نامه 1 صبحی صالح
باب المختار من كتب مولانا أمير المؤمنين علي ( عليه السلام )، و رسائله إلى أعدائه و أمراء بلاده، و يدخل في ذلك ما اختير من عهوده إلى عماله، و وصاياه لأهله و أصحابه.
1- و من كتاب له ( عليه السلام ) إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ جَبْهَةِ الْأَنْصَارِ وَ سَنَامِ الْعَرَبِ
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ حَتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ كَعِيَانِهِ إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ فَكُنْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ وَ أُقِلُّ عِتَابَهُ وَ كَانَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ أَهْوَنُ سَيْرِهِمَا فِيهِ الْوَجِيفُ وَ أَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِيفُ
وَ كَانَ مِنْ عَائِشَةَ فِيهِ فَلْتَةُ غَضَبٍ فَأُتِيحَ لَهُ قَوْمٌ فَقَتَلُوهُ وَ بَايَعَنِي النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ وَ لَا مُجْبَرِينَ بَلْ طَائِعِينَ مُخَيَّرِينَ
وَ اعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الْهِجْرَةِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَ قَلَعُوا بِهَا وَ جَاشَتْ جَيْشَ الْمِرْجَلِ وَ قَامَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى الْقُطْبِ فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ وَ بَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج16
باب المختار من كتب مولينا أمير المؤمنين عليه السلام و رسائله إلى أعدائه و امراء بلاده، و يدخل في ذلك ما اختير من عهوده عليه السلام إلى عماله و وصاياه لأهله و أصحابه.
من كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره اليهم من المدينة الى البصرة و هو الكتاب الأول من المختار من كتبه عليه السلام.
من عبد الله على أمير المؤمنين إلى الكوفة جبهة الأنصار و سنام العرب أما بعد فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه:إن الناس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه و أقل عتابه و كان طلحة و الزبير أهون سيرهما فيه الوجيف، و أرفق حدائهما العنيف، و كان من عائشة فيه فلتة غضب فاتيح له قوم فقتلوه، و بايعني الناس غير مستكرهين و لا مجبرين، بل طائعين مخيرين. و اعلموا أن دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها، و جاشت جيش المرجل و قامت الفتنة على القطب، فأسرعوا إلى أميركم و بادروا جهاد عدوكم إنشاء الله.
اللغة
قول الرضي رضوان الله عليه: عهوده إلى عماله يقال: عهد إلى فلان أوصاه و شرط عليه، قال الجوهري في الصحاح: العهد: الأمان، و اليمين، و الموثق، و الذمة، و الحفاظ، و الوصية و قد عهدت إليه أى أوصيته و منه اشتق العهد الذي يكتب للولاة. و في المنجد: العهد ما يكتبه ولي الأمر للولاة يأمرهم فيه باجراء العدالة و كان يعرف بالفرمان و الجمع عهود. و الوصايا جمع الوصية كغنية بمعنى النصيحة و يقال بالفارسية: اندرز، و هو اسم من الإيصاء: و بمعنى ما يعهده الإنسان بعد وفاته من وصى يصى إذا وصل الشيء بغيره لأن الموصي يوصل تصرفه بعد الموت بما قبله و الأخير هو المقرر في كتب الفقه و في هذا الباب يذكر وصاياه عليه السلام على كل واحد من المعنيين.
قوله عليه السلام: (جبهة) الجبهة للناس و غيره معروفة و هي ما بين الحاجبين إلى قصاص مقدم الرأس أى موضع السجود من الرأس و لذا سمي المنزل العاشر من من منازل القمر جبهة لأن كواكبها الأربع كالجبهة للكواكب الموسومة بالأسد و يقال: جبهة الأسد لذلك. في الصحاح و اللسان، الجبهة من الناس بالفتح: الجماعة يقال جاءتنا جبهة من الناس أى جماعة منهم. و على الأول يقال لأعيان الناس و أشرافهم و سادتهم و رؤسائهم جبهة من حيث إن الجبهة أعلا الأعضاء و أسناها و تسميتهم بذلك كتسميتهم بالوجوه. و المراد بالأنصار ههنا الأعوان و ليس يريد بهم بنى قبيلة و الأنصار جمع نصير كشريف و أشراف لا جمع ناصر لأنه يجمع على النصر كصاحب و صحب.
(السنام) بفتح أوله كالسحاب: حدبة في ظهر البعير. الجمع: أسنمة.
و يقال بالفارسية: كوهان شتر. و من حيث إن السنام أعلا أعضاء البعير يقال لأعلا كل شيء سنامه قال حسان بن ثابت:
و ان سنام المجد من آل هاشم | بنو بنت مخزوم و والدك العبد | |
و كذا يقال السنام لمعظم كل شيء و منه الحديث: الجهاد سنام الدين و لذا
يقال لكبير القوم و رفيعهم سنامهم كما هو المراد من قوله عليه السلام سنام العرم. و الصواب أن يكون السنام قرينة على أن المراد بالجبهة هو معناها الأول. (العيان) بالكسر كالضراب مصدر عاين يقال عاينه معاينة و عيانا إذا شاهده و رآه بعينه لم يشك في رؤيته إياه. استعاره (طعن) فيه و عليه بالقول طعنا و طعنانا من بابي نصر و منع: قدحه و عابه. و هو في الأصل كما في المفردات للراغب: الضرب بالرمح و بالقرن و ما يجرى مجراهما ثم استعير للوقيعة قال الله تعالى: و طعنا في الدين- و طعنوا في دينكم.
(الاستعتاب) من الأضداد يقال استعتبه إذا أعطاه العتبى و كذا إذا طلب منه العتبى، و العتبى هى الرضا. يقال: استعتبته فأعتبني أى استرضيته فأرضاني قال الله تعالى:و إن يستعتبوا فما هم من المعتبين (حم: 25) فالمعنى على الوجه الثاني أني طلبت منه العتبى و الرضا بمعنى أن يرجع عما أحدث مما صار سبب سخط القوم و طعنهم عليه حتى يرضوا عنه. و هذا هو الأنسب بالمقام أو طلبت من القوم العتبى له على ما سيتضح في الشرح إنشاء الله تعالى و في الكنز: استعتاب خوشنودى خواستن و آشتى خواستن و بازگشتن خواستن از بدى و غير آن.
«بحث لغوى»
في قوله عليه السلام (اقل عتابه) لطيفة لغوية لم يتعرضها الشراح و المترجمون بل في تفسيره عدلوا عن الصواب و ذلك لأن كلمة اقل ليس بمعنى اقل الشيء إذا جعله قليلا او أتى بقليل و بالجملة أن معنى اقل ليس قبال اكثر و إن جعل قباله في اللفظ كما ذهب إليه القوم على ما هو ظاهر كلام الشارحين المعتزلي و البحراني و صريح ترجمة المولى فتح الله القاساني حيث قال: و كم مىگردانيدم سرزنش او را و المولى الصالح القزويني حيث قال: و كمتر وقت عتاب مىنمودم، و كذا غيرهما من المترجمين بل الصواب أن المراد من اقل هنا النفى أى ما عاتبت عليه و هذا اللفظ يستعمل كثيرا في نفى أصل الشيء قال الفاضل الأديب ابن الأثير في مادة- ق ل ل- من النهاية: و في الحديث انه كان يقل اللغو أى لا يلغو أصلا و هذا اللفظ يستعمل في نفى أصل الشيء كقوله تعالى: فقليلا ما يؤمنون انتهى قوله.
و الشيخ الإمام أبو على أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الأصفهاني في شرحه على الاختيار المنسوب إلى أبي تمام الطائى المعروف بكتاب الحماسة (طبع القاهرة 1371 ه- 1951 م) في شرح الحماسة 13 لتأبط شرا (ص 95) قوله:
قليل التشكي للمهم يصيبه | كثير الهوى شتى النوى و المسالك | |
قال: و استعمل لفظ القليل، و القصد إلى نفى الكل، و هذا كما يقال فلان قليل الاكتراث بوعيد فلان، و المعنى لا يكترث. و على ذلك قولهم: قل رجل يقول كذا، و أقل رجل يقول كذا، و المعنى معنى النفي، و ليس يراد به إثبات قليل من كثير.
ثم قال: فإن قيل: من أين ساغ أن يستعمل لفظ القليل و هو للإثبات في النفي؟
قلت: إن القليل من الشيء في الأكثر يكون في حكم ما لا يتعد به و لا يعرج عليه لدخوله بخفة قدره في ملكة الفناء و الدروس و الإمحاء، فلما كان كذلك استعمل لفظه في النفى على ما في ظاهره من الإثبات محترزين من الرد و مجملين في القول، و ليكون كالتعريض الذي أثره أبلغ و أنكى من التصريح، و قوله: «كثير الهوى» طابق القليل بقوله كثير من حيث اللفظ لا أنه أثبت بالأول شيئا نزرا فقابله بكثير.
و في شرح الحماسة 105 (ص 322) قول الشاعر:
فقلت لها لا تنكرينى فقل ما | يسود الفتى حتى يشيب و يصلعا | |
قال: و قوله «قل ما» يفيد النفى هنا و ما تكون كافة لقل عن طلب الفاعل و ناقلة له عن الاسم إلى الفعل، فاذا قلت: قل ما يقوم زيد فكأنك قلت ما يقوم زيد، يدل على ذلك أنهم قالوا: قل رجل يقول ذاك إلا زيد، و أجرى مجرى ما يقول ذاك إلا زيد.
و في شرح الحماسة 165 لتأبط شرا أيضا (ص 492) قوله:
قليل غرار النوم أكير همه | دم الثار أو يلقى كميا مسفعا | |
قال: فإن قيل ما معنى قليل غرار النوم؟ و إذا كان الغرار القليل من النوم بدلالة قولهم ما نومه إلا غرارا فكيف جاز أن تقول: قليل غرار النوم و أنت لا تقول هو قليل قليل النوم؟ قلت: يجوز أن يراد بالقليل النفى لا إثبات شيء منه و المعنى:
لا ينام الغرار فكيف ما فوقه؟
و في شرح الحماسة 271 لدريد بن الصمة (ص 819) قوله:
قليل التشكي للمصيبات حافظ | من اليوم أعقاب الأحاديث في غد | |
قال: يريد بقوله «قليل» نفى أنواع التشكى كلها عنه؛ على هذا قوله تعالى فقليلا ما يؤمنون و قولهم: قل رجل يقول كذا و أقل رجل يقول ذاك.
و المعنى أنه لا يتألم للنوائب تنزل بساحته و المصائب تتجدد عليه في ذويه و عشيرته و أنه يحفظ من يومه ما يتعقب أفعاله من أحاديث الناس في غده إلخ.
و في شرح الحماسة 447 لمحمد بن أبي شحاذ (ص 1201) قوله:
و قل غناء عنك مال جمعته | إذا كان ميراثا و اراك لاحد | |
قال: المراد بذكر القلة ها هنا النفى لا إثبات شيء قليل فيقول: لا يغنى عنك مال تجمعه إذا ذهبت عنه و تركته لورثتك إلخ.
و في مفردات الراغب: و قليل يعبر به عن النفى نحو قلما يفعل كذا إلا قاعدا أو قائما و ما يجرى مجراه و على ذلك حمل قوله تعالى فقليلا ما يؤمنون و إنما فسروا قوله تعالى فقليلا ما يؤمنون بنفى الايمان عنهم لأن ظاهر الاية تدل على ذلك قال تعالى: أ فكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم و فريقا تقتلون و قالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون (82 و 83 من البقرة) و إن كان يمكن أن تجعل الاية المتقدمة عليها و هي قوله تعالى: أ فتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض قرينة على ارادة القلة في قبال الكثرة فيها أو يؤول بوجوه اخرى على استفادة ذلك المعنى كما ذكر في التفاسير و لكن إفادة القليل معنى النفى في كلام العرب كثير، ففي مجمع البيان في تفسير هذه الاية قال: و الذي يليق بمذهبنا أن يكون المراد به لا إيمان لهم أصلا و إنما وصفهم بالقليل كما يقال قل ما رأيت هذا قط أى ما رأيت هذا قط.
و إنما اخترنا النفى من قوله عليه السلام اقل عتابه، و أعرضنا عن حمله على ظاهره لدقيقة نأتي بها في الشرح.
و ليعلم أن هذه اللفظة قد يستعمل في الكثرة على ما صرح به المرزوقي في شرح الحماسة أيضا حيث قال: و قالوا أيضا أقل رجل يقول ذلك إلا زيد و أنهم أجروا خلافه مجراه فيقول: كثر ما يقول زيد و على ذلك هذا البيت.
صددت فأطولت الصدود و قلما | وصال على طول الصدود يدوم | |
انتهى (ص 322 شرح الحماسة 105). و لا يخفى أن هذا الاستعمال نزر جدا بخلاف الأول.
و اعلم أنه يمكن أن يكون قوله عليه السلام «اقل عتابه» من أقل فلان الشيء إذا أطاقه و حمله و رفعه. قال تعالى: و هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء (الأعراف: 56) أى حملت الرماح سحابا ثقالا، و منه قوله صلى الله عليه و آله في أبي ذر رضى الله عنه: ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر. و وجه التفسير على هذا الوجه يعلم في الشرح إن شاء الله تعالى.
ففي الجمع بين أقل بهذا المعنى بل بالمعنى الأول أيضا تحسين بديع و هو مراعاة النظير من وجوه تحسين الكلام المقرر في فن البديع و مراعاة النظير أن يجمع بين معنيين غير متناسبين بلفظين يكون لهما معنيان متناسبان و إن لم يكونا مقصودين ههنا نحو قوله تعالى الشمس و القمر بحسبان و النجم و الشجر يسجدان و بالفارسية نحو قول الشاعر هر چه آن خسرو كند شيرين بود.
(عتاب) بالكثر مصدر ثان من باب المفاعلة كضراب يقال عاتبه عليه معاتبة و عتابا إذا لامه و واصفه الموجدة و خاطبه الإدلال. (الوجيف) وجف الشيء بمعنى اضطرب، قال تعالى: قلوب يومئذ واجفة و الوجيف ضرب من سير الإبل و الخيل فيه سرعة و اضطراب، أو جفت البعير: أسرعته. و في أقرب الموارد:
وجف الفرس و البعير: عدا و سار العنق، و في حديث على: أهون سيرهما فيه الوجيف (حداء) بكسر أوله و ضمه أيضا ككتاب و ذباب واوى من حدو: سوق الابل و الغناء لها. يقال حدا الابل و بالابل يحدو حدوا و حداء و حداء من باب نصر ساقها و غنى لها فهو حاد. يقال حدت الريح السحاب أى ساقتها. (العنيف) الشديد من القول و السير. و الذي ليس له رفق بركوب الخيل. عنف به و عليه من باب كرم لم يرفق به و عامله بشدة. (الفلتة) بالفتح، في الصحاح يقال كان ذاك الأمر فلتة أى فجأة إذا لم يكن عن تردد و لا تدبر. و في أقرب الموارد: حدث الأمر فلتة أى فجأة من غير تردد و لا تدبر حتى كأنه افتلت سريعا، قال: يقال: كانت بيعة أبي بكر فلتة.
(اتيح) تاح له الشيء يتوح توحا من باب نصر و اتيح له الشيء قدر له و تهيىء و أتاح الله له الشيء أى قدره له، قاله في الصحاح. قال انيف بن حكيم النبهاني:
و تحت نحور الخيل حرشف رجلة | تتاح لغرات القلوب نبالها | |
و هو من أبيات الحماسة (الحماسة 33 و 209) وصفهم بأن نبالهم تقدر للقلوب الغارة.
(مستكرهين) قال الفاضل الشارح المعتزلي: و قد ذكر أن خط الرضي رضوان الله عليه مستكرهين بكسر الراء و الفتح أحسن و أصوب و إن كان قد جاء استكرهت الشيء بمعنى كرهته. انتهى.
أقول: الاستكراه قد جاء بمعنى الاكراه كما جاء بمعنى عد الشيء و وجدانه كريها و من الأول حديث رفع عن امتي الخطاء و ما استكرهوا عليه. أى ما اكرهوا عليه.
فلو قرئ المستكرهين بفتح الراء لكان بمعنى المكرهين و الإكراه و الإجبار واحد.
و قالوا في المعاجم: أكرهه على الأمر: حمله عليه قهرا، و كذا قالوا أجبره على الأمر أكرهه عليه فلو قرئ بالفتح للزم التكرار لأنه و المجبرين حينئذ بمعنى واحد فالكسر متعين كما اختاره الرضى. و المستكره بالكسر بمعنى الكاره أى ناخوش و ناپسند دارنده يقال: استكرهت الشيء أي كرهته كما أشار إليه الفاضل الشارح، و في منتهى
الأرب في لغة العرب: استكراه: بنا خواست و ستم بر كارى داشتن، و ناخوش شمردن.
و المراد بدار الهجرة مدينة الرسول صلى الله عليه و آله و المنقول من الرواندي رحمه الله أن المراد بدار الهجرة ههنا الكوفة التي هاجر أمير المؤمنين علي عليه السلام اليها.
أقول: و هذا عجيب جدا و إنما هو من طغيان قلمه رحمه الله لأن أمير المؤمنين عليه السلام أخبر أهل الكوفة بأن المدينة قد قلعت بأهلها و جاشت جيش المرجل على أنه عليه السلام حين كتب الكتاب إليهم كان نازلا في ذى قار بعيدا عن الكوفة و لم يصل إلى الكوفة و لم يقم فيها بعد فكيف يكتب إليهم يخبرهم عن أنفسهم و هذا ظاهر لا عائدة في الإطالة.
و قيل: يحتمل أن يريد بدار الهجرة دار الإسلام و بلادها.
أقول: و لا يخفى ضعف هذا الاحتمال و تكلفه و سيتضح في الشرح أن المراد من المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه و آله ليست إلا.
(قلعت بأهلها) يقال قلع المنزل بأهله إذا لم يصلح لاستيطانهم و منه قولهم كما في الصحاح، هذا منزل قلعة بالضم أي ليس بمستوطن.
و يمكن أن يقرأ الفعلان مجهولين و تكون الباء في الموضعين بمعنى مع فيكون آكد للمراد كما لا يخفى؛ أو يقال: الباء زائدة للتأكيد و الفعل معلوم في كلا الموضعين كقوله تعالى: و كفى بالله شهيدا* لأن القلع متعد بنفسه يقال قلعه إذا انتزعه من أصله أو حوله عن موضعه و المراد أن المدينة فارقت أهلها و أخرجتهم منه و كذا قلعوا بها أى انهم فارقوها و خرجوا منها و لم يستقروا فيه.
(المرجل): القدر اسم آلة على وزن مفعل. (بادروا) أى سارعوا أمر من المبادرة.
يمكن أن يكون جبهة الأنصار و سنام العرب صفتين لأهل الكوفة كما يمكن أن يكونا بدلين بدل البعض من الكل أو الكل من الكل.
«إن الناس طعنوا» بيان للأخبار. «من المهاجرين» ظرف مستقر منصوب محلا صفة للرجل، و يمكن أن تكون جملتا اكثر استعتابه و اقل عتابه صفتين له أيضا لأن الجملة نكرة، و لكن الظاهر أن الجملتين حالان لضمير كنت. لا يقال:
فلم لم يأت بالواو الحالية؟ لأنا نقول: المضارع المثبت المجرد من قد لا يقترن بالواو لأنه يشبه اسم الفاعل في الزنة و المعنى و الواو لا تدخل اسم الفاعل و كذلك ما أشبهه و يكون قوله عليه السلام على وزان قوله تعالى و لا تمنن تستكثر فجملة تستكثر حال من فاعل تمنن المستتر فيه و لا تكون مقترنة بالواو و في الألفية لابن مالك.
و ذات بدء بمضارع ثبت | حوت ضميرا و من الواو خلت | |
قال بعض: أهون سيرهما بدل من طلحة و الزبير و الوجيف خبر كان و كذا الكلام في أرفق حدائهما العنيف لأنها عطف على الأولى. قلت: الصواب أن ما ذهب إليه ذلك البعض و هم لأن الوجيف خبر أهون و جملة أهون سيرهما فيه الوجيف خبر كان و كذا الحكم في الجملة الثانية و ذلك لأن الوجيف لو كان خبر كان لصح حمله على الزبير و طلحة أن يقال طلحة و جيف مثلا و ليس كذلك لأن السير و جيف لما دريت أن الوجيف نوع من سير الابل، على أن فيه معايب اخرى لا تخفى على العارف بأحكام البدل و تركيب الجمل.
«من عائشة» يتعلق بفلتة قدم لسعة الظروف. و فلتة اسم كان و لم يقل كانت لأن تأنيث اسمه مجازى، و فيه خبر كان قدم على الاسم لأنه ظرف: «فاتيح» الفاء للتسبيب لأن من قوله عليه السلام: إن الناس إلى هنا بيان مبدء سبب قتل القوم عثمان؛ أي ان الناس لما طعنوا عليه و … فقدر له قوم فقتلوه على وزان قوله تعالى فوكزه موسى فقضى عليه. و الفاء في فقتلوه للترتيب الذكرى لأن أكثر وقوعه في عطف المفصل على المجمل نحو قوله تعالى: فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة و المقام كذلك أيضا. و يمكن أن تكون للتعقيب نحو قوله تعالى: أماته فأقبره و الفاء في «فأسرعوا» فصيحة و التقدير: إذا كان الأمر انجر إلى كذا فأسرعوا. اه
نقل الكتاب على صورة اخرى
قد نقل ذلك الكتاب الذي كتبه عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره إليهم من المدينة إلى البصرة على صورة اخرى قريبة مما في النهج في بعض الجمل الشيخ الأجل المفيد قدس سره في كتابه المترجم بالجمل، أو النصرة في حرب البصرة (ص 116 طبع النجف) و هذه صورته.
بسم الله الرحمن الرحيم من علي بن أبي طالب إلى أهل الكوفة أما بعد فإني اخبركم من أمر عثمان حتى يكون أمره كالعيان لكم: إن الناس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين اظهر معه عتبه و أكره و أشقى به و كان طلحة و الزبير أهون سيرهما الرجيف و قد كان من أمر عائشة و قتله ما عرفتم فلما قتله الناس بايعاني غير مستنكرين طائعين مختارين و كان طلحة و الزبير أول من بايعني على ما بايعا به من كان قبلي ثم استأذناني في العمرة و لم يكونا يريدان العمرة فنقضا العهد و أذنا في الحرب و أخرجا عائشة من بيتها يتخذانها فتنة فسارا إلى البصرة و اخترت السير إليهم معكم و لعمرى إياى تجيبون انما تجيبون الله و رسوله و الله ما قاتلتهم و في نفسي شك و قد بعثت إليكم ولدى الحسن و عمارا و قيسا مستنفرين لكم فكونوا عند ظني بكم و السلام.
أقول: و نقل الكتاب الدينوري في الإمامة و السياسة أيضا (ص 66 ج 1 طبع مصر 1377 ه).
المعنى
إنما الحرى في المقام أن نذكر الأحداث التي أحدثها عثمان مما نقمها الناس منه و طعنوا عليه و صارت سبب قتله ثم نتبعه علة وقوع فتنة الجمل.
أما أحداثه فنذكر طائفة منها ههنا عن الطبرى و المسعودى و غيرهما.
قال المسعودى في مروج الذهب:
1- ذكر عبد الله بن عتبة أن عثمان يوم قتل كان عند خازنه من المال خمسون و مأئة ألف دينار و ألف ألف درهم و قيمة ضياعه بوادى القرى و حنين و غيرهما مأئة ألف دينار و خلف خيلا كثيرا و إبلا.
2- اقتني في أيامه جماعة من أصحابه الضياع و الدور منهم الزبير بن العوام بنى داره بالبصرة و ابتني أيضا دورا بمصر و الكوفة و الاسكندرية و ما ذكر من دوره و ضياعه فمعلوم غير مجهول إلى هذه الغاية. و بلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار و خلف الزبير ألف فرس و ألف عبد و ألف أمة و خططا بحيث ذكرنا من الأمصار.
3- و كذلك طلحة بن عبيد الله التيمي ابتني داره بالكوفة المعروفة بالكناس بدار الطلحتين و كانت غلته من العراق كل يوم ألف دينار و قيل أكثر من ذلك و بناحية سراة أكثر مما ذكرنا. و شيد داره بالمدينة و بناها بالاجر و الجص و الساج.
4- و كذلك عبد الرحمان بن عوف الزهري ابتني داره و وسعها و كان على مربطه مأئة فرس و له ألف بعير و عشرة آلاف من الغنم و بلغ بعد وفاته ربع ثمن ماله أربعة و ثمانين ألفا.
5- و ابتني سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق فرفع سمكها و وسع فضاءها و جعل أعلاها شرفات.
6- و قد ذكر سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت حين مات خلف من الذهب و الفضة ما كان يكسر بالفئوس غير ما خلف من الأموال و الضياع بقيمة مأئة ألف دينار.
7- و ابتنى المقداد داره بالمدينة في الموضع المعروف بالجرف على أميال من المدينة و جعل أعلاها شرفات و جعلها مجصصة الظاهر و الباطن.
8- و مات يعلي بن امية و خلف خمسمائة ألف دينار و ديونا على الناس و عقارات و غير ذلك من التركة ما قيمته مأئة ألف دينار.
ثم قال المسعودى: و هذا باب يتسع ذكره و يكثر وصفه فيمن تملك من الأموال في أيامه و لم يكن مثل ذلك في عصر عمر بن الخطاب بل كانت جادة واضحة و طريقة بينة و حج عمر فأنفق في ذهابه و مجيئه إلى المدينة ستة عشر دينارا و قال لولده عبد الله: لقد أسرفنا في نفقتنا في سفرنا هذا. و لقد شكا الناس أميرهم سعد بن أبي وقاص و ذلك في سنة إحدى و عشرين فبعث عمر محمد بن مسلمة الأنصارى حليف بني عبد الأشهل فخرق عليه باب قصر الكوفة و جمعهم في مساجد الكوفة يسألهم عنه فحمده بعضهم و ساءه بعض فعزله و بعث إلى الكوفة عمار بن ياسر على الثغر و عثمان ابن حنيف على الخراج و عبد الله بن مسعود على بيت المال و أمره أن يعلم الناس القرآن و يفقههم في الدين و فرض لهم في كل يوم شاة فجعل شطرها و سواقطها لعمار بن ياسر و الشطر الاخر بين عبد الله بن مسعود و عثمان بن حنيف فأين عمر ممن ذكرنا و أين هو عمن وصفنا؟
و في الشافي للشريف المرتضى علم الهدى: و من ذلك أنه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة التي هي عدة للمسلمين نحو ما روى أنه دفع إلى أربعة أنفس من قريش زوجهم بناته أربعمائة ألف دينار و أعطى مروان مائة ألف على فتح افريقية و يروى خمس إفريقية و غير ذلك و هذا بخلاف سيرة من تقدم في القسمة على الناس بقدر الاستحقاق و ايثار الأباعد على الأقارب.
«جواب القاضى عبد الجبار في المغنى عن ذلك و اعتذاره منه»
قال- كما نقل عنه علم الهدى في الشافي-: و أما ما ذكروه من ايثاره أهل بيته بالأموال فقد كان عظيم اليسار كثير الأموال فلا يمتنع أن يكون إنما أعطاهم من ماله و إذا احتمل ذلك وجب حمله على الصحة و حكى عن أبي على أن الذي روي من دفعه إلى ثلاثة نفر من قريش زوجهم بناته مأئة ألف دينار لكل واحد إنما هو من ماله و لا رواية تصح في أنه أعطاهم ذلك من بيت المال و لو صح ذلك لكان لا يمتنع أن يكون أعطى من بيت المال ليرد عوضه من ماله لأن للإمام عند الحاجة أن يفعل ذلك كما له أن يقرض غيره.
قال: ثم حكى القاضي عن أبي علي أن ما روى من دفعه خمس افريقية لما فتحت إلى مروان ليس بمحفوظ و لا منقول على وجه يوجب قبوله و إنما يرويه من يقصد التشنيع على عثمان. و حكي عن أبي الحسين الخياط أن ابن أبي سرح لما غزا البحر و معه مروان في الجيش ففتح الله عليه و غنموا غنيمة اشتر وى مروان الخمس من أبي سرح بمأة ألف و أعطاه أكثرها ثم قدم على عثمان بشيرا بالفتح و قد كانت قلوب المسلمين تعلقت بأمر ذلك الجيش فرأى عثمان أن يهب له ماله بقي عليه من المال و للإمام فعل ذلك ترغيبا في مثل ذلك الأمور.
قال: قال و هذا الصنيع منه كان في السنة الأولى من امامته و لم يتبرأ أحد منه فيها فلا وجه للتعلق به و ذكر فيما أعطاه لأقاربه أنه وصلهم لحاجتهم و لا يمتنع مثله في الإمام إذا رآه صلاحا. و ذكر في اقطاعه بني امية القطائع ان الأئمة قد تحصل في أيديهم الضياع لا مالك لها من جهات و يعلمون أنه لابد فيها ممن يقوم باصلاحها و عمارتها فيؤدى عنها ما يجب من الحق و له أن يصرف ذلك إلى من يقوم به و له أيضا أن يزيد بعضا على بعض بحسب ما يعلم من الصلاح و التألف و طريق ذلك الاجتهاد.
«اعتراض الشريف علم الهدى على القاضى»
قال في الشافي: فأما قوله في جواب ما يسأل عنه من ايثاره أهل بيته بالأموال أنه لا يمتنع أن يكون إنما أعطاهم من ماله، فالرواية بخلاف ذلك و قد صرح الرجل أنه كان يعطي من بيت المال صلة لرحمه و لما وقف على ذلك لم يعتذر منه بهذا الضرب من العذر و لا قال إن هذه العطايا من مالي و لا اعتراض لأحد فيه.
و قد روى الواقدى بإسناده عن الميسور بن عتبة أنه قال: سمعت عثمان يقول إن أبا بكر و عمر كانا يتناولان في هذا المال ظلف أنفسهما و ذوى أرحامهما و إني ناولت فيه صلة رحمي.
و روى عنه أنه كان بحضرته زياد بن عبيد الله الحارثي مولى الحارث بن كلدة الثقفي و قد بعث أبو موسى بمال عظيم من البصرة فجعل عثمان يقسمه بين أهله و ولده بالصحاف ففاضت عينا زياد دموعا لما رأى من صنيعه بالمال فقال: لا تبك فإن عمر كان يمنع أهله و ذوي أرحامه ابتغاء وجه الله و أنا أعطي أهلي و قرابتي ابتغاء وجه الله. و قد روى هذا المعنى عنه من عدة طرق بألفاظ مختلفة.
و روى الواقدى بإسناده قال: قدمت إبل من إهل الصدقة على عثمان فوهبها للحرث بن الحكم بن أبي العاص.
أقول: كان الحرث هذا ابن عم عثمان فقد قدمنا أن الحكم بن أبي العاص كان عمه.
قال: و روى أيضا أنه ولي الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمأة ألف فوهبها له حين أتاه بها.
و روى أبو مخنف و الواقدى جميعا أن الناس أنكروا على عثمان إعطائه سعيد ابن أبي العاص مأئة ألف فكلمه علي عليه السلام و الزبير و طلحة و سعد و عبد الرحمان في ذلك فقال: إن لي قرابة و رحما، فقالوا: أما كان لأبي بكر و عمر قرابة و ذوو رحم؟ فقال: إن أبا بكر و عمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما و أنا أحتسب في عطاء قرابتي. قالوا: فهديهما و الله أحب إلينا من هديك.
و قد روى أبو مخنف انه لما قدم على عثمان عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص من مكة و ناس معه أمر لعبد الله بثلاثمأة ألف و لكل واحد من القوم مأئة ألف فصك بذلك على عبد الله بن الأرقم و كان خازن بيت المال فاستكثره و رد الصك به و يقال: إنه سأل عثمان أن يكتب بذلك كتاب دين فأبى ذلك و امتنع ابن الأرقم أن يدفع المال إلى القوم، فقال له عثمان: إنما أنت خازن لنا فما حملك على ما فعلت؟ فقال ابن الأرقم: كنت أراني خازنا للمسلمين و إنما خازنك غلامك و الله لا ألى لك بيت المال أبدا فجاء بالمفاتيح فعلقها على المنبر و يقال: بل ألقاها إلى عثمان فدفعها عثمان إلى نائل مولاه.
و روى الواقدى: أن عثمان أمر زيد بن ثابت أن يحمل من بيت المال إلى عبد الله بن الأرقم في عقيب هذا الفعل ثلاثمأة ألف درهم فلما دخل بها عليه قال له:يا با محمد إن أمير المؤمنين أرسل إليك يقول إنا قد شغلناك عن التجارة و لك ذو رحم ذات حاجة ففرق هذا المال فيهم و استعن به على عيالك، فقال عبد الله بن الأرقم:
ما لي إليه حاجة و ما عملت لأن يثيبني عثمان و الله لئن كان هذا من مال المسلمين ما بلغ قدر عملي أن اعطي ثلاثمأة ألف درهم، و لئن كان من مال عثمان ما أحب أن أزراه من ماله شيئا و ما في هذه الأمور أوضح من أن يشار إليه و ينبه عليه.
و أما قوله «لو صح أنه أعطاهم من بيت المال لجاز أن يكون ذلك على طريق القرض» فليس بشيء لأن الروايات أولا يخالف ما ذكروه و قد كان يحب «يجب ظ» لما نقم عليه وجوه الصحابة إعطاء أقاربه من بيت المال أن يقول لهم: هذا على سبيل القرض و أنا أرد عوضه و لا يقول ما تقدم ذكره من أنني أصل به رحمي.
على أنه ليس للإمام أن يقترض من بيت المال إلا ما ينصرف في مصلحة للمسلمين مهمة يعود عليهم نفعها أو في سد خلة و فاقة لا يتمكنون من القيام بالأمر معها فأما أن يقترض المال لينتدح و يمرح فيه مترفي بني امية و فساقهم فلا أحد يجيز ذلك.
فأما قوله حاكيا عن أبي علي «أن دفعه خمس أفريقية إلى مروان ليس بمحفوظ و لا منقول» فتعلل منه بالباطل لأن العلم بذلك يجري مجري الضروري و مجري ما تقدم بسائره، و من قرأ الأخبار علم ذلك على وجه لا يتعرض فيه شك كما يعلم نظائره.
و قد روى الواقدى عن اسامة بن زيد عن نافع مولى الزبير عن عبد الله بن الزبير قال: أغزانا عثمان سنة سبع و عشرين افريقية فأصاب عبد الله بن سعد بن أبي سرح غنائم جليلة فأعطى عثمان مروان بن الحكم تلك الغنائم و هذا كما ترى يتضمن الزيادة على الخمس و يتجاوز إلى إعطاء الكل.
و روي الواقدي عن عبد الله بن جعفر، عن ام بكر بنت الميسور قالت: لما بني مروان داره بالمدينة دعي الناس إلى طعامه و كان الميسور ممن دعاه فقال مروان و هو يحدثهم: و الله ما انفقت في داري هذه من مال المسلمين درهما فما فوقه، فقال الميسور: لو أكلت طعامك و سكت كان خيرا لك لقد غزوت معنا افريقية و انك لأقلنا مالا و رقيقا و أعوانا و أخفنا ثقلا فأعطاك ابن عمك خمس افريقية و عملت على الصدقات فأخذت أموال المسلمين.
و روي الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف أن مروان ابتاع خمس افريقية بمأتي ألف أو بمأة ألف دينار و كلم عثمان فوهبها له فأنكر الناس ذلك على عثمان، و هذا بعينه هو الذي اعترف به أبو الحسين الخياط و اعتذر بأن قلوب المسلمين تعلقت بأمر ذلك الجيش فرأى عثمان أن يهب لمروان ثمن ما ابتاعه من الخمس لما جاءه بشيرا بالفتح على سبيل الترغيب، و هذا الاعتذار ليس بشيء لأن الذي رويناه من الأخبار في هذا الباب خال من البشارة و إنما يقتضي أنه سأله ترك ذلك عليه فتركه أو ابتدأ هو بصلته و لو أتى بشيرا بالفتح كما ادعوا لما جاز أن يترك عليه خمس الغنيمة العائدة على المسلمين و تلك البشارة لا يستحق أن يبلغ البشير بها مأتي ألف دينار و لا اجتهاد في مثل هذا و لا فرق بين من جوز أن يؤدي الاجتهاد إلى مثله و من جوز أن يؤدي الاجتهاد إلى دفع أصل الغنيمة إلى البشير بها، و من ارتكب ذلك الزم جواز أن يؤدي الاجتهاد إلى جواز اعطاء هذا البشير جميع أموال المسلمين في الشرق و الغرب.
و أما قوله: «انه فعل ذلك في السنة الأولى من أيامه و لم يتبرء أحد منه» فقد مضي الكلام فيه مستقصي.
فأما قوله: «إنه وصل بني عمه لحاجتهم و رأى في ذلك صلاحا» فقد بينا أن صلاته لهم كانت أكثر مما يقتضيه الحاجة و الخلة و أنه كان يصل منهم المياسير و ذوي الأحوال الواسعة و الضياع الكثيرة، ثم الصلاح الذى زعم أنه رآه لا يخلو من أن يكون عائدا على المسلمين أو على أقاربه، فان كان على المسلمين فمعلوم ضرورة أنه لا صلاح لأحد من المسلمين في اعطاء مروان مأتي ألف دينار و الحكم بن أبي العاص ثلاثمأة ألف درهم و ابن أسيد ثلاثمأة ألف درهم إلى غير ذلك ممن هو مذكور، بل على المسلمين في ذلك غاية الضرر، و إن أراد الصلاح العائد على الأقارب فليس له أن يصلح أمر أقاربه بفساد أمر المسلمين و ينفعهم بما يضر به المسلمين.
فأما قوله «إن القطائع التي أقطعها بنى امية إنما أقطعهم إياها لمصلحة يعود على المسلمين لأنه كانت خرابا لا عامر لها فسلمها إلى من يعمرها و يؤدي الحق فيها» فأول ما فيه أنه لو كان الأمر على ما ذكره و لم يكن هذه القطائع على سبيل الصلة و المعونة لأقاربه لما خفى ذلك على الحاضرين و لكانوا لا يعدون ذلك من مثالبه و لا يواقفونه عليه في جملة ما واقفوه عليه من أحداثه. ثم كان يجب لو فعلوا ذلك أن يكون جوابه لهم بخلاف ما روى من جوابه، لأنه كان يجب أن يقول لهم: و أى منفعة في هذه القطائع عائدة على قرابتي حتى يعدوا ذلك من جملة صلاتي لهم و إيصال المنافع إليهم؟ و إنما جعلتهم فيها بمنزلة الأكرة الذين ينتفع بهم أكثر من انتفاعهم و ما كان يجب أن يقول ما تقدمت روايته من أنى محتسب في اعطاء قرابتي و أن ذلك على سبيل الصلة لرحمي إلى غير ذلك مما هو خال من المعنى الذي ذكروه. انتهى.
أقول: و من قوادحه ما فعل بعبد الله بن سعد قبل خلافته بعد ما هدر رسول الله صلى الله عليه و آله دمه. تفصيله أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكنى أبا يحيى و هو أخو عثمان بن عفان من الرضاعة أرضعت امه عثمان أسلم قبل الفتح و هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و كان يكتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه و آله ثم ارتد مشركا و صار إلى قريش بمكة فقال لهم: إني كنت اصرف محمدا حيث اريد كان يملى علي عزيز حكيم فأقول أو عليم حكيم فيقول نعم كل صواب فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله صلى الله عليه و آله بقتله و قتل عبد الله بن خطل و مقيس بن صبابة و لو وجدوا تحت أستار الكعبة ففر عبد الله بن سعد إلى عثمان بن عفان فغيبه عثمان حتى أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه و آله بعد ما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له فصمت رسول الله صلى الله عليه و آله طويلا ثم قال: نعم فلما انصرف عثمان قال رسول الله صلى الله عليه و آله لمن حوله: ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه فقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إلى يا رسول الله؟ فقال: إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين؛ قاله في اسد الغابة.
و في الصافي للفيض في تفسير القرآن في ضمن قوله تعالى: و من أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي و لم يوح إليه شيء و من قال سأنزل مثل ما أنزل الله (الأنعام: 94) في الكافي و العياشي عن أحدهما عليهما السلام نزلت الاية في ابن أبي سرح الذي كان عثمان استعمله على مصر و هو ممن كان رسول الله صلى الله عليه و آله يوم فتح مكة هدر دمه و كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه و آله فاذا أنزل الله عز و جل إن الله عزيز حكيم كتب إن الله عليم حكيم فيقول له رسول الله صلى الله عليه و آله: دعها فان الله عليم حكيم و كان ابن أبي سرح يقول للمنافقين إني لأقول من نفسي مثل ما يجيء به فما يغير علي فأنزل الله تبارك و تعالى فيه الذي أنزل.
و القمي عن الصادق عليه السلام قال: إن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخا عثمان من الرضاعة أسلم و قدم المدينة و كان له خط حسن و كان إذا انزل الوحى على رسول الله صلى الله عليه و آله دعاه فكتب ما يمليه عليه رسول الله صلى الله عليه و آله فكان إذا قال رسول الله صلى الله عليه و آله: سميع بصير يكتب سميع عليم و إذا قال: و الله بما يعملون خبير يكتب بصير، و يفرق بين التاء و الياء و كان رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: هو واحد فارتد كافرا و رجع إلى مكة و قال لقريش: و الله ما يدرى محمد ما يقول أنا أقول مثل ما يقول فلا ينكر علي ذلك فأنا أنزل مثل ما ينزل فأنزل الله على نبيه في ذلك:- و من أظلم ممن افترى- إلى قوله: مثل ما أنزل الله- فلما فتح رسول الله مكة أمر بقتله فجاء به عثمان قد أخذ بيده و رسول الله صلى الله عليه و آله في المسجد فقال يا رسول الله اعف عنه فسكت رسول الله صلى الله عليه و آله ثم أعاد فسكت ثم أعاد فقال هو لك فلما مر قال رسول الله صلى الله عليه و آله لأصحابه: ألم أقل من رآه فليقتله؟ فقال رجل كانت عيني إليك يا رسول الله أن تشير إلى فأقتله فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: إن الأنبياء لا يقتلون بالاشارة فكان من الطلقاء.
و قال ابن هشام في السيرة النبوية: قال ابن إسحاق: و كان رسول الله صلى الله عليه و آله قد عهد إلى امرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة، أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، إلا أنه قد عهد في نفر سماهم أمر بقتلهم و إن وجدوا تحت أستار الكعبة منهم عبد الله بن سعد أخو بني عامر بن لؤى.
قال: و إنما أمر رسول الله صلى الله عليه و آله بقتله لأنه قد كان أسلم و كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه و آله الوحى فارتد مشركا راجعا إلى قريش ففر إلى عثمان بن عفان و كان أخاه للرضاعة فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه و آله بعد أن اطمأن الناس و أهل مكة فاستأمن له، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و آله صمت طويلا، ثم قال: نعم فلما انصرف عنه عثمان، قال رسول الله صلى الله عليه و آله لمن حوله من أصحابه: لقد صمت ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه فقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إلي يا رسول الله قال: إن النبي لا يقتل بالاشارة.
قال ابن هشام: ثم أسلم بعد فولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله ثم ولاه عثمان بن عفان بعد عمر.
و قال الطبرسي في مجمع البيان في تفسير القرآن ضمن الاية المذكورة و قيل: المراد به عبد الله بن سعد بن أبي سرح أملى عليه رسول الله صلى الله عليه و آله ذات يوم و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين- إلى قوله تعالى- ثم أنشأناه خلقا آخر فجرى على لسان ابن ابي سرح فتبارك الله احسن الخالقين فأملأه عليه و قال هكذا انزل فارتد عدو الله و قال: لئن كان محمد صادقا فلقد اوحى إلي كما أوحى إليه و لئن كان كاذبا فلقد قلت كما قال و ارتد عن الاسلام و هدر رسول الله صلى الله عليه و آله دمه فلما كان يوم الفتح جاء به عثمان و قد اخذ بيده و رسول الله صلى الله عليه و آله في المسجد فقال: يا رسول الله اعف عنه فسكت رسول الله صلى الله عليه و آله ثم اعاد فسكت ثم اعاد فسكت فقال هو لك فلما مر قال رسول الله صلى الله عليه و آله لأصحابه:ألم اقل من رآه فليقتله؟ فقال عباد بن بشر: كانت عيني إليك يا رسول الله ان تشير إلي فأقتله، فقال صلى الله عليه و آله: الأنبياء لا يقتلون بالاشارة.
اقول: لا كلام في ارتداد ابن أبي سرح و إنما الاختلاف في سبب ارتداده و جملته انه نبذ كتاب الله وراء ظهره و اتخذه سخريا.
و لكن ما أتى به الفيض في الصافي من الرواية «في ان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا قال: سميع بصير يكتب ابن ابي سرح سميع عليم و إذا قال: و الله بما يعملون خبير يكتب بصير و يفرق بين التاء و الياء و كان رسول الله صلى الله عليه و آله يقول هو واحد» ليست بصحيحة جدا لأن شدة عناية رسول الله صلى الله عليه و آله و اهتمامه بحفظ القرآن و حراسته عن التحريف و التغيير يمنعنا عن قبول ذلك و سيأتى التحقيق الأنيق بعيد هذا في ان هذا المصحف المكتوب بين الدفتين المتداول الان بين الناس جميع ما نزل عليه صلى الله عليه و آله في نيف و عشرين سنة من غير زيادة و نقصان و تصحيف و تحريف و ان تركيب السور من الايات و ترتيب السور على ما هو في المصحف توقيفي كان بأمر الله تعالى و أمر امين الوحى عليه السلام و امر رسول الله صلى الله عليه و آله.
على أن صدر كل آية يدل على انه يناسب و يقتضى كلمات خاصة في ختامها و لا يوافق غيرها كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام و فنون الأدب سيما كتاب الله الذي أعجز العالمين عن ان يتفوهوا باتيان مثله و إن كان سورة منها نحو الكوثر ثلاث آيات.
مثلا أن قوله تعالى: و أسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور أ لا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير (الملك- 14 و 15) لا يناسب إنه حكيم بذات الصدور، أو و هو السميع الخبير مثلا فان في الجمع بين يعلم و بين اللطيف لطيفة حكمية يدركها ذوق التأله بخلاف الجمع بين يعلم و السميع.
و قوله تعالى: و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا و أولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك و أصلحوا فإن الله غفور رحيم (النور- 5 و 6) يناسب التوبة الغفور الرحيم دون أنه عزيز ذو انتقام، أو حكيم عليم و أمثالها و كذا في الايات الأخر فتدبر فيها بعين العلم و المعرفة.
على أنا نرى الحجج الالهية يمنعون الناس عن التصرف في الأدعية و تحريفها روى محمد بن بابويه عليه الرحمة في كتاب الغيبة باسناده عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: سيصيبكم شبهة فتبقون بلا علم و لا إمام هدى و لا ينجو فيها إلا من دعا بدعاء الغريق؛ قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال عليه السلام: تقول:يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك؛ فقلت: يا مقلب القلوب و الأبصار ثبت قلبي على دينك، فقال عليه السلام: إن الله عز و جل مقلب القلوب و الأبصار و لكن قل كما أقول: ثبت قلبي على دينك.
فاذا كان الدعاء توقيفيا و يردع الإمام عليه السلام عن التحريف فكيف ظنك بالنبي صلى الله عليه و آله مع القرآن.
9- و قدم على عثمان عمه الحكم بن أبي العاص و ابن عمه مروان و غيرهما من بني امية و مروان هو طريد رسول الله صلى الله عليه و آله الذي غربه عن المدينة و نفاه عن جواره.
أقول: إن الحكم و ابنه مروان كليهما كانا طريدي رسول الله صلى الله عليه و آله و الصواب أن يقال: ان الحكم هو طريد رسول الله صلى الله عليه و آله فان ابنه مروان كان طفلا حين طرده رسول الله صلى الله عليه و آله و السبب في ذلك ان الحكم بن أبي العاص عم عثمان كان يحاكى مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و ينقصه و كان يفعل ذلك استهزاء به و سخرية فرآه النبي صلى الله عليه و آله يوما و هو يفعل ذلك فقال له النبي صلى الله عليه و آله و قد غضب لذلك: أ تحكيني؟ اخرج من المدينة فلا جاورتني فيها حيا و لا ميتا فطرده و ابنه مروان و نفاهما إلى بلاد اليمن و نفيا بهما مطرودين مدة حياة النبي صلى الله عليه و آله فلما مات و ولي أبو بكر طمع عثمان أن يردهما فكلم أبا بكر في ذلك فزبره و أغلظ عليه و قال: أ تريدني يا عثمان أن آوي طريد رسول الله صلى الله عليه و آله كلا لا يكون ذلك، فسكت عثمان حتى ولي عمر فكلمه أيضا في ردهما فأبا عليه و قال: لا يكون مني أن آوي طريد رسول الله و طريد أبي بكر اعزب عن هذا الكلام فسكت عثمان فلما ولي و استتم له الأمر كتب اليهما بأن أقدما المدينة فأقدمهما المدينة على رءوس الأشهاد مكرمين.
و قال ابن الأثير الجزري في اسد الغابة: الحكم بن أبي العاص بن امية الأموي أبو مروان بن الحكم يعد في أهل الحجاز عم عثمان بن عفان أسلم يوم الفتح. و روي بإسناده إلى نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه و آله فمر الحكم بن أبي العاص فقال النبي صلى الله عليه و آله: ويل لامتي مما في صلب هذا و هو طريد رسول الله صلى الله عليه و آله نفاه من المدينة إلى الطائف و خرج معه ابنه مروان.
و قد اختلف في السبب الموجب لنفي رسول الله صلى الله عليه و آله إياه فقيل: كان يتسمع سر رسول الله صلى الله عليه و آله و يطلع عليه من باب بيته و أنه الذي أراد رسول الله صلى الله عليه و آله أن يفقأ عينه بمدري في يده لما اطلع عليه من الباب. و قيل: كان يحكى رسول الله صلى الله عليه و آله في مشيته فالتفت يوما فرآه و هو يتخلج في مشيته فقال: كن كذلك، فلم يزل يرتعش في مشيته من يومئذ، فذكره عبد الرحمان بن حسان بن ثابت في هجائه لعبد الرحمان بن الحكم:
إن اللعين أبوك فارم عظامه | إن ترم ترم مخلجا مجنونا | |
يمسي خميص البطن من عمل التقى | و يظل من عمل الخبيث بطينا | |
و معني قول عبد الرحمان إن اللعين أبوك فروي عن عائشة من طرق ذكرها ابن أبي خيثمة أنها قالت لمروان بن الحكم حين قال لأخيها عبد الرحمان بن أبي بكر لما امتنع من البيعة ليزيد بن معاوية بولاية العهد ما قال: و القصة مشهورة أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله صلى الله عليه و آله لعن أباك و أنت في صلبه و قد روي في لعنه و نقيه أحاديث كثيرة لا حاجة إلى ذكرها إلا أن الأمر المقطوع به أن النبي صلى الله عليه و آله مع حلمه و إغضائه على ما يكره ما فعل به ذلك إلا لأمر عظيم و لم يزل منفيا حياة النبي صلى الله عليه و آله فلما ولي أبو بكر الخلافة قيل له في الحكم ليرده إلى المدينة فقال: ما كنت لأحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه و آله و كذلك عمر فلما ولي عثمان الخلافة رده و قال: كنت قد شفعت فيه إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فوعدني برده و توفي في خلافة عثمان.
و فيه أيضا: مروان بن الحكم بن أبي العاص بن امية الأموي ابن عم عثمان ابن عفان بن أبي العاص و لم ير النبي صلى الله عليه و آله لأنه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل لما نفي النبي صلى الله عليه و آله اباه الحكم و كان مع أبيه بالطائف حتى استخلف عثمان فردهما و اسكتب عثمان مروان و ضمه إليه و نظر إليه على يوما فقال: و يلك و ويل امة محمد منك و من بنيك. و كان يقال لمروان: خيط باطل و ضرب يوم الدار على قفاه فقطع أحد علياويه فعاش بعد ذلك أوقص و الأوقص الذى قصرت عنقه، و لما بويع مروان بالخلافة بالشام قال أخوه عبد الرحمان بن الحكم و كان ماجنا حسن الشعر لا يرى رأي مروان:
فو الله ما أدرى و إني لسائل | حليلة مضروب القفا كيف تصنع | |
لحا الله قوما أمروا خيط باطل | على الناس يعطي ما يشاء و يمنع | |
أقول: قول علي عليه السلام لمروان: ويلك و ويل امة محمد منك و من بنيك، إشارة إلى ما قاله رسول الله صلى الله عليه و آله في أبيه الحكم: ويل لأمتى مما في صلب هذا.
«جواب القاضي عبد الجبار عن ذلك و اعتذاره منه»
نقل الشريف المرتضى علم الهدى في الشافى جوابه عن ذلك عن كتابه المغنى إنه قال: فأما رده الحكم بن أبي العاص فقد روي عنه إنه لما عوتب في ذلك ذكر أنه كان استأذن رسول الله صلى الله عليه و آله و إنما لم يقبل أبو بكر و عمر قوله لأنه شاهد واحد و كذلك روي عنهما فكأنما جعلا ذلك بمنزلة الحقوق التى تخص فلم يقبلا فيه خبر الواحد و أجرياه مجري الشهادة فلما صار الأمر إلى عثمان حكم بعلمه لأن للحاكم أن يحكم بعلمه في هذا الباب و في غيره عند شيخينا و لا يفصلان بين حد و حق و لا أن يكون العلم قبل الولاية أو حال الولاية و يقولون إنه أقوى في الحكم من البينة و الإقرار.
ثم ذكر عن أبي على أنه يقطع به على كذب روايته في إذن الرسول صلى الله عليه و آله في رده، فلابد من تجويز كونه معذورا.
ثم سأل نفسه في أن الحاكم إنما يحكم بعلمه مع زوال التهمة و أن التهمة كانت في رد الحكم قوية لقرابته، و أجاب بأن الواجب على غيره أن لا يتهمه إذا كان لفعله وجه يصح عليه لأنه قد نصب منصبا يقتضى زوال التهمة عنه و حمل أفعاله على الصحة و لو جوزنا امتناعه للتهمة لأدى إلى بطلان كثير من الأحكام.
و حكى عن أبي الحسن الخياط أنه لو لم يكن في رده إذن من رسول الله صلى الله عليه و آله لجاز أن يكون طريقه الاجتهاد لأن النفى إذا كان صلاحا في الحال لا يمتنع أن يتغير حكمه باختلاف الأوقات و تغير حال المنفى و إذا جاز لأبى بكر أن يسترد عمر من جيش اسامة للحاجة إليه و إن كان قد أمر رسول الله صلى الله عليه و آله بنفوذه من حيث تغيرت الحال فغير ممتنع مثله في الحكم.
«اعتراض علم الهدى عليه و ابطاله جوابه»
اعترض عليه في الشافى فقال: يقال له: أما ما ادعيته و بنيت الأمر في قصة الحكم من أن عثمان لما عوتب في رده ادعى أن الرسول صلى الله عليه و آله أذن له في ذلك.
فهو شيء ما سمع إلا منك و لا يدري من أين نقلته و في أي كتاب وجدته و ما رواه الناس كلهم بخلاف ذلك.
و قد روى الواقدي من طرق مختلفة و غيره أن الحكم بن أبى العاص لما قدم المدينة بعد الفتح أخرجه النبي صلى الله عليه و آله إلى الطائف و قال: لا تساكننى في بلد أبدا فجاءه عثمان فكلمه فأبى، ثم كان من أبى بكر مثل ذلك، ثم كان من عمر مثل ذلك فلما قام عثمان أدخله و وصله و أكرمه فمشى في ذلك علي عليه السلام و الزبير و طلحة و سعد و عبد الرحمان بن عوف و عمار بن ياسر حتى دخلوا على عثمان فقالوا له: إنك قد أدخلت هؤلاء القوم يعنون الحكم و من معه و قد كان النبي صلى الله عليه و آله أخرجه و أبو بكر و عمر، و إنا نذكرك الله و الاسلام و معادك فإن لك معادا و منقلبا و قد أبت ذلك الولاة من قبلك و لم يطمع أحد أن يكلمهم فيه و هذا سبب نخاف الله تعالى عليك فيه.
فقال: إن قرابتهم منى حيث تعلمون و قد كان رسول الله صلى الله عليه و آله حيث كلمته أطمعنى في أن يأذن له و إنما أخرجهم لكلمة بلغته عن الحكم و لن يضركم مكانهم شيئا و في الناس من هو شر منهم.
فقال على عليه السلام: لا أحد شرا منه و لا منهم. ثم قال على عليه السلام: هل تعلم أن عمر قال: و الله ليحملن بنى أبى معيط على رقاب الناس و الله لئن فعل ليقتلنه؟
قال: فقال عثمان: ما كان منكم أحد يكون بينه و بينه من القرابة ما بينى و بينه و ينال من المقدرة ما أنال إلا أدخله و في الناس من هو شر منه. قال: فغضب على عليه السلام قال: و الله لتأتينا بشر من هذا إن سلمت و ستري يا عثمان غب ما تفعل، ثم خرجوا من عنده.
و هذا كما ترى خلاف ما ادعاه صاحب الكتاب لأن الرجل لما احتفل ادعى أن الرسول صلى الله عليه و آله كان أطمعه في رده، ثم صرح بأن رعايته فيه من القرابة هى الموجبة لرده و مخالفة الرسول صلى الله عليه و آله.
و قد روى من طرق مختلفة أن عثمان لما كلم أبا بكر و عمر في رد الحكم أغلظا له و زبراه و قال له عمر: يخرجه رسول الله صلى الله عليه و آله و تأمرنى أن أدخله و الله لو أدخلته لم آمن أن يقول قائل غير عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و الله لئن اشق باثنين كما تنشق الأبلمة أحب إلى من أن اخالف لرسول الله صلى الله عليه و آله أمرا، و إياك يا ابن عفان أن تعاودني فيه بعد اليوم. و ما رأينا عثمان قال في جواب هذا التعنيف و التوبيخ من أبى بكر و عمر: إن عندى عهدا من الرسول صلى الله عليه و آله فيه لا استحق معه عتابا و لا تهجينا و كيف تطيب نفس مسلم موقر لرسول الله صلى الله عليه و آله معظم له بأن يأتي إلى عدو لرسول الله صلى الله عليه و آله مصرح بعداوته و الوقيعة فيه حتى بلغ به الأمر إلى أن كان يحكى مشيته فطرده رسول الله صلى الله عليه و آله و أبعده و لعنه حتى صار مشهورا بأنه طريد رسول الله صلى الله عليه و آله فيؤويه و يكرمه و يرده إلى حيث اخرج منه و يصله بالمال العظيم و يصله إما من مال المسلمين أو ماله ان هذا العظيم كبير قبل التصفح و التأمل و التعلل بالتأويل الباطل.
فأما قول صاحب الكتاب «إن أبا بكر و عمر لم يقبلا قوله لأنه شاهد واحد و جعلا ذلك بمنزلة الحقوق التي تخص» فأول ما فيه أنه لم يشهد عندهما بشيء في باب الحكم على ما رواه جميع الناس. ثم ليس هذا من الباب الذي يحتاج فيه إلى الشاهدين بل هو بمنزلة كل ما يقبل فيه أخبار الاحاد و كيف يجوز أن يجري أبو بكر و عمر مجرى الحقوق ما ليس فيها.
و قوله: لابد من تجويز كونه صادقا في روايته لأن القطع على كذب روايته لا سبيل إليه، ليس بشيء لأنا قد بينا أنه لم يرو عن الرسول صلى الله عليه و آله إذنا و إنما ادعى أنه، اطمعه في ذلك و إذا جوزنا كونه صادقا في هذه الرواية بل قطعنا على صدقه لم يكن معذورا.
فأما قوله: «الواجب على غيره أن لا يتهمه إذا كان لفعله وجه يصح عليه لانتصابه منصبا يفضي إلى زوال التهمة» فأول ما فيه أن الحاكم لا يجوز أن يحكم بعلمه مع التهمة و التهمة قد يكون لها أمارات و علامات فما وقع فيها عن أمارات و أسباب تتهم في العادة كان مؤثرا و ما لم يكن كذلك و كان مبتدأ فلا تأثير له، و الحكم هو عم عثمان و قريبه و نسيبه و من قد تكلم فيه و في رده مرة بعد اخرى و لوال بعد وال و هذه كلها اسباب التهمة فقد كان يجب أن يتجنب الحكم بعلمه في هذا الباب خاصة لتطرق التهمة فيه.
فأما ما حكاه عن الخياط من «أن الرسول صلى الله عليه و آله لو لم يأذن في رده لجاز أن يرده إذا رآه اجتهاده إلى ذلك لأن الأحوال قد تتغير» فظاهر البطلان لأن الرسول إذا حظر شيئا أو أباحه لم يكن لأحد أن يجتهد في إباحة المحظور او حظر المباح و من جوز الاجتهاد في الشريعة لا يقدم على مثل هذا لأنه إنما يجوز عندهم فيما لا نص فيه و لو جوزنا الاجتهاد في مخالفة ما تناوله النص لم نأمن أن يؤدي اجتهاد مجتهد إلى تحليل الخمر و اسقاط الصلاة بأن يتغير الحال و هذا هدم للشريعة. فأما استشهاده باسترداد عمر من جيش اسامة فالكلام في الأمرين واحد و قد مضى ما فيه.
10- ثم قال المسعودي: و كان عماله جماعة منهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة و هو ممن أخبر النبي صلى الله عليه و آله أنه من أهل النار. و عبد الله بن أبي سرح على مصر و معاوية بن أبي سفيان على الشام و عبد الله بن عامر على البصرة، و صرف عن الكوفة الوليد بن عقبة و ولاها سعيد بن العاص و كان السبب في صرف الوليد و ولاية سعيد على ما روي أن الوليد بن عقبة كان يشرب مع ندمائه و مغنيه من أول الليل إلى الصباح فلما آذنه المؤذنون بالصلاة خرخ منفصلا في غلائله فتقدم إلى المحراب في صلاة الصبح فصلى بهم أربعا و قال: تريدون أن أزيدكم و قيل: انه قال في سجوده و قد أطال: اشرب و اسقنى، فقال له بعض من كان خلفه في الصف الأول: ما تريد؟
لا زادك الله مزيد الخير و الله لا أعجب إلا ممن بعثك إلينا واليا و علينا أميرا و كان هذا القائل: عتاب بن غيلان الثقفي.
قال: و خطب الناس الوليد فحصبه الناس بحصباء المسجد فدخل قصره يترنح و يتمثل بأبيات لتأبط شرا:
و لست بعيدا عن مدام و قينة | و لا بصفا صلد عن الخير معزل | |
و لكنني أروي من الخمر هامتي | و أمشي الملا بالساحب المتسلسل | |
و في ذلك يقول الحطيئة كما في الشافي و المروج:
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه | إن الوليد أحق بالعذر | |
نادى و قد تمت صلاتهم | أ أزيدكم ثملا و ما يدرى | |
ليزيدهم اخرى و لو قبلوا | منه لزادهم على عشر | |
فأبوا أبا وهب و لو فعلوا | لقرنت بين الشفع و الوتر | |
حبسوا عنانك في الصلاة و لو | خلوا عنانك لم تزل تجري | |
و اشاعوا بالكوفة فعله و ظهر فسقه و مداومته شرب الخمر فهجم عليه جماعة من المسجد منهم أبو زينب بن عوف الأزدي و أبو جندب بن زهير الأزدى و غيرهما فوجوده سكران مضطجعا على سريره لا يعقل فأيقظوه من رقدته فلم يستيقظ ثم تقايا عليهم ما شرب من الخمر فانتزعوا خاتمه من يده و خرجوا من فورهم إلى المدينة فأتوا عثمان بن عفان فشهدوا عنده على الوليد أنه شرب الخمر فقال عثمان: و ما يدريكما أنه شرب خمرا؟ فقالا:
هي الخمر التي كنا نشربها في الجاهلية و أخرجا خاتمه فدفعاه إليه فرزأهما و دفع في صدورهما و قال: تنحيا عني فخرجا و أتيا علي بن أبي طالب عليه السلام و أخبراه بالقصة فأتي عثمان و هو يقول: دفعت الشهود و أبطلت الحدود فقال له عثمان: فما تري؟
قال: أري أن تبعث إلى صاحبك فإن أقاما الشهادة عليه في وجهه و لم يدل بحجة أقمت عليه الحد فلما حضر الوليد دعاهما عثمان فاقاما الشهادة عليه و لم يدل بحجة فألقى عثمان السوط إلى علي فقال علي لابنه الحسن قم يا بني فأقم عليه ما أوجب الله عليه فقال: يكفيه بعض ما تري فلما نظر إلى امتناع الجماعة عن إقامة الحد عليه توقيا لغضب عثمان لقرابته منه أخذ على السوط و دنا منه فلما أقبل نحوه سبه الوليد و قال يا صاحب مكس، فقال عقيل بن أبي طالب و كان ممن حضر: إنك لتتكلم يا ابن أبي معيط كانك لا تدري من أنت و أنت علج من أهل صفورية- و هي قرية بين عكا و اللجون من أعمال الأردن من بلاد طبرية كان ذكر أن أباه كان يهوديا منها- فأقبل الوليد يزوغ من علي فاجتذبه فضرب به الأرض و علاه بالسوط فقال عثمان:ليس لك أن تفعل به هذا قال: بلى و شر من هذا إذا فسق و منع حق الله تعالى أن يؤخذ منه.
أقول: ان الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان أخا عثمان لامه.
11- و ولى عثمان الكوفة بعد الوليد بن عقبة سعيد بن العاص فلما دخل سعيد الكوفة واليا أبي أن يصعد المنبر حتى يغسل و أمر بغسله و قال: ان الوليد كان نجسا رجسا فلما اتصلت أيام سعيد بالكوفة ظهرت منه امور منكرة و اشتبه بالأموال و قال في بعض الأيام و كتب به إلى عثمان إنما هذا السواد فطير لقريش فقال له الأشتر و هو مالك الحرث النخعي: أ تجعل ما أفاء الله علينا بظلال سيوفنا و مراكز رماحنا بستانا لك و لقومك ثم خرج إلى عثمان في سبعين راكبا من أهل الكوفة فذكروا سوء سيرة سعيد بن العاص و سألوا عزله عنهم فمكث الأشتر و أصحابه أياما لا يخرج لهم من عثمان في سعيد شيء و امتدت أيامهم بالمدينة و قدم على عثمان امراؤه من الأمصار، منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح من مصر و معاوية من الشام و عبد الله بن عامر من البصرة و سعيد بن العاص من الكوفة فأقاموا بالمدينة أياما لا يردهم إلى أمصارهم كراهة أن يرد سعيدا إلى الكوفة و كره أن يعزله حتى كتب إليه من بأمصارهم يشكون كثرة الخراج و تعطيل الثغور فجمعهم عثمان و قال:ما ترون؟
فقال معاوية أما أنا فراض بي جندي. و قال عبد الله بن عامر بن كريز ليكفك امرؤ ما قبله أكفك ما قبلي و قال عبد الله بن سعد بن أبي سرح ليس بكثير عزل عامل للعامة و تولية غيره. و قال سعيد بن العاص إنك إن فعلت هذا كان أهل الكوفة هم الذين يولون و يعزلون و قد صاروا حلقا في المسجد ليس لهم غير الأحاديث و الخوض فجهزهم في البعوث حتى يكون هم أحدهم أن يموت على ظهر دابته فسمع مقالته عمرو بن العاص فخرج إلى المسجد فاذا طلحة و الزبير جالسان في ناحية منه فقالا له: إلينا فصار إليهما فقالا: فما وراءك؟ قال ابشر ما ترك شيئا من المنكر الا أتى به و أمر به و جاء الأشتر فقالا له إن عاملكم الذي قمتم فيه خطباء قد رد عليكم و أمر بتجهيزكم في البعوث و بكذا و كذا.
فقال الأشتر: و الله قد كنا نشكو سوء سيرته و ما قمنا به خطباء فكيف و قد قمنا و ايم الله على ذلك لو لا اني انفدت النفقة و أنضيت الظهر لسبقته إلى الكوفة حتى امنعه دخولها.
فقالا له: فعندنا حاجتك التي تفوتك في سفرك. قال: فاسلفاني إذا مأئة ألف درهم فأسلفه كل واحد منهما خمسين ألف درهم فقسمها بين أصحابه و خرج إلى الكوفة فسبق سعيد و صعد المنبر و سيفه في عنقه ما وضعه بعد. ثم قال: أما بعد فان عاملكم الذي انكرتم تعديه و سوء سيرته قد رد عليكم و امر بتجهيزكم في البعوث فبايعوني على أن يدخلها فبايعه عشرة آلاف من أهل الكوفة و خرج راكبا متخفيا يريد المدينة أو مكة فلقى سعيدا بواقصة فأخبره بالخبر فانصرف إلى المدينة كتب الأشتر إلى عثمان انا و الله ما منعنا عاملك إلا ليفسد عليك عملك ول من أحببت فكتب إليهم انظروا من كان عاملكم أيام عمر بن الخطاب فولوه فنظروا فاذا هو أبو موسى الأشعري فولوه.
أقول: هذا ما نقله المسعودي في مروج الذهب و غيره من المورخين بلا خلاف و من تأمل فيه يجد أن عثمان اضطر حينئذ إلى إجابتهم إلى ولاية أبي موسى و لم يصرف سعيدا مختارا بل ما صرفه جملة و انما صرفه أهل الكوفة عنهم.
و كان سعيد هذا أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان بن عفان و لما قتل عثمان لزم بيته فلم يشهد الجمل و لا صفين فلما استقر الأمر لمعاوية أتاه و عاتبه معاوية على تخلفه عنه في حروبه فاعتذر هو فقبل معاوية عذره ثم ولاه المدينة فكان يوليه إذا عزل مروان عن المدينة و يولى مروان إذا عزله. و قتل أبوه العاص يوم بدر كافرا قتله علي بن أبي طالب عليه السلام.
و في اسد الغابة: استعمله عثمان على الكوفة بعد الوليد بن عقبة بن أبي معيط و غزا طبرستان فافتتحها و غزا جرجان فافتتحها سنة تسع و عشرين أو سنة ثلاثين و انتقضت آذربيجان فغزاها فافتتحها في قول.
في الشافي للشريف المرتضى علم الهدى: و من أحداث عثمان أنه ولي امور المسلمين من لا يصلح لذلك و لا يؤتمن عليه و من ظهر منه الفسق و الفساد و من لا علم له مراعاة لحرمة القرابة و عدولا عن مراعاة حرمة الدين و النظر للمسلمين حتى ظهر ذلك منه و تكرر و قد كان عمر حذر من ذلك فيه من حيث وصفه بأنه كلف باقاربه و قال له إذا وليت هذا الأمر لا تسلط بني أبي معيط على رقاب الناس فوجد منه ما حذره و عوتب في ذلك فلم ينفع العتب فيه و ذلك نحو استعماله الوليد ابن عقبة و تقليده إياه حتى ظهر منه شرب الخمر و استعماله سعيد بن العاص حتى ظهرت منه الأمور التي عندها أخرجه أهل الكوفة، و توليته عبد الله بن سعد بن أبي سرح و عبد الله ابن عامر بن كريز حتى يروى عنه في أمر ابن أبي سرح أنه لما تظلم منه أهل مصر و صرفه عنهم لمحمد بن أبي بكر و غيره ممن يرد عليه و ظفر بذلك الكتاب و لذلك عظم التظلم من بعد و كثر الجمع و كان سبب الحصار و القتل و حتى كان من أمر مروان و تسلطه عليه و على اموره ما قتل بسببه و ذلك ظاهر لا يمكن دفعه.
«اعتذار القاضى عبد الجبار من ذلك و جوابه عنه في المغنى»
نقل عنه علم الهدى في الشافي انه قال: أما ما ذكروه من توليته من لا يجوز أن يستعمل فقد علمنا أنه لا يمكن أن يدعى أنه حين استعملهم علم من أحوالهم خلاف الستر و الصلاح لأن الذي ثبت عنهم من الأمور حدث من بعد و لا يمتنع كونهم في الأول مستورين في الحقيقة أو مستورين عنده و انما يجب تخطئته لو استعملهم و هم في الحال لا يصلحون لذلك. فان قيل لما علم بحالهم كان يجب أن يعزلهم، قيل له: كذلك فعل لأنه استعمل الوليد بن عقبة قبل ظهور شرب الخمر منه فلما شهدوا بذلك جلده الحد و صرفه و قد روى مثله عن عمر لأنه ولى قدامة بن مظعون بعض أعماله فشهدوا عليه بشرب الخمر فأشخصه و جلده الحد فإذا عد ذلك في فضائل عمر لم يجز أن يعد ما ذكروه في الوليد من معايب عثمان؛ و يقال: إنه لما أشخصه اقيم عليه الحد بمشهد أمير المؤمنين عليه السلام و اعتذر من عزله سعد بن أبي وقاص بالوليد بأن سعدا شكاه أهل الكوفة فأداه اجتهاده إلى عزله بالوليد.
ثم قال: فأما سعيد بن العاص فإنه عزله عن الكوفة و ولى مكانه أبا موسى الأشعري، و كذلك عبد الله بن سعد بن أبي سرح عزله و ولي مكانه محمد بن أبي بكر و لم يظهر له في باب مروان ما يوجب أن يصرفه عما كان مستعملا فيه و لو كان ذلك طعنا لوجب مثله في كل من ولى و قد علمنا أنه عليه السلام ولى الوليد بن عقبة فحدث منه ما حدث و حدث من بعض أمير المؤمنين الخيانة كالقعقاع بن شور فانه ولاه على ميسان (خراسان- ل خ) فأخذ مالها و لحق بمعاوية و كذلك فعل الأشعث ابن قيس بمال آذربايجان. و ولى أبا موسى الحكم و كان منه ما كان. و لا يجب أن يعاب أحد بفعل غيره.
فأما إذا لم يلحقه عيب في ابتداء الولاية فقد زال العيب فيما عداه. فقولهم: انه قسم الولايات في أقاربه و زال عن طريقة الاحتياط للمسلمين و قد كان عمر حذر من ذلك فليس بعيب لأن تولية الأقارب كتولية الأباعد و انه يحسن إذا كانوا على صفات مخصوصة.
و لو قيل إن تقديمهم أولى لم يمتنع ذلك إذ كان المولى لهم أشد تمكنا من عزلهم و الاستبدال بهم لمكان أقرب؛ و قد ولى أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله بن عباس البصرة و عبيد الله بن عباس و قثم بن العباس مكة حتى قال الأشتر عند ذلك: على ما ذا قتلنا الشيخ أمس فيما يروى و لم يكن ذلك بعيب إذا أدى ما وجب عليه في اجتهاده.
«اعتراض علم الهدى عليه و ابطاله جوابه»
اعترض عليه الشريف المرتضى علم الهدى في الشافي أنه يقال له: أما اعتذاره في ولاية عثمان من ولاه من الفسقة بانه لم يكن عالما بذلك من حالهم قبل الولاية و إنما تجدد منهم ما تجدد فعزلهم فليس بشيء يعول على مثله لأنه لم يول هؤلاء النفر إلا و حالهم مشهورة في الخلاعة و المجانة و التحرم و التهتك و لم يختلف اثنان في أن الوليد بن عقبة لم يستأنف التظاهر بشرب الخمر و الاستخفاف بالدين على استقبال ولايته الكوفة بل هذه كانت سنته و العادة المعروفة منه و كيف يخفى على عثمان و هو قريبه و لصيقه و أخوه لأمه من حاله ما لا يخفى على الأجانب الأباعد فلهذا قال له سعد بن أبي وقاص في رواية الواقدي و قد دخل الكوفة: يا با وهب أميرا أم زائرا؟ قال: بل أميرا، فقال سعد: ما أدرى أحمقت بعدك أم كسست بعدي؟ قال:ما حمقت بعدى و لا بعدك، و لكن القوم ملكوا فاستأثروا فقال سعد: ما أراك إلا صادقا.
و في رواية ابي مخنف لوط بن يحيى: ان الوليد لما دخل الكوفة مر على مجلس عمرو بن زرارة النخعي فوقف فقال عمرو: يا معشر بني اسد بئس ما استقبلنا به «ج 14»اخوكم ابن عفان من عدله ان ينزع عنا ابن ابي وقاص الهين اللين السهل القريب و يبعث علينا اخاه الوليد الأحمق الماجن الفاجر قديما و حديثا و استعظم الناس مقدمه و عزل سعد به و قالوا: اراد عثمان كرامة اخيه بهوان امة محمد صلى الله عليه و آله.
و هذا تحقيق ما ذكرناه من أن حاله كانت مشهورة قبل الولاية لا ريب فيها على أحد فكيف يقال إنه كان مستورا حتى ظهر منه ما ظهر.
و في الوليد نزل قوله تعالى أ فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون (السجدة- 20) فالمؤمن ههنا علي بن أبي طالب عليه السلام و الفاسق الوليد على ما ذكره أهل التأويل.
و فيه نزل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين و السبب في ذلك انه كذب على بني المصطلق عند رسول الله صلى الله عليه و آله و ادعى أنهم منعوه الصدقة، و لو قصصنا مخازيه المتقدمة و مساويه لطال الشرح.
و أما شربه الخمر بالكوفة و سكره حتى دخل عليه من دخل و أخذ خاتمه من اصبعه و هو لا يعلم فظاهر قد سارت به الركبان و كذلك كلامه في الصلاة و التفاته إلى من يقتدى به فيها و هو سكران و قوله أزيدكم فقالوا لا قد قضينا صلاتنا حتى قال الحطيئة في ذلك شعرا: شهد الخطيئة يوم يلقى ربه- الأبيات المذكورة آنفا و قال أيضا فيه:
تكلم في الصلاة و زاد فيها | علانية و جاهر بالنفاق | |
و مج الخمر في سنن المصلى | و نادى و الجميع إلى افتراق | |
أ أزيدكم على أن تحمدوني | فما لكم و مالي من خلاق | |
فأما قوله: «إنه جلده و عزله» فبعد أي شيء كان ذلك؟ و لم يعزله إلا بعد أن دافع و مانع و احتج عنه و ناضل، فلو لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام قهره على رأيه لما عزله و لا مكن من جلده.
و قد روى الواقدي أن عثمان لما جاءه الشهود يشهدون على الوليد بشرب الخمر أوعدهم و تهددهم. قال الراوي: و يقال: إنه ضرب بعض الشهود أسواطا فأتوا أمير المؤمنين عليه السلام فشكوا فأتي عثمان فقال: عطلت الحدود و ضربت قوما شهودا على أخيك فقلبت الحكم و قد قال عمر: لا تحمل بني امية و آل أبي معيط على رقاب الناس، قال: فما ترى؟ قال: أرى أن تعزله و لا توليه شيئا من أمور المسلمين، و أن تسأل عن الشهود فإن لم يكونوا أهل ظنة و لا عداوة أقمت على صاحبك الحد.
و تكلم في مثل ذلك طلحة و الزبير و عايشة و قالوا أقوالا شديدة و أخذته الألسن من كل جانب فحينئذ عزله و مكن من إقامة الحد عليه.
و روي الواقدي أن الشهود لما شهدوا عليه في وجهه و أراد عثمان أن يحده ألبسه جبة خز و أدخله بيتا فجعل إذا بعث إليه رجلا من قريش ليضربه قال له الوليد انشدك الله أن تقطع رحمي و تغضب أمير المؤمنين فيكف، فلما رأي أمير المؤمنين عليه السلام ذلك أخذ السوط و دخل عليه فجلده به فأي عذر له في عزله و جلده بعد هذه الممانعة الطويلة و المدافعة التامة.
و قصة الوليد مع الساحر الذي يلعب بين يديه و يغر الناس بمكره و خديعته و أن جندب بن عبد الله الأزدي امتعض من ذلك و دخل عليه فقتله و قال له: أحي نفسك إن كنت صادقا و أن الوليد أراد أن يقتل جندبا بالساحر حتى أنكر الأزد ذلك عليه فحبسه و طال حبسه حتى هرب من السجن معروفة مشهورة. أقول: و سيأتي نقل القصة.
قال: فان قيل: قد ولي رسول الله صلى الله عليه و آله الوليد بن عقبة صدقة بني المصطلق و ولي عمر الوليد أيضا صدقة بني تغلب فكيف يدعون أن حاله في أنه لا يصلح للولاية ظاهرة؟
قلنا: لا جرم أنه غر رسول الله صلى الله عليه و آله و كذب على القوم حتى نزلت الاية التي قدمنا ذكرها فعزله و ليس خطب ولاية الصدقة خطب ولاية الكوفة. فأما عمر لما بلغه قوله:
إذا ما شددت الرأس مني بمشور | فويلك مني تغلب ابنة وائل | |
عزله. و أما عزل أمير المؤمنين عليه السلام بعض أمرائه لما ظهر منه الحدث كالقعقاع ابن شور و غيره و كذلك عزل عمر قدامة بن مظعون لما شهدوا عليه بشرب الخمر و جلده له، فانه لا يشبه ما تقدم لأن كل واحد ممن ذكرناه لم يول الأمر إلا من هو حسن الظن عند توليته فيه حسن الظاهر عنده و عند الناس غير معروف باللعب (باللعنة- خ ل) و لا مشهور بالفساد، ثم لما ظهر منه ما ظهر لم يحام عنه و لا كذب الشهود عليه و كابرهم بل عزله مختار أغير مضطر و كل هذا لم يجر في امراء عثمان، و لأنا قد بينا كيف كان عزل الوليد و إقامة الحد عليه.
فأما أبو موسى فإن أمير المؤمنين عليه السلام لم يوله الحكم مختارا لكنه غلب على رأيه و قهر على أمره و لا رأى لمقهور.
فأما قوله «إن ولاية الأقارب كولاية الأباعد بل الأباعد أجدر و أولى أن يقدم الأقارب عليهم من حيث كان التمكن من عزلهم أشد و ذكر تولية أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله و عبيد الله و قثما بني العباس و غيرهم» فليس بشيء لأن عثمان لم تنقم عليه تولية الأقارب من حيث كانوا أقارب بل من حيث كانوا أهل بيت الظنة و التهمة و لهذا حذره عمر منهم و أشعر بأنه يحملهم على رقاب الناس، و أمير المؤمنين عليه السلام لم يول من أقاربه متهما و لا ظنينا و حين أحس من ابن عباس بعض الريبة لم يمهله و لا احتمله و كاتبه بما هو مشهور سائر ظاهر، و لو لم يجب على عثمان أن يعدل عن ولاية أقاربه إلا من حيث جعل عمر ذلك سبب عدوله عن النص عليه و شرط عليه يوم الشورى أن لا يحمل أقاربه على الناس و لا يؤثرهم لمكان القرابة بما لا يؤثر به غيرهم لكان صادقا قويا فضلا عن أن ينضاف إلى ذلك ما انضاف من خصالهم الذميمة و طرائفهم القبيحة.
فأما سعيد بن العاص فإنه قال في الكوفة: إنما السواد بستان لقريش تأخذ منه ما شائت و تترك حتى قالوا له أ تجعل ما أفاء الله علينا بستانا لك و لقومك و نابذوه و أفضى ذلك الأمر إلى تسييره من سير من الكوفة و القصة مشهورة ثم انتهى الأمر إلى منع أهل الكوفة سعيدا من دخولها و تكلموا فيه و في عثمان كلاما ظاهرا حتى كادوا يخلعون عثمان فاضطر حينئذ إلى إجابتهم إلى ولاية أبي موسى فلم يصرف سعيدا مختارا بل ما صرفه جملة و إنما صرفه أهل الكوفة عنهم.
12- قال المسعودي: و في سنة خمس و ثلاثين كثر الطعن على عثمان و ظهر عليه النكير لأشياء ذكروها من فعله منها ما كان بينه و بين عبد الله بن مسعود و انحراف هذيل عن عثمان من أجله.
و في أسد الغابة: عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي كان اسلامه قديما أول الاسلام سادس ستة في الاسلام و كان أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و هاجر الهجرتين جميعا إلى الحبشة و إلى المدينة و صلى القبلتين و شهد بدرا و احدا و الخندق و بيعة الرضوان و سائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه و آله، و أم عبد الله بن مسعود ام عبد بنت عبدود بن سوداء من هذيل أيضا.
و فيه بإسناده إلى عبد الرحمن بن يزيد قال: أتينا حذيفة فقلنا حدثنا بأقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه و آله هديا و دلا فنأخذ عنه و نسمع منه قال: كان أقرب الناس هديا و دلا و سمتا برسول الله صلى الله عليه و آله ابن مسعود و لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أن ابن ام عبد هو من أقربهم إلى الله زلفي.
و فيه عن علي عليه السلام قال: أمر النبي صلى الله عليه و آله ابن مسعود فصعد على شجرة يأتيه منها بشيء فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله فضحكوا من حموشة ساقيه فقال رسول الله صلى الله عليه و آله:ما تضحكون لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من احد.و فيه عن حبة بن جوين عن علي عليه السلام قال: كنا عنده جلوسا فقالوا: ما رأينا رجلا أحسن خلقا و لا أرفق تعليما و لا أحسن مجالسة و لا أشد ورعا من ابن مسعود.
قال علي عليه السلام: انشدكم الله أ هو الصدق من قلوبكم؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد أني أقول مثل ما قالوا و أفضل.و فيه في سبب اسلامه بإسناده إلى عبد الله بن مسعود قال: كنت غلاما يافعا في غنم لعقبة بن أبي معيط أرعاها فأتي النبي صلى الله عليه و آله و معه أبو بكر فقال: يا غلام هل معك من لبن؟ فقلت: نعم، و لكني مؤتمن فقال: ائتني بشاة لم ينز عليها الفحل فأتيته بعناق أو جذعة فاعتقلها رسول الله صلى الله عليه و آله فجعل يمسح الضرع و يدعو حتى انزلت فأتاه أبو بكر بصحوة فاحتلب فيها ثم قال لأبي بكر: اشرب فشرب أبو بكر ثم شرب النبي صلى الله عليه و آله بعده ثم قال للضرع: اقلص فقلص فعاد كما كان. ثم أتيت فقلت:يا رسول الله صلى الله عليه و آله علمني من هذا الكلام أو من هذا القرآن فمسح رأسي و قال: إنك غلام معلم فلقد أخذت منه سبعين سورة ما نازعني فيها بشر.
و فيه: و قال أبو طيبة مرض عبد الله فعاده عثمان بن عفان فقال: ما تشتكى؟
قال: ذنوبي. قال: فما تشتهى؟ قال: رحمة ربي. قال: ألا آمر لك بطبيب؟ قال:
الطبيب أمرضني. قال: ألا آمر لك بعطاء؟ قال: لا حاجة لي فيه. قال: يكون لبناتك، قال: أتخشى على بناتي الفقر؟ إني أمرت بناتي أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: من قرأ الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا. قال: و إنما قال له عثمان ألا آمر لك بعطائك لأنه كان قد حبسه عنه سنتين.
توفي ابن مسعود بالمدينة سنة اثنتين و ثلاثين من الهجرة و دفن ليلا اوصى بذلك و لم يعلم عثمان بدفنه فعاتب الزبير على ذلك و صلى عليه عمار و قيل صلى عليه الزبير.
و في الشافي لعلم الهدى الشريف المرتضى: و قد روى كل من روى سيرة من أصحاب الحديث على اختلاف طرقهم ان ابن مسعود كان يقول: ليتني و عثمان برمل عالج يحثى على و احثى عليه حتى يموت الأعجز منى و منه.
و فيه: و رووا انه كان يطعن عليه فيقال له ألا خرجت إليه لنخرج معك؟
فيقول: و الله لئن ازاول جبلا راسيا أحب إلي من أن ازاول ملكا مؤجلا. و كان يقول في كل يوم جمعة بالكوفة جاهرا معلنا: إن أصدق القول كتاب الله و أحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه و آله و شر الأمور محدثاتها و كل محدث بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار، و إنما يقول ذلك معرضا بعثمان حتى غضب الوليد من استمرار تعرضه و نهاه عن خطبته هذه فكتب إلى عثمان فيه فكتب عثمان يستقدمه عليه.
و فيه: و روى أنه لما خرج عبد الله بن مسعود إلى المدينة مزعجا عن الكوفة خرج الناس معه يشيعونه و قالوا: يا با عبد الرحمن ارجع فو الله لا يوصل إليك أبدا فانا لا نأمنه عليك، فقال: أمر سيكون و لا احب أن أكون أول من فتحه.
أقول: الظاهر أنه يريد من قوله أمر سيكون قيام الناس على عثمان و قتلهم إياه لما رأى الأمور المحدثة المنكرة منه و كلام الناس و سخطهم في عثمان و أفعاله.
و في الشافي: و قد روى عنه من طرق لا تحصى كثرة انه كان يقول: ما يزن عثمان عند الله جناح ذباب. و تعاطي شرح ما روى عنه في هذا الباب يطول و هو أظهر من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه. و انه بلغ من اصرار عبد الله على مظاهرته بالعداوة أن قال لما حضره الموت من يتقبل مني وصية اوصيه بها على ما فيها؟ فسكت القوم و عرفوا الذي يريد فأعادها فقال عمار بن ياسر: فانا أقبلها. فقال ابن مسعود:لا يصلى على عثمان. فقال: ذلك لك. فيقال: انه لما دفن جاء عثمان منكرا لذلك فقال له قائل: إن عمارا ولى هذا الأمر. فقال لعمار: ما حملك على أن لم تؤذني؟
فقال له: إنه عهد إلى ألا اوذنك فوقف على قبره و أثنى عليه ثم انصرف و هو يقول رفعتم و الله بايديكم عن خير من بقى فتمثل الزبير بقول الشاعر:
لأعرفنك بعد الموت تندبني | و في حياتي ما زودتني زادي | |
و فيه: لما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه فأتاه عثمان عائدا فقال:ما تشتكى؟ قال: ذنوبي. قال: فما تشتهى؟ قال: رحمة ربي قال: أ لا أدعو لك طبيبا؟ قال: الطبيب أمرضني. قال فلا آمر لك بعطائك؟ قال: منعتنيه و أنا محتاج إليه و تعطينيه و أنا مستغن عنه. قال: يكون لولدك، قال: رزقهم على الله. قال:استغفر لي يا با عبد الرحمن، فقال: أسأل الله أن يأخذ لي منك بحقي.
و فيه: ان كل من قرأ الأخبار علم أن عثمان أمر باخراجه من المسجد على أعنف الوجوه و بأمره جرى ما جرى عليه و لو لم يكن بأمره و رضاه لوجب أن ينكر على مولاه كسره لضلعه و يعتذر إلى من عاتبه على فعله بأن يقول: انني لم آمر بذلك و لا رضيته من فاعله و قد انكرت على من فعله و في علمنا بأن ذلك لم يكن دليل على ما قلناه. و قد روى الواقدي باسناده و غيره ان عثمان لما استقدمه المدينة دخلها ليلة جمعة فلما علم عثمان بدخوله قال: أيها الناس انه قد طرقكم الليلة دويبة من تمشى على طعامه يقي و يسلح. فقال ابن مسعود: لست كذلك و لكنني صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله يوم بدر و صاحبه يوم بيعة الرضوان و صاحبه يوم الخندق و صاحبه يوم حنين، قال: فصاحت عايشة أيا عثمان أتقول هذا لصاحب رسول الله صلى الله عليه و آله؟ فقال عثمان: اسكتى.
ثم قال لعبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن اسد بن عبد العزى ابن قصى: أخرجه إخراجا عنيفا فأخذه ابن زمعة فاحتمله حتى جاء به باب المسجد فضرب به الأرض فكسر ضلعا من أضلاعه. فقال ابن مسعود: قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان.
و في رواية اخرى أن ابن زمعة مولى لعثمان أسود كان مسدما طوالا.و في رواية اخرى أن فاعل ذلك يحموم مولى عثمان.
و في رواية أنه لما احتمله ليخرجه من المسجد ناداه عبد الله انشدك الله أن تخرجني من مسجد خليلي رسول الله صلى الله عليه و آله و هو الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه و آله: لساقا ابن ام عبد أثقل في الميزان يوم القيامة من جبل احد.
13- قال المسعودي في مروج الذهب و غيره: و من ذلك ما نال عمار بن ياسر من الفتن و الضرب و انحراف بني مخزوم عن عثمان من أجله.
و في تلخيص الشافي للشيخ الطوسي: و من ذلك إقدامه على عمار حتى روى أنه صار به فتق و كان أحد من ظاهر المتظلمين على قتله و كان يقول: قتلناه كافرا.
أقول: قد ذكرنا في المجلد الخامس عشر في شرح الخطبة 236 طائفة من الأقوال و الأخبار في ترجمة عمار و مناقبه و فضائله فلا حاجة إلى الاعادة فراجع.
قال ابن جمهور الاحسائي في المجلى: و من قوادح عثمان ضربه لعمار بن ياسر حتى أخذه الفتق على ما رواه الثقات من أهل السيرة ان عمار بن ياسر قام في المسجد يوما و عثمان يخطب على المنبر فوبخه بأحداثه و افعاله فنزل عثمان فركضه برجله حتى ألقاه على قفاه و داس في بطنه برجله و أمر أعوانه من بني امية فضربوه حتى غشى عليه و هو مع ذلك يشتم عمارا و يسبه و تركه و مضى إلى منزله فاحتمل عمار إلى منزله و هو لما به فلما أفاق من غشوته دخل عليه الناس فلامه بعض و قال و ما لك و التعرض لعثمان و قد علمت أفعاله و أحداثه؟ فقال: إنما حملني على ذلك كلام سمعت من رسول الله صلى الله عليه و آله فانه قال: أفضل الأعمال كلمة حق تقولها بين يدي إمام جائر فأردت أن أنال هذه الدرجة و أن لي و لعثمان موقفا عند الله يوم القيامة.
«جواب القاضي عبد الجبار و شيخه أبي على عن ذلك»
قال علم الهدى في الشافي: قال صاحب الكتاب «يعني القاضي عبد الجبار صاحب الكتاب المعروف بالمغني من الحجاج في الإمامة»: فاما ما طعنوا به من ضربه عمارا حتى صار به فتق فقد قال شيخنا أبو علي إن ذلك غير ثابت و لو ثبت انه ضربه للقول العظيم الذي كان يقوله لم يجب أن يكون طعنا لأن للإمام تأديب من يستحق ذلك و مما يبعد صحة ذلك أن عمارا لا يجوز أن يكفره و لما يقع منه ما يستوجب الكفر لأن الذي يكفر به الكافر معلوم و لأنه لو كان قد وقع ذلك لكان غيره من الصحابة أولى بذلك و لوجب أن يجتمعوا على خلعه و لوجب أن لا يكون قتله لهم مباحا بل كان يجب أن يقيموا إماما يقتله على ما قدمنا القول فيه و ليس لأحد ان يقول انما كفره من حيث وثب على الخلافة و لم يكن لها اهلا لأنا قد بينا القول في ذلك، لأنه كان مصوبا لأبي بكر و عمر على ما قدمنا من قبل، و قد بينا ان صحة إمامتهما يقتضي صحة إمامة عثمان.
و روى إن عمارا نازع الحسن عليه السلام في أمره فقال عمار قتل عثمان كافرا و قال الحسن عليه السلام قتل مؤمنا و تعلق بعضهما ببعض فصارا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ما ذا تريد من ابن أخيك؟ فقال إني قلت كذا و قال الحسن عليه السلام كذا فقال أمير المؤمنين عليه السلام أتكفر برب كان يؤمن به عثمان؟ فسكت عمار.
و حكى عن الخياط أن عثمان لما نقم عليه ضربه لعمار احتج لنفسه فقال جاءني سعد و عمار فارسلا إلى أن ائتنا فانا نريد أن نذاكرك اشياء فعلتها فارسلت إليهما أني مشغول فانصرفا فموعد كما يوم كذا فانصرف سعد و أبي عمار أن ينصرف فأعدت الرسول إليه فأبى أن ينصرف فتناوله بعض غلماني بغير أمري و و الله ما أمرت به و لا رضيت و ها أنا فليقتص مني قال: و هذا من أنصف قول و أعدله.
«اعتراض الشريف المرتضى علم الهدى عليه»
قال علم الهدى في جوابه: انه يقال له: قد وجدناك في قصة عثمان و عمار بين أمرين مختلفين: بين دفع لما روى من ضربه و بين اعتراف بذلك و تأول له و اعتذار منه بأن التأديب المستحق لا حرج فيه و نحن نتكلم على الأمرين:أما الدفع لضرب عمار فهو كالانكار لوجود أحد يسمى عمارا أو لطلوع الشمس ظهورا و انتشارا و كل من قرأ الأخبار و تصفح السير يعلم من هذا الأمر ما لا تثنية عنه مكابرة و لا مدافعة و هذا الفعل يعني ضرب عمار لم يختلف الرواة فيه و إنما اختلفوا في سببه:فروى عباس عن هشام الكلبي عن أبي مخنف في اسناده قال: كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلي و جوهر فأخذ منه عثمان ما حلي به بعض أهله فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك و كلموه فيه بكل كلام شديد حتى أغضبوه فخطب فقال:
لنأخذن حاجتنا من هذا الفيء و إن زغمت أنوف أقوام فقال علي عليه السلام إذا تمنع ذلك و يحال بينك و بينه فقال عمار: اشهد الله ان أنفي أول راغم من ذلك؛ فقال عثمان: أ على يا ابن ياسر و سمية تجترىء؟ خذوه فأخذوه فدخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي عليه ثم اخرج فحمل إلى منزل ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه و آله رحمة الله عليها فلم يصل الظهر و العصر و المغرب فلما أفاق توضأ و صلى و قال:الحمد لله ليس هذا أول يوم اوذينا فيه في الله فقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي و كان عمار حليفا لبني مخزوم، يا عثمان أما علي فاتقيته و أما نحن فاجترأت علينا و ضربت أخانا حتى اشفيت به على التلف أما و الله لئن مات لأقتلن به رجلا من بني امية عظيم السيرة و إنك لها أنا ابن القسرية، قال: فانهما قسريتان و كانت امه و جدته قسريتين من بجيلة فشتمه عثمان و أمر به فاخرج فأتي به ام سلمة فإذا هي قد غضبت بعمار و بلغ عايشة ما صنع بعمار فغضبت و أخرجت شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه و آله و نعلا من نعاله و ثوبا من ثيابه و قالت: ما أسرع ما تركتم سنة رسولكم و هذا شعره و ثوبه و نعله لم يبل بعد.
و روي آخرون أن السبب في ذلك أن عثمان مر بقبر جديد فسأل عنه فقيل:عبد الله بن مسعود فغضب على عمار لكتمانه إياه موته إذا كان المتولى للصلاة عليه و القيام بشأنه فعندها وطىء عثمان عمارا حتى أصابه الفتق.
و روي آخرون أن المقداد و طلحة و الزبير و عمارا و عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله كتبوا كتابا عددوا فيه أحداث عثمان و خوفوه ربه و أعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع. فأخذ عمار الكتاب فأتاه به فقرأه منه صدرا. فقال عثمان: أعلى تقدم من بينهم؟ فقال: لأني أنصحهم لك. فقال: كذبت يا ابن سمية. فقال: أنا و الله ابن سمية و أنا ابن ياسر فأمر غلمانه فمدوا بيديه و رجليه فضربه عثمان برجليه و هي في الخفين على مذاكيره فأصابه الفتق و كان ضعيفا كبيرا فغشي عليه.
فضرب عمار على ما ترى غير مختلف فيه بين الرواة و إنما اختلفوا في سببه، و الخبر الذي رواه صاحب الكتاب و حكاه عن الخياط ما نعرفه و كتب السير المعروفة خالية منه و من نظيره و قد كان يجب أن يضيفه إلى الموضع الذي أخذه منه، فإن قوله و قول من اسند إليه ليسا بحجة. و لو كان صحيحا لكان يجب أن يقول بدل قوله ها أنا فليقتص مني و إذا كان ما أمر بذلك و لا رضيه و إنما ضربه الغلام:هذا الغلام الجاني فليقتص منه فإنه أولى و أعدل و بعد فلا تنافي بين الروايتين لو كان ما رواه معروفا لأنه يجوز أن يكون غلامه ضربه في حال اخرى و الروايات إذا لم تتعارض لم يجز اسقاط شيء منها.
فأما قوله: إن عمارا لا يجوز أن يكفره و لم يقع منه ما يوجب الكفر، فان تكفير عمار له معروف قد جاءت به الروايات.
و قد روي من طرق مختلفة و باسانيد كثيرة أن عمارا كان يقول: ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر و أنا الرابع و أنا الرابع و أنا شر الأربعة و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون و أنا أشهد أنه قد حكم بغير ما أنزل الله.و روي عن زيد بن أرقم من طرق مختلفة انه قيل: بأي شيء أكفرتم عثمان؟
قال: بثلاث: جعل المال دولة بين الأغنياء، و جعل المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله بمنزلة من حارب الله و رسوله، و عمل بغير كتاب الله.
و روي عن حذيفة انه كان يقول: ما في عثمان بحمد الله أشك لكنني أشك في قاتله أ كافر قتل كافرا أم مؤمن خاض إليه الفتنة حتى قتله و هو أفضل المؤمنين إيمانا.
فأما ما رواه من منازعة الحسن عليه السلام عمارا في ذلك و ترافعهما فهو أولا غير رافع لكون عمار مكفرا له بل هو شاهد من قوله بذلك. و إن كان الخبر صحيحا فالوجه فيه أن عمارا علم من لحن كلام أمير المؤمنين عليه السلام و عدوله عن أن يقضى بينهما بصريح القول: انه متمسك بالتقية فأمسك عمار لما فهم من غرضه.
فأما قوله لا يجوز أن يكفره من حيث وثب على الخلافة لأنه كان مصوبا لأبى بكر و عمر و لما تقدم من كلامه في ذلك فلابد إذا حملنا تكفير عمار للرجل على الصحة من هذا الوجه أن يكون عمار غير مصوب للرجلين على ما ادعى.
فأما قوله عن أبى على انه لو ثبت انه ضربه للقول العظيم الذي كان يقول فيه لم يكن طعنا لأن للإمام تأديب من يستحق ذلك، فقد كان يجب أن يستوحش صاحب الكتاب أو من حكى كلامه من أبى على و غيره من أن يعتذر من ضرب عمار و قذه حتى لحقه من الغشى و ترك له الصلاة و وطيه بالاقدام امتهانا و استخفافا بشيء من العذر فلا عذر يسمع من إيقاع نهاية المكروه بمن روى أن النبي صلى الله عليه و آله قال فيه: عمار جلدة ما بين العين و الأنف و متى تنك الجلد تدم الأنف.
و روي أنه صلى الله عليه و آله قال: ما لهم و لعمار يدعوهم إلى الجنة و يدعونه إلى النار و روي العوام بن حوشب عن سلمة بن كهيل عن علقمة عن خالد بن الوليدأن رسول الله صلى الله عليه و آله قال: من عاد عمارا عاداه الله و من أبغض عمار أبغضه الله.
و أى كلام غليظ سمعه من عمار يستحق به ذلك المكروه العظيم الذي يتجاوز المقدار الذي فرضه الله تعالى في الحدود و إنما كان عمار و غيره ينثوا عليه أحداثه و معايبه أحيانا على ما يظهر من سيئ أفعاله و قد كان يجب عليه أحد الأمرين إما أن ينزع عما يواقف عليه من تلك الأفعال أو أن يبين عذره فيها أو براءته منها ما يظهر و ينتشر و يشتهر فان أقام مقيم بعد ذلك على توبيخه و تفسيقه زجره عن ذلك بوعظ أو غيره و لا يقدم على ما تفعله الجبابرة و الأكاسرة من شفاء الغيظ بغير ما أنزل الله تعالى و حكم به.
و في الإمامة و السياسة لابن قتيبة الدينوري: ذكروا أنه اجتمع ناس من أصحاب النبي عليه الصلاة و السلام فكتبوا كتابا و ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله صلى الله عليه و آله و سنة صاحبيه- و بعد ما أتى بكثير من أحداثه قال: ثم تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان و كان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر و المقداد ابن الأسود و كانوا عشرة فلما خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان و الكتاب في يد عمار جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده فمضى حتى جاء دار عثمان فاستأذن عليه فأذن له في يوم شات فدخل عليه و عنده مروان بن الحكم و أهله من بني امية فدفع عليه الكتاب فقرأه فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: و من كان معك؟ قال: كان معي نفر تفرقوا فرقا منك، قال: من هم؟
قال: لا أخبرك بهم، قال: فلم اجترأت علي من بينهم؟ فقال مروان: يا أمير المؤمنين إن هذا العبد الأسود (يعني عمارا) قد جرأ عليك الناس و إنك إن قتلته نكلت به من ورائه، قال عثمان: اضربوه فضربوه و ضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فغشي عليه فجروه حتى طرحوه على باب الدار- إلى آخر ما قال.
14- قال المسعودي في مروج الذهب: و من ذلك فعل الوليد بن عقبة في مسجد الكوفة و ذلك أنه بلغه عن رجل من اليهود من ساكني قرية من قري الكوفة مما يلي جسر بابل يقال له: زرارة يعمل أنواعا من الشعبذة و السحر يعرف بمطروي فاحضر فأراه في المسجد ضربا من التخاييل و هو أن أظهر له في الليل فيلا عظيما على فرس في صحن المسجد ثم صار اليهودي ناقة يمشي على جبل ثم أراه صورة حمار دخل من فيه ثم خرج من دبره ثم ضرب عنق رجل ففرق بين جسده و رأسه ثم أمر السيف عليه فقام الرجل و كان جماعة من أهل الكوفة حضورا منهم جندب بن كعب الأزدي فجعل يستعيذ بالله من فعل الشيطان و من عمل يبعد من الرحمن و علم أن ذلك هو ضرب من التخييل و السحر فاخترط سيفه و ضرب به اليهودي ضربة أدار رأسه ناحية من بدنه و قال: جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
و قد قيل ان ذلك كان نهارا و أن جندبا خرج إلى السوق و دنا من بعض الصياقلة و أخذ سيفا و دخل فضرب به عنق اليهودي و قال: إن كنت صادقا فأحى نفسك فأنكر عليه الوليد ذلك و أراد أن يقيده به فمنعه الأزد فحبسه و أراد قتله غيلة و نظر السجان إلى قيامه ليله إلى الصبح فقال له: انج بنفسك فقال له جندب: تقتل بي. قال: ليس ذلك بكثير في مرضاة الله و الدفع عن ولي من أولياء الله، فلما اصبح الوليد دعا به و قد استعد لقتله فلم يجده فسأل السجان فأخبره بهربه فضرب عنق السجان و صلبه بالكناس.
قال ابن الأثير الجزري في اسد الغابة: جندب بن كعب بن عبد الله الأزدي أحد جنادب الأزد و هو قاتل الساحر عند الأكثر و ممن قاله الكلبي و البخاري روى عنه الحسن.
قال: اخبرنا إبراهيم بن محمد بن مهران الفقيه و غيره قالوا باسنادهم عن محمد ابن عيسى أخبرنا أحمد بن منيع أخبرنا أبو معاوية عن اسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: حد الساحر ضربة بالسيف. قد اختلف في رفع هذا الحديث فمنهم من رفعه بهذا الاسناد و منهم من وقفه على جندب.
و كان سبب قتله الساحر أن الوليد بن عقبة أبي معيط لما كان أميرا على الكوفة حضر عنده ساحر فكان يلعب بين يدي الوليد يريه أنه يقتل رجلا ثم يحييه و يدخل في فم ناقة ثم يخرج من حيائها فأخذ سيفا من صيقل و اشتمل عليه و جاء إلى الساحر فضربه ضربة فقتله ثم قال له: أحى نفسك ثم قرأ: أ فتأتون السحر و أنتم تبصرون فرفع إلى الوليد فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: حد الساحر ضربة بالسيف فحبسه الوليد فلما رأى السجان صلاته و صومه خلى سبيله.
و في الشافي و تلخيصه: ان الوليد اراد أن يقتل جندبا بالساحر حتى انكر الأزد ذلك فحبسه و أطال حبسه حتى هرب من السجن.
و قال في اسد الغابة: فأخذ الوليد السجان فقتله و قيل: بل سجنه فأتاه كتاب عثمان باطلاقه و قيل: بل حبس الوليد جندبا فأتى ابن أخيه إلى السجان فقتله و أخرج جندبا فذلك قوله:
أفي مضرب السحار يحبس جندب | و يقتل أصحاب النبي الأوائل | |
فان يك ظنى بابن سلمى و رهطه | هو الحق يطلق جندب و يقاتل | |
و انطلق إلى أرض الروم فلم يزل يقاتل بها المشركين حتى مات لعشر سنوات مضين من خلافة معاوية.
15- و من ذلك قصة قتل الهرمزان و قد قدمنا الكلام فيه في شرح الخطبة 236 و جملته أن عثمان عطل الحد الواجب في عبيد الله بن عمر فانه قتل الهرمزان بعد اسلامه فلم يقده به و قد كان أمير المؤمنين علي عليه السلام يطلبه لذلك. و تلك القصة على الاجمال أن الهرمزان كان من عظماء فارس و كان قد اسر في بعض الغزوات و جيء به إلى المدينة فأخذه علي عليه السلام فأسلم على يديه فأعتقه علي عليه السلام فلما ضرب عمر في غلس الصبح و اشتبه الأمر في ضاربه سمع ابنه عبيد الله قوم يقولون: قتله العلج فظن أنهم يعنون الهرمزان فبادر عبيد الله إليه فقتله قبل أن يموت عمر فسمع عمر بما فعله ابنه فقال: قد أخطأ عبيد الله إن الذي ضربني أبو لؤلؤة و إن عشت لأقيدنه به فإن عليا لا يقبل منه الدية و هو مولاه فلما مات عمر و تولى عثمان طالب علي عليه السلام بقود عبيد الله و قال: إنه قتل مولاى ظلما و أنا وليه فقال عثمان: قتل بالأمس عمر و اليوم يقتل ابنه حسب آل عمر مصابهم به و امتنع من تسليمه إلى علي عليه السلام و منع عليا حقه و لهذا قال علي عليه السلام لأن أمكنني الدهر منه يوما لأقتلنه به فلما ولى علي عليه السلام هرب عبيد الله منه إلى الشام و التجأ إلى معاوية و خرج معه إلى حرب صفين فقتله علي عليه السلام في حرب صفين قال الأحسائي في المجلى: فانظر إلى عثمان كيف عطل حق علي عليه السلام و خالف الكتاب و السنة برأيه و الله تعالى يقول و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا.
و قال أبو جعفر الطبر في التاريخ: بعد ما بايع الناس عثمان جلس في جانب المسجد و دعا عبيد الله بن عمرو و كان محبوسا في دار سعد بن أبي وقاص و هو الذي نزع السيف من يده بعد قتله جفينة و الهرمزان و ابنة أبي لؤلؤة و كان يقول: و الله لأقتلن رجالا ممن شرك في دم أبي يعرض بالمهاجرين و الأنصار فقام إليه سعد فنزع السيف من يده و جذب شعره حتى أضجعه إلى الأرض و حبسه في داره حتى أخرجه عثمان إليه فقال عثمان لجماعة من المهاجرين و الأنصار: أشيروا على في هذا الذي فتق في الاسلام ما فتق، فقال علي أرى أن تقتله فقال بعض المهاجرين: قتل عمر أمس و يقتل ابنه اليوم؟ فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان و لك على المسلمين سلطان إنما كان هذا الحدث و لا سلطان لك قال عثمان: أنا وليهم و قد جعلتها دية و احتملتها في مالي.
قال: و كان رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد البياضي إذا رأى عبيد الله ابن عمر قال:
ألا يا عبيد الله ما لك مهرب | و لا ملجأ من ابن أروى و لا خفر | |
أصبت دما و الله في غير حله | حراما و قتل الهرمزان له خطر | |
على غير شيء غير أن قال قائل | أتتهمون الهرمزان على عمر | |
فقال سفيه و الحوادث جمة | نعم اتهمه قد أشار و قد أمر | |
و كان سلاح العبد في جوف بيته | يقلبها و الأمر بالأمر يعتبر | |
فشكى عبيد الله بن عمر إلى عثمان زياد بن لبيد و شعره فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه قال: فانشأ زياد يقول في عثمان:
أبا عمر و عبيد الله رهن | فلا تشكك بقتل الهرمزان | |
فإنك إن غفرت الجرم عنه | فأسباب الخطا فرسا رهان | |
أ تعفو إذ عفوت بغير حق | فما لك بالذي تحكى يدان | |
فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه و شذبه.
«اعتذار القاضى عبد الجبار من تعطيل عثمان الحد الواجب» «في عبيد الله بن عمر»
نقل علم الهدى في الشافي عن عبد الجبار بقوله: ثم ذكر ما نسب إليه من تعطيل الحد في الهرمزان و حكى عن أبي علي أنه لم يكن للهرمزان ولي يطلب بدمه و الإمام ولي من لا ولي له و للولي أن يعفو كما له أن يقتل. و قد روى أنه سأل المسلمين أن يعفوا عنه فأجابوا إلى ذلك.
قال القاضي: و انما أراد عثمان بالعفو عنه ما يعود إلى عز الدين لأنه خاف أن يبلغ العدو قتله فيقال: قتلوا إمامهم و قتلوا ولده و لا يعرفون الحال في ذلك فيكون شماتة.
و حكى عن الخياط أن عامة المهاجرين أجمعوا على الإيقاد بالهرمزان و قالوا: هو دم سفك في غير ولايتك فليس له ولي يطلب به و أمره إلى الإمام فاقبل منه الدية فذلك صلاح المسلمين.
قال: و لم يثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يطلبه ليقتله بالهرمزان لأنه لا يجوز قتل من عفى عنه ولي المقتول و إنما كان يطلبه ليضع من قدره و يصغر من شأنه.
قال: و يجوز أن يكون ما روى عن علي عليه السلام انه قال: لو كنت بدل عثمان لقتله، يعني أنه كان يرى ذلك أقوى في الاجتهاد و أقرب إلى التشدد في دين الله.
«اعتراض علم الهدى على القاضى»
اعترض عليه الشريف المرتضى علم الهدى في الشافي بقوله: فأما الكلام في قتل الهرمزان و في العدول عن قتل قاتله و اعتذاره من ذلك بما اعتذر به من انه لم يكن له ولي لأن الإمام ولى من لا ولي له و له أن يعفو كما له أن يستوفي القود، فليس بشيء لأن الهرمزان رجل من أهل فارس و لم يكن له ولي حاضر يطالب بدمه و قد كان يجب أن يبذل الإنصاف لأوليائه و يؤمنوا متى حضروا حتى ان كان له ولي يطالب و حضر و طالب.
ثم لو لم يكن له ولي لم يكن عثمان ولي دمه لأنه قتل في أيام عمر فصار عمر ولي دمه و قد أوصى عمر على ما جاءت به الروايات الظاهرة بقتل ابنه عبيد الله إن لم يقم البينة العادية على الهرمزان و جفينة أنهما أمرا أبا لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة بقتله و كانت وصيته بذلك إلى أهل الشورى فقال: أيكم ولي هذا الأمر فليفعل كذا و كذا مما ذكرناه، فلما مات عمر طلب المسلمون إلى عثمان إمضاء الوصية في عبيد الله بن عمر فدافع عنها و عللهم فلو كان هو ولي الدم على ما ذكره لم يكن له أن يعفو و أن يبطل حدا من حدود الله تعالى و أي شماتة للعدو في إقامة حدود الله تعالى؟ و إنما الشماتة كلها من اعداء الاسلام في تعطيل الحدود؛ و أي حرج في الجمع بين قتل الأب و الابن حتى يقال كره أن ينتشر الخبر بأن الإمام و ابنه قتلا و إنما قتل أحدهما ظلما بغير أمر الله و الاخر بأمر الله تعالى.
و قد روى زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح أن أمير المؤمنين عليه السلام أتى عثمان بعد ما استخلف فكلمه في عبيد الله و لم يكلمه أحد غيره فقال: اقتل هذا الفاسق الخبيث الذي قتل امرأ مسلما؛ فقال عثمان: قتلوا أباه بالأمس و أقتله اليوم و إنما هو رجل من أهل الأرض فلما أبى عليه مر عبيد الله على علي عليه السلام فقال له يا فاسق ايه أما و الله لئن ظفرت بك يوما من الدهر لأضربن عنقك فلذلك خرج مع معاوية على أمير المؤمنين عليه السلام.
و روى القناد عن الحسن بن عيسى بن زيد عن أبيه أن المسلمين لما قال عثمان إني قد عفوت عن عبيد الله بن عمر قالوا: ليس لك أن تعفو عنه. قال: بلى إنه ليس لجفينة و الهرمزان قرابة من أهل الاسلام و أنا أولى بهما لأني ولي أمر المسلمين و قد عفوت فقال علي عليه السلام إنه ليس كما تقول إنما أنت في أمرهما بمنزلة اقصى المسلمين و إنما قتلهما في إمرة غيرك و قد حكم الوالي الذي قبلك الذي قتلا في امارته بقتله و لو كان قتلهما في امارتك لم يكن لك العفو عنه فاتق الله فان الله سائلك عن هذا. فلما رأى عثمان أن المسلمين قد أبوا إلا قتل عبيد الله أمره فارتحل إلى الكوفة و ابتنى و أقطعه بها دارا و ارضا و هي التي يقال لها كويفة ابن عمر فعظم ذلك عند المسلمين و اكبروه و كثر كلامهم فيه.
و روى عن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام انه قال:ما أمسى عثمان يوم ولي حتى نقموا عليه في أمر عبيد الله بن عمر حيث لم يقتله بالهرمزان.
فأما قوله: إن أمير المؤمنين عليه السلام لم يطلبه ليقتله بل ليضع من قدره فهو بخلاف ما صرح به عليه السلام من أنه لم يكن إلا لضرب عنقه.و بعد فان ولي الدم إذا عفى عنه على ما ادعوا لم يكن لأحد أن يستخف به و يضع من قدره كما ليس له أن يقتله.
و قوله: إن أمير المؤمنين عليه السلام لا يجوز أن يتوعده مع عفو الإمام عنه فإنما يكون صحيحا لو كان ذلك العفو مؤثرا و قد بينا انه غير مؤثر.
و قوله: يجوز أن يكون عليه السلام ممن يرى قتله أقوى في الاجتهاد و أقرب إلى التشدد في دين الله فلا شك أنه كذلك و هذا بناء منه على أن كل مجتهد مصيب و قد بينا أن الأمر بخلاف ذلك، و إذا كان اجتهاد أمير المؤمنين عليه السلام يقتضى قتله فهو الذى لا يسوغ خلافه.
16- في المجلي: و من قوادحه عمله بالتكبر و اظهاره لاعماله الجبابرة و تزيينه بزي الجاهلية و الملوك خلافا لما كان عليه النبي صلى الله عليه و آله و أصحابه من التواضع و الزهد و طريقة الصلحاء فاستعمل الحجاب و الغلمان و لبس الحرير و التزين بالمذهب و ضرب البوقات على بابه و كل هذه اعمال مخالفة للشريعة الأحمدية و ما كان عليه الصحابة و الخلفاء المتقدمين عليه و لهذا نقموا عليه و ظهر بين المهاجرين و الأنصار فسقه و طلبوا منه الاعتزال عن امرتهم فأبى فقتلوه لعلمهم باستحقاقه لذلك و أن الخلافة لا يجوز لمن هو معلن بالفسق.
17- و فيه: و من قوادحه عيبهم إياه بأنه لم يحضر غزاة بدر التي كانت أول حرب امتحن به المؤمنون فجلس في بيته و تعلل بمرض زوجته و كذلك بيعة الرضوان لم يحضرها و تخلف عنها متعللا بموت زوجته مع ان الله تعالى يقول في أهلها لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فكان محروما من ذلك الرضا و يوم احد انهزم و فر من الزحف أقبح فرار حتى أنه بقي في هزيمته مدة ثلاثة أيام لا يلتفت إلى وراه حتى وصل إلى قرية قريب مكة يقال لها:السوارقية و لما رجع إلى المدينة بعد أن علم بسلامة النبي صلى الله عليه و آله قال له النبي صلى الله عليه و آله:لقد ذهبت فيها عريضة يا عثمان و لم يرد جوابا خجلا مما فعله.
18- و فيه: و من قوادحه أن الصحابة بأجمعهم أجمعوا على حربه لأجل أحداثه التى نقموها عليه و كانوا يومئذ بين خاذل و قاتل حتى قتلوه في بيته بين ولده و نسائه في المدينة و دار الهجرة و منعوه من الماء ثلاثة أيام و هو بين ظهراني المسلمين مع أنه خليفتهم و إمامهم لم يحم عنه منهم محام و لا له منهم قائم و ذلك دليل على اجماعهم على قتله و استحلالهم لدمه كما أجمعوا على خلافته حتى قال بعض العلماء: إن المجمعين على قتل عثمان كانوا أكثر من المجمعين على بيعته و ما ذاك إلا لعظم أحداثه حتى بقى ثلاثة أيام مرميا على الكناسة بعد قتله لم يجسر أحد أن يدفنه حتى قام ثلاثة نفر من بنى أمية فأخذوه بالليل بعد انتصافه سرقة و دفنوه لكيلا يعلم بهم أحد و ذلك دليل على عظم أحداثه و كبر معاصيه في الإسلام و أهله فلو لا انه كان مستحقا لما فعلوه به، إلى آخر ما قال. و سنذكر تفصيل الكلام في قتله و ما ذكروا في المقام.
19- و فيه: و من قوادحه قصته المشهورة مع أهل مصر و ذلك انه لما كثرت أحداثه و ظهرت بين المسلمين كثرت الشكايات منه و من عماله فورد إلى المدينة جماعة من أهل مصر يشكون من عامله عليهم عبد الله بن أبي سرح- إلى أن قال:و عزل عثمان عن أهل مصر عامله و قال: تختاروا لأنفسهم من شاءوا فقالوا: نريد محمد بن أبي بكر فاستعمله على مصر و كتب له بها عهدا بحضرة الكل. ثم إن أهل مصر مع عاملهم محمد بن أبي بكر لما خرجوا من المدينة كتب عثمان إلى عبد الله بن أبي سرح كتابا إنك متى قدم عليك محمد بن أبي بكر و أصحابه المصريين فاقتلهم و اصلبهم و ابق على عملك- إلى آخر ما قال و سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
20- و منها- كما في الامامة و السياسة لابن قتيبة الدينوري-: تركه المهاجرين و الأنصارلا يستعملهم على شيء و لا يستشيرهم و استغني برأيه عن رأيهم.
21- و فيه أيضا: إدراره القطائع و الأرزاق و الأعطيات على أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النبي عليه الصلاة و السلام ثم لا يغزون و لا يذبون.
22- و فيه أيضا: و ما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط و انه أول من ضرب بالسياط ظهور الناس و إنما كان ضرب الخليفتين قبله بالدرة و الخيزران.
و في الشافي و تلخيصه: انه جلد بالسوط و من كان قبله يضرب بالدرة.
23- في المجلي: و من قوادحه إحراقه المصاحف التي هي كلام الله العزيز الواجب على أهل الاسلام تعظيمه و القيام بحرمته و أنهم أجمعوا على أن من استخف بحرمته كان مرتدا خارجا من الإسلام و لا شيء في الاستخفاف ابلغ من الحرق بالنار، فقد نقل أهل السيرة انه لما أراد اجتماع الناس على مصحفه طلب المصاحف التي كانت في أيدي الناس حتى جمعها كلها ثم انه أحرقها. و في رواية اخرى أنه وضعها في قدر و طبخها بالنار حتى تمزقت و تفرقت و لم يبق منها غير مصحف عبد الله بن مسعود فانه طلبه منه فمنعه و لم يسلمه إليه فضربه على ذلك حتى كسر بعض أضلاعه و منعه عطاءه و بقي عبد الله مريضا حتى مات و دخل عليه عثمان في مرضه و طلب منه أن يحله فلم يرض أن يحله، و كيف صح له التهجم على الكتاب العزيز بهذه الأفعال الشنيعة و كيف صح له أن يضرب رجلا من أكابر الصحابة و فضلائهم و علمائهم على منعه ملكه لا يسلمه إليه حتى مات بسبب ذلك الضرب، و من المعلوم للكل أن كل ذلك الفعل مخالف للشريعة محرم بالكتاب و السنة.
و في الشافي: ثم من عظيم ما أقدم عليه جمعه الناس على قراءة زيد و إحراقه المصاحف و إبطاله ما شك انه منزل من القرآن و أنه مأخوذ عن الرسول صلى الله عليه و آله و لو كان ذلك مما يسوغ لسبق إليه الرسول عليه السلام و لفعله أبو بكر و عمر.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی