن حیث کنا و کانوا

و قال خزیمه أیضا فی یوم الجمل-

أ عائش خلی عن علی و عیبه
بما لیس فیه إنما أنت والده‏

وصی رسول الله من دون أهله‏
و أنت على ما کان من ذاک شاهده‏

و حسبک منه بعض ما تعلمینه
و یکفیک لو لم تعلمی غیر واحده‏

إذا قیل ما ذا عبت منه رمیته‏
بخذل ابن عفان و ما تلک آبده‏

و لیس سماء الله قاطره دما
لذاک و ما الأرض الفضاء بمائده‏

 و قال ابن بدیل بن ورقاء الخزاعی یوم الجمل أیضا-

یا قوم للخطه العظمى التی حدثت
حرب الوصی و ما للحرب من آسی‏

الفاصل الحکم بالتقوى إذا ضربت‏
تلک القبائل أخماسا لأسداس‏

و قال عمرو بن أحیحه یوم الجمل- فی خطبه الحسن بن علی ع بعد خطبه عبد الله بن الزبیر- .

حسن الخیر یا شبیه أبیه
قمت فینا مقام خیر خطیب‏

قمت بالخطبه التی صدع‏
الله بها عن أبیک أهل العیوب‏

و کشفت القناع فاتضح
الأمر و أصلحت فاسدات القلوب‏

لست کابن الزبیر لجلج فی‏
القول و طأطأ عنان فسل مریب‏

و أبى الله أن یقوم بما
قام به ابن الوصی و ابن النجیب‏

إن شخصا بین النبی لک‏
الخیر و بین الوصی غیر مشوب‏

و قال زحر بن قیس الجعفی یوم الجمل أیضا-

أضربکم حتى تقروا لعلی
خیر قریش کلها بعد النبی‏

من زانه الله و سماه الوصی‏
إن الولی حافظ ظهر الولی‏

کما الغوی تابع أمر الغوی‏

ذکر هذه الأشعار و الأراجیز بأجمعها- أبو مخنف لوط بن یحیى- فی کتاب وقعه الجمل- و أبو مخنف من المحدثین- و ممن یرى صحه الإمامه بالاختیار- و لیس من الشیعه و لا معدودا من رجالها- . و مما رویناه من أشعار صفین- التی تتضمن تسمیته ع بالوصی- ما ذکره نصر بن مزاحم بن یسار المنقری فی کتاب صفین- و هو من رجال الحدیث- قال نصر بن مزاحم قال زحر بن قیس الجعفی-

فصلى الإله على أحمد
رسول الملیک تمام النعم‏

رسول الملیک و من بعده‏
خلیفتنا القائم المدعم‏

علیا عنیت وصی النبی
نجالد عنه غواه الأمم‏

 قال نصر و من الشعر المنسوب إلى الأشعث بن قیس-

أتانا الرسول رسول الإمام
فسر بمقدمه المسلمونا

رسول الوصی وصی النبی‏
له السبق و الفضل فی المؤمنینا

و من الشعر المنسوب إلى الأشعث أیضا-

أتانا الرسول رسول الوصی
علی المهذب من هاشم‏

وزیر النبی و ذو صهره‏
و خیر البریه و العالم‏

 قال نصر بن مزاحم من شعر أمیر المؤمنین ع فی صفین

یا عجبا لقد سمعت منکرا
کذبا على الله یشیب الشعرا

ما کان یرضى أحمد لو أخبرا
أن یقرنوا وصیه و الأبترا

شانی الرسول و اللعین الأخزرا
إنی إذا الموت دنا و حضرا

شمرت ثوبی و دعوت قنبرا
قدم لوائی لا تؤخر حذرا

لا یدفع الحذار ما قد قدرا
لو أن عندی یا ابن حرب جعفرا

أو حمزه القرم الهمام الأزهرا
رأت قریش نجم لیل ظهرا

و قال جریر بن عبد الله البجلی- کتب بهذا الشعر إلى شرحبیل بن السمط الکندی-رئیس الیمانیه من أصحاب معاویه

نصحتک یا ابن السمط لا تتبع الهوى
فما لک فی الدنیا من الدین من بدل‏

و لا تک کالمجرى إلى شر غایه
فقد خرق السربال و استنوق الجمل‏

مقال ابن هند فی علی عضیهه
و لله فی صدر ابن أبی طالب أجل‏

و ما کان إلا لازما قعر بیته‏
إلى أن أتى عثمان فی بیته الأجل‏

وصی رسول الله من دون أهله
و فارسه الحامی به یضرب المثل‏

و قال النعمان بن عجلان الأنصاری-

کیف التفرق و الوصی إمامنا
لا کیف إلا حیره و تخاذلا

لا تغبنن عقولکم لا خیر فی‏
من لم یکن عند البلابل عاقلا

و ذروا معاویه الغوی و تابعوا
دین الوصی لتحمدوه آجلا

و قال عبد الرحمن بن ذؤیب الأسلمی-

ألا أبلغ معاویه بن حرب
فما لک لا تهش إلى الضراب‏

فإن تسلم و تبق الدهر یوما
نزرک بجحفل عدد التراب‏

یقودهم الوصی إلیک حتى
یردک عن ضلال و ارتیاب‏

و قال المغیره بن الحارث بن عبد المطلب-

یا عصبه الموت صبرا لا یهولکم
جیش ابن حرب فإن الحق قد ظهرا

و أیقنوا أن من أضحى یخالفکم‏
أضحى شقیا و أمسى نفسه خسرا

فیکم وصی رسول الله قائدکم
و صهره و کتاب الله قد نشرا

و قال عبد الله بن العباس بن عبد المطلب-

وصی رسول الله من دون أهله
و فارسه إن قیل هل من منازل‏

فدونکه إن کنت تبغی مهاجرا
أشم کنصل السیف عیر حلاحل‏

– . و الأشعار التی تتضمن هذه اللفظه کثیر جدا- و لکنا ذکرنا منها هاهنا- بعض ما قیل فی هذین الحزبین- فأما ما عداهما فإنه یجل عن الحصر- و یعظم عن الإحصاء و العد- و لو لا خوف الملاله و الإضجار- لذکرنا من ذلک ما یملأ أوراقا کثیره شرح‏نه

 

بازدیدها: ۱۰۹

خطبه ۱ شرح ابن ابی الحدید(شرح عربی)

۱: فمن خطبه له ع- یذکر فیها ابتداء خلق السماء و الأرض و خلق آدم

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا یَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ- وَ لَا یُحْصِی نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ- وَ لَا یُؤَدِّی حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ- الَّذِی لَا یُدْرِکُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ- وَ لَا یَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ- الَّذِی لَیْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ- وَ لَا نَعْتٌ مَوْجُودٌ وَ لَا وَقْتٌ مَعْدُودٌ- وَ لَا أَجْلٌ مَمْدُودٌ- فَطَرَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِهِ- وَ نَشَرَ الرِّیَاحَ بِرَحْمَتِهِ- وَ وَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَیَدَانَ أَرْضِهِ‏

الذی علیه أکثر الأدباء و المتکلمین- أن الحمد و المدح أخوان لا فرق بینهما- تقول حمدت زیدا على إنعامه و مدحته على إنعامه- و حمدته على شجاعته و مدحته على شجاعته- فهما سواء یدخلان فیما کان من فعل الإنسان- و فیما لیس من فعله کما ذکرناه من المثالین- فأما الشکر فأخص من المدح- لأنه لا یکون إلا على النعمه خاصه- و لا یکون إلا صادرا من منعم علیه- فلا یجوز عندهم أن یقال- شکر زید عمرا لنعمه أنعمها عمرو على إنسان غیر زید- . إن قیل الاستعمال خلاف ذلک- لأنهم یقولون حضرنا عند فلان- فوجدناه یشکر الأمیر على معروفه عند زید- قیل ذلک إنما یصح إذا کان إنعام الأمیر على زید- أوجب سرور فلان- فیکون شکر إنعام الأمیر على زید- شکرا على السرور الداخل على قلبه بالإنعام على زید- و تکون لفظه زید التی استعیرت ظاهرا- لاستناد الشکر إلى مسماها کنایه لا حقیقه- و یکون ذلک الشکر شکرا باعتبار السرور المذکور- و مدحا باعتبار آخر- و هو المناداه على ذلک الجمیل و الثناء- الواقع بجنسه- . ثم إن هؤلاء المتکلمین الذین حکینا قولهم- یزعمون أن الحمد و المدح و الشکر- لا یکون إلا باللسان مع انطواء القلب- على الثناء و التعظیم- فإن استعمل شی‏ء من ذلک- فی الأفعال بالجوارح کان مجازا- و بقی البحث عن اشتراطهم مطابقه القلب للسان- فإن الاستعمال لا یساعدهم- لأن أهل الاصطلاح یقولون لمن مدح غیره- أو شکره ریاء و سمعه- إنه قد مدحه و شکره و إن کان منافقا عندهم- و نظیر هذا الموضع الإیمان- فإن أکثر المتکلمین لا یطلقونه- على مجرد النطق اللسانی- بل یشترطون فیه الاعتقاد القلبی- فأما أن یقصروا به علیه- کما هو مذهب الأشعریه و الإمامیه- أو تؤخذ معه أمور أخرى- و هی فعل الواجب و تجنب القبیح- کما هو مذهب المعتزله- و لا یخالف جمهور المتکلمین فی هذه المسأله- إلا الکرامیه- فإن المنافق عندهم یسمى مؤمنا- و نظروا إلى مجرد الظاهر- فجعلوا النطق اللسانی وحده إیمانا- . و المدحه هیئه المدح کالرکبه هیئه الرکوب- و الجلسه هیئه الجلوس و المعنى مطروق جدا- و منه فی الکتاب العزیز کثیر- کقوله تعالى وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَهَ اللَّهِ لا تُحْصُوها و فی الأثر النبوی لا أحصی ثناء علیک أنت کما أثنیت على نفسک
– و قال الکتاب من ذلک ما یطول ذکره- فمن جید ذلک قول بعضهم- الحمد لله على نعمه التی منها- إقدارنا على الاجتهاد فی حمدها- و إن عجزنا عن إحصائها و عدها- و قالت الخنساء بنت عمرو بن الشرید-

فما بلغت کف امرئ متناول
بها المجد إلا و الذی نلت أطول‏
و لا حبر المثنون فی القول مدحه
و إن أطنبوا إلا و ما فیک أفضل‏

– . و من مستحسن ما وقفت علیه- من تعظیم البارئ عز جلاله بلفظ الحمد- قول بعض الفضلاء فی خطبه أرجوزه علمیه-

الحمد لله بقدر الله
لا قدر وسع العبد ذی التناهی‏

و الحمد لله الذی برهانه‏
أن لیس شأن لیس فیه شانه‏

و الحمد لله الذی من ینکره
فإنما ینکر من یصوره‏

– . و أما قوله الذی لا یدرکه- فیرید أن همم النظار و أصحاب الفکر- و إن علت و بعدت فإنها لا تدرکه تعالى و لا تحیط به- و هذا حق لأن کل متصور فلا بد أن یکون محسوسا- أو متخیلا أو موجودا من فطره النفس- و الاستقراء یشهد بذلک- مثال المحسوس السواد و الحموضه- مثال المتخیل إنسان یطیر أو بحر من دم- مثال الموجود من فطره النفس تصور الألم و اللذه- و لما کان البارئ سبحانه خارجا عن هذا أجمع- لم یکن متصورا- . فأما قوله الذی لیس لصفته حد محدود- فإنه یعنی بصفته هاهنا کنهه و حقیقته- یقول لیس لکنهه حد- فیعرف بذلک الحد قیاسا على الأشیاء المحدوده- لأنه لیس بمرکب و کل محدود مرکب- . ثم قال و لا نعت موجود- أی و لا یدرک بالرسم کما تدرک الأشیاء برسومها- و هو أن تعرف بلازم من لوازمها و صفه من صفاتها- ثم قال و لا وقت معدود و لا أجل ممدود- فیه إشاره إلى الرد على من قال- إنانعلم کنه البارئ سبحانه لا فی هذه الدنیا بل فی الآخره- فإن القائلین برؤیته فی الآخره یقولون- إنا نعرف حینئذ کنهه- فهو ع رد قولهم- و قال إنه لا وقت أبدا على الإطلاق- تعرف فیه حقیقته و کنهه لا الآن و لا بعد الآن- و هو الحق لأنا لو رأیناه فی الآخره- و عرفنا کنهه لتشخص تشخصا- یمنع من حمله على کثیرین- و لا یتصور أن یتشخص هذا التشخص- إلا ما یشار إلى جهته و لا جهه له سبحانه- و قد شرحت هذا الموضع فی کتابی- المعروف بزیادات النقضین- و بینت أن الرؤیه المنزهه عن الکیفیه- التی یزعمها أصحاب الأشعری- لا بد فیها من إثبات الجهه- و أنها لا تجری مجرى العلم- لأن العلم لا یشخص المعلوم و الرؤیه تشخص المرئی- و التشخیص لا یمکن إلا مع کون المتشخص ذا جهه- . و اعلم أن نفی الإحاطه مذکور فی الکتاب العزیز- فی مواضع منها قوله تعالى وَ لا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْماً- و منها قوله یَنْقَلِبْ إِلَیْکَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِیرٌ- و قال بعض الصحابه- العجز عن درک الإدارک إدراک- و قد غلا محمد بن هانئ- فقال فی ممدوحه المعز أبی تمیم معد بن المنصور العلوی-

أتبعته فکری حتى إذا بلغت
غایاتها بین تصویب و تصعید

رأیت موضع برهان یلوح و ما
رأیت موضع تکییف و تحدید

– . و هذا مدح یلیق بالخالق تعالى و لا یلیق بالمخلوق- . فأما قوله فطر الخلائق إلى آخر الفصل- فهو تقسیم مشتق من الکتاب العزیز- فقوله فطر الخلائق بقدرته- من قوله تعالى قالَ رَبُّ السَّماواتِ‏ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُمَا- و قوله و نشر الریاح برحمته- من قوله یرسل الریاح نشرا بین یدی رحمته- . و قوله و وتد بالصخور میدان أرضه- من قوله وَ الْجِبالَ أَوْتاداً- و المیدان التحرک و التموج- . فأما القطب الراوندی رحمه الله فإنه قال- إنه ع أخبر عن نفسه بأول هذا الفصل أنه یحمد الله- و ذلک من ظاهر کلامه- ثم أمر غیره من فحوى کلامه أن یحمد الله- و أخبر ع أنه ثابت على ذلک مده حیاته- و أنه یجب على المکلفین ثبوتهم علیه ما بقوا- و لو قال أحمد الله لم یعلم منه جمیع ذلک- ثم قال و الحمد أعم من الشکر و الله أخص من الإله- قال فأما قوله الذی لا یبلغ مدحته القائلون- فإنه أظهر العجز عن القیام بواجب مدائحه- فکیف بمحامده- و المعنى أن الحمد کل الحمد ثابت للمعبود- الذی حقت العباده له فی الأزل- و استحقها حین خلق الخلق- و أنعم بأصول النعم التی یستحق بها العباده- . و لقائل أن یقول- إنه لیس فی فحوى کلامه أنه أمر غیره أن یحمد الله- و لیس یفهم من قول بعض رعیه الملک لغیره منهم- العظمه و الجلال لهذا الملک- أنه قد أمرهم بتعظیمه و إجلاله- و لا أیضا فی الکلام ما یدل على أنه ثابت على ذلک- مده حیاته- و أنه یجب على المکلفین ثبوتهم علیه ما بقوا- . و لا أعلم کیف قد وقع ذلک للراوندی- فإن زعم أن العقل یقتضی ذلک فحق- و لکن لیس مستفادا من الکلام- و هو أنه قال إن ذلک موجود فی الکلام- . فأما قوله لو کان قال أحمد الله لم یعلم منه جمیع ذلک- فإنه لا فرق فی انتفاء دلاله أحمد الله على ذلک- و دلاله الحمد لله- و هما سواء فی أنهما لا یدلان على شی‏ء- من أحوال غیر القائل- فضلا عن دلالتهما على ثبوت ذلک- و دوامه فی حق غیر القائل- . و أما قوله الله أخص من الإله- فإن أراد فی أصل اللغه فلا فرق- بل الله هو الإله و فخم بعد حذف الهمزه- هذا قول کافه البصریین- و إن أراد أن أهل الجاهلیه- کانوا یطلقون على الأصنام لفظه الإلهه- و لا یسمونها الله- فحق و ذلک عائد إلى عرفهم و اصطلاحهم- لا إلى أصل اللغه و الاشتقاق- أ لا ترى أن الدابه فی العرف لا تطلق على القمله- و إن کانت فی أصل اللغه دابه- . فأما قوله قد أظهر العجز عن القیام بواجب مدائحه- فکیف بمحامده- فکلام یقتضی أن المدح غیر الحمد- و نحن لا نعرف فرقا بینهما- و أیضا فإن الکلام لا یقتضی العجز عن القیام بالواجب- لا من الممادح و لا من المحامد- و لا فیه تعرض لذکر الوجوب- و إنما نفى أن یبلغ القائلون مدحته لم یقل غیر ذلک- . و أما قوله الذی حقت العباده له فی الأزل- و استحقها حین خلق الخلق و أنعم بأصول النعم- فکلام ظاهره متناقض- لأنه إذا کان إنما استحقها حین خلق الخلق- فکیف یقال إنه استحقها فی الأزل- و هل یکون فی الأزل مخلوق لیستحق علیه العباده- . و اعلم أن المتکلمین لا یطلقون على البارئ سبحانه- أنه معبود فی الأزل أو مستحق للعباده فی الأزل- إلا بالقوه لا بالفعل- لأنه لیس فی الأزل مکلف یعبده تعالى- و لا أنعم على أحد فی الأزل- بنعمه یستحق بها العباده- حتى أنهم قالوا فی الأثر الوارد- یا قدیم الإحسان- إن معناه أن إحسانه متقادم العهد- لا أنه قدیم حقیقه کما جاء فی الکتاب العزیز- حَتَّى عادَ کَالْعُرْجُونِ الْقَدِیمِ- أی الذی قد توالت علیه الأزمنه المتطاوله- . ثم قال الراوندی- و الحمد و المدح یکونان بالقول و بالفعل- و الألف و اللام فی القائلون لتعریف الجنس- کمثلهما فی الحمد- و البلوغ المشارفه- یقال بلغت المکان إذا أشرفت علیه- و إذا لم تشرف على حمده تعالى بالقول- فکیف توصل إلیه بالفعل- و الإله مصدر بمعنى المألوه- . و لقائل أن یقول الذی سمعناه- أن التعظیم یکون بالقول و الفعل- و بترک القول و الفعل- قالوا فمن قال لغیره یا عالم فقد عظمه- و من قام لغیره فقد عظمه- و من ترک مد رجله بحضره غیره فقد عظمه- و من کف غرب لسانه عن غیره فقد عظمه- و کذلک الاستخفاف و الإهانه- تکون بالقول و الفعل و بترکهما- حسب ما قدمنا ذکره فی التعظیم- . فأما الحمد و المدح فلا وجه لکونهما بالفعل- و أما قوله إن اللام فی القائلون لتعریف الجنس- کما أنها فی الحمد کذلک فعجیب- لأنها للاستغراق فی القائلون- لا شبهه فی ذلک کالمؤمنین و المشرکین- و لا یتم المعنى إلا به لأنه للمبالغه- بل الحق المحض أنه لا یبلغ مدحته کل القائلین بأسرهم- و جعل اللام للجنس ینقص عن هذا المعنى- إن أراد بالجنس المعهود- و إن أراد الجنسیه العامه فلا نزاع بیننا و بینه- إلا أن قوله کما أنها فی الحمد کذلک- یمنع من أن یحمل کلامه على المحمل الصحیح- لأنها لیست فی الحمد للاستغراق- یبین ذلک أنها لو کانت للاستغراق- لما جاز أن یحمد رسول الله ص و لا غیره من الناس- و هذا باطل- .

و أیضا فإنها لفظ واحد مفرد معرف بلام الجنس- و الأصل فی مثل ذلک أن یفید الجنسیه المطلقه- و لا یفید الاستغراق- فإن جاء منه شی‏ء للاستغراق- کقوله إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ- و أهلک الناس الدرهم و الدینار- فمجاز و الحقیقه ما ذکرناه- فأما قوله البلوغ المشارفه- یقال بلغت المکان إذا أشرفت علیه- فالأجود أن یقول قالوا بلغت المکان إذا شارفته- و بین قولنا شارفته و أشرفت علیه فرق- . و أما قوله و إذا لم یشرف على حمده بالقول- فکیف یوصل إلیه بالفعل- فکلام مبنی على أن الحمد قد یکون بالفعل- و هو خلاف ما یقوله أرباب هذه الصناعه- . و قوله و الإله مصدر بمعنى المألوه کلام طریف- أما أولا فإنه لیس بمصدر بل هو اسم- کوجار للضبع و سرار للشهر- و هو اسم جنس کالرجل و الفرس- یقع على کل معبود بحق أو باطل- ثم غلب على المعبود بالحق- کالنجم اسم لکل کوکب ثم غلب على الثریا- و السنه اسم لکل عام ثم غلب على عام القحط- و أظنه رحمه الله لما رآه فعالا- ظن أنه اسم مصدر کالحصاد و الجذاذ و غیرهما- و أما ثانیا فلأن المألوه صیغه مفعول- و لیست صیغه مصدر إلا فی ألفاظ نادره- کقولهم لیس له معقول و لا مجلود- و لم یسمع مألوه فی اللغه- لأنه قد جاء أله الرجل إذا دهش و تحیر- و هو فعل لازم لا یبنى منه مفعول- . ثم قال الراوندی و فی قول الله تعالى- وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَهَ اللَّهِ لا تُحْصُوها بلفظ الإفراد- و قول أمیر المؤمنین ع- لا یحصی نعماءه العادون بلفظ الجمع- سر عجیب- لأنه تعالى أراد أن نعمه واحده من نعمه- لا یمکن العباد عد وجوه کونها نعمه- و أراد أمیر المؤمنین ع أن أصول نعمه لا تحصى لکثرتها- فکیف تعد وجوه فروع نعمائه- و کذلک فی کون الآیه وارده بلفظه إن الشرطیه- و کلام أمیر المؤمنین ع على صیغه الخبر- تحته لطیفه عجیبه- لأنه سبحانه یرید أنکم إن أردتم أن تعدوا نعمه- لم تقدروا على حصرها- و علی ع أخبر أنه قد أنعم النظر- فعلم أن أحدا لا یمکنه حصر نعمه تعالى- . و لقائل أن یقول الصحیح أن المفهوم من قوله- وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَهَ اللَّهِ الجنس- کما یقول القائل- أنا لا أجحد إحسانک إلى و امتنانک علی- و لا یقصد بذلک إحسانا واحدا بل جنس الإحسان- . و ما ذکره من الفرق بین کلام البارئ- و کلام أمیر المؤمنین ع- غیر بین- فإنه لو قال تعالى و إن تعدوا نعم الله- و قال ع و لا یحصی نعمته العادون- لکان کل واحد منهما سادا مسد الآخر- . أما اللطیفه الثانیه فغیر ظاهره أیضا و لا ملیحه- لأنه لو انعکس الأمر فکان القرآن بصیغه الخبر- و کلام علی ع بصیغه الشرط- لکان مناسبا أیضا حسب مناسبته- و الحال بعکس ذلک- اللهم إلا أن تکون قرینه السجعه من کلام علی ع- تنبو عن لفظه الشرط- و إلا فمتى حذفت القرینه السجعیه عن وهمک- لم تجد فرقا- و نحن نعوذ بالله من التعسف و التعجرف- الداعی إلى ارتکاب هذه الدعاوی المنکره- . ثم قال الراوندی- إنه لو قال أمیر المؤمنین ع- الذی لا یعد نعمه الحاسبون- لم تحصل المبالغه التی أرادها بعبارته- لأن اشتقاق الحساب من الحسبان و هو الظن- قال و أما اشتقاق العدد فمن العد- و هو الماء الذی له ماده- و الإحصاء الإطاقه أحصیته أی أطقته- فتقدیر الکلام لا یطیق عد نعمائه العادون-

و معنى ذلک أن مدائحه تعالى- لا یشرف على ذکرها الأنبیاء و المرسلون- لأنها أکثر من أن تعدها الملائکه المقربون- و الکرام الکاتبون- . و لقائل أن یقول- أما الحساب فلیس مشتقا من الحسبان بمعنى الظن- کما توهمه- بل هو أصل برأسه- أ لا ترى أن أحدهما حسبت أحسب- و الآخر حسبت أحسب و أحسب بالفتح و الضم- و هو من الألفاظ الأربعه التی جاءت شاذه- و أیضا فإن حسبت بمعنى ظننت- یتعدى إلى مفعولین لا یجوز الاقتصار على أحدهما- و حسبت من العدد یتعدى إلى مفعول واحد- ثم یقال له و هب أن الحاسبین- لو قالها مشتقه من الظن لم تحصل المبالغه- بل المبالغه کادت تکون أکثر- لأن النعم التی لا یحصرها الظان بظنونه- أکثر من النعم التی لا یعدها العالم بعلومه- و أما قوله العدد مشتق من العد- و هو الماء الذی له ماده فلیس کذلک بل هما أصلان- و أیضا لو کان أحدهما مشتقا من الآخر- لوجب أن یکون العد مشتقا من العدد- لأن المصادر هی الأصول التی یقع الاشتقاق منها- سواء أ کان المشتق فعلا أو اسما- أ لا تراهم قالوا فی کتب الاشتقاق- أن الضرب الرجل الخفیف مشتق من الضرب- أی السیر فی الأرض للابتغاء- قال الله تعالى لا یَسْتَطِیعُونَ ضَرْباً فِی الْأَرْضِ- فجعل الاسم منقولا و مشتقا من المصدر- . و أما الإحصاء فهو الحصر و العد- و لیس هو الإطاقه کما ذکر- لا یقال أحصیت الحجر أی أطقت حمله- . و أما ما قال إنه معنى الکلمه فطریف- لأنه ع لم یذکر الأنبیاء و لاالملائکه- لا مطابقه و لا تضمنا و لا التزاما- و أی حاجه إلى هذا التقدیر الطریف- الذی لا یشعر الکلام به- و مراده ع- و هو أن نعمه جلت لکثرتها أن یحصیها عاد ما- هو نفی لمطلق العادین من غیر تعرض لعاد مخصوص- .

قال الراوندی فأما قوله لا یدرکه بعد الهمم- فالإدراک هو الرؤیه و النیل و الإصابه- و معنى الکلام الحمد لله الذی لیس بجسم و لا عرض- إذ لو کان أحدهما لرآه الراءون إذا أصابوه- و إنما خص بعد الهمم بإسناد نفی الإدراک- و غوص الفطن بإسناد نفی النیل لغرض صحیح- و ذلک أن الثنویه یقولون بقدم النور و الظلمه- و یثبتون النور جهه العلو و الظلمه جهه السفل- و یقولون إن العالم ممتزج منهما- فرد ع علیهم بما معناه- أن النور و الظلمه جسمان- و الأجسام محدثه و البارئ تعالى قدیم- . و لقائل أن یقول إنه لم یجر للرؤیه ذکر فی الکلام- لأنه ع لم یقل الذی لا تدرکه العیون و لا الحواس- و إنما قال لا یدرکه بعد الهمم- و هذا یدل على أنه إنما أراد- أن العقول لا تحیط بکنهه و حقیقته- . و أیضا فلو سلمنا أنه إنما نفى الرؤیه- لکان لمحاج أن یحاجه فیقول له- هب أن الأمر کما تزعم- أ لست ترید بیان الأمر- الذی لأجله خصص بعد الهمم بنفی الإدراک- و خصص غوص الفطن بنفی النیل- و قلت إنما قسم هذا التقسیم لغرض صحیح- و ما رأیناک أوضحت هذا الغرض- و إنما حکیت مذهب الثنویه- و لیس یدل مذهبهم على وجوب تخصیص بعد الهمم- بنفی الإدراک دون نفی النیل- و لا یوجب تخصیص غوص الفطن-

بنفی النیل دون نفی الإدراک- و أکثر ما فی حکایه مذهبهم- أنهم یزعمون أن إلهی العالم النور و الظلمه- و هما جسمان- و أمیر المؤمنین ع یقول- لو کان صانع العالم جسما لرئی- و حیث لم یر لم یکن جسما- أی شی‏ء فی هذا مما یدل على وجوب ذلک التقسیم- و التخصیص الذی زعمت- أنه إنما خصصه و قسمه لغرض صحیح- .

ثم قال الراوندی- و یجوز أن یقال البعد و الغوص مصدران- هاهنا بمعنى الفاعل- کقولهم فلأن عدل أی عادل- و قوله تعالى إِنْ أَصْبَحَ ماؤُکُمْ غَوْراً أی غائرا- فیکون المعنى- لا یدرکه العالم البعید الهمم فکیف الجاهل- و یکون المقصد بذلک الرد على من قال- إن محمدا ص رأى ربه لیله الإسراء- و إن یونس ع رأى ربه لیله هبوطه إلى قعر البحر- . و لقائل أن یقول- أن المصدر الذی جاء بمعنى الفاعل ألفاظ معدوده- لا یجوز القیاس علیها- و لو جاز لما کان المصدر هاهنا بمعنى الفاعل- لأنه مصدر مضاف- و المصدر المضاف لا یکون بمعنى الفاعل- و لو جاز أن یکون المصدر المضاف بمعنى الفاعل- لم یجز أن یحمل کلامه ع على الرد- على من أثبت أن البارئ سبحانه مرئی- لأنه لیس فی الکلام نفی الرؤیه أصلا- و إنما غرض الکلام نفی معقولیته سبحانه- و أن الأفکار و الأنظار لا تحیط بکنهه- و لا تتعقل خصوصیه ذاته جلت عظمته- . ثم قال الراوندی- فأما قوله الذی لیس لصفته حد محدود- و لا نعت موجود و لا وقت معدود و لا أجل ممدود- فالوقت تحرک الفلک و دورانه على وجه- و الأجل‏ مده الشی‏ء- و معنى الکلام أن شکری لله تعالى متجدد- عند تجدد کل ساعه- و لهذا أبدل هذه الجمله من الجمله التی قبلها و هی الثانیه- کما أبدل الثانیه من الأولى- . و لقائل أن یقول- الوقت عند أهل النظر مقدار حرکه الفلک- لا نفس حرکته- و الأجل لیس مطلق الوقت- أ لا تراهم یقولون جئتک وقت العصر- و لا یقولون أجل العصر- و الأجل عندهم هو الوقت الذی یعلم الله تعالى- أن حیاه الحیوان تبطل فیه- مأخوذ من أجل الدین و هو الوقت الذی یحل قضاؤه فیه- .

فأما قوله و معنى الکلام أن شکری- متجدد لله تعالى فی کل وقت- ففاسد- و لا ذکر فی هذه الألفاظ للشکر- و لا أعلم من أین خطر هذا للراوندی- و ظنه أن هذه الجمل من باب البدل غلط- لأنها صفات کل واحده منها صفه بعد أخرى- کما تقول مررت بزید العالم الظریف الشاعر- . قال الراوندی فأما قوله الذی لیس لصفته حد- فظاهره إثبات الصفه له سبحانه- و أصحابنا لا یثبتون لله سبحانه صفه- کما یثبتها الأشعریه- لکنهم یجعلونه على حال أو یجعلونه متمیزا بذاته- فأمیر المؤمنین ع بظاهر کلامه و إن أثبت له صفه- إلا أن من له أنس بکلام العرب یعلم- أنه لیس بإثبات على الحقیقه- و قد سألنی سائل فقال هاهنا کلمتان- إحداهما کفر و الأخرى لیست بکفر- و هما لله تعالى شریک غیر بصیر- لیس شریک الله تعالى بصیرا- فأیهما کلمه الکفر- فقلت له القضیه الثانیه- و هی لیس شریک الله تعالى بصیرا کفر- لأنها تتضمن إثبات الشریک- و أما الکلمه الأخرى- فیکون معناها لله شریک غیر بصیر- بهمزه الاستفهام المقدره المحذوفه- .

ثم أخذ فی کلام طویل یبحث فیه عن الصفه و المعنى- و یبطل مذهب الأشعریه- بما یقوله المتکلمون من أصحابنا- و أخذ فی توحید الصفه- لم جاء و کیف یدل نفی الصفه الواحده- على نفی مطلق الصفات- و انتقل من ذلک إلى الکلام فی الصفه الخامسه- التی أثبتها أبو هاشم- ثم خرج إلى مذهب أبی الحسین- و أطال جدا فیما لا حاجه إلیه- . و لقائل أن یقول الأمر أسهل مما تظن- فإنا قد بینا أن مراده نفی الإحاطه بکنهه- و أیضا یمکن أن یجعل الصفه هاهنا قول الواصف- فیکون المعنى لا ینتهی الواصف إلى حد- إلا و هو قاصر عن النعت لجلالته و عظمته جلت قدرته- .

فأما القضیتان اللتان سأله السائل عنهما- فالصواب غیر ما أجاب به فیهما- و هو أن القضیه الأولى کفر- لأنها صریحه فی إثبات الشریک- و الثانیه لا تقتضی ذلک- لأنه قد ینفی قول الشریک بصیرا على أحد وجهین- إما لأن هناک شریکا لکنه غیر بصیر- أو لأن الشریک غیر موجود- و إذا لم یکن موجودا لم یکن بصیرا- فإذا کان هذا الاعتبار الثانی مرادا- لم یکن کفرا و صار کالأثر المنقول- کان مجلس رسول الله ص لا تؤثر هفواته- أی لم یکن فیه هفوات فتؤثر و تحکى- و لیس أنه کان المراد فی مجلسه هفوات إلا أنها لم تؤثر- . قال الراوندی- فإن قیل ترکیب هذه الجمله- یدل على أنه تعالى فطر الخلیقه- قبل خلق السموات و الأرض- .

قلنا قد اختلف فی ذلک- فقیل أول ما یحسن منه تعالى خلقه ذاتا حیه- یخلق فیها شهوه لمدرک تدرکه فتلتذ به- و لهذا قیل تقدیم خلق الجماد على خلق الحیوان عبث و قبیح- و قیل لا مانع من تقدیم خلق الجماد- إذا علم أن علم بعض المکلفین- فیما بعد بخلقه قبله لطف له- و لقائل أن یقول أما إلى حیث انتهى به الشرح- فلیس فی الکلام ترکیب یدل على أنه تعالى فطر خلقه- قبل خلق السموات و الأرض- و إنما قد یوهم تأمل کلامه ع فیما بعد شیئا من ذلک- لما قال ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء- على أنا إذا تأملنا لم نجد فی کلامه ع- ما یدل على تقدیم خلق الحیوان- لأنه قبل أن یذکر خلق السماء- لم یذکر إلا أنه فطر الخلائق- و تاره قال أنشأ الخلق- و دل کلامه أیضا على أنه نشر الریاح- و أنه خلق الأرض و هی مضطربه فأرساها بالجبال- کل هذا یدل علیه کلامه- و هو مقدم فی کلامه على فتق الهواء و الفضاء- و خلق السماء- فأما تقدیم خلق الحیوان أو تأخیره- فلم یتعرض کلامه ع له- فلا معنى لجواب الراوندی- و ذکره ما یذکره المتکلمون- من أنه هل یحسن تقدیم خلق الجماد على الحیوان أم لا:

أَوَّلُ الدِّینِ مَعْرِفَتُهُ وَ کَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِیقُ بِهِ- وَ کَمَالُ التَّصْدِیقِ بِهِ تَوْحِیدُهُ- وَ کَمَالُ تَوْحِیدِهِ الْ۱: فمن خطبه له ع-

یذکر فیها ابتداء خلق السماء و الأرض و خلق آدم

 الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا یَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ- وَ لَا یُحْصِی نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ- وَ لَا یُؤَدِّی حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ- الَّذِی لَا یُدْرِکُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ- وَ لَا یَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ- الَّذِی لَیْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ- وَ لَا نَعْتٌ مَوْجُودٌ وَ لَا وَقْتٌ مَعْدُودٌ- وَ لَا أَجْلٌ مَمْدُودٌ- فَطَرَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِهِ- وَ نَشَرَ الرِّیَاحَ بِرَحْمَتِهِ- وَ وَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَیَدَانَ أَرْضِهِ‏ وَ مَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ إِلَیْهِ- وَ مَنْ أَشَارَ إِلَیْهِ فَقَدْ حَدَّهُ وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ- وَ مَنْ قَالَ فِیمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ- وَ مَنْ قَالَ عَلَامَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ

إنما قال ع أول الدین معرفته لأن التقلید باطل- و أول الواجبات الدینیه المعرفه- و یمکن أن یقول قائل أ لستم تقولون فی علم الکلام- أول الواجبات النظر فی طریق معرفه الله تعالى- و تاره تقولون القصد إلى النظر- فهل یمکن الجمع بین هذا و بین کلامه ع- .
و جوابه أن النظر و القصد إلى النظر- إنما وجبا بالعرض لا بالذات- لأنهما وصله إلى المعرفه- و المعرفه هی المقصود بالوجوب- و أمیر المؤمنین ع أراد- أول واجب مقصود بذاته من الدین- معرفه البارئ سبحانه- فلا تناقض بین کلامه و بین آراء المتکلمین- . و أما قوله و کمال معرفته التصدیق به- فلأن معرفته قد تکون ناقصه- و قد تکون غیر ناقصه- فالمعرفه الناقصه هی المعرفه بان للعالم صانعا غیر العالم- و ذلک باعتبار أن الممکن لا بد له من مؤثر- فمن علم هذا فقط علم الله تعالى و لکن علما ناقصا- و أما المعرفه التی لیست ناقصه- فأن تعلم أن ذلک المؤثر خارج عن سلسله الممکنات- و الخارج عن کل الممکنات لیس بممکن- و ما لیس بممکن فهو واجب الوجود- فمن علم أن للعالم مؤثرا واجب الوجود- فقد عرفه عرفانا- أکمل من عرفان أن للعالم مؤثرا فقط- و هذا الأمر الزائد هو المکنی عنه بالتصدیق به- لأن أخص ما یمتاز به البارئ عن مخلوقاته- هو وجوب الوجود- .

و أما قوله ع و کمال التصدیق به توحیده- فلأن من علم أنه تعالى واجب الوجود- مصدق بالبارئ سبحانه- لکن ذلک التصدیق قد یکون ناقصا و قد یکون غیر ناقص- فالتصدیق الناقص أن یقتصر- على أن یعلم أنه واجب الوجود فقط- و التصدیق الذی هو أکمل من ذلک و أتم- هو العلم بتوحیده سبحانه- باعتبار أن وجوب الوجود لا یمکن أن یکون لذاتین- لأن فرض واجبی الوجود- یفضی إلى عموم وجوب الوجود لهما- و امتیاز کل واحد منهما بأمر غیر الوجوب المشترک- و ذلک یفضی إلى ترکیبهما- و إخراجهما عن کونهما واجبی الوجود- فمن علم البارئ سبحانه واحدا- أی لا واجب الوجود- إلا هو یکون أکمل تصدیقا ممن لم یعلم ذلک- و إنما اقتصر على أن صانع العالم واجب الوجود فقط- .

و أما قوله و کمال توحیده الإخلاص له- فالمراد بالإخلاص له هاهنا- هو نفی الجسمیه و العرضیه و لوازمهما عنه- لأن الجسم مرکب و کل مرکب ممکن- و واجب الوجود لیس بممکن- و أیضا فکل عرض مفتقر- و واجب الوجود غیر مفتقر- فواجب الوجود لیس بعرض- و أیضا فکل جرم محدث و واجب الوجود لیس بمحدث- فواجب الوجود لیس بجرم- و لا عرض- فلا یکون حاصلا فی جهه- فمن عرف وحدانیه البارئ و لم یعرف هذه الأمور- کان توحیده ناقصا- و من عرف هذه الأمور بعد العلم بوحدانیته تعالى- فهو المخلص فی عرفانه جل اسمه- و معرفته تکون أتم و أکمل- . و أما قوله و کمال الإخلاص له نفی الصفات عنه- فهو تصریح بالتوحید الذی تذهب إلیه المعتزله- و هو نفی المعانی القدیمه التی تثبتها الأشعریه و غیرهم-

قال ع‏ لشهاده کل صفه أنها غیر الموصوف- و شهاده کل موصوف أنه غیر الصفه- و هذا هو دلیل المعتزله بعینه- قالوا لو کان عالما بمعنى قدیم- لکان ذلک المعنى إما هو أو غیره- أو لیس هو و لا غیره- و الأول باطل- لأنا نعقل ذاته قبل أن نعقل أو نتصور له علما- و المتصور مغایر لما لیس بمتصور- و الثالث باطل أیضا- لأن إثبات شیئین أحدهما لیس هو الآخر و لا غیره- معلوم فساده ببدیهه العقل- فتعین القسم الثانی و هو محال- أما أولا فبإجماع أهل المله- و أما ثانیا فلما سبق- من أن وجوب الوجود لا یجوز أن یکون لشیئین- فإذا عرفت هذا فاعرف أن الإخلاص له تعالى- قد یکون ناقصا و قد لا یکون- فالإخلاص الناقص هو العلم بوجوب وجوده- و أنه واحد لیس بجسم و لا عرض- و لا یصح علیه ما یصح على الأجسام و الأعراض- و الإخلاص التام هو العلم بأنه لا تقوم به المعانی القدیمه- مضافا إلى تلک العلوم السابقه- و حینئذ تتم المعرفه و تکمل- .

ثم أکد أمیر المؤمنین ع هذه الإشارات الإلهیه- بقوله فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه- و هذا حق لأن الموصوف یقارن الصفه و الصفه تقارنه- . قال و من قرنه فقد ثناه و هذا حق- لأنه قد أثبت قدیمین و ذلک محض التثنیه- . قال و من ثناه فقد جزأه و هذا حق- لأنه إذا أطلق لفظه الله تعالى على الذات و العلم القدیم- فقد جعل مسمى هذا اللفظ و فائدته متجزئه- کإطلاق لفظ الأسود على الذات التی حلها سواد- . قال و من جزأه فقد جهله و هذا حق- لأن الجهل هو اعتقاد الشی‏ء على خلاف ما هو به- . قال و من أشار إلیه فقد حده و هذا حق- لأن کل مشار إلیه فهو محدود-لأن المشار إلیه لا بد أن یکون فی جهه مخصوصه- و کل ما هو فی جهه فله حد و حدود- أی أقطار و أطراف- . قال و من حده فقد عده- أی جعله من الأشیاء المحدثه و هذا حق- لأن کل محدود معدود فی الذوات المحدثه- . قال و من قال فیم فقد ضمنه و هذا حق- لأن من تصور أنه فی شی‏ء- فقد جعله إما جسما مستترا فی مکان- أو عرضا ساریا فی محل- و المکان متضمن للتمکن و المحل متضمن للعرض- . قال و من قال علام فقد أخلى منه و هذا حق- لأن من تصور أنه تعالى على العرش أو على الکرسی- فقد أخلى منه غیر ذلک الموضع- و أصحاب تلک المقاله یمتنعون من ذلک- و مراده ع إظهار تناقض أقوالهم- و إلا فلو قالوا- هب أنا قد أخلینا منه غیر ذلک الموضع- أی محذور یلزمنا- فإذا قیل لهم لو خلا منه موضع دون موضع- لکان جسما و لزم حدوثه- قالوا لزوم الحدوث و الجسمیه- إنما هو من حصوله فی الجهه لا من خلو بعض الجهات عنه- و أنتم إنما احتججتم علینا بمجرد خلو بعض الجهات منه- فظهر أن توجیه الکلام علیهم إنما هو إلزام لهم- لا استدلال على فساد قولهم- فأما القطب الراوندی فإنه قال- فی معنى قوله نفی الصفات عنه- أی صفات المخلوقین- قال لأنه تعالى عالم قادر و له بذلک صفات- فکیف یجوز أن یقال لا صفه له- .
و أیضا فإنه ع قد أثبت لله تعالى صفه أولا- حیث قال الذی لیس لصفته حد محدود- فوجب أن یحمل کلامه على ما یتنزه عن المناقضه- .

و أیضا فإنه قد قال فیما بعد فی صفه الملائکه- أنهم لا یصفون الله تعالى بصفات المصنوعین- فوجب أن یحمل قوله الآن- و کمال توحیده نفی الصفات عنه- على صفات المخلوقین- حملا للمطلق على المقید- . و لقائل أن یقول لو أراد نفی صفات المخلوقین عنه- لم یستدل على ذلک بدلیل الغیریه- و هو قوله لشهاده کل صفه أنها غیر الموصوف- لأن هذا الاستدلال لا ینطبق- على دعوى أنه غیر موصوف بصفات المخلوقین- بل کان ینبغی أن یستدل بان صفات المخلوقین- من لوازم الجسمیه و العرضیه- و البارئ لیس بجسم و لا عرض- و نحن قد بینا أن مراده ع- إبطال القول بالمعانی القدیمه- و هی المسماه بالصفات فی الاصطلاح القدیم- و لهذا یسمى أصحاب المعانی بالصفاتیه- فأما کونه قادرا و عالما- فأصحابها أصحاب الأحوال- و قد بینا أن مراده ع بقوله لیس لصفته حد محدود- أی لکنهه و حقیقته- و أما کون الملائکه لا تصف البارئ بصفات المصنوعین- فلا یقتضی أن یحمل کل موضوع فیه- ذکر الصفات على صفات المصنوعین- لأجل تقیید ذلک فی ذکر الملائکه- و أین هذا من باب حمل المطلق على المقید- لا سیما و قد ثبت أن التعلیل و الاستدلال- یقضی ألا یکون المراد صفات المخلوقین- . و قد تکلف الراوندی لتطبیق تعلیله ع نفی الصفات عنه- بقوله لشهاده کل صفه أنها غیر الموصوف- بکلام عجیب و أنا أحکی ألفاظه لتعلم- قال معنى هذا التعلیل- أن الفعل فی الشاهد لا یشابه الفاعل- و الفاعل غیر الفعل- لأن ما یوصف به الغیر إنما هو الفعل أو معنى الفعل- کالضارب و الفهم- فإن الفهم و الضرب کلاهما فعل و الموصوف بهما فاعل- و الدلیل لا یختلف شاهدا و غائبا- فإذا کان تعالى قدیما و هذه الأجسام محدثه- کانت معدومه ثم وجدت- یدل على أنها غیر الموصوف بأنه خالقها و مدبرها- .

انقضى کلامه و حکایته تغنی عن الرد علیه- . ثم قال الأول على وزن أفعل- یستوی فیه المذکر و المؤنث- إذا لم یکن فیه الألف و اللام- فإذا کانا فیه قیل للمؤنث الأولى- . و هذا غیر صحیح- لأنه یقال کلمت فضلاهن و لیس فیه ألف و لام- و کان ینبغی أن یقول إذا کان منکرا- مصحوبا بمن استوى المذکر و المؤنث فی لفظ أفعل- تقول زید أفضل من عمرو و هند أحسن من دعد: کَائِنٌ لَا عَنْ حَدَثٍ مَوْجُودٌ لَا عَنْ عَدَمٍ- مَعَ کُلِّ شَیْ‏ءٍ لَا بِمُقَارَنَهٍ وَ غَیْرُ کُلِّ شَیْ‏ءٍ لَا بِمُزَایَلَهٍ- فَاعِلٌ لَا بِمَعْنَى الْحَرَکَاتِ وَ الآْلَهِ- بَصِیرٌ إِذْ لَا مَنْظُورَ إِلَیْهِ مِنْ خَلْقِهِ- مُتَوَحِّدٌ إِذْ لَا سَکَنَ یَسْتَأْنِسُ بِهِ وَ لَا یَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ- أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً وَ ابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً- بِلَا رَوِیَّهٍ أَجَالَهَا وَ لَا تَجْرِبَهٍ اسْتَفَادَهَا- وَ لَا حَرَکَهٍ أَحْدَثَهَا وَ لَا هَمَامَهِ نَفْسٍ اضْطَرَبَ فِیهَا- أَحَالَ الْأَشْیَاءَ لِأَوْقَاتِهَا وَ لَاءَمَ بَیْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا- وَ غَرَّزَ غَرَائِزَهَا وَ أَلْزَمَهَا أَشْبَاحَهَا- عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا- مُحِیطاً بِحُدُودِهَا وَ انْتِهَائِهَا عَارِفاً بِقَرَائِنِهَا وَ أَحْنَائِهَا قوله ع کائن- و إن کان فی الاصطلاح العرفی- مقولا على ما ینزه البارئ عنه- فمراده به المفهوم اللغوی- و هو اسم فاعل من کان بمعنى وجد- کأنه قال موجود غیر محدث- .

فان قیل فقد قال بعده موجود لا عن عدم- فلا یبقى بین الکلمتین فرق- . قیل بینهما فرق- و مراده بالموجود لا عن عدم هاهنا- وجوب وجوده و نفی إمکانه- لأن من أثبت قدیما ممکنا- فإنه و إن نفى حدوثه الزمانی فلم ینف حدوثه الذاتی- و أمیر المؤمنین ع نفى عن البارئ تعالى- فی الکلمه الأولى الحدوث الزمانی- و نفى عنه فی الکلمه الثانی الذاتی- و قولنا فی الممکن أنه موجود من عدم صحیح عند التأمل- لا بمعنى أن عدمه سابق له زمانا بل سابق لوجوده ذاتا- لأن الممکن یستحق من ذاته أنه لا یستحق الوجود من ذاته- . و أما قوله مع کل شی‏ء لا بمقارنه- فمراده بذلک أنه یعلم الجزئیات و الکلیات- کما قال سبحانه ما یَکُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَهٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ- . و أما قوله و غیر کل شی‏ء لا بمزایله فحق- لأن الغیرین فی الشاهد هما ما زایل أحدهما الآخر- و باینه بمکان أو زمان- و البارئ سبحانه یباین الموجودات مباینه- منزهه عن المکان و الزمان- فصدق علیه أنه غیر کل شی‏ء لا بمزایله- . و أما قوله فاعل لا بمعنى الحرکات و الآله فحق- لأن فعله اختراع- و الحکماء یقولون إبداع و معنى الکلمتین واحد- و هو أنه یفعل لا بالحرکه و الآله- کما یفعل الواحد منا- و لا یوجد شیئا من شی‏ء- . و أما قوله بصیر إذ لا منظور إلیه من خلقه- فهو حقیقه مذهب أبی هاشم رحمه الله و أصحابه- لأنهم یطلقون علیه فی الأزل أنه سمیع بصیر- و لیس هناک مسموع و لا مبصر- و معنى ذلک کونه بحال- یصح منه إدراک المسموعات و المبصرات إذا وجدت-

و ذلک یرجع إلى کونه حیا لا آفه به- و لا یطلقون علیه أنه سامع مبصر فی الأزل- لأن السامع المبصر هو المدرک بالفعل لا بالقوه- . و أما قوله متوحد إذ لا سکن یستأنس به و یستوحش لفقده- فإذ هاهنا ظرف- و معنى الکلام أن العاده و العرف- إطلاق متوحد على من قد کان له من یستأنس بقربه- و یستوحش ببعده فانفرد عنه- و البارئ سبحانه یطلق علیه أنه متوحد فی الأزل- و لا موجود سواه- و إذا صدق سلب الموجودات کلها فی الأزل- صدق سلب ما یؤنس أو یوحش- فتوحده سبحانه بخلاف توحد غیره- . و أما قوله ع أنشأ الخلق إنشاء و ابتدأه ابتداء- فکلمتان مترادفتان على طریقه الفصحاء و البلغاء- کقوله سبحانه- لا یَمَسُّنا فِیها نَصَبٌ وَ لا یَمَسُّنا فِیها لُغُوبٌ- و قوله لِکُلٍّ جَعَلْنا مِنْکُمْ شِرْعَهً وَ مِنْهاجاً- . و قوله بلا رویه أجالها- فالرویه الفکره و أجالها رددها- و من رواه أحالها بالحاء أراد صرفها- و قوله و لا تجربه استفادها- أی لم یکن قد خلق من قبل أجساما- فحصلت له التجربه التی أعانته على خلق هذه الأجسام- . و قوله و لا حرکه أحدثها- فیه رد على الکرامیه الذین یقولون- إنه إذا أراد أن یخلق شیئا مباینا عنه- أحدث فی ذاته حادثا یسمى الأحداث- فوقع ذلک الشی‏ء المباین عن ذلک المعنى المتجدد- المسمى أحداثا- . و قوله و لا همامه نفس اضطرب فیها- فیه رد على المجوس و الثنویه القائلین بالهمامه- و لهم فیها خبط طویل یذکره أصحاب المقالات- و هذا یدل على صحه ما یقال- إن أمیر المؤمنین ع کان یعرف آراء المتقدمین و المتأخرین- و یعلم العلوم کلها- و لیس ذلک ببعید من فضائله و مناقبه ع- .

و أما قوله أحال الأشیاء لأوقاتها- فمن رواها أحل الأشیاء لأوقاتها- فمعناه جعل محل کل شی‏ء و وقته کمحل الدین- و من رواها أحال- فهو من قولک حال فی متن فرسه أی وثب- و أحاله غیره أی أوثبه على متن الفرس عداه بالهمزه- و کأنه لما أقر الأشیاء فی أحیانها و أوقاتها- صار کمن أحال غیره على فرسه- . و قوله و لاءم بین مختلفاتها- أی جعل المختلفات ملتئمات- کما قرن النفس الروحانیه بالجسد الترابی جلت عظمته- و قوله و غرز غرائزها المروی بالتشدید- و الغریزه الطبیعه و جمعها غرائز- و قوله غرزها أی جعلها غرائز- کما قیل سبحان من ضوأ الأضواء- و یجوز أن یکون من غرزت الإبره بمعنى غرست- و قد رأیناه فی بعض النسخ بالتخفیف- . و قوله و ألزمها أشباحها- الضمیر المنصوب فی ألزمها عائد إلى الغرائز- أی ألزم الغرائز أشباحها أی أشخاصها- جمع شبح و هذا حق- لأن کلا مطبوع على غریزه لازمه- فالشجاع لا یکون جبانا و البخیل لا یکون جوادا- و کذلک کل الغرائز لازمه لا تنتقل- . و قوله عالما بها قبل ابتدائها- إشاره إلى أنه عالم بالأشیاء فیما لم یزل- و قوله محیطا بحدودها و انتهائها- أی بأطرافها و نهایاتها- . و قوله عارفا بقرائنها و أحنائها- القرائن جمع قرونه و هی النفس- و الأحناء الجوانب جمع حنو- یقول إنه سبحانه عارف بنفوس هذه الغرائز- التی ألزمها أشباحها- عارف بجهاتها و سائر أحوالها المتعلقه بها و الصادره عنها- .

فأما القطب الراوندی فإنه قال معنى قوله ع- کائن لا عن حدث موجود لا عن عدم- أنه لم یزل موجودا و لا یزال موجودا- فهو باق أبدا کما کان موجودا أولا- و هذا لیس بجید- لأن اللفظ لا یدل على ذلک- و لا فیه تعرض بالبقاء فیما لا یزال- . و قال أیضا قوله ع لا یستوحش کلام مستأنف- و لقائل أن یقول کیف یکون کلاما مستأنفا- و الهاء فی فقده ترجع إلى السکن المذکور أولا- . و قال أیضا- یقال ما له فی الأمر همه و لا همامه أی لا یهم به- و الهمامه التردد کالعزم- و لقائل أن یقول العزم هو إراده جازمه- حصلت بعد التردد- فبطل قوله أن الهمامه هی نفس التردد کالعزم- و أیضا فقد بینا مراده ع بالهمامه- حکى زرقان فی کتاب المقالات- و أبو عیسى الوراق و الحسن بن موسى- و ذکره شیخنا أبو القاسم البلخی- فی کتابه فی المقالات أیضا عن الثنویه- أن النور الأعظم اضطربت عزائمه و إرادته- فی غزو الظلمه و الإغاره علیها- فخرجت من ذاته قطعه و هی الهمامه المضطربه فی نفسه- فخالطت الظلمه غازیه لها- فاقتطعتها الظلمه عن النور الأعظم- و حالت بینها و بینه- و خرجت همامه الظلمه غازیه للنور الأعظم- فاقتطعها النور الأعظم عن الظلمه و مزجها بأجزائه- و امتزجت همامه النور بأجزاء الظلمه أیضا- ثم ما زالت الهمامتان تتقاربان‏ و تتدانیان- و هما ممتزجتان بأجزاء هذا و هذا- حتى انبنى منهما هذا العالم المحسوس- و لهم فی الهمامه کلام مشهور- و هی لفظه اصطلحوا علیها- و اللغه العربیه ما عرفنا فیها استعمال الهمامه بمعنى الهمه- و الذی عرفناه الهمه بالکسر و الفتح و المهمه- و تقول لا همام لی بهذا الأمر مبنی على الکسر کقطام- و لکنها لفظه اصطلاحیه مشهوره عند أهلها:

ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ- وَ شَقَّ الْأَرْجَاءِ وَ سَکَائِکَ الْهَوَاءِ- فَأَجْرَى فِیهَا مَاءً مُتَلَاطِماً تَیَّارُهُ- مُتَرَاکِماً زَخَّارُهُ حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّیحِ الْعَاصِفَهِ- وَ الزَّعْزَعِ الْقَاصِفَهِ فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ- وَ سَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ وَ قَرَنَهَا إِلَى حَدِّهِ- الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِهَا فَتِیقٌ وَ الْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِیقٌ- ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِیحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا- وَ أَدَامَ مُرَبَّهَا وَ أَعْصَفَ مَجْرَاهَا- وَ أَبْعَدَ مَنْشَأَهَا فَأَمَرَهَا بِتَصْفِیقِ الْمَاءِ الزَّخَّارِ- وَ إِثَارَهِ مَوْجِ الْبِحَارِ فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ- وَ عَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ- تَرُدُّ أَوَّلَهُ عَلَى آخِرِهِ وَ سَاجِیَهُ عَلَى مَائِرِهِ حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ- وَ رَمَى بِالزَّبَدِ رُکَامُهُ- فَرَفَعَهُ فِی هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ وَ جَوٍّ مُنْفَهِقٍ- فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ- جَعَلَ سُفْلَاهُنَّ مَوْجاً مَکْفُوفاً- وَ عُلْیَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ سَمْکاً مَرْفُوعاً- بِغَیْرِ عَمَدٍ یَدْعَمُهَا وَ لَا دِسَارٍ یَنْتَظِمُهَا ثُمَّ زَیَّنَهَا بِزِینَهِ الْکَوَاکِبِ وَ ضِیَاءِ الثَّوَاقِبِ- وَ أَجْرَى فِیهَا سِرَاجاً مُسْتَطِیراً وَ قَمَراً مُنِیراً- فِی فَلَکٍ دَائِرٍ وَ سَقْفٍ سَائِرٍ وَ رَقِیمٍ مَائِرٍ

لسائل أن یسأل فیقول- ظاهر هذا الکلام أنه سبحانه خلق الفضاء و السموات- بعد خلق کل شی‏ء- لأنه قد قال قبل- فطر الخلائق و نشر الریاح و وتد الأرض بالجبال- ثم عاد فقال أنشأ الخلق إنشاء و ابتدأه ابتداء- و هو الآن یقول ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء- و لفظه ثم للتراخی- . فالجواب أن قوله ثم هو تعقیب و تراخ- لا فی مخلوقات البارئ سبحانه بل فی کلامه ع- کأنه یقول ثم أقول الآن بعد قولی المتقدم- إنه تعالى أنشأ فتق الأجواء- و یمکن أن یقال إن لفظه ثم هاهنا- تعطی معنى الجمع المطلق کالواو- و مثل ذلک قوله تعالى- وَ إِنِّی لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏- . و اعلم أن کلام أمیر المؤمنین ع فی هذا الفصل- یشتمل على مباحث- منها أن ظاهر لفظه أن الفضاء الذی هو الفراغ- الذی یحصل فیه الأجسام- خلقه الله تعالى و لم یکن من قبل- و هذا یقتضی کون الفضاء شیئا- لأن المخلوق لا یکون عدما محضا- و لیس ذلک ببعید فقد ذهب إلیه قوم من أهل النظر- و جعلوه جسما لطیفا خارجا عن مشابهه هذه الأجسام- و منهم من جعله مجردا- . فإن قیل هذا الکلام یشعر- بأن خلق الأجسام فی العدم المحض قبل خلق الفضاء- لیس بممکن و هذا ینافی العقل- . قیل بل هذا هو محض مذهب الحکماء- فإنهم یقولون إنه لا یمکن وجود جسم-و لا حرکه جسم خارج الفلک الأقصى- و لیس ذلک إلا لاستحاله وجود الأجسام و حرکتها- إلا فی الفضاء- . و منها أن البارئ سبحانه خلق فی الفضاء- الذی أوجده ماء جعله على متن الریح- فاستقل علیها و ثبت و صارت مکانا له- ثم خلق فوق ذلک الماء ریحا أخرى سلطها علیه- فموجته تمویجا شدیدا حتى ارتفع- فخلق منه السموات- و هذا أیضا قد قاله قوم من الحکماء- و من جملتهم تالیس الإسکندرانی- و زعم أن الماء أصل کل العناصر- لأنه إذا انجمد صار أرضا و إذا لطف صار هواء- و الهواء یستحیل نارا لأن النار صفوه الهواء- .

و یقال- إن فی التوراه فی أول السفر الأول کلاما یناسب هذا- و هو أن الله تعالى خلق جوهرا- فنظر إلیه نظر الهیبه فذابت أجزاؤه فصارت ماء- ثم ارتفع من ذلک الماء بخار کالدخان- فخلق منه السموات و ظهر على وجه ذلک الماء زبد- فخلق منه الأرض ثم أرساها بالجبال- . و منها أن السماء الدنیا موج مکفوف- بخلاف السموات الفوقانیه- و هذا أیضا قول قد ذهب إلیه قوم- و استدلوا علیه بما نشاهده- من حرکه الکواکب المتحیره- و ارتعادها فی مرأى العین و اضطرابها- قالوا لأن المتحیره متحرکه فی أفلاکها- و نحن نشاهدها بالحس البصری- و بیننا و بینها أجرام الأفلاک الشفافه- و نشاهدها مرتعده- حسب ارتعاد الجسم السائر فی الماء- و ما ذاک إلا لأن السماء الدنیا ماء متموج- فارتعاد الکواکب‏ المشاهده حسا- إنما هو بحسب ارتعاد أجزاء الفلک الأدنى- قالوا فأما الکواکب الثابته- فإنا لم نشاهدها کذلک لأنها لیست بمتحرکه- و أما القمر و إن کان فی السماء الدنیا- إلا أن فلک تدویره من جنس الأجرام الفوقانیه- و لیس بماء متموج کالفلک الممثل التحتانی- و کذلک القول فی الشمس- . و منها أن الکواکب فی قوله- ثم زینها بزینه الکواکب أین هی- فإن اللفظ محتمل- و ینبغی أن یتقدم على ذلک بحث- فی أصل قوله تعالى- إِنَّا زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِزِینَهٍ الْکَواکِبِ- وَ حِفْظاً مِنْ کُلِّ شَیْطانٍ مارِدٍ- . فنقول إن ظاهر هذا اللفظ- أن الکواکب فی السماء الدنیا- و أنها جعلت فیها حراسه للشیاطین من استراق السمع- فمن دنا منهم لذلک رجم بشهاب- و هذا هو الذی یقتضیه ظاهر اللفظ- و مذهب الحکماء- أن السماء الدنیا لیس فیها إلا القمر وحده- و عندهم أن الشهب المنقضه- هی آثار تظهر فی الفلک الأثیری الناری- الذی تحت فلک القمر- و الکواکب لا ینقض منها شی‏ء- و الواجب التصدیق بما فی ظاهر لفظ الکتاب العزیز- و أن یحمل کلام أمیر المؤمنین ع على مطابقته- فیکون الضمیر فی قوله زینها- راجعا إلى سفلاهن- التی قال إنها موج مکفوف- و یکون الضمیر فی قوله و أجرى فیها- راجعا إلى جمله السموات- إذا وافقنا الحکماء فی أن الشمس فی السماء الرابعه- .

و منها أن ظاهر الکلام یقتضی- أن خلق السموات بعد خلق الأرض- أ لا تراه کیف لم یتعرض فیه لکیفیه خلق الأرض أصلا- و هذا قول قد ذهب إلیه جماعه من أهل المله-و استدلوا علیه بقوله تعالى- قُلْ أَ إِنَّکُمْ لَتَکْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ- وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِکَ رَبُّ الْعالَمِینَ- ثم قال ثُمَّ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ- . و منها أن الهاء فی قوله فرفعه فی هواء منفتق- و الهاء فی قوله فسوى منه سبع سموات- إلى ما ذا ترجع- فإن آخر المذکورات قبلها الزبد- و هل یجوز أن تکون السموات مخلوقه من زبد الماء- الحق أن الضمائر ترجع إلى الماء الذی عب عبابه- لا إلى الزبد- فإن أحدا لم یذهب إلى أن السماء مخلوقه من زبد الماء- و إنما قالوا إنها مخلوقه من بخاره- . و منها أن یقال إن البارئ سبحانه قادر- على خلق الأشیاء إبداعا و اختراعا- فما الذی اقتضى أنه خلق المخلوقات على هذا الترتیب- و هلا أوجدها إیجاد الماء الذی ابتدعه أولا من غیر شی‏ء- . فیقال فی جواب ذلک على طریق أصحابنا- لعل إخباره للمکلفین بذلک- على هذا الترتیب یکون لطفا بهم- و لا یجوز الإخبار منه تعالى- إلا و المخبر عنه مطابق للإخبار- . فهذا حظ المباحث المعنویه من هذا الفصل- . ثم نشرع فی تفسیر ألفاظه- أما الأجواء فجمع جو- و الجو هنا الفضاء العالی بین السماء و الأرض- و الأرجاء الجوانب واحدها رجا مثل عصا- و السکائک جمع سکاکه و هی أعلى الفضاء- کما قالوا ذؤابه و ذوائب- و التیار الموج و المتراکم الذی بعضه فوق بعض- و الزخار الذی یزخر أی یمتد و یرتفع- و الریح الزعزع الشدیده الهبوب- و کذلک القاصفه کأنها تهلک الناس بشده هبوبها- و معنى قوله فأمرها برده أی بمنعه عن الهبوط- لأن الماء ثقیل و من شأن الثقیل الهوی- و معنى قوله و سلطها على شده أی على وثاقه- کأنه سبحانه لما سلط البریح على منعه من الهبوط- فکأنه قد شده بها و أوثقه و منعه من الحرکه- و معنى قوله و قرنها إلى حده أی جعلها مکانا له- أی جعل حد الماء المذکور و هو سطحه الأسفل- مما ساطح الریح التی تحمله و تقله- و الفتیق المفتوق المنبسط- و الدفیق المدفوق- و اعتقم مهبها أی جعل هبوبها عقیما- و الریح العقیم التی لا تلقح سحابا و لا شجرا- و کذلک کانت تلک الریح المشار إلیها- لأنه سبحانه إنما خلقها لتمویج الماء فقط- و أدام مربها أی ملازمتها- أرب بالمکان مثل ألب به أی لازمه- .

و معنى قوله و عصفت به عصفها بالفضاء- فیه معنى لطیف- یقول إن الریح إذا عصفت بالفضاء الذی لا أجسام فیه- کان عصفها شدیدا لعدم المانع- و هذه الریح عصفت بذلک الماء العظیم عصفا شدیدا- کأنها تعصف فی فضاء لا ممانع لها فیه من الأجسام- . و الساجی الساکن و المائر الذی یذهب و یجی‏ء- و عب عبابه أی ارتفع أعلاه و رکامه ثبجه و هضبه- و الجو المنفهق المفتوح الواسع- و الموج المکفوف الممنوع من السیلان- و عمد یدعمها یکون لها دعامه- و الدسار واحد الدسر و هی المسامیر- . و الثواقب النیره المشرقه- و سراجا مستطیرا أی منتشر الضوء- یقال قد استطارالفجر أی انتشر ضوءه- و رقیم مائر أی لوح متحرک- سمی الفلک رقیما تشبیها باللوح لأنه مسطح- فأما القطب الراوندی فقال- إنه ع ذکر قبل هذه الکلمات- أنه أنشأ حیوانا له أعضاء و أحناء- ثم ذکر هاهنا أنه فتق السماء و میز بعضها عن بعض- ثم ذکر أن بین کل سماء و سماء مسیره خمسمائه عام- و هی سبع سموات- و کذلک بین کل أرض و أرض و هی سبع أیضا- و روى حدیث البقره التی تحمل الملک الحامل للعرش- و الصخره التی تحمل البقره و الحوت الذی یحمل الصخره- . و لقائل أن یقول إنه ع لم یذکر فیما تقدم- أن الله تعالى خلق حیوانا ذا أعضاء- و لا قوله الآن ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء- هو معنى قوله تعالى- أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ کانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما- أ لا تراه کیف صرح ع- بأن البارئ سبحانه خلق الهواء الذی هو الفضاء- و عبر عن ذلک بقوله ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء- و لیس فتق الأجواء هو فتق السماء- . فإن قلت فکیف یمکن التطبیق بین کلامه ع و بین الآیه- . قلت إنه تعالى لما سلط الریح على الماء فعصفت به- حتى جعلته بخارا و زبدا- و خلق من أحدهما السماء و من الآخر الأرض- کان فاتقا لهما من شی‏ء واحد و هو الماء- . فأما حدیث البعد بین السموات- و کونه مسیره خمسمائه عام بین کل سماء و سماء- فقد ورد ورودا لم یوثق به- و أکثر الناس على خلاف ذلک- و کون الأرض سبعا أیضا-

خلاف ما یقوله جمهور العقلاء- و لیس فی القرآن العزیز ما یدل على تعدد الأرض- إلا قوله تعالى وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ- و قد أولوه على الأقالیم السبعه- و حدیث الصخره و الحوت و البقره- من الخرافات فی غالب الظن- و الصحیح أن الله تعالى یمسک الکل بغیر واسطه جسم آخر- . ثم قال الراوندی السکائک جمع سکاک و هذا غیر جائز- لأن فعالا لا یجمع على فعائل- و إنما هو جمع سکاکه ذکر ذلک الجوهری- . ثم قال و سلطها على شده الشد العدو- و لا یجوز حمل الشد هاهنا على العدو- لأنه لا معنى له و الصحیح ما ذکرناه- . و قال فی تفسیر قوله ع جعل سفلاهن موجا مکفوفا- أراد تشبیهها بالموج لصفائها و اعتلائها- فیقال له إن الموج لیس بعال لیشبه به الجسم العالی- و أما صفاؤه فإن کل السموات صافیه- فلما ذا خص سفلاهن بذلک- . ثم قال و یمکن أن تکون السماء السفلى- قد کانت أول ما وجدت موجا ثم عقدها- یقال له و السموات الأخر کذلک کانت- فلما ذا خص السفلى بذلک- . ثم قال الریح الأولى غیر الریح الثانیه- لأن إحداهما معرفه و الأخرى نکره- و هذا مثل قوله صم الیوم صم یوما فإنه یقتضی یومین- . یقال له لیست المغایره بینهما- مستفاده من مجرد التعریف و التنکیر- لأنه لو کان قال‏

ع- و حمله على متن ریح عاصفه و زعزع قاصفه- لکانت الریحان الأولى و الثانیه منکرتین معا- و هما متغایرتان و إنما علمنا تغایرهما- لأن إحداهما تحت الماء و الأخرى فوقه- و الجسم الواحد لا یکون فی جهتین: ثُمَّ فَتَقَ مَا بَیْنَ السَّمَوَاتِ الْعُلَا- فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلَائِکَتِهِ- مِنْهُمْ سُجُودٌ لَا یَرْکَعُونَ وَ رُکُوعٌ لَا یَنْتَصِبُونَ- وَ صَافُّونَ لَا یَتَزَایَلُونَ وَ مُسَبِّحُونَ لَا یَسْأَمُونَ- لَا یَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُیُونِ وَ لَا سَهْوُ الْعُقُولِ- وَ لَا فَتْرَهُ الْأَبْدَانِ وَ لَا غَفْلَهُ النِّسْیَانِ- وَ مِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْیِهِ وَ أَلْسِنَهٌ إِلَى رُسُلِهِ- وَ مُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَ أَمْرِهِ- وَ مِنْهُمُ الْحَفَظَهُ لِعِبَادِهِ وَ السَّدَنَهُ لِأَبْوَابِ جِنَانِهِ- وَ مِنْهُمُ الثَّابِتَهُ فِی الْأَرَضِینَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ- وَ الْمَارِقَهُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْیَا أَعْنَاقُهُمْ- وَ الْخَارِجَهُ مِنَ الْأَقْطَارِ أَرْکَانُهُمْ- وَ الْمُنَاسِبَهُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَکْتَافُهُمْ- نَاکِسَهٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ- مَضْرُوبَهٌ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّهِ- وَ أَسْتَارُ الْقُدْرَهِ- لَا یَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِیرِ- وَ لَا یُجْرُونَ عَلَیْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِینَ- وَ لَا یَحُدُّونَهُ بِالْأَمَاکِنِ وَ لَا یُشِیرُونَ إِلَیْهِ بِالنَّظَائِرِ

القول فی إالملائکه و أقسامهم

الملک عند المعتزله حیوان نوری- فمنه شفاف عادم اللون کالهواء و منه ملون بلون الشمس- و الملائکه عندهم قادرون عالمون- أحیاء بعلوم و قدر و حیاه کالواحد منا- و مکلفون کالواحد منا إلا أنهم معصومون- و لهم فی کیفیه تکلیفهم کلام- لأن التکلیف‏ مبنی على الشهوه- . و فی کیفیه خلق الشهوه فیهم نظر- و لیس هذا الکتاب موضوعا للبحث فی ذلک- و قد جعلهم ع فی هذا الفصل أربعه أقسام- القسم الأول أرباب العباده- فمنهم من هو ساجد أبدا لم یقم من سجوده لیرکع- و منهم من هو راکع أبدا لم ینتصب قط- و منهم الصافون فی الصلاه- بین یدی خالقهم لا یتزایلون- و منهم المسبحون- الذین لا یملون التسبیح و التحمید له سبحانه- . و القسم الثانی- السفراء بینه تعالى و بین المکلفین من البشر- بتحمل الوحی الإلهی إلى الرسل- و المختلفون بقضائه و أمره إلى أهل الأرض- . و القسم الثالث ضربان- أحدهما حفظه العباد کالکرام الکاتبین- و کالملائکه الذین یحفظون البشر من المهالک و الورطات- و لو لا ذلک لکان العطب أکثر من السلامه- و ثانیهما سدنه الجنان- . القسم الرابع حمله العرش
– . و یجب أن یکون الضمیر فی دونه و هو الهاء- راجعا إلى العرش لا إلى البارئ سبحانه- و کذلک الهاء فی قوله تحته- و یجب أن تکون الإشاره بقوله و بین من دونهم- إلى الملائکه الذین دون هؤلاء فی الرتبه- . فأما ألفاظ الفصل فکلها غنیه عن التفسیر إلا یسیرا- کالسدنه جمع سادن و هو الخادم- و المارق الخارج و تلفعت بالثوب أی التحفت به- . و أما القطب الراوندی فجعل الأمناء على الوحی- و حفظه العباد و سدنه الجنان-

قسما واحدا- فأعاد الأقسام الأربعه إلى ثلاثه و لیس بجید- لأنه قال و منهم الحفظه- فلفظه و منهم تقتضی کون الأقسام أربعه- لأنه بها فصل بین الأقسام- . و قال أیضا معنى قوله ع لا یغشاهم نوم العیون- یقتضی أن لهم نوما قلیلا لا یغفلهم عن ذکر الله سبحانه- فأما البارئ سبحانه فإنه لا تأخذه سنه و لا نوم أصلا- مع أنه حی و هذه هی المدحه العظمى- . و لقائل أن یقول لو ناموا قلیلا- لکانوا زمان ذلک النوم و إن قل- غافلین عن ذکر الله سبحانه- لأن الجمع بین النوم و بین الذکر مستحیل- . و الصحیح أن الملک لا یجوز علیه النوم- کما لا یجوز علیه الأکل و الشرب- لأن النوم من توابع المزاج و الملک لا مزاج له- و أما مدح البارئ بأنه لا تأخذه سنه و لا نوم- فخارج عن هذا الباب- لأنه تعالى یستحیل علیه النوم استحاله ذاتیه- لا یجوز تبدلها و الملک یجوز أن یخرج عن کونه ملکا- بأن یخلق فی أجزاء جسمه رطوبه و یبوسه- و حراره و بروده- یحصل من اجتماعها مزاج و یتبع ذلک المزاج النوم- فاستحاله النوم علیه إنما هی ما دام ملکا- فهو کقولک الماء بارد أی ما دام ماء- لأنه یمکن أن یستحیل هواء ثم نارا فلا یکون باردا- لأنه لیس حینئذ ماء- و البارئ جلت عظمته یستحیل على ذاته أن یتغیر- فاستحال علیه النوم استحاله مطلقه مع أنه حی- و من هذا إنشاء التمدح-
و روى أبو هریره عن النبی ص أن الله خلق الخلق أربعه أصناف- الملائکه و الشیاطین و الجن و الإنس- ثم جعل الأصناف الأربعه عشره أجزاء- فتسعه منها الملائکه- و جزء واحد الشیاطین و الجن و الإنس- ثم جعل هؤلاء الثلاثه عشره أجزاء- فتسعه منها الشیاطین و جزء واحد الجن و الإنس- ثم جعل الجن و الإنس عشره أجزاء- فتسعه منها الجن و جزء واحد الإنس و فی الحدیث الصحیح أن الملائکه کانت تصافح عمران بن الحصین و تزوره- ثم افتقدها- فقال یا رسول الله إن رجالا کانوا یأتوننی- لم أر أحسن وجوها و لا أطیب أرواحا منهم- ثم انقطعوا- فقال ع أصابک جرح فکنت تکتمه- فقال أجل قال ثم أظهرته قال أجل- قال أما لو أقمت على کتمانه- لزارتک الملائکه إلى أن تموت – و کان هذا الجرح أصابه فی سبیل الله- . و قال سعید بن المسیب و غیره- الملائکه لیسوا بذکور و لا إناث- و لا یتوالدون و لا یأکلون و لا یشربون- و الجن یتوالدون و فیهم ذکور و إناث و یموتون- و الشیاطین ذکور و إناث و یتوالدون- و لا یموتون حتى یموت إبلیس- .

و قال النبی ص فی روایه أبی ذر إنی أرى ما لا ترون و أسمع ما لا تسمعون- أطت السماء و حق لها أن تئط- فما فیها موضع شبر إلا و فیه ملک- قائم أو راکع أو ساجد واضع جبهته لله- و الله لو تعلمون ما أعلم لضحکتم قلیلا- و لبکیتم کثیرا- و ما تلذذتم بالنساء على الفرش- و لخرجتم إلى الفلوات تجأرون إلى الله- و الله لوددت أنی کنت شجره تعضد  قلت و یوشک هذه الکلمه الأخیره أن تکون قول أبی ذر- . و اتفق أهل الکتب- على أن رؤساء الملائکه و أعیانهم أربعه- جبرائیل و میکائیل و إسرافیل و عزرائیل- و هو ملک الموت- و قالوا إن إسرافیل صاحب الصور و إلیه النفخه- و إن میکائیل صاحب النبات و المطر- و إن عزرائیل على أرواح الحیوانات- و إن جبرائیل على جنود السموات و الأرض کلها- و إلیه تدبیر الریاح- و هو ینزل إلیهم کلهم بما یؤمرون به- .

و روى أنس بن مالک أنه قیل لرسول الله ص- ما هؤلاء الذین استثنی بهم فی قوله تعالى- فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ- فقال جبرائیل و میکائیل و إسرافیل و عزرائیل- فیقول الله عز و جل لعزرائیل یا ملک الموت من بقی- و هو سبحانه أعلم- فیقول سبحانک ربی ذا الجلال و الإکرام- بقی جبرائیل و میکائیل و إسرافیل و ملک الموت- فیقول یا ملک الموت خذ نفس إسرافیل- فیقع فی صورته التی خلق علیها- کأعظم ما یکون من الأطواد- ثم یقول و هو أعلم من بقی یا ملک الموت- فیقول سبحانک ربی یا ذا الجلال و الإکرام- جبرائیل و میکائیل و ملک الموت- فیقول خذ نفس میکائیل- فیقع فی صورته التی خلق علیها- و هی أعظم ما یکون من خلق إسرافیل بأضعاف مضاعفه- ثم یقول سبحانه یا ملک الموت من بقی- فیقول سبحانک ربی ذا الجلال و الإکرام- جبرائیل و ملک الموت- فیقول تعالى یا ملک الموت مت فیموت- و یبقى جبرائیل و هو من الله تعالى بالمکان الذی ذکر لکم- فیقول الله یا جبرائیل إنه لا بد من أن یموت أحدنا- فیقع جبرائیل ساجدا یخفق بجناحیه- یقول سبحانک ربی و بحمدک- أنت الدائم القائم الذی لا یموت- و جبرائیل الهالک المیت الفانی- فیقبض الله روحه فیقع على میکائیل و إسرافیل- و أن فضل خلقه على خلقهما کفضل الطود العظیم- على الظرب من الظراب و فی الأحادیث الصحیحه- أن جبرائیل کان یأتی رسول الله ص- على صوره دحیه الکلبی- و أنه کان یوم بدر على فرس اسمه حیزوم- و أنه سمع ذلک الیوم صوته أقدم حیزوم- .

و الکروبیون عند أهل المله ساده الملائکه- کجبرائیل و میکائیل- و عند الفلاسفه أن ساده الملائکه هم الروحانیون- یعنون العقول الفعاله- و هی المفارقه للعالم الجسمانی المسلوبه التعلق به- لا بالحول و لا بالتدبیر- و أما الکروبیون فدون الروحانیین فی المرتبه- و هی أنفس الأفلاک المدبره لها- الجاریه منها مجرى نفوسنا مع أجسامنا- . ثم هی على قسمین قسم أشرف و أعلى من القسم الآخر- فالقسم الأشرف ما کان نفسا ناطقه- غیر حاله فی جرم الفلک- کأنفسنا بالنسبه إلى أبداننا- و القسم الثانی ما کان حالا فی جرم الفلک- و یجری ذلک مجرى القوى التی فی أبداننا- کالحس المشترک و القوه الباصره:

مِنْهَا فِی صِفَهِ خَلْقِ آدَمَ ع-

ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الْأَرْضِ وَ سَهْلِهَا- وَ عَذْبِهَا وَ سَبَخِهَا- تُرْبَهً سَنَّهَا بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ- وَ لَاطَهَا بِالْبِلَّهِ حَتَّى لَزَبَتْ- فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَهً ذَاتَ أَحْنَاءٍ وَ وُصُولٍ وَ أَعْضَاءٍ- وَ فُصُولٍ أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَکَتْ- وَ أَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَ أَجَلٍ مَعْلُومٍ- ثُمَّ نَفَخَ فِیهَا مِنْ رُوحِهِ- فَتَمَثَّلَتْ إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ یُجِیلُهَا- وَ فِکَرٍ یَتَصَرَّفُ بِهَا وَ جَوَارِحَ یَخْتَدِمُهَا- وَ أَدَوَاتٍ یُقَلِّبُهَا وَ مَعْرِفَهٍ یَفْرُقُ بِهَا بَیْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ- وَ الْأَذْوَاقِ وَ الْمَشَامِّ وَ الْأَلْوَانِ وَ الْأَجْنَاسِ- مَعْجُوناً بِطِینَهِ الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَهِ-وَ الْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَهِ وَ الْأَضْدَادِ الْمُتَعَادِیَهِ- وَ الْأَخْلَاطِ الْمُتَبَایِنَهِ مِنَ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ- وَ الْبِلَّهِ وَ الْجُمُودِ- وَ الْمَسَاءَهِ وَ السُّرُورِ وَ اسْتَأْدَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَلَائِکَهَ وَدِیعَتَهُ لَدَیْهِمْ- وَ عَهْدَ وَصِیَّتِهِ إِلَیْهِمْ فِی الْإِذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ- وَ الْخُنُوعِ لِتَکْرِمَتِهِ- فَقَالَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِیسَ- وَ قَبیلَهُ اعْتَرَتْهُمُ الْحَمِیَّهُ- وَ غَلَبَتْ عَلَیْهِمُ الشِّقْوَهُ- وَ تَعَزَّزُوا بِخِلْقَهِ النَّارِ وَ اسْتَوْهَنُوا خَلْقَ الصَّلْصَالِ- فَأَعْطَاهُ اللَّهُ النَّظِرَهَ اسْتِحْقَاقاً لِلسَّخْطَهِ- وَ اسْتِتْمَاماً لِلْبَلِیَّهِ وَ إِنْجَازاً لِلْعِدَهِ- فَقَالَ فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ إِلى‏ یَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ

الحزن ما غلظ من الأرض و سبخها ما ملح منها- و سنها بالماء أی ملسها- قال ثم خاصرتها إلى القبه الخضراء تمشی فی مرمر مسنون‏- . أی مملس- و لاطها من قولهم لطت الحوض بالطین- أی ملطته و طینته به- و البله بفتح الباء من البلل- و لزبت بفتح الزای أی التصقت و ثبتت- فجبل منها أی خلق و الأحناء الجوانب جمع حنو- و أصلدها جعلها صلدا أی صلبا متینا- و صلصلت یبست و هو الصلصال- و یختدمها یجعلها فی مآربه و أوطاره- کالخدم الذین تستعملهم و تستخدمهم- و استأدى الملائکه ودیعته طلب منهم أداءها- و الخنوع الخضوع و الشقوه بکسر الشین- و فی الکتاب العزیز رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَیْنا شِقْوَتُنا- و استوهنوا عدوه واهنا ضعیفا- و النظره بفتح النون و کسر الظاء الإمهال و التأخیر- . فأما معانی الفصل فظاهره و فیه مع ذلک مباحث- . منها أن یقال اللام فی قوله لوقت معدود بما ذا تتعلق- . و الجواب أنها تتعلق بمحذوف- تقدیره حتى صلصلت کائنه لوقت- فیکون الجار و المجرور فی موضع الحال- و یکون معنى الکلام أنه أصلدها- حتى یبست و جفت معده لوقت معلوم- فنفخ حینئذ روحه فیها- و یمکن أن تکون اللام متعلقه بقوله فجبل أی جبل- و خلق من الأرض هذه الجثه لوقت- أی لأجل وقت معلوم و هو یوم القیامه- . و منها أن یقال لما ذا قال- من حزن الأرض و سهلها و عذبها و سبخها- . و الجواب أن المراد من ذلک- أن یکون الإنسان مرکبا من طباع مختلفه- و فیه استعداد للخیر و الشر و الحسن و القبح- . و منها أن یقال- لما ذا أخر نفخ الروح فی جثه آدم مده طویله- فقد قیل إنه بقی طینا تشاهده الملائکه أربعین سنه- و لا یعلمون ما المراد به- . و الجواب یجوز أن یکون فی ذلک لطف للملائکه- لأنهم تذهب ظنونهم فی ذلک کل مذهب- فصار کإنزال المتشابهات- الذی تحصل به ریاضه الأذهان و تخریجها- و فی ضمن ذلک یکون اللطف- و یجوز أن یکون فی أخبار ذریه آدم- بذلک فیما بعد لطف بهم- و لا یجوز إخبارهم بذلک إلا إذا کان المخبر عنه حقا-

و منها أن یقال ما المعنی بقوله ثم نفخ فیها من روحه- . الجواب أن النفس لما کانت جوهرا مجردا- لا متحیزه و لا حاله فی المتحیز- حسن لذلک نسبتها إلى البارئ- لأنها أقرب إلى الانتساب إلیه من الجثمانیات- و یمکن أیضا أن تکون لشرفها مضافه إلیه- کما یقال بیت الله للکعبه- و أما النفخ فعباره عن إفاضه النفس على الجسد- و لما نفخ الریح فی الوعاء- عباره عن إدخال الریح إلى جوفه- و کان الإحیاء عباره عن إفاضه النفس على الجسد- و یستلزم ذلک حلول القوى و الأرواح فی الجثه- باطنا و ظاهرا- سمی ذلک نفخا مجازا- . و منها أن یقال ما معنى قوله- معجونا بطینه الألوان المختلفه- . الجواب أنه ع قد فسر ذلک بقوله- من الحر و البرد و البله و الجمود- یعنی الرطوبه و الیبوسه- و مراده بذلک المزاج الذی هو کیفیه واحده- حاصله من کیفیات مختلفه قد انکسر بعضها ببعض- و قوله معجونا صفه إنسانا- و الألوان المختلفه یعنى الضروب و الفنون- کما تقول فی الدار ألوان من الفاکهه- . و منها أن یقال ما المعنی بقوله- و استأدى الملائکه ودیعته لدیهم- و کیف کان هذا العهد و الوصیه بینه و بینهم- . الجواب أن العهد و الوصیه هو قوله تعالى لهم- إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِینٍ- فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ- .

و منها أن یقال- کیف کانت شبهه إبلیس و أصحابه فی التعزز بخلقه النار- . الجواب لما کانت النار مشرقه بالذات و الأرض مظلمه- و کانت النار أشبه بالنور و النور أشبه بالمجردات- جعل إبلیس ذلک حجه احتج بها- فی شرف عنصره على عنصر آدم ع- و لأن النار أقرب إلى الفلک من الأرض- و کل شی‏ء کان أقرب إلى الفلک من غیره کان أشرف- و البارئ تعالى لم یعتبر ذلک- و فعل سبحانه ما یعلم أنه المصلحه و الصواب- . و منها أن یقال کیف یجوز السجود لغیر الله تعالى- . و الجواب أنه قیل إن السجود لم یکن إلا لله تعالى- و إنما کان آدم ع قبله- و یمکن أن یقال إن السجود لله على وجه العباده- و لغیره على وجه التکرمه- کما سجد أبو یوسف و إخوته له- و یجوز أن تختلف الأحوال و الأوقات- فی حسن ذلک و قبحه- . و منها أن یقال- کیف جاز على ما تعتقدونه من حکمه البارئ- أن یسلط إبلیس على المکلفین- أ لیس هذا هو الاستفساد الذی تأبونه و تمنعونه- . و الجواب أما الشیخ أبو علی رحمه الله فیقول- حد المفسده ما وقع عند الفساد- و لولاه لم یقع مع تمکن المکلف من الفعل فی الحالین- و من فسد بدعاء إبلیس لم یتحقق فیه هذا الحد- لأن الله تعالى علم أن کل من فسد عند دعائه- فإنه یفسد و لو لم یدعه- . و أما أبو هاشم رحمه الله- فیحد المفسده بهذا الحد أیضا- و یقول إن فی الإتیان بالطاعه مع دعاء إبلیس إلى القبیح- مشقه زائده على مشقه الإتیان بها- لو لم یدع إبلیس إلى‏ القبیح- فصار الإتیان بها مع اعتبار دعاء إبلیس إلى خلافها- خارجا عن الحد المذکور و داخلا فی حیز التمکن- الذی لو فرضنا ارتفاعه لما صح من المکلف الإتیان بالفعل- و نحن قلنا فی الحد- مع تمکن المکلف من الإتیان بالفعل فی الحالین- . و منها أن یقال کیف جاز للحکیم سبحانه أن یقول لإبلیس- إِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ إلى یوم القیامه- و هذا إغراء بالقبیح- و أنتم تمنعون أن یقول الحکیم لزید- أنت لا تموت إلى سنه بل إلى شهر أو یوم واحد- لما فیه من الإغراء بالقبیح- و العزم على التوبه قبل انقضاء الأمد- .

و الجواب أن أصحابنا قالوا- إن البارئ تعالى لم یقل لإبلیس- إنی منظرک إلى یوم القیامه- و إنما قال إِلى‏ یَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ- و هو عباره عن وقت موته و اخترامه- و کل مکلف من الإنس و الجن- منظر إلى یوم الوقت المعلوم على هذا التفسیر- و إذا کان کذلک لم یکن إبلیس عالما أنه یبقى لا محاله- فلم یکن فی ذلک إغراء له بالقبیح- . فإن قلت فما معنى قوله ع و إنجازا للعده- أ لیس معنى ذلک- أنه قد کان وعده أن یبقیه إلى یوم القیامه- . قلت إنما وعده الإنظار- و یمکن أن یکون إلى یوم القیامه و إلى غیره من الأوقات- و لم یبین له فهو تعالى أنجز له وعده فی الإنظار المطلق- و ما من وقت إلا و یجوز فیه أن یخترم إبلیس- فلا یحصل الإغراء بالقبیح- و هذا الکلام عندنا ضعیف- و لنا فیه نظر مذکور فی کتبنا الکلامیه

: ثُمَّ أَسْکَنَ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِیهَا عِیشَتَهُ- وَ آمَنَ فِیهَا مَحَلَّتَهُ وَ حَذَّرَهُ إِبْلِیسَ وَ عَدَاوَتَهُ- فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَهً عَلَیْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ- وَ مُرَافَقَهِ الْأَبْرَارِ- فَبَاعَ الْیَقِینَ بِشَکِّهِ وَ الْعَزِیمَهَ بِوَهْنِهِ- وَ اسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلًا وَ بِالِاعْتِزَازِ نَدَماً- ثُمَّ بَسَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِی تَوْبَتِهِ- وَ لَقَّاهُ کَلِمَهَ رَحْمَتِهِ وَ وَعَدَهُ الْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ- فَأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ الْبَلِیَّهِ وَ تَنَاسُلِ الذُّرِّیَّهِ

أماالألفاظ فظاهره و المعانی أظهر- و فیها ما یسأل عنه- . فمنها أن یقال الفاء فی قوله ع فأهبطه- تقتضی أن تکون التوبه على آدم قبل هبوطه من الجنه- . و الجواب أن ذلک أحد قولی المفسرین- و یعضده قوله تعالى- وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‏- ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَیْهِ وَ هَدى‏ قالَ اهْبِطا مِنْها- فجعل الهبوط بعد قبول التوبه- . و منها أن یقال- إذا کان تعالى قد طرد إبلیس من الجنه- لما أبى السجود- فکیف توصل إلى آدم و هو فی الجنه- حتى استنزله عنها بتحسین أکل الشجره له- . الجواب أنه یجوز أن یکون إنما منع من دخول الجنه- على وجه التقریب و الإکرام‏ کدخول الملائکه- و لم یمنع من دخولها على غیر ذلک الوجه- و قیل إنه دخل فی جوف الحیه کما ورد فی التفسیر- . و منها أن یقال کیف اشتبه على آدم الحال- فی الشجره المنهی عنها فخالف النهی- . الجواب أنه قیل له لا تقربا هذه الشجره- و أرید بذلک نوع الشجره فحمل آدم النهی على الشخص- و أکل من شجره أخرى من نوعها- . و منها أن یقال هذا الکلام من أمیر المؤمنین ع- تصریح بوقوع المعصیه من آدم ع- و هو قوله فباع الیقین بشکه و العزیمه بوهنه- فما قولکم فی ذلک- . الجواب أما أصحابنا فإنهم لا یمتنعون من إطلاق العصیان علیه- و یقولون إنها کانت صغیره- و عندهم أن الصغائر جائزه على الأنبیاء ع- و أما الإمامیه فیقولون- إن النهی کان نهی تنزیه لا نهی تحریم- لأنهم لا یجیزون على الأنبیاء الغلط و الخطأ- لا کبیرا و لا صغیرا- و ظواهر هذه الألفاظ تشهد بخلاف قولهم
اختلاف الأقوال فی ابتداء خلق البشر

و اعلم أن الناس اختلفوا- فی ابتداء خلق البشر کیف کان- فذهب أهل الملل من المسلمین و الیهود و النصارى- إلى أن مبدأ البشر هو آدم الأب الأول ع- و أکثر ما فی القرآن العزیز من قصه آدم- مطابق لما فی التوراه- . و ذهب طوائف من الناس إلى غیر ذلک- أما الفلاسفه فإنهم زعموا أنه لا أول لنوع البشر- و لا لغیرهم من الأنواع- . و أما الهند فمن کان منهم على رأی الفلاسفه- فقوله ما ذکرناه- و من لم یکن منهم‏

على رأی الفلاسفه- و یقول بحدوث الأجسام لا یثبت آدم- و یقول إن الله تعالى خلق الأفلاک- و خلق فیها طباعا محرکه لها بذاتها- فلما تحرکت و حشوها أجسام لاستحاله الخلاء- کانت تلک الأجسام على طبیعه واحده- فاختلفت طباؤعها بالحرکه الفلکیه- فکان القریب من الفلک المتحرک أسخن و ألطف- و البعید أبرد و أکثف- ثم اختلطت العناصر و تکونت منها المرکبات- و منها تکون نوع البشر- کما یتکون الدود فی الفاکهه و اللحم- و البق فی البطائح و المواضع العفنه- ثم تکون بعض البشر من بعض بالتوالد- و صار ذلک قانونا مستمرا- و نسی التخلیق الأول الذی کان بالتولد- و من الممکن أن یکون بعض البشر- فی بعض الأراضی القاصیه مخلوقا بالتولد- و إنما انقطع التولد- لأن الطبیعه إذا وجدت للتکون طریقا- استغنت به عن طریق ثان- . و أما المجوس فلا یعرفون آدم و لا نوحا- و لا ساما و لا حاما و لا یافث- و أول متکون عندهم من البشر البشری- المسمى کیومرث و لقبه کوشاه أی ملک الجبل- لأن کو هو الجبل بالفهلویه- و کان هذا البشر فی الجبال- و منهم من یسمیه کلشاه أی ملک الطین و کل اسم الطین- لأنه لم یکن حینئذ بشر لیملکهم- .

و قیل تفسیر کیومرث حی ناطق میت- قالوا و کان قد رزق من الحسن- ما لا یقع علیه بصر حیوان- إلا و بهت و أغمی علیه- و یزعمون أن مبدأ تکونه و حدوثه- أن یزدان و هو الصانع الأول عندهم أفکر فی أمر أهرمن- و هو الشیطان عندهم- فکره أوجبت أن عرق جبینه- فمسح العرق و رمى به فصار منه کیومرث- و لهم خبط طویل فی کیفیه تکون أهرمن من فکره یزدان- أو من إعجابه بنفسه أو من توحشه- و بینهم خلاف فی قدم أهرمن- و حدوثه لا یلیق شرحه بهذا الموضع-

ثم اختلفوا فی مده بقاء کیومرث فی الوجود- فقال الأکثرون ثلاثون سنه- و قال الأقلون أربعون سنه- و قال قوم منهم إن کیومرث مکث فی الجنه- التی فی السماء ثلاثه آلاف سنه- و هی ألف الحمل و ألف الثور و ألف الجوزاء- ثم أهبط إلى الأرض فکان بها آمنا مطمئنا- ثلاثه آلاف سنه أخرى- و هی ألف السرطان و ألف الأسد و ألف السنبله- . ثم مکث بعد ذلک ثلاثین أو أربعین سنه- فی حرب و خصام بینه و بین أهرمن حتى هلک- . و اختلفوا فی کیفیه هلاکه- مع اتفاقهم على أنه هلک قتلا- فالأکثرون قالوا إنه قتل ابنا لأهرمن یسمى خزوره- فاستغاث أهرمن منه إلى یزدان- فلم یجد بدا من أن یقاصه به- حفظا للعهود التی بینه و بین أهرمن- فقتله بابن أهرمن- و قال قوم بل قتله أهرمن فی صراع کان بینهما- قهره فیه أهرمن و علاه و أکله- . و ذکروا فی کیفیه ذلک الصراع- أن کیومرث کان هو القاهر لأهرمن فی بادئ الحال- و أنه رکبه و جعل یطوف به فی العالم إلى أن سأله أهرمن- أی الأشیاء أخوف له و أهولها عنده فقال له باب جهنم- فلما بلغ به أهرمن إلیها جمح به حتى سقط من فوقه- و لم یستمسک فعلاه و سأله- عن أی الجهات یبتدئ به فی الأکل- فقال من جهه الرجل لأکون ناظرا إلى حسن العالم مده ما- فابتدأه أهرمن فأکله من عند رأسه- فبلغ إلى موضع الخصی و أوعیه المنی من الصلب- فقطر من کیومرث قطرتا نطفه على الأرض- فنبت منها ریباستان فی جبل بإصطخر- یعرف بجبل دام داذ- ثم ظهرت على تینک الریباستین الأعضاء البشریه- فی أول الشهر التاسع و تمت فی آخره- فتصور منهما بشران ذکر و أنثى- و هما میشى و میشانه- و هما بمنزله آدم و حواء عند الملیین- و یقال لهما أیضا ملهى و ملهیانه- و یسمیهما مجوس خوارزم مرد و مردانه-

و زعموا أنهما مکثا خمسین سنه- مستغنین عن الطعام و الشراب- متنعمین غیر متأذیین بشی‏ء- إلى أن ظهر لهما أهرمن فی صوره شیخ کبیر- فحملهما على التناول من فواکه الأشجار و أکل منها- و هما یبصرانه شیخا فعاد شابا- فأکلا منها حینئذ فوقعا فی البلایا و الشرور- و ظهر فیهما الحرص حتى تزاوجا- و ولد لهما ولد فأکلاه حرصا- ثم ألقى الله تعالى فی قلوبهما رأفه- فولد لهما بعد ذلک سته أبطن- کل بطن ذکر و أنثى- و أسماؤهم فی کتاب أپستا- و هو الکتاب الذی جاء به زرادشت- معروفه- ثم کان فی البطن السابع سیامک و فرواک فتزاوجا- فولد لهما الملک المشهور الذی لم یعرف قبله ملک- و هو أوشهنج و هو الذی خلف جده کیومرث- و عقد له التاج و جلس على السریر- و بنى مدینتی بابل و السوس- . فهذا ما یذکره المجوس فی مبدأ الخلق
تصویب الزنادقه إبلیس لامتناعه عن السجود لآدم
و کان فی المسلمین ممن یرمى بالزندقه- من یذهب إلى تصویب إبلیس فی الامتناع من السجود- و یفضله على آدم- و هو بشار بن برد المرعث- و من الشعر المنسوب إلیه-

النار مشرقه و الأرض مظلمه
و النار معبوده مذ کانت النار

و کان أبو الفتوح أحمد بن محمد الغزالی الواعظ- أخو أبی حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالی- الفقیه الشافعی- قاصا لطیفا و واعظا مفوها- و هو من خراسان من مدینه طوس- و قدم إلى بغداد و وعظ بها- و سلک فی وعظه مسلکا منکرا- لأنه کان یتعصب لإبلیس و یقول إنه سید الموحدین- و قال یوما على المنبر- من لم یتعلم التوحید من إبلیس فهو زندیق- أمر أن یسجد لغیر سیده فأبى- و لست بضارع إلا إلیکم و أما غیرکم حاشا و کلا

– . و قال مره أخرى لما قال له موسى أرنی فقال لن- قال هذا شغلک تصطفی آدم ثم تسود وجهه- و تخرجه من الجنه و تدعونی إلى الطور- ثم تشمت بی الأعداء هذا عملک بالأحباب- فکیف تصنع بالأعداء- . و قال مره أخرى و قد ذکر إبلیس على المنبر- لم یدر ذلک المسکین أن أظافیر القضاء إذا حکت أدمت- و أن قسی القدر إذا رمت أصمت-

ثم قال لسان حال آدم ینشد فی قصته و قصه إبلیس-

و کنت و لیلى فی صعود من الهوى
فلما توافینا ثبت و زلت‏

– . و قال مره أخرى التقى موسى و إبلیس عند عقبه الطور- فقال موسى یا إبلیس لم لم تسجد لآدم- فقال کلا ما کنت لأسجد لبشر- کیف أوحده ثم ألتفت إلى غیره- و لکنک أنت یا موسى سألت رؤیته ثم نظرت إلى الجبل- فأنا أصدق منک فی التوحید- .

و کان هذا النمط فی کلامه ینفق على أهل بغداد- و صار له بینهم صیت مشهور و اسم کبیر- و حکى عنه أبو الفرج بن الجوزی فی التاریخ- أنه قال على المنبر معاشر الناس- إنی کنت دائما أدعوکم إلى الله- و أنا الیوم أحذرکم منه- و الله ما شدت الزنانیر إلا فی حبه- و لا أدیت الجزیه إلا فی عشقه- . و قال أیضا إن رجلا یهودیا أدخل علیه لیسلم على یده- فقال له لا تسلم- فقال له الناس کیف تمنعه من الإسلام- فقال احملوه إلى أبی حامد یعنی أخاه لیعلمه لا- لا المنافقین- ثم قال ویحکم أ تظنون أن قوله لا إله إلا الله- منشور ولایته ذا منشور عزله- و هذا نوع تعرفه الصوفیه بالغلو و الشطح- . و یروى عن أبی یزید البسطامی منه کثیر- . و مما یتعلق بما نحن فیه ما رووه عنه من قوله-

فمن آدم فی البین
و من إبلیس لولاکا

فتنت الکل و الکل‏
مع الفتنه یهواکا

– . و یقال أول من قاس إبلیس فأخطأ فی القیاس و هلک بخطئه- و یقال إن أول حمیه و عصبیه ظهرت عصبیه إبلیس و حمیته
اختلاف الأقوال فی خلق الجنه و النار فإن قیل فما قول شیوخکم فی الجنه و النار- فإن المشهور عنهم أنهما لم یخلقا- و سیخلقان‏عند قیام الأجسام- و قد دل القرآن العزیز- و نطق کلام أمیر المؤمنین ع فی هذا الفصل- بأن آدم کان فی الجنه و أخرج منها- . قیل قد اختلف شیوخنا رحمهم الله فی هذه المسأله- فمن ذهب منهم إلى أنهما غیر مخلوقتین الآن- یقول قد ثبت بدلیل السمع أن سائر الأجسام تعدم- و لا یبقى فی الوجود إلا ذات الله تعالى- بدلیل قوله کُلُّ شَیْ‏ءٍ هالِکٌ إِلَّا وَجْهَهُ- و قوله هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ- فلما کان أولا- بمعنى أنه لا جسم فی الوجود معه فی الأزل- وجب أن یکون آخرا- بمعنى أنه لا یبقى فی الوجود- جسم من الأجسام معه فیما لا یزال- و بآیات کثیره أخرى- و إذا کان لا بد من عدم سائر الأجسام- لم یکن فی خلق الجنه و النار- قبل أوقات الجزاء فائده- لأنه لا بد أن یفنیهما مع الأجسام- التی تفنى یوم القیامه- فلا یبقى مع خلقهما من قبل معنى- و یحملون الآیات التی دلت على کون آدم ع- کان فی الجنه و أخرج منها- على بستان من بساتین الدنیا- قالوا و الهبوط لا یدل على کونهما فی السماء- لجواز أن یکون فی الأرض- إلا أنهما فی موضع مرتفع عن سائر الأرض- . و أما غیر هؤلاء من شیوخنا فقالوا- إنهما مخلوقتان الآن- و اعترفوا بأن آدم کان فی جنه الجزاء و الثواب- و قالوا لا یبعد أن یکون فی إخبار المکلفین- بوجود الجنه و النار لطف لهم فی التکلیف- و إنما یحسن الإخبار بذلک إذا کان صدقا- و إنما یکون صدقا إذا کان خبره على ما هو علیه
القول فی آدم و الملائکه أیهما أفضل

فإن قیل فما الذی یقوله شیوخکم فی آدم و الملائکه- أیهما أفضل- . قیل لا خلاف بین شیوخنا رحمهم الله- أن الملائکه أفضل من آدم و من جمیع الأنبیاءع- و لو لم یدل على ذلک إلا قوله تعالى فی هذه القصه- إِلَّا أَنْ تَکُونا مَلَکَیْنِ أَوْ تَکُونا مِنَ الْخالِدِینَ- لکفى- . و قد احتج أصحابنا أیضا بقوله تعالى- لَنْ یَسْتَنْکِفَ الْمَسِیحُ أَنْ یَکُونَ عَبْداً لِلَّهِ- وَ لَا الْمَلائِکَهُ الْمُقَرَّبُونَ- و هذا کما تقول لا یستنکف الوزیر أن یعظمنی- و یرفع من منزلتی و لا الملک أیضا- فإن هذا یقتضی کون الملک أرفع منزله من الوزیر- و کذلک قوله وَ لَا الْمَلائِکَهُ الْمُقَرَّبُونَ- یقتضی کونهم أرفع منزله من عیسى- . و مما احتجوا به قولهم- إنه تعالى لما ذکر جبریل و محمدا ع فی معرض المدح- مدح جبریل ع بأعظم مما مدح به محمدا ع- فقال إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ کَرِیمٍ ذِی قُوَّهٍ عِنْدَ ذِی الْعَرْشِ مَکِینٍ- مُطاعٍ ثَمَّ أَمِینٍ وَ ما صاحِبُکُمْ بِمَجْنُونٍ- وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِینِ وَ ما هُوَ عَلَى الْغَیْبِ بِضَنِینٍ- فالمدیح الأول لجبریل و الثانی لمحمد ع- و لا یخفى تفاوت ما بین المدحین- . فإن قیل فهل کان إبلیس من الملائکه أم من نوع آخر- قیل قد اختلف فی ذلک- فمن قال إنه من الملائکه احتج بالاستثناء فی قوله- فَسَجَدَ الْمَلائِکَهُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِیسَ- و قال إن الاستثناء من غیر الجنس خلاف الأصل- و من قال إنه لم یکن منهم احتج بقوله تعالى- إِلَّا إِبْلِیسَ کانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ- . و أجاب الأولون عن هذا فقالوا- إن الملائکه یطلق علیهم لفظ الجن- لاجتنانهم و استتارهم عن الأعین- و قالوا قد ورد ذلک فی القرآن أیضا فی قوله تعالى- وَ جَعَلُوا بَیْنَهُ‏ وَ بَیْنَ الْجِنَّهِ نَسَباً

– و الجنه هاهنا هم الملائکه- لأنهم قالوا إن الملائکه بنات الله بدلیل قوله- أَ فَأَصْفاکُمْ رَبُّکُمْ بِالْبَنِینَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِکَهِ إِناثاً- و کتب التفسیر تشتمل من هذا- على ما لا نرى الإطاله بذکره
– . فأما القطب الراوندی- فقال فی هذین الفصلین فی تفسیر ألفاظهما اللغویه- العذب من الأرض ما ینبت و السبخ ما لا ینبت- و هذا غیر صحیح لأن السبخ ینبت النخل- فیلزم أن یکون عذبا على تفسیره- . و قال فجبل منها صوره أی خلق خلقا عظیما- و لفظه جبل فی اللغه تدل على خلق- سواء کان المخلوق عظیما أو غیر عظیم- . و قال الوصول جمع وصل و هو العضو- و کل شی‏ء اتصل بشی‏ء فما بینهما وصله- و الفصول جمع فصل و هو الشی‏ء المنفصل- و ما عرفنا فی کتب اللغه أن الوصل هو العضو- و لا قیل هذا- . و قوله بعد ذلک و کل شی‏ء اتصل بشی‏ء فما بینهما وصله- لا معنى لذکره بعد ذلک التفسیر- و الصحیح أن مراده ع أظهر- من أن یتکلف له هذا التکلف- و مراده ع أن تلک الصوره ذات أعضاء متصله- کعظم الساق أو عظم الساعد- و ذات أعضاء منفصله فی الحقیقه- و إن کانت متصله بروابط خارجه عن ذواتها- کاتصال الساعد بالمرفق و اتصال الساق بالفخذ- . ثم قال یقال استخدمته لنفسی و لغیری- و اختدمته لنفسی خاصه- و هذا مما لم أعرفه و لعله نقله من کتاب- .

ثم قال و الإذعان الانقیاد و الخنوع الخضوع- و إنما کرر الخنوع بعد الإذعان- لأن الأول یفید أنهم أمروا بالخضوع له فی السجود- و الثانی یفید ثباتهم على الخضوع لتکرمته أبدا- . و لقائل أن یقول إنه لم یکرر لفظه الخنوع- و إنما ذکر أولا الإذعان و هو الانقیاد و الطاعه- و معناه أنهم سجدوا- ثم ذکر الخنوع الذی معناه الخضوع- و هو یعطی معنى غیر المعنى الأول- لأنه لیس کل ساجد خاضعا بقلبه- فقد یکون ساجدا بظاهره دون باطنه- و قول الراوندی أفاد بالثانی ثباتهم على الخضوع له- لتکرمته أبدا تفسیر لا یدل علیه اللفظ- و لا معنى الکلام- . ثم قال قبیل إبلیس نسله- قال تعالى إِنَّهُ یَراکُمْ هُوَ وَ قَبِیلُهُ- و کل جیل من الإنس و الجن قبیل- و الصحیح أن قبیله نوعه کما أن البشر قبیل کل بشری- سواء کانوا من ولده أو لم یکونوا- و قد قیل أیضا کل جماعه قبیل و إن اختلفوا- نحو أن یکون بعضهم روما و بعضهم زنجا و بعضهم عربا- و قوله تعالى إِنَّهُ یَراکُمْ هُوَ وَ قَبِیلُهُ- لا یدل على أنهم نسله- . و قوله بعد و کل جیل من الإنس و الجن قبیل- ینقض دعواه أن قبیله لا یکون إلا نسله- . ثم تکلم فی المعانی فقال- إن القیاس الذی قاسه إبلیس کان باطلا- لأنه ادعى أن النار أشرف من الأرض- و الأمر بالعکس لأن کل ما یدخل إلى النار ینقص- و کل ما یدخل التراب یزید و هذا عجیب- فإنا نرى الحیوانات المیته- إذا دفنت فی الأرض تنقص أجسامها- و کذلک الأشجار المدفونه فی الأرض- على أن التحقیق أن المحترق بالنار و البالی بالتراب- لم تعدم أجزاؤه و لا بعضها- و إنما استحالت إلى صور أخرى- .

ثم قال و لما علمنا أن تقدیم المفضول على الفاضل قبیح- علمنا أن آدم کان أفضل من الملائکه- فی ذلک الوقت و فیما بعده- . و لقائل أن یقول- أ لیس قد سجد یعقوب لیوسف ع- أ فیدل ذلک على أن یوسف أفضل من یعقوب- و لا یقال إن قوله تعالى- وَ رَفَعَ أَبَوَیْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً- لا یدل على سجود الوالدین- فلعل الضمیر یرجع إلى الإخوه خاصه- لأنا نقول هذا الاحتمال مدفوع بقوله- وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَیْتُهُمْ لِی ساجِدِینَ- و هو کنایه عن الوالدین- . و أیضا قد بینا أن السجود إنما کان لله سبحانه- و أن آدم کان قبله- و القبله لا تکون أفضل من الساجد إلیها- أ لا ترى أن الکعبه لیست أفضل من النبی ع:

وَ اصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِیَاءَ- أَخَذَ عَلَى الْوَحْیِ مِیثَاقَهُمْ- وَ عَلَى تَبْلِیغِ الرِّسَالَهِ أَمَانَتَهُمْ- لَمَّا بَدَّلَ أَکْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللَّهِ إِلَیْهِمْ- فَجَهِلُوا حَقَّهُ وَ اتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ مَعَهُ- وَ اجْتَالَتْهُمُ الشَّیَاطِینُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ- وَ اقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ فَبَعَثَ فِیهِمْ رُسُلَهُ- وَ وَاتَرَ إِلَیْهِمْ أَنْبِیَاءَهُ لِیَسْتَأْدُوهُمْ مِیثَاقَ فِطْرَتِهِ- وَ یُذَکِّرُوهُمْ مَنْسِیَّ نِعْمَتِهِ- وَ یَحْتَجُّوا عَلَیْهِمْ بِالتَّبْلِیغِ- وَ یُثِیرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ- وَ یُرُوهُمْ آیَاتِ الْمَقْدِرَهِ- مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَ مِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ- وَ مَعَایِشَ تُحْیِیهِمْ وَ آجَالٍ تُفْنِیهِمْ وَ أَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ- وَ أَحْدَاثٍ تَتَتَابَعُ عَلَیْهِمْ- وَ لَمْ یُخْلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِیٍّ مُرْسَلٍ- أَوْ کِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّهٍ لَازِمَهٍأَوْ مَحَجَّهٍ قَائِمَهٍ- رُسُلٌ لَا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّهُ عَدَدِهِمْ- وَ لَا کَثْرَهُ الْمُکَذِّبِینَ لَهُمْ- مِنْ سَابِقٍ سُمِّیَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ

اجتالتهم الشیاطین أدارتهم- تقول اجتال فلان فلانا- و اجتاله عن کذا و على کذا أی أداره علیه- کأنه یصرفه تاره هکذا و تاره هکذا- یحسن له فعله و یغریه به- . و قال الراوندی اجتالتهم عدلت بهم و لیس بشی‏ء- . و قوله ع واتر إلیهم أنبیاءه- أی بعثهم و بین کل نبیین فتره- و هذا مما تغلط فیه العامه فتظنه کما ظن الراوندی- أن المراد به المرادفه و المتابعه- و الأوصاب الأمراض و الغابر الباقی- . و یسأل فی هذا الفصل عن أشیاء- منها عن قوله ع أخذ على الوحی میثاقهم- . و الجواب أن المراد أخذ على أداء الوحی میثاقهم- و ذلک أن کل رسول أرسل فمأخوذ علیه أداء الرساله- کقوله تعالى یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ- وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ- . و منها أن یقال ما معنى قوله ع لیستأدوهم میثاق فطرته- هل هذاإشاره إلى ما یقوله أهل الحدیث- فی تفسیر قوله تعالى وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ- مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ- وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلى‏- . و الجواب أنه لا حاجه فی تفسیر هذه اللفظه- إلى تصحیح ذلک الخبر- و مراده ع بهذا اللفظ- أنه لما کانت المعرفه به تعالى و أدله التوحید و العدل- مرکوزه فی العقول- أرسل سبحانه الأنبیاء أو بعضهم- لیؤکدوا ذلک المرکوز فی العقول- و هذه هی الفطره المشار إلیها بقوله ع کل مولود یولد على الفطره

– . و منها أن یقال إلى ما ذا یشیر بقوله أو حجه لازمه- هل هو إشاره إلى ما یقوله الإمامیه- من أنه لا بد فی کل زمان من وجود إمام معصوم- . الجواب أنهم یفسرون هذه اللفظه بذلک- و یمکن أن یکون المراد بها حجه العقل- . و أما القطب الراوندی فقال فی قوله ع- و اصطفى سبحانه من ولده أنبیاء- الولد یقال على الواحد و الجمع لأنه مصدر فی الأصل- و لیس بصحیح لأن الماضی فعل بالفتح- و المفتوح لا یأتی مصدره بالفتح- و لکن فعلا مصدر فعل بالکسر- کقولک ولهت علیه ولها و وحمت المرأه وحما- . ثم قال إن الله تعالى بعث یونس قبل نوح- و هذا خلاف إجماع المفسرین و أصحاب السیر- . ثم قال و کل واحد من الرسل و الأئمه کان یقوم بالأمر- و لا یردعه عن ذلک قله عدد أولیائه و لا کثره عدد أعدائه- فیقال له هذا خلاف قولک فی الأئمه المعصومین- فإنک تجیز علیهم التقیه و ترک القیام بالأمر- إذا کثرت أعداؤهم- . و قال فی تفسیر قوله ع- من سابق سمی له من بعده أو غابر عرفه‏ من قبله- کان من ألطاف الأنبیاء المتقدمین و أوصیائهم- أن یعرفوا الأنبیاء المتأخرین و أوصیاءهم- فعرفهم الله تعالى ذلک- و کان من اللطف بالمتأخرین و أوصیائهم- أن یعرفوا أحوال المتقدمین من الأنبیاء و الأوصیاء- فعرفهم الله تعالى ذلک أیضا فتم اللطف لجمیعهم- . و لقائل أن یقول لو کان ع قال- أو غابر عرف من قبله- لکان هذا التفسیر مطابقا- و لکنه ع لم یقل ذلک- و إنما قال عرفه من قبله- و لیس هذا التفسیر مطابقا لقوله عرفه- و الصحیح أن المراد به- من نبی سابق عرف من یأتی بعده من الأنبیاء- أی عرفه الله تعالى ذلک- أو نبی غابر نص علیه من قبله- و بشر به کبشاره الأنبیاء بمحمد ع:

عَلَى ذَلِکَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ وَ مَضَتِ الدُّهُورُ- وَ سَلَفَتِ الآْبَاءُ وَ خَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ- إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً ص- لِإِنْجَازِ عِدَتِهِ وَ إِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ- مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِیِّینَ مِیثَاقُهُ- مَشْهُورَهً سِمَاتُهُ کَرِیماً مِیلَادُهُ- وَ أَهْلُ الْأَرْضِ یَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَهٌ- وَ أَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَهٌ وَ طَرَائِقُ مُتَشَتِّتَهٌ- بَیْنَ مُشَبِّهٍ لِلَّهِ بِخَلْقِهِ أَوْ مُلْحِدٍ فِی اسْمِهِ- أَوْ مُشِیرٍ إِلَى غَیْرِهِ- فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَهِ وَ أَنْقَذَهُمْ بِمَکَانِهِ مِنَ الْجَهَالَهِ- ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّدٍ ص لِقَاءَهُ- وَ رَضِیَ لَهُ مَا عِنْدَهُ وَ أَکْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْیَا- وَ رَغِبَ بِهِ عَنْ مَقَامِ الْبَلْوَى- فَقَبَضَهُ إِلَیْهِ کَرِیماً- وَ خَلَّفَ فِیکُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِیَاءُ فِی أُمَمِهَا- إِذْ لَمْ یَتْرُکُوهُمْ هَمَلًا بِغَیْرِ طَرِیقٍ وَاضِحٍ‏ وَ لَا عَلَمٍ قَائِمٍ- کِتَابَ رَبِّکُمْ مُبَیِّناً حَلَالَهُ وَ حَرَامَهُ- وَ فَرَائِضَهُ وَ فَضَائِلَهُ وَ نَاسِخَهُ وَ مَنْسُوخَهُ- وَ رُخَصَهُ وَ عَزَائِمَهُ وَ خَاصَّهُ وَ عَامَّهُ- وَ عِبَرَهُ وَ أَمْثَالَهُ وَ مُرْسَلَهُ وَ مَحْدُودَهُ- وَ مُحْکَمَهُ وَ مُتَشَابِهَهُ مُفَسِّراً جُمَلَهُ وَ مُبَیِّناً غَوَامِضَهُ- بَیْنَ مَأْخُوذٍ مِیثَاقُ عِلْمِهِ وَ مُوَسَّعٍ عَلَى الْعِبَادِ فِی جَهْلِهِ- وَ بَیْنَ مُثْبَتٍ فِی الْکِتَابِ فَرْضُهُ- وَ مَعْلُومٍ فِی السُّنَّهِ نَسْخُهُ- وَ وَاجِبٍ فِی السُّنَّهِ أَخْذُهُ- وَ مُرَخَّصٍ فِی الْکِتَابِ تَرْکُهُ- وَ بَیْنَ وَاجِبٍ لِوَقْتِهِ وَ زَائِلٍ فِی مُسْتَقْبَلِهِ- وَ مُبَایَنٌ بَیْنَ مَحَارِمِهِ مِنْ کَبِیرٍ أَوْعَدَ عَلَیْهِ نِیرَانَهُ- أَوْ صَغِیرٍ أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ- وَ بَیْنَ مَقْبُولٍ فِی أَدْنَاهُ وَ مُوَسَّعٍ فِی أَقْصَاهُ قوله ع

نسلت القرون ولدت- و الهاء فی قوله لإنجاز عدته- راجعه إلى البارئ سبحانه- و الهاء فی قوله و إتمام نبوته- راجعه إلى محمد ص- و قوله مأخوذ على النبیین میثاقه- قیل لم یکن نبی قط إلا و بشر بمبعث محمد ص- و أخذ علیه تعظیمه و إن کان بعد لم یوجد- . فأما قوله و أهل الأرض یومئذ ملل متفرقه- فإن العلماء یذکرون أن النبی ص بعث- و الناس أصناف شتى فی أدیانهم- یهود و نصارى و مجوس- و صائبون و عبده أصنام و فلاسفه و زنادقه.

القول فی أدیان العرب فی الجاهلیه

فأما الأمه التی بعث محمد ص فیها فهم العرب- و کانوا أصنافا شتى‏فمنهم معطله و منهم غیر معطله- فأما المعطله منهم- فبعضهم أنکر الخالق و البعث و الإعاده- و قالوا ما قال القرآن العزیز عنهم- ما هِیَ إِلَّا حَیاتُنَا الدُّنْیا نَمُوتُ وَ نَحْیا- وَ ما یُهْلِکُنا إِلَّا الدَّهْرُ- فجعلوا الجامع لهم الطبع و المهلک لهم الدهر- و بعضهم اعترف بالخالق سبحانه و أنکر البعث- و هم الذین أخبر سبحانه عنهم بقوله- قالَ مَنْ یُحْیِ الْعِظامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ- و منهم من أقر بالخالق و نوع من الإعاده- و أنکروا الرسل و عبدوا الأصنام- و زعموا أنها شفعاء عند الله فی الآخره- و حجوا لها و نحروا لها الهدی- و قربوا لها القربان و حللوا و حرموا- و هم جمهور العرب و هم الذین قال الله تعالى عنهم- وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ- یَأْکُلُ الطَّعامَ وَ یَمْشِی فِی الْأَسْواقِ- . فممن نطق شعره بإنکار البعث بعضهم یرثی قتلى بدر-

فما ذا بالقلیب قلیب بدر
من الفتیان و القوم الکرام‏

و ما ذا بالقلیب قلیب بدر
من الشیزى تکلل بالسنام‏

أ یخبرنا ابن کبشه أن سنحی
ا و کیف حیاه أصداء وهام‏

إذا ما الرأس زال بمنکبیه‏
فقد شبع الأنیس من الطعام‏

أ یقتلنی إذا ما کنت حیا
و یحیینی إذ رمت عظامی‏
أ یقتلنی إذا ما کنت حیا و یحیینی إذ رمت عظامی‏ و کان من العرب من یعتقد التناسخ- و تنقل الأرواح فی الأجساد- و من هؤلاء أرباب الهامه التی قال ع عنهم لا عدوى و لا هامه و لا صفر – و قال ذو الإصبع

  یا عمرو إلا تدع شتمی و منقصتی
أضربک حیث تقول الهامه اسقونی‏

– . و قالوا إن لیلى الأخیلیه لما سلمت على قبر توبه بن الحمیر- خرج إلیها هامه من القبر صائحه- أفزعت ناقتها فوقصت بها فماتت- و کان ذلک تصدیق قوله-

و لو أن لیلى الأخیلیه سلمت
علی و دونی جندل و صفائح‏

لسلمت تسلیم البشاشه أو زقا
إلیها صدى من جانب القبر صائح

– . و کان توبه و لیلى فی أیام بنی أمیه- . و کانوا فی عباده الأصنام مختلفین- فمنهم من یجعلها مشارکه للبارئ تعالى- و یطلق علیها لفظه الشریک- و من ذلک قولهم فی التلبیه لبیک اللهم لبیک- لا شریک لک إلا شریکا هو لک تملکه و ما ملک- و منهم من لا یطلق علیها لفظ الشریک- و یجعلها وسائل و ذرائع إلى الخالق سبحانه- و هم الذین قالوا ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِیُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى‏- . و کان فی العرب مشبهه و مجسمه- منهم أمیه بن أبی الصلت و هو القائل-

من فوق عرش جالس قد حط
رجلیه إلى کرسیه المنصوب‏

– . و کان جمهورهم عبده الأصنام- فکان ود لکلب بدومه الجندل- و سواع لهذیل‏ و نسر لحمیر- و یغوث لهمدان و اللات لثقیف بالطائف- و العزى لکنانه و قریش و بعض بنی سلیم- و مناه لغسان و الأوس و الخزرج- و کان هبل لقریش خاصه على ظهر الکعبه- و أساف و نائله على الصفا و المروه- و کان فی العرب من یمیل إلى الیهودیه- منهم جماعه من التبابعه و ملوک الیمن- و منهم نصارى کبنی تغلب- و العبادیین رهط عدی بن زید و نصارى نجران- و منهم من کان یمیل إلى الصابئه- و یقول بالنجوم و الأنواء- . فأما الذین لیسوا بمعطله من العرب فالقلیل منهم- و هم المتألهون أصحاب الورع و التحرج عن القبائح- کعبد الله و عبد المطلب و ابنه أبی طالب- و زید بن عمرو بن نفیل و قس بن ساعده الإیادی- و عامر بن الظرب العدوانی و جماعه غیر هؤلاء- . و غرضنا من هذا الفصل بیان قوله ع- بین مشبه لله بخلقه أو ملحد فی اسمه- إلى غیر ذلک و قد ظهر بما شرحناه

– . ثم ذکر ع أن محمدا ص خلف فی الأمه بعده- کتاب الله تعالى طریقا واضحا و علما قائما- و العلم المنار یهتدى به- . ثم قسم ما بینه ع فی الکتاب أقساما- فمنها حلاله و حرامه- فالحلال کالنکاح و الحرام کالزنا- . و منها فضائله و فرائضه فالفضائل النوافل- أی هی فضله غیر واجبه کرکعتی الصبح و غیرهما- و الفرائض کفریضه الصبح- . و قال الراوندی الفضائل هاهنا جمع فضیله- و هی الدرجه الرفیعه و لیس بصحیح- أ لا تراه کیف جعل الفرائض فی مقابلتها و قسیما لها- فدل ذلک على أنه أراد النوافل- .

و منها ناسخه و منسوخه- فالناسخ کقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ- و المنسوخ کقوله لا إِکْراهَ فِی الدِّینِ- . و منها رخصه و عزائمه- فالرخص کقوله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ فِی مَخْمَصَهٍ- و العزائم کقوله فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ- . و منها خاصه و عامه فالخاص کقوله تعالى- وَ امْرَأَهً مُؤْمِنَهً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِیِّ- و العام کالألفاظ الداله على الأحکام العامه- لسائر المکلفین- کقوله وَ أَقِیمُوا الصَّلاهَ- و یمکن أن یراد بالخاص العمومات- التی یراد بها الخصوص- کقوله وَ أُوتِیَتْ مِنْ کُلِّ شَیْ‏ءٍ- و بالعام ما لیس مخصوصا بل هو على عمومه- کقوله تعالى وَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْ‏ءٍ عَلِیمٌ- . و منها عبره و أمثاله فالعبر کقصه أصحاب الفیل- و کالآیات التی تتضمن النکال و العذاب النازل- بأمم الأنبیاء من قبل- و الأمثال کقوله کَمَثَلِ الَّذِی اسْتَوْقَدَ ناراً- . و منها مرسله و محدوده و هو عباره عن المطلق و المقید- و سمی المقید محدودا و هی لفظه فصیحه جدا- کقوله فَتَحْرِیرُ رَقَبَهٍ- و قال فی موضع آخر وَ تَحْرِیرُ رَقَبَهٍ مُؤْمِنَهٍ- و منها محکمه و متشابهه- فمحکمه کقوله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ- و المتشابه کقوله إِلى‏ رَبِّها ناظِرَهٌ- . ثم قسم ع الکتاب قسمه ثانیه- فقال إن منه ما لا یسع أحدا جهله-

و منه ما یسع الناس جهله- مثال الأول قوله اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ- و مثال الثانی کهیعص حم عسق- . ثم قال و منه ما حکمه مذکور فی الکتاب منسوخ بالسنه- و ما حکمه مذکور فی السنه منسوخ بالکتاب- مثال الأول قوله تعالى- فَأَمْسِکُوهُنَّ فِی الْبُیُوتِ حَتَّى یَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ- نسخ بما سنه ع من رجم الزانی المحصن- و مثال الثانی صوم یوم عاشوراء کان واجبا بالسنه- ثم نسخه صوم شهر رمضان الواجب بنص الکتاب- . ثم قال و بین واجب بوقته و زائل فی مستقبله- یرید الواجبات الموقته کصلاه الجمعه- فإنها تجب فی وقت مخصوص- و یسقط وجوبها فی مستقبل ذلک الوقت- . ثم قال ع و مباین بین محارمه- الواجب أن یکون و مباین بالرفع لا بالجر- فإنه لیس معطوفا على ما قبله- أ لا ترى أن جمیع ما قبله یستدعی الشی‏ء و ضده- أو الشی‏ء و نقیضه- و قوله و مباین بین محارمه لا نقیض و لا ضد له- لأنه لیس القرآن العزیز على قسمین- أحدهما مباین بین محارمه و الآخر غیر مباین- فإن ذلک لا یجوز فوجب رفع مباین- و أن یکون خبر مبتدأ محذوف- ثم فسر ما معنى المباینه بین محارمه- فقال إن محارمه تنقسم إلى کبیره و صغیره- فالکبیره أوعد سبحانه علیها بالعقاب- و الصغیره مغفوره- و هذا نص مذهب المعتزله فی الوعید- . ثم عدل ع عن تقسیم المحارم المتباینه- و رجع إلى تقسیم الکتاب- فقال و بین مقبول فی أدناه و موسع فی أقصاه- کقوله فَاقْرَؤُا ما تَیَسَّرَ مِنْهُ- . فإن القلیل من القرآن مقبول- و الکثیر منه موسع مرخص فی ترکه‏

: وَ فَرَضَ عَلَیْکُمْ حَجَّ بَیْتِهِ الْحَرَامِ- الَّذِی جَعَلَهُ قِبْلَهً لِلْأَنَامِ- یَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ وَ یَوْلَهُونَ إِلَیْهِ وَلَهَ الْحَمَامِ- وَ جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلَامَهً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ- وَ إِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ- وَ اخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَیْهِ دَعْوَتَهُ- وَ صَدَّقُوا کَلِمَتَهُ وَ وَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِیَائِهِ- وَ تَشَبَّهُوا بِمَلَائِکَتِهِ الْمُطِیفِینَ بِعَرْشِهِ- یُحْرِزُونَ الْأَرْبَاحَ فِی مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ- وَ یَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ- جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى لِلْإِسْلَامِ عَلَماً- وَ لِلْعَائِذِینَ حَرَماً وَ فَرَضَ حَقَّهُ وَ أَوْجَبَ حَجَّهُ- وَ کَتَبَ عَلَیْهِ وِفَادَتَهُ- فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلًا- وَ مَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ الْعالَمِینَ

الوله شده الوجد حتى یکاد العقل یذهب- وله الرجل یوله ولها- و من روى یألهون إلیه ولوه الحمام- فسره بشی‏ء آخر و هو یعکفون علیه عکوف الحمام- و أصل أله عبد و منه الإله أی المعبود- و لما کان العکوف على الشی‏ء کالعباده له- لملازمته و الانقطاع إلیه- قیل أله فلان إلى کذا أی عکف علیه کأنه یعبده- و لا یجوز أن یقال یألهون إلیه فی هذا الموضع- بمعنى یولهون- و أن أصل الهمزه الواو
کما فسره الراوندی- لأن فعولا لا یجوز أن یکون مصدرا- من فعلت بالکسر- و لو کان یألهون هو یولهون- کان أصله أله بالکسر- فلم یجز أن یقول ولوه الحمام- و أما على ما فسرناه نحن- فلا یمتنع أن یکون الولوه مصدرا- لأن أله مفتوح فصار کقولک دخل دخولا- و باقی الفصل غنی عن التفسیر

فصل فی فضل البیت و الکعبه

جاء فی الخبر الصحیح أن فی السماء بیتا- یطوف به الملائکه طواف البشر بهذا البیت- اسمه الضراح- و أن هذا البیت تحته على خط مستقیم- و أنه المراد بقوله تعالى وَ الْبَیْتِ الْمَعْمُورِ- أقسم سبحانه به لشرفه و منزلته عنده-
و فی الحدیث أن آدم لما قضى مناسکه- و طاف بالبیت لقیته الملائکه فقالت یا آدم- لقد حججنا هذا البیت قبلک بألفی عام
قال مجاهد- إن الحاج إذا قدموا مکه استقبلتهم الملائکه- فسلموا على رکبان الإبل- و صافحوا رکبان الحمیر و اعتنقوا المشاه اعتناقا- . من سنه السلف أن یستقبلوا الحاج- و یقبلوا بین أعینهم و یسألوهم الدعاء لهم- و یبادروا ذلک قبل أن یتدنسوا بالذنوب و الآثام- .
و فی الحدیث أن الله تعالى قد وعد هذا البیت- أن یحجه فی کل سنه ستمائه ألف- فإن نقصوا أتمهم الله بالملائکه- و أن الکعبه تحشر کالعروس المزفوفه- و کل من حجها متعلق بأستارها یسعون حولها- حتى تدخل الجنه فیدخلون معها و فی الحدیث أن من الذنوب ذنوبا لا یکفرها إلا الوقوف بعرفه- و فیه أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفه- فظن أن الله لا یغفر له – . عمر بن ذر الهمدانی- لما قضى مناسکه أسند ظهره إلى الکعبه- و قال مودعا للبیت- ما زلنا نحل إلیک عروه و نشد إلیک أخرى- و نصعد لک أکمه و نهبط أخرى- و تخفضنا أرض و ترفعنا أخرى حتى أتیناک- فلیت شعری بم یکون منصرفنا- أ بذنب مغفور فأعظم بها من نعمه- أم بعمل مردود فأعظم بها من مصیبه- فیا من له خرجنا و إلیه‏ قصدنا و بحرمه أنخنا ارحم- یا معطی الوفد بفنائک فقد أتیناک بها معراه جلودها- ذابله أسنمتها نقبه أخفافها- و إن أعظم الرزیه أن نرجع و قد اکتنفتنا الخیبه- اللهم و إن للزائرین حقا فاجعل حقنا علیک غفران ذنوبنا- فإنک جواد کریم ماجد لا ینقصک نائل و لا یبخلک سائل- . ابن جریج- ما ظننت أن الله ینفع أحدا بشعر عمر بن أبی ربیعه- حتى کنت بالیمن فسمعت منشدا ینشد قوله-
بالله قولا له فی غیر معتبه
ما ذا أردت بطول المکث فی الیمن‏

إن کنت حاولت دنیا أو ظفرت بها
فما أخذت بترک الحج من ثمن‏

– . فحرکنی ذلک على ترک الیمن و الخروج إلى مکه- فخرجت فحججت- . سمع أبو حازم امرأه حاجه ترفث فی کلامها- فقال یا أمه الله أ لست حاجه- أ لا تتقین الله فسفرت عن وجه صبیح- ثم قالت له أنا من اللواتی قال فیهن العرجی-

أماطت کساء الخز عن حر وجهها
و ردت على الخدین بردا مهلهلا

من اللاء لم یحججن یبغین حسبه
و لکن لیقتلن البری‏ء المغفلا

– . فقال أبو حازم- فأنا أسأل الله ألا یعذب هذا الوجه بالنار- فبلغ ذلک سعید بن المسیب فقال رحم الله أبا حازم- لو کان من عباد العراق- لقال لها اعزبی یا عدوه الله- و لکنه ظرف نساک الحجاز

فصل فی الکلام على السجع

و اعلم أن قوما من أرباب علم البیان عابوا السجع- و أدخلوا خطب أمیر المؤمنین ع فی جمله ما عابوه- لأنه یقصد فیها السجع- و قالوا إن الخطب الخالیه من السجع- و القرائن و الفواصل- هی خطب العرب- و هی المستحسنه الخالیه من التکلف- کخطبه النبی ص فی حجه الوداع و هی الحمد لله نحمده و نستعینه و نستغفره و نتوب إلیه- و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سیئات أعمالنا- من یهد الله فلا مضل له و من یضلل الله فلا هادی له- و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له- و أشهد أن محمدا عبده و رسوله- أوصیکم عباد الله بتقوى الله- و أحثکم على العمل بطاعته- و أستفتح الله بالذی هو خیر- أما بعد أیها الناس اسمعوا منی أبین لکم- فإنی لا أدری لعلی لا ألقاکم بعد عامی هذا- فی موقفی هذا- أیها الناس إن دماءکم و أموالکم علیکم حرام- إلى أن تلقوا ربکم- کحرمه یومکم هذا فی شهرکم هذا فی بلدکم هذا- ألا أ هل بلغت اللهم اشهد- من کانت عنده أمانه فلیؤدها إلى من ائتمنه علیها- و إن ربا الجاهلیه موضوع- و أول ربا أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلب- و إن دماء الجاهلیه موضوعه- و أول دم أبدأ به- دم آدم بن ربیعه بن الحارث بن عبد المطلب- و إن مآثر الجاهلیه موضوعه غیرالسدانه و السقایه- و العمد قود- و شبه العمد ما قتل بالعصا و الحجر فیه مائه بعیر- فمن ازداد فهو من الجاهلیه- أیها الناس إن الشیطان قد یئس أن یعبد بأرضکم هذه- و لکنه قد رضی أن یطاع فیما سوى ذلک- فیما تحتقرون من أعمالکم- أیها الناس إنما النسی‏ء زیاده فی الکفر- یضل به الذین کفروا یحلونه عاما و یحرمونه عاما- و إن الزمان قد استدار- کهیئته یوم خلق الله السموات و الأرض- و إن عده الشهور عند الله اثنا عشر شهرا- فی کتاب الله یوم خلق السموات و الأرض- منها أربعه حرم ثلاثه متوالیات و واحد فرد- ذو القعده و ذو الحجه و محرم و رجب- الذی بین جمادى و شعبان- ألا هل بلغت- أیها الناس إن لنسائکم علیکم حقا و لکم علیهن حقا- فعلیهن ألا یوطئن فرشکم غیرکم- و لا یدخلن بیوتکم أحدا تکرهونه إلا بإذنکم- و لا یأتین بفاحشه- فإن فعلن فقد أذن لکم- أن تهجروهن فی المضاجع و تضربوهن- فإن انتهین و أطعنکم- فعلیکم کسوتهن و رزقهن بالمعروف- فإنما النساء عندکم عوان- لا یملکن لأنفسهن شیئا- أخذتموهن بأمانه الله- و استحللتم فروجهن بکلمه الله- فاتقوا الله فی النساء و استوصوا بهن خیرا-

أیها الناس إنما المؤمنون إخوه- و لا یحل لامرئ مال أخیه إلا على طیب نفس- ألا هل بلغت اللهم اشهد- ألا لا ترجعوا بعدی کفارا یضرب بعضکم رقاب بعض- فإنی قد ترکت فیکم ما إن أخذتم به لم تضلوا- کتاب الله ربکم- ألا هل بلغت اللهم اشهد- أیها الناس إن ربکم واحد و إن أباکم واحد- کلکم لآدم و آدم من تراب- إن أکرمکم عند الله أتقاکم- و لیس لعربی على عجمی فضل إلا بالتقوى- ألا فلیبلغ الشاهد الغائب- أیها الناس إن الله قسم لکل وارث نصیبه من المیراث- و لا تجوز وصیه فی أکثر من الثلث- و الولد للفراش و للعاهر الحجر- من ادعى إلى غیر أبیه أو تولى غیر موالیه فهو ملعون- لا یقبل الله منه صرفا و لا عدلا- و السلام علیکم و رحمه الله علیکم
– . و اعلم أن السجع لو کان عیبا- لکان کلام الله سبحانه معیبا لأنه مسجوع- کله ذو فواصل و قرائن- و یکفی هذا القدر وحده مبطلا لمذهب هؤلاء- فأما خطبه رسول الله ص هذه- فإنها و إن لم تکن ذات سجع- فإن أکثر خطبه مسجوع-
کقوله إن مع العز ذلا و إن مع الحیاه موتا- و إن مع الدنیا آخره و إن لکل شی‏ء حسابا- و لکل حسنه ثوابا و لکل سیئه عقابا- و إن على کل شی‏ء رقیبا- و إنه لا بد لک من قرین یدفن معک- هو حی و أنت میت- فإن کان کریما أکرمک و إن کان لئیما أسلمک- ثم لا یحشر إلا معک و لا تبعث إلا معه و لا تسأل إلا عنه- فلا تجعله إلا صالحا فإنه إن صلح أنست به- و إن فسد لم تستوحش إلا منه و هو عملک
– . فأکثر هذا الکلام مسجوع کما تراه- و کذلک خطبه الطوال کلها- و أما کلامه‏ القصیر فإنه غیر مسجوع- لأنه لا یحتمل السجع- و کذلک القصیر من کلام أمیر المؤمنین ع- . فأما قولهم إن السجع یدل على التکلف- فإن المذموم هو التکلف الذی تظهر سماجته- و ثقله للسامعین- فأما التکلف المستحسن فأی عیب فیه- أ لا ترى أن الشعر نفسه لا بد فیه من تکلف إقامه الوزن- و لیس لطاعن أن یطعن فیه بذلک- . و احتج عائبو السجع بقوله ع لبعضهم منکرا علیه- أ سجعا کسجع الکهان- و لو لا أن السجع منکر لما أنکر ع سجع الکهان و أمثاله- فیقال لهم إنما أنکر ع السجع الذی یسجع الکهان أمثاله- لا السجع على الإطلاق- و صوره الواقعه أنه ع أمر فی الجنین بغره- فقال قائل أ أدی من لا شرب و لا أکل- و لا نطق و لا استهل- و مثل هذا یطل فأنکر ع ذلک- لأن الکهان کانوا یحکمون فی الجاهلیه- بألفاظ مسجوعه- کقولهم حبه بر فی إحلیل مهر- و قولهم عبد المسیح على جمل مشیح- لرؤیا الموبذان و ارتجاس الإیوان- و نحو ذلک من کلامهم- و کان ع قد أبطل الکهانه و التنجیم و السحر و نهى عنها- فلما سمع کلام ذلک القائل أعاد الإنکار- و مراده به تأکید تحریم العمل على أقوال الکهنه- و لو کان ع قد أنکر السجع لما قاله- و قد بینا أن کثیرا من کلامه مسجوع و ذکرنا خطبته- . و من کلامه ع المسجوع-
خبر ابن مسعود رحمه الله تعالى قال قال رسول الله ص استحیوا من الله حق الحیاء- فقلنا إنا لنستحیی یا رسول الله من الله تعالى- فقال لیس ذلک ما أمرتکم به- و إنما الاستحیاء من الله أن تحفظ الرأس‏

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی‏ الحدید)، ج ۱ ، صفحه‏ى ۱۳۰

و ما وعى- و البطن و ما حوى و تذکر الموت و البلى- و من أراد الآخره ترک زینه الحیاه الدنیا
– . و من ذلک
کلامه المشهور لما قدم المدینه ع أول قدومه إلیها أیها الناس أفشوا السلام و أطعموا الطعام- و صلوا الأرحام و صلوا باللیل و الناس نیام- تدخلوا الجنه بسلام
و عوذ الحسن ع- فقال أعیذک من الهامه و السامه و کل عین لامه
– و إنما أراد ملمه فقال لامه لأجل السجع- . و کذلک
قوله ارجعن مأزورات غیر مأجورات
– و إنما هو موزورات بالواو

شرح‏ نهج ‏البلاغه(ابن ‏أبی‏ الحدید)، ج ۱ ، صفحه‏ى۵۳- ۱۳۰

 

بازدیدها: ۲۳۱