خطبه 161 صبحی صالح
161- و من خطبة له ( عليه السلام ) في صفة النبي و أهل بيته و أتباع دينه، و فيها يعظ بالتقوى
الرسول و أهله و أتباع دينه
ابْتَعَثَهُ بِالنُّورِ الْمُضِيءِ
وَ الْبُرْهَانِ الْجَلِيِّ
وَ الْمِنْهَاجِ الْبَادِي
وَ الْكِتَابِ الْهَادِي
أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَةٍ وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَةٍ
أَغْصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ
وَ ثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ
مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ وَ هِجْرَتُهُ بِطَيْبَةَ
عَلَا بِهَا ذِكْرُهُ وَ امْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ
أَرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ وَ مَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ وَ دَعْوَةٍ مُتَلَافِيَةٍ
أَظْهَرَ بِهِ الشَّرَائِعَ الْمَجْهُولَةَ
وَ قَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ الْمَدْخُولَةَ
وَ بَيَّنَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ
فَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دَيْناً تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ
وَ تَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ
وَ تَعْظُمْ كَبْوَتُهُ
وَ يَكُنْ مَآبُهُ إِلَى الْحُزْنِ الطَّوِيلِ وَ الْعَذَابِ الْوَبِيلِ
وَ أَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكُّلَ الْإِنَابَةِ إِلَيْهِ
وَ أَسْتَرْشِدُهُ السَّبِيلَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى جَنَّتِهِ الْقَاصِدَةَ إِلَى مَحَلِّ رَغْبَتِهِ
النصح بالتقوى
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ طَاعَتِهِ
فَإِنَّهَا النَّجَاةُ غَداً وَ الْمَنْجَاةُ أَبَداً
رَهَّبَ فَأَبْلَغَ
وَ رَغَّبَ فَأَسْبَغَ
وَ وَصَفَ لَكُمُ الدُّنْيَا وَ انْقِطَاعَهَا وَ زَوَالَهَا وَ انْتِقَالَهَا
فَأَعْرِضُوا عَمَّا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا
أَقْرَبُ دَارٍ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَ أَبْعَدُهَا مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ
فَغُضُّوا عَنْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ غُمُومَهَا وَ أَشْغَالَهَا
لِمَا قَدْ أَيْقَنْتُمْ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَ تَصَرُّفِ حَالَاتِهَا
فَاحْذَرُوهَا حَذَرَ الشَّفِيقِ النَّاصِحِ
وَ الْمُجِدِّ الْكَادِحِ
وَ اعْتَبِرُوا بِمَا قَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ مَصَارِعِ الْقُرُونِ قَبْلَكُمْ
قَدْ تَزَايَلَتْ أَوْصَالُهُمْ
وَ زَالَتْ أَبْصَارُهُمْ وَ أَسْمَاعُهُمْ
وَ ذَهَبَ شَرَفُهُمْ وَ عِزُّهُمْ
وَ انْقَطَعَ سُرُورُهُمْ وَ نَعِيمُهُمْ
فَبُدِّلُوا بِقُرْبِ
الْأَوْلَادِ فَقْدَهَا
وَ بِصُحْبَةِ الْأَزْوَاجِ مُفَارَقَتَهَا
لَا يَتَفَاخَرُونَ وَ لَا يَتَنَاسَلُونَ وَ لَا يَتَزَاوَرُونَ وَ لَا يَتَحَاوَرُونَ
فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ حَذَرَ الْغَالِبِ لِنَفْسِهِ الْمَانِعِ لِشَهْوَتِهِ النَّاظِرِ بِعَقْلِهِ
فَإِنَّ الْأَمْرَ وَاضِحٌ وَ الْعَلَمَ قَائِمٌ وَ الطَّرِيقَ جَدَدٌ وَ السَّبِيلَ قَصْدٌ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج9
و من خطبة له عليه السّلام
و هى المأة و الستون من المختار فى باب الخطب
بعثه بالنّور المضيء، و البرهان الجليّ، و المنهاج البادي، و الكتاب الهادي، أسرته خير أسرة، و شجرته خير شجرة، أغصانها معتدلة و ثمارها متهدّلة، مولده بمكّة، و هجرته بطيبة، علابها ذكره، و امتدّ بها صوته، أرسله بحجّة كافية، و موعظة شافية، و دعوة متلافية، أظهر به الشّرايع المجهولة، و قمع به البدع المدخولة، و بيّن به الأحكام المفصولة، فمن يبتغ غير الإسلام دينا تتحقّق شقوته، و تنفصم عروته، و تعظم كبوته، و يكن مآبه إلى الحزن الطّويل، و العذاب الوبيل، و أتوكّل على اللّه توكّل الإنابة إليه، و أسترشده السّبيل المؤدّية إلى جنّته، القاصدة إلى محلّ رغبته. أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه و طاعته فإنّها النّجاة غدا، و المنجاة أبدا، رهّب فأبلغ، و رغّب فأسبغ، و وصف لكم الدّنيا و انقطاعها، و زوالها و انتقالها، فأعرضوا عمّا يعجبكم فيها لقلّة ما يصحبكم منها، أقرب دار من سخط اللّه، و أبعدها من رضوان اللّه، فغضّوا عنكم عباد اللّه غمومها و أشغالها لما قد أيقنتم به من فراقها و تصرّف حالاتها، فاحذروها حذر الشّفيق النّاصح، و المجدّ الكادح، و اعتبروا بما قد رأيتم من مصارع القرون قبلكم قد تزايلت أوصالهم، و زالت أبصارهم و أسماعهم، و ذهب شرفهم و عزّهم، و انقطع سرورهم و نعيمهم، فبدّلوا بقرب الأولاد فقدها، و بصحبة الأزواج مفارقتها، لا يتفاخرون، و لا يتناسلون، و لا يتزاورون، و لا يتجاورون، فاحذروا عباد اللّه حذر الغالب لنفسه المانع لشهوته النّاظر بعقله، فإنّ الأمر واضح، و العلم قائم، و الطّريق جدد، و السّبيل قصد.
اللغة
(بعثه) و ابتعث أرسله فانبعث و (أسرة) الرّجل بالضمّ رهطه الأدنون و (التّهدّل) الاسترخاء و التدلّى و (طيبة) بالفتح و التخفيف اسم مدينة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كطابة و الطيبة و كان اسمها يثرب فسمّاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بطيبة و (التلافي) الاستدراك و (قمعه) يقمعه قهره و ذلّله و ضربه بالمقمعة و زان مكنسة و هى العمود من الحديد أو كالمحجن يضرب به على رأس الفيل و خشبة يضرب به الانسان على رأسه و (كبا) الجواد كبوا عثر فوقع إلى الأرض و انكبّ على وجهه و الاسم الكبوة و (نجا) نجوا و نجاة خلص و قال الشارح المعتزلي: و المنجاة مصدر نجا ينجو و النجاة النّاقة ينجى عليها و (لا يتجاورون) بالجيم من المجاورة و يروى بالحاء المهملة.
الاعراب
الباء في قوله: بالنّور، للمصاحبة و الملابسة، و تعدية القاصدة بالى لتضمينها معنى الافضاء، و فاعل رهّب و رغّب راجع إلى اللّه تعالى، و الفاء في قوله: فأعرضوا، فصيحة و أقرب دار خبر لمبتدأ محذوف، و جملة قد تزايلت استيناف بيانيّ، و الفاء في قوله: فبدّلوا، عاطفة من عطف المفصّل على المجمل.
المعنى
اعلم أنّ هذه الخطبة متضمّنة لذكر ممادح النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مناقبه الجميلة ثمّ الموعظة الحسنة و التنفير عن الدّنيا بالتّنبيه على معايبها و مساويها.
قال عليه السّلام (ابتعثه) و في بعض النّسخ بعثه بدله و هما بمعنى كما مرّ (بالنّور المضيء) أراد به نور النّبوة، و تفسير الشّارح المعتزلي له بالدّين او القرآن و هم لأنّ المراد بالمنهاج الآتي ذلك، و الكتاب أيضا يجيء ذكره و التّأسيس أولى من التّأكيد (و البرهان الجليّ) أى بالمعجزات الباهرات و الأدلّة الواضحة على حقيّته (و المنهاج المبادى) أى الطّريق الظّاهر يعني الشّريعة و الدّين (و الكتاب الهادى) إلى سبيل الجنّة و طريق النّجاة قال تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ.
(اسرته خير اسرة و شجرته خير شجرة) أى رهطه خير رهط و أصله خير أصل، و قد مضى شرح هاتين القرينتين في شرح الخطبة الثّالثة و التّسعين مستوفا و لا حاجة هنا إلى الاعادة.
(أغصانها معتدلة) المراد بها الأغصان المعهودة أعني أهل بيت العصمة و الطّهارة فانّ الجمع المضاف إنّما يفيد العموم حيث لا عهد، و القرينة على ارادة الخصوص هنا قائمة و هى قوله معتدلة فانّ الظّاهر أنّ المراد به اعتدالها في الكمالات النّفسانيّة و كونها مصونة من التفريط و الافراط كما قال تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً.
روى بريد العجلي في هذه الآية عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: نحن الامّة الوسط.
و في رواية حمران عنه عليه السّلام إنّما انزل اللّه: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً يعني عدلا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.
قال: و لا يكون شهداء على النّاس إلّا الأئمة و الرّسل، فقد علم بما ذكرناه أنّ ما قاله الشّارح البحراني من أنّ لفظ الاغصان مستعار لأشخاص بيته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كعليّ عليه السّلام و أولاده و زوجته و أعمامه و اخوته، و اعتدال هذه الأغصان في الفضل و الشرف سخيف، إذ اعتدال الأوّلين مسلّم، و أمّا الأعمام و الاخوة فقياسهم عليهم فاسد، و التّقارب بينهم ممنوع.
(و ثمارها متهدّلة) أى ثمار هذه الشّجرة الظّاهرة من أغصانها متدلّية و هو كناية عن سهولة الانتفاع بها، و أراد بالثّمار العلوم الحقّة المأخوذة عنهم عليهم السّلام.
(مولده بمكّة) شرّفها اللّه يوم الجمعة عند طلوع الشّمس السّابع عشر من ربيع الأوّل عام الفيل قاله أبو عليّ الطّبرسي و قد تقدّم تفصيل تاريخ ميلاده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و طالع ولادته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في شرح الفصل السّادس عشر من الخطبة الاولى.
(و هجرته بطيبة) هاجر إليها و هو ابن ثلاث و خمسين كما يدلّ عليه ما رواه في كشف الغمّة عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال: قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو ابن ثلاث و ستّين سنة في سنة عشر من الهجرة، فكان مقامه بمكّة أربعين سنة، ثمّ نزل عليه الوحى في تمام الأربعين، و كان بمكّة ثلاث عشر سنة، ثمّ هاجر إلى المدينة و هو ابن ثلاث و خمسين سنة، فأقام بالمدينة عشر سنين و قبض صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (علابها) أى في طيبة (ذكره) لأنّه قهر الأعداء و انتصر من الكفّار بعد الهجرة إليها بنصرة أهلها، و لذلك سمّى أهلها بالأنصار (و امتدّ بها صوته) أى انتشرت دعوته فيها و بلغ صيت الاسلام إلى الأصقاع و الأكناف بعد ما هاجر إليها.
(أرسله بحجّة كافية) يعني الآيات القرآنية الكافية في إثبات نبوّته مضافة إلى ساير معجزاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (و موعظة شافية) لأسقام القلوب و أمراض النّفوس، و المراد بها ما اشتمل عليه الكتاب الكريم و السنّة الكريمة من الوعد و الوعيد و ضرب الأمثال و التّذكير بالقرون الخالية و الامم الماضية الموقظة للخلق من نوم الغفلة و المنقذة لهم من ضلال الجهالة (و دعوة متلافية) متداركة بها ما فسد من نظام أمر الدّين في أيّام الجاهليّة.
(أظهر به الشّرايع المجهولة) الظاهر أنّ المراد بها قوانين الشّريعة النّبويّة الّتي كانت مجهولة بين النّاس ثمّ ظهرت و عرفت بعد وجوده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تشريعه ايّاها، و يجوز أن يراد بها شرايع الماضين من السّنن الّتي لم تكن منسوخة و إنّما كانت مجهولة بين النّاس لبعد العهد و طول الزّمان و اتّباع الهوى فأظهرها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمر بأخذها و لزومها.
(و قمع به البدع المدخولة) أراد بها ما كان أهل الفترة و أيّام الجاهليّة أبدعوها في الدّين و أدخلوها على الشّرع المبين من عبادة الأصنام و نحرهم لها و حجّهم لأجلها و زعمهم أنّها تقرّبهم إلى اللّه زلفى، و من النّسىء و الطواف بالبيت عريانا و غيرها من البدع الّتي لا تحصى فأذلّ اللّه سبحانه ببعث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله تلك البدع و أذلّ المبدعين و قطع دابر الكافرين.
(و بيّن به الأحكام المفصولة) أي أحكامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المفصولة الآن ببيانه، لا أنّها كانت مفصولة قبل (فمن يبتغ) و يطلب (غير الاسلام دينا) بعد ما بلغه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أعلمه و شرعه و أفصح عن معالمه و أقام الأدّلة القاطعة و البراهين السّاطعة على صحّته و حقيّته (تتحقّق شقوته) في الآخرة (و تنفصم عروته) أى ينقطع ما يتمسّك به من حبل النّجاة (و تعظم كبوته) و عثرته فيطيح في نار الجحيم و السّخط العظيم (و يكن) مرجعه و (مآبه إلى الحزن الطويل و العذاب الوبيل) المتضمّن للهلاك و الوبال في دار البوار، و هذا مراد من فسّره بالشّديد.
(و أتوكّل على اللّه توكّل الانابة إليه) أى توكّل الملتفت عن غيره و الرّاجع بكليّته إليه للعلم بأنّ غيره لا يضرّ و لا ينفع و لا يعطى و لا يمنع.
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في رواية الكافي: أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى داود ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيّته ثمّ تكيده السّماوات و الأرض و من فيهنّ إلّا جعلت له المخرج من بينهنّ، و ما اعتصم عبد من عبادى بأحد من خلقي عرفت ذلك من نيّته إلّا قطعت أسباب السّماوات من يده و أسخت الأرض من تحته و لم ابال بأىّ واد يهلك.
(و أسترشده السّبيل المؤدّية إلى جنّته القاصدة إلى محلّ رغبته) أى الطّريق الّتي من سلكها أدّته إلى جنّته، و من قصدها أفضته إلى محلّ رغبته.
ثمّ عقّب ذلك بالموعظة و الوصيّة بما لا يزال يوصى به دائما فقال (اوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه و طاعته فانّها النّجاة غدا) إفراد الضّمير مع تعدّد المرجع باعتبار أنّهما في المعنى شيء واحد، و لكونهما سبب النّجاة اطلق عليهما النّجاة من باب اطلاق المسبّب على السّبب، فيكون مجازا مرسلا، و على ما ذكره الشّارح المعتزلي من أنّ النّجاة اسم للنّاقة الّتي ينجي عليها فيكون استعارة تشبيها لهما بالمطيّة الّتي يركب عليها فيخلص من العطب، فانّ المطيع ينجو بهما من الهلاك الاخروي و العذاب الأليم.
(و المنجاة أبدا) جعلهما محلّ النّجاة باعتبار حصولهما في الاتّصاف بهذينالوصفين، فشبها بالمحلّ الّذي يحلّ فيه الشّيء و أطلق عليهما لفظ المنجاة من باب تسمية الشيء باسم محلّه.
و لمّا أمر بالتّقوى و الطّاعة و كانت الطّاعة عبارة عن امتثال الأوامر و النّواهي أشار إلى أنّ اللّه سبحانه قد أعذر و أنذر و أتمّ الحجّة و لم يبق لأحد معذرة في التقصير حيث (رهب) المجرمين بعذاب الجحيم و السخط العظيم (فأبلغ) في ترهيبه (و رغب) المطيعين في درجات الجنان و الحور و الغلمان و أكبر نعمائه الرّضوان (فأسبغ) و أكمل في ترغيبه (و وصف لكم) في قوله: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ.
كما وصف في غيره من آيات الكتاب الكريم و القرآن الحكيم (الدّنيا و انقطاعها و زوالها و انتقالها) و حيث إنّها موصوفة بالانقطاع متّصفة بسرعة الزّوال و الانقضاء (فاعرضوا) بقلوبكم (عمّا يعجبكم منها) من زينتها و زخارفها و ازهدوا فيها و في رياشها (لقلّة ما يصحبكم منها) قال الشارح البحراني: و إنّما قال: لقلّة ذلك و لم يقل لعدمه لأنّ السالكين لا بدّ أن يستصحبوا منها شيئا و هو ما يكتسبه أحدهم من الكمالات إلى الآخرة، و لكنّ القدر الذي يكتسبه المترفون من الكمالات إذا قصدوا بأموالهم و ساير زينة الحياة الدّنيا الوصول إلى اللّه نزر قليل، و مع ذلك فهم في غاية الخطر و مزلّة القدم في كلّ حركة و تصرّف، بخلاف أهل القشف الذين اقتصروا منها على مقدار الضرورة البدنيّة، و يحتمل أن يريد بالقليل الّذي يصحبهم منها كالكفن و نحوه.
(أقرب دار من سخط اللّه) لأنّها محفوفة بالشهوات الموجبة لسخطه و أكثر أهلها محبّون لها راغبون إليها متابعون للهوى، و رأس كلّ خطيئة حبّ الدّنيا(و أبعدها من رضوان اللّه) لأنّ الطالب فيها لتحصيل رضوانه و للانتفاع بقيناتها في سلوك سبيله قليل (فغضّوا عنكم عباد اللّه) و كفّوا عن أنفسكم و اخرجوا عن قلوبكم (غمومها و أشغالها لما قد أيقنتم به من فراقها و تصرّف حالاتها) يعني أنّ الغمّ و الاشتغال انما يحسن أن يوجها نحو ما يبقى دون ما يفنى مع أنّ الاشتغال بما يفنى شاغل عن الاشتغال بما يبقى، و هو ليس فعل العاقل.
و روى في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى عن يحيى بن عقبة الأزدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال أبو جعفر عليه السّلام مثل الحريص على الدّنيا مثل دودة القزّ كلّما زادت من القزّ على نفسها لفّا كان أبعد لها من الخروج حتّى تموت غمّا.
و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أغنى الغنى من لم يكن للحرص أسيرا.
و قال: لا تشعروا قلوبكم الاشتغال بما قد فات فتشغلوا أذهانكم عن الاستعداد لما لم يأت (فاحذروها) على أنفسكم (حذر الشفيق الناصح) على شفيقه (و) حذر (المجدّ الكادح) من خيبة سعيه.
روى في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن عبد اللّه بن المغيرة عن غياث ابن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ في كتاب عليّ عليه السّلام إنما مثل الدّنيا كمثل الحيّة ما ألين مسّها و في جوفها السمّ النافع يحذرها الرجل العاقل، و يهوى إليها الصّبيّ الجاهل.
(و اعتبروا بما قد رأيتم من مصارع القرون) الماضية (قبلكم) فانكم عمّا قليل لاحقون بهم و صائرون مثلهم (قد تزايلت أوصالهم) و أعضائهم (و زالت أسماعهم و أبصارهم) و جرت أحداقهم على الخدود، و سالت أفواههم و مناخرهم بالقيح و الصديد (و ذهب شرفهم و عزّهم و انقطع سرورهم و نعيمهم) فلا تنظر إلى طيب عيشهم و لين رياشهم و لكن انظر إلى سرعة ظعنهم و سوء منقلبهم.
يا راقد اللّيل مسرورا بأوّله
إنّ الحوادث قد يطرقن أسحارا
أفنى القرون التي كانت منعّمة
كرّ الجديدان إقبالا و إدبارا
كم قد أبادت صروف الدّهر من ملك
قد كان في الدّهر نفّاعا و ضرّارا
يا من يعانق دنيا لا بقاء لها
يمسى و يصبح في دنياه سفّارا
هلّا تركت من الدّنيا معانقة
حتّى تعانق في الفردوس أبكارا
إن كنت تبغى جنان الخلد تسكنها
فينبغي لك أن لا تأمن النارا
ثمّ انظر إلى أهل القبور كيف صاروا إليها بعد سكنى القصور، و انتقلوا إلى دار الوحدة و ارتحلوا إلى بيت الوحشة ليس لهم أنيس به يستأنسون و لا سكن إليه يسكنون (فبدلوا بقرب الأولاد فقدها و بصحبة الأزواج مفارقتها) بل استوحش من قربهم الأولاد و الأصحاب، و استنفر من قبرهم الألّاف و الأحباب (لا يتفاخرون و لا يتناسلون و لا يتزاورون و لا يتجاورون) إذ لم يبق لهم زائر و لا مجاور
و حلّوا بدار لا تزاور بينهم
و أنّى لسكّان القبور التّزاور
و إنما صار هوام الأرض لهم الزّوار و الضيفان، و الحشرات و الديدان لهم الجيران و انحصر لباسهم و رياشهم في الأكفان.
(فاحذروا عباد اللّه) ثمّ احذروا (حذر الغالب لنفسه) الأمّارة بالسّوء (المانع لشهوته) المؤدّية إلى هلكته (الناظر بعقله) المميّز بين منفعته و مضرّته (فانّ الأمر واضح) أى أمر الدّنيا و الآخرة ظاهر لا خفاء فيه (و العلم قائم) أى علم الشريعة الهادى إلى الحقّ قائم لا غبار عليه (و الطريق) إلى اللّه (جدد) سهل (و السبيل) إلى رضوان اللّه تعالى (قصد) مستقيم.
فطوبى لعبد آثر اللّه ربّه
و جاد بدنياه لما يتوقّع
الترجمة
از جمله خطب شريفه آن حبل اللّه المتين و سيّد وصيين است مشتمل است بر مناقب حضرت رسالت و متضمن است موعظه و نصيحت را مى فرمايد: مبعوث فرمود خداوند تعالى پيغمبر آخر الزّمان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم را با نور روشن كننده كه عبارتست از نور نبوّت، و با دليل آشكارا كه عبارتست از معجزات رسالت،و با راه واضح كه جادّه شريعت است، و با كتاب مشتمل بهدايت كه قرآن كريم است، رهط و قبيله آن حضرت بهترين قبايلست، و درخت آن بزرگوار بهترين درختهاست، شاخه اى آن درخت معتدلند و متقارب، و ميوه هاى آن فروريخته شده است و آويزان، مكان ولادت آن حضرت مكّه معظّمه است، و هجرت او بمدينه طيبه در مدينه بلند شد ذكر آن، و كشيده شد در آن صداى آن، در رسيد بآفاق و أكناف فرستاد خداوند عزّ و جلّ او را با حجّت كفايت كننده، و با موعظه شفا دهنده، و با دعوت تدارك كننده، ظاهر فرمود خدا باظهار و بيان آن حضرت شريعتهاى مجهوله را، و منكوب و مخذول نمود بوجود او بدعتهاى مدخوله را، و روشن گردانيد بزبان گوهر فشان او حكمهاى فصل شده را، پس هر كه طلب نمايد غير از اسلام دينى را متحقّق مى شود شقاوت او، و گسيخته مى شود متمسك او، و بزرگ گردد لغزش او، و باشد بازگشت او بسوى اندوه دراز، و عذاب شديد، و توكلّ مىكنم بخداوند توكّل رجوع كردن بسوى او، و طلب ارشاد مى كنم از او براهى كه رساننده باشد ببهشت عنبر سرشت او، و قصد كننده باشد به محلّ رغبت او.
وصيّت ميكنم شما را أى بندگان خدا بپرهيزكاري از خدا و فرمان برداري او، پس بدرستى كه پرهيزكاري و فرمان برداري رستگاريست فردا روز قيامت، و محلّ رستگاريست هميشه، ترسانيده خداى عزّ و جلّ مخلوقات را بعقاب، و ترغيب فرموده ايشان را بثواب، و وصف نموده از براى شما دنياى بىوفا و بريده شدن آنرا و زوال آن را و انتقال آن را، پس اعراض نمائيد از آنچه كه شگفت مى آورد شما را در دنيا از جهت كمى آنچه كه همراه خواهد شد با شما از دنيا، نزديكترين خانهايست از غضب خدا، و دورترين خانهايست از رضاى خدا.
پس باز داريد از خودتان اى بندگان خدا غمهاى دنيا و شغلهاى آن را از جهت آنكه محقّقا يقين كردهايد بآن از مفارقت آن و انقلاب حالات آن، پس بترسيد در آن همچو ترسيدن برادر مهربان نصيحت كننده، و مثل ترسيدن صاحب جدّ و جهد سعى كننده، و عبرت برداريد به آن چه كه ديديد از مهالك قرنهايى كهپيش از شما بودند، بتحقيق كه جدا شد از يكديگر عضوهاى بدن ايشان، و زايل شد گوشها و چشمهاى ايشان، و رفت بزرگواري و عزّت ايشان، و بريده گشت شادى و نعمت ايشان، پس بدل كرده شدند بنزديكى اولاد نايابى ايشان را، و بمصاحبت زنان جدائى ايشان را، تفاخر نمى توانند بكنند بيكديگر، و نسل أخذ نمىكنند، و زيارت يكديگر نمىنمايند، و با هم همسايگى نمى كنند.
پس حذر كنيد اى بندگان خدا مثل حذر نمودن كسى كه غلبه نمايد بر نفس خود، و منع كننده باشد شهوت خود را، و نظر كننده باشد بچشم عقل خود پس بدرستى كه امر دنيا و آخرت واضح است و روشن، و علم شريعت قائمست و بر پا و راه حق سهل است و آسان، و راه درست مستقيم است و راست.
هنا انتهى الجزء التاسع من هذه الطبعة الجديدة النفيسة، و تمّ تصحيحه و ترتيبه و تهذيبه بيد العبد «السيد ابراهيم الميانجى» عفى عنه و عن والديه في اليوم الثاني عشر من شهر الله الاعظم سنة- 1381- و يليه انشاء الله الجزء العاشر و أوله: المختار المأة و الواحد و الستون، و الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»