و من كلام له عليه السّلام فى ذكر يوم النحر
وَ مِنْ تَمَامِ الْأُضْحِيَّةِ اسْتِشْرَافُ أُذُنِهَا وَ سَلَامَةُ عَيْنِهَا- فَإِذَا سَلِمَتِ الْأُذُنُ وَ الْعَيْنُ سَلِمَتِ الْأُضْحِيَّةُ وَ تَمَّتْ- وَ لَوْ كَانَتْ
عَضْبَاءَ الْقَرْنِ تَجُرُّ رِجْلَهَا إِلَى الْمَنْسَكِ
اللغة
أقول: الاضحية: منصوبة إلى الأضحى إذ كان ذبجها في ضحى ذلك اليوم، و قيل إنّه مشتقّ منها.
و استشراف اذنها: طولها، و كنّى بذلك عن سلامتها من القطع أو نقصان الخلقة.
و العضباء: مكسورة القرن، و قيل القرن الداخل.
و كنّى بجرّ رجلها إلى المنسك عن عرجها.
و المنسك: موضع النسك، و هو العبادة و التقرّب بذبحها.
المعنى
و اعلم أنّ المعتبر في الاضحيّة سلامتها عمّا ينقّص قيمتها، و ظاهر أنّ العمى و العور و الهزال و قطع الاذن تشويه في خلقتها و نقصان في قيمتها دون العرج و كسر القرن.
و في فضل الاضحيّة أخبار كثيرة روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ما من عمل يوم النحر أحبّ إلى اللّه عزّ وجلّ من إراقة دم، و إنّها لتأتى يوم القيامة بقرونها و أظلافها و أنّ الدم ليقع من اللّه بمكان قبل أن يقع الأرض فطيّبوا بها نفسا. و روى عنه أيضا أنّ لكم بكلّ صوفة من جلدها حسنة، و بكلّ قطرة من دمها حسنة، و أنّها لتوضع في الميزان فابشروا، و قد كانت الصحابة يبالغون في أثمان الهدى و الأضاحى، و يكرهون المماكسة فيها فإنّ أفضل ذلك أغلاه ثمنا و أنفسه عند أهله.
روى أن عمر اهدى نجيبة فطلبت منه بثلاثمائة دينار فسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أن يبيعها و يشترى بثمنها بدنا فنهاه عن ذلك، و قال: بل اهدها. و سرّ ذلك أنّ الجيّد القليل خير من الكثير الدون. فثلاث مائة دينار و إن كان قيمة ثلاثين بدنة و فيها تكثير اللحم و لكن ليس المقصود اللحم. بل المقصود تزكية النفس و تطهيرها عن صفة البخل و تزيينها بجمال التعظيم للّه ف لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ، و ذلك بمراعاة النفاسة في القيمة كثر العدد أم قلّ.
و اعلم أنّه ربما لاح من أسرار وضع الاضحيّة سنّة باقية هو أن يدوم بها التذكّر لقصّة إبراهيم عليه السّلام و ابتلائه بذبح ولده و قوّة صبره على تلك المحنة و البلاء المبين، ثمّ يلاحظ من ذلك حلاوة ثمرة الصبر على المصائب و المكاره فيتأسّى الناس به في ذلك مع ما في نحر الاضحيّة من تطهير النفس عن رذيلة البخل و استعداد النفس بها للتقرّب إلى اللّه تعالى. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی) ، ج 2 ، صفحهى 143