حکمت 466 صبحی صالح
466-وَ قَالَ ( عليه السلام )الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ
قال الرضي و هذه من الاستعارات العجيبة كأنه يشبه السه بالوعاء و العين بالوكاء فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
و قد رواه قوم لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) و ذكر ذلك المبرد في كتاب المقتضب في باب اللفظ بالحروف و قد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية
حکمت 475 شرح ابن أبي الحديد ج 20
475 وَ قَالَ ع: الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّتَهِ قال الرضي رحمه الله تعالى- و هذه من الاستعارات العجيبة- كأنه شبه السته بالوعاء و العين بالوكاء- فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء- و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبي ص- و قد رواه قوم لأمير المؤمنين ع- و ذكر ذلك المبرد في الكتاب المقتضب- في باب اللفظ المعروف- قال الرضي و قد تكلمنا على هذه الاستعارة- في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية المعروف أن هذا من كلام رسول الله ص- ذكره المحدثون في كتبهم و أصحاب غريب الحديث في تصانيفهم- و أهل الأدب في تفسير هذه اللفظة في مجموعاتهم اللغوية- و لعل المبرد اشتبه عليه فنسبه إلى أمير المؤمنين ع- و الرواية بلفظ التثنية العينان وكاء السته- و السته الاست- .
و قد جاء في تمام الخبر في بعض الروايات فإذا نامت العينان استطلق الوكاء- و الوكاء رباط القربة فجعل العينين وكاء و المراد اليقظة- للسته كالوكاء للقربة- و منه الحديث في اللقطة احفظ عفاصها و وكاءها و عرفها سنة- فإن جاء صاحبها و إلا فشأنك بها- و العفاص السداد و الوكاء السداد- و هذه من الكنايات اللطيفة
فصل في ألفاظ الكنايات و ذكر الشواهد عليها
و قد كنا قدمنا قطعة صالحة من الكنايات المستحسنة- و وعدنا أن نعاود ذكر طرف منها و هذا الموضع موضعه- فمن الكناية عن الحدث الخارج- و هو الذي كنى عنه أمير المؤمنين ع أو رسول الله ص- الكناية التي ذكرها يحيى بن زياد في شعره- قيل إن يحيى بن زياد و مطيع بن إياس و حمادا الراوية- جلسوا على شرب لهم و معهم رجل منهم- فانحل وكاؤه فاستحيا و خرج و لم يعد إليهم- فكتب إليه يحيى بن زياد-
أ من قلوص غدت لم يؤذها أحد
إلا تذكرها بالرمل أوطانا
خان العقال لها فانبت إذ نفرت
و إنما الذنب فيها للذي خانا
منحتنا منك هجرانا و مقلية
و لم تزرنا كما قد كنت تغشانا
خفض عليك فما في الناس ذو إبل
إلا و أينقه يشردن أحيانا
و ليس هذا الكتاب أهلا أن يضمن- حكاية سخيفة أو نادرة خليعة- فنذكر فيه ما جاء في هذا المعنى- و إنما جرأنا على ذكر هذه الحكاية خاصة- كناية أمير المؤمنين ع أو رسول الله ص عنها- و لكنا نذكر كنايات كثيرة في غير هذا المعنى مستحسنة- ينتفع القارئ بالوقوف عليها- .
يقال فلان من قوم موسى إذا كان ملولا- إشارة إلى قوله تعالى- وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ- .
قال الشاعر
فيا من ليس يكفيه صديق
و لا ألفا صديق كل عام
أظنك من بقايا قوم موسى
فهم لا يصبرون على طعام
و قال العباس بن الأحنف
كتبت تلوم و تستريث زيارتي
و تقول لست لنا كعهد العاهد
فأجبتها و دموع عيني سجم
تجري على الخدين غير جوامد
يا فوز لم أهجركم لملالة
عرضت و لا لمقال واش حاسد
لكنني جربتكم فوجدتكم
لا تصبرون على طعام واحد
و يقولون للجارية الحسناء قد أبقت من رضوان-
قال الشاعر
جست العود بالبنان الحسان
و تثنت كأنها غصن بان
فسجدنا لها جميعا و قلنا
إذ شجتنا بالحسن و الإحسان
حاش لله أن تكوني من الإنس
و لكن أبقت من رضوان
و يقولون للمكشوف الأمر الواضح الحال ابن جلا- و هو كناية عن الصبح و منه ما تمثل به الحجاج-
أنا ابن جلا و طلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني
و منه قول القلاخ بن حزن-أنا القلاخ بن القلاخ ابن جلا- . و منه قولهم فلان قائد الجمل- لأنه لا يخفى لعظم الجمل و كبر جثته- و في المثل ما استتر من قاد جملا- و قالوا كفى برغائها نداء- و مثل هذا قولهم ما يوم حليمة بسر- يقال ذلك في الأمر المشهور الذي لا يستر- و يوم حليمة يوم التقى المنذر الأكبر- و الحارث الغساني الأكبر- و هو أشهر أيام العرب- يقال إنه ارتفع من العجاج- ما ظهرت معه الكواكب نهارا- و حليمة اسم امرأة أضيف اليوم إليها- لأنها أخرجت إلى المعركة مراكن الطيب- فكانت تطيب بها الداخلين إلى القتال- فقاتلوا حتى تفانوا- . و يقولون في الكناية عن الشيخ الضعيف قائد الحمار- و إشارة إلى ما أنشده الأصمعي
آتي الندي فلا يقرب مجلسي
و أقود للشرف الرفيع حماري
أي أقوده من الكبر إلى موضع مرتفع لأركبه لضعفي- و مثل ذلك كنايتهم عن الشيخ الضعيف بالعاجن- لأنه إذا قام عجن في الأرض بكفيه-
قال الشاعر
فأصبحت كنتيا و أصبحت عاجنا
و شر خصال المرء كنت و عاجن
قالوا الكنتي الذي يقول كنت أفعل كذا- و كنت أركب الخيل يتذكر ما مضى من زمانه- و لا يكون ذلك إلا عند الهرم أو الفقر و العجز- . و مثله قولهم للشيخ راكع-
قال لبيد
أخبر أخبار القرون التي مضت
أدب كأني كلما قمت راكع
و الركوع هو التطأطؤ و الانحناء بعد الاعتدال و الاستواء- و يقال للإنسان إذا انتقل من الثروة إلى الفقر قد ركع- قال
لا تهين الفقير علك أن تركع
يوما و الدهر قد رفعه
و في هذا المعنى قال الشاعر-
ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه
يوما فتدركه الحوادث قد نما
يجزيك أو يثني عليك و إن من
يثني عليك بما فعلت فقد جزى
و مثله أيضا
و أكرم كريما إن أتاك لحاجة
لعاقبة إن العضاه تروح
تروح الشجر إذا انفطر بالنبت- يقول إن كان فقيرا فقد يستغنى- كما إن الشجر الذي لا ورق عليه سيكتسى ورقا- و يقال ركع الرجل أي سقط- .
و قال الشاعر
خرق إذا ركع المطي من الوجى
لم يطو دون رفيقه ذا المرود
حتى يئوب به قليلا فضله
حمد الرفيق نداك أو لم يحمد
و كما يشبهون الشيخ بالراكع فيكنون به عنه- كذلك يقولون يحجل في قيده لتقارب خطوه- قال أبو الطمحان القيني-
حنتني حانيات الدهر حتى
كأني خاتل أدنو لصيد
قريب الخطو يحسب من رآني
و لست مقيدا أني بقيد
و نحو هذا قولهم للكبير بدت له الأرنب- و ذلك أن من يختل الأرنب ليصيدها يتمايل في مشيته- و أنشد ابن الأعرابي في النوادر-
و طالت بي الأيام حتى كأنني
من الكبر العالي بدت لي أرنب
و نحوه يقولون للكبير قيد بفلان البعير- أي لا قوة ليده على أن يصرف البعير تحته على حسب إرادته- فيقوده قائد يحمله حيث يريد- .
و من أمثالهم لقد كنت و ما يقاد بي البعير- يضرب لمن كان ذا قوة و عزم ثم عجز و فتر- . و من الكنايا عن شيب العنفقة قولهم- قد عض على صوفه- . و يكنون عن المرأة التي كبر سنها فيقولون- امرأة قد جمعت الثياب أي تلبس القناع و الخمار و الإزار- و ليست كالفتاة التي تلبس ثوبا واحدا- . و يقولون لمن يخضب يسود وجه النذير- و قالوا في قوله تعالى وَ جاءَكُمُ النَّذِيرُ إنه الشيب- و قال الشاعر
و قائلة لي اخضب فالغواني
تطير من ملاحظة القتير
فقلت لها المشيب نذير موتي
و لست مسودا وجه النذير
و زاحم شاب شيخا في طريق فقال الشاب كم ثمن القوس- يعيره بانحناء الظهر- فقال الشيخ يا ابن أخي- إن طال بك عمر فسوف تشتريها بلا ثمن- . و أنشد لابن خلف-
تعيرني وخط المشيب بعارضي
و لو لا الحجول البلق لم تعرف الدهم
حنى الشيب ظهري فاستمرت مريرتي
و لو لا انحناء القوس لم ينفذ السهم
و يقولون لمن رشا القاضي أو غيره صب في قنديله زيتا- و أنشد
و عند قضاتنا خبث و مكر
و زرع حين تسقيه يسنبل
إذا ما صب في القنديل زيت
تحولت القضية للمقندل
و كان أبو صالح كاتب الرشيد ينسب إلى أخذ الرشا- و كان كاتب أم جعفر- .و هو سعدان بن يحيى كذلك- فقال لها الرشيد يوما أ ما سمعت ما قيل في كاتبك- قالت ما هو فأنشدها-
صب في قنديل سعدان
مع التسليم زيتا
و قناديل بنيه
قبل أن تخفى الكميتا
قالت فما قيل في كاتبك أشنع و أنشدته-
قنديل سعدان علا ضوءه
فرخ لقنديل أبي صالح
تراه في مجلسه أحوصا
من لمحه للدرهم اللائح
و يقولون لمن طلق ثلاثا قد نحرها بمثلثه- . و يقولون أيضا أعطاها نصف السنة- . و يقولون لمن يفخر بآبائه هو عظامي- و لمن يفخر بنفسه هو عصامي- إشارة إلى قول النابغة في عصام بن سهل حاجب النعمان
نفس عصام سودت عصاما
و علمته الكر و الإقداما
و جعلته ملكا هماما
و أشار بالعظامي إلى فخره بالأموات من آبائه و رهطه- و قال الشاعر
إذا ما الحي عاش بعظم ميت
فذاك العظم حي و هو ميت
و نحو هذا أن عبد الله بن زياد بن ظبيان التميمي- دخل على أبيه و هو يجود بنفسه فقال أ لا أوصي بك الأمير- فقال إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت فالحي هو الميت- و يقال إن عطاء بن أبي سفيان قال ليزيد بن معاوية- أغنني عن غيرك قال حسبك ما أغناك به معاوية- قال فهو إذن الحي و أنت الميت- و مثل قولهم عظامي قولهم خارجي- أي يفخر بغير أولية كانت له- قال كثير لعبد العزيز-
أبا مروان لست بخارجي
و ليس قديم مجدك بانتحال
و يكنون عن العزيز و عن الذليل أيضا فيقولون- بيضة البلد- فمن يقولها للمدح- يذهب إلى أن البيضة هي الحوزة و الحمى- يقولون فلان يحمي بيضته أي يحمي حوزته و جماعته- و من يقولها للذم- يعني أن الواحدة من بيض النعام إذا فسدت- تركها أبواها في البلد و ذهبا عنها- قال الشاعر في المدح-
لكن قائله من لا كفاء له
من كان يدعى أبوه بيضة البلد
– . و قال الآخر في الذم-
تأبى قضاعة لم تعرف لكم نسبا
و ابنا نزار فأنتم بيضة البلد
و يقولون للشيء الذي يكون في الدهر مرة واحدة- هو بيضة الديك- قال بشار
يا أطيب الناس ريقا غير مختبر
إلا شهادة أطراف المساويك
قد زرتنا زورة في الدهر واحدة
ثني و لا تجعليها بيضة الديك
و يكنون عن الثقيل بالقذى في الشراب- قال الأخطل يذكر الخمر و الاجتماع عليها-
و ليس قذاها بالذي قد يضيرها
و لا بذباب نزعه أيسر الأمر
و لكن قذاها كل جلف مكلف
أتتنا به الأيام من حيث لا ندري
فذاك القذى و ابن القذى و أخو القذى
فإن له من زائر آخر الدهر
و يكنون أيضا عنه بقدح اللبلاب-
قال الشاعر
يا ثقيلا زاد في الثقل
على كل ثقيل
أنت عندي قدح اللبلاب
في كف العليل
و يكنون عنه أيضا بالقدح الأول- لأن القدح الأول من الخمر تكرهه الطبيعة- و ما بعده فدونه لاعتياده- قال الشاعر
و أثقل من حضين باديا
و أبغض من قدح أول
و يكنون عنه بالكانون قال الحطيئة يهجو أمه-
تنحي فاقعدي عني بعيدا
أراح الله منك العالمينا
أ غربالا إذا استودعت سرا
و كانونا على المتحدثينا
قالوا و أصله من كننت أي سترت- فكأنه إذا دخل على قوم و هم في حديث ستروه عنه- و قيل بل المراد شدة برده- . و يكنون عن الثقيل أيضا برحى البزر-
قال الشاعر
و أثقل من رحى بزر علينا
كأنك من بقايا قوم عاد
و يقولون لمن يحمدون جواره جاره جار أبي دواد- و هو كعب بن مامة الإيادي- كان إذا جاوره رجل فمات وداه- و إن هلك عليه شاة أو بعير أخلف عليه- فجاوره أبو دواد الإيادي فأحسن إليه فضرب به المثل- . و مثله قولهم هو جليس قعقاع بن شور- و كان قد قدم إلى معاوية فدخل عليه- و المجلس غاص بأهله ليس فيه مقعد- فقام له رجل من القوم و أجلسه مكانه- فلم يبرح القعقاع من ذلك الموضع يكلم معاوية- و معاوية يخاطبه حتى أمر له بمائة ألف درهم- فأحضرت إليه فجعلت إلى جانبه- فلما قام قال للرجل القائم له من مكانه- ضمها إليك فهي لك بقيامك لنا عن مجلسك- فقيل فيه
و كنت جليس قعقاع بن شور
و لا يشقى بقعقاع جليس
ضحوك السن إن نطقوا بخير
و عند الشر مطراق عبوس
أخذ قوله و لا يشقى بقعقاع جليس- من قول النبي ص هم القوم لا يشقى بهم جليسهم- . و يكنون عن السمين من الرجال بقولهم- هو جار الأمير و ضيف الأمير- و أصله أن الغضبان بن القبعثرى- كان محبوسا في سجن الحجاج فدعا به يوما فكلمه- فقال له في جملة خطابه إنك لسمين يا غضبان- فقال القيد و الرتعة و الخفض و الدعة- و من يكن ضيف الأمير يسمن- . و يكني الفلاسفة عن السمين بأنه يعرض سور حبسه- و ذلك أن أفلاطون رأى رجلا سمينا فقال يا هذا- ما أكثر عنايتك بتعريض سور حبسك- . و نظر أعرابي إلى رجل جيد الكدنة- فقال أرى عليك قطيفة محكمة- قال نعم ذاك عنوان نعمة الله عندي- . و يقولون للكذاب هو قموص الحنجرة- و أيضا هو زلوق الكبد و أيضا لا يوثق بسيل بلقعه- و أيضا أسير الهند لأنه يدعي أنه ابن الملك- و إن كان من أولاد السفلة- . و يكنى عنه أيضا بالشيخ الغريب- لأنه يحب أن يتزوج في الغربة فيدعي أنه ابن خمسين سنة- و هو ابن خمس و سبعين- .
و يقولون هو فاختة البلد من قول الشاعر-
أكذب من فاختة
تصيح فوق الكرب
و الطلع لم يبد لها
هذا أوان الرطب
و قال آخر في المعنى-
حديث أبي حازم كله
كقول الفواخت جاء الرطب
و هن و إن كن يشبهنه
فلسن يدانينه في الكذب
و يكنون عن النمام بالزجاج لأنه يشف على ما تحته- قال الشاعر
أنم بما استودعته من زجاجة
يرى الشيء فيها ظاهرا و هو باطن
و يكنون عنه بالنسيم من قول الآخر-
و إنك كلما استودعت سرا
أنم من النسيم على الرياض
و يقولون إنه لصبح و إنه لطيب كله في النمام- و يقولون ما زال يفتل له في الذروة و الغارب حتى أسمحت قرونته- و هي النفس- و الذروة أعلى السنام و الغارب مقدمه- . و يقولون في الكناية عن الجاهل- ما يدري أي طرفيه أطول- قالوا ذكره و لسانه- و قالوا هل نسب أبيه أفضل أم نسب أمه- . و مثله لا يعرف قطانه من لطانه- أي لا يعرف جبهته مما بين وركيه- . و قالوا الحدة كنية الجهل و الاقتصاد كنية البخل- و الاستقصاء كنية الظلم- .
و قالوا للجائع عضه الصفر و عضه شجاع البطن- . و قال الهذلي-
أرد شجاع البطن قد تعلمينه
و أوثر غرثى من عيالك بالطعم
مخافة أن أحيا برغم و ذلة
و للموت خير من حياة على رغم
و يقولون زوده زاد الضب أي لم يزوده شيئا- لأن الضب لا يشرب الماء- و إنما يتغذى بالريح و النسيم- و يأكل القليل من عشب الأرض- .
و قال ابن المعتز-
يقول أكلنا لحم جدي و بطة
و عشر دجاجات شواء بألبان
و قد كذب الملعون ما كان زاده
سوى زاد ضب يبلع الريح عطشان
و قال أبو الطيب-
لقد لعب البين المشت بها و بي
و زودني في السير ما زود الضبا
و يقولون للمختلفين من الناس- هم كنعم الصدقة و هم كبعر الكبش- قال عمرو بن لجأ-
و شعر كبعر الكبش ألف بينه
لسان دعي في القريض دخيل
و ذلك لأن بعر الكبش يقع متفرقا- . و قال بعض الشعراء لشاعر آخر- أنا أشعر منك لأني أقول البيت و أخاه- و تقول البيت و ابن عمه- فأما قول جرير في ذي الرمة- إن شعره
بعر ظباء و نقط عروس
فقد فسره الأصمعي فقال- يريد أن شعره حلو أول ما تسمعه- فإذا كرر إنشاده ضعف- لأن أبعار الظباء أول ما تشم توجد لها رائحة- ما أكلت من الجثجاث و الشيح و القيصوم- فإذا أدمت شمها عدمت تلك الرائحة- و نقط العروس إذا غسلتها ذهبت- . و يقولون أيضا للمختلفين أخياف- و الخيف سواد إحدى العينين و زرق الأخرى- و يقولون فيهم أيضا- أولاد علات كالإخوة لأمهات شتى- و العلة الضرة- . و يقولون فيهم خبز كتاب لأنه يكون مختلفا- قال شاعر يهجو الحجاج بن يوسف-
أ ينسى كليب زمان الهزال
و تعليمه سورة الكوثر
رغيف له فلكة ما ترى
و آخر كالقمر الأزهر
و مثله-
أ ما رأيت بني سلم وجوههم
كأنها خبز كتاب و بقال
و يقال للمتساوين في الرداءة كأسنان الحمار- قال الشاعر-
سواء كأسنان الحمار فلا ترى
لذي شيبة منهم على ناشئ فضلا
و قال آخر-
شبابهم و شيبهم سواء
فهم في اللؤم أسنان الحمار
و أنشد المبرد في الكامل- لأعرابي يصف قوما من طيئ بالتساوي في الرداءة-
و لما أن رأيت بني جوين
جلوسا ليس بينهم جليس
يئست من الذي أقبلت أبغي
لديهم إنني رجل يئوس
إذا ما قلت أيهم لأي
تشابهت المناكب و الرءوس
قال فقوله ليس بينهم جليس هجاء قبيح- يقول لا ينتجع الناس معروفهم فليس بينهم غيرهم- و يقولون في المتساويين في الرداءة أيضا- هما كحماري العبادي- قيل له أي حماريك شر قال هذا ثم هذا- و يقال في التساوي في الشر و الخير هم كأسنان المشط- و يقال وقعا كركبتي البعير و كرجلي النعامة- . و قال ابن الأعرابي- كل طائر إذا كسرت إحدى رجليه تحامل على الأخرى- إلا النعام فإنه متى كسرت إحدى رجليه جثم- فلذلك قال الشاعر يذكر أخاه-
و إني و إياه كرجلي نعامة
على ما بنا من ذي غنى و فقير
و قال أبو سفيان بن حرب لعامر بن الطفيل- و علقمة بن علاثة و قد تنافرا إليه- أنتما كركبتي البعير- فلم ينفر واحدا منهما- فقالا فأينا اليمنى فقال كل منكما يمنى- . و سأل الحجاج رجلا عن أولاد المهلب- أيهم أفضل فقال هم كالحلقة الواحدة- . و سئل ابن دريد عن المبرد و ثعلب فأثنى عليهما- فقيل فابن قتيبة قال ربوة بين جبلين- أي خمل ذكره بنباهتهما- . و يكنى عن الموت بالقطع عند المنجمين- و عن السعاية بالنصيحة عند العمال- و عن الجماع بالوطء عند الفقهاء- و عن السكر بطيب النفس عند الندماء- و عن السؤال بالزوار عند الأجواد- و عن الصدقة بما أفاء الله عند الصوفية- . و يقال للمتكلف بمصالح الناس- إنه وصي آدم على ولده- و قد قال شاعر في هذا الباب-
فكأن آدم عند قرب وفاته
أوصاك و هو يجود بالحوباء
ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم
و كفيت آدم عيلة الأبناء
و يقولون فلان خليفة الخضر إذا كان كثير السفر- قال أبو تمام-
خليفة الخضر من يربع على وطن
أو بلدة فظهور العيس أوطاني
بغداد أهلي و بالشام الهوى و أنا
بالرقتين و بالفسطاط إخواني
و ما أظن النوى ترضى بما صنعت
حتى تبلغ بي أقصى خراسان
و يقولون للشيء المختار المنتخب- هو ثمرة الغراب لأنه ينتفي خير الثمر- . و يقولون سمن فلان في أديمه- كناية عمن لا ينتفع به- أي ما خرج منه يرجع إليه- و أصله أن نحيا من السمن انشق في ظرف من الدقيق- فقيل ذلك-
قال الشاعر-
ترحل فما بغداد دار إقامة
و لا عند من أضحى ببغداد طائل
محل ملوك سمنهم في أديمهم
و كلهم من حلية المجد عاطل
فلا غرو أن شلت يد المجد و العلى
و قل سماح من رجال و نائل
إذا غضغض البحر الغطامط ماءه
فليس عجيبا أن تغيض الجداول
و يقولون لمن لا يفي بالعهد- فلان لا يحفظ أول المائدة- لأن أولها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ- . و يقولون لمن كان حسن اللباس و لا طائل عنده هو مشجب- و المشجب خشبة القصار التي يطرح الثياب عليها- قال ابن الحجاج-
لي سادة طائر السرور بهم
يطرده اليأس بالمقاليع
مشاجب للثياب كلهم
و هذه عادة المشاقيع
جائزتي عندهم إذا سمعوا
شعري هذا كلام مطبوع
و إنهم يضحكون إن ضحكوا
مني و أبكي أنا من الجوع
و قال آخر
إذا لبسوا دكن الخزوز و خضرها
و راحوا فقد راحت عليك المشاجب
و روي أن كيسان غلام أبي عبيدة- وفد على بعض البرامكة فلم يعطه شيئا- فلما وافى البصرة قيل له كيف وجدته- قال وجدته مشجبا من حيث ما أتيته وجدته- . و يكنون عن الطفيلي فيقولون هو ذباب- لأنه يقع في القدور
قال الشاعر
أتيتك زائرا لقضاء حق
فحال الستر دونك و الحجاب
و لست بواقع في قدر قوم
و إن كرهوا كما يقع الذباب
و قال آخر-
و أنت أخو السلام و كيف أنتم
و لست أخا الملمات الشداد
و أطفل حين يجفى من ذباب
و ألزم حين يدعى من قراد
و يكنون عن الجرب بحب الشباب- قال الوزير المهلبي-
يا صروف الدهر حسبي
أي ذنب كان ذنبي
علة خصت و عمت
في حبيب و محب
دب في كفيه يا من
حبه دب بقلبي
فهو يشكو حر حب
و شكاتي حر حب
و يكنون عن القصير القامة بأبي زبيبة- و عن الطويل بخيط باطل- و كانت كنية مروان بن الحكم لأنه كان طويلا مضطربا- قال فيه الشاعر-
لحا الله قوما أمروا خيط باطل
على الناس يعطي من يشاء و يمنع
و في خيط باطل قولان- أحدهما أنه الهباء الذي يدخل من ضوء الشمس- في الكوة من البيت- و تسميه العامة غزل الشمس- و الثاني أنه الخيط الذي يخرج من في العنكبوت- و تسميه العامة مخاط الشيطان- . و تقول العرب للملقو لطيم الشيطان- . و كان لقب عمرو بن سعيد الأشدق لأنه كان ملقوا- . و قال بعضهم لآخر ما حدث- قال قتل عبد الملك عمرا- فقال قتل أبو الذبان لطيم الشيطان- وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ- . و يقولون للحزين المهموم يعد الحصى- و يخط في الأرض و يفت اليرمع- قال المجنون-
عشية ما لي حيلة غير أنني
بلقط الحصى و الخط في الدار مولع
أخط و أمحو كل ما قد خططته
بدمعي و الغربان حولي وقع
و هذا كالنادم يقرع السن- و البخيل ينكت الأرض ببنانه أو بعود عند الرد- قال الشاعر-
عبيد إخوانهم حتى إذا ركبوا
يوم الكريهة فالآساد في الأجم
يرضون في العسر و الإيسار سائلهم
لا يقرعون على الأسنان من ندم
و قال آخر في نكت الأرض بالعيدان-
قوم إذا نزل الغريب بدارهم
تركوه رب صواهل و قيان
لا ينكتون الأرض عند سؤالهم
لتطلب العلات بالعيدان
و يقولون للفارغ فؤاد أم موسى- .و يقولون للمثري من المال منقرس- و ذلك أن علة النقرس- أكثر ما تعتري أهل الثروة و التنعم- . حكى المبرد- قال كان الحرمازي في ناحية عمرو بن مسعدة- و كان يجري عليه- فخرج عمرو بن مسعدة إلى الشام- و تخلف الحرمازي ببغداد فأصابه النقرس فقال-
أقام بأرض الشام فاختل جانبي
و مطلبه بالشام غير قريب
و لا سيما من مفلس حلف نقرس
أ ما نقرس في مفلس بعجيب
و قال بعضهم يهجو ابن زيدان الكاتب-
تواضع النقرس حتى لقد
صار إلى رجل ابن زيدان
علة إنسان و لكنها
قد وجدت في غير إنسان
و يقولون للمترف رقيق النعل و أصله قول النابغة-
رقاق النعال طيب حجزاتهم
يحيون بالريحان يوم السباسب
يعني أنهم ملوك- و الملك لا يخصف نعله و إنما يخصف نعله من يمشي- و قوله طيب حجزاتهم أي هم أعفاء الفروج- أي يشدون حجزاتهم على عفة- و كذلك قولهم فلان مسمط النعال- أي نعله طبقة واحدة غير مخصوف- قال المرار بن سعيد الفقعسي-
وجدت بني خفاجة في عقيل
كرام الناس مسمطة النعال
و قريب من هذا قول النجاشي-
و لا يأكل الكلب السروق نعالنا
و لا ينتقي المخ الذي في الجماجم
يريد أن نعالهم سبت- و السبت جلود البقر المدبوغة بالقرظ- و لا تقربها الكلاب- و إنما تأكل الكلاب غير المدبوغ- لأنه إذا أصابه المطر دسمه فصار زهما- . و يقولون للسيد لا يطأ على قدم- أي هو يتقدم الناس و لا يتبع أحدا فيطأ على قدمه- . و يقولون قد اخضرت نعالهم- أي صاروا في خصب و سعة- قال الشاعر-
يتايهون إذا اخضرت نعالهم
و في الحفيظة أبرام مضاجير
و إذا دعوا على إنسان بالزمانة قالوا خلع الله نعليه- لأن المقعد لا يحتاج إلى نعل- . و يقولون أطفأ الله نوره- كناية عن العمى و عن الموت أيضا- لأن من يموت فقد طفئت ناره- . و يقولون سقاه الله دم جوفه- دعاء عليه بأن يقتل ولده- و يضطر إلى أخذ ديته إبلا فيشرب ألبانها- . و يقولون رماه الله بليلة لا أخت لها أي ليلة موته- لأن ليلة الموت لا أخت لها- . و يقولون وقعوا في سلا جمل أي في داهية لا يرى مثلها- لأن الجمل لا سلا له و إنما السلا للناقة- و هي الجليدة التي تكون ملفوفة على ولدها- . و يقولون صاروا في حولاء ناقة- إذ صاروا في خصب- . و كانوا إذا وصفوا الأرض بالخصب- قالوا كأنها حولاء ناقة- .
و يقولون لأبناء الملوك و الرؤساء- و من يجري مجراهم جفاة المحز-
قال الشاعر-
جفاة المحز لا يصيبون مفصلا
و لا يأكلون اللحم إلا تخذما
يقول هم ملوك- و أشباه الملوك لا حذق لهم بنحر الإبل و الغنم- و لا يعرفون التجليد و السلخ- و لهم من يتولى ذلك عنهم- و إذا لم يحضرهم من يجزر الجزور- تكلفوا هم ذلك بأنفسهم- فلم يحسنوا حز المفصل كما يفعله الجزار- و قوله-
و لا يأكلون اللحم إلا تخذما
أي ليس بهم شره- فإذا أكلوا اللحم تخذموا قليلا قليلا- و الخذم القطع- و أنشد الجاحظ في مثله-
و صلع الرءوس عظام البطون
جفاة المحز غلاظ القصر
لأن ذلك كله أمارات الملوك- و قريب من ذلك قوله-
ليس براعي إبل و لا غنم
و لا بجزار على ظهر وضم
و يقولون فلان أملس- يكنون عمن لا خير فيه و لا شر- أي لا يثبت فيه حمد و لا ذم- . و يقولون ملحه على ركبته- أي هو سيئ الخلق يغضبه أدنى شيء- قال
لا تلمها إنها من عصبة
ملحها موضوعة فوق الركب
و يقولون كناية عن مجوسي- هو ممن يخط على النمل- و النمل جمع نملة و هي قرحة بالإنسان- كانت العرب تزعم أن المجوسي- إذا كان من أخته و خط عليها برأت-
قال الشاعر
و لا عيب فينا غير عرق لمعشر
كرام و أنا لا نخط على النمل
و يقولون للصبي قد قطفت ثمرته أي ختن- و قال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير-
ما زال عصياننا لله يرذلنا
حتى دفعنا إلى يحيى و دينار
إلا عليجين لم تقطف ثمارها
قد طالما سجدا للشمس و النار
– . و يقولون قدر حليمة أي لا غليان فيها- . و يقولون لمن يصلي صلاة مختصرة هو راجز الصلاة- . و قال أعرابي لرجل رآه يصلي صلاة خفيفة- صلاتك هذه رجز- . و يقولون فلان عفيف الشفة أي قليل السؤال- و فلان خفيف الشفة كثير السؤال- . و تكني العرب عن المتيقظ بالقطامي و هو الصقر- . و يكنون عن الشدة و المشقة بعرق القربة- يقولون لقيت من فلان عرق القربة- أي العرق الذي يحدث بك من حملها و ثقلها- و ذلك لأن أشد العمل كان عندهم السقي- و ما ناسبه من معالجة الإبل- . و تكني العرب عن الحشرات- و هوام الأرض بجنود سعد- يعنون سعد الأخبية- و ذلك لأنه إذا طلع انتشرت في ظاهر الأرض- و خرج منها ما كان مستترا في باطنها- قال الشاعر-
قد جاء سعد منذرا بحره
موعدة جنوده بشره
و يكني قوم عن السائلين على الأبواب- بحفاظ سورة يوسف ع- لأنهم يعتنون بحفظها دون غيرها- و قال عمارة يهجو محمد بن وهيب-
تشبهت بالأعراب أهل التعجرف
فدل على ما قلت قبح التكلف
لسان عراقي إذا ما صرفته
إلى لغة الأعراب لم يتصرف
و لم تنس ما قد كان بالأمس حاكه
أبوك و عود الجف لم يتقصف
لئن كنت للأشعار و النحو حافظا
لقد كان من حفاظ سورة يوسف
و يكنون عن اللقيط بتربية القاضي- و عن الرقيب بثاني الحبيب لأنه يرى معه أبدا- قال ابن الرومي-
موقف للرقيب لا أنساه
لست أختاره و لا آباه
مرحبا بالرقيب من غير وعد
جاء يجلو علي من أهواه
لا أحب الرقيب إلا لأني
لا أرى من أحب حتى أراه
و يكنون عن الوجه المليح بحجة المذنب- إشارة إلى قول الشاعر-
قد وجدنا غفلة من رقيب
فسرقنا نظرة من حبيب
و رأينا ثم وجها مليحا
فوجدنا حجة للذنوب
و يكنون عن الجاهل ذي النعمة بحجة الزنادقة- قال ابن الرومي-
مهلا أبا الصقر فكم طائر
خر صريعا بعد تحليق
لا قدست نعمى تسربلتها
كم حجة فيها لزنديق
و قال ابن بسام في أبي الصقر أيضا-
يا حجة الله في الأرزاق و القسم
و عبرة لأولى الألباب و الفهم
تراك أصبحت في نعماء سابغة
إلا و ربك غضبان على النعم
فهذا ضد ذلك المقصد- لأن ذاك جعله حجة على الزندقة- و هذا جعله حجة على قدرة البارئ سبحانه- على عجائب الأمور و غرائبها- و أن النعم لا قدر لها عنده سبحانه- حيث جعلها عند أبي الصقر مع دناءة منزلته- و قال ابن الرومي-
و قينة أبرد من ثلجه
تبيت منها النفس في ضجه
كأنها من نتنها صخة
لكنها في اللون أترجه
تفاوتت خلقتها فاغتدت
لكل من عطل محتجه
و قد يشابه ذلك قول أبي علي البصير في ابن سعدان-
يا ابن سعدان أجلح الرزق في أمرك
و استحسن القبيح بمره
نلت ما لم تكن تمنى إذا ما
أسرفت غاية الأماني عشره
ليس فيما أظن إلا لكيلا
ينكر المنكرون لله قدره
و للمفجع في قريب منه-
إن كنت خنتكم المودة غادرا
أو حلت عن سنن المحب الوامق
فمسخت في قبح ابن طلحة إنه
ما دل قط على كمال الخالق
و يقولون عرض فلان على الحاجة عرضا سابريا- أي خفيفا من غير استقصاء- تشبيها له بالثوب السابري- و الدرع السابرية و هي الخفيفة- . و يحكى أن مرتدا مر على قوم يأكلون- و هو راكب حمارا- فقالوا انزل إلينا فقال هذا عرض سابري- فقالوا انزل يا ابن الفاعلة و هذا ظرف و لباقه- . و يقولون في ذلك وعد سابري- أي لا يقرن به وفاء- و أصل السابري اللطيف الرقق- . و قال المبرد سألت الجاحظ- من أشعر المولدين فقال القائل-
كأن ثيابه أطلعن
من أزراره قمرا
يزيدك وجهه حسنا
إذا ما زدته نظرا
بعين خالط التفتير
في أجفانها الحورا
و وجه سابري لو
تصوب ماؤه قطرا
يعني العباس بن الأحنف- . و تقول العرب في معنى قول المحدثين- عرض عليه كذا عرضا سابريا- عرض عليه عرض عالة- أي عرض الماء على النعم العالة التي قد شربت شربا بعد شرب- و هو العلل لأنها تعرض على الماء عرضا خفيفا لا تبالغ فيه- .
و من الكنايات الحسنة- قول أعرابية قالت لقيس بن سعد بن عبادة- أشكو إليك قلة الجرذان في بيتي- فاستحسن منها ذلك و قال لأكثرنها- املئوا لها بيتها خبزا و تمرا و سمنا و أقطا و دقيقا- . و شبيه بذلك ما روي- أن بعض الرؤساء سايره صاحب له على برذون مهزول- فقال له ما أشد هزال دابتك- فقال يدها مع أيدينا ففطن لذلك و وصله- .
و قريب منه ما حكي أن المنصور قال لإنسان- ما مالك قال ما أصون به وجهي و لا أعود به على صديقي- فقال لقد تلطفت في المسألة و أمر له بصلة- . و جاء أعرابي إلى أبي العباس ثعلب و عنده أصحابه- فقال له ما أراد القائل بقوله-
الحمد لله الوهوب المنان
صار الثريد في رءوس القضبان
فأقبل ثعلب على أهل المجلس فقال أجيبوه- فلم يكن عندهم جواب- و قال له نفطويه الجواب منك يا سيدي أحسن- فقال على أنكم لا تعلمونه قالوا لا نعلمه- فقال الأعرابي قد سمعت ما قال القوم- فقال و لا أنت أعزك الله تعلمه- فقال ثعلب أراد أن السنبل قد أفرك- قال صدقت فأين حق الفائدة- فأشار إليهم ثعلب فبروه- فقام قائلا بوركت من ثعلب ما أعظم بركتك- . و يكنون عن الشيب بغبار العسكر و برغوة الشباب- قال الشاعر-
قالت أرى شيبا برأسك قلت لا
هذا غبار من غبار العسكر
و قالت آخر و سماه غبار وقائع الدهر-
غضبت ظلوم و أزمعت هجري
وصبت ضمائرها إلى الغدر
قالت أرى شيبا فقلت لها
هذا غبار وقائع الدهر
و يقولون للسحاب فحل الأرض- . و قالوا القلم أحد اللسانين- و رداءة الخط أحد الزمانتين- . قال و قال الجاحظ- رأيت رجلا أعمى يقول في الشوارع و هو يسأل- ارحموا ذا الزمانتين قلت و ما هما- قال أنا أعمى و صوتي قبيح- و قد أشار شاعر إلى هذا فقال-
اثنان إذا عدا
حقيق بهما الموت
فقير ما له زهد
و أعمى ما له صوت
و قال رسول الله ص إياكم و خضراء الدمن- فلما سئل عنها قال المرأة الحسناء في المنبت السوء و قال ع في صلح قوم من العرب- إن بيننا و بينهم عيبة مكفوفة- أي لا نكشف ما بيننا و بينهم من ضغن و حقد و دم و قال ع الأنصار كرشي و عيبتي- أي موضع سري و كرشي جماعتي- .
و يقال جاء فلان ربذ العنان أي منهزما- . و جاء ينفض مذرويه أي يتوعد من غير حقيقة- . و جاء ينظر عن شماله أي منهزما- . و تقول فلان عندي بالشمال أي منزلته خسيسة- و فلان عندي باليمين أي بالمنزلة العليا- قال أبو نواس-
أقول لناقتي إذ بلغتني
لقد أصبحت عندي باليمين
فلم أجعلك للغربان نهبا
و لم أقل اشرقي بدم الوتين
حرمت على الأزمة و الولايا
و أعلاق الرحالة و الوضين
و قال ابن ميادة-
أبيني أ في يمنى يديك جعلتني
فأفرح أم صيرتني في شمالك
و تقول العرب- التقى الثريان في الأمرين يأتلفان و يتفقان- أو الرجلين قال أبو عبيدة- و الثرى التراب الندي في بطن الوادي- فإذا جاء المطر و سح في بطن الوادي حتى يلتقي نداه- و الندى الذي في بطن الوادي يقال التقى الثريان- . و يقولون هم في خير لا يطير غرابه- يريدون أنهم في خير كثير و خصب عظيم- فيقع الغراب فلا ينفر لكثرة الخصب- . و كذلك أمر لا ينادى وليده- أي أمر عظيم ينادى فيه الكبار دون الصغار- . و قيل المراد أن المرأة تشتغل عن وليدها- فلا تناديه لعظم الخطب- و من هذا قول الشاعر يصف حربا عظيمة-
إذا خرس الفحل وسط الحجور
و صاح الكلاب و عق الولد
يريد أن الفحل إذا عاين الجيش و البارقة- لم يلتفت لفت الحجور و لم يصهل- و تنبح الكلاب أربابها- لأنها لا تعرفهم للبسهم الحديد- و تذهل المرأة عن ولدها رعبا فجعل ذلك عقوقا- . و يقولون أصبح فلان على قرن أعفر- و هو الظبي إذا أرادوا أصبح على خطر- و ذلك لأن قرن الظبي ليس يصلح مكانا- فمن كان عليه فهو على خطر- قال إمرؤ القيس-
و لا مثل يوم بالعظالى قطعته
كأني و أصحابي على قرن أعفرا
و قال أبو العلاء المعري-
كأنني فوق روق الظبي من حذر
و أنشد ابن دريد في هذا المعنى-
و ما خير عيش لا يزال كأنه
محلة يعسوب برأس سنان
يعني من القلق و أنه غير مطمئن- . و يقولون به داء الظبي أي لا داء به- لأن الظبي صحيح لا يزال و المرض قل أن يعتريه- و يقولون للمتلون المختلف الأحوال- ظل الذئب لأنه لا يزل مرة هكذا و مرة هكذا- و يقولون به داء الذئب أي الجوع- .
و عهد فلان عهد الغراب يعنون أنه غادر- قالوا لأن كل طائر يألف أنثاه إلا الغراب- فإنه إذا باضت الأنثى تركها و صار إلى غيرها- . و يقولون ذهب سمع الأرض و بصرها- أي حيث لا يدرى أين هو- . و تقولون ألقى عصاه إذا أقام و استقر-
قال الشاعر-
فألقت عصاها و استقر بها النوى
كما قر عينا بالإياب المسافر
و وقع القضيب من يد الحجاج و هو يخطب- فتطير بذلك حتى بان في وجهه- فقام إليه رجل فقال- إنه ليس ما سبق وهم الأمير إليه- و لكنه قول القائل و أنشده البيت فسري عنه- . و يقال للمختلفين طارت عصاهم شققا- . و يقال فلان منقطع القبال أي لا رأي له- . و فلان عريض البطان أي كثير الثروة- . و فلان رخي اللب أي في سعة- . و فلان واقع الطائر أي ساكن- . و فلان شديد الكاهل أي منيع الجانب- . و فلان ينظر في أعقاب نجم مغرب أي هو نادم آيس-
قال الشاعر
فأصبحت من ليلى الغداة كناظر
مع الصبح في أعقاب نجم مغرب
و سقط في يده أي أيقن بالهلكة- . و قد رددت يده إلى فيه أي منعته من الكلام- . و بنو فلان يد على بني فلان أي مجتمعون- .
و أعطاه كذا عن ظهر يد أي ابتداء لا عن مكافأة- . و يقولون جاء فلان ناشرا أذنيه أي جاء طامعا- . و يقال هذه فرس غير محلفة- أي لا تحوج صاحبها إلى أن يحلف أنها كريمة-
قال
كميت غير محلفة و لكن
كلون الصرف عل به الأديم
و تقول حلب فلان الدهر أشطره- أي مرت عليه صروبه خيره و شره- . و قرع فلان لأمر ظنبوبه أي جد فيه و اجتهد- . و تقول أبدى الشر نواجذه أي ظهر- . و قد كشفت الحرب عن ساقها و كشرت عن نابها- . و تقول استنوق الجمل- يقال ذلك للرجل يكون في حديث ينتقل إلى غيره- يخلطه به- . و تقول لمن يهون بعد عز استأتن العير- . و تقول للضعيف يقوى استنسر البغاث- . و يقولون شراب بأنقع أي معاود للأمور- و قال الحجاج يا أهل العراق إنكم شرابون بأنقع- أي معتادون الخير و الشر- و الأنقع جمع نقع و هو ما استنقع من الغدران- و أصله في الطائر الحذر يرد المناقع في الفلوات- حيث لا يبلغه قانص و لا ينصب له شرك
حديث عن إمرئ القيس
و نختم هذا الفصل في الكنايات- بحكاية رواها أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني- قال أبو الفرج أخبرني محمد بن القاسم الأنباري- قال حدثني ابن عمي- قال حدثنا أحمد بن عبد الله عن الهيثم بن عدي- قال و حدثني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني- قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي- عن مجالد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير- قال قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة أميرا على العراق- فأرسل إلى عشرة من وجوه أهل الكوفة أنا أحدهم- فسرنا عنده- فقال ليحدثني كل رجل منكم أحدوثة- و ابدأ أنت يا أبا عمرو- فقلت أصلح الله الأمير أ حديث حق أم حديث باطل-
قال بل حديث حق- فقلت إن إمرأ القيس كان آلى ألية- ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية و أربعة و اثنتين- فجعل يخطب النساء فإذا سألهن عن هذا قلن أربعة عشر- فبينا هو يسير في جوف الليل- إذا هو برجل يحمل ابنة صغيرة له كأنها البدر لتمه فأعجبته- فقال لها يا جارية ما ثمانية و أربعة و اثنتان- فقالت أما ثمانية فأطباء الكلبة- و أما أربعة فأخلاف الناقة- و أما اثنتان فثديا المرأة- فخطبها إلى أبيها فزوجه إياها- و شرطت عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال- فجعل لها ذلك و على أن يسوق إليها مائة من الإبل- و عشرة أعبد و عشر وصائف و ثلاثة أفراس- ففعل ذلك ثم بعث عبدا إلى المرأة- و أهدى إليها معه نحيا من سمن و نحيا من عسل و حلة من عصب- فنزل العبد على بعض المياه- و نشر الحلة فلبسها فتعلقت بسمرة فانشقت- و فتح النحيين فأطعم أهل الماء منهما فنقصا- ثم قدم على المرأة و أهلها خلوف- فسألها عن أبيها و أمها و أخيها و دفع إليهاهديتها- فقالت أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيدا- و يبعد قريبا و أن أمي ذهبت تشق النفس نفسين- و أن أخي ذهب يراعي الشمس- و أن سماءكم انشقت و أن وعاءيكم نضبا- .
فقدم الغلام على مولاه فأخبره- فقال أما قولها أن أبي ذهب يقرب بعيدا و يبعد قريبا- فإن أباها ذهب يحالف قوما على قومه- و أما قولها إن أمي ذهبت تشق النفس نفسين- فإن أمها ذهبت تقبل امرأة نفساء- و أما قولها إن أخي ذهب يراعي الشمس- فإن أخاها في سرح له يرعاه- فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به- و أما قولها إن سماءكم انشقت- فإن البرد الذي بعثت به انشق- و أما قولها إن وعاءيكم نضبا- فإن النحيين اللذين بعثت بهما نقصا- فاصدقني فقال يا مولاي إني نزلت بماء من مياه العرب- فسألوني عن نسبي فأخبرتهم أني ابن عمك- و نشرت الحلة و لبستها و تجملت بها- فتعلقت بسمرة فانشقت- و فتحت النحيين فأطعمت منهما أهل الماء- فقال أولى لك ثم ساق مائة من الإبل- و خرج نحوها و معه العبد يسقي الإبل- فعجز فأعانه إمرؤ القيس فرمى به العبد في البئر- و خرج حتى أتى إلى أهل الجارية بالإبل- فأخبرهم أنه زوجها- فقيل لها قد جاء زوجك- فقالت و الله ما أدري أ زوجي هو أم لا- و لكن انحروا له جزورا و أطعموه من كرشها و ذنبها- ففعلوا فأكل ما أطعموه- فقالت اسقوه لبنا حازرا و هو الحامض فسقوه فشرب- فقالت افرشوا له عند الفرث و الدم ففرشوا له- فنام فلما أصبحت أرسلت إليه أني أريد أن أسألك- فقال لها سلي عما بدا لك- فقالت مم تختلج شفتاك قال من تقبيلي إياك- فقالت مم يختلج كشحاك قال لالتزامي إياك- قالت فمم يختلج فخذاك قال لتوركي إياك- فقالت عليكم العبد فشدوا أيديكم به ففعلوا- .
قال و مر قوم فاستخرجوا إمرأ القيس من البئر- فرجع إلى حيه و ساق مائة من الإبل- و أقبل إلى امرأته فقيل لها قد جاء زوجك- فقالت و الله ما أدري أ زوجي هو أم لا- و لكن انحروا له جزورا و أطعموه من كرشها و ذنبها- ففعلوا فلما أتوه بذلك قال و أين الكبد و السنام و الملحاء- و أبى أن يأكل فقالت اسقوه لبنا حازرا- فأتي به فأبى أن يشربه- و قال فأين الضريب و الرثيئة- فقالت افرشوا له عند الفرث و الدم- ففرشوا له فأبى أن ينام- و قال افرشوا لي عند التلعة الحمراء- و اضربوا لي عليها خباء- ثم أرسلت إليه هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاث- فأرسل إليها أن سلي عما شئت- فقالت مم تختلج شفتاك فقال لشربي المشعشعات- قالت فمم يختلج كشحاك قال للبسي الحبرات- قالت فمم تختلج فخذاك قال لركضي المطهمات- فقالت هذا زوجي لعمري فعليكم به- فأهديت إليه الجارية- . فقال ابن هبيرة حسبكم- فلا خير في الحديث سائر الليلة بعد حديث أبي عمرو- و لن يأتينا أحد منكم بأعجب منه- فانصرفنا و أمر لي بجائزة
ترجمه فارسی شرح ابن ابی الحدید
حكمت (475)
و قال عليه السّلام: العين وكاء السّتة. قال الرضى رحمه الله تعالى: و هذه من الاستعارات العجيبة كانه شبّه السّته بالوعاء و العين بالوكاء، فاذا اطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء، و هذا القول فى الاشهر الاظهر من كلام النبى صلّى اللّه عليه و آله، و قد رواه قوم لامير المؤمنين عليه السّلام، و ذكر ذلك المبرد فى الكتاب المقتضب فى باب اللفظ المعروف.
قال الرضى: و قد تكلمنا على هذه الاستعارة فى كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية.
«و آن حضرت فرمود: چشم سربند نشستنگاه است.»
سيد رضى كه خدايش رحمت كناد گويد اين از استعارات شگفت است كه گويى نشستنگاه را به ظرف و چشم را به سربند آن تشبيه فرموده است كه چون سربند گشوده شود ظرف آنچه را درون آن است نگه نمى دارد. اين سخن بنابر شهرت و آنچه آشكار است از سخنان رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم است و قومى آن را از امير المؤمنين عليه السّلام دانسته اند و مبرد در كتاب المقتضب در باب لفظ معروف آورده است، و ما در مورد اين استعاره در كتاب خودمان كه نامش مجازات آثار النبويه است سخن گفته ايم.»
ابن ابى الحديد در شرح اين سخن مى گويد: معروف اين است كه اين سخن از سخنان رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم است كه محدثان و مؤلفان غريب الحديث در آثار خود و اهل ادب در مجموعه هاى لغوى خود آن را آورده اند و شايد موضوع بر مبرد مشتبه شده است كه آن را به امير المؤمنين عليه السّلام نسبت داده است و در اصل روايت كلمه «عين» به صورت تثنيه و چنين است كه «العينان وكاء السته»، و لغت سته به معنى نشيمنگاه است.
در دنباله خبر هم در پاره اى از روايات آمده است «و چون دو چشم بخسبد سر بند گشوده مى شود.» و كاء هم به معنى بند مشك است كه چشمها را چون بند مشك قرار داده است و مقصود بيدارى است. در حديثى هم كه در مورد لقطه نقل شده است همين كلمه وكاء آمده است كه فرموده اند: «بند و بسته آن را بر آن باقى بدار و يك سال آن را معرفى كن اگر صاحب آن آمد كه چه بهتر و گرنه هر چه خواهى با آن انجام بده.» ابن ابى الحديد سپس بحثى مفصل در چهل صفحه در مورد كنايات مختلف و ارائه شواهدى براى آن اختصاص داده است كه از مباحث ارزنده صناعات ادبى است و از جمله درباره همين تركيب «بند گشوده شدن» كنايه از باد در رفتن، شاهدى از يحيى بن زياد در شعر آورده است. نكات جالب و خواندنى در اين بحث ابن ابى الحديد بسيار است و چون بيرون از مقوله كار اين بنده است به ترجمه چند موردى از آن بسنده مى شود.
اگر بگويند فلان از قوم موسى عليه السّلام است كنايه از ناشكيبايى و دلتنگى و اشاره به آيه شصت و يكم سوره بقره است كه مى فرمايد: «و هنگامى كه گفتيد اى موسى هرگز به يك خوراكى شكيبايى نمى ورزيم.» به دوشيزه بسيار زيبا مى گويند از بهشت گريخته است.
به كارى كه آشكار و روشن است و به شخصى كه چنان است، ابن جلا مى گويند كه كنايه از صبح و بامداد هم هست و حجاج هم به آن تمثل جسته است.
جوانى در راه جلو پيرمرد خميده پشتى را گرفت و گفت: بهاى اين كمان چند است و او را به گوژپشتى ريشخند زد. پيرمرد گفت: اى برادرزاده اگر عمرت دراز شود به زودى بدون پرداخت بها آن را خواهى خريد.
در مورد كسى كه به قاضى يا غير قاضى رشوه دهد، مى گويند: در چراغ او روغن ريخت.
جلوه تاریخ در شرح نهج البلاغه ابن ابى الحدیدجلد 8 //دکتر محمود مهدوى دامغانى