خطبه 94 صبحی صالح
94- و من خطبة له ( عليه السلام ) و فيها يصف اللّه تعالى
ثم يبين فضل الرسول الكريم و أهل بيته ثم يعظ الناس
اللّه تعالى
فَتَبَارَكَ اللَّهُ الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ
وَ لَا يَنَالُهُ حَدْسُ الْفِطَنِ
الْأَوَّلُ الَّذِي لَا غَايَةَ لَهُ فَيَنْتَهِيَ
وَ لَا آخِرَ لَهُ فَيَنْقَضِيَ
و منها في وصف الأنبياء
فَاسْتَوْدَعَهُمْ فِي أَفْضَلِ مُسْتَوْدَعٍ
وَ أَقَرَّهُمْ فِي خَيْرِ مُسْتَقَرٍّ
تَنَاسَخَتْهُمْ كَرَائِمُ الْأَصْلَابِ إِلَى مُطَهَّرَاتِ الْأَرْحَامِ
كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ سَلَفٌ قَامَ مِنْهُمْ بِدِينِ اللَّهِ خَلَفٌ
رسول اللّه و آل بيته
حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله )
فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً
وَ أَعَزِّ الْأَرُومَاتِ مَغْرِساً
مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ
وَ انْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ
عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ
وَ أُسْرَتُهُ خَيْرُ الْأُسَرِ
وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ
نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ
وَ بَسَقَتْ فِي كَرَمٍ
لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ
وَ ثَمَرٌ لَا يُنَالُ
فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى
وَ بَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى
سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ
وَ شِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ
وَ زَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ
سِيرَتُهُ الْقَصْدُ
وَ سُنَّتُهُ الرُّشْدُ
وَ كَلَامُهُ الْفَصْلُ
وَ حُكْمُهُ الْعَدْلُ
أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ
وَ هَفْوَةٍ عَنِ الْعَمَلِ
وَ غَبَاوَةٍ مِنَ الْأُمَمِ
عظة الناس
اعْمَلُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ عَلَى أَعْلَامٍ بَيِّنَةٍ
فَالطَّرِيقُ نَهْجٌ
يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ
وَ أَنْتُمْ فِي دَارِ مُسْتَعْتَبٍ عَلَى مَهَلٍ وَ فَرَاغٍ
وَ الصُّحُفُ مَنْشُورَةٌ
وَ الْأَقْلَامُ جَارِيَةٌ
وَ الْأَبْدَانُ صَحِيحَةٌ
وَ الْأَلْسُنُ مُطْلَقَةٌ
وَ التَّوْبَةُ مَسْمُوعَةٌ
وَ الْأَعْمَالُ مَقْبُولَةٌ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج7
و من خطبة له عليه السّلام و هى الثالثة و التسعون من المختار فى باب الخطب
فتبارك اللّه الّذي لا يبلغه بعد الهم، و لا يناله حسن الفطن، الأوّل الّذي لا غاية له فينتهى، و لا آخر له فينقضي. منها: فاستودعهم في أفضل مستودع، و أقرّهم في خير مستقرّ،تناسختهم كرائم الأصلاب، إلى مطهّرات الأرحام، كلّما مضى منهم سلف، قام منهم بدين اللّه خلف، حتّى أفضت كرامة اللَّه سبحانه إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فأخرجه من أفضل المعادن منبتا، و أعزّ الأرومات مغرسا، من الشّجرة الّتي صدع منها أنبياءه، و انتجب منها أمناءه، عترته خير العتر، و أسرته خير الأسر، و شجرته خير الشّجر، نبتت في حرم، و بسقت في كرم، لها فروع طوال، و ثمرة لا تنال، فهو إمام من اتّقى، و بصيرة من اهتدى، سراج لمع ضوئه، و شهاب سطع نوره، و زند برق لمعه، سيرته القصد، و سنّته الرّشد، و كلامه الفصل، و حكمه العدل، أرسله على حين فترة من الرّسل، و هفوة عن العمل، و غباوة من الامم، اعملوا رحمكم اللّه على أعلام بيّنة، فالطّريق نهج يدعو إلى دار السّلام، و أنتم في دار مستعتب، على مهل و فراغ، و الصّحف منشورة، و الأقلام جارية، و الأبدان صحيحة، و الألسن مطلقة، و التّوبة مسموعة، و الأعمال مقبولة.
اللغة
(تبارك اللّه) من البركة و هو كثرة الخير و زيادته يقال: بارك اللّه لك و فيك و عليك و باركك بالتعدية بنفسه و (النسخ) الازالة و النقل يقال: نسخت الشمس الظل أى أزالته و نسخت الكتاب و انتسخته و استنسخته أى نقلت ما فيه و المنقول منه النسخة بالضمّ و (السلف) كلّ من تقدّمك من آبائك أو قرابتك و الجمع سلاف و أسلاف و (الخلف) بالتحريك الولد الصّالح و يقال: على من حضر من الحىّ و إذا كان الولد فاسدا يقال خلف بسكون اللّام و ربما استعمل كلّ منهما مكان الآخر و (الافضاء) إلى الشيء الوصول و الانتهاء إليه و (المعدن) و زان مجلس منبت الجواهر من ذهب و نحوه و (الارومات) جمع الأرومة بفتح الهمزة و ضمّها أصل الشيء و الجمع أيضا على الاروم و (غرس) الشجر يغرسه من باب ضرب اثبته في الأرض كأغرسه و (الصّدع) الشقّ في شيء صلب و نبات الأرض قال سبحانه: و الأرض ذات الصّدع.
و (العترة) نسل الرجل و رهطه و عشيرته الأدنون من مضى و غبر كذا في القاموس و سيأتي تحقيق الكلام فيه و (اسرة) الرجل وزان غرفة رهطه و عشيرته الأدنون و أهل بيته و الجمع اسر كغرب و (بسق) النخل بسوقا من باب قعد طال قال سبحانه: وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ و (الطوال) بالكسر جمع الطويل و الطوال بالضمّ و (الشهاب) كلّ شيء مضيء و (الزند) بالفتح فالسكون العود الذى يقدح به النّار و هو الأعلى و السفلى الزندة و (برقت) السماء بروقا و برقانا لمعت أو جاء ببرق و برق الشيء برقا و بريقا و برقانا لمع و (الفترة) ما بين كلّ نبيّين و رسولين و (الغباوة) الجهل و قلّة الفطنة و (نهج) الطريق الواضح منه و (المستعتب) يجوز كونه مصدرا و مكانا من استعتبه أى استرضاء و طلب إليه العتبى أى الرّضا
الاعراب
يجوز في محلّ الموصول أعني قوله عليه السّلام: الذى لا يبلغه، الرفع على كونه تابعا للّه بكونه بدلا منه أو نعتأله، و النصب على تقدير المدح أى أعنى الذى او امدح الذي، و اضافة البعد إلى الهمم و الحسّ الى الفطن لامية و الأوّل إمّا خبر لمبتدأ محذوف أو تابع للّه.
و استشكل الشارح المعتزلي في الفاء العاطفة في قوله عليه السّلام: فينتهى فينقضى، بأنّ الفاء إنّما تدخل فيما إذا كان الثاني غير الأوّل كقولهم ما تأتينا فتحدّثنا و ليس الثاني ههنا غير الأوّل لأنّ الانقضاء هو الآخرية بعينها فكأنّه قال: لا آخر له فيكون له آخر و كذلك القول في اللّفظة الاولى و أجاب بأنّ المراد لا آخر له بالامكان و القوّة فينقضى بالفعل فيما لا يزال، و لا هو أيضا ممكن الوجود فيما مضى فيلزم أن يكون وجوده مسبوقا بالعدم و هو معنى قوله فينتهى، بل هو واجب الوجود في الحالين فيما مضى و في المستقبل و هذان مفهومان متغايران و هما العدم و إمكان العدم فاندفع الاشكال انتهى كلامه أقول: و فيه نظر إذ الغالب في الفاء العاطفة لجملة على جملة على ما صرّح به علماء الأدب أن يكون مضمون الجملة الثّانية عقيب مضمون الجملة الاولى تقول قام زيد فقعد عمرو، و أمّا اشتراط التغاير بين الجملتين فممنوع، و قد تفيد الفاء كون المذكور بعدها كلاما مرتّبا في الذكر على ما قبلها لا أنّ مضمونه عقيب مضمون ما قبلها في الزمان كقوله تعالى: قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى و قوله: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ.
فانّ ذكر ذمّ الشيء و مدحه يصحّ بعد جرى ذكره و من هذا الباب عطف تفصيل المجمل على المجمل لأنّ موضع ذكر التفصيل بعد الاجمال قال سبحانه: وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي.
و تقول أجبته فقلت لبيّك، و من هذا علم أنّ شرطية التغاير غير معتبرة فلا حاجة إلى ما تكلّفه في الجواب و إنّما مساق كلام الامام عليه السّلام مساق هذه الآية الشريفه و مساق قوله: وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً.
فانّ ذكر نفى الانتهاء للشيء إنّما يصحّ بعد ذكر نفى النهاية و الغاية عنه، و كذا ذكر نفى الانقضاء يحسن بعد ذكر نفى الآخر عنه و سيأتي له مزيد توضيح في بيان المعنى، و جملة نبتت في حرم استينافية بيانية، و كذا جملة لها فروع طوال، و الفاء في قوله: فهو امام فصيحة، و الواو في قوله و أنتم في دار مستعتب حالية و دار في أكثر ما رأيناه من النسخ بالتنوين فلا بدّ من جعل مستعتب اسم مكان بدلا منه أو عطف بيان على ما هو الحقّ الذي ذهب إليه الكوفيّون من جواز البيان في النّكرات إلّا أنه يبعده و يبعد الوصفية أنّ الدار من المؤنثات السّماعيّة، فكان اللّازم أن يقال: مستعتبة بالتاء للزوم المطابقة بين الصفة و الموصوف و البيان و المبين في التذكير و التأنيث و إن امكن التصحيح بالتأويل في الموصوف أو عدم لزوم المطابقة في الصفة إذا كانت من أسماء المكان فليتأمل.
و في نسخة الشارح المعتزلي بلا تنوين على الاضافة و هو أولى، فيصحّ على ذلك جعل مستعتب مصدرا فيكون إضافة دار إليه لامية و جعله اسم مكان فتكون الاضافة بيانية، و على في قوله على مهل، للاستعلاء المجازى
المعنى
اعلم أنه صدّر هذه الخطبة بتقديس اللَّه سبحانه و تنزيهه عن صفات النّقص و الامكان، و عقّبه بذكر وصف الأنبياء و الأولياء، و ذيّله بالموعظة و النّصيحة، فقال سلام اللّه عليه و آله (فتبارك اللَّه) أى ثبت الخير و البركة عنده و في خزائنه و قيل: أى تعالى اللَّه لأنّ البركة ترجع معناها إلى الامتداد و الزيادة و كلّ ما زاد على الشيء فقد علاه، و قيل أصله من البروك و هو الثبات فكأنه قال: و البقاء و الدّوام و الثّبات له فهو المستحقّ للتعظيم و الثّناء (الذي لا يبلغه بعد الهمم و لا يناله حسّ الفطن) قد مضى الكلام في شرح هذه الفقرة في الفصل الثّاني من فصول الخطبة الاولى و أقول هنا: إنّ نعوت الجلال و صفات الكمال للّه سبحانه المتعال لمّا كانت غير متناهية و لا محدودة نبّه عليه السّلام بذلك على عدم إمكان الوصول إليها و تعذّر إدراكها، إذ كلّ مدرك متناه محدود، فالمعنى أنه تعالى لا يبلغه الهمم و القصود على بعدها و علوّها، و لا يصل إليه إدراك الفطن و إن ذكت و اشتدّت في ذكائها و حدّتها و سرعة انتقالها من المبادي إلى المطالب، بل كلّ سابح في بحار جلاله غريق و كلّ مريد للوصول إلى أنوار جماله حريق.
(الأوّل الذي لا غاية له فينتهي و لا آخر له فينقضي) تقدّم تحقيق الكلام في أوليّته و آخريّته سبحانه في شرح الخطبة الرّابعة و السّتين و الفصل الأوّل من فصول الخطبة التسعين بما لا مزيد عليه، و المراد هنا أنه تعالى أول الأشياء لا غاية له في البداية فينتهي إليها، و لا آخر له في النهاية فيكون له الانصرام و الانقضاء عندها، بل هو أزليّ باق غير منقطع الوجود بداية و نهاية، و برهان ذلك أنّ الغاية و النهاية من عوارض الأجسام ذوات الأوضاع و المقادير تعرض لها بالذّات، و للواحقها كالأزمنة و الحركات، و للامور المتعلّقة بها كالقوى و الكيفيات بالعرض، و الأول سبحانه ليس بجسم و لا جسماني و لا متعلّق به ضربا من التّعلّق فهو منزّه عن الحدّ و النهاية.
قال السيد ره (منها) أى بعض فصول تلك الخطبة في شرح حال الأنبياء عليهم السّلام و هو قوله عليه السّلام: (فاستودعهم في أفضل مستودع) و هو أصلاب الآباء (و أقرّهم في خير مستقرّ) و هو أرحام الامّهات قال سبحانه: هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ.
(تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام) أى نقلتهم الأصلاب الكريمة إلى الأرحام المطهرّة من السفاح كما لو وقع عقد النكاح على غير الوجه الشرعي لخلل في لفظ العقد أو في القصد بأن يقع على غير المقصود إنكاحه أو نكاحه أو بغير رضا الطرفين أو أحدهما أو من يعتبر رضاه أو لوقوعه على المحارم و نحو ذلك. روى عن أمير المؤمنين عليه السّلام بطريق العامة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قوله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ.
قال: نسبا و صهرا و حسبا ليس في آبائي من لدن آدم سفاح كلّنا بنكاح، قال الكلبي كتبت للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خمسمائة أمّ فما وجدت فيهنّ سفاحا و لا شيئا مما كان عليه أهل الجاهليّة هذا.
و قال الشّارح البحراني: و تناسخ الأصلاب لهم إلى مطهّرات الأرحام نقلهم إليها نطفا، و كرائم الأصلاب ما كرم منها، و حقّ لأصلاب سمحت بمثلهم أن توصف بالكرم، و مطهّرات الأرحام ما طهر منها، و حقّ لما استعدّ منها لا نتاج مثل هذه الأمزجة و قبولها أن تكون طاهرة من كدر الفساد، و الشّيعة يطهّرون اصول الأنبياء من طرف الآباء و الأمهات عن الشرك، و نحوه قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية.
و في حديث الجابر المرويّ في الفقيه في كيفية خلقة الانسان و ولادته قال: فقلت: يا رسول اللّه هذه حالنا فكيف حالك و حال الأوصياء بعدك في الولادة فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مليّا ثمّ قال: يا جابر لقد سألت عن أمر جسيم لا يحتمله إلّا ذو حظّ عظيم، إنّ الأنبياء و الأوصياء مخلوقون من نور عظمة اللّه جلّ ثناؤه يودع اللَّه أنوارهم أصلابا طيبة و أرحاما طاهرة يحفظها بملائكته، و يربّيها بحكمته و يغذوها بعلمه، فأمرهم يجلّ عن أن يوصف، و أحوالهم تدّق عن أن يعلم، لأنّهم نجوم اللّه في أرضه، و أعلامه في بريّته، و خلفاؤه على عباده، و أنواره في بلاده، و حججه على خلقه، هذا من مكنون العلم و مخزونه فاكتمه إلّا من أهله.
و بالجملة فالمراد أنه تعالى خلق الأنبياء عليهم السّلام و أودع أنوارهم في الأصلاب و الأرحام و أخرجهم إلى وجه الأرض على تعاقب الزمان و كرور الأيام، و أرسلهم تترى لمسيس الحاجة و اقتضاء المصلحة، و هو الدّلالة على التوحيد و المعرفة،و إكمال الدّين و الملّة، و لم يخل الخلق منهم بل (كلّما مضى منهم سلف) و ارتحلوا من الدّنيا إلى العقبا (قام منهم بدين اللّه) و نشر شرايعه و أحكامه (خلف حتى أفضت كرامة اللّه) و انتهت نبوّته (إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله) و بلغت بوجوده الشريف سلسلة النّبوة و الرسالة الغاية. و أشرقت وجه الأرض بنور جماله، و أضاءت الدّنيا بأشعّة كماله، و قد كان في عالم المعنى الأصلاب الشامخة و الأرحام المطهرة قشورا لذلك اللّب أحاطت به احاطة الأشعّة بالسراج، فهو مفارق لتلك المحالّ الشّريفة في التقدير و إن كان مقارنا لها في التدبير.
و لأجل هذا كان كلّ من انتقل إليه ذلك النّور أشرقت وجهه حتّى يعرف بذلك النور إلى أن ينتقل منه إلى رحم الطاهرة، فيسلب منه النور و يتلألأ بوجه الحامل إلى أن تضع الجنين فيخرج مشرقا بما فيه فيسلب اللّه النور.
روى الصدوق باسناده إلى أبي ذر قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يقول: خلقت أنا و عليّ بن أبي طالب من نور واحد نسبّح اللّه يمنة العرش قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلما أن خلق اللّه آدم عليه السّلام جعل ذلك النور في صلبه و لقد سكن الجنة و نحن في صلبه، و لقد همّ بالخطيئة و نحن في صلبه، و لقد ركب نوح بالسفينة و نحن في صلبه، و لقد قذف إبراهيم عليه السّلام في النار و نحن في صلبه، فلم يزل ينقلنا اللّه عزّ و جل من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة حتى انتهى بنا إلى عبد المطلب، فقسمنا فجعلني في صلب عبد اللّه و جعل عليّا عليه السّلام في صلب أبي طالب و جعل فيّ النّبوة و البركة، و جعل في عليّ الفصاحة و الفروسية، و شقّ لنا اسمين عن أسمائه، فذوا العرش محمود و أنا محمّد. و اللّه العليّ الأعلى و هذا عليّ.
و عن المناقب لأحمد بن حنبل و النّسائى عن عليّ عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه خلق خلقه في ظلمة، ثمّ رشّ عليهم من نوره فمن أصابه من النّور شيء اهتدى و من أخطأه ضلّ.
ثمّ فسّره عليّ عليه السّلام فقال: إنّ اللّه عزّ و جلّ حين شاء تقدير الخليقة و ذرء البريّة و إبداع المبدعات ضرب الخلق في صور كالهباء قبل وجود الأرض و السماء و هو سبحانه في انفراد ملكوته و توحّد جبروته، فأشاع نورا من نوره فلمع، و قبأ من ضيائه فسطع، ثمّ اجتمع ذلك النور في وسط تلك الصور الخفية فوافق صورة نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال اللّه له: أنت المختار المنتخب و عندك ثابت نورى و أنت كنوز هدايتى، ثمّ أخفى الخليقه في غيبه و سترها في مكنون علمه، ثمّ وسّط العالم و بسط الزمان و موّج الماء و أثار الزبد و أفاج الرّيح، فطفى عرشه على الماء فسطح الأرض على ظهر الماء، ثمّ انشأ الملائكة من أنوار ابتدائها و أنوار اخترعها، و قرن بتوحيده نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ظاهرا فهو أبو الأرواح و يعسوبها كما أنّ آدم عليه السّلام أبو الأجساد و سببها، ثمّ انتقل النور في جميع العوالم عالما بعد عالم و طبقا بعد طبق و قرنا بعد قرن إلى أن ظهر محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالصورة و المعنى في آخر الزمان، و يطابق هذا الكلام قول عمّي العبّاس بن عبد المطلب رضى اللّه عنه قال: يا رسول اللّه أريد أن أمدحك قال: قل لا يفضض اللَّه فاك قال (ره):
من قبلها طبت في الظلال و في
مستودع حيث يخصف الورق
ثمّ انبطت البلاد لا بشر
أنت و لا مضغة و لا علق
بل نطفة تركب السّفين و قد
الجمت نسرا و أهله الغرق
وردت نار الخليل مكتتما
تجول فيها و لست تحترق
تنقل من صالب إلى رحم
إذا مضى عالم بدا طبق
حتّى احتوى بيتك المهيمن
من خندف«» عليا تحتها النّطق
و أنت لمّا ولدت أشرقت الأرض
و ضاءت بنورك الافق
فنحن في ذلك الضياء و في
النّور و سبل الرّشاد تحترق
(فأخرجه من أفضل المعادن منبتا و أعزّ الارومات مغرسا) يحتمل أن يكون المراد بذلك مكّة زادها اللّه شرفا لأنها لمّا سمحت بمثله صلوات اللّه و سلامه عليه صار أجدر بأن تكون أفضل المعادن و أعزّ الاصول، و يشعر به قوله الآتي: نبتت في حرم، فافهم.
و الأظهر أن يراد به إما إبراهيم خليل اللّه أو إسماعيل ذبيح اللّه، فانّ كلّا منهما لما كان محلا لجوهر الرسالة و أصلا لشجرة النبوّة صار حقيقا بأن يكون أفضل المعادن و أعزّ الاصول، و يستعار لهما هذان اللفظان.
و يناسب ذلك قوله عليه السّلام (من الشجرة التي صدع منها أنبيائه و انتجب منها أمنائه) فانّ الأظهر أنّ المراد بها أحدهما عليهما السّلام لكون الأنبياء من فروع تلك الشجرة المباركة و انتهاء سلسلة النبوة الخاصة لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اليهما، و يعرف ذلك بذكر نسبه الشريف و هو كما في البحار أنه: محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب و اسمه شيبة بن الحمد بن هاشم، و اسمه عمرو بن عبد مناف، و اسمه المغيرة بن قصى«»، و اسمه زيد بن كلاب«» بن مرّة بن كعب بن لوى«» بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، و هو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر«» بن نزار بن معد«» بن عدنان بن ادّ بن اود بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام ابن تارخ بن ناخور بن ساروع«» بن ارغوا بن فالغ (فالع خ ل) بن عابر، و هو هود بن شالح بن أرفحشد بن سام بن نوح بن ملك بن متوشلخ«» بن اخنوخ، و هو إدريس«» بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيث، و هو هبة اللّه بن آدم أبي البشر عليهم السّلام جميعا.
روى مسلم عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ اللّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، و اصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، و اصطفى من بني كنانة قريشا و اصطفى من قريش بنى هاشم و اصطفاني من بني هاشم.
و (عترته خير العتر) و هم الذين أوصى فيهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي و أنهما، لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض كهاتين، و ضمّ سبابتيه فقام إليه جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال: يا رسول اللّه و من عترتك قال: عليّ و الحسن و الحسين و الأئمة من ولد الحسين عليهم السّلام إلى يوم القيامة رواه الصدوق في كتاب اكمال الدّين و معاني الأخبار باسناده عن الصّادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و قال الصّدوق (ره) في محكيّ كلامه حكى محمّد بن بحر الشيباني عن محمّد بن عبد الواحد صاحب أبي العبّاس تغلب في كتابه الذي سماه كتاب الياقوتة أنه قال حدّثنى أبو العبّاس تغلب قال: حدّثني ابن الأعرابي، قال: العترة قطاع المسك الكبار في النافجة و تصغيرها عتيرة، و العترة الريقة العذبة، و العترة شجرة تنبت على باب و جار الضبّ و أحسبه أراد و جار الضّبع لأنّ الذي للضبّ مكو و للضبع و جار، ثمّ قال: و إذا خرجت الضبّ من و جارها تمرّغت على تلك الشجرة فهي لذلك لا تنمو و لا تكبر، و العرب تضرب مثلا للذليل و الذلة فيقولون أقلّ من عترة، و العترة ولد الرّجل و ذريّته من صلبه، فلذلك سميت ذرّية محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من عليّ و فاطمة: عترة محمّد قال تغلب: فقلت لابن الأعرابي: فما معنى قول أبي بكر في السقيفة: نحن عترة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أراد بلدته و بيضته، و عترة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا محالة ولد فاطمة عليها السلام، و الدّليل على ذلك ردّ أبي بكر و انفاذ عليّ عليه السّلام بسورة برائة و قوله عليه السّلام: امرت أن لا يبلغها عنّي إلّا أنا أو رجل منّي، فأخذها منه و دفعهاإلى من كان منه دونه فلو كان أبو بكر من العترة نسبا دون تفسير ابن الاعرابي أنه أراد البلدة لكان محالا أخذ سورة برائة منه و دفعها إلى عليّ عليه السّلام.
و قد قيل: إنّ العترة الصّخرة العظيمة يتّخذ الضبّ عندها جحرا يأوى إليه و هذا لقلّة هدايته، و قد قيل إنّ العترة أصل الشجرة المقطوعة التي تنبت من اصولها و عروقها، و العترة في غير هذا المعنى قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا فرعة و لا عتيرة قال الاصمعى: كان الرّجل في الجاهلية ينذر نذرا على أنه إذا بلغت غنمه مأئة أن يذبح رجبية«» و عتاير فكان الرّجل ربما بخل بشاته فيصيد الظباء يذبحها عن غنمه عن آلهتهم ليوفى بها نذره و أنشد الحرث بن حلزة:
عننا باطلا ظلما كما
تعتر عن حجرة الربيض الظباء
يعني يأخذونها بذنب غيرها كما يذبح اولئك الظباء عن غنمهم، و قال الأصمعي: و العترة الريح و العترة أيضا شجرة كثيرة اللّبن صغيرة يكون (نحو القامة خ ل) و يقال: العترة الذكر و عتر يعتر عترا إذا الغظ و قال الرياشي سألت الاصمعي عن العترة فقال هو نبت مثل المرز نجوش ينبت متفرقا ثمّ قال الصّدوق: العترة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و ذرّيته من فاطمة و سلالة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هم الذين نصّ اللّه بالامامة على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هم اثنا عشر أوّلهم عليّ عليه السّلام و آخرهم القائم عليهم السّلام على جميع ما ذهبت إليه العرب من معنى العترة.
و ذلك إنّ الأئمة عليهم السّلام من بين جميع بني هاشم و من بين جميع ولد أبي طالب كقطاع المسك الكبار في النافجة و علومهم العذبة عند أهل الحكمة و العقل، و هم الشجرة التي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أصلها و أمير المؤمنين فرعها و الأئمة من ولدها أغصانها و شيعتهم ورقها و علمهم ثمرتها، و هم عليهم السّلام اصول الاسلام على معنى البلدة و البيضة و هم عليهم السّلام الهداة على معنى الصخرة العظيمة التي يتّخذ الضبّ عندها جحرا يأوى إليه لقلّة هدايته، و هم أصل الشجرة المقطوعة لأنهم و تروا و ظلموا و جفوا و قطعوا و لم يوصلوا، فنبتوا من اصولهم و عروقهم لا يضرّهم قطع من قطعهم و إدبار من أدبر عنهم، إذ كانوا من قبل اللّه منصوصا عليهم على لسان نبيّ اللّه، و من معنى العترة هم المظلومون المؤاخذون بما لم يجرموه و لم يذنبوه و منافعهم كثيرة.
و هم عليهم السّلام ينابيع العلم على معنى الشجرة الكثيرة اللبن، و هم عليهم السّلام ذكر ان غير اناث على قول من قال إنّ العترة هم الذكر، و هم جند اللّه عزّ و جلّ و حزبه على معنى قول الاصمعى إنّ العترة الريح، قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الريح جند اللّه الأكبر في حديث مشهور عنه، و الريح عذاب على قوم و رحمة للآخرين، و هم عليهم السّلام كذلك كالقرآن المقرون إليهم بقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب اللّه و عترتي أهل بيتى قال اللّه عزّ و جلّ: وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً و قال عزّ و جلّ: وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ.
و هم أصحاب المشاهد المتفرقة على المعنى الذي ذهب إليه من قال إنّ العترة هو نبت مثل المرز نجوش ينبت متفرقا و بركاتهم منبثة في المشرق و المغرب (و اسرته) أى رهطه و عشيرته (خير الاسر) و يدل عليه ما في تفسير الامام عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ للّه عزّ و جلّ خيارا من كلّ ما خلقه: فله من البقاع خيار و له من الليالى و الأيام خيار، و له من الشهور خيار، و له من عباده خيار، و له من خيارهم خيار.
فامّا خياره من البقاع فمكّة و المدينة و بيت المقدس و إنّ صلاتا في مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام و المسجد الأقصى يعنى مكّة و بيت المقدّس، و أمّا خياره من اللّيالي فليالي الجمع و ليلة النصف من شعبان و ليلة القدر و ليلة العيد، و أما خياره من الأيام فأيّام الجمع و الأعياد، و أمّا خياره من الشهور فرجب و شعبان و شهر رمضان، و أما خياره من عباده فولد آدم عليه السّلام، و خياره من ولد آدم من اختاره على علم منه بهم فانّ اللّه عزّ و جلّ لما اختار خلقه اختار ولد آدم عليه السّلام، ثمّ اختار من ولد آدم العرب، ثمّ اختار من العرب مضر، ثمّ اختار من مضر، قريشا، ثمّ اختار من قريش هاشما، ثمّ اختارني من هاشم، و أهل بيتى كذلك، فمن أحبّ العرب فيحبّني و احبّهم و من أبغض العرب فيبغضني و ابغضهم و نعم ما قيل:
للّه في عالمه صفوة
و صفوة الخلق بنو هاشم
و صفوة الصفوة من هاشم
محمّد الطّهر أبو القاسم
و يشهد به أيضا ما روي بطريق العامة عن عايشة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أتاني جبرئيل فقال. قلبت مشارق الأرض و مغاربها فلم أر رجلا أفضل من محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لم أر ابن أب أفضل من بني هاشم.
و في رواية ابن عمر أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إنّ اللّه اختار خلقه فاختار منهم بني آدم ثمّ اختار بني آدم فاختار منهم العرب، ثمّ اختار العرب فاختار منهم قريشا، ثمّ اختار قريشا فاختار منهم بني هاشم، ثمّ اختار بني هاشم فاختارني منهم، فلم ازل خيارا من خيار ألا من أحبّ العرب فيحبّني احبّهم و من ابغض العرب فيبغضنى ابغضهم (و شجرته خير الشجر) أى أصله خير الاصول، و أراد بها إمّا هاشما أو اسماعيل على سبيل الاستعارة، و يجوز أن يراد بها نفسه صلوات اللّه و سلامه عليه و آله على كون الاضافة بيانية و يدل عليه ما في البحار من معاني الأخبار باسناده عن جابر قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ:
كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها.
قال عليه السّلام: أمّا الشجرة فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و فرعها عليّ عليه السّلام، و غصن الشجرة فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ثمرها أولادها عليهم السّلام، و ورقها شيعتنا ثمّ قال عليه السّلام: إنّ المؤمن من شيعتنا ليموت فيسقط من الشجرة ورقة و إنّ المولود من شيعتنا ليولد فتورق الشجرة ورقة.
و بمعناه أخبار كثيرة، و قد نظم بعض الشعراء مضمونها و قال:
يا حبذا دوحة في الخلد نابتة
ما مثلها نبتت في الخلد من شجر
المصطفى أصلها و الفرع فاطمة
ثمّ اللّقاح عليّ سيّد البشر
و الهاشميّان سبطاه لها ثمر
و الشّيعة الورق الملتفّ بالثمر
هذا مقال رسول اللّه جاء به
أهل الرّواية في العالي من الخبر
و قيل: أراد بالشجرة إبراهيم الخليل و هو بعيد لمنافاته بظاهر قوله (نبتت في حرم) لظهوره في مكّة إلّا أن يراد به حرم العزّ و المنعة (و بسقت في كرم) أى طالت و ارتفعت في العزّ و الكرامة (لها فروع طوال) إن كان المراد بالشجرة إبراهيم أو إسماعيل فالمراد بالفروع الأنبياء من ذرّيتها، و إن كان المراد بها هاشم أو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأراد بها الأئمة عليهم السّلام و وصفها بالطول إشارة إلى بلوغها في الشّرف و الكمال منتهى النّهاية (و ثمرة لا تنال) كنّى بها عن علوم الأنبياء و الأئمة أو مكارم أخلاقهم و محاسن مآثرهم، و بعدم نيلها عن شرفها و غموض أسرارها يعني أنها لشرفها و علوّها لا يمكن الوصول اليها، أو أنها لغموضها و دقّتها لا تصل الأذهان اليها (فهو إمام من اتّقى و بصيرة من اهتدى) يعني أنّه صلوات اللّه عليه و آله قدوة المتقين و تبصرة المهتدين لهم فيه اسوة حسنة و هو (سراج لمع ضوئه و شهاب سطع نوره و زند برق لمعه) شبهه عليه السّلام بالسراج و الشهاب و الزند في كونه سبب هداية الخلق كما أنّ هذه الثلاثة كذلك، و رشح التشبيه الأول بلمعان الضوء، و الثّاني بارتفاع النّور، و الثالث ببروق اللّمع، و يحتمل أن يكون وجه الشبه في الثالث إثارة أنوار الهداية.
(سيرته القصد) و الاعتدال (و سنّته الرّشد) و الصواب (و كلامه الفصل) بين الحقّ و الباطل (و حكمه العدل) خال عن الحرف و الميل (أرسله على حين فترة من الرّسل) أى على حين سكون و انقطاع من الرّسل، و قد تقدّم توضيح ذلك في شرح الخطبة الثامنة و الثمانين فتذكر (و هفوة من العمل) أى زلّة منه (و غباوة من الامم) أى غفلة منها، و ذلك لأنّ خلوّ الزمان من الرسول موجب لكثرة الزلّات و تزايد الغفلات و فرط الجهالات، فتخصيص إرساله بذلك الزّمان و تلك الحال إشارة إلى كمال تلك النعمة و عظمة هذه الموهبة حيث هداهم بوجوده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الضلالة و أنقذهم بمكانه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الجهالة، هذا.
و لمّا فرغ من شرح حال الرّسالة عقّبه بالذكرى و الموعظة فقال (اعملوا رحمكم اللّه على أعلام بيّنة) أى اعملوا الصّالحات على ما دلّت عليها الأعلام البيّنات و المنار الواضحات الظّاهرات، و كنّى بها عن أئمة الدّين و مصابيح اليقين فانهم علامات الهدى في غياهب الدّجى (فالطّريق) أى طريق الشريعة (نهج) واضح (يدعو) و يؤدّى (إلى دار السّلام و أنتم في دار مستعتب) أى يمكنكم فيها استعتاب الخالق سبحانه و استرضائه بصالح الأعمال و اصلاح الحال، لأنكم (على مهل و فراغ) أى على امهال و انظار و فراغ من عوائق الموت.
(و) الحال أنّ (الصّحف) أى صحايف أعمالكم (منشورة) لم تطو بعد (و الأقلام) اى أقلام كرام الكاتبين (جارية) لم تجف (و الأبدان صحيحة) و سالمة من الأمراض المانعة من القيام لوظايف العبودية (و الألسن مطلقه) من الخرس و الاعتقال (و التوبة مسموعة و الأعمال مقبولة) لانّكم في دار التكليف يمكنكم فيها تدارك ما فات و الورود على ما هو آت، و أما بعد طيّ الصخف و جفّ الاقلام و اعتقال اللسان و خروج الأرواح من الأبدان، فلا يمكنكم الاستزادة من صالح العمل و لا الاستعتاب من سيّيء الزّلل كما قال تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ.
الترجمة
از جمله خطبهاى شريفه آن جناب ولايت مآب است كه مى فرمايد: پس بلند است معبود بحق آن معبودى كه نمى رسد بأوهمّتهاى بعيده، و درك نمى نمايد او را إدراك ذكاوتها، أوّلي كه هيچ غايتي نيست او را پس نهايت برسد، و آخرى ندارد او را تا اين كه منقضى شود، بعضى از اين خطبه در صفت انبيا است مىفرمايد: پس أمانت نهاد خداوند متعال ايشان را در أفضل محلّ أمانتها كه عبارتست از صلبهاى پدران، و برقرار فرمود ايشان را در بهترين مقرها كه عبارتست از رحمهاى مادران، نقل نمود آنها را صلبهاى كريمه پدرها برحمهاى پاكيزه مادرها، هرگاه گذشت از ايشان سلفى ايستاد بترويج دين خدا از ايشان خلفى تا اين كه منجرّ شد كرامت حق سبحانه و تعالى كه عبارتست از منصب نبوّت بمحمّد بن عبد اللّه صلوات اللّه و سلامه عليه و آله، پس بيرون آورد آن بزرگار را از بهترين معدنها از حيثيت روئيدن و عزيزترين أصلها از حيثيت نشاندن، از درختى كه شكافته و بيرون آورده از آن پيغمبران خود را، و برگزيده از آن امينان خود را.
عترت آن حضرت بهترين عترتها است، و قبيله آن حضرت بهترين قبيلهها است، و درخت آن حضرت بهترين درختها است در حالتى كه روئيده است آن درخت در حرم محترم، و بلند شده در مجد و كرم، مر آن درخت راست شاخهاى بلند، و ميوهائى كه دست نمىرسد بآن.
پس آن حضرت پيشواى كسيست كه متّصف است بصفت تقوى، و بينائى كسى است كه متّصف است بصفت اهتدا، چراغيست كه درخشانست روشنائى او، و ستارهايست كهظاهر است نور او، و آتش زنهايست كه برق مىدهد لمعان او، روش آن حضرت ميانه روى است، و طريقه او رشادت است، و كلام او جدا كننده است ميان حقّ و باطل، و حكم او عدل است.
فرستاد حق تعالى او را در حين فتور و انقطاع از پيغمبران، و زمان لغزش عاملان از عمل، و وقوع غفلت از امتها، عمل نمائيد خدا رحمت كند بر شما بر طبق آنچه كه دلالت نموده بر آن علامات ظاهره، پس طريق حق واضح و روشن است كه دعوت مى نمايد و مى خواند بدار سلامت كه عبارتست از جنت، و حال آنكه شما در سرائى هستيد كه ممكن است شما را ترضيه پروردگار، و بر مهلت و فراغت ميباشد در حالتى كه نامهاى أعمال نشر كرده شده و پيچيده نيست، و قلمهاى كرام الكاتبين روان است، و بدنها صحيح است و زبانها روان است و گويان، و توبه شنوده شده است، و عملها مقبول است، پس فرصت را غنيمت شماريد و وقت را از دست مگذاريد.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»