خطبه 222 صبحی صالح
222- و من كلام له ( عليه السلام ) قاله عند تلاوته
يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى جَعَلَ الذِّكْرَ جِلاءً لِلْقُلُوبِ تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ وَ تُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْعَشْوَةِ وَ تَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ
وَ مَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلَاؤُهُ فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ وَ فِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ وَ كَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي الْأَبْصَارِ وَ الْأَسْمَاعِ وَ الْأَفْئِدَةِ
يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَ يُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَدِلَّةِ فِي الْفَلَوَاتِ مَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ وَ بَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ وَ مَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَ شِمَالًا ذَمُّوا إِلَيْهِ الطَّرِيقَ وَ حَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَكَةِ
وَ كَانُوا كَذَلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ وَ أَدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ
وَ إِنَّ لِلذِّكْرِ لَأَهْلًا أَخَذُوهُ مِنَ الدُّنْيَا بَدَلًا فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَ لَا بَيْعٌ عَنْهُ يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ الْحَيَاةِ
وَ يَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فِي أَسْمَاعِ الْغَافِلِينَ وَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَ يَأْتَمِرُونَ بِهِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ
فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ وَ هُمْ فِيهَا فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَكَأَنَّمَا اطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ فِي طُولِ الْإِقَامَةِ فِيهِ وَ حَقَّقَتِ الْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا
فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الدُّنْيَا حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لَا يَرَى النَّاسُ وَ يَسْمَعُونَ مَا لَا يَسْمَعُونَ
فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمُ الْمَحْمُودَةِ وَ مَجَالِسِهِمُ الْمَشْهُودَةِ وَ قَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ أَعْمَالِهِمْ وَ فَرَغُوا لِمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى كُلِّ صَغِيرَةٍ وَ كَبِيرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فيهَا
وَ حَمَّلُوا ثِقَلَ أَوْزَاِرِهمْ ظُهُورَهُمْ فَضَعُفُوا عَنِ الِاسْتِقْلَالِ بِهَا فَنَشَجُوا نَشِيجاً وَ تَجَاوَبُوا نَحِيباً يَعِجُّونَ إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَمٍ وَ اعْتِرَافٍ
لَرَأَيْتَ أَعْلَامَ هُدًى وَ مَصَابِيحَ دُجًى قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ وَ تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَ أُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الْكَرَامَاتِ فِي مَقْعَدٍ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ وَ حَمِدَ مَقَامَهُمْ
يَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ التَّجَاوُزِ رَهَائِنُ فَاقَةٍ إِلَى فَضْلِهِ وَ أُسَارَى ذِلَّةٍ لِعَظَمَتِهِ جَرَحَ طُولُ الْأَسَى قُلُوبَهُمْ وَ طُولُ الْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ
لِكُلِّ بَابِ رَغْبَةٍ إِلَى اللَّهِ مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعَةٌ يَسْأَلُونَ مَنْ لَا تَضِيقُ لَدَيْهِ الْمَنَادِحُ وَ لَا يَخِيبُ عَلَيْهِ الرَّاغِبُونَ
فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ الْأَنْفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج14
و من كلام له عليه السلام و هو المأتان و العشرون من المختار فى باب الخطب
قاله عليه السلام عند تلاوة رجال لا تلهيهم تجارة:
إن الله سبحانه جعل الذكر جلاء للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، و تبصر به بعد العشوة، و تنقاد به بعد المعاندة، و ما برح لله عزت آلائه في البرهة بعد البرهة، و في أزمان الفترات عباد ناجاهم في فكرهم، و كلمهم في ذات عقولهم، فاستصبحوا بنور يقظة في الأسماع، و الأبصار، و الأفئدة، يذكرون بأيام الله، و يخوفون مقامه، بمنزلة الأدلة في الفلوات، من أخذ القصد حمدوا إليه طريقه، و بشروه بالنجاة، و من أخذ يمينا و شمالا ذموا إليه الطريق، و حذروه من الهلكة، فكانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات، و أدلة تلك الشبهات. و إن للذكر لأهلا أخذوه من الدنيا بدلا، فلم تشغلهم تجارة و لا بيع عنه، يقطعون به أيام الحياة، و يهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين، و يأمرون بالقسط، و يأتمرون به، و ينهون عن المنكر، و يتناهون عنه، فكأنما قطعوا الدنيا إلى الاخرة و هم فيها فشاهدوا ما وراء ذلك، فكأنما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه، و حققت القيامة عليهم عداتها، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا، حتى كأنهم يرون ما لا يرى الناس، و يسمعون ما لا يسمعون.
فلو مثلتهم بعقلك في مقاومهم المحمودة، و مجالسهم المشهودة، و قد نشروا دواوين أعمالهم، و فرغوا لمحاسبة أنفسهم، على كل صغيرة و كبيرة أمروا بها فقصروا عنها، أو نهوا عنها ففرطوا فيها، و حملوا ثقل أوزارهم ظهورهم، فضعفوا عن الإستقلال بها، فنشجوا نشيجا، و تجاوبوا نحيبا، يعجون إلى ربهم من مقاوم ندم و اعتراف. لرأيت أعلام هدى، و مصابيح دجى، قد حفت بهم الملائكة، و تنزلت عليهم السكينة، و فتحت لهم أبواب السماء، و أعدت لهم مقاعد الكرامات في مقام اطلع الله عليكم فيه، فرضي سعيهم، و حمد مقامهم، يتنسمون بدعائه روح التجاوز، رهائن فاقة إلى فضله، و أسارى ذلة لعظمته، جرح طول الأسى قلوبهم، و طول البكاء عيونهم، لكل باب رغبة إلى الله منهم يد قارعة، يسئلون من لا تضيق لديه المنادح، و لا يخيب عليه الراغبون، فحاسب نفسك لنفسك، فإن غيرها من الأنفس عليها حسيب غيرك.
اللغة
(الوقرة) ثقل في الاذن أو ذهاب السمع كله و (العشوة) مرة من العشاء بالفتح و القصر سوء البصر بالليل و النهار أو العمى و (البرهة) بالضم الزمان الطويل أو الأعم و (الفترة) ما بين كل النبيين و (الفلاة) المفازة لا ماء فيها أو الصحراء الواسعة و (هتف) به من باب ضرب هتافا بالضم صاح به.
مجاز و (المقاوم) المجالس جمع المقامة و هي مفعلة من المقام و هما فى الأصل اسمان لوضع القيام إلا أنهم اتسعوا فيهما فاستعملوهما استعمال المجلس و المكان قال تعالى «خير مقاما» أى مجلسا و (أقل) فلان بالشيء و استقل به إذا حمله قال تعالى أقلت سحابا ثقالا أى حملت الريح سحابا ثقالا بالماء و (النشيج) الصوت مع بكاء و توجع كما يرد الصبي بكاءه في صدره و (النحيب) رفع الصوت بالبكاء و (عج) عجا من باب ضرب رفع صوته بالتلبية و نحوها و (النسيم) نفس الريح الضعيف كالنسمة و تنسم أى تنفس و تنسم النسيم أى تشممه.
و (الروح) بالفتح الرحمة و الراحة قال تعالى لا تيأسوا من روح الله أى من رحمته، و يقال أيضا لنسيم الريح الطيب من روحت الدهن ترويحا جعلت فيه ريحا طيبا طابت به ريحه فتروح أى فاحت رائحته و قال في مجمع البحرين في قوله تعالى فأما إن كان من المقربين فروح و ريحان و جنة نعيم إن الروح بفتح أوله الراحة و الاستراحة أو الحياة الدائمة، و بضمه الرحمة لأنها كالروح للمرحوم، و بالوجهين قرء قوله: فروح.
و (المنادح) جمع المندح كقاتل و مقتل أو جمع المندوحة من ندح ندحا من باب منع اتسع قال الفيروز آبادى: الندح و بضم الكثرة و السعة و ما اتسع من الأرض كالندحة و الندحة و المندوحة و المنتدح و (الحسيب) المحاسب و في بعض النسخ محاسب بدل حسيب.
الاعراب
قوله تعالى يسبح له فيها بالغدو و الآصال رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله قرء ابن عامر و أبو بكر يسبح بفتح الباء بالبناء على المفعول و الباقون بكسرها، فعلي قولهم يكون رجال فاعله و على القول الأول فالساد مسد الفاعل أحد الظروف الثلاثة أعني له فيها بالغدو، و على هذه القراءة فيكون رجال فاعلا لفعل محذوف مدلول عليه بالفعل المذكور فكأنه قيل من يسبحه فقال: رجال، أى يسبحه رجال كما في قول الشاعر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة | و مختبط مما تطيح الطوايح | |
أى يبكيه ضارع، و قيل: هو خبر مبتدأ محذوف أى المسبح رجال و قيل:
التقدير فيها رجال.
و قوله عليه السلام: و ما برح لله آه برح فعل ناقص بمعني زال من نواسخ المبتدأ و الخبر يدخل عليهما فيرفع المبتدأ تشبيها بالفاعل و ينصب الخبر تشبيها بالمفعول، و لله خبره المقدم و عباد اسمه المؤخر، و إنما يعمل هذا العمل بشرط تقدم النفي عليه كما هنا و في قوله «لن نبرح عليه عاكفين» و مثله زال في الاشتراط به قال تعالى: و لا يزالون مختلفين و جملة عزت آلاؤه حال من الله.
و قوله: في البرهة بعد البرهة إما ظرف لغو متعلق ببرح، أو ظرف مستقر حال من عباد قدمت على ذيها للظرفية.
و قوله: حمدوا إليه تعديته بالى لتضمين معني الانهاء كما في قولهم: أحمد إليك الله أى أحمد منهيا حمده إليك.
و قوله عليه السلام: فكانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات، كان فعل ناقص و الضمير اسمه و كذلك خبره، و الكاف فيه إما للتشبيه أو بمعني على كما قاله الأخفش و الكوفيون مستدلين بأن بعضهم قيل له كيف أصبحت فقال كخير أى على خير أى كان عباد الله كما وصفناه أو على ما وصفناه، و مصابيح تلك الظلمات فى بعض النسخ بالنصب و فى بعضها بالرفع، فعلى النصب يجوز أن تكون بدلا من كذلك بدل تفصيل كما في
قوله تعالى أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام و بنين و جنات و عيون و أن تكون حالا من اسم كان على القول بجواز عمل الفعل الناقص فى الحال، و على الرفع فهو بدل من ضمير كانوا كابدال الذين ظلموا من ضمير أسروا في قوله تعالى و أسروا النجوى الذين ظلموا.
و قوله: يقطعون به أيام الحياة، الظرف مفعول به لا مفعول فيه مثل حيث في قوله تعالى الله أعلم حيث يجعل رسالته إذ المعني أنه سبحانه يعلم نفس المكان المستحق للرسالة لا شيئا في المكان، و ناصبها يعلم محذوفا مدلولا عليه بأعلم لا بأعلم نفسه لأن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به، و قوله: لرأيت جواب فلو مثلتهم.
و قوله عليه السلام: رهائن فاقة خبر لمبتدأ محذوف و قوله: لكل باب رغبة خبر قدم على مسنده و هو يد قارعة، و منهم متعلق برغبة و يحتمل أن يكون منهم يد قارعة خبر او مبتداء، فيكون لكل باب ظرف لغو متعلق بقارعة و قدم على متعلقه للوسعة في الظروف.
و قوله: لا يخيب عليه الراغبون، تعديته بعلى لتضمين لا يخيب معنى التوكل أى متوكلين عليه، و على للاستعلاء المجازى كما في قوله تعالى كان على ربك حتما مقضيا فانه تعالى شانه من استعلاء شيء عليه و لكنه إذا صار الشيء مشهورا في الاستعمال في شيء لم يراع معناه الأصلى نحو ما أعظم الله و منه: توكلت على فلان كأنك تحمل ثقلك عليه، و منه توكلت على الله صرح بذلك نجم الأئمة الرضى، و يحتمل أن يكون عليه بمعنى فيه كما في قوله تعالى و دخل المدينة على حين غفلة فيكون متعلقا بالراغبون أى لا يخيب الراغبون فيه و الأول أظهر.
المعنى
اعلم أن هذا الكلام الشريف حسبما أشار إليه الرضى قدس سره (قاله) عليه السلام (عند تلاوته) قوله تعالى رجال لا تلهيهم تجارة و قبل الشروع في شرحه ينبغي أن نفسر الاية باقتضاء المقام، و قد مضى بعض الكلام فيها في شرح الكلام المأة و الثامن و التسعين و أقول هنا:
قال تعالى في سورة النور في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب و الأبصار أى هذه المشكاة المذكورة في سابق الاية في بيوت أو توقد في بيوت هذه صفتها.
قال ابن عباس: و هى المساجد، و يعضده قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: المساجد بيوت الله في الأرض و هي تضيء لأهل السماء كما تضىء النجوم لأهل الأرض و قيل: هي بيوت الأنبياء قال في مجمع البيان: و روى ذلك مرفوعا أنه سئل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم لما قرء الاية أى بيوت هذه؟ فقال: بيوت الأنبياء، فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها لبيت علي عليه السلام و فاطمة عليهما السلام؟ قال: نعم من أفاضلها، و يعضد هذا القول قوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا و قوله رحمت الله و بركاته عليكم أهل البيت.
و فى الصافي من الكافي و الاكمال عن الباقر عليه السلام هى بيوتات الأنبياء و الرسل و الحكماء و أئمة الهدى و القمى عنه عليه السلام هى بيوت الأنبياء و بيوت علي عليه السلام منها.
و قد مضى في شرح الكلام المأة و الثامن و التسعين حديث من غاية المرام عن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السلام في هذه الاية أنه قال بيوت آل محمد صلى الله عليه و عليهم أجمعين بيت علي و فاطمة و الحسن و الحسين و حمزة و جعفر عليهم السلام.
و فيه أيضا من الكافي باسناده عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت جالسا في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إذ أقبل رجل فسلم فقال: من أنت يا عبد الله؟ فقلت:
رجل من أهل الكوفة فما حاجتك؟ فقال لي: أتعرف أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام؟
فقلت: نعم فما حاجتك إليه؟ قال: هيأت له أربعين مسأله أسأله عنها فما كان من حق أخذته و ما كان من باطل تركته، فقلت له: هل تعرف ما بين الحق و الباطل؟
قال: نعم، قلت: فما حاجتك إليه إذا كنت تعرف ما بين الحق و الباطل، فقال لي:
يا أهل الكوفة أنتم قوم ما تطاقون إذا رأيت أبا جعفر عليه السلام فأخبرني، فما انقطع كلامه
حتى أقبل أبو جعفر عليه السلام و حوله أهل خراسان و غيرهم يسألونه عن مناسك الحج فمضى حتى جلس مجلسه و جلس الرجل قريبا منه، قال أبو حمزة: فجلست حتى أسمع الكلام و حوله العالم من الناس، فلما قضى حوائجهم و انصرفوا التفت عليه السلام إلى الرجل فقال له: من أنت؟ قال أنا قتادة بن دعامة البصرى، فقال أبو جعفر عليه السلام أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: نعم، فقال له أبو جعفر عليه السلام: ويحك يا قتادة إن الله عز و جل خلق خلقا من خلقه فجعلهم حججا على خلقه فهم أوتاد الأرض قوام بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه، أظلة عن يمين العرش، قال: فسكت قتادة طويلا ثم قال: أصلحك الله و الله لقد جلست بين يدي الفقهاء و قدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك، فقال أبو جعفر عليه السلام ما تدرى أين أنت، أنت بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و نحن اولئك، فقال له قتادة: صدقت و الله جعلنى الله فداك و الله ما هى بيوت حجارة و لا طين، الحديث.
و المراد بالرفع في قوله «أن ترفع» التعظيم و رفع القدر، و قيل: رفع الحوائج فيها إلى الله تعالى و يذكر فيها اسمه أى يتلى فيها كتابه، و قيل:
يذكر فيها أسماؤه الحسنى: و قيل: عام فيما يتضمن ذكره حتى المذكورة في أفعاله و المباحثة في أحكامه يسبح له فيها بالغدو و الآصال أى يصلي فيها بالبكر و العشايا قال ابن عباس كل تسبيح فى القرآن صلاة، و قيل: المراد بالتسبيح تنزيهه عما لا يجوز عليه و وصفه بصفات الكمال التي يستحقها لذاته و أفعاله.
ثم بين المسبح فقال «رجال لا تلهيهم» أى لا تشغلهم و لا تصرفهم «تجارة و لا بيع عن ذكر الله» و ستعرف الفرق بين التجارة و البيع في شرح المتن، و أما ذكر الله فهو يعم جميع الأذكار و قد مر تفصيلا في التنبيه الثاني من تنبيهات الفصل السادس من فصول الخطبة الثانية و الثمانين.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى شرح كلامه عليه السلام فأقول: إن مدار هذا الكلام
على فصول ثلاثة:
الأول في التنبيه على فضيلة الذكر نفسه.
و الثاني في وصف حال المذكرين و كيفية تذكيرهم.
و الثالث في بيان أوصاف الذاكرين و الاشارة إلى مقاماتهم الجليلة و مقاومهم المحمودة.
اما الفصل الاول
فهو قوله عليه السلام (إن الله سبحانه جعل الذكر جلاء للقلوب) المراد بالذكر هنا مطلق الذكر من التسبيح و التهليل و التحميد و الدعاء و المناجاة و تلاوة الكتاب الكريم و نحوها، فان المداومة عليها باللسان مع حضور القلب و توجهه إليها توجب صفاء القلب و نوره و جلائه و طهارته و نقائه من ظلمة الذنوب و رين المعاصي و الغواشي كالمرآة المجلوة التى ليس عليها شيء من الكدر.
و ذلك لما عرفت في شرح الكلام المأتين و السادس عشر أن الاستغراق في الذكر و المداومة عليه يصرف القلب عما سوى الله إلى الله عز و جل، فلا يبقى فيه مجال للتوجه إلى الدواعي النفسانية و لا محل لطرد الوساوس الشيطانية التي هي منشأ الذنوب و مبدء ظلمات القلوب.
و قد تقدم في التنبيه الثاني من شرح الفصل السادس من فصول الخطبة الثانية و الثمانين كيفية مطاردة جنود الملائكة و الشياطين في القلب و غلبتهم على الشياطين و ابعادهم لهم عن القلب بالمداومة على الذكر و الطاعة، و مضى هناك مطالب نفيسة نافعة فى المقام.
و قوله عليه السلام (تسمع به بعد الوقرة) يعنى يكون الذكر سببا لكون القلوب سميعة بعد صممها أى مستعدة لاستماع كلام الله و كلام الأنبياء و الدعاة إلى الله و استفادة الكمالات و القربات منها بعد ما كانت قاصرة عنها.
(و تبصر به بعد العشوة) أى يكون سببا لكونها بصيرة بعد عشاها و ضعف بصرها أى قابلة للانتفاع بما في الكون من عجايب التدبير مدركة لما في الافاق و الأنفس من الايات و العبر بعد ما كانت غافلة عن إدراكها.
(و تنقاد به بعد المعاندة) أى تنقاد للحق بعد العناد و الالحاد، و ذلك لأنه يحصل بدوام الذكر و الفكر حالة المراقبة و استشعار عظمة الله تعالى و جلاله و كبريائه فيحصل بذلك ذل و انكسار و مهانة للقلب و يكون داخرا ذليلا منقادا لقبول أمر الرب و نهيه، سالكا لسبيله بعد ما كانت منحرفا عنه و تجلو الذكر قلبه و تقر عين باطنه فتبصر بما لا يبصر به قبل المداومة بالذكر، اللهم آنسنا به بلطفك الخفي
و اما الفصل الثاني
فهو قوله:
(و ما برح) أى ما زال (لله) بمقتضى لطفه و رحمته (عزت آلاؤه) و جلت نعماؤه (في البرهة بعد البرهة و في أزمان الفترات) من الرسل و طول الهجعة من الامم (عباد) صالحون كاملون في معرفته تامون في عبوديته قائمون بأمره في أنفسهم مبشرون و منذرون لغيرهم (ناجاهم في فكرهم) أى ألهمهم معرفته و أفاض على قلوبهم كيفية سلوك سبيله و هداية الناس إليه (و كلمهم في ذات عقولهم) أى خاطبهم في باطنهم سرا و تجوز به كالمناجاة عن الالهام و الإفاضة التي أشرنا إليها (فاستصبحوا بنور يقظة في الأسماع و الأبصار و الأفئدة) أى استيقظوا بشمول الألطاف الغيبية و الافاضات الالهية من نوم الغفلة و رقد الجهالة، و استضاءوا بنور حاصل في الأسماع بسبب استماعها إلى ما فيه صلاح الدين من المواعظ و الحكم و الفضايل و آيات الكتاب المبين.
و قد قال تعالى إذا قرئ القرآن فاستمعوا له و أنصتوا فان الاستماع إلى ذلك بقصد الفهم و القبول محصل لأنوار الكمالات النفسانية، و لذلك مدح الله تعالى المؤمنين بكون استماعهم على هذا الوجه و قال عز من قائل و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا أى إذا قرء على المؤمنين القرآن و استمعوه زادتهم آياته تبصرة و يقينا على يقين و أما الاستماع لا بقصد الفهم و القبول فقد ذم المستمعين كذلك في قوله:
ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه و هم يلعبون أى لم يستمعوه استماع نظر و تدبر و قبول و تفكر و إنما استمعوه استماع لعب و استهزاء، و فى قوله و منهم من يستمعون إليك أ فأنت تسمع الصم و لو كانوا لا يعقلون أى من جملة هؤلاء الكفار من يطلبون السمع إلى كلامك للرد و التعنت لا للفهم و القبول، فلما كان استماعهم على هذا الوجه كانوا كأنهم صم لا يستمعوه حيث لم ينتفعوا به فاستحقوا الطعن و التعريض من الله عز و جل بذلك.
و استضاءوا أيضا بنور حاصل في الابصار بسبب نظرها إلى ما هو محصل لنور المعرفة من آيات الكبرياء و العظمة و عجايب الصنع و القدرة كما قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق و قال و من آياته يريكم البرق خوفا و طمعا و ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون.
هذا إذا كان النظر اليها للاستبصار و الاعتبار و إلا فلا خير فيه و لا منفعة و لا يزيد إلا الغفلة، و لذلك ذم الله تعالى شأنه الكفار بكون نظرهم على هذا الوجه في قوله و منهم من ينظر إليك أ فأنت تهدي العمي و لو كانوا لا يبصرون أى ينظر إلى أفعالك و أقوالك لا نظر الحقيقة و العبرة بل نظر العادة فلا ينتفع بنظره و لا يزيدهم النظر إلا عمى و جهالة.
و أما الاستضاءة بنور يقظة الأفئدة فيقظتها عبارة عن فطانتها و جودتها و توجهها إلى ما ينبغي لها من الكمالات العقلية و تفكرها في آثار القدرة و الجلال و الجبروت و آيات العظمة و الكمال و الملك و الملكوت، و تدبرها في بدايع المصنوعات و معاني الايات المحكمات كما قال تعالى إن في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب و قال كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته و ليتذكر أولوا الألباب.
و المراد بنور يقظتها هو نور العلم و المعارف الحقة و العقائد اليقينية الحاصلة من التدبر و التفكر.
استعاره [فاستصبحوا بنور يقظة في الأسماع و الأبصار و الأفئدة] و استعارة النور للعلم شايع كاستعارة الظلمة للجهل كما قال تعالى أ و من كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها قال في التفسير: أى كافرا فأحييناه بأن هديناه إلى الايمان و انما سمى الله تعالى الكافر ميتا لأنه لا ينتفع بحياته و لا ينتفع غيره به، و سمى المؤمن حيا لأن له و لغيره المصلحة و المنفعة في حياته، و جعلنا له نورا، أراد بالنور العلم و الحكمة قال أمين الاسلام الطبرسي: سمى سبحانه ذلك نورا و الجهل ظلمة لأن العلم يهتدى به إلى الرشاد كما يهتدى به في الطرقات و قال ابن عباس: المراد بالنور الايمان، و قيل: المراد به القرآن كمن مثله في الظلمات أى ظلمات الكفر قال الطبرسي:
سمى الايمان و القرآن و العلم نورا لأن الناس يبصرون بذلك و يهتدون من ظلمات الكفر و حيرة الضلالة كما يهتدى بساير الأنوار، و سمى الكفر ظلمة لأن الكافر لا يهتدى بهداه و لا يبصر أمر رشده، و من هذا القبيل استعارة البصير و الأعمى للمؤمن و الكافر قال تعالى و ما يستوي الأعمى و البصير*.
و الحاصل أنه تعالى لم يخل الأزمان من عباد استضاءوا و استصبحوا بنور المعرفة و اليقين الحاصل من طريق السمع بالاصغاء، و من طريق البصر بالنظر، و الأفئدة بالفكر و التدبر، هذا حالهم في ذات أنفسهم.
و أما بالنسبة إلى الخلق فانهم يهدون بالحق و يحكمون بالقسط و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و (يذكرون بأيام الله) أى يذكرون الناس بوقايعه و قوارعه و عقوباته الواقعة بالامم الماضية في القرون الخالية على ما عرفته في شرح الفصل السابع من الخطبة المأة و الحادية و التسعين.
و روى عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير قوله تعالى و ذكرهم بأيام الله أنه يريد بأيام الله سنته و أفعاله في عباده من إنعام و انتقام.
و حاصله تذكير المحسنين بالانعام تبشيرا لهم، و المسيئين بالانتقام إنذارا و تحذيرا كما ذكر الله تعالى أيضا كفار قريش بذلك فى كتابه العزيز فى سورة القمر حيث قال فيهم و لقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر و كرر قوله و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر* عقيب التذكير بقصة قوم نوح و إهلاكهم بماء منهمر، و بقصة عاد و إهلاكهم بريح صرصر فى يوم نحس مستمر، و بقصة ثمود و إهلاكهم بصيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر، و بقصة قوم لوط و لقد صبحهم بكرة عذاب مستقر، فختم بقصة آل فرعون و أخذه عز و جل لهم أخذ عزيز مقتدر، ثم اتبع ذلك كله بقوله أ كفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر إلى أن قال تعالى و لقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر.
قال أمين الاسلام الطبرسى: خوف سبحانه كفار مكة فقال «أكفاركم خير» و أشد و أقوى «من اولئكم» الذين ذكرناهم و قد أهلكناهم، و هذا استفهام إنكار أى لستم أفضل من قوم نوح و عاد و ثمود لا فى القوة و لا فى الثروة و لا فى كثرة العدد و العدة، و المعنى أنه إذا هلك اولئك الكفار فما الذى يؤمنكم أن ينزل بكم ما نزل بهم أم لكم براءة في الزبر أى لكم براءة من العذاب في الكتب السالفة أنه لن يصيبكم ما أصاب الامم الخالية.
و قال في قوله و لقد أهلكنا أشياعكم أى أشباهكم و نظراءكم في الكفر من الامم الماضية فهل من مدكر أى فهل من متذكر لما يوجبه هذا الوعظ من الانزجار عن مثل ما سلف من أعمال الكفار لئلا يقع فيه ما وقع بهم من الاهلاك.
(و يخوفون مقامه) أى يخوفونهم من مقام الربوبية المتصفة بالعظمة و الجلال و الكبرياء و القدرة، و من كونه قائما على كل نفس بما كسبت، فان التخويف بذلك مستلزم للخوف و الهيبة أو من مقامهم بين يدي الرب للحساب و ذلك يوم يقوم الناس لرب العالمين و يقوم الاشهاد و يقوم الروح و الملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن و قال صوابا.
ثم وصفهم بأنهم (بمنزلة الأدلة) و الهداة (فى) البوادى و (الفلوات) فكما أن الأدلة يدلون على الطريق و يهتدون إليه و (من أخذ القصد) أى قصد السبيل و هو الطريق المستقيم المحفوظ من الافراط و التفريط المبلغ قاصده و سالكه إلى ما يريد (حمدوا إليه طريقه و بشروه بالنجاة) من الهلكات (و من) انحرف عنه و (أخذ يمينا و شمالا ذموا إليه الطريق و حذروه من الهلكة) فكذلك هؤلاء يهدون السائرين إلى الاخرة إلى الصراط المستقيم و يبشرون الاخذين به بالسعادة الأبدية و النجاة من المهالك، و يحذرون المنحرفين عنه إلى اليمين و الشمال من الشقاوة الأبدية و الوقوع فى المعاتب.
(فكانوا كذلك) أى على ما وصفناه من التذكير و التخويف و التبشير و التحذير تشبيه (مصابيح تلك الظلمات و أدلة تلك الشبهات) أشار بها إلى ظلمات أزمنة الفترة المذكورة سابقا و شبهاتها، و أراد بالظلمات ظلمات الجهل و الحيرة التي تغشى الناس فيها، و بالشبهات الامور الباطلة الشبيهة بالحق، و شبههم بالمصابيح لأنه يهتدى بهم و يقتبس من أنوار علومهم في تلك الظلمات كما يستضاء بالمصباح في ذلك ظلمة الليل.
و بهذا الوجه شبه الأئمة عليهم السلام بالعلامات و رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بالنجم في قوله تعالى و علامات و بالنجم هم يهتدون قال أبو عبد الله عليه السلام: نحن العلامات و النجم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.
و شبههم عليهم السلام بالأدلة لتميزهم بين الحق و الباطل و إرشادهم إلى الحق كما يفرق الدليل بين القصد و غيره و يدل على القصد.
و قد مر نظير ذلك في كلامه عليه السلام في الخطبة الثامنة و الثلاثين حيث قال عليه السلام هناك: و إنما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين و دليلهم سمت الهدى، و أما أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال و دليلهم العمى.
و اما الفصل الثالث
فهو قوله عليه السلام (و ان للذكر لأهلا أخذوه من الدنيا بدلا) أراد بهم إما خصوص نفسه و الطيبين من أولاده لأنهم أهله حقيقة يسبحون الليل و النهار و لا يفترون و يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم و يتفكرون في خلق السموات و الأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا.
و هم أيضا أهل الذكر الذي هو القرآن كما يشهد به ما في الكافي عن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تبارك و تعالى و إنه لذكر لك و لقومك و سوف تسئلون قال عليه السلام: الذكر القرآن و نحن قومه و نحن المسئولون.
و أهل الذكر الذى هو الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كما يدل عليه ما فيه عن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر عليه الصلاة و السلام في قول الله عز و جل فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون* قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: الذكر أنا و الأئمة عليهم السلام أهل الذكر.
و يؤيد إرادته عليه السلام خصوص نفسه و أولاده عليهم السلام ما يفصله عليه السلام من صفات أهل الذكر، فان تلك الصفات الاتية هم المتصفون بها حق الاتصاف و حقيقته و يؤيده أيضا أكثر ما رويناه من الأخبار في تفسير «بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه» الاية.
و إن أراد به مطلق أهل الذكر فهم عليهم السلام أكثر كمل مصاديقه و أفراده.
و كيف كان فقد أخذ الذكر أهله بدلا من الدنيا و عوضا منها علما منهم بأن من أكثر ذكر الله أحبه الله كما رواه الصادق عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و روى عنه أيضا من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله.
و لذلك (فلم تشغلهم تجارة و لا بيع عنه) ذكر البيع بعد التجارة من قبيل ذكر الخاص بعد العام لمزيد الاهتمام كما في قوله تعالى يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس و الحج فان التجارة تشمل جميع أنواع المكاسب و البيع أظهرها، و قال البيضاوى في تفسير قوله تعالى لا تلهيهم تجارة لا يشغلهم معاملة رابحة «و لا بيع عن ذكر الله» مبالغة بالتعميم بعد التخصيص إن أريد به مطلق المعاوضة، أو بافراد ما هو أهم من قسمى التجارة فان الربح يتحقق بالبيع و يتوقع بالشرا، و قيل: المراد بالتجارة الشرى فانه أصلها و مبدؤها.
(يقطعون به أيام الحياة) أى أيام حياتهم، و يحتمل أن يكون المعنى أنهم يقطعون بالاشتغال به عن العلايق الدنيوية في تمام عمرهم، فتكون أيام الحياة مفعولا فيه لا مفعولا به و الأول أظهر.
(و يهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين) عن ذكر الله أى يصيحون بالمواعظ البالغة و النصايح الزاجرة في أسماع أهل اللهو و الغفلة زجرا لهم أى إزعاجا و إبعادا عن المحارم (يأمرون) غيرهم (بالقسط) و العدل (و يأتمرون) أى ينقادون (به) في أنفسهم (و ينهون عن) الفحشاء و (المنكر و يتناهون) أى يكفون (عنه) في ذاتهم لما عرفت في شرح الخطبة المأة و الرابعة أن النهى عن المنكر إنما هو بعد التناهى عنه.
(فكأنما قطعوا الدنيا) و انتهوا (إلى الاخرة و هم فيها) أى و الحال أنهم في الدنيا فكأنهم قطعوها و مضوا إلى الدار الأخرى (فشاهدوا) بعين اليقين (ما وراء ذلك) العالم.
(فكأنما) هم و الجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون و على الأرائك متكؤون و هم و النار كمن قد رآها فهم فيها معذبون و من هولها مصطرخون و كأنما (اطلعوا عيوب أهل البرزخ في طول الاقامة فيه) أى علموا فظايع البرزخ و شدايد أهله الغايبة عن نظر أهل الدنيا في مدة الاقامة المتمادية الطويلة لهم فيه (و) كأنما مجاز (حققت القيامة عليهم عداتها) في إسناد التحقيق إلى القيامة و كذا إضافة العدات إلى ضميرها تجوز، و المراد كأن القيامة قد قامت عليهم و حقق الله تعالى مواعيده التي تكون فيها من تكوير الشمس و طمس النجوم و تسيير الجبال و حشر الوحوش و كون الناس كالفراش المبثوث و الجبال كالعهن المنفوش و فرار المرء من أخيه و امه و أبيه و صاحبته و بنيه لكل امرء منهم يومئذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشره و وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة إلى غير هذه مما أخبر به الكتاب العزيز و نطق به الأخبار.
(فكشفوا) ببياناتهم الفصيحة و كلماتهم النصيحة (غطاء ذلك) أى ما رأوه بعين اليقين من محجوبات الغيوب و مستورات الغيب المحجوب (لأهل الدنيا) تنفيرا لهم عنها و ترغيبا إلى دار الاخرى (حتى كأنهم) من شدة اليقين و قوة أبصار البصاير و آذان العقول (يرون) من أحوال النشأة الأخروية (ما لا يرى) ساير (الناس و يسمعون ما لا يسمعون) و هذا المقام مقام قوله عليه السلام: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا.
قال الشارح البحراني: لما كان السبب فى قصور النفوس عن ادراك أحوال الاخرة و هو تعلقها بهذه الأبدان و اشتغالها بتدبيرها و الانغماس في الهيئات الدنيوية المكتسبة عنها، و كان هؤلاء الموصوفون قد غسلوا درن تلك الهيات من ألواح نفوسهم بمداومة ذكر الله و ملازمة الرياضة التامة، حتى صارت نفوسهم كمرايا مجلوة حوذى بها سطر الحقائق الالهية فجلت و انتقشت بها، لا جرم شاهدوا بعين اليقين سبيل النجاة و سبيل الهلاك و ما بينهما فسلكوا على بصيرة و هدوا الناس على يقين و اخبروا عن امور شاهدوها بأعين بصائرهم و سمعوا باذان عقولهم، فكأنهم في وضوح ذلك لهم و ظهوره و اخبارهم عنه قد شاهدوا ما شاهده الناس بحواسهم ما لم يشاهده الناس و سمعوا ما لم يسمعوه.
(فلو مثلتهم بعقلك) أى تصورت مثالهم و صورهم (في مقاومهم المحمودة) أى مقامات عبوديتهم و تذللهم التي يحمدهم الله رب العالمين بالقيام فى تلك المقامات (و مجالسهم المشهودة) أى مجالس عبادتهم و تضرعهم التي تشهدها الملائكة المقربون كما قال عز من قائل و قرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا قال المفسرون معناه إن صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل و ملائكة النهار استعارة تمثيلية و قوله عليه السلام: (و قد نشروا دواوين أعمالهم و فرغوا لمحاسبة أنفسهم) من الاستعارة التمثيلية حيث شبههم عليه السلام في تتبعهم لنفوسهم و ملاحظتهم لألواح ضمايرهم و تفكرهم في ما ثبت في تلك الألواح من صور أعمالهم التي عملوها من خير أو شر و تدبيرهم في جبران الخاسرة منها و مطالبتهم أنفسهم بتدارك ما فاتت و فرطت فيها بالتاجر الذى يفتح دفتر تجارته، و ينشر ديوان حسابه و ينظر ما كتب فيه من صورة مكاسبه و يلاحظ ربحه و خسرانه، و يدبر تدارك خسارته.
و قد قال عليه السلام في الخطبة التاسعة و الثمانين: عباد الله زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا و حاسبوها من قبل أن تحاسبوا، و قد مر في شرحه ما ينفع في هذا المقام و حقيقة محاسبة النفس على ما نبه عليه الغزالي أن يكون للعبد ساعة في آخر النهار يطالب النفس و يحاسبها على جميع حركاتها و سكناتها كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء في آخر كل سنة أو شهر أو يوم حرصا منهم على الدنيا و خوفا من فوات منافعها.
فان التاجر إذا جلس مجلس المحاسبة مع شريكه ينظر أولا في رأس المال، ثم في الربح و الخسران ليتبين له الزيادة و النقصان، فان كان من فضل حاصل استوفاه و شكره، و إن كان من خسران ضمنه و كلفه جبرانه في المستقبل و كذلك رأس مال العبد في دينه الفرائض و ربحه النوافل و الفضايل و خسرانه المعاصي و موسم تلك التجارة تمام النهار، و النفس بمنزلة الشريك فليحاسبها أولا على الفرائض فإن أداها على وجهها شكر الله تعالى على ذلك، و إن فوتها من أصلها طالبها بالقضاء و إن أداها ناقصة كلفها الجبران بالنوافل، و إن ارتكب معصية اشتغل بمؤاخذتها و معاتبتها ليستوفي منها ما يتدارك به ما فرط كما يصنع التاجر بشريكه.
و كما أنه يفتش في حساب الدنيا عن الحبة و القيراط و يبالغ في المداقة و يلاحظ مداخل الزيادة و النقصان، فينبغي له أن يبالغ في المداقة فى حساب نفسه عن خواطره و أفكاره و قيامه و قعوده و أكله و شربه و تكلمه بل عن جميع حركاته و سكناته، و ينبغي أيضا أن يحاسب النفس على جميع عمره يوما فيوما و ساعة فساعة في جميع الأعضاء الظاهرة و الباطنة.
و قد نقل عن بعض العرفاء و كان محاسبا لنفسه أنه حسب يوما فاذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها فاذا هى أحد و عشرون ألف يوم و خمسمائة يوم، فصرخ و قال: يا ويلتى أ ألقى الملك بأحد و عشرين ألف ذنب فكيف و في كل يوم عشرة آلاف ذنب، ثم خر مغشيا عليه فاذا هو ميت.
فهكذا ينبغي أن يحاسب نفسه على الانفاس و على معصيته بالقلب و الجوارح في كل ساعة، و لو رمى العبد بكل معصية حجرا في داره لكان فى مدة قليلة تلا صغيرا و لكنه يتساهل فى حفظ المعاصى و الملكان يحفظان عليه ذلك أحصاه الله و نسوه و أما أولياء الله الكاملون فى مقام العبودية و الطاعة فلهم المداقة فى محاسبة أنفسهم و معاتبتها (على كل صغيرة و كبيرة امروا بها فقصروا عنها أو نهوا عنها ففرطوا فيها) لعدم إخراجهم أنفسهم من حد التقصير فانه عز و جل لا يمكن أن ينال مدى عبادته، و كيف يمكن البلوغ إلى مدى عبادة من لا مدى له، و من ذلك أن المعصومين عليهم السلام كانوا يعدون أنفسهم في عداد المذنبين المقصرين لكون حسنات الأبرار سيئات المقربين حسبما عرفت تفصيلا في شرح الخطبة الاولى عند تحقيق عصمة الأنبياء عليهم السلام.
(و حملوا ثقل أوزارهم) و آثامهم (ظهورهم فضعفوا عن الاستقلال بها) أى عن حمل الاوزار (فنشجوا نشيجا) أى بكوا بكاء متوجع مجاز (و تجاوبوا نحيبا) أى جاوب بعضهم بعضا بالنحيب و البكاء الشديد، و لفظ التجاوب مجاز فانهم لما كانوا في مقام محاسبة النفس رافعين أصواتهم بالبكاء صاروا بمنزلة المتجاوبين كأن كلا منهم يجاوب الاخر ببكائه و نحيبه.
(يعجون إلى ربهم من مقاوم ندم و اعتراف) أى يرفعون أصواتهم إليه عز و جل بالتضرع و الابتهال فى مقامات التوبة و الابتهال و الاعتراف بالتفريط و التقصير.
و قوله (لرأيت) جواب لو مثلتهم حسبما اشرنا إليه أى لو تصورت حالاتهم في مقاماتهم المحمودة و مجالسهم المشهودة و شاهدت من شئونهم كيت و كيت لرأيت (أعلام هدى) يهتدى باثارهم في ظلم الضلالة (و مصابيح دجى) يقتبس من أنوارهم
في غياهب الجهالة (قد حفت بهم الملائكة) أى أحاطت عليهم الملائكة تشريفا و إكراما و عناية من الله تعالى في حقهم (و تنزلت عليهم السكينة) و هى هيئة جسمانية تنشاء من استقرار الأعضاء و طمأنينتها مع اعتدال حركاتها، و لعل المراد بها برد اليقين الذي اشرنا إليه في شرح الكلام الذى قبل هذا الكلام له عليه السلام.
(و فتحت لهم أبواب السماء) بالعنايات الالهية و الافاضات الملكوتية و الألطاف الغيبية (و اعدت لهم مقاعد الكرامات) المشار إليها في قوله عز و جل إن المتقين في جنات و نهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
قال أمين الاسلام الطبرسى: أى أنهار من الخمر و الماء و العسل، وضع نهر فى موضع أنهار لأنه اسم جنس يقع على القليل و الكثير، و الاولى أن يكون انما و حد لوفاق الفواصل فى «مقعد صدق» أى فى مجلس حق لا لغو فيه و لا تأثيم و قيل: وصفه بالصدق لكونه رفيعا مرضيا، و قيل: لدوام النعيم به و قيل: لأن الله صدق وعد أوليائه فيه «عند مليك مقتدر» أى عند الله سبحانه فهو المالك القادر الذي لا يعجزه شيء، و ليس المراد قرب المكان تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بل المراد أنهم فى كنفه و جواره و كفايته حيث تنالهم غواشى رحمته و فضله.
و الحاصل أنهم هيأت لهم تلك المقاعد (فى مقام اطلع الله عليكم فيه) و فى نسخة الشارح المعتزلي عليهم بدل عليكم و هو أنسب و على هذه النسخ فلعله من تغليب المخاطبين على الغايبين، و يمكن أن يكون النكتة فى العدول من الغيبة على الخطاب تهييج المخاطبين و الها بهم بالتنبيه على أن الله تعالى مطلع عليكم و عليهم جميعا و لكن مقاعد كراماته صارت مخصوصة بهم لتكميلهم للعبودية فينبغى أن تكونوا مثلهم حتى تكون معدة لكم أيضا كما اعدت لهم.
(فرضى سعيهم) أى جدهم و جهدهم فى العبادة (و حمد مقامهم) أى مقام عبوديتهم و هو فوق مرتبة مقام العبادة لأن العبادة للعوام من المؤمنين و العبودية للخواص من السالكين و العبادة لمن له علم اليقين و العبودية لمن له عين اليقين فان حقيقة العبودية هى الاسر و التذلل فى قيد الرقية و أن لا يبقى فيه أثر من آثار
هواه، و أن تكون أوقاته مستغرقة فى خدمة مولاه مصروفة إلى تحصيل رضاه و لذلك وصف الله نبيه صلى الله عليه و آله و سلم بهذا الوصف فى غاية غايات مقام القرب و الزلفى حيث قال تعالى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى فعبر بلفظ العبد إشارة إلى أنه صلى الله عليه و آله و سلم فى ذلك المقام كان فانيا فى الله لم يكن له هم أصلا فيما سواه منقطعا عن جميع ما عداه.
(يتنسمون بدعائه روح التجاوز) اى يشمون بدعائه و مناجاته تعالى النسيم الطيب و الهواء الذى تستلذه النفس و يزيل عنها الهم لما حصل من تجاوزه عز و جل من تقصيرهم و صفحه عنهم استعاره (رهائن فاقة إلى فضله) قال الشارح البحرانى استعار لهم لفظ الرهائن لكونهم فى محل الحاجة إلى فضله لا معدل و لا ملجأ لهم عنه كالرهائن فى يد المسترهن.
و كذلك الاسارى فى قوله عليه السلام (و اسارى ذلة لعظمته) و وجه المشابهة كونهم فى مقام الذلة تحت عظمته كالأسير بالنسبة إلى عظمة من اسره.
(جرح طول الاسى قلوبهم و طول البكاء عيونهم) أى صارت قلوبهم و عيونهم مجروحة من طول الحزن و البكاء لما فيهم من مزيد الخوف و الخشية الملازم لكمال المعرفة التي لهم بعظمة الرب تعالى و عزته (لكل باب رغبة إلى الله منهم يد قارعة) أراد بأبواب الرغبة أنواع العبادات و القربات، و بقرعهم لتلك الأبواب جدهم فى اقامتها و عدم غفلتهم عنها.
و قال البحرانى: أشار بقرعهم لكل باب من أبواب الرغبة إلى الله إلى توجيه أسرارهم و عقولهم إلى القبلة الحقيقية استشرافا لأنوار الله و استتماما لجوده.
(يسألون من لا تضيق لديه المنادح) الاتيان بالموصول لزيادة التقرير أى تقرير الغرض المسوق له الكلام، فان المقصود به الحث على سؤاله و الترغيب إليه تعالى بالتنبيه على سعة بحر كرمه وجوده و عدم ضيقه عن سؤال السائلين و آمال الراغبين، فهو أدل على هذا الغرض من أن يقول يسألون الله أو يسألون الرب تعالى و محصله أنه عز و جل لا يفره المنع و الجمود و لا يكديه الاعطاء و الجود
بل لو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال و ضحكت عنه أصداف البحار من فلز اللجين و العقيان و نثارة الدر و حصيد المرجان ما أثر ذلك في جوده و لا أنفد سعة ما عنده و لكان عنده من ذخاير الأنعام ما لا تنفده مطالب الأنام لأنه الجواد الذى لا يغيضه سؤال السائلين و لا يبخله إلحاح الملحين.
(و لا يخيب عليه الراغبون) و لا ييأس من فضله و كرمه إلا الكافرون (فحاسب نفسك لنفسك) أى حاسب نفسك التي هي أعز الأنفس عليك و أحبها إليك لأجل منفعة نفسك أى تول أنت بنفسك بمحاسبة نفسك قبل أن تحاسب بها (فان غيرها من الأنفس عليها حسيب) أى محاسب (غيرك) يعني ساير الأنفس التي لم يتول صاحبها محاسبتها فان لها حسيبا يحاسبها، و هو الله رب العالمين مالك يوم الدين أسرع الحاسبين كما قال عز شأنه إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم و هو القاهر فوق عباده و يرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا و هم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم و هو أسرع الحاسبين.
الترجمة
از جمله كلام آن امام مبين است كه گفته در نزد خواندن آيه شريفه رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله يعني تسبيح مى كنند خداى تعالى را مردانى كه مشغول نسازد ايشان را تكسب و نه مبايعه از ذكر پروردگار، آن بزرگوار در حين خواندن اين آيه فرموده:
بتحقيق خداى منزه از نقص گردانيد ذكر خود را صيقل از براى قلبها در حالتى كه مى شنوند بسبب آن بعد از سنگيني و كرى، و مى بينند بسبب آن بعد از كورى، و مطيع مى باشند بجهت آن بعد از نافرمانى، و هميشه بوده از براى خدا در حالتى كه عزيز است نعمتهاى او در زمانى بعد از زمانى، و در اوقات فترت پيغمبران بندگانى كه راز گويد و نجوى مى كند حق تعالى با ايشان در پرده قلبهاى ايشان و سخن مى گويد با ايشان در باطن عقلهاى ايشان، پس كسب روشنى كردند بنور
آگاهى در گوشها و چشمها و قلبها بياد مردم مىآورند أيام أنعام و انتقام خدا را در امتان گذشته، و مى ترسانند مردمان را بشناساندن مقام عظمت و اقتدار او.
و ايشان بمنزله راه نمايندگانند در بيابانها، هر كسى كه راه راست را پيش بگيرد مدح مى كند بسوى او راه او را، و بشارت مى دهند او را بخلاصى از هلاكت، و هر كس كه كج شود از راه راست و پيش بگيرد يمين و يسار را مذمت مى كنند بسوى او راه او را، و مى ترسانند او را از هلاكت.
پس باشند ايشان باين وصفها چراغان اين تاريكيها، و دليلان اين شبه ها و بدرستى كه از براى ذكر خدا أهلى است كه فرا گرفتهاند آن را عوض از متاع دنيا، پس مشغول نساخت ايشان را نه كسب و نه مبايعه از آن ذكر مى برند و مى گذارند با ذكر اوقات زندگانى دنيا را، و صدا مى كنند با مواعظ مانعه از محرمات الهى در گوشهاى غافلان، و امر مى كنند بعدالت و گردن مى نهند خودشان بان، و نهى مي كنند از قبيح و باز دارند خودشان را از آن.
پس گويا كه قطع كردهاند دنيا را و رسيده اند باخرت و حال آنكه در دنيا باشند، پس مشاهده كردهاند پشت سر دنيا را، پس گويا كه مطلع گشته اند بر پنهانيهاى أهل برزخ درد رازى اقامت و توقف ايشان در آن، و محقق ساخته قيامت بر ايشان وعدهاى خودش را، پس برداشتند پردهاى حالات أهل برزخ و قيامت را از براى أهل دنيا باندازه كه گويا مى بينند ايشان چيزى را كه نمى بينند مردمان و مى شنوند چيزى را كه نمى شنوند مردمان.
پس مصور سازى ايشان را بعقل خودت در مقامهاى پسنديده ايشان، و مجلسهاى برگزيده ايشان كه شهادت گاه ملائكه مقربينند در حالتى كه ايشان گشوده باشند دفترهاى عملهاى خودشان را، و فارغ شده باشند از براى محاسبه نفسهاى خودشان بر هر عملى از عملهاى كوچك و بزرگ كه مأمور شده باشد بان، پس تقصير كرده باشند در آن يا نهى شده باشند از آن پس مساحله كرده باشند در آن و بار كرده باشند گرانى گناهان خودشان را بر پشتهاى خودشان، پس ناتوان باشند از بلند كردن و برداشتن آن، پس گريه كنند به آواز بلند غمناك، و جواب يكديگر را مى دهند با گريه و زارى، ناله مى كنند بسوى پروردگار خود در مقامهاى توبه و پشيمانى، و اقرار بتقصير.
هر آينه مى بينى علامتهاى هدايت و چراغهاى تاريكى و ظلمت در حالتى كه احاطه كرده باشند بايشان ملائكه ها، و نزول كرده باشد بايشان تمكين و وقار، و گشوده باشد از براى ايشان درهاى رحمت آسمان، و مهيا شده باشد از براى ايشان مجلس هاى كرامت و شرافت در مقامى كه مطلع شده خداى تعالى بر شما در آن مقام، پس خوشنود شده خدا از سعى و كوشش ايشان، و پسنديده مقام بندگى ايشان را در حالتى كه استشمام مى كنند بسبب دعاى او نسيم عفو و تجاوز را.
ايشان گروهاى فقر و فاقهاند بسوى فضل و كرم او، و اسيرهاى ذلتند مر بزرگوارى و عزت او را، مجروح و زخمدار نموده درازى حزن و اندوه دلهاى ايشان را و درازى گريه چشمهاى ايشان را از براى هر در رغبت كردن بسوى خدا از ايشانست دست كوبنده، سؤال مى كنند از كسى كه تنگ نمى شود در نزد او وسعتهاى كرم وجود، و نوميد نمى گردد بر درگاه نوال او رغبت كنندگان، پس محاسب باش نفس خودت را از براى نفس خود، پس بتحقيق كه از براى غير نفس تو از نفسها محاسبى هست غير از تو كه أسرع الحاسبين است
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی