google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
1 نامه هاشرح و ترجمه میر حبیب الله خوئینامه هاشرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه نامه ها نامه شماره ۱/2 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

نامه ۱ صبحی صالح

باب المختار من کتب مولانا أمیر المؤمنین علی ( علیه ‏السلام  )، و رسائله إلى أعدائه و أمراء بلاده، و یدخل فی ذلک ما اختیر من عهوده إلى عماله، و وصایاه لأهله و أصحابه.

۱- و من کتاب له ( علیه‏ السلام  ) إلى أهل الکوفه عند مسیره من المدینه إلى البصره

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَى أَهْلِ الْکُوفَهِ جَبْهَهِ الْأَنْصَارِ وَ سَنَامِ الْعَرَبِ

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أُخْبِرُکُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ حَتَّى یَکُونَ سَمْعُهُ کَعِیَانِهِ إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَیْهِ فَکُنْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِینَ أُکْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ وَ أُقِلُّ عِتَابَهُ وَ کَانَ طَلْحَهُ وَ الزُّبَیْرُ أَهْوَنُ سَیْرِهِمَا فِیهِ الْوَجِیفُ وَ أَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِیفُ

وَ کَانَ مِنْ عَائِشَهَ فِیهِ فَلْتَهُ غَضَبٍ فَأُتِیحَ لَهُ قَوْمٌ فَقَتَلُوهُ وَ بَایَعَنِی النَّاسُ غَیْرَ مُسْتَکْرَهِینَ وَ لَا مُجْبَرِینَ بَلْ طَائِعِینَ مُخَیَّرِینَ

وَ اعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الْهِجْرَهِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَ قَلَعُوا بِهَا وَ جَاشَتْ جَیْشَ الْمِرْجَلِ وَ قَامَتِ الْفِتْنَهُ عَلَى الْقُطْبِ فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِیرِکُمْ وَ بَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّکُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج۱۶

«اعتذار القاضى عبد الجبار في المغنى من ذلك»

قال الشريف علم الهدى في الشافي نقلا عن القاضي أنه حكى عن أبي علي في قصة ابن مسعود و ضربه أنه قال: لم يثبت عندنا ضربه إياه و لا صح عندنا طعن عبد الله عليه و لا إكفاره له و الذي يصح في ذلك أنه كره منه جمع الناس على قراءة زيد و إحراقه المصاحف و ثقل ذلك عليه كما يثقل على الواحد منا تقديم غيره عليه و ذكر أن الوجه في جمع الناس على قراءة واحدة تحصين القرآن و ضبطه و قطع المنازعة فيه و الاختلاف. قال القاضي: و ليس لأحد أن يقول لو كان واجبا لفعله رسول الله صلى الله عليه و آله و ذلك أن الإمام إذا فعله صار كأنه فعله و لأن الأحوال في ذلك يختلف. و قد روى عن عمر انه كان قد عزم على ذلك فمات دونه، و ليس لأحد أن يقول إن احراقه المصاحف إنما كان استخفافا بالدين و ذلك لأنه إذا جاز من الرسول صلوات الله عليه أن يخرب المسجد الذي بنى ضرارا و كفرا فغير ممتنع إحراق المصاحف.

«اعتراض الشريف المرتضى في الشافى على القاضى»

قال بعد ما اثبت ضرب عثمان ابن مسعود و طعنه عثمان- فأما قوله: إن ابن مسعود سخط جمعه الناس على قراءة زيد و إحراقه المصاحف و اعتذاره من جمع الناس على قراءة واحدة بأن فيه تحصين القرآن و قطع المنازعة و الاختلاف فيه، ليس بصحيح و لا شك في أن ابن مسعود كره إحراق المصاحف كما كرهه‏

جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و تكلموا فيه و ذكروا الرواة كلام كل واحد منهم في ذلك مفصلا و ما كره عبد الله من تحريم قراءته و قصر الناس على قراءة غيره إلا مكروها و هو الذي يقول النبي صلى الله عليه و آله: من سره أن يقرأ القرآن غضا كما انزل فليقرأ على قراءة ابن ام عبد.

و روى عن ابن عباس انه قال قراءة ابن ام عبد هي القرائة الأخيرة إن رسول الله صلى الله عليه و آله كان يعرض عليه القرآن في كل سنة في شهر رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه صلى الله عليه و آله عرض عليه دفعتين و شهد عبد الله ما نسخ منه و ما صح فهي القرائة الأخيرة.

و روى شريك عن الأعمش قال: قال ابن مسعود: لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه و آله سبعين سورة و أن زيد بن ثابت لغلام يهودى في الكتاب له ذوابة.

أقول: قال في اسد الغابة: قال أبو وائل: لما شق عثمان المصاحف بلغ ذلك عبد الله فقال: لقد علم أصحاب محمد أني اعلمهم بكتاب الله و ما أنا بخيرهم و لو إني اعلم أن أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغنيه الابل لأتيته، فقال أبو وائل: فقمت إلى الخلق أسمع ما يقولون، فما سمعت أحدا من أصحاب محمد ينكر ذلك عليه. انتهى.

قال الشريف علم الهدى: فأما اختلاف الناس في القرائة و الأحرف فليس بموجب لما صنعه عثمان لأنهم يروون أن النبي صلى الله عليه و آله نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف فهذا الاختلاف عندهم في القرآن مباح مسند عن الرسول صلى الله عليه و آله فكيف يحظر عليهم عثمان من التوسع في الحروف ما هو مباح فلو كان في القرائة الواحدة تحصين القرآن كما ادعى لما أباح النبي صلى الله عليه و آله في الأصل إلا القرائة الواحدة لأنه أعلم بوجوه المصالح من جميع امته من حيث كان مؤيدا بالوحى موقفا في كل ما يأتي و يذر و ليس له أن يقول: حدث من الاختلاف في أيامه ما لم يكن في أيام الرسول صلى الله عليه و آله و لا من جملة ما أباحه و ذلك أن الأمر لو كان على هذا لوجب أن ينهى عن القرائة الحادثة و الأمر المبتدع و لا يحمله ما حدث من القرائة على تحريم المتقدم المباح بلا شبهة.

و قول صاحب الكتاب: إن الإمام إذا فعل ذلك فكأن الرسول صلى الله عليه و آله فعله.

فتعلل بالباطل منه و كيف يكون ما ادعى و هذا الاختلاف بعينه قد كان موجودا في ايام الرسول صلى الله عليه و آله و ما نهى عنه فلو كان سببا لانتشار الزيادة في القرآن و في قطعه تحصين له لكان عليه السلام بالنهى عن هذا الاختلاف اولى من غيره، اللهم إلا ان يقال: انه حدث اختلاف لم يكن فقد قلنا ان الأمر لو كان على هذا- إلخ.

و أما قوله: إن عمر كان قد عزم على ذلك فمات دونه، فما سمعناه إلا منه‏[1] فلو فعل ذلك أي فاعل كان لكان منكرا.

فأما اعتذاره من أن إحراق المصاحف لا يكون استخفافا بالدين بحمله إياه على تخريب مسجد الضرار و الكفر فبين الأمرين بون بعيد لأن البنيان إنما يكون مسجدا و بيتا لله تعالى بنية الباني و قصده و لو لا ذلك لم يكن بعض البنيان بأن يكون مسجدا أولى من بعض و لما كان قصده في الموضع الذي ذكره غير القربة و العبادة بل خلافها و ضدها من الفساد و المكيدة لم يكن في الحقيقة مسجدا و ان سمى بذلك مجازا و على ظاهر الأمر، فهدمه لا حرج فيه و ليس كذلك ما بين الدفتين لأنه كلام الله تعالى الموقر المعظم الذي يجب صيانته عن البذلة و الاستخفاف فأي نسبة بين الأمرين.

ثم قال علم الهدى: قال صاحب الكتاب «يعني القاضي عبد الجبار صاحب المغني» فأما جمعه الناس على قراءة واحدة فقد بينا أن ذلك من عظيم ما حصن به القرآن لأنه مع هذا الصنيع قد وقع فيه من الاختلاف ما وقع فكيف لو لم يفعل‏ ذلك و لو لم يكن فيه إلا إطباق لجميع على ما أتاه من أيام الصحابة إلى وقتنا هذا لكان كافيا.

و اعترض عليه علم الهدى حيث قال: أما ما اعتذر به من جمع الناس على قراءة واحدة فقد مضى الكلام عليه مستقصى و بينا أن ذلك ليس تحصينا للقرآن و لو كان تحصينا لما كان رسول الله صلى الله عليه و آله يبيح القراآت المختلفة. و قوله: لو لم يكن فيه إلا إطباق الجميع على ما أتاه من أيام الصحابة إلى وقتنا هذا، ليس بشي‏ء لأنا نجد الاختلاف في القراآت الرجوع فيها إلى الحروف مستمرا في جميع الأوقات التي ذكرها إلى وقتنا هذا و ليس نجد المسلمين يوجبون على أحد التمسك بحرف واحد؛ فكيف يدعى إجماع الجميع على ما أتاه عثمان؟

فإن قال: لم أعن بجمعه الناس على قراءة واحدة إلا أنه جمعهم على مصحف زيد لأن ما عداه من المصاحف كان يتضمن من الزيادة و النقصان مما عداه ما هو منكر.

قيل له: هذا بخلاف ما تضمنه ظاهر كلامك أولا و لا تخلو تلك المصاحف التي تعد مصاحف زيد من أن تتضمن من الخلاف في الألفاظ و الكلم ما أقر رسول الله صلى الله عليه و آله عليه و أباح قراءته فان كان كذلك فالكلام في الزيادة و النقصان يجرى مجرى الكلام في الحروف المختلفة و أن الخلاف إذا كان مباحا و مرويا عن الرسول صلى الله عليه و آله و منقولا فليس لأحد أن يحظره. و ان كانت هذه الزيادة و النقصان بخلاف ما أنزله الله تعالى و ما لم يبح الرسول صلى الله عليه و آله تلاوته فهو أسوء ثناء على القوم الذين يقرون بهذه المصاحف كابن مسعود و غيره و قد علمنا أنه لم يكن منهم إلا من كان علما في القرائه و الثقة و الأمانة و النزاهة عن أن يقرأ بخلاف ما أنزله الله و قد كان يجب أن يتقدم هذا الإنكار منه من غيره لأن انكار الزيادة في القرآن و النقصان لا يجوز تأخيره عن ولي الأمر قبله.

أقول: زيد بن ثابت هو أحد كتاب الوحى كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه و آله الوحى و غيره. قال في اسد الغابة و كانت ترد على رسول الله صلى الله عليه و آله كتب بالسريانية فأمر زيدا فتعلمها. قال: و كان زيد عثمانيا و لم يشهد مع على شيئا من حروبه و كان يظهر فضل على و تعظيمه. و هو الذي كتب القرآن في عهد أبي بكر و عثمان كما في الفهرست لابن النديم أيضا.

و هو الذي ذكر المسعودي في مروج الذهب عن سعيد بن المسيب أن زيد ابن ثابت حين مات خلف من الذهب و الفضة ما كان يكسر بالفئوس غير ما خلف من الأموال و الضياع بقيمة مأئة ألف دينار اقتناها من عثمان لأنه كان عثمانيا.

و في الشافي لعلم الهدى أنه روى الواقدى أن زيد بن ثابت اجتمع عليه عصابة من الأنصار و هو يدعوهم إلى نصر عثمان فوقف عليه جبلة بن عمرو بن حية المازني فقال له جبلة: ما يمنعك يا زيد أن تذب عنه أعطاك عشرة ألف دينار و أعطاك حدائق من نخل ما لم ترث من أبيك مثل حديقة منها.

انظر أيها القارئ الكريم في أمر رسول الله صلى الله عليه و آله زيدا بتعلم السريانية نظر دقة أنه صلى الله عليه و آله كان في نشر العلوم و توسعة المعارف على ذلك الحد من الاهتمام و لم يكن دأبه العصبية و الجمود على لسان واحد و لغة واحدة و لا ريب أن لسان كل قوم سلم للوصول إلى معارفهم و نيل علومهم و درك فنونهم و لم يمنع الناس نبي عن الارتقاء و لم يحرم عليهم ما فيه سعادتهم بل الأنبياء بعثوا لترويج العلوم و تهذيب النفوس و تشحيذ العقول قال عز من قائل‏ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة إلا أن الأوباش و عبيد الدنيا المأسورين في قيود الوساوس الشيطانية و المحرومين من اللذات الروحانية و المحجوبين عن جناب الرب جل جلاله و المغفلين عن معنى التمدن و التكامل لما تعودوا بما لا يزدادهم من الحق إلا بعدا و ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون اشمأزوا عما جاء من الشارع الحكيم فيما لم يوافق غرضا من أغراضهم الدنية.

«التبيان في عدم تحريف القرآن»

لما انجر البحث إلى إحراق عثمان مصاحف فلا بأس أن نشير إلى عدم تحريف القرآن الكريم في المقام فانه كثيرا ما يتوهم بل كثيرا ما يسأل عن تحريفه‏ و زيادته و نقصانه، و يختلج في بعض الأذهان أن ما بين الدفتين الذي بأيدي المسلمين الان ليس هو جميع ما أنزل على الرسول الخاتم صلى الله عليه و آله.

و اعلم أن الحق المحقق المبرهن بالبراهين القطعية من العقلية و النقلية أن ما في أيدي الناس من القرآن الكريم هو جميع ما أنزل الله تعالى على رسوله خاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله و ما تطرق إليه زيادة و نقصان أصلا؛ و مبلغ سوره مأئة و أربع عشرة سورة من لدن رسول الله صلى الله عليه و آله إلى الان بلا ريب و أن ترتيب الايات في السور توقيفي إنما كان بأمر النبي صلى الله عليه و آله كما أخبر به الأمين جبرائيل عن أمر ربه، و أن الناس كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله قبل رحلته يعرفون السور بأساميها، و أن رسم الخط في القرآن المجيد هو الرسم المكتوب من كتاب الوحى في زمن الرسول صلى الله عليه و آله، و أن آية بسم الله الرحمن الرحيم لم تكتب في أول البراءة لأنها لم تنزل معها كما نزلت مع غيرها من السور 113 مرة و انها جزء كل سورة كما أنها جزء آية النمل بل انها آيتان فيه. و أن ما جاء من الأخبار و الاثار في جمع جم غفير من الصحابة القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه و آله أو بعد رحلته كما ورد أن جمع القرآن وقع على عهد أبي بكر فليس المراد أنهم رتبوا الايات في السور و سيأتي الكلام في تحقيق ترتيب السور أيضا.

و كلما ذكرنا هو مذهب المحققين من علمائنا الإمامية رضوان الله عليهم و غيرهم من علماء العامة هداهم الله إلى الصواب و من ذهب إلى خلاف ذلك فقد خبط خبط عشواء و سلك طريقة عمياء.

ثم إنا لو نأتي بالبراهين في كل واحد مما اشرنا إليها و نبين بطلان قول المخالف على التفصيل لطال بها الكتاب و انتشر الخطاب و كثر بنا الخطب لكنا نورد جملة منها فإن فيها كفاية إن شاء الله تعالى لمن كان له قلب.

و اعلم أن ما جاء به النبي صلى الله عليه و آله من الأخبار المتواترة في فضائل السور بأساميها بل في فضائل بعض آيات القرآن و في وضع الايات في كل موضع خاص بأمر أمين الوحى، و أن بعض السور افتتح ببعض من الحروف المقطعة دون بعض‏ مثلا ان البقرة افتتحت بالم، و يونس بالر، و الرعد بالمر، و الأعراف بالمص، و مريم بكهيعص، و الشعراء بطسم، و النمل بطس، و المؤمن بحم، و الشورى بحمعسق، و هكذا في السور الأخر، و أن بعضها لم يفتتح بها و أن سورة البراءة ليست مبدوة ببسم الله الرحمن الرحيم، و قوله تعالى: سورة أنزلناها و فرضناها (النور- 2) و قوله تعالى (البقرة- 22) و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله و ادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين‏. و قوله‏ (يونس- 39) أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله و ادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين‏ و قوله تعالى (التوبة- 88) و إذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله‏ إلخ. و قوله‏ (هود- 16) أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات و ادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين‏- أدلة قطعية على أن تركيب السور من الايات كان بأمر النبي صلى الله عليه و آله و انها كانت مرتبة موسومة بأساميها في عهده صلى الله عليه و آله قبل ارتحاله يعرفها الناس بها.

نقل أمين الاسلام في تفسيره مجمع البيان و الزمخشري في الكشاف و السيوطي في الاتقان و غيرهم من أجلاء العلماء عن ابن عباس و السدي أن قوله تعالى:و اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون‏ (البقرة- 280) آخر آية نزلت من الفرقان على رسول الله صلى الله عليه و آله و أن جبرئيل عليه السلام قال له صلى الله عليه و آله ضعها في رأس الثمانين و المأتين من البقرة، و هذا القول كأنما إجماعى و إنما الاختلاف في مدة حياة رسول الله صلى الله عليه و آله بعد نزولها، فعن ابن عباس انه صلى الله عليه و آله عاش بعدها احدا و عشرين يوما، و قال ابن جريح: تسع ليال و قال سعيد ابن جبير و مقاتل: سبع ليال و في الكشاف: قيل ثلاث ساعات.

أقول: وضع جميع الايات في مواضعها كان بأمر الله تعالى و إن لم يذكر في الجوامع لكل واحدة واحدة منها رواية عليحدة و لا ضير أن تكون الاية المتقدمة على آية في السورة متأخرة عنها نزولا.

قال الزمخشري في أول التوبة من الكشاف: فإن قلت: هلا صدرت باية التسمية كما في سائر السور؟ قال: قلت: سأل عن ذلك ابن عثمان عنهما فقال:

إن رسول الله صلى الله عليه و آله كان إذا انزلت عليه السورة أو الاية قال: اجعلوها في الموضع الذي يذكر فيه كذا و كذا و توفي رسول الله صلى الله عليه و آله و لم يبين لنا أين نضعها- إلخ.

أقول: فالرواية دالة صريحة على أن تركيب السور بالايات كان بأمره صلى الله عليه و آله و أن آية البسملة لم ينزل مع البراءة و إلا لجعلها في أولها و أن البسملة نزلت مأئة و ثلاث عشرة مرة مع كل سورة مفتتحة بها و هذه الرواية مروية في المجمع و الاتقان أيضا.

روى الطبرسي في المجمع و غيره في التفاسير و الجوامع و السير عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: تعلموا سورة البقرة و سورة آل عمران فانهما الزهراوان و انهما تظلان صاحبهما يوم القيامة كانهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف أقول: فالحديث يدل صريحا على أن هاتين السورتين كانتا في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله مرتبتين متداولتين يعرفهما الناس.

و روى السيوطي في الاتقان و المفسرون منهم الطبرسي في أول سورة هود روى الثعلبي بإسناده عن إسحاق عن أبي جحيفة قال: قيل: يا رسول الله قد أسرع إليك الشيب قال صلى الله عليه و آله: شيبتني هود و أخواتها.

و في رواية اخرى عن أنس بن مالك عن أبي بكر قال: قلت يا رسول الله: عجل إليك الشيب قال صلى الله عليه و آله: شيبتني هود و أخواتها الحاقة و الواقعة و عم يتساءلون و هل أتيك حديث الغاشية.

قال الطبرسي في الفن الرابع من مقدمة مجمع البيان: و قد شاع في الخبر عن النبى صلى الله عليه و آله انه قال: أعطيت مكان التوارة السبع الطول و مكان الإنجيل المثانى و مكان الزبور المئين و فضلت بالمفصل. و رواها السيوطى في الإتقان و غيره أيضا في جوامعهم.

بيان‏

كلمة: الطول مكتوبة في النسخ المطبوعة و غيرها غالبا بالألف أعنى الطوال‏ و لكنه تصحيف و الصواب الطول كصرد جمع الطولى مؤنث الأطول قال ابن الأثير في النهاية: و قد تكرر في الحديث: اوتيت السبع الطول و الطول بالضم جمع الطولى مثل الكبر في الكبرى و هذا البناء يلزمه الالف و اللام أو الإضافة قال: و منه حديث ام سلمة كان يقرأ في المغرب بطولي الطوليين ثنية الطولى و مذكرها الأطول أى انه كان يقرأ فيها بأطول السورتين الطويلتين يعني الأنعام و الأعراف- انتهى و كذا في القاموس و مجمع البحرين.

أقول: إن هذه الأحاديث و أمثالها المروية من الفريقين عن رسول الله صلى الله عليه و آله مما لا تعد كثرة تدل على أن السور كانت مرتبة قبل رحلة الرسول صلى الله عليه و آله و كان الناس يعرفونها بأساميها فلا حاجة إلى نقل جميع الأخبار الواردة في فضائل السور.

نعم إن ترتيب السور القرآن ليس على ترتيب النزول بل إن ترتيب آيات السور أيضا ليس على ترتيب النزول سواء كانت السورة نزلت جملة واحدة كسورة الأنعام كما في مجمع البيان و كثير من المفصل أو لم تكن.

ثم إن مما الهمت على أن ترتيب الايات في السور كان من أمر رسول الله صلى الله عليه و آله أن بعض السور كالأنعام مثلا نزلت جملة واحدة، و أن أكثر آيات السور نزلت نجوما و لا كلام في أن بعضها مقدم على البعض نزولا و تركيب السور منها ليس بترتيب نزولها ظاهرا و مع ذلك ركبت على نحو كان بين الايات المتسقة في السور كمال البلاغة و الفصاحة على حد تحدى الله تعالى عباده بالاتيان بعشر سور أو بسورة من القرآن و قال: لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا (الكهف- 91) و أني للبشر أن يؤلف جملا شتى نزلت في نيف و عشرين سنة في أحكام مختلفة تبلغ إلى ذلك الحد من الإعجاز؟ فهل يسع أحدا أن يقول إن ترتيبها كذلك في السور لم يكن بأمر الله تعالى و أمر رسوله؟ فانتبهوا يا اولى الالباب‏ أ فلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (النساء- 85).

على أن الايات لو لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله مرتبة و أن الصحابة رتبوها بعده صلى الله عليه و آله كما توهم شرذمة قليل من غير تدبر و تعمق لم يكن لقوله تعالى: فأتوا بسورة*- أو بعشر سور، و أمثالها معنى. قال السيوطى في الفصل الأول من النوع 18 من الاتقان: الإجماع و النصوص المترادفة على أن ترتيب الايات توقيفى لا شبهة في ذلك فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان و أبو جعفر بن الزبير في مناسباته و عبارته: ترتيب الايات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه و آله و أمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين.

ثم كثيرا ما يقرع سمعك في التفاسير و الشروح أن هذه الاية مرتبطة بتلك الاية و تلك بهاته، مثلا قال الطبرسى في المجمع قوله تعالى: و إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى‏ (النساء- 3) متصلة بقوله تعالى: و يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن‏ (النساء- 127) فمرادهم أن تلك الايات متصل بعضها ببعض معنى و ذلك لأن القرآن يفسر بعضه بعضا كالمبين للمجمل و المقيد للمطلق و الخاص للعام قال أمير المؤمنين علي عليه السلام في النهج الخطبة 131: كتاب الله تبصرون به و تنطقون به و تسمعون به و ينطق بعضه ببعض و يشهد بعضه على بعض و لا يختلف في الله و لا يخالف بصاحبه عن الله- إلخ. و المراد من قوله عليه السلام: يشهد بعضه على بعض أن بعضه يصدق بعضا و لا يضاده كما قال الله تعالى: أ فلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (النساء- 85) و قال تعالى: ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق و إن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد (البقرة- 173) و ليس مرادهم أن تلك الايات متصلة بالأخرى لفظا لما دريت من أن الايات رتبت على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله بأمره و عليه جمهور العلماء المحققين.

أقول: و من جهة ارتباط المعنى عدت سورتا و الضحى و الانشراح واحدة و جوزت قراءتهما في السورتين بل لم تجز قراءة واحدة منهما في الفريضة مع أنه ورد النهى عن القرآن بين السورتين في ركعة فريضة و يجب أن يقرأ بين السورتين بسم الله الرحمن الرحيم لأنها جزء السورة و قول الشيخ الطوسى قدس الله سره‏ بترك البسملة بين السورتين عليل لا يوافقه دليل، و كذا الفيل و قريش، قال السيد بحر العلوم قدس سره في الدرة.

و و الضحى و الإنشراح واحدة بالاتفاق و المعاني شاهدة
كذلك الفيل مع الإيلاف‏ و فصل بسم الله لا ينافي‏

و إنما قيدنا الركعة بالفريضة لأنه يجوز الجمع بين سور كثيرة في النوافل فاذا جمعها وجب أن يقرأ البسملة مع كل سورة و في النوع 19 من الاتقان قال:و في كامل الهذلى عن بعضهم انه قال: الضحى و الم نشرح سورة واحدة نقله الإمام الرازي في تفسيره عن طاوس و غيره من المفسرين.

و اعلم أن بسم الله الرحمن الرحيم جزء آية من سورة النمل بل إنها آيتان فيها و أنها آية من كل سورة و لذا من تركها في الصلاة سواء كانت الصلاة فرضا أو ندبا بطلت صلاته و يجب الجهر بها فيما يجهر فيه بالقرائة و يستحب الجهر بها فيما يخافت فيه بالقرائة و هو مذهب أصحابنا الإمامية و بين فقهاء الأمة فيها خلاف و إن وافقنا فيه أكثرهم بل هو مذهب جل علماء السلف لو لا الكل.

قال في تفسير المنار: اجمع المسلمون على أن البسملة من القرآن و أنها جزء آية من سورة النمل. و اختلفوا في مكانها من سائر السور فذهب إلى أنها آية من كل سورة علماء السلف من أهل مكة فقهائهم و قرائهم و منهم ابن كثير و أهل الكوفة و منهم عاصم و الكسائي من القراء و بعض الصحابة و التابعين من أهل المدينة و الشافعي في الجديد و اتباعه و الثوري و أحمد في أحد قوليه و الامامية، و من المروي عنهم ذلك من علماء الصحابة على عليه السلام و ابن عباس و ابن عمر و أبو هريرة و من علماء التابعين سعيد بن جبير و عطاء و الزهري و ابن المبارك، و أقوى حججهم في ذلك إجماع الصحابة و من بعدهم على إثباتها في المصحف أول كل سورة سوى سورة برائة مع الأمر بتجريد القرآن عن كل ما ليس منه.

و لذلك لم يكتبوا آمين في آخر الفاتحة، و أحاديث منها ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: انزلت على آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، و روى‏ أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و آله كان لا يعرف فصل السورة و في رواية انقضاء السورة- حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم، و أخرجه الحاكم في المستدرك، و قال: صحيح على شرط الشيخين. و روى الدارقطنى من حديث أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم فانها ام القرآن و السبع المثاني، و بسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها. و ذهب مالك و غيره من علماء المدينة، و الأوزاعى و غيره من علماء الشام و أبو عمرو و يعقوب من قراء البصرة إلى أنها آية مفردة أنزلت لبيان رءوس السور و الفصل بينها، و عليه الحنفية، و قال حمزة من قراء الكوفة و روى عن أحمد أنها آية من الفاتحة دون غيرها و ثمة أقوال اخر شاذة (قاله في سورة الفاتحه).

أقول: لم يكن لهؤلاء الشرذمة القائلين بأن البسملة آية واحدة نزلت مرة واحدة فقط حجة قاطعة يعتد بها و لو أتوا بحجة فهي داحضة بلا مرية و ارتياب، و كيف؟ و أن كثيرا من الايات كررت في القرآن نحو آية فبأي آلاء ربكما تكذبان إحدى و ثلاثين مرة في الرحمن، و آية ويل يومئذ للمكذبين عشر مرات في المرسلات، و آية إنا كذلك نجزى المحسنين أربع مرات في الصافات، و آية الم ست مرات: في مفتتح البقرة، آل عمران، العنكبوت الروم، لقمن، السجدة، و آية الر خمس مرات: في مفتتح يونس، هود، يوسف، إبراهيم الهجر، و آية حم ست مرات: مفتتح المؤمن، فصلت، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف و مع سورة الشورى‏ حم عسق‏ تصير سبع مرات، و آية طسم‏ مرتين: مفتتح الشعراء و القصص. و قوله تعالى: و ما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون‏ مرتين (النمل- 85) و (الروم- 54) إلا أن كلمة «هادي» في الثانية مكتوبة بلاياء أعنى «بهاد العمى» اتباعا للمصاحف التي كتبت على عهد النبي صلى الله عليه و آله كما سيأتي تحقيقه. و كذا طائفة من آيات اخر كررت في القرآن فأنى يجوز لهؤلاء أن يقولوا إنها نزلت مرة واحدة و ما دليلهم على ذلك فلم لم يكن البسملة نازلة كأخواتها غير مرة؟ على أن مذهبهم يضاد صريح كثير من الأخبار المصرحة في أن البسملة نزلت بعددها في القرآن، مع أن اهتمام رسول الله صلى الله عليه و آله و المسلمين و دأبهم و سيرتهم تجريد القرآن عن كل ما ليس منه؛ و في النوع 18 من الإتقان عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن.

و قال في أول التوبة من تفسير المنار: و لم يكتب الصحابة و لا من بعدهم البسملة في أولها لأنها لم تنزل معها كما نزلت مع غيرها من السور قال: هذا هو المعتمد المختار في تعليله و قيل رعاية لمن كان يقول إنها مع الأنفال سورة واحدة و المشهور انه لنزولها بالسيف و نبذ العهود و قيل غير ذلك مما في جعله سببا و علة نظر، و قد يقال: انه حكمة لا علة و مما قاله بعض العلماء في هذه الحكمة أنها تدل على أن البسملة آية من كل سورة أى لأن الاستثناء بالفعل كالاستثناء بالقول معيار العموم انتهى.

و قال في الاتقان (أول النوع 19 منه). اخرج القشيري الصحيح أن التسمية لم تكن في البراءة لأن جبرئيل عليه السلام لم ينزل بها فيها.

و في الشاطبية:

و بسمل بين السورتين [ [ب] سنة] [ر] جال [ [ن] موها] [د] ربة و تجملا

قال ابن القاصح في الشرح: أخبر أن رجالا بسملوا بين السورتين آخذين في ذلك بسنة، نموها أى رفعوها و نقلوها و هم قالون و الكسائي و عاصم و ابن كثير و اشار اليهم بالباء و الراء و النون و الدال من قوله بسنة رجال نموها دربة. و أراد بالسنة التي نموها كتابة الصحابة لها في المصحف و قول عائشة رضى الله عنها اقرءوا ما في المصحف و كان النبي صلى الله عليه و آله لا يعلم انقضاء السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم ففيه دليل على تكرير نزولها مع كل سورة.

أقول: و روى عن أئمتنا عليهم السلام نحو الرواية المروية عنها كما في تفسير العياشي‏ عن صفوان الجمال قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ما أنزل الله من السماء كتابا إلا و فاتحته بسم الله الرحمن الرحيم و إنما كان يعرف انقضاء السورة بنزول بسم الله الرحمن الرحيم ابتداء للاخرى.

و كذا في الكافي عن يحيى بن أبي عمير الهذلي قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام جعلت فداك تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة وحده في أم الكتاب فلما صار إلى غير ام الكتاب من السورة تركها فقال العياشي: ليس بذلك بأس فكتب عليه السلام بخطه: يعيدها مرتين على رغم أنفه يعني العياشي.

و صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السبع المثاني و القرآن العظيم هي الفاتحة قال: نعم قلت: بسم الله الرحمن الرحيم من السبع قال: نعم هى أفضلهن و غيرها من الروايات و الأخيرة تختص بام الكتاب.

و مهما تصلها أو بدأت براءة لتنزيلها بالسيف لست مبسملا

قال الشارح: تصلها الضمير فيه لبرائة اضمر قبل الذكر على شريطة التفسير يعني أن سورة براءة لا بسملة في أولها سواء وصلها القاري بالأنفال أو ابتدأ بها؛ ثم ذكر الحكمة في ترك البسملة في أولها فقال لتنزيلها بالسيف يعني أن براءة نزلت على سخط و وعيد و تهديد و فيها السيف. قال ابن عباس سألت عليا رضي الله عنه لم لم تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال: لأن بسم الله أمان و براءة ليس فيها أمان نزلت بالسيف.

أقول: لا كلام في أن المختار المعتمد في تعليل ترك البسملة أول البراءة هو عدم نزولها معها كما مضى غير مرة و اختاره العالم عبده في تفسيره و لو تؤمل في الأقوال الاخر حيث تصدوا لتركها في براءة لعلم أن دليلهم عليل و من قال:القول «بأن ترك البسملة في براءة لنزولها بالسيف و نبذ العهود و البسملة آية رحمة» حكمة لا علة، فنعم القول هو لأن البسملة مذكورة في أول كثير من السور بدئت بالعذاب نحو: هل أتيك حديث الغاشية و سئل سائل بعذاب واقع و نحوهما و على هذا القول يحمل قول أمير المؤمنين علي عليه السلام كما أتى به في المجمع (أول سورة برائة) و شرح الشاطبية انه لم ينزل بسم الله الرحمن الرحيم على رأس سورة برائة لأن بسم الله للأمان و الرحمة و نزلت برائة لرفع الأمان بالسيف. و بالجملة العمدة في ذلك هي السماع و التعبد، و الأخبار الواردة في ذلك نحو قوله عليه السلام لا تنافيها فانه عليه السلام يبين عدم نزولها في برائة بتلك الحكمة فهي ما نزلت معها كما صرح القشيرى و غيره ان جبرئيل عليه السلام لم ينزل بها فيها.

فاذا علمت أن البسملة جزء من السور آية على حيالها فاعلم أنه يترتب عليه كثير من المسائل الفقهية: مثلا من ابتداء بقراءة الفاتحة و لو نوى البسملة جزءا من الإخلاص مثلا لم تصح صلاته و كذا لو نوى في الإخلاص بسملة الفاتحة أو السورى الأخرى، و من كان جنبا و قلنا يحرم عليه قراءة سور العزائم لاقرائة آيات السجدة فقط فلو قرأ البسملة ناويا على أنها جزء من إحداها فعل حراما.

و من يصلى الظهرين يجب اخفاتها عليه كما أن من يصلى العشائين و الصبح يجب جهرها عليه؛ و نظائرها و من جمع الفيل و القريش و الضحى و الانشراح يجب أن يبسمل بين السورتين.

«البيان في ترتيب سور القرآن»

لا شك أن تركيب السور من الايات توقيفي أعني أن وضع كل آية في موضع معين من السور التي لم تنزل جملة واحدة كان بأمر رسول الله صلى الله عليه و آله أخبر به جبرئيل عن أمر ربه و هو اجماع المسلمين قاطبة كما حققناه و إنما قلنا في السور التي لم تنزل جملة واحدة لأن السور التي نزلت جملة واحدة أعنى دفعة واحدة فالأمر فيها أوضح لأنها نزلت مترتبة الايات أولا كسورة الفاتحة و الأنعام و كثير من المفصل.[2] و إنما الكلام في أن ترتيب سور القرآن في الدفتين على تلك الهيئة المشهودة لنا الان أولها الفاتحة و آخرها الناس هل وقع في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و بأمره أيضا أم لا؟ و بالجملة أن ترتيب السور أيضا كترتيب الايات توقيفي أم لا؟ و الحق هو الأول كالأول و ذلك لأن القرآن كان على عهد النبي صلى الله عليه و آله مجموعا مدونا جمعه غير واحد من الصحابة و قرءوه على النبي صلى الله عليه و آله و كان ترتيب السور كما هو في المصحف الان كترتيب الايات بأمر النبي صلى الله عليه و آله و هو مذهب المحققين من علماء المسلمين قديما و حديثا و من عدل عنه تمسك ببعض الأخبار الشاذ الواحد أو الموضوع أو لم يصل إلى فهم مراد الخبر و نحن في غني عن نقل أقوالهم و ردها و إبطالها لأنها لا يزيد إلا تطويل كلام لا طائل فيه فان الأمر بين.

قال ابن النديم في الفهرست (ص 41 طبع مصر، الفن الثالث من المقالة الأولى): الجماع للقرآن على عهد النبي صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، سعد بن عبيد بن النعمان بن عمرو بن زيد رضي الله عنه، أبو الدرداء عويمر ابن زيد رضى الله عنه، معاذ بن جبل بن أوس رضي الله عنه، أبو زيد ثابت بن زيد بن النعمان، ابي بن كعب بن قيس بن مالك بن امرى‏ء القيس، عبيد بن معاوية، زيد بن ثابت بن الضحاك.

و أتى السيوطي في النوع العشرين و غيره من الإتقان بعدة من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه و آله بطرق مختلفة من كبار المؤلفين قال: روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول خذوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود و سالم و معاذ و ابى بن كعب.

و قال: أخرج النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ النبي صلى الله عليه و آله فقال اقرأه في شهر- الحديث.

قال: و أخرج ابن أبي داود بسند حسن عن محمد بن كعب القرظي قال:جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل و عبادة ابن الصامت و ابي بن كعب و أبو الدرداء و أبو أيوب الأنصارى. و غيرها من الأخبار الواردة في أن القرآن جمع على عهد النبي صلى الله عليه و آله و كم من روايات دالة على أن عدة من الصحابة قرأ القرآن عليه مرارا منهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و عبد الله بن مسعود و زيد بن ثابت و ابي بن كعب و غيرهم.

هؤلاء ممن جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه و آله و قرءوه عليه و ختموه عليه عدة ختمات فكيف لم يكن القرآن على عهده مجموعا مرتبا و احتمال أنهم قرءوه و ختموه عليه صلى الله عليه و آله مبثوثا مبتورا مبتور جدا و من تأمل أدنى تأمل في نظم السور و شدة اهتمام رسول الله صلى الله عليه و آله في حراسة القرآن و توقيه عن اجتهاد أحد و إعمال ذوق و سليقة فيه و عنايته بحفظه و قوله صلى الله عليه و آله إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و أهل بيتى إلخ المروي من المسلمين بطرق كثيرة و في الرواية الواردة من فرق المسلمين في معارضة جبرئيل القرآن عليه صلى الله عليه و آله في كل سنة مرة و في السنة التي توفى صلى الله عليه و آله فيها مرتين و غيرهما من الأخبار في هذا المعنى علم أنه كان مجموعا مرتبا آياته و سوره على ما هو في المصحف الان بلا تغيير و تبديل و زيادة و نقصان.

بيان

في مادة- ع ر ض- من النهاية الأثيرية: أن جبرئيل عليه السلام كان يعارضه صلى الله عليه و آله القرآن في كل سنة مرة و أنه عارضه العام مرتين؛ أي كان يدارسه جميع ما نزل من القرآن من المعارضة بمعنى المقابلة و منه عارضت الكتاب بالكتاب أى قابلته به.

و في الفصل الثامن النوع الثامن عشر من الإتقان: قال أبو بكر بن الأنبارى: أنزل الله القرآن كله إلى سماء الدنيا ثم فرقه في بضع و عشرين فكانت السورة تنزل لأمر يحدث و الاية جوابا لمستخبر و يوقف جبرئيل النبي صلى الله عليه و آله على موضع الاية و السورة فاتساق السور كاتساق الايات و الحروف كله عن النبي صلى الله عليه و آله فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن.

و قال الكرماني في البرهان: ترتيب السور هكذا هو عند الله في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب و عليه كان صلى الله عليه و آله يعرض على جبرئيل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه و عرضه عليه في السنة التي توفى فيها مرتين و كان آخر الايات نزولا و اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله‏ فأمره جبرئيل أن يضعها بين آيتي الربا و الدين.

و قال الطيبي: انزل القرآن أولا جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل مفرقا على حسب المصالح ثم اثبت في المصاحف على التأليف و النظم المثبت في اللوح المحفوظ.

و قال البيهقي في المدخل: كان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه و آله مرتبا سوره و آياته على هذا الترتيب- إلخ.

و قال أبو جعفر النحاس: المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله صلى الله عليه و آله الحديث واثلة اعطيت مكان التوراة السبع الطول، قال: فهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي صلى الله عليه و آله و أنه من ذلك الوقت- إلخ.

و قال ابن الحصار: ترتيب السور و وضع الايات موضعها إنما كان بالوحى.

ثم السيوطى بعد نقل أقوال اخر من الأعاظم في أن ترتيب السور كترتيب الايات توقيفي قال: قلت: و مما يدل على أن ترتيب السور توقيفي كون الحواميم رتبت ولاء و كذا الطواسين و لم ترتب المسبحات ولاء بل فصل بين سورها و فصل بين طسم الشعراء و طسم القصص بطس مع أنها أقصر منهما و لو كان الترتيب اجتهاديا لذكرت المسبحات ولاء و اخرت طس عن القصص و كذا نقل عدة أقوال في النوع 62 منه في مناسبة الايات و السور و ترتيب كل واحد منهما على هذا النهج بأمره تعالى.

أقول: الأمر أبلج من الصبح و أبين من الشمس في رائعة النهار في أن تركيب سور هذا السفر القيم الالهى و ترتيبها على هذا الأسلوب البديع لم يكن إلا بأمره تعالى و من قال في القرآن غير ما حققنا افترى على الله و اختلق على كتابه و رسوله.

و ذهب شرذمة إلى أن ترتيب السور لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و إنما رتبت على عهد أبي بكر.

أقول: لو سلمنا بعد الإغماض عن ما تمسكوا بها و استدلوا عليها و اغتروا بظاهرها، أن سور القرآن رتبت بعد رسول الله صلى الله عليه و آله فإن أول من جمع القرآن بعده صلى الله عليه و آله هو أمير المؤمنين و هو عليه السلام كان عالما فيما نزلت الايات و أين نزلت و على من نزلت و كبار الصحابة تعلموا القرآن منه عليه السلام و أخذوه عنه عليه السلام و لا ريب انه عليه السلام كان أعرف بالقرآن من غيره و أجمعت الأمة على انه كان حافظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و قرأه عليه مرارا فلا ريب أن جمعه و ترتيبه حجة على أنه عليه السلام معصوم كما بينا في شرح الخطبة 237 و كل ما جاء به المعصوم مصون من الخلل و حجة على بني آدم و هذا الترتيب المشهود الان في المصاحف و قراءته هو ترتيبه و قراءته عليه السلام.

قال الفاضل الشارح المعتزلي في مقدمة شرحه على النهج في فضائله عليه السلام (ص 6 طبع ايران 1304 ه): أما قراءة القرآن و الاشتغال به فهو المنظور إليه في هذا الباب اتفق الكل على أنه عليه السلام كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و لم يكن غيره يحفظه ثم هو أول من جمعه، نقلوا كلهم انه تأخر عن بيعة أبي بكر فأهل الحديث لا يقولون ما تقوله الشيعة من أنه تأخر مخالفته للبيعة بل يقولون تشاغل بجمع القرآن فهذا يدل على أنه أول من جمع القرآن لأنه لو كان مجموعا في حياة رسول الله صلى الله عليه و آله لما احتاج إلى أن تشاغل بجمعه بعد وفاته صلى الله عليه و آله و إذا رجعت إلى كتب القرآن وجدت أئمة القراء كلهم يرجعون إليه كأبي عمرو بن العلاء و عاصم بن أبي النجود و غيرهما لأنهم يرجعون إلى أبى عبد الرحمان بن السلمي القاري و أبو عبد الرحمان كان تلميذه و عنه أخذ القرآن فقد صار هذا الفن من الفنون التي ينتهى إليه أيضا مثل كثير مما سبق. انتهى قوله.

أقول: قد وردت أخبار كما أتى بها السيوطي في الاتقان و غيره في جوامعهم أن أمير المؤمنين عليه السلام و غيره جمعوا القرآن فذهب قوم إلى أن السور رتبت في الدفتين باجتهاد الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله جمودا على ظاهرها و قد غفلوا أن ظاهرها لا تنافي أن يكون ترتيب السور و وضع كل واحدة منها في موضع خاص كما في المصحف الان بأمر النبي صلى الله عليه و آله كما هو الحق فإياك أن تعني من قول‏ الفاضل المذكور و غيره أن القرآن جمع بعد النبي أن ترتيب السور كان بعده صلى الله عليه و آله و سنزيدك بيانا إن شاء الله تعالى.

قال ابن النديم في الفهرست (41 طبع مصر من الفن الثالث من المقالة الأولى):قال ابن المنادى حدثني الحسن العباس قال: أخبرت عن عبد الرحمان بن أبي حماد عن الحكم بن ظهير السدوسي عن عبد خير عن علي عليه السلام أنه رأي من الناس طيرة عند وفاة النبي صلى الله عليه و آله فأقسم أنه لا يضع عن ظهره ردائه حتى يجمع القرآن فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه. ثم قال: و كان المصحف عند أهل جعفر و رأيت أنا في زماننا عند أبي يعلي حمزة الحسني رحمه الله مصحفا قد سقط منه أرواق بخط علي بن أبي طالب يتوارثه بنو حسن على مر الزمان.

و قد روي السيوطي في النوع الثامن عشر من الاتقان بسند حسن عن عبد خير قال: قال علي عليه السلام: لما مات رسول الله صلى الله عليه و آله آليت أن لا آخذ على ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن فجمعته.

و روي أيضا بطريق آخر عن محمد بن سيرين عن عكرمة قال لما كان بعد بيعة أبي بكر قعد على بن أبي طالب في بيته فقيل لأبى بكر قد كره بيعتك فأرسل إليه- إلى أن قال: قال أبو بكر: ما أقعدك عني؟ قال: رأيت كتاب الله يزاد فيه فحدثت نفسى أن لا ألبس ردائى إلا لصلاة حتى أجمعه قال له أبو بكر: فانك نعم ما رأيت، قال محمد: فقلت لعكرمة: ألفوه كما أنزل الأول فالأول؟ قال: لو اجتمعت الإنس و الجن على أن يؤلفوه هذا التأليف ما استطاعوا.

قال: ابن الحجر في الصواعق المحرقة (ص 76 طبع مصر) باسناده عن سعيد ابن مسيب قال: لم يكن أحد من الصحابة يقول سلوني إلا علي عليه السلام و قال واحد من جمع القرآن و عرضه على رسول الله صلى الله عليه و آله. و قال أيضا أخرج ابن سعد عن علي عليه السلام قال:و الله ما نزلت آية إلا و قد علمت فيم نزلت و أين نزلت و على من نزلت إن ربي وهب لى‏ قلبا عقولا و لسانا ناطقا. و قال: أخرج ابن سعد قال على عليه السلام: سلونى عن كتاب الله فانه ليس من آية إلا و قد عرفت بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل.

قال: و أخرج الطبرانى في الأوسط عن ام سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول:على مع القرآن و القرآن مع على لا يفترقان حتى يردا على الحوض.

و في الاتقان (طبع مصر 1318 ص 74 ج 1) قال ابن حجر: و قد ورد عن على انه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه و آله أخرجه ابن أبى داود.

أقول: ابن حجر هذا هو الحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلانى صاحب كتاب الاصابة في معرفة الصحابة و تقريب التهذيب و غيرهما توفى سنة 852 ه و صاحب الصواعق المحرقة سميه أحمد بن محمد بن علي الهيتمى مات سنة 973 ه و جلال الدين السيوطى مات سنة 910 ه. ثم يستفاد مما روى ابن حجر أن القرآن الذى جمع على عليه السلام غير القرآن المرتبة سوره على ما هو المصحف الان فهو عليه السلام أراد أن يبين في هذا الجمع ترتيب نزول السور و الايات كما أن عالما يفسر القرآن و يبين فيه وجوه القراءات و آخر يبين في تفسيره لغات القرآن و آخر غريبه و آخر يجمع الأخبار الواردة المناسبة لكل آية في تفسيره و غيرها من التفاسير المختلفة أغراضا فان الكل ميسر لما خلق له و يؤيد ما ذهبنا إليه قوله عليه السلام نقله ثقة الاسلام الكليني في باب اختلاف الحديث من اصول الكافي باسناده عن سليم بن قيس الهلالى- في حديث طويل إلى أن قال عليه السلام: فما نزلت على رسول الله آية من القرآن إلا أقرأنيها و أملأها على فكتبتها بخطى و علمنى تأويلها و تفسيرها و ناسخها و منسوخها و محكمها و متشابهها و خاصها و عامها و دعى الله أن يعطيني فهمها و حفظها فما نسيت آية من كتاب الله و لا علما أملأه على و كتبته منذ دعا الله لى بما دعا و ما ترك شيئا علمه الله من حلال و لا حرام و لا أمر و لا نهى كان أو يكون و لا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه و حفظته فلم أنس حرفا واحدا ثم وضع يده على صدرى و دعى الله لى أن يملأ قلبى علما و فهما و حكما و نورا فقلت يا نبي الله بأبى أنت و أمى منذ دعوت الله لى بما دعوت لم‏ أنس شيئا و لم يفتني شي‏ء لم أكتبه أ فتتخوف على النسيان فيما بعد؟ فقال: لا لست أتخوف عليك النسيان و الجهل.

و قوله عليه السلام: كما في البحار (ج 19 ص 126): و لقد جئتهم بكتاب كملا مشتملا على التأويل و التنزيل و المحكم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ إلخ- فعلى هذا لا يسع أحدا أن يقول بتا أنه عليه السلام جمع السور و رتبها و لم تكن السور مرتبة على عهد النبي صلى الله عليه و آله و الأخبار الاخر أيضا الدالة على أن أبا بكر و غيره جمعوه من هذا القبيل لا يدل على أن ترتيب سور القرآن لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه و آله فمن تمسك بها لذلك الغرض فقد أخطأ.

قال الطبرسى في المجمع قوله تعالى‏ و أظهره الله عليه عرف بعضه و أعرض عن بعض‏ (التحريم- 4): قرأ الكسائى وحده عرف بالتخفيف و الباقون عرف بالتشديد و اختار التخفيف أبو بكر بن عياش و هو من الحروف العشر التى قال: إنى أدخلتها في قراءة عاصم من قراءة على بن أبي طالب عليه السلام حتى استخلصت قراءته يعنى قراءة على عليه السلام و هى قراءة الحسن و أبى عبد الرحمان السلمى و كان أبو عبد الرحمان إذا قرأ إنسان بالتشديد حصبه- انتهى.

أقول: أبو بكر بن عياش و حفص بن سليمان البزاز راويان لعاصم بن أبى النجود بهدلة و عاصم من القراء السبعة الذين تواترت قراءاتهم و لكن اعراب القرآن المتداول الان إنما هو بقراءة حفص عن عاصم و يستفاد مما نقل الطبرسى عن ابن عياش أن قراءة عاصم هى قراءة أمير المؤمنين على بن أبي طالب روحى له الفداء إلا في عشر كلمات أدخلها أبو بكر في قراءة عاصم حتى استخلصت قراءة على عليه السلام فالقراءة المتداولة هى قراءته عليه السلام و كذا قال الطبرسى في الفن الثاني من مقدمة تفسيره في ذكر أسامى القراء: فأما عاصم فانه قرأ على أبى عبد الرحمان السلمى و هو قرأ على على بن أبي طالب عليه السلام.

فإنما اختير في المصحف الكريم قراءة عاصم لسهولتها و جودتها و لأنها أضبط من القراآت الاخرى و السر في ذلك إن قراءته قراءة أمير المؤمنين عليه السلام‏ و إن كان قراءة كل واحدة من القراءات السبع متواترة و جائزة.

قال العلامة الحلي قدس سره في المنتهى ما هذا نصه: أضبط هذه القراءات السبع عند أرباب البصيرة هو قراءة عاصم المذكور برواية أبي بكر بن عياش و قال رحمه الله في التذكرة: إن هذا المصحف الموجود الان هو مصحف علي عليه السلام.

قال المحقق الطوسي قدس سره في التجريد: و على أفضل الصحابة لكثرة جهاده و … و كان أحفظهم لكتاب الله تعالى العزيز. و قال الفاضل القوشجي في شرحه: فإن أكثر أئمة القراءة كأبي عمرو و عاصم و غيرهما يسندون قراءتهم إليه فانهم تلامذة أبي عبد الرحمان السلمي و هو تلميذ علي رضي الله عنهما.

و بالجملة أنا نقول أولا إن ترتيب السور كالايات توقيفي و عليه جل المحققين من علماء الفريقين و الشواهد و البراهين عليه كثيرة و أن بعد النبي صلى الله عليه و آله لم يجمع القرآن مرتبا سوره على اجتهاد الصحابة لما دريت أن الأخبار التي تمسكوا بها غير دالة على ذلك و بعد الإغماض نقول: إن الفريقين اتفقا في أن أمير المؤمنين عليه السلام كان حافظا للقرآن على عهده صلى الله عليه و آله و قرأ عليه غير مرة و كان أعرف به منهم و قال عليه السلام (الخطبة 208 من النهج و كذا في الوافى ص 62 ج 1 نقلا من الكافي) و قد سأله سائل عما في أيدي الناس: إن في أيدي الناس حقا و باطلا- إلى أن قال: و ليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله من يسأله و يستفهمه حتى أن كانوا ليحبون أن يجي‏ء الأعرابي أو الطارى فيسأله عليه السلام حتى يسمعوا و كان لا يمر بي من ذلك شي‏ء إلا سألت عنه و حفظته، و قال هؤلاء العظام من العلماء: إن القراءة المتداولة الان قراءته عليه السلام و أنه أول من جمع القرآن بعد النبي صلى الله عليه و آله و هو عليه السلام كان معتمد الصحابة في العلوم و به يراجعون في القرآن و الأحكام سيما عند أصحابنا الإمامية القائلين بعصمته عليه السلام و باتفاق الأمة قال رسول الله صلى الله عليه و آله فيه عليه السلام أقضاكم على و علي مع القرآن و القرآن معه و الحق معه حيث دار و …. فترتيب سور القرآن وقع على النهج الذي أراده الله تعالى و رسوله.

ثم نقول: هب أن ترتيب السور في الدفتين كان بعد النبي صلى الله عليه و آله و إنما كان‏ على عهد أبي بكر و بأمره كما هو ظاهر طائفة من الأقوال و لا كلام في أن أمير المؤمنين علي عليه السلام قرره و رضي به و إلا لبدله في خلافته لو قيل انه عليه السلام لم يتمكن في عهد أبي بكر بذلك و هو عليه السلام معصوم و تقريره و إمضاؤه حجة، على أن تركيب السور من الايات إجماعي لا خلاف فيه كما دريت فلو لم يكن ترتيب السور بالفرض بأمر المعصوم فما نزل على النبي صلى الله عليه و آله هو ما بين الدفتين الان و على كل حال ما زيد فيه و ما نقص منه شي‏ء فبذلك ظهر أن قول الفقيه البحراني في الحدائق و أضرابه: أن جمع القرآن في المصحف الان ليس من جمع المعصوم فلا حجة فيه، بعيد عن الصواب غاية البعد.

«البرهان على أن عثمان ما نقص من القرآن شيئا و ما زاد فيه» «شيئا بل انما جمع الناس على قراءة واحدة»

اعلم أن عناية الصحابة و غيرهم من المسلمين كانت شديدة في حفظ القرآن و حراسته الغاية و توفرت الدواعي على نقله و حمايته النهاية و توجه آلاف من النفوس إليه، و دريت أن عدة من أصحاب الرسول صلى الله عليه و آله كانوا حفاظ القرآن على ظهر القلب كملا و أما من حفظ بعضه فلا يعد و لا يحصى فمن تأمل أدنى تأمل في سيرة الصحابة مع القرآن و شدة عنايتهم في ضبطه و أخذه علم أن احتمال تطرق الزيادة و النقصان فيه واه جدا و لم يدع أحد أن عثمان زاد في القرآن شيئا أو نقص منه شيئا لعدم تجويز العقل ذلك مع تلك العناية من المسلمين في حفظه و كان الناس في أقطار الأرض عارفين بالقرآن و عدد سوره و آياته فأني كان لعثمان مجال ذلك بل أنه جمع الناس على قراءة واحدة و لفظ بسائر القراءات ظنا منه أن القرآن يصون بذلك من الزيادة و النقصان و أن كثرة القراءات توجب إدخال ما ليس من القرآن في القرآن، و دونك الأقوال و الاراء من جم غفير من المشايخ في ذلك.

قال ابن التين و غيره (النوع الثامن عشر من الإتقان طبع مصر 1318 ه ص 58 إلى 64): لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرءوه بلغاتهم على‏ اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشي عثمان من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره و اقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم و إن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج و المشقة في ابتداء الأمر فرأي أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة.

و فيه أيضا: قال القاضي أبو بكر في الانتصار: إنما قصد عثمان جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه و آله و إلغاء ما ليس كذلك و أخذهم بمصحف لا تقديم فيه و لا تأخير و لا تأويل أثبت مع تنزيل و لا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه و مفروض قراءته و حفظه خشية دخول الفساد و الشبهة على من يأتي بعد.

قال: و قال الحارث المحاسبى: المشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان و ليس كذلك إنما حمل عثمان الناس على القرائة بوجه واحد على اختيار وقع بينه و بين من شهده من المهاجرين و الأنصار لما خشى الفتنة عند اختلاف أهل العراق و الشام في حروف القراءات فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي انزل بها القرآن.

و فيه أيضا نقلا عن المحاسبي المذكور: و قد قال علي عليه السلام لو وليت لعملت بالمصاحف التي عمل بها عثمان.

قال: و أخرج ابن أبي داود بسند صحيح عن سويد بن غفلة قال: قال علي عليه السلام لا تقولوا في عثمان إلا خيرا فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملاء منا قال: ما تقولون في هذه القراءة فقد بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك و هذا يكاد يكون كفرا قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة و لا اختلاف قلنا: فنعم ما رأيت.

قال: قال القاضي أبو بكر في الانتصار: الذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله و أمر باثبات رسمه و لم ينسخه و لا رفع تلاوته بعد نزوله هو هذا الذي بين الدفتين الذي حواه مصحف عثمان و أنه لم ينقص منه شي‏ء و لا زيد فيه و أن ترتيبه‏ و نظمه ثابت على ما نظمه الله و رتبه عليه رسوله صلى الله عليه و آله من آى السور لم يقدم من ذلك مؤخر و لا اخر منه مقدم و أن الأمة ضبطت عن النبى صلى الله عليه و آله ترتيب آى كل سورة و مواضعها و عرفت مواقعها كما ضبطت عنه نفس القراءات و ذات التلاوة و أنه يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه و آله قد رتب سوره و أن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده و لم يتول ذلك بنفسه قال: و هذا الثاني أقرب.

أقول: بل الأول متعين و لا نشك في أنه صلى الله عليه و آله تولى ترتيب السور أيضا بنفسه كما مر.

و فيه أيضا، قال البغوي في شرح السنة: الصحابة رضى الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئا خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه و آله من غير أن قدموا شيئا أو أخروا أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه و آله و كان رسول الله صلى الله عليه و آله يلقن أصحابه و يعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الان في مصاحفنا بتوقيف جبريل إياه على ذلك و إعلامه عند نزول كل آية ان هذه الاية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا فثبت أن سعى الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه فان القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب أنزله الله جملة إلى السماء الدنيا ثم كان ينزله مفرقا عند الحاجة و ترتيب النزول غير ترتيب التلاوة.

قال: و أخرج ابن أبي داود من طريق محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثنى عشر رجلا من قريش و الأنصار فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجي‏ء بها و كان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تدارؤا في شي‏ء أخروه- إلخ.

قال: و أخرج عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول: إنما الف القرآن على ما كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه و آله.

و قال في مناهل العرفان: أخرج البخاري عن ابن زبير قال: قلت لعثمان ابن عفان‏ الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا* نسختها الاية الأخرى فلم تكتبها أو تدعها و المعنى لما ذا تكتبها أو قال لما ذا تتركها مكتوبة مع أنها منسوخة؟ قال:يا ابن أخي لا اغير شيئا من مكانه.

و غيرها من الأقوال و انما نقلناها تأييدا فإن الأمر أوضح من ذلك و لا حاجة فيه إلى نقلها و إنما طعنوا عثمان في عمله لوجهين: الأول أن احراقه المصاحف كان استخفافا بالدين و الثاني أن ذلك ليس تحصينا للقرآن و لو كان تحصينا لما كان رسول الله صلى الله عليه و آله يبيح القراءات المختلفة فقد مضى الكلام عليه مستقصى و أراد عثمان أن يجمع الناس على قراءة واحدة و مع ذلك تكثرت حتى بلغ متواترها إلى السبع.

«الكلام في رسم خط القرآن»

و من شدة عناية المسلمين و اهتمامهم بضبط القرآن المبين حفظهم كتابة القرآن و رسمه على الهجاء الذي كتبه كتاب الوحى على الكتبة الأولى على عهد النبي صلى الله عليه و آله و إن كان بعض المواضع من الرسم مخالفا لأدب الرسم فلا يجوز لأحد أن يكتب القرآن إلا على ذلك الرسم المضبوط من السلف بالتواتر ابقاء للقرآن على ما كان و حذرا من تطرق التحريف فيه و إن كان من الرسم بل نقول مخالفة رسم القرآن حرام بين لأن رسم القرآن من شعائر الدين و يجب حفظ الشعاعر لتبقى مصونة عن الشبهات و تحريف المعاندين إلى القيامة و تكون حجة على الناس يحتجوا به مطمئنين إلى آخر الدهر كما يجب حفظ حدود منى و مشعر و البيت و الروضة النبوية و غيرها و نأتي بعدة مواضع من القرآن حتى يتبين لك أشد تبيين أن القرآن صين من جميع الوجوه عن التغيير و التبديل و التحريف و التصحيف و الزيادة و النقصان مثلا ان كلمة «مرضات» مكتوبة بالتاء المدودة في المصاحف: و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله‏ (البقرة- 204)، مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله‏ (البقرة- 268)، و من يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه‏ أجرا عظيما (النساء 116)، يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك‏ (التحريم- 2).

و كلمة «نعمت» مكتوبة بالتاء المدودة أيضا في المصاحف: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم‏ (المائدة- 12) و كذا في عدة مواضع اخرى و لسنا في مقام الحصر.

و كلمة «رحمت» مكتوبة بالتاء المدودة في المصاحف كلها: فانظر إلى آثار رحمت الله‏ (الروم- 51) و كذا مواضع اخرى.

كلمة «امرأت» مكتوبة بالتاء المدودة في المصاحف كلها: إذ قالت امرأت عمران‏ (آل عمران- 36) و مواضع اخرى.

كلمة «بينت» مكتوبة بالتاء المدودة: فهم على بينة منه‏ (الملائكة- 41) كلمة «يدع» في قوله تعالى: و يدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير (بني إسرائيل- 14) مكتوبة بلا واو مع عدم الجازم.

كلمة «يؤت» مكتوبة في قوله تعالى: و سوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما (النساء- 146) بلا ياء مع عدم الجازم.

كلمة «يعفوا» في قوله تعالى: يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب و يعفوا عن كثير (المائدة- 16) مكتوبة بالألف مع انها بصيغة الإفراد.

و في جميع بسم الله الرحمن الرحيم في القرآن أسقط الف الاسم و قوله تعالى‏ اقرأ باسم ربك الذي خلق‏ مكتوب الفه.

و قوله تعالى: و ما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون‏ (النمل- 85) مكتوبة كلمة بهادى بالياء مع أن هذه الاية في سورة الروم الاية 54 مكتوبة بلا ياء.

و كذا كم من كلمات في القرآن يخالف رسمه قواعد النحو فكم من فعل «ج 17»

ماض مثلا على صيغة الجمع لم يكتب في آخره الف و كم من فعل مفرد مكتوب آخره بالألف و كم من كلمة زيد في وسطه ألف مع عدم الاحتياج اليها و غيرها مما هى مذكورة في الشاطبية و الاتحاف و غيرهما و كثير من المشايخ ألفوا في رسم الخط رسائل عليحدة و لسنا في ذلك المقام و انما المراد أن يعلم القارى الكريم أن هذا القرآن المكتوب بين الدفتين هو الكتاب الذي نزل على خاتم النبيين صلى الله عليه و آله حتى أن الصحابة لم يعتنوا في رسم خطه بقواعد النحو و رسوم خط العرب اتباعا للمصاحف التي كتبت على عهد النبي صلى الله عليه و آله حتى لا يتغير خط القرآن و حروفه و لا يتوهم أحد فيه التصحيف.

قال السيوطي في الإتقان (النوع 76 منه ص 166 ج 2 طبع مصر 1318 ه) في مرسوم الخط و آداب كتابته أفرده بالتصنيف خلائق من المتقدمين و المتأخرين- إلى أن قال: القاعدة العربية أن اللفظ يكتب بحروف هجائية مع مراعاة الابتداء به و الوقف عليه، و قد مهد النحاة له اصولا و قواعد و قد خالفها في بعض الحروف خط المصحف الإمام، و قال أشهب: سئل مالك هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا إلا على الكتبة الأولى رواه الداني في المقنع ثم قال: و لا مخالف له من علماء الأمة و قال الداني في موضع آخر: سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الواو و الألف أ ترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك؟ قال: لا؛ قال أبو عمرو: يعنى الواو و الألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ نحو أولو، قال: و قال الإمام أحمد: يحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو الف أو غير ذلك.

أقول: ما قال أحمد في حرمة المخالفة حق كما بيناه آنفا و لا حاجة في حرمته إلى رواية خاصة لو لم تكن.

و فيه أيضا قال البيهقي في شعب الايمان: من يكتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف و لا يخالفهم فيه و لا يغير مما كتبوه شيئا فانهم كانوا أكثر علما و أصدق قلبا و لسانا و أعظم أمانة منا فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم.

«لما ذا يخالف رسم تلك الحروف القرآنية أصول رسم الخط؟»

علة ذلك هو ما ذكر العلامة ابن خلدون في الفصل الثلاثين من الباب الخامس من المقدمة ص 619 طبع مصر، قال: كان الخط العربي لأول الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الإحكام و الاتقان و الاجادة و لا إلى التوسط لمكان العرب من البداوة و التوحش و بعدهم عن الصنائع و انظر ما وقع لأجل ذلك في رسمهم المصحف حيث رسمه الصحابة بخطوطهم و كانت غير مستحكمة في الاجادة فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها ثم اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيها تبركا بما رسمه أصحاب الرسول صلى الله عليه و آله و خير الخلق من بعده المتلقون لوحيه من كتاب الله و كلامه كما يقتفي لهذا العهد خط ولى أو عالم تبركا و يتبع رسمه خطئا أو صوابا و أين نسبة ذلك من الصحابة فيما كتبوه فاتبع ذلك و اثبت رسما و نبه العلماء بالرسم على مواضعه و لا تلتفتن في ذلك إلى ما يزعمه بعض المغفلين من أنهم كانوا محكمين لصناعة الخط و أن ما يتخيل من مخالفة خطوطهم لأصول الرسم ليس كما يتخيل بل لكلها وجه يقولون في مثل زيادة الألف في «لا أذبحنه» إنه تنبيه على أن الذبح لم يقع، و في زيادة الياء في «بأييد» إنه تنبيه على كمال القدرة الربانية و أمثال ذلك مما لا أصل له إلا التحكم المحض و ما حملهم على ذلك إلا اعتقادهم أن في ذلك تنزيها للصحابة عن توهم النقص في قلة إجادة الخط و حسبوا أن الخط كمال فنزهوهم عن نقصه و نسبوا إليهم الكمال باجادته و طلبوا تعليل ما خالف الاجادة من رسمه و ذلك ليس بصحيح، و اعلم أن الخط ليس بكمال في حقهم إذا الخط من جملة الصنائع المدنية المعاشية كما رأيته فيما مر و الكمال في الصنائع إضافى بكمال مطلق إذ لا يعود نقصه على الذات في الدين و لا في الخلال و إنما يعود على أسباب المعاش و بحسب العمران و التعاون عليه لأجل دلالته على ما في النفوس و قد كان صلى الله عليه و آله اميا و كان ذلك كمالا في حقه و بالنسبة إلى مقامه لشرفه و تنزهه عن الصنائع العملية التى هى أسباب‏ المعاش و العمران كلها و ليست الأمية كمالا في حقنا نحن إذ هو منقطع إلى ربه و نحن متعاونون على الحياة الدنيا شأن الصنائع كلها حتى العلوم الاصطلاحية فان الكمال في حقه هو تنزهه عنها جملة بخلافنا- انتهى.

أقول: و مما ذكرنا ظهر أن ما ذهب إليه بعض المغفلين لم يكن له خبرة في علوم القرآن من أن أمثال هذه الأمور المخالفة لرسم الخط من عدم حذاقة الكاتب فلا يجب اتباعها غلط جدا.

«يقرأ القرآن على القراءات السبع المتواترة دون الشواذ»

و مما ينادى بأعلى صوته عناية المسلمين بحفظ القرآن الكريم و حراسته عن كل ما يتوهم فيه التحريف قراءتهم القرآن بالقراءات المتواترة السبع دون الشواذ و لو كان الرواية الشاذة مرويا عن النبي صلى الله عليه و آله لأن اعتمادهم في القراءة و رسم الخط و ترتيب السور و الايات كلها كان على السماع دون الاجتهاد. بل نقول:إن كل ما ينتسب إلى القراء السبعة من القراءات السبع و لم يثبت تواتره لا يجوز متابعته و إن كان موافقا لقياس العربية لأن المناط في اتباع القراءة هو التواتر فما يروى عن السبعة من الشواذ فحكمه حكم سائر القراءات الشاذ مثلا أن أمين الاسلام الطبرسى في المجمع قال: قرأ كل القراء- معايش- في قوله تعالى‏ و لقد مكناكم في الأرض و جعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون‏ (الأعراف- 12) بغير همز و روى بعضهم عن نافع- معائش-، ممدودا مهموزا انتهى. فهذه الرواية عن النافع غير متواتر و إن كان النافع من السبعة، و لا يجوز القراءة بتلك القراءة الشاذة.

فان قلت: هل يوجد عكس ذلك في القراءات بأن يكون القارى من غير السبع كيعقوب بن إسحاق الحضرمى و أبو حاتم سهل بن محمد السجستانى و يحيى بن وثاب و الأعمش و أبان بن تغلب و أضرابهم و يكون بعض قراءتهم متواترا؟

أقول: و كم له من نظير و لكن من حيث أن تلك القراءة موافقة للقراءات السبع المتواترة فما وافقتها و إلا لا يجوز الاتكال عليها و قراءة القرآن بها.

و إنما اجتمع الناس على قراءة هؤلاء و اقتدوا بهم فيها لسببين: أحدهما أنهم تجردوا لقراءة القرآن و اشتدت بذلك عنايتهم مع كثرة علمهم و من كان قبلهم أو في أزمنتهم ممن نسب إليه القراءة من العلماء و عدت قراءتهم في الشواذ لم يتجرد لذلك تجردهم و كان الغالب على اولئك الفقه أو الحديث أو غير ذلك من العلوم.

و الاخر أن قراءتهم وجدت مسندة لفظا أو سماعا حرفا حرفا من أول القرآن إلى آخره مع ما عرف من فضائلهم و كثرة علمهم بوجوه القرآن (قالهما الطبرسي في مقدمة تفسيره مجمع البيان).

أقول: على أن أئمتنا سلام الله عليهم قرروا تلك القراءات لأنها كانت متداولة في عصرهم عليهم السلام و كان الناس يأخذونها من القراء و لم يردوهم و لم يمنعوهم عن أخذها عنهم بل نقول: إن قراءة أهل البيت عليهم السلام يوافق قراءة أحد السبعة و قلما ينفق أن تروى قراءة منهم عليهم خارجة عن المتواترات كما يظهر بالتتبع للخبير المتضلع في علوم القرآن.

فإن قلت: القرآن نزل على قراءة واحدة فكيف جاز قراءته بأكثر من واحدة فهل القراءات العديدة إلا التحريف؟.

قلت: أولا إن اختلاف القراءات لا يوجب تحريف الكتاب و تغييره و باختلافها لا تزاد كلمة في القرآن و لا تنقص منه فإن اختلافها في الإعراب و ارجاع الضمير و كيفية التلفظ و الخطاب و الغيبة و الإفراد و الجمع و أمثالها في كلمات تصلح لذلك و في الجميع الايات و الكلمات القرآنية بذاتها محفوظة مثلا في قوله تعالى‏ و ما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى‏ (يوسف- 109) قرأ أبو بكر عن عاصم يوحى بضم الياء و فتح الحاء على صيغة المجهول و قرأ حفص عن عاصم بضم النون و كسر الحاء على صيغة المتكلم و المعني على كلا الوجهين صحيح و اللفظ محفوظ و مصون. و في قوله تعالى‏ و إذا أنعمنا على الإنسان أعرض و نأى بجانبه* (الإسراء- 84) قرأ أبو بكر عن عاصم بإمالة الهمزة في نئا و حفص عن عاصم بفتحها و معلوم انه لا يوجب التحريف و التغيير، و في قوله تعالى‏ فاعبدوه أ فلا تذكرون‏ (يونس- 4) قرأ أبو بكر عن عاصم بتشديد الذال و حفص بتخفيفها و هو لا يوجب تبديل ذات الكلمة، و في قوله تعالى‏ من أزواجنا و ذرياتنا (الفرقان- 75) قرأ أبو بكر ذريتنا بالتوحيد و حفص بالجمع و أمثالها مما هي مذكورة في كتب الفن و التفاسير و لكل وجه متقن و حجة متبعة أجمع المسلمون على تلقيها بالقبول مع أنها تنتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و لا يخفى على البصير المتتبع و المتضلع في القراءات أنها لا توجب التحريف بل يبين وجوه صحة التلفظ- مثلا ان قوله صلى الله عليه و آله الدنيا رأس كل خطيئة، يصح أن يقرأ على الوجهين الأول ما هو المشهور و الثاني أن الدينار (مقابل الدرهم) اس كل خطيئة بضم الهمزة و الجملة بذاتها محفوظة، أو ما أنشده القطب الشيرازي في مجلس كان فيه الشيعة و السني (أتى به الشيخ في الكشكول ص 135 طبع نجم الدولة):

خير الورى بعد النبي من بنته في بيته‏ من في دجى ليل العمى ضوء الهدى في زيته‏

يمكن أن يكون المراد من كلمة «من» رسول الله صلى الله عليه و آله و الضمير الأول يرجع إليه و الثاني إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام، أو يكون المراد منها أبو بكر و الضمير الأول يرجع إليه و الثاني إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و هكذا في البيت الثاني و لا يوجب تغييرا في البيت.

و ثانيا نقول: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و الأئمة الهدى أجازوا ذلك و هذا كما أن أحدنا نجوز أن يقرأ كلامه على وجهين مثلا ان الحكيم السبزواري قال في اللئالي المنتظمة:

فالمنطقى الكلى بحمل أولى‏ و غيره لشايع الحمل كلى‏

ثم أجاز في الشرح قراءة كلي على وجهين و قال: كلي إما بضم الكاف مخفف كلي و إما بكسرها أمر من و كل يكل و الياء للإطلاق و اللام (لشائع) على الأول للتعليل و على الثاني للاختصاص. انتهى. و هكذا الكلام في القرآن الكريم.

و العجب من صاحب الجواهر رحمه الله مال في صلاة الجواهر إلى عدم تواتر القراءات السبع و قال في ذيل بحث طويل في ذلك: فإن من مارس كلماتهم علم‏

أن ليس قراءتهم إلا باجتهادهم و ما يستحسنونه بأنظارهم كما يؤمي إليه ما في كتب القراءة من عدهم قراءة النبي صلى الله عليه و آله و علي و أهل البيت عليهم السلام في مقابلة قراءتهم و من هنا سموهم المتبحرين و من ذاك (كذا- و الظاهر: و ما ذاك) إلا لأن أحدهم كان إذا برع و تمهر شرع للناس طريقا في القراءة لا يعرف إلا من قبله و لم يرد على طريقة مسلوكة و مذهب متواتر محدود و إلا لم يختص به بل كان من الواجب بمقتضى العادة أن يعلم المعاصر له بما تواتر إليه لاتحاد الفن و عدم البعد عن المأخذ و من المستبعد جدا انا نطلع على التواتر و بعضهم لا يطلع على المتواتر إلى الاخر كما أنه من المستبعد أيضا تواتر الحركات و السكنات مثلا في الفاتحة و غيرها من سور القرآن.انتهى كلامه.

أقول: قد بينا أن القراءات السبع كان متواترا من عصر الأئمة إلى الان بل النبى صلى الله عليه و آله جوز اختلاف القراءة أيضا إلا أن ما لم يوافق السبع المتواترة لا يفيد إلا الظن بخلاف السبع فانها إجماع المسلمين قاطبة من صدر الاسلام إلى الان و إجماع أهل الخبرة في كل فن حجة و لو خالف إجماعهم الخارج من فنهم لا يضر الاجماع و من مارس كتب التفسير و القراءات حق الممارسة علم إجماع المسلمين جيلا بعد جيل في كل عصر حتى في زمن الأئمة المعصومين في القراءات بالسماع و الحق في ذلك ما هو المنقول من العلامة قدس سره في النهاية حيث قال:و مخالفة الجاهلين بالقراءة لا يقدح في إجماع المسلمين إذ المعتبر في الإجماع و الخلاف قول أهل الخبرة فلو خالف غير النحوى في رفع الفاعل و غير المتكلم في حدوث العالم أو وجوب اللطف على الله لم يقدح في إجماع المسلمين أو الشيعة أو النحاة.

على أن القراءات المتواترة ينتهى إلى النبي صلى الله عليه و آله بالأخرة كما ذكرنا آنفا أن القراء كلهم يرجعون إلى أبى عبد الرحمن بن السلمى القارى و هو أخذ عن أمير المؤمنين عليه السلام و هو أخذ عن النبي صلى الله عليه و آله، قال ابن النديم في الفهرست (ص 49 من الفن الثالث من المقالة الأولى ط مصر): قرأ عاصم على أبي عبد الرحمن‏ السلمى و قرأ السلمى على على عليه السلام و قرأ على عليه السلام على النبي صلى الله عليه و آله، و قال أيضا (ص 45): على بن حمزة الكسائي قرأ على عبد الرحمن بن أبى ليلى و كان ابن أبى ليلى يقرأ بحرف على عليه السلام و كذا سائر القراء فعليك بالإتقان و الفن الثاني من مقدمة تفسير الطبرسى مجمع البيان و سائر الكتب المؤلفة في القراء و قراءات القرآن فلا مجال للوسوسة بعد ظهور البيان و تمام البرهان. و قد قال العلامة الحلى قدس سره في التذكرة: «مسئلة» يجب أن يقرأ بالمتواتر من القراءات و هي سبعة و لا يجوز أن يقرأ بالشواذ و يجب أن يقرأ بالمتواتر من الايات و هو ما تضمنه مصحف على عليه السلام لأن أكثر الصحابة اتفقوا عليه و حرق عثمان ما عداه.

«عدد آى القرآن و حروفه»

و مما يعلن بشدة عناية المسلمين بضبط القرآن و حفظه عن التحريف عدهم كلماته و آيه و حروفه حتى فتحاته و كسراته و ضماته و تشديداته و مداته و أفرد السيوطى في الإتقان فصلا في ذلك. و في الوافي للفيض قدس سره (274 م 5 طبع ايران 1324 ه): قال السيد حيدر بن على بن حيدر العلوى الحسينى طاب ثراه في تفسيره الموسوم بالمحيط الأعظم: إن أكثر القراء ذهبوا إلى أن سور القرآن بأسرها مأئة و أربع عشرة سورة و أن آياته ستة آلاف و ستمائة و ست و ستون آية و إلى أن كلماته سبعة و سبعون الفا و أربعمائة و سبع و ثلاثون كلمة و إلى ان حروفه ثلاثمأة آلاف و اثنان و عشرون الفا و ستمائة و سبعون حرفا و إلى أن فتحاته ثلاثة و تسعون الفا و مائتان و ثلاثة و اربعون فتحة- إلخ.

روى الطبرسي في تفسير سورة هل أتى من المجمع رواية مستندة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه عليه السلام قال: سألت النبي صلى الله عليه و آله عن ثواب القرآن فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء- إلى أن قال عليه السلام: ثم قال النبي صلى الله عليه و آله جميع سور القرآن مأئة و أربع عشرة سورة، و جميع آيات القرآن ستة آلاف آية و مأتا آية و ست و ثلاثون آية، و جميع حروف القرآن ثلاثمأة ألف‏ حرف و أحد و عشرون ألف حرف و مائتان و خمسون حرفا لا يرغب في تعلم القرآن إلا السعداء و لا يتعهد قراءته إلا أولياء الرحمان. انتهى. و ذكر ابن النديم في الفهرست (ص 41 من المقالة الأولى) اختلاف الناس في آى القرآن.

أقول: قد عد خلق كثير حروف القرآن و آخرون نقلوا منهم و ذكروا في تأليفاتهم و منهم المولى أحمد النراقي في الخزائن (ص 275 طبع طهران 1380 ه) ثم اختلف العادون في مقدارها عددا و لا ريب أن تحديد أمثال هذه الأمور لا يخلو من اختلاف و الاختلاف ليس إلا منهم لا من المصاحف فإنه واحد نزل من عند واحد و ما بدل منه شي‏ء و ما زيد فيه حرف و ما نقص منه كما علمت و إنما غرضنا في ذلك التوجه إلى اهتمام المسلمين قاطبة عصرا بعد عصر في ضبط كلام الله تعالى عن تحريف ما و إن كان الاشتغال باستيعاب ذلك مما لا طائل تحته و لنعم ما قال السخاوى (الاتقان ص 72 ج 1): لا أعلم لعد الكلمات و الحروف من فائدة لأن ذلك إن أفاد فإنما يفيد في كتاب يمكن فيه الزيادة و النقصان و القرآن لا يمكن فيه ذلك.

و أما اختلاف الاى و سببه فهو ما قال السيوطي في الاتقان: أجمعوا على أن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية ثم اختلفوا فيما زاد على ذلك- إلى أن قال و سبب اختلاف السبب في عدد الاى أن النبي صلى الله عليه و آله كان يقف على رءوس الاى للتوقيف فاذا علم محلها وصلها للتمام فيحسب السامع حينئذ انها ليست فاصلة.

قال الطبرسي في الفن الأول من مقدمة التفسير في تعداد آى القرآن و الفائدة في معرفتها: اعلم أن عدد أهل الكوفة أصح الأعداد و اعلاها إسنادا لأنه مأخوذ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام- إلى أن قال: و الفائدة في معرفة آى القرآن أن القارئ إذا عدها بأصابعه كان أكثر ثوابا لأنه قد شغل يده بالقرآن مع قلبه و لسانه و بالحرى أن تشهد له يوم القيامة فانها مسئولة و لأن ذلك أقرب إلى التحفظ فإن القاري لا يأمن من السهو و قد روى عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال: تعاهدوا القرآن فانه وحشى و قال عليه الصلاة لبعض النساء اعقدن:بالأنامل فانهن مسؤلات و مستنطقات، قال حمزة بن حبيب و هو أحد القراء السبعة العدد مسامير القرآن.

و بالجملة ان عد أمثال تلك الأمور و تحديدها قلما يتفق أن يتحد الاثنان من العادين و لا يغتر القاري الكريم بتلك الاختلافات أن المصاحف كانت مختلفة. و العجب من الفيض رحمه الله تعالى قال في الوافي (ص 274 م 5): قد اشتهر اليوم بين الناس أن القرآن ستة آلاف و ستمائة و ست و ستون آية ثم روى رواية الطبرسي المذكورة آنفا في المجمع عن النبي صلى الله عليه و آله، ثم جعل أحد الاحتمالات في اختلاف الرواية و الشهرة اختلاف المصاحف حيث قال: فلعل البواقي تكون مخزونة عند أهل البيت عليهم السلام و تكون فيما جمعه أمير المؤمنين عليه السلام- إلخ.

لكنه (ره) عدل عنه و استبصر و قال في المقدمة السادسة من تفسيره الصافي بعد نقل عدة روايات في تحريف الكتاب: أقول: و يرد على هذا كله اشكال و هو أنه على هذا التقدير لم يبق لنا اعتماد على شي‏ء من القرآن إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرفا و مغيرا و يكون على خلاف ما أنزل الله فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلا فتنتفى فائدة الأمر باتباعه و الوصية بالتمسك به إلى غير ذلك، و أيضا قال الله عز و جل‏ و إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه‏ و قال‏ إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون‏ فكيف يتطرق إليه التحريف و التغيير- إلخ.

«رسم النحو في القرآن»

و مما يفحص عن شدة عناية المسلمين بضبط القرآن و يؤيده رسم النحو فيه قال ابن النديم في أول المقالة الثانية من الفهرست: زعم أكثر العلماء أن النحو اخذ عن أبي الأسود و هو أخذ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام- إلى أن قال: و قد اختلف الناس في السبب الذي دعا أبا الأسود إلى ما رسمه من النحو فقال أبو عبيدة أخذ النحو عن علي بن أبي طالب أبو الأسود و كان لا يخرج شيئا أخذه عن علي كرم الله وجهه إلى أحد حتى بعث إليه زياد أن اعمل شيئا يكون‏ للناس إماما و يعرف به كتاب الله فاستعفاه من ذلك حتى سمع أبو الأسود قارئا يقرأ أن الله بري‏ء من المشركين و رسوله‏ بالكسر فقال: ما ظننت أن أمر الناس آل إلى هذا فرجع إلى زياد فقال: أفعل ما أمر به الأمير فليبغني كاتبا لقنا يفعل ما أقول فأتى بكاتب من عبد القيس فلم يرضه فأتى باخر قال أبو العباس المبرد أحسبه منهم فقال أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمى بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه و إن ضممت فمى فانقط نقطة بين يدي الحرف و إن كسرت فاجعل النقطة من تحت الحرف فهذا نقط أبي الأسود. انتهى.

بيان‏

المراد من النقط ههنا هو الإعراب فنقطة الفوق بمعنى الفتحة و نقطة التحت أي الكسرة و نقطة بين يدي الحرف هي الضمة.

«رجم الأوهام و الأباطيل»

و إن قيل: قد توجد عدة من السور في بعض الكتب و ما ذكرت في القرآن كسورة النورين نقلها صاحب كتاب دبستان المذاهب و أتى بها المحدث النورى في فصل الخطاب و الاشتياني في بحر الفوائد في شرح الفرائد (ص 101 طبع طهران) و سورة الحفد، و سورة الخلع، و سورة الحفظ، أتى بها المحدث النوري في فصل الخطاب أيضا و نقل الأوليين السيوطي في أول النوع التاسع عشر من الإتقان، و سورة الولاية المنقولة في كتاب داورى للكسروى، فلم قلت إن القرآن 114 سورة و ما نقص منه شي‏ء؟

قلت: أولا عدم كونها في القرآن دليل على عدم كونها من القرآن.

و ثانيا لو كانت أمثال هذه الكلمات تضحك بها الثكلى و تبكى بها العروس مما تحدى الله تعالى عباده بقوله: فأتوا بسورة من مثله‏ (البقرة- 22 و يونس- 39) و قوله‏ فأتوا بعشر سور مثله‏ (هود- 16) و قوله تعالى: قل لئن اجتمعت الإنس و الجن‏ الاية لكان أعراب البادية و أصاغر الطلبة جميعا أنبياء يوحى إليهم فضلا

عن أكابر العلماء، و قياس هذه السور المجعولة بالمقامات للحريري مثلا كقياس التبن بالتبر فضلا بالقرآن الكريم أعجز الحريرى و من فوقه عن أن تفوهوا بالاتيان بسورة منه و لو كانت نحو الكوثر ثلاث آيات.

و هذا هو أبو العلاء المعري الخريت في فنون الأدب و شئون الكلام و المشار إليه بالبنان في جودة الشعر و عذوبة النثر يضرب به المثل في العلوم العربية و كفى في فضله شاهدا كتابه: لزوم ما لا يلزم، و سقط الزند، و شرح الحماسة، و غيرها تصدى للمعارضة بالقرآن على ما نقل ياقوت الحموي في معجم الأدباء في ترجمته فنأتي بما قال للمعارضة ثم انظر فيها بعين العلم و المعرفة حتى يتبين لك أن نسبته إلى القرآن كيراعة إلى الشمس؛ قال ياقوت: قرأت بخط عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي في كتاب له ألفه في الصرفة زعم فيه أن القرآن لم يخرق العادة بالفصاحة حتى صار معجزة للنبي صلى الله عليه و آله و أن كل فصيح بليغ قادر على الإتيان بمثله إلا أنهم صرفوا عن ذلك لا أن يكون القرآن في نفسه معجز الفصاحة و هو مذهب لجماعة من المتكلمين و الرافضة منهم بشر المريسى و المرتضى أبو القاسم قال في تضاعيفه: و قد حمل جماعة من الأدباء قول أصحاب هذا الرأى على أنه لا يمكن أحد من المعارضة بعد زمان التحدى على أن ينظموا على اسلوب القرآن و أظهر ذلك قوم و أخفاء آخرون؛ و مما ظهر منه قول أبي العلاء في بعض كلامه:

اقسم بخالق الخيل، و الريح الهابة بليل، ما بين الأشراط و مطالع سهيل، إن الكافر لطويل الذيل، و إن العمر لمكفوف الذيل، اتق مدارج السيل، و طالع التوبة من قبيل، تنج و ما اخالك بناج.

و قوله: أذلت العائذة أباها، و أصاب الوحدة و رباها، و الله بكرمه اجتباها أولاها الشرف بما حباها، أرسل الشمال و صباها، و لا يخاف عقباها.

بيان‏

قوله: ألفه في الصرفة: زعم قوم أن الله تعالى صرف القوى البشرية عن‏ المعارضة و لذلك عجزوا عن الاتيان بمثل القرآن و لو لا صرفه تعالى لهم لاستطاعوا أن يأتوا بمثله، و ذهب الاخرون إلى أنه تعالى لم يصرفهم عنها و لكنهم ليسوا بقادرين على الاتيان بمثله، و نتيجة كلا القولين واحدة لاتفاقهما على عجز البشر إلى يوم القيامة عن الاتيان بمثله و لو بسورة سواء كان بصرف القوى أو لم يكن.

و المراد من المرتضى أبي القاسم هو الشريف علم الهدى أخو الشريف الرضي رضوان الله عليهما.

و لا يخفى على أولى الفضل و الدراية أن أمثال هذه الكلمات الملفقة من الرطب و اليابس لو تعارض القرآن الكريم لما تحدي الله عباده به فإن الناس يستطيعون أن يأتوا بما هو أفضل منها لفظا و معنى.

ثم إن السور المنقولة من دبستان المذاهب و فصل الخطاب المذكورة آنفا كلمات لا يناسب ذيلها صدرها بل ليست جملها على اسلوب النحو و لا تفيد معنى فننقل شرذمة من سورة النورين حتى يظهر لك سخافة ألفاظها و ركاكة تاليفها فمن آى تلك السورة المشوهة: إن الله الذي نور السموات و الأرض بما شاء و اصطفى من الملائكة و جعل من المؤمنين اولئك في خلقه يفعل الله ما يشاء لا إله إلا هو الرحمن الرحيم؛ و منها: مثل الذين يوفون بعهدك إنى جزيتهم جنات النعيم، و منها: و لقد ارسلنا موسى و هرون بما استخلف فبغوا هرون فصبر جميل فجعلنا منهم القردة و الخنازير و لعناهم إلى يوم يبعثون، و منها: و لقد أتينا بك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين و جعلنا لك منهم وصيا لعلهم يرجعون.

فانظر أن ذلك اللص المعاند الوضاع كيف لفق بعض الجمل القرآنية بترهاته تلبيسا على الضعفاء و خلط الحق بالباطل تفتينا بين المسلمين، و لما رأى ضعفاء العقول كلمات شتى فيها نحو صبر جميل، نور السموات، إلى يوم يبعثون، لعلهم يرجعون، المتخذة من القرآن تلقوها بالقبول حتى رأيت مصحفا مطبوعا كتبت هذه السور في هامشه و ليس هذا إلا عمل الجهال من النساك و الصبيان‏ من القراء الذين علموا مخارج حروف الحلق و أيقنوا أن ليس وراء ما علموا علم أصلا، و كأنما العارف شمس الدين محمد الحافظ أخبر عنهم حيث قال:

آه آه از دست صرافان گوهر ناشناس‏ هر زمان خر مهره را با در برابر مى‏كنند

في تفسير آلاء الرحمن للبلاغي طاب ثراه: و مما ألصقوه بالقرآن المجيد ما نقله في فصل الخطاب من كتاب دبستان المذاهب أنه نسب إلى الشيعة انهم يقولون إن إحراق المصاحف سبب إتلاف سور من القرآن نزلت في فضل علي و أهل بيته عليهم السلام منها هذه السورة (النورين) و ذكر كلاما يضاهي خمسا و عشرين آية في الفواصل قد لفق من فقرات القرآن الكريم على اسلوب آياته فاسمع ما في ذلك من الغلط فضلا عن ركاكة اسلوبه الملفق: فمن الغلط (و اصطفى من الملائكة و جعل من المؤمنين اولئك في خلقه) ما ذا اصطفى من الملائكة و ما ذا جعل من المؤمنين و ما معنى اولئك في خلقه؟ و منه: (مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيته جنات النعيم) ليت شعرى ما هو مثلهم؟ و منه: (و لقد ارسلنا موسى و هرون بما استخلف فبغوا هرون فصبر جميل) ما معنى هذه الدمدمة، و ما معنى بما استخلف و ما معنى فبغوا هرون و لمن يعود الضمير في بغوا و لمن الأمر بالصبر الجميل؟ و من ذلك (و لقد آتينا بك الحكم كالذى من قبلك من المرسلين و جعلنا لك منهم وصيا لعلهم يرجعون) ما معنى آتينا بك الحكم و لمن يرجع الضمير الذي في منهم و لعلهم وهل المرجع الضمير هو في قلب الشاعر و ما هو وجه المناسبة في لعلهم يرجعون؟ و من ذلك- إلى أن قال: هذا بعض الكلام في هذه المهزلة و أن صاحب فصل الخطاب من المحدثين المكثرين المجدين في التتبع للشواذ و انه ليعد أمثال هذا المنقول في دبستان المذاهب ضالة منشودة و مع ذلك قال انه لم يجد لهذا المنقول أثر في كتب الشيعة، فيا للعجب من صاحب دبستان المذاهب من أين جاء نسبة هذه الدعوى إلى الشيعة و في أى كتاب لهم وجدها أ فهكذا يكون في الكتب و لكن لا عجب شنشنة أعرفها من أخزم فكم نقلوا عن الشيعة مثل هذا النقل الكاذب كما في كتاب الملل للشهرستاني و مقدمة ابن خلدون و غير ذلك مما كتبه بعض‏ الناس في هذه السنين و الله المستعان- انتهى.

«تحير الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن»

(اجتماعه بنفر من قريش ليبيتوا ضد النبي صلى الله عليه و آله، و اتفاق قريش أن يصفوا الرسول صلى الله عليه و آله بالساحر و ما أنزل الله فيهم) كيف يحكم عاقل عارف بأنحاء الكلام أن تلك الأباطيل و الأضاليل وحى أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و تحدى عباد الله بالإتيان بمثله، و قد بهت العرب العرباء في نظم القرآن الكريم و تحير فصحاء العرب في بيداء فصاحته و كلت السنة بلغائهم دون علو بلاغته و عجز العالمون عن أن يتدرجوا درج معانيه أو أن يتغوصوا في بحر حقائقه، و هذا هو الخصم المبين الوليد بن المغيرة مع أنه نشأ في حجر العرب العرباء تحير فيما يصف به القرآن، قال ابن هشام في السيرة (ص 270 ج 1 طبع مصر 1375 ه- 1955 م):

إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش و كان ذا سن فيهم و قد حضر الموسم فقال لهم: يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم و إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه و قد سمعوا بأمر صاحبكم هذا- يعني به رسول الله صلى الله عليه و آله- فأجمعوا فيه رأيا واحدا و لا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا و يرد قولكم بعضه بعضا، قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس فقل و أقم لنا رأيا نقول به قال: بل أنتم فقولوا اسمع قالوا: نقول:

كاهن، قال: لا و الله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن و لا سجعه، قالوا: فنقول: مجنون، قال: ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون و عرفناه فما هو بخنقه و لا تخالجه و لا وسوسته، قالوا: فنقول: شاعر، قال: ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله: رجزه و هزجه و قريضه و مقبوضه و مبسوطه فما هو بالشعر، قالوا:فنقول: ساحر، قال: ما هو بساحر لقد رأينا السحار و سحرهم فما هو بنفثهم و لا عقدهم، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: و الله إن لقوله لحلاوة، و إن أصله لعذق، و إن فرعه لجناة و ما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل و إن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء و أبيه و بين المرء و أخيه و بين المرء و زوجته و بين المرء و عشيرته فتفرقوا عنه بذلك فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدم الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه و ذكروا لهم أمره فأنزل الله تعالى في الوليد بن المغيرة و في ذلك من قوله: ذرني و من خلقت وحيدا و جعلت له مالا ممدودا و بنين شهودا و مهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا إنه فكر و قدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس و بسر ثم أدبر و استكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا (الايات من سورة المدثر) و أنزل الله تعالى في النفر الذين كانوا معه يصنفون القول في رسول الله صلى الله عليه و آله و فيما جاء به من الله تعالى:كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين فو ربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون‏ (الحجر- 92 إلى 95).

و إن قيل: قد وردت أخبار دالة على أن هذا القرآن المكتوب بين الدفتين المتداول الان اسقط منه آيات و كلمات فكيف ادعيت أن ما انزل على رسول الله صلى الله عليه و آله ما نقص منه حرف و ما تطرق إليه تحريف؟

أقول: إن بعض تلك الروايات مجعول بلا كلام كرواية نقلها في الاحتجاج و أتى بها الفيض في تفسير الصافى ان المنافقين أسقطوا في الاية: و إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء (النساء- 5) بين اليتامى و بين فانكحوا من الخطاب و القصص اكثر من ثلث القرآن.

و بعضها يبين مصداقا من مصاديق الاية كما في قوله تعالى: و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لا يزيد الظالمين إلا خسارا (بني إسرائيل- 84) وردت رواية: لا يزيد ظالمي آل محمد حقهم إلا خسارا.

و بعضها يشير إلى بعض التأويلات كما في قوله تعالى: و إذا قيل لهم ما ذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين‏ (النحل- 25) وردت رواية ما ذا أنزل ربكم في علي عليه السلام.

و بعضها يفسر الايات فجعل قوم هذه الأخبار دليلا على تحريف القرآن‏ و حكموا بظاهرها أن القرآن نقص منه شي‏ء و جمعها المحدث النورى في فصل الخطاب و جعلها دليلا على تحريف الكتاب و اتبعه الاخرون و لو لا خوف الإطالة لنقلت كل واحد من أخبار فصل الخطاب و بينت عدم دلالتها على تحريف الكتاب فإن أخباره بعضها مجعول بلا ريب و بعضها مشوب سنده بالعيب و بعضها الاخر يبين التأويل و بعضها يفسر التنزيل و يضاد طائفة منها اخرى و بعضها منقول من كتاب دبستان المذاهب لم ينقل في كتب الحديث أصلا كما أن المحدث النورى صرح به أيضا. و بالجملة أن تلك الأخبار المنقولة في فصل الخطاب و غيره الواردة في ذلك الباب آحاد لا يعارض القرآن المتواتر المصون من عهد النبي صلى الله عليه و آله إلى الان فإن وجد لها وجه لا ينافي القرآن و إلا فتضرب على الجدار.

«جرى على المحدث النورى ما جرى على ابن شنبوذ»

ثم إن هذا المحدث الجليل و الحبر النبيل صاحب مستدرك الوسائل و مؤلف كثير من الرسائل جزاه الله عن الاسلام و المسلمين خير جزاء عدل عن مذهب التحريف السخيف و لا يخفى أن الجواد قد يكبو و السيف قد ينبو و جرى عليه «ره» ما جرى على ابن شنبوذ قال ابن النديم في الفن الثالث من المقالة الأولى من الفهرست: محمد بن أحمد بن أيوب بن شنبوذ كان يناوى‏ء أبا بكر و لا يفسده و قرأ: إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله، و قرأ: و كان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا، و قرأ: اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية، و قرأ فلما خر تبينت الناس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين- إلى أن قال بعد نقل عدة قراءاته: و يقال: إنه اعترف بذلك كله ثم استتيب و اخذ خطه بالتوبة فكتب: يقول محمد بن أحمد بن أيوب: قد كنت أقرء حروفا تخالف عثمان المجمع عليه و الذي اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله على قراءته ثم بان لي أن ذلك خطأ و أنا منه تائب و عنه مقلع و إلى الله جل اسمه منه برى‏ء إذ كان مصحف عثمان هو الحق الذى لا يجوز خلافه و لا يقرأ غيره.

«الله حافظ كتابه و متم نوره»

و مما تطمئن به القلوب و يزيدها إيمانا في عدم تحريف القرآن هو أن الله تعالى ضمن حفاظة كتابه و تعهد إعلاء ذكره و وعد اتمام نوره و من أصدق من الله حديثا و وعدا و دونك الاى القرآنية في ذلك:قال تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون‏ (الحجر- 11) ففي الاية تاكيدات عديدة من الجملة الاسمية و الضمائر الأربعة الراجعة إليه تعالى و تكرار إن المؤكدة و لام التأكيد في خبر إن الثانية و اسمية خبرهما و تقديم الجار و المجرور على متعلقه. و المراد بالذكر هو القرآن الكريم لأنه تعالى قال: و قالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ما ننزل الملائكة إلا بالحق و ما كانوا إذا منظرين إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون‏ فلا يكون المراد من الذكر إلا القرآن فكيف لم يحفظ القرآن من التحريف زيادة و نقصانا.

و قال عز من قائل: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم و إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (فصلت- 43 و 44) و قال تعالى: يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم و الله متم نوره و لو كره الكافرون‏ (الصف- 10) و قال تعالى: يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون‏ (التوبة- 34) و المراد من النور القرآن الكريم كما قال تعالى: يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم و أنزلنا إليكم نورا مبينا (النساء- 175) و كما قال: فالذين آمنوا به و عزروه و نصروه و اتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون‏ (الأعراف- 158).

و قال تعالى: إن علينا جمعه و قرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه‏ (القيمة- 18- 20) ثم إن القرآن هو المعجزة الباقية من رسول الله صلى الله عليه و آله بل في الحقيقة كل سورة منه معجزة على حيالها فهو مأئة و أربع عشر معجزة و انزله الله تعالى هداية لكافة العباد إلى يوم التناد فكيف لا يصونه من تحريف أهل العناد قال تعالى: و أوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به و من بلغ‏ (الأنعام- 21)، و قال تعالى: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (الفرقان- 2): و قال تعالى:و هذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه و لتنذر أم القرى و من حولها (الانعام- 93) و غيرها.

«من نسب إلى الامامية القول بتحريف القرآن أنه» «كان أكثر أو أقل مما بين الدفتين فهو كاذب»

و من تتبع أسفار المحققين من العلماء الإمامية يعلم أن من عزى اليهم القول بتغيير القرآن زيادة و نقصا فقد افترى عليهم قال العالم الخبير الإمامي القاضي نور الله التسترى نور الله مرقده في مصائب النواصب: ما نسب إلى الشيعة الإمامية بوقوع التغيير في القرآن ليس مما قال به جمهور الإمامية إنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم في ما بينهم.

و الشيخ الأجل أبو جعفر ابن بابويه الصدوق رحمه الله المتوفى 381 ه قال في الاعتقادات: باب الاعتقاد في مبلغ القرآن: اعتقادنا أن القرآن الذى أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه و آله هو ما بين الدفتين و هو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك و مبلغ سوره عند الناس مأئة و أربع عشر سورة و من نسب الينا أنا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كاذب.

و شيخ الطائفة الإمامية أبو جعفر الطوسي المتوفى 460 ه قال في أول تفسيره التبيان: اعلم أن القرآن معجزة عظيمة على صدق النبي صلى الله عليه و آله بل هو أكبر المعجزات و أما الكلام في زيادته و نقصانه فمما لا يليق به لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانه و النقصان منه فالظاهر من مذاهب المسلمين خلافه و هو أليق بالصحيح من مذهبنا- إلخ.

و امين الاسلام المفسر العظيم الشأن أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المتوفي 548 ه قال في الفن الخامس من مقدمة تفسيره مجمع البيان:

و من ذلك الكلام في زيادته و نقصانه فانه لا يليق بالتفسير فأما الزيادة فيه فجمع على بطلانه و أما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا و قوم من حشوية العامة أن‏ في القرآن تغييرا و نقصانا و الصحيح من مذهبنا خلافه.

و العلامة حسن بن يوسف بن المطهر الحلي المتوفي 726 ه قال في النهاية:إن النبي صلى الله عليه و آله كان مكلفا بإشاعة ما نزل عليه من القرآن إلى عدد التواتر ليحصل القطع بنبوته في أنه المعجزة له و حينئذ لا يمكن التوافق على نقل ما سمعوه منه- إلى أن قال: فإنه المعجزة الدالة على صدقه فلو لم يبلغه إلى حد التواتر انقطعت معجزته فلا يبقى هناك حجة على نبوته- إلخ.

و العالم الجليل بهاء الدين العاملي المتوفى 1031 ه قال: في الزبدة:القرآن متواتر لتوفر الدواعي على نقله. و المنقول عنه في تفسير آلاء الرحمان انه (ره) قال: اختلف الأصحاب في ترتيب سور القرآن العظيم و آياتها على ما هو عليه الان فزعم جمع منهم أن ذلك وقع من الصحابة بعد النبي صلى الله عليه و آله و كانت الايات غير مرتبة على ما هي عليه الان في زمانه و لم يكن السورة متحققة في ذلك الوقت و كذا لم يكن ترتيب السور على النهج الذي كانت عليه الان في ذلك الزمان، و هذا الزعم سخيف و الحق ترتيب الايات و حصول السور كان في زمانه إلى أن قال: و اختلفوا في وقوع الزيادة و النقصان فيه و الصحيح أن القرآن العظيم محفوظ عن ذلك الوقوع زيادة كان أو نقصانا و يدل عليه قوله تعالى‏ و إنا له لحافظون* و ما اشتهر بين الناس من اسقاط اسم أمير المؤمنين عليه السلام منه في بعض المواضع مثل قوله تعالى‏ بلغ ما أنزل إليك‏ في على- و غير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء.

«كلام السيد الاجل ذى المجدين محيى آثار الأئمة على بن الحسين» «علم الهدى قدس سره المتوفى 436 ه في عدم تغيير القرآن» «من الزيادة و النقصان»

نقل عنه الطبرسي في الفن الخامس من تفسيره مجمع البيان قال الطبرسي: فقد روى جماعة من أصحابنا و قوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييرا و نقصانا و الصحيح من مذهب أصحابنا خلافه و هو الذي نصره المرتضى قدس الله روحه و استوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات و ذكر في مواضع أن‏ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان و الحوادث الكبار و الوقائع العظام و الكتب المشهورة و أشعار العرب المسطورة فإن العناية اشتدت و الدواعي توفرت على نقله و حراسته و بلغت إلى حد لم يبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة و مأخذ العلوم الشرعية و الأحكام الدينية، و علماء المسلمين قد بلغوا في حفظه و حمايته الغاية حتى عرفوا كل شي‏ء اختلف فيه من إعرابه و قراءته و حروفه و آياته فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة و الضبط الشديد؛ قال:و قال أيضا:إن العلم بتفصيل القرآن و أبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته و جرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه و المزني فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمونه من جملتهما حتى لو أن مدخلا أدخل في كتاب سيبويه بابا في النحو ليس من الكتاب لعرف و ميز و علم أنه ملحق و ليس من أصل الكتاب و كذلك القول في كتاب المزني، و معلوم أن العناية بنقل القرآن و ضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه و دواوين الشعراء، قال: و ذكر أيضا رضى الله عنه:

أن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الان و استدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس و يحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له و أنه كان يعرض على النبي صلى الله عليه و آله و يتلى عليه و أن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود و أبي بن كعب و غيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه و آله عدة ختمات و كل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير مبتور و لا مبثوث؛ قال: و ذكر:أن من خالف في ذلك من الإمامية و الحشوية لا يعتد بخلافهم فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته. انتهى ما أردنا من نقل كلامه أعلى الله مقامه.

و كذا صرح غير واحد من سائر علمائنا الإمامية كالمحقق الكركي، و كاشف الغطاء، و الشيخ الحر العاملي، و الشيخ بهاء الدين، و الفاضل التوني صاحب الوافية، و السيد المجاهد و المحقق القمي قال و جمهور المجتهدين على عدم التحريف، و المحققين من علمائنا المعاصرين متع الله المسلمين بطول بقائهم على عدم التحريف و التغيير زيادة و نقصانا.

«فذلكة البحث»

فحصل من جميع ما قدمناه أن تركيب السور من الايات و ترتيب السور أيضا كان بأمر النبي صلى الله عليه و آله و أن بسم الله الرحمن الرحيم نزلت مع كل سورة ما عدا توبة؛ و انه جزء كل سورة و آية من آيها كما أنها جزء من سورة النمل؛ و أن القرآن المكتوب بين الدفتين هو الذي نزله الله على رسوله الخاتم صلى الله عليه و آله ما زيد فيه حرف و لا نقص منه شي‏ء؛ و أن عثمان ما حرف القرآن و لا أخذ منه و لا زاد فيه شيئا بل غرضه من ذلك جمع الناس على قراءة واحدة و إياك أن تظن أنه أحرق المصحف الصحيح و ابقى الباطل و المحرف و المغير نعوذ بالله؛ و أن اعتراض علم الهدى و عيره عليه ليس إلا من جهة منعه القراءات الأخر لا إحراقه المصحف الصحيح و تبديله كلام الله المجيد، و أن القراءات السبع متواتر لا يقرأ القرآن بغيرها من الشواذ، و أن رسم خط القرآن سماعى لا يقاس بالنحو و رسم الخط المتداول فيجب ابقاء رسمه على ما كتبت على الكتبة الأولى، و أن من عزى إلى الإمامية تحريفه فهو كاذب، و أن الله حافظ كتابه و متمم نوره.

و ما أجاد و أحسن و أحلى نظم العارف الرومي في المقام قال في المجلد الثالث من كتابه المثنوى:

مصطفى را وعده كرد ألطاف حق‏ گر بميرى تو نميرد اين سبق‏
من كتاب و معجز ترا خافضم‏[3] بيش و كم كن راز قرآن رافضم‏
من تو را اندر دو عالم رافعم‏ طاغيان را از حديثت دافعم‏
كس نتاند بيش و كم كردن در او تو به از من حافظى ديگر مجو
رونقت را روز روز افزون كنم‏ نام تو بر زر و بر نقره زنم‏
منبر و محراب سازم بهر تو در محبت قهر من شد قهر تو
نام تو از ترس پنهان مى‏برند چون نماز آرند پنهان بگذرند[4] خفيه مى‏گويند نامت را كنون‏
خفيه هم بانگ نماز اى ذو فنون‏ از هراس و ترس كفار لعين‏
دينت پنهان مى‏شود زير زمين‏ من مناره بر كنم آفاق را
كور گردانم دو چشم عاق را چاكرانت شهرها گيرنده و جاه‏
دين تو گيرد ز ماهى تا بماه‏ تا قيامت باقيش داريم ما
تو مترس از نسخ دين اى مصطفى‏ اى رسول ما تو جادو نيستى‏
صادقى هم خرقه موسيستى‏ هست قرآن مر تو را هم چون عصا
كفرها را در كشد چون اژدها گر جهان فرعون گيرد شرق و غرب‏
سرنگون آيد خدا را گاه حرب‏ تو اگر در زير خاكى خفته‏اى‏
چون عصايش دان تو آنچه گفته‏اى‏ گر چه باشى خفته تو در زير خاك‏
چون عصا آگه بود آن گفت پاك‏ قاصدان را بر عصايت دست نى‏
تو بخسب اى شه مبارك خفتنى‏ تن بخفته نور جان در آسمان‏
بهر پيكار تو زه كرده كمان‏ فلسفى و آنچه پوزش ميكند
قوس نورت تير دوزش ميكند چون كه چوپان خفت گرگ ايمن شود
چون كه خفت آن جهد او ساكن شود ليك حيوانى كه چوپانش خدا است‏
گرگ را آنجا اميدوره كجا است‏

و إنما اتسع نطاق الكلام في هذا البحث لما رأينا شدة عناية الناس به‏ و كثرة حاجتهم إلى ايراد البرهان و ايضاح الحق في ذلك على أنا نرى كثيرا من الوعاظ على المنابر و في المجالس يتمسكون من غير روية و طوية بطائفة من الأخبار على تحريف الكتاب و يقولون كيت و كيت و الناس يتلقونه منهم على القبول فأحببت أن اقدم تلك المباحث الشريفة في هذا المقام المناسب لها فلعلها تنفع من أراد أن يتذكر و يسلك سبيل الهدى و مع ذلك لو لا خوف الإطناب لأحببت أن أذكر جميع الأخبار و الأقوال الواردة مما تمسكوا بها على تحريف الكتاب و إن كان ما ذكرناه كافيا لمن أخذت الفطانة بيده و لعلنا نؤلف في ذلك رسالة عليحدة تكون اعم فائدة و الله تعالى ولي التوفيق فقد آن أن نرجع إلى ما كنا فيه.

24- و من ذلك أنه حمى الحمى عن المسلمين‏ مع أن رسول الله صلى الله عليه و آله جعلهم سواء في الماء و الكلاء.

قال القاضي عبد الجبار في المغني: و أما ما ذكروه من أنه حمى الحمى عن المسلمين فجوابه أنه لم يحم الكلاء لنفسه و إلا استأثر به لكنه حماه لإبل الصدقة التي منفعتها تعود على المسلمين و قد روى عنه هذا الكلام بعينه، و أنه قال: إنما فعلت ذلك لإبل الصدقة و قد أطلقته الان و أنا أستغفر الله و ليس في الاعتذار ما يزيد على ذلك.

«اعتراض الشريف المرتضى عليه»

اعترض عليه علم الهدى في الشافي فقال: فأما اعتذاره في الحمى بأنه حماه لإبل الصدقة التي منفعتها تعود على المسلمين و أنه استغفر منه و اعتذر، فالمروى أولا بخلاف ما ذكره لأن الواقدي روى بإسناده قال: كان عثمان يحمى الربذة و الشرف و النقيع فكان لا يدخل في الحمى بعير له و لا فرس و لا لبني امية حتى كان آخر الزمان فكان يحمى الشرف لإبله و كانت الف بعير و لإبل الحكم، و كان يحمى الربذة لإبل الصدقة و يحمى النقيع لخيل المسلمين و خيله و خيل بني امية،على أنه لو كان حماه لإبل الصدقة لم يكن بذلك مصيبا لأن الله تعالى و رسوله صلى الله عليه و آله أحلا الكلاء و أباحاه و جعلاه مشتركا فليس لأحد أن يغير هذه الإباحة، و لو كان في هذا الفعل مصيبا و إنما حماه لمصلحة تعود على المسلمين لما جاز أن يستغفر منه و يعتذر لأن الاعتذار إنما يكون من الخطاء دون الصواب.

25- و من ذلك أنه أعطى من بيت مال الصدقة المقاتلة و غيرها و ذلك مما لا يحل في الدين.

و اعتذر القاضي في المغني بقوله: فأما ما ذكروه من إعطائه من بيت مال الصدقة المقاتلة فلو صح فانما فعل ذلك لعلمه بحاجة المقاتلة إليه و استغناء أهل الصدقات على طريق الاقتراض، و قد روى عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنه كان يفعل مثل ذلك سرا و للإمام في مثل هذه الأمور أن يفعل ما جرى هذا المجرى لأن عند الحاجة ربما يجوز له أن يقترض من الناس فبأن يجوز أن يتناول من مال في يده ليرده من المال الاخر اولى.

و اعترض عليه علم الهدى في الشافي بقوله: فأما اعتذاره من اعطائه المقاتلة من بيت مال الصدقة بأن ذلك إنما جاز لعلمه بحاجة المقاتلة إليه و استغناء أهل الصدقة عنه و أن الرسول صلى الله عليه و آله فعل مثله، فليس بشي‏ء لأن المال الذي جعل الله له جهة مخصوصة لا يجوز أن يعدل عن جهته بالاجتهاد و لو كانت المصلحة في ذلك موقوفة على الحاجة لشرطها الله تعالى في هذا الحكم لأنه تعالى أعلم بالمصالح و اختلافها منا و لكان لا يجعل لأهل الصدقة منها القسط مطلقا.

فأما قوله: إن الرسول صلى الله عليه و آله فعله فهو دعوى مجردة من غير برهان و قد كان يجب أن يروى ما ذكر في ذلك.

فأما ما ذكره من الاقتراض فاين كان عثمان عن هذا العذر لما وقف عليه.

26- و من ذلك ما فعل بأبي ذر رحمه الله تعالى‏ .

و اعلم أن جلالة شأن أبي ذر و فخامة أمره و علو درجته و مكانته في الاسلام فوق أن يحوم حوله العبارة أو أن‏ يحتاج إلى بيان و كلام، فقد روى الفريقان في سمو رتبته و حسن اسلامه ما لا يسع هذه العجالة.

قال في اسد الغابة: اختلف في اسمه اختلافا كثيرا و قول الأكثر و هو أصح ما قيل فيه: جندب بالجيم المضمومة و النون الساكنة و الدال المهملة المفتوحة ابن جنادة بضم الجيم أيضا. كان من كبار الصحابة و فضلائهم قديم الإسلام يقال: أسلم بعد أربعة و كان خامسا و هو أول من حيى رسول الله صلى الله عليه و آله بتحية الإسلام و قال رسول الله صلى الله عليه و آله فيه: ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر و في عبارة اخرى: على ذي لهجة أصدق من أبي ذر و سئل جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام عن هذا الخبر فصدقه.

و في اسد الغابة أن النبي صلى الله عليه و آله قال: أبو ذر في امتي على زهد عيسى بن مريم.

و أن عليا عليه السلام قال: وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه ثم أوكأ عليه فلم يخرج منه شيئا. و كان آدم طويلا عظيما أبيض الرأس و اللحية.

«نفى عثمان أبا ذر من المدينة إلى الربذة و وفاته فيها» «و ذكر السبب في ذلك»

في الشافي للشريف المرتضى علم الهدى: قد روى جميع أهل السيرة على اختلاف طرقهم و أسانيدهم أن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم ما أعطاه و اعطى الحرث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمأة ألف درهم و أعطى زيد بن ثابت مأئة ألف درهم، جعل أبو ذر يقول: بشر الكافرين بعذاب أليم و يتلو قوله تعالى: و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم‏ فرفع ذلك مروان إلى عثمان فأرسل إلى أبي ذر نائلا مولاه أن انته عما يبلغني عنك فقال:أ ينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله تعالى و عيب من ترك أمر الله فو الله لأن أرضى الله بسخط عثمان أحب إلى و خير من أن أرضى عثمان بسخط الله، فاغضب عثمان ذلك و احفظه و تصابر.

و فيه و في مروج الذهب: أن أبا ذر حضر مجلس عثمان ذات يوم فقال عثمان:أرأيتم من زكى ماله هل فيه حق لغيره؟ فقال كعب الأحبار: لا يا أمير المؤمنين‏ فدفع أبو ذر في صدر كعب و قال له: كذبت يا ابن اليهودي ثم تلا ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب‏ الاية. فقال عثمان: أ يجوز للإمام أن يأخذ مالا من بيت مال المسلمين فينفقه فيما ينوبه من اموره فاذا أيسر قضاه؟

فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في صدر كعب و قال:يا ابن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا فقال له عثمان: ما أكثر أذاك لي و تولعك بأصحابي غيب وجهك عني فقد آذيتني، الحق بالشام فأخرجه إليها.

و كان معاوية يومئذ عامل عثمان بالشام و كان أبو ذر ينكر على معاوية اشياء يفعلها فبعث إليه معاوية ثلاثمأة دينار، فقال أبو ذر: إن كانت من عطائى الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها و إن كانت صلة فلا حاجة لي فيها و ردها عليه.

و بنى معاوية الخضراء بدمشق فقال أبو ذر: يا معاوية إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامى هذا قبلتها و إن كان من مالك فهى الإسراف.

و كان أبو ذر رحمه الله يقول: و الله لقد حدثت أعمال ما أعرفها و الله ما هى في كتاب الله و لا سنة نبيه و الله إنى لأرى حقا يطفأ و باطلا يحيى و صادقا مكذبا و اثرة بغير تقى و صالحا مستأثرا عليه. فقال حبيب بن مسلمة القهرى لمعاوية: ان أبا ذر لمفسد عليكم الشام فتدارك أهله إن كانت لكم فيه حاجة فكتب معاوية إلى عثمان أن أبا ذر تجتمع إليه الجموع و لا آمن أن يفسدهم عليك فان كان لك في القوم حاجة فاحمله إليك.

فكتب إليه عثمان: أما بعد فاحمل جندبا إلى على أغلط مركب و أوعره.

فوجه به مع من ساربه الليل و النهار و حمل على شارف ليس عليها إلا قتب حتى قدم المدينة و قد سقط لحم فخذيه من الجهد. و قال المسعودي: فحمله على بعير عليه قتب يابس معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتى أتوا به المدينة قد تسلخت بواطن أفخاذه و كان أن يتلف فقيل له: إنك تموت من ذلك، فقال: هيهات لن أموت حتى أنفى و ذكر جوامع ما نزل به بعد و من يتولى دفنه.

و في الشافي: فلما قدم أبو ذر المدينة بعث إليه عثمان بأن الحق بأي أرض‏

شئت فقال: بمكة قال: لا، قال: فببيت المقدس، قال: لا، قال: فبأحد المصرين، قال: لا و لكنى مسيرك إلى الربذة فسيره إليها: فلم يزل بها حتى مات رحمه الله تعالى.

و في رواية الواقدي أن أبا ذر لما دخل على عثمان فقال له: لا أنعم الله عينا يا جنيدب فقال أبو ذر: أنا جندب و سماني رسول الله صلى الله عليه و آله عبد الله فاخترت اسم رسول الله الذي سماني به على اسمى، فقال له عثمان: أنت الذي تزعم أنا نقول إن يد الله مغلولة إن الله فقير و نحن أغنياء؟ فقال أبو ذر: و لو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مال الله على عباده و لكنى أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا و عباد الله خولا و دين الله دخلا ثم يريح الله العباد منهم. فقال عثمان لمن حضره: أسمعتموها من نبي الله؟ فقالوا: ما سمعناه، فقال عثمان: ويلك يا أبا ذر أتكذب على رسول الله صلى الله عليه و آله؟

فقال أبو ذر لمن حضره: أما تظنون أني صدقت؟ فقال عثمان: ادعوا لي عليا عليه السلام، فلما جاء قال عثمان لأبي ذر: اقصص عليه حديثك في بني أبي العاص فحدثه، فقال عثمان لعلي عليه السلام: هل سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و آله؟ فقال علي عليه السلام لا، و قد صدق أبو ذر، فقال عثمان: كيف عرفت صدقه؟ قال: لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر فقال من حضر من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله جميعا: صدق أبو ذر. فقال أبو ذر: أ حدثكم أني سمعته من رسول الله صلى الله عليه و آله ثم تتهموني ما كنت أظن أني أعيش حتى أسمع هذا من أصحاب محمد صلى الله عليه و آله.

و روى الواقدي في خبر آخر باسناده عن صهبان مولى الأسلميين قال: رأيت أبا ذر يوم دخل به على عثمان فقال له: أنت الذي فعلت و فعلت. قال أبو ذر:

إني نصحتك فاستغششتني و نصحت صاحبك فاستغشني. فقال عثمان: كذبت و لكنك تريد الفتنة و تحبها قد قلبت الشام علينا. فقال أبو ذر: اتبع سنة صاحبيك لا يكون لأحد عليك كلام فقال له عثمان: ما لك و لذلك لا ام لك؟ فقال أبو ذر: و الله ما وجدت لي عذرا إلا الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، فغضب عثمان فقال: أشيروا

على في هذا الشيخ الكذاب: إما أن أضربه أو أحبسه أو أقتله فانه قد فرق جماعة المسلمين أو أنفيه من الأرض، فتكلم علي عليه السلام و كان حاضرا فقال: اشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون‏ و إن يك كاذبا فعليه كذبه و إن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب‏ فأجابه عثمان بجواب غليظ لم احب أن أذكره و أجابه علي عليه السلام بمثله.

ثم أمر أن يؤتى به فلما أتى به وقف بين يديه قال: ويحك يا عثمان أما رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله و رأيت أبا بكر و عمر هل رأيت هذا هديهم (هل هديك كهديهم؟ خ ل) إنك تبطش بي بطش جبار فقال: اخرج عنا من بلادنا فقال أبو ذر: فما أبغض إلى جوارك قال: فالى أين أخرج؟ قال: حيث شئت. قال: أ فأخرج إلى الشام أرض الجهاد؟ فقال: إنما جليتك من الشام لما قد أفسدتها، أ فأردك إليها؟ قال:

أ فأخرج إلى العراق؟ قال: لا. قال: و لم؟ قال: تقدم على قوم أهل شبهة و طعن على الأئمة. قال: أ فأخرج إلى مصر؟ قال: لا. قال: أين أخرج؟ قال:

حيث شئت. فقال أبو ذر: هو أيضا التعرب بعد الهجرة أخرج إلى نجد؟ فقال عثمان:الشرف الشرف الأبعد أقصى فأقصى. فقال أبو ذر: قد أبيت ذلك على. قال: امض على وجهك هذا و لا تعدون الربذة فخرج إليها.

قال المسعودي- بعد ذكر جلوسه لدى عثمان و ذكر الخبر في ولد أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين، الخبر- قال: و كان في ذلك اليوم قد اتى عثمان بتركة عبد الرحمن بن عوف الزهرى من المال فنضت البدر حتى حالت بين عثمان و بين الرجل القائم فقال عثمان: إني لأرجو لعبد الرحمن خيرا لأنه كان يتصدق و يقرى الضيف و ترك ما ترون، فقال كعب الأحبار: صدقت يا أمير المؤمنين، فشال أبو ذر العصا فضرب بها رأس كعب و لم يشغله ما كان فيه من الألم و قال: يا ابن اليهودي تقول لرجل مات و ترك هذا المال إن الله أعطاه خير الدنيا و خير الاخرة و تقطع على الله بذلك؟ و أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: ما يسرني أن أموت و أدع ما يزن قيراطا، فقال له عثمان: وار عني وجهك، فقال: أسير إلى مكة. قال: لا و الله. قال فتمنعني:من بيت ربي أعبده فيه حتى أموت؟ قال: إى و الله قال: فالى الشام. قال: لا و الله، قال:

البصرة قال: لا و الله، فاختر غير هذه البلدان، قال: لا و الله ما أختار غير ما ذكرت لك و لو تركتني في دار هجرتي ما أردت شيئا من البلدان فسيرني حيث شئت من البلاد.

قال: فاني مسيرك إلى الربذة. قال: الله اكبر صدق رسول الله صلى الله عليه و آله قد أخبرني بكل ما أنا لاق. قال عثمان: و ما قال لك؟ قال: أخبرني بأني امنع عن مكة و المدينة و أموت بالربذة و يتولى مواراتي نفر ممن يردون من العراق نحو الحجاز.

و بعث أبو ذر إلى جمل له فحمل عليه امرأته و قيل ابنته و أمر عثمان أن يتجافاه الناس حتى يسير إلى الربذة.

«كلام أمير المؤمنين على (ع) و الحسنين و عقيل لابي ذر رحمه الله» «لما أخرجه عثمان إلى الربذة و كلام أبى ذر ره»

قد مضى كلامه عليه السلام لأبي ذر رحمه الله تعالى لما اخرج إلى الربذة «الرقم- 130- من باب المختار من الخطب» و هو: يا أبا ذر إنك غضبت لله فارج من غضبت له إن القوم خافوك على دنياهم و خفتهم على دينك. إلى آخره.

قال الشارح المعتزلي في شرح كلامه عليه السلام هذا و قريبا منه المسعودى في مروج الذهب: واقعة أبي ذر و إخراجه إلى الربذة أحد الأحداث التى نقمت على عثمان.

و قد روى هذا الكلام أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهرى في كتاب السقيفة عن عبد الرزاق عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما اخرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس أن لا يكلم أحد أبا ذر و لا يشيعه و أمر مروان بن الحكم أن يخرج به فخرج به و تحاماه الناس إلا علي بن أبي طالب عليه السلام و عقيلا أخاه و حسنا و حسينا و عمارا فانهم خرجوا معه يشيعونه، فجعل الحسن عليه السلام يكلم أبا ذر فقال له مروان: إيها يا حسن! ألا تعلم أن أمير المؤمنين قد نهى عن كلام هذا

الرجل فان كنت لا تعلم فاعلم ذلك، فحمل علي عليه السلام على مروان فضرب بالسوط بين اذنى راحلته و قال: تنح نحاك الله إلى النار فرجع مروان مغضبا إلى عثمان فأخبره الخبر فتلظى على علي عليه السلام و وقف أبو ذر فودعه القوم و معه ذكوان مولى ام هانى بنت أبى طالب.

قال ذكوان: فحفظت كلام القوم و كان حافظا فقال على عليه السلام:يا با ذر! إنك غضبت لله إن القوم خافوك على دنياهم و خفتهم على دينك فامتحنوك بالقلى و نفوك إلى الفلا و الله لو كانت السماوات و الأرض على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل له منها مخرجا، يا با ذر! لا يونسنك إلا الحق و لا يوحشنك إلا الباطل.

ثم قال عليه السلام لأصحابه: ودعوا عمكم، و قال لعقيل: ودع أخاك فتكلم عقيل فقال: ما عسى أن نقول يا با ذر أنت تعلم أنا نحبك و أنت تحبنا فاتق الله فان التقوى نجاة و اصبر فان الصبر كرم و اعلم أن استثقا لك الصبر من الجزع و استبطائك العافية من اليأس فدع اليأس و الجزع.

ثم تكلم الحسن عليه السلام فقال: يا عماه لو لا أنه لا ينبغي للمودع أن يسكت و للمشيع أن ينصرف لقصر الكلام و إن طال الأسف و قد أتى القوم إليك ما ترى فضع عنك الدنيا بتذكر فراقها و شدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها و اصبر حتى تلقى نبيك صلى الله عليه و آله و هو عنك راض.

ثم تكلم الحسين عليه السلام فقال: يا عماه إن الله تعالى قادر أن يغير ما قد ترى و الله كل يوم هو في شأن و قد منعك القوم دنياهم و منعتهم دينك فما أغناك عما منعوك و أحوجهم إلى ما منعتهم فاسأل الله الصبر و النصر و استعذ به من الجشع و الجزع فإن الصبر من الدين و الكرم و إن الجشع لا يقدم رزقا و الجزع لا يؤخر أجلا.

ثم تكلم عمار رحمه الله مغضبا فقال: لا آنس الله من أوحشك و لا آمن من أخافك أما و الله لو أردت دنياهم لامنوك و لو رضيت أعمالهم لأحبوك و ما منع الناس أن يقولوا بقولك إلا الرضا بالدنيا و الجزع من الموت و مالوا إلى ما سلطان جماعتهم‏ عليه و الملك لمن غلب، فوهبوا لهم دينهم و منحهم القوم ديناهم فخسروا الدنيا و الاخرة ألا ذلك هو الخسران المبين. فبكى أبو ذر رحمه الله و كان شيخا كبيرا و قال: رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله صلى الله عليه و آله ما لى بالمدينة سكن و لا شجن غيركم إنى ثقلت على عثمان بالحجاز كما ثقلت على معاوية بالشام و كره أن اجاور أخاه و ابن خاله بالمصرين فافسد الناس عليهما فسيرني إلى بلد ليس لي به ناصر و لا دافع إلا الله، و الله ما اريد إلا الله صاحبا و ما أخشى مع الله وحشة.

فشكى مروان إلى عثمان ما فعل به علي بن أبي طالب فقال عثمان: يا معشر المسلمين من يعذرني من على رد رسولي عما وجهته له و فعل كذا و الله لنعطينه حقه.

فلما رجع علي عليه السلام استقبله الناس فقالوا: إن أمير المؤمنين عليك غضبان لتشييعك أبا ذر. فقال على: غضب الخيل على اللجم، ثم جاء فلما كان بالعشى جاء إلى عثمان فقال له: ما حملك على ما صنعت بمروان و اجترأت على و رددت رسولي و أمرى؟ قال: أما مروان فانه استقبلني يردني فرددته عن ردى و أما أمرك فلم اصغره.

قال: أو ما بلغك نهيى عن كلام أبي ذر؟ قال: أو ما كلما أمرت بأمر معصية أطعناك فيه؟ قال عثمان: أقد مروان من نفسك، قال: و ما أقيده؟ قال: ضربت بين اذني راحلته، قال على: أما راحلتى فهى تلك فإن أراد أن يضربها كما ضربت راحلته فليفعل، و أما شتمه إياى فو الله لا يشتمني شتمة إلا شتمتك مثلها بما لا أكذب فيه و لا أقول إلا حقا، فغضب عثمان و قال: و لم لا يشتمك إذا شتمته؟ فو الله ما أنت عندى بأفضل منه. فغضب علي بن أبي طالب عليه السلام و قال: ألي تقول هذا القول و بمروان تعدلني؟ فأنا و الله أفضل منك و أبي أفضل من أبيك و امي أفضل من امك و هذه نبلى قد نثلتها و هلم فاقبل بنبلك فغضب عثمان و احمر وجهه فقام و دخل داره و انصرف علي عليه السلام فاجتمع إليه أهل بيته و رجال من المهاجرين و الأنصار.

فلما كان من الغد أرسل عثمان إلى وجوه المهاجرين و الأنصار و إلى بني امية يشكو اليهم عليا عليه السلام و قال: إنه يعيبني و يظاهر من يعيبني- يريد بذلك أبا ذر و عمار ابن ياسر و غيرهما- فقال القوم: أنت الوالي عليه و إصلاحه أجمل، قال: وددت ذاك. فأتوا عليا عليه السلام فقالوا: لو اعتذرت إلى مروان و أتيته، فقال: كلا أمروان فلا آتيه و لا أعتذر منه و لكن إن أحب عثمان آتيته. فرجعوا إلى عثمان فأخبروه فأرسل عثمان إليه فأتاه و معه بنو هاشم فتكلم علي عليه السلام فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

أما ما وجدت على فيه من كلام أبي ذر و وداعه فو الله ما أردت مسائتك و لا الخلاف عليك و لكن أردت به قضاء حقه، و أما مروان فإنه اعترض يريد ردى عن قضاء حق الله عز و جل فرددته رد مثلي مثله، و أما ما كان مني إليك فإنك أغضبتني فأخرج الغضب منى ما لم أرده.

فتكلم عثمان فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: أما ما كان منك إلى فقد وهبته لك، و أما ما كان منك إلى مروان فقد عفى الله عنك، و أما ما حلفت عليه فأنت البر الصادق فادن يدك فأخذ يده فضمها إلى صدره. فلما نهض قالت قريش و بنو امية لمروان: أ أنت رجل جبهك على و ضرب راحلتك و قد تفانت وائل في ضرع ناقة و ذبيان و عبس في لطمة فرس و الأوس و الخزرج في نسعة؟ أ فتحمل لعلي ما أتاه إليك؟ فقال مروان: و الله لو أردت ذلك لما قدرت عليه.

ثم قال الشارح المعتزلي: و اعلم أن الذي عليه أكثر أرباب السيرة و علماء الأخبار و النقل أن عثمان نفا أبا ذر أولا إلى الشام ثم استقدمه إلى المدينة لما شكى منه معاوية ثم نفاه من المدينة إلى الربذة لما عمل بالمدينة نظير ما كان يعمل بالشام و أصل هذه الواقعة أن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم و غيره بيوت الأموال و اختص زيد بن ثابت بشي‏ء منها جعل أبو ذر يقول بين الناس و الطرقات و الشوارع بشر الكافرين بعذاب أليم و يرفع بذلك صوته- فأتى بما نقلنا من الشافي بحذافيرها.

و روى الواقدى- كما في الشافي- عن مالك بن أبي الرجال عن موسى بن‏ ميسرة أن أبا الأسود الدؤلى قال: كنت احب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه فنزلت به الربذة فقلت له: ألا تخبرني خرجت من المدينة طائعا أو أخرجت؟

قال: أما إني كنت في ثغر من الثغور أغنى عنهم فاخرجت إلى مدينة الرسول صلى الله عليه و آله فقلت دار هجرتي و أصحابي فاخرجت منها إلى ما ترى، ثم قال: بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد إذ مر بي رسول الله صلى الله عليه و آله فضربني برجليه فقال: لا أراك نائما، فقلت: بأبي أنت و أمي غلبتني عيني فنمت فيه، فقال: كيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ فقلت: إذا ألحق بالشام فإنها أرض مقدسة و أرض بقية الإسلام و أرض الجهاد، فقال: كيف بك إذا أخرجوك منها؟ قال: فقلت: أرجع إلى المسجد، قال: كيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ قلت: آخذ سيفي فاضرب به، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: ألا أدلك على خير من ذلك انسق معهم حيث ساقوك و تسمع و تطيع فسمعت و أطعت و أنا أسمع و اطيع و الله ليلقين الله عثمان و هو آثم في جنبي. و كان يقول بالربذة: ما ترك الحق لي صديقا و كان يقول فيها: ردني عثمان بعد الهجرة أعرابيا.

أقول: في الصحاح للجوهري: تعرب بعد هجرته أى صار أعرابيا.

و في النهاية الأثيرية: التعرب بعد الهجرة هو أن يعود إلى البادية و يقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا و كان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد.

و في باب علل تحريم الكبائر من الوافى للفيض (ره) (م 3 ص 176) نقلا عن من لا يحضره الفقيه: كتب على بن موسى الرضا عليه السلام إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله- إلى أن قال عليه السلام: و حرم الله التعرب بعد الهجرة للرجوع عن الدين و ترك الموازرة للأنبياء و الحجج عليهم أفضل الصلوات و ما في ذلك من الفساد و إبطال حق كل ذى حق لا لعلة سكنى البدو و لذلك لو عرف الرجل الدين كاملا لم يجز له مساكنة أهل الجهل، و الخوف عليه لأنه لا يؤمن أن وقع منه ترك العلم و الدخول مع أهل الجهل و الثمادي في ذلك.

قال الفيض في بيانه: و في بعض النسخ: لعلة سكنى البدو بدون لا و هو أوضح و أوثق بما بعده، و الخوف عليه عطف على الفساد و الإبطال. انتهى، فتأمل.

«اعتذار القاضى عبد الجبار و شيخه أبى على على نفى أبى ذر» «إلى الربذة»

قال في الشافى: حكى القاضى عن شيخه أبى على في نفى أبى ذر إلى الربذة أن الناس اختلفوا في أمره فروى عنه أنه قيل لأبى ذر: أ عثمان انزلك الربذة؟

فقال: لا، بل اخترت لنفسى ذلك و روى أن معاوية كتب يشكوه و هو بالشام فكتب إليه عثمان أن صيره إلى المدينة فلما صار إليه قال: ما أخرجك إلى الشام؟ قال: لأني سمعت الرسول صلى الله عليه و آله يقول: إذا بلغت عمارة المدينة موضع كذا فاخرج عنها فلذلك خرجت، قال: فأى البلاد أحب إليك بعد الشام؟ فقال: الربذة، فقال: صر اليها و إذا تكافأت الأخبار لم يكن في ذلك لهم حجة و لو ثبت ذلك لكان لا يمتنع أن يخرج إلى الربذة لصلاح يرجع إلى الدين فلا يكون ظلما لأبى ذر بل ربما يكون إشفاقا عليه و خوفا من أن يناله من بعض أهل المدينة مكروه.

فقد روى أنه كان يغلظ في القول و يخشن في الكلام و يقول: لم يبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله على عهد و ينفر بهذا القول فرأى إخراجه أصلح لما يرجع إليهم و إليه من المصلحة و إلى الدين. و قد روى أن عمر أخرج عن المدينة نصر بن حجاج لما خاف ناحيته. قال: و ندب الله تعالى إلى خفض الجناح للمؤمنين و إلى القول اللين للكافرين و بين للرسول صلى الله عليه و آله أنه لو استعمل الفظاظة لا نفضوا من حولك فلما رأى عثمان من خشونة كلام أبى ذر و ما كان يورده مما يخشى منه التنفير فعل ما فعل.

و قد روى عن زيد بن وهب قال: قلت لأبى ذر و هو بالربذة: ما أنزلك هذا المنزل؟ قال: اخبرك أنى كنت بالشام في أيام معاوية و قد ذكرت هذه الاية الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم‏ فقال معاوية هذه في أصل الكتاب فقلت فيهم و فينا فكتب معاوية إلى عثمان في ذلك فكتب إلى أن أقدم على فقدمت عليه فانثال الناس إلى كأنهم لم يعرفوني فشكوت ذلك إلى عثمان فخيرنى و قال: إن أحببت أنزل حيث شئت فنزلت الربذة و حكى عن الخياط قريبا مما تقدم من أن خروج أبى ذر إلى الربذة كان باختياره قال: و أقل ما في ذلك أن يختلف الأخبار فتطرح و نرجع إلى الأمر الأول في صحة إمامة عثمان و سلامة أحواله.

«جواب الشريف المرتضى علم الهدى و اعتراضه»

اعترض في الشافي عليه و رد كلامه بقوله: فأما قوله «إن الأخبار مكافئة في أمر أبي ذر و إخراجه إلى الربذة و هل كان ذلك باختياره أو بغير اختياره» فمعاذ الله أن يتكافأ في ذلك بل المعروف الظاهر أنه نفاه من المدينة إلى الربذة، ثم أتى بالروايات الثلاث عن الواقدى و قوله قد روى جميع أهل السيرة على اختلاف الطرق إلى آخر ما نقلناه عنه من الشافي المذكورة آنفا ثم قال: و الأخبار في هذا الباب أكثر من أن نحصرها و أوسع من أن نذكرها أو ما تحمل نفسه على ادعا أن أبا ذر خرج مختارا إلى الربذة.

قال: و لسنا ننكر أن يكون ما أورده صاحب الكتاب من أنه خرج مختارا قد روى إلا أنه في الشاذ النادر و بازاء هذه الرواية الفذة كل الروايات التي تتضمن خلافها و من تصفح الأخبار علم أنها غير متكافئة على ما ظن صاحب الكتاب- يعني به القاضي صاحب كتاب المغني- و كيف يجوز خروجه عن تخيير و إنما اشخص من الشام على الوجه الذي اشخص عليه من خشونة المركب و قبح السير به للموجدة عليه. ثم لما قدم منع الناس من كلامه و أغلظ له في القول و كل هذا لا يشبه أن يكون أخرجه إلى الربذة باختياره. و كيف يظن عاقل أن أبا ذر يحب أن يختار الربذة منزلا مع جدبها و قحطها و بعدها عن الخيرات و لم يكن بمنزل مثله.

فأما قوله «إنه اشفق عليه من أن يناله بعض أهل المدينة بمكروه من حيث كان يغلظ له القول» فليس بشي‏ء يعول عليه لأنه لم يكن في أهل المدينة إلا من كان راضيا بقوله عاتبا بمثل عتبه إلا أنهم كانوا بين مجاهر بما في نفسه و مخف ما عنده و ما في أهل المدينة إلا من رثى مما حدث على أبي ذر و استفظعه و من رجع إلى كتب السير عرف ما ذكرناه.

فأما قوله «إن عمر أخرج من المدينة نصر بن حجاج» فيما بعد ما بين الأمرين و ما كنا نظن أن أحدا يسوى بين أبي ذر و هو وجه الصحابة و عينهم و من أجمع المسلمون على توقيره و تعظيمه و أن رسول الله صلى الله عليه و آله مدحه من صدق اللهجة بما لم يمدح به أحدا و بين نصر بن الحجاج الحدث الذي كان خاف عمر من افتتان النساء به و بشبابه و لا حظ له في فضل و لا دين. على أن عمر قد ذم باخراجه نصر بن الحجاج من غير ذنب كان منه و إذا كان من أخرج نصر بن الحجاج مذموما فكيف بمن أخرج مثل أبي ذر رحمه الله؟

فأما قوله «إن الله تعالى و الرسول صلى الله عليه و آله ندبا إلى خفض الجناح و لين القول للمؤمن و الكافر» فهو كما قال إلا أن هذا أدب كان ينبغي أن يتأدب به عثمان في أبى ذر و لا يقابله بالتكذيب و قد قطع الرسول صلى الله عليه و آله على صدقه و لا يسمعه مكروه الكلام و هو إنما نصح له و أهدى عليه عيوبه و عاتبه على ما لو نوزع عنه لكان خيرا له في الدنيا و الاخرة و هذه جملة كافية.

في تاريخ أبى جعفر الطبرى: لما حضرت الوفاة أبا ذر في الربذة و ذلك في سنة اثنتين و ثلاثين من الهجرة في سنة ثمان في ذى الحجة من امارة عثمان قال لابنته: استشرفي يا بنية فانظرى هل ترين أحدا؟ قالت: لا، قال: فما جاءت ساعتى بعد، ثم أمرها فذبحت شاة ثم طبختها. ثم قال: إذا جاءك الذين يدفنوني فقولى لهم: إن ابا ذر يقسم عليكم ان لا تركبوا حتى تأكلوا فلما نضجت قدرها قال لها: انظرى هل ترين أحدا؟ قالت: نعم، هؤلاء ركب مقبلون. قال: استقبلى بى الكعبة، ففعلت و قال: بسم الله و بالله و على ملة رسول الله صلى الله عليه و آله ثم خرجت ابنته فتلقتهم و قالت رحمكم الله‏

اشهدوا أبا ذر. قالوا: و أين هو؟ فأشارت لهم إليه و قد مات فادفنوه قالوا: نعم و نعمة عين لقد أكرمنا الله بذلك و إذا ركب من أهل الكوفة فيهم ابن مسعود فمالوا إليه و ابن مسعود يبكى و يقول: صدق رسول الله صلى الله عليه و آله يموت وحده و يبعث وحده فغسلوه و كفنوه و صلوا عليه و دفنوه فلما أرادوا يرتحلوا قالت لهم: إن أبا ذر يقرأ عليكم السلام و اقسم عليكم أن لا تركبوا حتى تأكلوا ففعلوا.

و فيه في رواية اخرى باسناده عن الحلحال بن ذرى قال: خرجنا مع ابن مسعود سنة 31- و نحن أربعة عشر راكبا حتى أتينا على الربذة فإذا امرأة قد تلقتنا فقالت: اشهدوا أبا ذر و ما شعرنا بأمره و لا بلغنا فقال و أين أبو ذر؟ فأشارت إلى خباء فمال ابن مسعود إليه و هو يبكى فغسلناه و كفناه و إذا خباؤه خباء منضوح بمسك فقلنا للمرأة ما هذا؟ فقالت كانت مسكة فلما حضر قال: إن الميت يحضره شهود يجدون الريح و لا يأكلون فدوفى تلك المسكة بماء ثم رشى بها الخباء فاقريهم ريحها و اطبخى هذا اللحم فانه سيشهدني قوم صالحون يلون دفنى فاقريهم فلما دفنا دعتنا إلى الطعام فأكلنا. و الأحاديث في فضائل أبي ذر و اسلامه و ترجمته و مقامه في الربذة و موته و صلاة عبد الله بن مسعود عليه و من كان معه في موته كثيرة لا نطول بذكرها.

«الكلام في اجتماع الناس و تذاكرهم أعمال عثمان»

قال أبو جعفر الطبرى في تاريخه: ذكر محمد بن عمر أن عبد الله بن جعفر حدثه عن ام بكر بنت المسور بن مخرمة عن أبيها قال: قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان فوهبها لبعض بني الحكم فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فأرسل إلى المسور ابن مخرمة و إلى عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فأخذاها فقسمها عبد الرحمن في الناس و عثمان في الدار.

قال: قال محمد بن عمرو حدثني محمد بن صالح عن عبيد الله بن رافع بن نقاحة عن عثمان بن الشريد قال: مر عثمان على جبلة بن عمرو الساعدى و هو بفناء داره و معه جامعة فقال: يا نعثل و الله لأقتلنك و لأحملنك على قلوص جرباء و لاخرجنك‏ إلى حرة النار، ثم جاءه مرة اخرى و عثمان على المنبر فأنزله عنه.

قال: كان أول من اجترأ على عثمان بالمنطق السيى‏ء جبلة بن عمرو الساعدي مر به عثمان و هو جالس في ندى قومه و في يد جبلة بن عمرو جامعة فلما مر عثمان سلم فرد القوم فقال جبلة: لم تردون على رجل فعل كذا و كذا؟ ثم أقبل على عثمان فقال: و الله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه. قال عثمان: أي بطانة؟ فو الله إني لأتخير الناس. فقال: مروان تخيرته، و معاوية تخيرته، و عبد الله بن عامر بن كريز تخيرته، و عبد الله بن سعد تخيرته، منهم من نزل القرآن بدمه و أباح رسول الله صلى الله عليه و آله دمه. قال: فانصرف عثمان فما زال الناس مجترئين عليه.

قال: و خطب في بعض أيامه فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين إنك قد ركبت نهابير و ركبناها معك فتب نتب- إلى أن قال: ثم لما كان بعد ذلك خطب عثمان الناس فقام إليه جهجاه الغفاري فصاح يا عثمان ألا إن هذه شارف قد جئنا بها عليها عباءة و جامعة قم يا نعثل فانزل عن هذا المنبر فلندرعك العباءة و لنطرحك في الجامعة و لنحملك على الشارف ثم نطرحك في جبل الدخان، فقال عثمان: قبحك الله و قبح ما جئت به، قال: و لم يكن ذلك إلا عن ملإ من الناس و قام إلى عثمان خيرته و شيعته من بني امية فحملوه و أدخلوه الدار.

قال: بعد ما غزا المسلمون غزوة الصواري و نصرهم الله على الأعداء فقتلوا منهم مقتلة عظيما و هزم القوم جعل محمد بن أبي حذيفة يقول: أما و الله لقد تركنا خلفنا الجهاد حقا، فقيل له: و أى جهاد؟ فيقول: عثمان بن عفان فعل كذا و كذا و فعل كذا و كذا حتى أفسد الناس فقدموا بلدهم و قد أفسدهم و أظهروا من القول ما لم يكونوا ينطقون به.

قال: بإسناده عن الزهري قال: خرج محمد بن أبي حذيفة و محمد بن أبي بكر عام خرج عبد الله بن سعد بن أبي سرح- يعني عام 31 خرج عبد الله بن سعد بأمر عثمان لغزوة الروم التي يقال لها غزوة الصوارى- فأظهر اعيب عثمان و ما غير و ما خالف به أبا بكر و عمر و أن دم عثمان حلال و يقولان استعمل عبد الله بن سعد رجلا كان‏ رسول الله صلى الله عليه و آله أباح دمه و نزل القرآن بكفره و أخرج رسول الله صلى الله عليه و آله قوما و أدخلهم- يعني حكم بن العاص و ابنه مروان الطريدين و غيرهما- و نزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و استعمل سعيد بن العاص و عبد الله بن عامر فبلغ ذلك عبد الله بن سعد فقال:لا تركبا معنا فركبا في مركب ما فيه أحد من المسلمين- إلى أن قال: و عابا عثمان أشد العيب.

و روى بإسناده عن عبد الرحمن بن يسار أنه قال: لما رأى الناس ما صنع عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله إلى من بالافاق منهم و كانوا قد تفرقوا في الثغور: إنكم انما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عز و جل تطلبون دين محمد صلى الله عليه و آله فإن دين محمد قد أفسد من خلفكم و ترك فهلموا فأقيموا دين محمد صلى الله عليه و آله فأقبلوا من كل افق حتى قتلوه.

«نصح أمير المؤمنين على (ع) عثمان»

قال: و أما الواقدي فإنه زعم أن عبد الله بن محمد حدثه عن أبيه قال: لما كانت سنة- 34- كتب أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله بعضهم إلى بعض أن اقدموا فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد و كثر الناس على عثمان و نالوا منه أقبح ما نيل من أحد و أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله يرون و يسمعون ليس فيهم أحد ينهى و لا يذب إلا نفير زيد بن ثابت و أبو أسيد الساعدي و كعب بن مالك و حسان بن ثابت فاجتمع الناس و كلموا علي بن أبي طالب عليه السلام فدخل على عثمان فقال: الناس ورائي و قد كلموني فيك و الله ما أدرى ما أقول لك و ما أعرف شيئا تجهله و لا أدلك على أمر لا تعرفه إنك لتعلم ما نعلم ما سبقناك إلى شي‏ء فنخبرك عنه و لا خلونا بشي‏ء فنبلغكه و ما خصصنا بأمر دونك و قد رأيت و سمعت و صحبت رسول الله صلى الله عليه و آله و نلت صهره و ما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحق منك و لا ابن الخطاب بأولى بشي‏ء من الخير منك، و أنك أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه و آله رحما و لقد نلت من صهر رسول الله صلى الله عليه و آله ما لم ينالا و لا سبقاك إلى شي‏ء فالله الله في نفسك فانك و الله ما تبصر من عمى و لا تعلم من جهل و إن الطريق لواضح بين‏ و إن أعلام الدين لقائمة تعلم يا عثمان أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدى و هدى فأقام سنة معلومة و أمات بدعة متروكة فو الله إن كلا لبين و ان السنن لقائمة لها اعلام و ان البدع لقائمة لها اعلام و ان شر الناس عند الله إما جائر ضل و ضل به فأمات سنة معلومة و احيا بدعة متروكة و إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر فيلقى في جهنم فيدور في جهنم كما تدور الرحى ثم يرتطم في غمرة جهنم و إني احذرك الله و احذرك سطواته و نقماته فان عذابه شديد اليم و احذرك ان تكون إمام هذه الأمة المقتول فانه يقال: يقتل في هذه الأمة إمام فيفتح عليها القتل و القتال إلى يوم القيامة و تلبس امورها عليها و يتركها شيعا فلا يبصرون الحق لعلو الباطل يموجون فيها موجا و يمرجون فيها مرجا.

فقال عثمان: قد و الله علمت ليقولن الذي قلت اما و الله لو كنت مكانى ما عنفتك و لا اسلمتك و لا عبت عليك و لا جئت منكرا أن وصلت رحما و سددت خلة و آويت ضائعا و وليت شبيها بمن كان عمر يولى، انشدك الله يا على هل تعلم أن المغيرة بن شعبة ليس هناك؟ قال: نعم، قال: فتعلم ان عمر ولاه؟ قال: نعلم، قال: فلم تلومونى ان وليت ابن عامر في رحمه و قرابته؟

قال على عليه السلام: سأخبرك أن عمر بن الخطاب كان كل من ولي فانما يطأ على صماخه إن بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به أقصى الغاية و أنت لا تفعل ضعفت و رفقت على أقربائك.

قال عثمان: هم أقرباؤك أيضا، فقال علي عليه السلام: لعمري إن رحمهم منى لقريبة و لكن الفضل في غيرهم.

قال عثمان: هل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها فقد وليته؟.

فقال على عليه السلام: انشدك الله هل تعلم أن معاوية كان أخوف من عمر من يرفا غلام عمر منه؟ قال: نعم، قال على عليه السلام: فإن معاوية يقتطع الأمور دونك و أنت تعلمها فيقول الناس هذا أمر عثمان فيبلغك و لا تغير على معاوية. ثم خرج على عليه السلام‏ من عنده.

و خرج عثمان على اثره فجلس على المنبر فاستمال قلوب الناس إليه بما قال و اعتذر من أفعاله و اشتكى من الناس بما قالوا في مطاعنه و قوادحه فلما انتهى من كلامه قام مروان بن الحكم فقال مخاطبا للناس: إن شئتم حكمنا و الله بيننا و بينكم السيف نحن و الله و أنتم كما قال الشاعر:

فرشنا لكم أعراضنا فنبت بكم‏ معارسكم تبنون في دمن الثرى‏

فقال عثمان: اسكت لاسكت دعنى و أصحابى ما منطقك في هذا ألم أتقدم إليك ألا تنطق؟! فسكت مروان و نزل عثمان.

أقول: أتى بما رواه الطبري من نصح أمير المؤمنين علي عليه السلام عثمان الشيخ الأجل المفيد قدس سره في كتاب الجمل أيضا- ص 84 طبع النجف- و كذا نقله الشريف الرضى رضوان الله عليه في النهج و هو الكلام- 163- من المختار من باب الخطب معنونا بقول الرضى: و من كلام له عليه السلام لما اجتمع الناس عليه و شكوه مما نقموه على عثمان و سألوه مخاطبته عنهم و استعتابه لهم فدخل عليه السلام عليه فقال:

إن الناس ورائى و قد استسفروني بينك و بينهم و و الله ما ادرى ما اقول لك- إلخ و بين النسخ الثلاث اختلاف يسير.

و روى الطبرى بإسناده عن عبد الله بن زيد العنبرى أنه قال: اجتمع ناس من المسلمين فتذاكروا أعمال عثمان و ما صنع فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلا يكلمه و يخبره بأحداثه فأرسلوا إليه عامر بن عبد الله التميمي فأتاه فدخل عليه فقال له: إن ناسا من المسلمين اجتمعوا فنظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت امورا عظاما فاتق الله عز و جل و تب إليه و انزع عنها.

قال له عثمان: انظر إلى هذا فإن الناس يزعمون أنه قارئ ثم هو يجي‏ء فيكلمني في المحقرات فو الله ما يدرى أين الله.

قال عامر: إنا لا ندرى أين الله، قال: نعم و الله ما تدرى أين الله، قال عامر:

بلى و الله إني لأدرى أن الله بالمرصاد لك.

فأرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان و إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح و إلى سعيد بن العاص و إلى عمرو بن العاص بن وائل السهمي و إلى عبد الله بن عامر فجمعهم ليشاورهم في أمره و ما طلب إليه و ما بلغه عنهم فلما اجتمعوا عنده قال لهم:إن لكل امرى‏ء وزراء و نصحاء و إنكم وزرائي و نصحائي و أهل ثقتي و قد صنع الناس ما قد رأيتم و طلبوا إلي أن أعزل عمالي و أن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبون فاجتهدوا رأيكم و أشيروا علي.

فقال له عبد الله بن عامر: رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك و أن تجمرهم في المغازي حتى يذلوا لك فلا يكون همة أحدهم إلا نفسه و ما هو فيه من دبرة دابته و قمل فروه.

ثم أقبل عثمان على سعيد بن العاص فقال له: ما رأيك؟ قال: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد رأينا فاحسم عنك الداء و اقطع عنك الذي تخاف و اعمل برأيي تصب، قال:و ما هو؟ قال: إن لكل قوم قادة متى تهلك يتفرقوا و لا يجتمع لهم أمر، فقال عثمان: إن هذا الرأى لو لا ما فيه.

ثم أقبل على معاوية فقال: ما رأيك؟ قال: أرى لك يا أمير المؤمنين أن ترد عمالك على الكفاية لما قبلهم و أنا ضامن لك قبلى.

ثم أقبل على عبد الله بن سعد فقال: ما رأيك؟ قال: أرى يا أمير المؤمنين أن الناس أهل طمع فاعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم.

ثم أقبل على عمرو بن العاص، فقال له: ما رأيك؟ قال: أرى أنك قد ركبت الناس بما يكرهون فاعتزم أن تعتدل فإن أبيت فاعتزم أن تعتزل فإن أبيت فاعتزم عزما و امض قدما.

فقال عثمان: ما لك قمل فروك أ هذا الجد منك فاسكت عنه دهرا حتى إذا تفرق القوم قال عمرو: لا و الله يا أمير المؤمنين لأنت أعز على من ذلك و لكن قد علمت أن سيبلغ الناس قول كل رجل منا فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي فأقود إليك خيرا أو أدفع عنك شرا. فرد عثمان عماله على أعمالهم و أمرهم‏

بالتضييق على من قبلهم و أمرهم بتجمير الناس في البعوث و عزم على تحريم أعطياتهم ليطيعوه و يحتاجوا إليه. و رد سعيد بن العاص أميرا على الكوفة فخرج أهل الكوفة عليه بالسلاح فتلقوه فردوه و قالوا: لا و الله لا يلي علينا حكما ما حملنا سيوفنا.

قال المسعودي و الواقدي و الطبري و غيرهما من أصحاب السير: لما كان سنة خمس ثلاثين سار مالك بن الحرث النخعي من الكوفة في مائتي رجل و حكيم بن جبلة العبدي في مأئة رجل من أهل البصرة، و من أهل مصر ستمائة رجل على أربعة ألوية لها رءوس أربعة مع كل رجل منهم لواء و فيهم محمد بن أبي بكر و كان جماع أمرهم جميعا إلى عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي و كان من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله و إلى عبد الرحمان ابن عديس التجيبي فكان فيما كتبوا إليه:

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فالله الله ثم الله الله فإنك على دنيا فاستتم إليها معها آخرة و لا تنس نصيبك من الاخرة فلا تسوغ لك الدنيا و اعلم أنا و الله لله نغضب و في الله نرضى و أنا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تاتينا منك توبة مصرحة او ضلالة مجلحة مبلجة فهذه مقالتنا لك و قضيتنا إليك و الله عذيرنا منك و السلام.

و كتب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة و يحتجون و يقسمون له بالله لا يمسكون عنه أبدا حتى يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من حق الله.

فلما خاف القتل شاور نصحائه و أهل بيته فقال لهم: قد صنع القوم ما قد رأيتم فما المخرج؟ فأشاروا عليه أن يرسل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فيطلب إليه أن يردهم عنه و يعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى يأتيه أمداد.

فقال عثمان: إن القوم لن يقبلوا التعليل و هي محملي عهدا و قد كان مني في قدمتهم الأولى ما كان فمتى أعطهم ذلك يسألوني الوفاء به.

فقال مروان بن الحكم: يا أمير المؤمنين مقاربتهم حتى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب فأعطهم ما سألوك و طاولهم ما طاولوك فإنما هم بغوا عليك فلا عهد لهم.

فأرسل إلى علي عليه السلام فدعاه فلما جاءه قال: يا أبا حسن إنه قد كان من الناس ما قد رأيت و كان مني ما قد علمت و لست آمنهم على قتلي فارددهم عني فإن لهم الله عز و جل أن أعتبهم من كل ما يكرهون و أن أعطيهم الحق من نفسي و من غيرى و إن كان في ذلك سفك دمي.

فقال له علي عليه السلام: الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك و إني لأرى قوما لا يرضون إلا بالرضي و قد كنت أعطيتهم في قدمتهم الأولى عهدا من الله لترجعن عن جميع ما نقموا فرددتهم عنك ثم لم تف لهم بشي‏ء من ذلك فلا تغرني هذه المرة من شي‏ء فإني معطيهم عليك الحق.

قال: نعم، فاعطهم فو الله لأفين لهم. فخرج علي عليه السلام إلى الناس فقال:أيها الناس إنكم إنما طلبتم الحق فقد أعطيتموه إن عثمان قد زعم أنه منصفكم من نفسه و من غيره و راجع عن جميع ما تكرهون فاقبلوا منه و وكدوا عليه.

قال الناس: قد قبلنا فاستوثق منه لنا فانا و الله ما نرضى بقول دون فعل. فقال لهم علي عليه السلام: ذلك لكم. ثم دخل عليه فأخبره الخبر فقال عثمان: اضرب بيني و بينهم أجلا يكون لي فيه مهلة فإني لا أقدر على رد ما كرهوا في يوم واحد.

قال له علي عليه السلام: ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه و ما غاب فأجله وصول أمرك.

قال: نعم، و لكن أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام. قال علي عليه السلام: نعم، فخرج إلى الناس فأخبرهم بذلك و كتب بينهم و بين عثمان كتابا أجله فيه ثلاثا على أن يرد كل مظلمة و يعزل كل عامل كرهوه. ثم أخذ عليه في الكتاب أعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من عهد و ميثاق و أشهد عليه ناسا من وجوه المهاجرين و الأنصار.

فكف المسلمون عنه و رجعوا إلى أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه.

فجعل عثمان يتأهب للقتال و يستعد بالسلاح و قد كان اتخذ جندا عظيما من رقيق الحمس فمضت الأيام الثلاثة و هو على حاله و لم يغير شيئا مما كرهوه و لم يعزل عاملا.

«تولية عثمان محمد بن أبي بكر على مصر و ارساله» «كتابا لابن أبي سرح في قتله»

فلما أن أهل مصر جاءوا و شكوا ابن أبي سرح عاملهم فنزلوا المسجد و شكوا إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله في مواقيت الصلاة ما صنع بهم ابن أبي سرح فقام طلحة فتكلم بكلام شديد و أرسلت عائشة إلى عثمان فقالت له: قد تقدم إليك أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سألوك عزل هذا الرجل و كذا دخل عليه علي عليه السلام فقال له:

إنما يسألونك رجلا مكان رجل و قد ادعوا قبله دما فاعزله عنه و اقض بينهم فإن وجب لهم عليه حق فأنصفهم منه.

فقال: اختاروا رجلا اوليه عليهم. فقالوا: استعمل محمد بن أبي بكر فكتب عثمان عهده و ولاه و خرج معه عدد من المهاجرين و الأنصار ينظرون فيما بين ابن أبي سرح و أهل مصر.

فخرج محمد و من معه حتى إذا كانوا على مسيرة ثلاث ليال من المدينة في الموضع المعروف بخمس إذا هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير كأنه طالب أو هارب يتعرض لهم ثم يفارقهم ثم يرجع إليهم ثم يفارقهم و يسيئهم و هو مقبل من المدينة، فتأملوه فاذا هو ورش غلام عثمان على جمل عثمان فقال له أصحاب محمد بن أبي بكر: ما قصتك و ما شأنك إن لك لأمرا؟

فقال: أنا غلام أمير المؤمنين وجهني إلى عامل مصر. فقال له رجل: هذا عامل مصر معنا، قال: ليس هذا اريد. فاخبر محمد بأمره فبعث في طلبه رجلا فجاء به إليه فقال له: غلام من أنت؟ فأقبل مرة يقول: أنا غلام مروان، و مرة يقول: أنا غلام عثمان حتى عرفه رجل أنه لعثمان فقال له محمد: إلى من أرسلك؟ قال: إلى عامل مصر، قال: بماذا؟ قال: برسالة. قال: أ ما معك كتاب؟ قال: لا، ففتشوه فلم يجدوا معه كتابا و كانت معه إداوة قد يبست فيها شي‏ء يتقلقل فحركوه ليخرج فلم يخرج فشقوا إداوته فاذا فيه كتاب من عثمان إلى عبد الله بن ابى سرح عامل مصر.

فجمع محمد من كان معه من المهاجرين و الأنصار ثم فك الكتاب بمحضر منهم فقرأه فإذا فيه: إذا أتاك محمد بن أبي بكر و فلان و فلان أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و أبطل كتابهم و قر على عملك حتى يأتيك رأيي.

فلما رأوا الكتاب فزعوا منه و رجعوا إلى المدينة و ختم محمد الكتاب بخواتم النفر الذين كانوا معه و دفعه إلى رجل منهم ثم قدموا المدينة فجمعوا عليا عليه السلام و طلحة و الزبير و سعدا و من كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم و أخبرهم بقصة الغلام و أقرأهم الكتاب فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان، و قام أصحاب النبي صلى الله عليه و آله فلحقوا بمنازلهم و حصر الناس عثمان و أحاطوا به و منعوه الماء و الخروج و من كان معه و اجلب عليه محمد بن أبي بكر.

و في تاريخ أبي جعفر الطبري: لما قدموا المدينة أتوا عليا عليه السلام فقالوا: ألم تر إلى عدو الله عثمان إنه كتب فينا بكذا و كذا و إن الله قد أحل دمه قم معنا إليه قال: و الله لا أقوم معكم إلى أن قالوا: فلم كتبت إلينا؟ فقال: و الله ما كتبت إليكم كتابا قط فنظر بعضهم إلى بعض ثم قال بعضهم لبعض: أ لهذا تقاتلون أو لهذا تغضبون؟

فانطلق على عليه السلام فخرج من المدينة إلى قرية ثم إنهم انطلقوا حتى دخلوا على عثمان فقالوا: كتبت فينا بكذا و كذا.

فقال عثمان: إنما هما اثنتان أن تقيموا على رجلين من المسلمين أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت و لا أمللت و لا علمت و قد تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرجل و قد ينقش الخاتم على الخاتم. فقالوا: فقد و الله أحل الله دمك و نقضت العهد و الميثاق فحاصروه.

و فيه أيضا لما قدموا المدينة أرسلوا إلى عثمان أ لم نفارقك على أنك زعمت أنك تائب من أحداثك و راجع عما كرهنا منك و أعطيتنا على ذلك عهد الله و ميثاقه؟

قال: بلى أنا على ذلك. قالوا: فما هذا الكتاب الذي وجدنا مع رسولك و كتبت به إلى عاملك؟ قال: ما فعلت و لا لى علم بما تقولون. قالوا: بريدك على جملك و كتاب كاتبك عليه خاتمك قال: أما الجمل فمسروق، و قد يشبه الخط الخط، و أما

الخاتم فانتقش عليه. قالوا: فإنا لا نعجل عليك و إن كنا قد اتهمناك اعزل عنا عمالك الفساق و استعمل علينا من لا يتهم على دمائنا و أموالنا و اردد علينا مظالمنا قال عثمان: ما أراني إذا في شي‏ء إن كنت أستعمل من هويتم و أعزل من كرهتم الأمر إذا أمركم. قالوا: و الله لتفعلن أو لتعزلن أو لتقتلن فانظر لنفسك أودع، فأبى عثمان عليهم و قال: لم أكن لأخلع سربالا سر بلنيه الله فحصروه أربعين.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

________________________________________________________________

[1] ( 1) رواه السيوطى في الاتقان و ابن النديم في الفهرست قال: قال محمد بن اسحاق:

حدثنا أبو الحسن محمد بن يوسف الناقط- الا أن قال مسندا: ان زيد بن ثابت قال:

ارسلت إلى أبى بكر فأتيته فاذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر ان عمر أتانى فقال لى ان القتل قد استحر بالقراء يوم اليمامة و انى أخشى أن يستحر القتل في القراء في المواطن كلها فيذهب كثير من القرآن فأرى أن يجمع القرآن بحال- إلى آخر ما قال فراجع( ص 36 طبع مصر) و لكن الحق كما قال علم الهدى: أى فاعل فعل ذلك كان منكرا. منه.

[2] ( 1) المراد بالمفصل السور القصار من بعد الحواميم إلى آخر القرآن كما في الفن الرابع من مقدمات مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسى ره و كذا في الاتقان للسيوطى في خاتمة النوع التاسع عشر.

[3] ( 1) فسره أحد الشراح بقوله: الخفض عمود الخباء يعنى من كتاب و معجزت را سازنده ستونم باين معنى كه آلت نگهدارى براى آن مى‏سازم.

[4] ( 1) يعنى أن المسلمين كانوا يكتمون اسم رسول الله( ص) و يصلون سرا خوفا من الكافرين.

[5] هاشمى خويى، ميرزا حبيب الله، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى) – تهران، چاپ: چهارم، 1400 ق.

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

دکمه بازگشت به بالا
-+=