خطبه 93 صبحی صالح
93- و من خطبة له ( عليه السلام ) و فيها ينبّه أمير المؤمنين على فضله و علمه و يبيّن فتنة بني أمية
أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ
أَيُّهَا النَّاسُ
فَإِنِّي فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ
وَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِئَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي
بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا وَ اشْتَدَّ كَلَبُهَا
فَاسْأَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي
فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ السَّاعَةِ
وَ لَا عَنْ فِئَةٍ تَهْدِي مِائَةً وَ تُضِلُّ مِائَةً إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا
وَ قَائِدِهَا وَ سَائِقِهَا
وَ مُنَاخِ رِكَابِهَا وَ مَحَطِّ رِحَالِهَا
وَ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِهَا قَتْلًا
وَ مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتاً
وَ لَوْ قَدْ فَقَدْتُمُونِي وَ نَزَلَتْ بِكُمْ كَرَائِهُ الْأُمُورِ وَ حَوَازِبُ الْخُطُوبِ
لَأَطْرَقَ كَثِيرٌ مِنَ السَّائِلِينَ
وَ فَشِلَ كَثِيرٌ مِنَ الْمَسْئُولِينَ
وَ ذَلِكَ إِذَا قَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ
وَ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقٍ
وَ ضَاقَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ضِيقاً
تَسْتَطِيلُونَ مَعَهُ أَيَّامَ الْبَلَاءِ عَلَيْكُمْ
حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لِبَقِيَّةِ الْأَبْرَارِ مِنْكُمْ
إِنَّ الْفِتَنَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ
وَ إِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ
يُنْكَرْنَ مُقْبِلَاتٍ
وَ يُعْرَفْنَ مُدْبِرَاتٍ
يَحُمْنَ حَوْمَ الرِّيَاحِ
يُصِبْنَ بَلَداً وَ يُخْطِئْنَ بَلَداً
أَلَا وَ إِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةُ بَنِي أُمَيَّةَ
فَإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ عَمَّتْ خُطَّتُهَا
وَ خَصَّتْ بَلِيَّتُهَا
وَ أَصَابَ الْبَلَاءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا
وَ أَخْطَأَ الْبَلَاءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا
وَ ايْمُ اللَّهِ لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوءٍ بَعْدِي
كَالنَّابِ الضَّرُوسِ تَعْذِمُ بِفِيهَا
وَ تَخْبِطُ بِيَدِهَا
وَ تَزْبِنُ بِرِجْلِهَا
وَ تَمْنَعُ دَرَّهَا
لَا يَزَالُونَ بِكُمْ حَتَّى لَا يَتْرُكُوا مِنْكُمْ إِلَّا نَافِعاً لَهُمْ
أَوْ غَيْرَ ضَائِرٍ بِهِمْ
وَ لَا يَزَالُ بَلَاؤُهُمْ عَنْكُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ انْتِصَارُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ إِلَّا كَانْتِصَارِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ
وَ الصَّاحِبِ مِنْ مُسْتَصْحِبِهِ
تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ مَخْشِيَّةً
وَ قِطَعاً جَاهِلِيَّةً
لَيْسَ فِيهَا مَنَارُ هُدًى
وَ لَا عَلَمٌ يُرَى
نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْهَا بِمَنْجَاةٍ
وَ لَسْنَا فِيهَا بِدُعَاةٍ
ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللَّهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ الْأَدِيمِ
بِمَنْ يَسُومُهُمْ خَسْفاً وَ يَسُوقُهُمْ عُنْفاً
وَ يَسْقِيهِمْ بِكَأْسٍ مُصَبَّرَةٍ لَا يُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ
وَ لَا يُحْلِسُهُمْ إِلَّا الْخَوْفَ
فَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشٌ بِالدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا لَوْ يَرَوْنَنِي مَقَاماً وَاحِداً
وَ لَوْ قَدْرَ جَزْرِ جَزُورٍ
لِأَقْبَلَ مِنْهُمْ مَا أَطْلُبُ الْيَوْمَ بَعْضَهُ فَلَا يُعْطُونِيهِ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج7
و من خطبة له عليه السّلام و هى الثانية و التسعون من المختار فى باب الخطب
خطب بها بعد انقضاء أمر النهروان، و هى من خطبه المشهورة رواها غير واحد حسبما تطلع عليه و شرحها في ضمن فصلين:
الفصل الاول
أمّا بعد أيّها النّاس فأنا فقأت عين الفتنة، و لم يكن ليجترئ عليهاأحد غيري بعد أن ماج غيهبها، و اشتد كلبّها، فاسئلوني قبل أن تفقدوني فو الّذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم و بين السّاعة، و لا عن فئة تهدي مأئة و تضلّ مأئة، إلّا أنبأتكم بناعقها، و قائدها، و سائقها و مناخ ركابها، و محطّ رحالها، و من يقتل من أهلها قتلا، و يموت منهم موتا، و لو قد فقد تموني و نزلت بكم كرائه الأمور، و حوازب الخطوب، لأطرق كثير من السّائلين، و فشل كثير من المسئولين، و ذلك إذا قلصت حربكم، و شمّرت عن ساق، و ضاقت الدّنيا عليكم ضيقا، تستطيلون أيام البلاء عليكم، حتّى يفتح اللّه لبقيّة الأبرار منكم، إنّ الفتن إذا أقبلت شبّهت، و إذا أدبرت نبّهت، ينكرن مقبلات، و يعرفن مدبرات، يحمن حوم الرّياح، يصبن بلدا، و يخطين بلدا.
اللغة
(فقأت) عين الفتنة من باب منع قلعتها و شققتها و (الغيهب) الظلمة و (كلب) الكلب كلبا فهو كلب من باب تعب و هوداء يشبه الجنون يأخذه فيعقر الناس و في القاموس الكلب بالتحريك صياح من عضّة الكلب الكلب و جنون الكلاب المعترى من أكل لحوم الانسان و شبه جنونها المعترى للانسان من عضّها و (نعق) بغنمه من باب منع و ضرب صاح بها لتعود إليه و زجرها و نعق الغراب صاح و (مناخ) الابل بضمّ الميم موضع اناختها أى مبركها، و في شرح المعتزلي يجوز جعله مصدرا كالمقام بالضّم بمعنى الاقامة و (الركاب) بالكسر المطى اى الابل التي يسار عليها و احدتها راحلة من غير لفظها و الجمع الرّكب ككتب و (المحطّ) بفتح الميم قال الشارح المعتزلي يجوز كونه مصدرا كالمرد في قوله تعالى: و إنّ مردّنا إلى اللّه، و كونه موضعا كالمقتل و (الرّحال) كأرحل جمع الرّحل و هو مركب للبعير و يقال له را حول أيضا و (الحوازب) جمع الحازب من حزبه الأمر إذا اشتدّ عليه أو ضغطه و (الخطوب) جمع الخطب و هو معظم الأمر و (الاطراق) السّكوت و الاقبال بالبصر إلى الصّدر و (فشل) فشلا فهو فشل من باب تعب و هو الجبان الضّعيف القلب (إذا قلصت حربكم) بتخفيف اللّام من باب ضرب أى كثرت و تزايدت، و في المصباح قلصت شفته انزوت و قلص الثوب انزوى بعد غسله، و في بعض النسخ عن حربكم، و في بعض النسخ بالتشديد أى انضمّت و اجتمعت و (شبّهت) بالبناء على المعلوم اى جعلت أنفسها شبيهة بالحقّ أو على المجهول أى أشكل أمرها و التبس على الناس و (نبهته) من النوم أيقظته و (حام) الطائر حول الماء إذا دار و طاف لينزل عليه و (يخطين) من الخطو و هو المشى
الاعراب
جملة و لو قد فقد تموني إمّا استينافية أو قسمية بحذف المقسم به بدلالة السّياق، و لو الشرطية بمعنى ان مفيدة للتعليق في الاستقبال إلّا أنه جيء، بالشرط و الجزاء بصيغة الماضي تنبيها على تحقّق وقوعهما لا محالة، و هو من المحسنات البيانية، و الحرب مؤنث سماعي و لذا انّث الفعل المسند إليه، و مفعول شمّرت محذوف أيضا، و ضاقت عطف على شمرت، و جملة تستطيلون حال من المجرور في عليكم، و جملة ينكرن مقبلات و يعرفن مدبرات بدل كلّ من جملة إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت نبهت كما في قوله تعالى: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ.
و جملة يحمن منصوب المحلّ على الحال
المعنى
اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه عليه السّلام مسوق لاظهار مناقبه الجّمة و فضائله الدثرة، و التنبيه على علو مقامه و رفعة مكانه و الغرض به التعريض على المخاطبين بغفلتهم عن سموّ شأنه و جهالتهم بقدره و عدم معرفتهم به حقّ المعرفة ليرقدوا بذلك عن نوم الغفلة و الجهالة و يعرفوه حقّ المعرفة، و يعظموا قدره و منزلته و يقيموا بوظايف طاعته على ما يليق به سلام اللّه عليه و آله و أشار عليه السّلام أوّلا إلى فضيلته و شجاعته و كمال مهابته بقوله (أما بعد أيّها النّاس فأنا فقأت عين الفتنة) أى شققتها و قلعتها بشحمها أو أدخلت الاصبع فيها، و هو استعارة لكسر ثورانها و إسكان هيجانها، و المراد بالفتنة إمّا خصوص فتنة أهل البصرة و النهروان كما وقع الاشارة إليه منه عليه السّلام في رواية إبراهيم الثقفي و سليم ابن قيس الهلالي الآتية في ذيل شرح الفصل الثاني، أو عموم فتن المنافقين و الكافرين و المصدر المحلّى باللام و إن لم يكن مفيدا للعموم بحسب الوضع اللّغوى حسبما قرّر في الاصول، إلّا أنّه لا ينافي إفادته له بقرينة الحال.
فقد ظهر و اتّضح لنا ظهور الشمس في رابعة النهار أنه عليه السّلام ردّ نخوة بأو الكفّار و اعتلائهم يوم بدر، و شموخ انفهم و سموّ غلوائهم يوم أحد، و كسر صولتهم يوم خيبر و فقأ أعينهم بقتل ابن عبدود يوم الأحزاب، و هكذا ساير الحروب و الخطوب فقد علمنا علما يقينا أنه لو لا سيفه عليه السّلام لما قام للاسلام عمود، و لا اخضرّ للايمان عود و لذلك قدّم المسند إليه على المسند ليفيد التخصيص، و جعل المسند جملة للتقوى كما قرّر في علم المعان، و أكده بقوله (و لم يكن ليجترئ عليها أحد غيرى) و تصديق ذلك أمّا في وقعة الجمل و النهروان فلأنّ الناس كانوا لا يتجاسرون على قتال أهل القبلة و يخافون من ذلك الاثم و العصيان، و كانوا حسن الظنّ بطلحة و الزبير مع كون زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيهم و أهل النّهروان كانوا أهل قرآن و صلاة و اجتهاد و عبادة، و كان النّاس يهابون قتالهم و يقولون كيف نقاتل من يصلّى كصلاتنا و يؤذّن كأذاننا و يصوم كصومنا على ما عرفت في شرح الخطبة السادسة و الثلاثين و كذا التبس الأمر في وقعة صفين و لذلك أمسك مثل خزيمة بن ثابت الانصاريعن القتال حتّى قتل عمار فتيقّن ضلالة القاسطين و قاتل حتّى قتل كما مرّ مشروحا في تذييل الكلام الخامس و الستين و أمّا في ساير الوقايع و الحروب التي كانت في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقد زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ و ظنّوا باللّه الظّنونا و اضطرب المؤمنون وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً و دارت أعين المنافقين كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ و قالوا: ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ف وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ بوجوده عليه السّلام وَ كانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً و انزل في حقه عليه السّلام و في عمّه حمزة و أخيه جعفر مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا.
و إلى شدّة تلك الفتن و ظلمتها أشار بقوله (بعد أن ماج غيهبها) و كنّى بتموّج، ظلمتها عن شمول ظلّ لها لأنّ الظلمة إذا تموجّت شملت أماكن كثيرة غير الأماكن التي تشملها لو كانت ساكنة و إلى غلبة شرّها و أذاها بقوله (و اشتدّ كلبها) ثمّ أشار إلى فضيلة علمه بقول ما زال يقوله و هو قوله: (فاسألوني قبل أن تفقدوني) قال الشارح المعتزلي روى صاحب كتاب الاستيعاب و هو أبو عمر محمّد بن عبد البر عن جماعة من الرّواة و المحدّثين قالوا لم يقل أحد من الصحابه عنهم سلونى إلّا عليّ ابن أبي طالب، و روى شيخنا أبو جعفر الاسكافي في كتاب نقض العثمانية عن عليّ بن الجعد عن ابن شبرمه قال: ليس لأحد من النّاس أن يقول على المنبر سلوني إلّا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
أقول: و ذلك لأنّ الأنواع السّؤلات غير محصورة و لا محصاة، و أصناف الطلبات غير معدودة و لا مستقصاة، فبعضها يتعلّق بالمعقول و بعضها بالمنقول، و بعضها بعالم الشهود و بعضها بعالم الغيب، و بعضها بما كان و بعضها بما يكون و بعضها بما هو كائن، و هكذا فلا يمكن الجواب عن هذا كلّه و لا يقدر على مثل ذلك إلّا من تأيّد بقوّة ربانيّة، و اقتدر بقدرة الهيّة، و نفث في روعه الرّوح الأمين، و تعلّم علوم الأولين و الآخرين، و صار منبع العلم و الحكمة، و ينبوع الكمال و المعرفة، و هو أمير المؤمنين و يعسوب الدين، و وارث علم النبيين و بغية الطّالبين، و حلّال مشكلات السائلين فلا ينصب نفسه في هذا المنصب إلّا جاهل، و لا يدّعى لنفسه هذا المقام إلّا تائه غافل، و في هذا المقام قال الشاعر:
و من ذا يساميه بمجد و لم يزل
يقول سلوني ما يحلّ و يحرم
سلوني ففي جنبي علم ورثته
عن المصطفى ما فات منّى به الفم
سلوني عن طرق السموات إننى
بها عن سلوك الطرق في الارض أعلم
و لو كشف اللّه الغطا لم أزد به
يقينا على ما كنت أدرى و أفهم
و قد روينا في التذييل الثاني من شرح الكلام الثالث و الأربعين أنّ ابن الجوزي قال يوما على منبره: سلوني قبل أن تفقدوني، فسألته امرئة عمّا روي أنّ عليّا سار في ليلة إلى سلمان فجهّزه و رجع، فقال: روى ذلك، قالت: فعثمان ثمّ ثلاثة أيّام منبوذا في المزابل و عليّ عليه السّلام حاضر، قال: نعم، فقالت: فقد لزم الخطاء لأحدهما، فقال: إن كنت خرجت من بيتك بغير اذن زوجك فعليك لعنة اللّه و إلّا فعليه، فقالت: خرجت عايشة إلى حرب عليّ باذن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أولا فانقطع و لم يحر جوابا و رووا أيضا أنّ قتاده دخل الكوفة فالتفت إليه الناس فقال: اسألوني عما شئتم و كان أبو حنيفة حاضرا و هو إذا غلام حدث السنّ، فقال: اسألوه عن نملة سليمان أ كان ذكرا أم أنثى، فسألوه فانقطع، فقال أبو حنيفة كانت انثى فقيل له: بم عرفت ذلك قال من كتاب اللّه و هو قوله تعالى قالت نملة و لو كان ذكرا لقال: قال نملة و ذلك لأنّ لفظ النملة يقع على الذكر و الانثى كلفظ الحمامة و الشاة«» و إنما يميّز بينهما بعلامة التأنيث.
فانظر إلى هذين المغرورين المعجبين كيف عييا عن جواب أدنى مسألة فكيف بهما إذا سئلا عن حجب الأسرار، و سرادقات الأنوار، و الغيب المكنون، و السرّ المكتوم، و عجائب الملكوت، و بدايع الجبروت، فاشهد أنّ عريف ذلك و الخبير بكلّ ذلك لم يكن إلّا أمير المؤمنين، و وصيّ رسول ربّ العالمين، و عنده علم الكتاب كلّه، و فيه خبر السّماء و خبر الأرض و خبر ما كان و ما يكون و ما هو كائن إلى يوم القيامة كما قال عزّ من قائل: وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.
أى في إمام مبين و قد سئل عليه السّلام في مقامات شتى عن مسائل مشكلة متفرّقة فأجاب عنها بأجوبة شافية تاهت فيها العقول و دهشت بها القلوب حسبما نشير إلى بعضها بعد الفراغ عن شرح الفصل ثمّ اقسم عليه السّلام بالقسم البارّ انه عالم بما هو كائن إلى يوم القيامة و قال: (فو الذي نفسى بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم و بين الساعة) إلّا أنبئتكم به، و نحوه ما رواه في البحار من بصائر الدّرجات باسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سئل عليّ عليه السّلام عن علم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: علم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علم جميع النبيّين و علم و ما كان و علم ما هو كائن إلى قيام السّاعة، ثمّ قال عليه السّلام: و الذى نفسي بيده إنّى لأعلم علم النبيّ و علم ما كان و علم ما هو كائن فيما بيني و بين قيام السّاعة (و لا عن فئة تهدى مأئة و تضل مأئة) تخصيص هذا العدد بالبيان ليس لقصد الاختصاص و إنما هو جار على سبيل المثل و إشارة إلى الكثرة إذا مادون مأئة حقير لا يعتدّ به قال الأعشى:
الواهب المأة الهجان و عبدها
عوذا يزجى خلفها أطفالها
و قال أيضا:
هو الواهب المأة المصطفاة
إمّا مخاضا و إمّا عشارا
و قد كثر في الأخبار ذكر السبعين على سبيل المثل، و قيل في قوله سبحانه إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ.
إنّ المقصود به نفى الغفران جملة و إنّما جاء السّبعون مجرى المثل للتكثير و كيف كان فمفهوم العدد ليس بحجّة كما قرّر في الاصول، و الغرض أنّه لا تسألونى عن جماعة هادية لطايفة كثيرة و مضلّة لطائفة كثيرة اخرى (إلّا أنبأتكم بناعقها) أى الداعي اليها و زاجرها (و قائدها و سائقها و مناخ ركابها و محطّ رحالها) قال الشارح البحراني: استعار عليه السّلام أوصاف الابل و رعائها و أصحابها من الناعق و القائد و السائق و المناخ و الرّكاب و الرّحال للفئة المهدية و الضالّة و من يهديهم و يضلّهم ملاحظة لشبههم بالابل في الاجتماع و الانقياد لقائد وراع (و من يقتل من أهلها) أى أهل الفئة المذكورة (قتلا و يموت منهم موتا) ثمّ نبّه عليه السّلام على أنّه أعظم نعمة أنعم اللّه سبحانه بوجوده عليهم و أنّ قدره مجهول عندهم و هم غافلون عن فوائد مقامه بين أظهرهم و أنهم سوف يعلمون إذا نزلت بهم الدّواهى و حلّت بهم الرزايا فقال: (و لو قد فقد تمونى و نزلت بكم كرائه الامور) أى المصائب التي تكرهها النفوس (و حوازب الخطوب) أى شدايد الأحوال (لأطرق كثير من السائلين) أى أرخوا أعينهم ينظرون إلى الأرض، و ذلك لصعوبة الأمر و شدّته حتى أنه يبهته عن السؤال و يتحير كيف يسأل (و فشل كثير من المسئولين) أى جبنوا عن ردّ الجواب لجهلهم بعواقب تلك الخطوب و ما يسألون عنه منها (و ذلك إذا قلصت حربكم) أى إطراق السائلين و فشل المسئولين إذا تزايدت حربكم و كثرت أوانضمّت و اجتمعت، و هو كناية عن شدّتها و صعوبتها، لأنّ الجيوش إذا اجتمعت كلها و اصطدم الفيلقان كان الأمر أصعب و أشدّ من أن تتفرّق و يحارب كلّ كتيبة كتيبة اخرى في بلاد متباعدة، و من روى قلصت عن حربكم فالمراد إذا انكشفت كرائه الامور و حوازب الخطوب عن حربكم.
(و شمّرت عن ساق) أى شمّرت الحرب و رفعت السّاتر عن ساقها و هو كناية عن اشتدادها و التحامها على سبيل الاستعارة، و الغرض تشبيه الحرب بالمجد في أمر الساعي فيه، فانّ الانسان أذا جدّ في السّعي شمّر عن ساقه و دفع ثوبه لئلّا يعوقه و يمنعه، و ربما قيل بأنه جار على الحقيقة، و معنى السّاق الشدّة، أى كشفت عن شدّة و مشقّة و به فسّر قوله سبحانه: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ.
(و ضاقت الدّنيا عليكم ضيقا) بطروق الخطوب و ابتلاء المصائب حالكونكم (تستطيلون أيام البلاء عليكم) و ذلك لأنّ أيام البلاء تكون في نظر الانسان طويلة و أيام السعة و الرّخاء قصيرة قال الشاعر:
فأيّام الهموم مقصّصات و أيّام السّرور تطير طيرا
(حتّى يفتح اللّه لبقيّة الأبرار منكم) يحتمل أن يكون المراد ببقية الأبرار أولادهم و إن لم يكونوا أبرارا في أنفسهم إن كان إشارة إلى ظهور دولة بني العباس إلّا أنّ الأظهر أنّ المراد هو ظهور الدّولة الحقّة القائميّة عجّل اللّه له الفرج و أقرّ اللّه عيون مواليه بظهوره عليه السّلام.
(إنّ الفتن إذا أقبلت شبّهت) أى جعلت نفسها أى الامور الباطنة شبيهة بالحقّ، أو أشكل أمرها و التبس على الناس (و إذا أدبرت نبهت) أى أيقظت القوم من نوم الجهالة و ظهرت بطلانها عليهم، ألا ترى أنّ الناس كانوا في بدو فتنة الجمل و النهروان في حيرة و اشتباه لا يدرون أنّ الحقّ في أيّ الجانبين، فلمّا انقضت الحرب و وضعت أوزارها ارتفع الاشتباه و تميّز الحقّ من الباطل و انتبه القوم من جهالتهم.
و أكد عليه السّلام هذا المعنى بقوله (ينكرن مقبلات) أى لا يعرف حالهنّ في حالة اقبالها (و يعرفن مدبرات) ثمّ وصفها بأنّها (يحمن حوم الرّياح) أى يطفن مثل طواف الرّياح (يصبن بلدا و يخطين بلدا).
تنبيهان الاول
قد قلنا إنّ قوله عليه السّلام: سلوني قبل أن تفقدوني كلام ما زال عليه السّلام يقول حتى أنه عليه السّلام كان يقوله بعد ما ضربه ابن ملجم لعنه اللّه و قبل وفاته بيوم كما مرّ في شرح الكلام التاسع و الستين، و نكتة ذلك أنّ اللّازم على امام الزّمان أن يبذل فيوضاته للمواد القابلة بقدر الامكان.
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ.
روى الصدوق فى التّوحيد قال: حدثّنا أحمد بن الحسن القطان و عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقاق قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريّا القطان قال: حدّثنا محمد بن العبّاس قال: حدّثنى محمد بن أبى السّرى قال: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس عن سعد الكناني عن الأصبغ بن نباته قال: لما جلس عليّ عليه السّلام على الخلافة و بايعه النّاس خرج إلى المسجد متعمّما بعمامة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا بسا بردة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متنعّلا نعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متقلّدا سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصعد إلى المنبر فجلس عليه متمكنا ثمّ شبّك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه.
ثمّ قال: يا معشر النّاس سلوني قبل أن تفقدوني هذا سفط«» العلم هذا لعاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، هذا ما زقّني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم زقّا زقّا، سلوني فانّ عندي علم الأوّلين و الآخرين، أم و اللّه لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التّوراة بتوراتهم حتّى تنطق التّوراة فتقول: صدق عليّ ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل اللّه في، و أفتيت أهل الانجيل بإنجيلهم حتى ينطق الانجيل فيقول: صدقعليّ ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ، و أفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتّى ينطق القرآن فيقول: صدق عليّ ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ، و أنتم تتلون القرآن ليلا و نهارا فهل فيكم أحد يعلم ما انزل فيه، و لو لا آية في كتاب اللّه لأخبرتكم بما كان و ما يكون و ما هو كائن إلى يوم القيامة و هي هذه الآية: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.
ثمّ قال: سلوني قبل أن تفقدوني فو الّذي فلق الحبّة، و برء النّسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل نزلت أو في نهار أنزلت مكّيها، و مدنيّها، سفريها، و حضريها، ناسخها، و منسوخها، محكمها، و متشابهها، و تأويلها، و تنزيلها، لأخبرتكم.
فقام إليه رجل يقال له: ذعلب و كان ذرب«» اللّسان بليغا في الخطب شجاع القلب فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلته اليوم لكم في مسألتي إيّاه فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربّك قال: و يلك يا ذعلب لم أكن بالّذي أعبد ربّا لم أره، قال: كيف رأيته صفه لنا، قال عليه السّلام: و يلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار و لكن رأته القلوب بحقايق الايمان، و يلك يا ذعلب إنّ ربّي لا يوصف بالبعد و لا بالحركة و لا بالسّكون و لا بقيام قيام انتصاب و لا بمجيء و لا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللّطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمحسّة، قائل لا بلفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كلّ شيء فلا يقال شيء فوقه، و امام كلّ شيء فلا يقال له امام، داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل، و خارج منها لا كشيء من شيء خارج، فخرّ ذعلب مغشيا عليه ثمّ قال: تاللّه ما سمعت بمثل هذا الجواب و اللّه لا عدت إلى مثلها.
ثمّ قال عليه السّلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الأشعث بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين كيف يؤخذ من المجوس الجزية و لم ينزل عليهم كتاب و لم يبعث إليهم نبيّ قال عليه السّلام: بلى يا أشعث قد أنزل اللّه عليهم كتابا و بعث إليهم رسولا حتّى كان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه فقالوا: أيها الملك دنّست علينا ديننا و أهلكته فاخرج نطهرّك و نقيم عليك الحدّ، و قال لهم: اجتمعوا و اسمعوا كلامي فان يكن لي مخرج ممّا ارتكبت و إلّا فشأنكم، فاجتمعوا فقال لهم: هل علمتم أنّ اللّه لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم و أمّنا حوّا قالوا: صدقت أيها الملك، قال: أ فليس قد زوّج بنيه بناته و بناته من بنيه قالوا: صدقت هذا هو الدّين فتعاقدوا على ذلك فمحا اللّه تعالى ما في صدورهم من العلم و رفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة يدخلون النّار بلا حساب، و المنافقون أشدّ حالا منهم قال الأشعث: و اللّه ما سمعت بمثل هذا الجواب و اللّه لا عدت إلى مثلها أبدا.
ثمّ قال: سلوني قبل أن تفقدوني: فقام رجل من أقصى المسجد متوكّئا على عصاه فلم يزل يتخطأ النّاس حتّى دنا منه فقال: يا أمير المؤمنين دلّني على عمل إذا أنا عملت نجاني اللّه من النّار.
قال له: اسمع يا هذا ثمّ افهم، ثمّ استيقن، قامت الدّنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، و بغنيّ لا يبخل بما له على أهل دين اللّه، و بفقير صابر، فاذا كتم العالم علمه و بخل الغني بما له و لم يصبر الفقير فعندها الويل و الثبور، و عندها يعرف العارفون أنّ الدّار قد رجعت إلى بديّها أى الكفر بعد الإيمان.
أيّها السّائل فلا تغترن بكثرة المساجد و جماعة أقوام أجسادهم مجتمعة و قلوبهم شتّى إنّما النّاس ثلاثة: زاهد، و راغب، و صابر، فاما الزاهد فلا يفرح بشيء من الدّنيا أتاه و لا يحزن منها على شيء فاته فاما الصابر فيتمناها بقلبه فانأدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها و أما الراغب فلا يبالي من حلّ أصابها أم من حرام، قال له يا أمير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزّمان قال: ينظر إلى ما أوجب اللّه عليه من حقّ فيتولّاه و ينظر إلى ما خالفه فيتبرّء منه و إن كان حميما قريبا قال: صدقت و اللّه يا أمير المؤمنين، ثمّ غاب الرّجل فلم نره فطلبه الناس فلم يجدوه فتبسم عليّ عليه السّلام على المنبر ثمّ قال: مالكم هذا أخي الخضر عليه السّلام.
ثمّ قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فلم يقم إليه أحد فحمد اللّه و أثنا عليه و صلّى على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ثمّ قال عليه السّلام للحسن: يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلّم بكلام لا يجهلك قريش من بعدي فيقولون إنّ الحسن بن عليّ لا يحسن شيئا، قال الحسن عليه السّلام: يا أبه كيف أصعد و أتكلّم و أنت في النّاس تسمع و ترى قال له: بأبي و أمّي اوارى نفسي عنك و اسمع و أرى و لا تراني، فصعد الحسن عليه السّلام المنبر فحمد اللّه بمحامد بليغة شريفة و صلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلاة موجزة ثمّ قال: أيّها النّاس سمعت جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أنا مدينة العلم و عليّ بابها و هل تدخل المدينة إلّا من بابها ثمّ نزل، فوثب إليه عليّ عليه السّلام فحمله و ضمّه إلى صدره ثمّ قال للحسين: يا بنيّ قم فاصعد المنبر و تكلّم بكلام لا يجهلك قريش من بعدى فيقولون إنّ الحسين بن عليّ لا يبصر شيئا و ليكن كلامك تبعا لكلام أخيك فصعد الحسين عليه السّلام المنبر فحمد اللّه و أثنا عليه و صلّى على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلاة موجزة ثمّ قال: معاشر النّاس سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يقول: إنّ عليّا هو مدينة هدى فمن دخلها نجى و من تخلّف عنها هلك، فوثب إليه عليّ عليه السّلام فضمّه إلى صدره و قبّله ثمّ قال: معاشر النّاس اشهدوا أنهما فرخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وديعته التي استودعنيها و أنا أستودعكموها، معاشر الناس و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سائلكم عنهما.
الثاني
اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه عليه السّلام متضمّن للتنبيه على علمه بالأخبار الغيبية و الوقايع الآتية و ما يكون بعده إلى يوم القيامة و قد تقدّم في شرح الكلام السادس و الخمسين شطر من تلك الوقايع و الأخبار.
و قال الشارح المعتزلي في شرح هذا الفصل: اعلم أنّه قد أقسم في هذا الفصل باللّه الذي نفسه بيده انّهم لا يسألون عن أمر يحدث بينهم و بين القيامة إلّا أخبرهم به و أنّه ما من طائفة من الناس تهتدى بها مأئة و تضلّ بها مأئة إلّا و هو مخبر لهم إن سألوه برعاتها و قائديها و سائقيها و مواضع نزول ركابها و خيولها و من يقتل منها قتلا و من يموت منها موتا، و هذه الدّعوى منه عليه السّلام ليست ادّعاء الرّبوبية و لا ادّعاء النبوّة و لكنه كان يقول إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخبره بذلك.
و لقد امتحنّا اخباره فوجدناه موافقا فاستدللنا بذلك على صدق الدّعوى المذكورة.
كإخباره عن الضربة التي يضرب في رأسه فتخضب لحيته، و إخباره عن قتل الحسين ابنه عليهما السّلام و ما قاله في كربلا حيث مرّ بها، و إخباره بملك معاوية الأمر من بعده، و إخباره عن الحجّاج و عن يوسف بن عمر، و ما أخبره من أمر الخوارج بالنهروان، و ما قدّمه إلى أصحابه من اخباره بقتل من يقتل منهم و صلب من يصلب و إخباره بقتال النّاكثين و القاسطين و المارقين، و اخباره بعدّة الجيش الوارد إليه من الكوفة لمّا شخص عليه السّلام إلى البصرة لحرب أهلها، و إخباره عن عبد اللّه بن الزّبير و قوله عليه السّلام فيه: خبّ ضبّ«» يروم أمراو لا يدركه ينصب حبالة الدّين لاصطياد الدّنيا«» و هو بعد مصلوب قريش.
و كإخباره عن هلاك البصرة بالغرق و هلاكها تارة اخرى بالزنج و هو الذى صحفه قوم فقالوا بالرّيح، و كإخباره عن الأئمة الذين ظهروا من ولده بطبرستان كالناصر«» و الداعى و غيرهما في قوله عليه السّلام: و إنّ لآل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالطالقان لكنزا سيظهره اللّه إذا شاء دعاة حتّى تقوم بإذن اللّه فتدعو إلى دين اللّه.
و كإخباره عن ظهور الرّايات السود من خراسان و تنصيصه على قوم من أهلها يعرفون ببنى رزيق بتقديم المهملة و هم آل مصعب منهم طاهر بن الحسين و إسحاق ابن إبراهيم و كانوا هم و سلفهم دعاة الدّولة العباسيّة، و كإخباره عن مقتل النّفس الزّكيّة«» بالمدينة و قوله عليه السّلام: انه يقتل عنده احجار الزيت، و كقوله عن أخيه إبراهيم المقتول يقتل بعد أن يظهر و يقهر بعد أن يقهر، و قوله عليه السّلام فيه أيضا يأتيه سهم عزب«» يكون فيه منيته فيا بؤس للرامي شلّت يده و وهن عضده.
و كإخباره عن قتلى فخّ و قوله عليه السّلام فيهم: هم خير أهل الأرض، أو من خير أهل الأرض و كإخباره عن المملكة العلويّة«» بالغرب و تصريحه بذكر كتائته«» و هم الذين نصروا أبا عبد اللّه الدّاعي المعلّم، و كقوله يشير إلى عبيد اللّه المهدى، و هو أوّلهم: ثمّ يظهر صاحب القيروان«» الغضّ البضّ«» ذو النسب المحض المنتجب من سلالة ذى البداء المسجّى بالرّدا، و كان عبيد اللّه المهدى مترفا مشربا رخص البدن تار الأطراف«»و ذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمّد عليهما السّلام لأنّ أباه أبا عبد اللّه جعفرا عليه السّلام سجّاه برداه لمّا مات و ادخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه ليعلموا موته و تزول عنهم الشبهة«» في أمره.
و كإخباره عن بني بويه و قوله عليه السّلام فيهم: و يخرج من ديلمان بنو الصياد، و كقوله فيهم: ثمّ يستشرى أمرهم حتّى يملكوا الزوراء و يخلعوا الخلفاء إشارة إليهم و كان أبوهم صياد السمك يصيد منه بيده ما يتقوت هو و عياله بثمنه فأخرج اللّه تعالى من ولده لصلبه ملوكا ثلاثة«» و نشر ذريتهم حتّى ضربت الأمثال بملكهم و كقوله عليه السّلام فيهم: و المترف بن الأجذم تقتله ابن عمه على دجلة،، و هو إشارة إلى عز الدّولة بختيار بن معزّ الدولة أبي الحسين و كان معزّ الدّولة أقطع اليد قطعت يده في الحرب و كان ابنه عزّ الدولة بختيار مترفا صاحب لهو و شرب، قتله عضد الدّولة فنّا خسرو ابن عمه بقصر الجصّ على دجلة في الحرب و سلبه ملكه، فأمّا خلعهم للخلفاء فانّ معز الدّولة خلع المستكفى و رتب عوضه المطيع، و بهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدّولة خلع الطائع و رتّب عوضه القادر و كانت مدّة ملكهم كما أخبر به عليه السّلام.
و كإخباره لعبد اللّه بن العباس (ره) عن انتقال الأمر إلى أولاده، فان عليّ بن عبد اللّه لمّا ولد أخرجه أبوه عبد اللّه إلى عليّ عليه السّلام فأخذه و تفل في فيه و حنّكه بتمرة قد لاكها و دفعه إليه و قال: خذ إليك أبا الأملاك هكذا الرواية الصحيحة و هي التي ذكرها أبو العباس المبرّد في الكامل و ليست الرواية التي يذكر فيها العدد بصحيحة و لا منقولة من كتاب معتمد عليه.
و كم له عليه السّلام من الاخبار عن الغيوب الجارية هذا المجرى ممّا لو أردنا استقصائه لكسرنا له كراريس كثيرة و كتب السّير يشتمل عليها مشروحة
الترجمة
از جمله خطب شريفه آن امام مبين است كه اشاره فرموده در آن بكمالات نفسانيه و مقامات معنويه خود و بعضى از اخبار غيبيه باين نحو كه فرموده: أما بعد از حمد و ثناء الهى و درود نامعدود بر حضرت رسالت پناهي اى گروه خلايق پس من بر كندم چشم فتنه را و حال آنكه نبود هيچ كس كه جرأت نمايد بر دفع آن فتنه غير از من بعد از آنكه مضطرب شد ظلمت آن فتنه و سخت گرديد شرّ و أذيت آن، پس سؤال نمائيد از من از مسائل مشكله و مطالب معضله پيش از آنكه نيابيد مرا، پس قسم بخداوندى كه نفس من در قبضه اقتدار او است سؤال نمىنمائيد ار من از چيزى كه در ميان شما است و در ميان روز قيامت و نه از گروهى كه هدايت نمايند صد كس را و گمراه سازند صد كس ديگر را مگر اين كه خبر دهم شما را بخواننده آن و كشنده آن و راننده آن و محل فرود آمدن شتران بارگير ايشان و جاى فرود آوردن بارها با پالانهاى ايشان و به آن كه كشته مىشود از ايشان كشته شدنى و آنكه مىميرد از ايشان مردنى و اگر مفقود كنيد مرا و نازل بشود بر شما امورات مكروهه و حالات شديده هر آينه سر در پيش اندازند بسيارى از سائلان و مىترسند بسيارى از مسئولان، و اين آن زماني است كه درهم كشيده شود و جمع شود حرب شما و بردارد رخت را از ساق خود و تنگ باشد دنيا بشما تنگ شدني در حالتى كه دراز شماريد ايام بلا را برخودتان تا آنكه فتح كند خداوند از براى بقيّه نيكوكاران از شما بدرستى كه فتنهها زماني كه رو آورند شبهه مىاندازند مردمان را و زمانى كه پشت برگردانند آگاه مىنمايند ايشان را، شناخته نمىشوند آن فتنهها در حالتى كه اقبال ميكنند و شناخته مىشوند در حالتى كه ادبار مىنمايند، دوران ميكنند و بر مىگردند آنها مثل گرديدن بادها، مىرسند بشهرى و تخطي ميكنند و دور مىگذرند از شهرى ديگر.
الفصل الثاني
ألا إنّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أميّة، فإنّها فتنة عمياء مظلمة، عمّت حظّتها، و خصّت بليّتها، و أصاب البلاء من أبصر فيها، و أخطأ البلاء من عمى عنها، و أيم اللّه لتجدنّ بني أميّة لكم أرباب سوء بعدي كالنّاب الضّروس، تعذم بفيها، و تخبط بيدها، و تزبن برجلها، و تمنع درّها، لا يزالون بكم حتّى لا يتركوا منكم إلّا نافعا لهم، أو غير ضائر بهم، و لا يزال بلائهم حتّى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلّا مثل انتصار العبد من ربّه، و الصّاحب من مستصحبه، ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشيّة، و قطعا جاهليّة، ليس فيها منار هدى، و لا علم يرى، نحن أهل البيت منها بمنجاة، و لسنا فيها بدعاة، ثمّ يفرّج اللّه عنكم كتفريج الأديم بمن يسومهم خسفا، و يسوقهم عنفا، و يسقيهم بكأس مصبّرة، و لا يعطيهم إلّا السّيف، و لا يحلسهم إلّا الخوف، فعند ذلك تودّ قريش بالدّنيا و ما فيها لو يرونني مقاما واحدا و لو قدر جزر جزور، لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه، فلا يعطونني.
اللغة
(الخطّة) بالضّم الأمر و الجهل و الخصلة و الحالة و شبه القصّة و (النّاب)الانثى المسنة من النوق و جمعها نيب و أنياب و (الضروس) الناقة السيئة الخلق تعضّ حالبها و (عدم) الفرس يعذم من باب ضرب عضّ أو أكل بجفاء و (خبط) البعير الأرض ضربها بيده و (زبنت) النّاقة حالبها زبنا من باب ضرب دفعته برجلها فهى زبون بالفتح فعول بمعنى فاعل و (الدرّ) اللّبن.
و (الصاحب من مستصحبه) قال في المصباح: صحبته أصحبه صحبة فأنا صاحب و الأصل في هذا الاطلاق لمن حصل له رؤية و مجالسة و كلّ شيء لازم شيئا فقد استصحبه قاله ابن الفارس و غيره و (الشوه) قبح الخلقة و هو مصدر شوء من باب تعب و رجل أشوه قبيح المنظر و امرأة شوها، و الجمع شوه مثل أحمر و حمراء و حمر و شاهت الوجوه تشوه قبحت و (القطعة) الطائفة من الشيء و القطع جمعها مثل سدرة و سدر و (المنجاة) مصدر بمعنى النجاة و اسم مكان و (سام) فلانا الأمر كلّفه إيّاه أو أولاه إيّاه كسوّمه و أكثر ما يستعمل في العذاب و الشرّ و (الخسف) الذّهاب في الأرض و الغيبة فيها و في القاموس سامه خسفا إذا أولاه ذلّا و (العنف) مثلّثة ضدّ الرفق.
و (المصبرة) الممزوجة بالصّبر و هو وزان كتف عصارة شجر مرّ و يجوز أن يكون المصبرة بمعنى المملوة إلى اصبارها، قال في القاموس ملاء الكاس إلى اصبارها أى رأسه و أخذه باصباره بجميعه و (حلس) البعير يحلسه غشاه بحلس و هو كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله و الجمع أحلاس كحمل و أحمال و (الجزور) الناقة التي تجزر أى تنحر.
الاعراب
كلمة ايمن اسم استعمل في القسم و التزم رفعه كما التزم رفع لعمر اللّه، و همزته عند البصريين وصل و اشتقاقه عندهم من اليمن و هو البركة قالوا و لم يأت في الأسماء همزة وصل مفتوحة غيرها و عند الكوفيين قطع لأنّه جمع يمين عندهم و قد يختصر عنه فيقال: و أيم اللّه بحذف النون، و يختصر ثانيا فيقال أم اللّه بضم الميم و كسرها و قد يدخل عليها اللّام لتأكيد الابتداء قال الشاعر:
فقال فريق القوم لمّا نشدتهم نعم و فريق ليمن اللّه ما ندرى
و رفعه بالابتداء و خبره محذوف وجوبا أى أيمن اللّه قسمى و إذا خاطبت به أحدا تقول: ليمنك كما تقول لعمرك، و قوله: لا يزالون بكم، الظرف متعلّق بمحذوف معلوم بقرينة المقام خبر لزال أي لا يزالون قائمين بكم أو موذين بكم أو نحو ذلك، و شوهاء منصوبة على الحالية من فاعل ترد و هو العامل فيها، و جاهليّة صفة لقطعا، و جملة ليس فيها آه إمّا استينافية بيانية أو مرفوعة المحلّ على كونها صفة لفتنتهم أو منصوبة على كونها صفة لقطعا و الباء في قوله بالدّنيا للبدل على حدّ قول الحماسي:
فليت لى بهم قوما إذا ركبوا شدّوا الاغارة فرسانا و ركبانا
و ما فيها عطف على الدّنيا، و ما موصولة و لفظة لو في قوله: لو يرونني، حرف مصدر بمعنى ان إلّا أنها لا تنصب كما تنصب ان قال سبحانه: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ.
و في قوله و لو قدر جزر جزور بمعنى إن الوصلية و حذف بعده كان كما هو الغالب و قوله: لأقبل متعلّق بتوّد و قوله: فلا يعطونني، فاعل يعطون ضمير قريش و ضمير المتكلّم مفعوله الأوّل و حذف مفعوله الثاني و في بعض النسخ فلا يعطوننيه باثبات المفعولين كليهما
المعنى
اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه عليه السّلام متضمّن للاخبار عن فتن بني امية لعنهم اللّه قاطبة و ما يرد على الناس فيها من الشدائد و المكاره و عن انقراض دولتهم بعد سلطنتهم و استيلائهم كما قال عليه السّلام (ألا إنّ أخوف الفتن عندى عليكم فتنة بني امية) و إنّما كانت أخوف الفتن لشدّتها و كثرة بلوى أهل الدّين بها و عظم رزء المسلمين فيها و يكفي في عظمها هتكهم حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قتلهم سبطيه و هدمهم البيت الحرام و إسائتهم الأدب بالنسبة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام على رءوس منابر الاسلام ثمانين سنة حتىراب عليه الصغير و هرم عليه الكبير و أمرهم للناس بالتبّرى منه عليه السّلام و قتلهم كلّ من امتنع من ذلك و استيصالهم و تخريب دورهم و تشريدهم من البلاد و جعلهم البدعة سنّة و السّنة بدعة.
كما يشير إلى ذلك كلّه قوله: (فانها فتنة عمياء مظلمة) أى فتنة موجبة للعمى و الظّلام لا يهتدى فيها إلى سبيل الحقّ كما لا يهتدي الأعمى و السالك في الظلمة إلى النّهج المطلوب.
و محصل المراد انها فتنة موجبة للضّلال و العدول عن منهج الحقّ، و يحتمل أن يكون من باب التشبيه المحذوف الأداة مبالغة أى فتنة بمنزلة العصياء في كون جريانها على غير استقامة و هي فتنة (عمّت خطّتها) لكونها رياسة كليّة و سلطنة عامّة (و خصّت بليّتها) بأئمّة الدّين و مواليهم المؤمنين و شيعتهم المخلصين من أهل التقوى و اليقين (و أصاب البلاء من أبصر فيها) أى من كان ذا بصيرة فيها و هو مصاب بأنواع البلاء لحزنه في نفسه بما يشاهد من أفعالهم السّوئى و قصدهم له بأصناف العقوبة و الأذى (و أخطأ البلاء من عمى عنها) أى من كان ذا عمى و جهالة عن تلك الفتنة فهو في أمن و سلامة من اصابة البلية لكونه منقادا لدعوتهم منساقا تحت رايتهم، مطيعا لأوامرهم ممتثلا لنواهيهم (و أيم اللّه لتجدنّ بني اميّة لكم أرباب سوء بعدي) يطلق الرّبّ على المالك و المنعم و السيّد و المتمّم و المدبّر و المربّي و يصحّ ارادة كلّ منها في المقام و لا يطلق على الاطلاق إلّا على اللّه سبحانه و بيّن جهة السّوء بقوله: (كالنّاب الضّروس تعذم بفيها و تخبط بيدها و تزبن برجلها و تمنع درّها) شبّههم عليه السّلام بالنّاقة السّيّئة الخلق المتّصفة بالأوصاف الرّدية المذكورة أراد عليه السّلام أنها كما تعضّ بفيها و تضرب بيدها و تدفع حالبها برجلها و تمنع الناس من لبنها فكذلك هؤلاء في أفعالهم الرّديّة و حركاتهم الموذية من قصد الناس بالقتل و الضرب و الأذية و منعهم ما يستحقّونه من بيت المال (لا يزالون) قائمين (بكم) مسلّطين عليكم قاصدين لكم (حتى لا يتركوا منكم) في الأرض و لا يبقوا (إلّا نافعا لهم) سالكا مسلكهم ينفعهم في مقاصدهم (أو غير ضائر بهم) بانكار المنكرات عليهم أى من لا يكون مضرا لهم في امور دولتهم (و لا يزال بلائهم) عليكم (حتى لا يكون انتصار أحدكم) أى انتقامه (منهم إلّا مثل انتصار العبد من ربّه) و انتقامه من مولاه (و) كانتصار (الصّاحب) الملازم التابع (من مستصحبه) أى ممن اتبعه و لزمه.
و الغرض بذلك إمّا نفى إمكان الانتقام رأسا فيكون المقصود بالاثبات هو النفي أى كما لا يمكن للعبد الانتقام من مولاه و للمستصحب الذي من شأنه الضّعف و عدم الاستقلال الانتصار من مستصحبه، فكذلك هؤلاء الموجودون في تلك الزمان الناجون من سيف البغي و العدوان لا يمكنهم الانتصار من بني اميّة و مروان، لكونهم أذلّاء مقهورين بمنزلة العبيد المملوكين، و إمّا إثبات الانتصار في الجملة عند الغيبة بمثل الغيبة و السّب و الذّم و نحوها مع الأمن من الوصول إلى المغتاب و المسلوب و المذموم مع إظهار الطّاعة و الانقياد عند الحضور، و يؤيّد ذلك ما يأتي في رواية الثقفي من الزّيادة و هو قوله عليه السّلام: حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلّا مثل انتصار العبد من ربّه إذا رآه أطاعه و إذا توارى عنه شتمه.
(ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشيّة) أى حال كونها قبيحة عقلا و شرعا مخوّفة للنفوس مرعّبة للقلوب (و قطعا جاهليّة) أي طوايف و دفعات منسوبة إلى الجهالة متصفة بالضّلالة لكونها على غير قانون عدل، و ما يظهر من كلام الشراح من كون المراد بالجاهلية الحالة التي كانت العرب عليها قبل الاسلام من الجهل باللّه و رسوله و شرايع الدّين و المفاخرة بالأنساب و الكبر و التجبّر و التعصّب و الأخلاق الذّميمة، فيه أنّ معنى الجاهلية و إن كان ذلك إلّا أنّ ظاهر التركيب لا يساعد حمله على ذلك المعنى في المقام و لو كان مراده عليه السّلام ذلك لقال: و قطع الجاهليّة أى قطعا مثل قطع الجاهلية فافهم.
و قوله عليه السّلام: (ليس فيها منار هدى و لا علم يرى) بيان لوجه الجهالة أي ليس فيها إمام هدى يهتدى به و يستضاء بنوره، و لا قانون عدل يسلك به سبيل الحقّ.
ثمّ أشار عليه السّلام إلى برائة ساحتهم من تلك الفتنة بقوله (نحن أهل البيت منها بمنجاة و لسنا فيها بدعاة) أراد نجاتهم من الدخول فيها و من لحوق آثامها و تبعاتها و عدم كونهم من الداعين إليها و إلى مثلها، و ليس المراد نجاتهم من أذيّتها و خلاصهم من بليّتها لكونهم عليهم السّلام أعظم النّاس بليّة و أشدّهم أذيّة فيها، و كفى بذلك شاهدا شهادة الحسين عليه السّلام و أولاده و أصحابه و هتك حريمه و نهب أمواله و ما أصاب ساير أئمة الدّين من الطغاة الظالمين لعنهم اللّه أجمعين.
ثمّ بشّر بظهور الفرج بقوله: (ثمّ يفرّج اللّه) و يكشف عنكم (كتفريج الأديم) قيل أى ككشف الجلد عن اللّحم حتى يظهر ما تحته.
و قال في البحار: يحتمل أن يكون المراد بالأديم الجلد الذي يلفّ الانسان فيه للتّعذيب لأنّه يضغطه شديدا إذا جفّ، و في تفريجه راحة، و كيف كان فالمقصود انفتاح باب الفرج لهم (بمن يسومهم خسفا) أي يكلّفهم و يولّيهم ذلّا و هوانا أو خسفا في الأرض (و يسوقهم عنفا) أي بعنف و شدّة (و يسقيهم بكأس مصبرة) ممزوجة بالصّبر أو المراد مملوة إلى اصبارها (و لا يعطيهم إلّا السّيف و لا يحلسهم إلّا الخوف) استعار لفظ الاحلاس بمشابهة جعلهم الخوف شعارا لهم غير منفكّ عنهم كالحلس الملازم للبعير الذي يكسى على ظهره و يلاصق جسده.
قال الشراح: و هذه الفقرات إشارة إلى انقراض دولة بني اميّة بظهور بني العباس و انّ بني العباس أولاهم ذلّا و هوانا و أذاقوهم كأس العذاب طعوما مختلفة و أروهم عيان الموت ألوانا شتّى كما هو مذكور في كتب السير و التواريخ.
أقول: و الأظهر بملاحظة الزيادات الآتية في رواية سليم بن قيس الهلالي و إبراهيم الثقفي أنها إشارة إلى ظهور السلطنة الالهية و الدولة القائميّة، و على هذا يكون قوله: يسومهم خسفا إشارة إلى خسف الأرض بجيش السفياني في البيداء كما هو مرويّ في أخبار الرجعة.
ثمّ أشار الى مآل حال الفرقة المنقلبة من قريش و منتهى ذلّتهم و ضعفهم بقوله:
(فعند ذلك تودّ قريش بالدّنيا و ما فيها لو يرونني مقاما واحدا و لو قدر جزر جزور لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونني) أى حينئذ يتمنّى قريش بدل الدّنيا و ما فيها أن يروني مقاما قصيرا بمقدار جزر جزور فيطيعوني اطاعة كاملة و قد رضيت منهم اليوم بأن يطيعوني إطاعة ناقصة فلم يقبلوا و يصدّق هذا ما روى في السّير أنّ مروان بن محمّد و هو آخر ملوك بني امية قال يوم الزاب«» لمّا شاهد عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس بازائه في صفّ خراسان: لوددت إنّ عليّ بن أبي طالب تحت هذه الرّاية بدلا من هذا الفتى، و على ما استظهرناه فيكون الاشارة بذلك إلى التمنّى عند قيام القائم عليه السّلام
تكملة
اعلم أنّ هذه الخطبة الشريفة ملتقطة من خطبة طويلة أوردها في البحار بزيادة و اختلاف كثير لما أورده السّيد (ره) في الكتاب أحببت أن اورد تمامها توضيحا للمرام و غيرة على ما أسقطه السيد (ره) اختصارا أو اقتصارا من عقايل الكلام فأقول: روى المحدّث العلّامة المجلسيّ (ره) من كتاب الغارات لابراهيم بن محمّدالثقفي، عن إسماعيل بن أبان عن عبد الغفار بن القسم عن المنصور بن عمر عن زربن حبيش، و عن أحمد بن عمران بن محمّد بن أبي ليلي عن أبيه عن ابن أبي ليلى عن المنهال ابن عمرو عن زرّبن حبيش قال خطب عليّ عليه السّلام بالنّهروان فحمد اللّه و أثنا عليه ثمّ قال: أيّها النّاس أما بعد أنا فقأت عين الفتنة لم يكن احد ليجترئ عليها غيري، و في حديث ابن أبي ليلي لم يكن ليقفاها أحد غيري و لو لم أك فيكم ما قوتل أصحاب الجمل و لا أهل صفّين و لا أهل النّهروان، و أيم اللّه لو لا ان تتكلّمو او تدعوا العمل لحدّثتكم بما قضى اللّه على لسان نبيّكم لمن قاتلهم مبصرا لضلالتهم عارفا للهدى الذى نحن عليه ثمّ قال: سلونى قبل أن تفقدوني سلوني عمّا شئتم سلوني قبل أن تفقدوني إني ميّت أو مقتول بلى (بل خ ل) قتل ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم، و ضرب بيده إلى لحيته، و الذي نفسى بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم و بين الساعة و لا عن فئة تضلّ مأئة أو تهدى مأئة إلّا نبأتكم بناعقها و سائقها فقام إليه رجل فقال: حدّثنا يا أمير المؤمنين عن البلاء، قال عليه السّلام: إنكم في زمان إذا سأل سائل فليعقل و إذا سئل مسئول فليثبت، ألا و إنّ من ورائكم امورا أتتكم جللا مزوجا و بلاء مكلحا، و الذي فلق الحبّة و برء النسمة أن لو فقدتموني و نزلت بكم كرايه الأمور و حقايق البلاء لقد أطرق كثير من السائلين و فشل كثير من المسئولين، و ذلك إذا قلصت حربكم و شمّرت عن ساق و كانت الدّنيا بلاء عليكم و على أهل بيتي حتّى يفتح اللّه لبقيّة الأبرار فانصروا أقواما كانوا أصحاب رايات يوم بدر و يوم حنين تنصروا و توجروا، و لا تسبقوهم فتصرعكم البلية.
فقام إليه رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين حدّثنا عن الفتن قال: إنّ الفتنة إذا اقبلت شبّهت و إذا أدبرت أسفرت يشبهن مقبلات و يعرفن مدبرات، إنّ الفتن تحوم كالرّياح يصبن بلدا و يخطين اخرى، ألا إنّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بنى اميّة إنّها فتنة عمياء مظلمة مطينة عمّت فتنتها و خصّت بليتها و أصاب البلاء من أبصر فيهاو أخطا البلاء من عمى عنها، يظهر أهل باطلها على أهل حقّها حتى يملاء الأرض عدوانا و بدعا، و إنّ أوّل من يضع جبروتها و يكسر عمدها و ينزع أوتادها اللّه ربّ العالمين.
و أيم اللّه لتجدنّ بني اميّة أرباب سوء لكم بعدي كالناب الضّروس تعضّ بفيها و تخبط بيديها و تضرب برجليها و تمنع درّها لا يزالون بكم حتّى لا يتركوا في مصركم إلّا تابعا لهم أو غير ضارّ، و لا يزال بلائهم بكم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلّا مثل انتصار العبد من ربّه إذا رآه أطاعه، و إذا توارى عنه شتمه و أيم اللّه لو فرّقوكم تحت كلّ حجر لجمعكم اللّه شرّ يوم لهم ألا إنّ من بعدى جمّاع شتّى، ألا إنّ قبلتكم واحدة و حجّكم واحد و عمرتكم واحدة و القلوب مختلفة ثمّ أدخل أصابعه بعضها في بعض فقام رجل فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين قال: هذا هكذا يقتل هذا هذا و يقتل هذا هذا قطعا جاهلية ليس فيها هدى و لا علم يرى، نحن أهل البيت منها بنجاة و لسنا فيها بدعاة.
فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما نصنع في ذلك الزّمان قال عليه السّلام: انظروا أهل بيت نبيكم فان لبدوا فالبدوا، و إن استصرخوكم فانصروهم توجروا، و لا تسبقوهم فتصرعكم البليّة.
فقام رجل آخر فقال: ثمّ ما يكون بعد هذا يا أمير المؤمنين قال عليه السّلام: ثمّ إنّ اللّه يفرج الفتن برجل منّا أهل البيت كتفريج الأديم، بأبى ابن خيرة الاماء يسومهم خسفا و يسقيهم بكأس مصبرة، و لا يعطيهم إلّا السّيف هرجا هرجا، يضع السّيف على عاتقه ثمانية أشهر، ودّت قريش عند ذلك بالدّنيا و ما فيها لو يرونى مقاما واحدا قد رحلب شاة أو جزر جزور لأقبل منهم بعض الذى يرد عليهم حتى تقول قريش لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، فيغريه اللّه ببني امية فجعلهم: مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا.
بيان
و رواه في البحار أيضا من كتاب سليم بن قيس الهلالى نحو ما رواه من كتاب الغارات مع زيادات كثيرة في آخره و لا حاجة لنا إلى ايرادها و إنما المهمّ تفسير بعض الالفاظ الغريبة في تلك الروّاية فأقول «الجلل» بالضم جمع جليّ وزان ربّي و هو الأمر العظيم و «مزوجا» في النسخه بالزّاء المعجمة و الظاهر انه تصحيف و الصحيح مروجا بالمهملة من راج الريح اختلطت و لا يدرى من أين تجيء و يمكن تصحيحه بجعله من زاج بينهم يزوج زوجا إذا أفسد بينهم و حرش و «كلح» كلوحا تكثر في عبوس كتلكح و دهر كالح شديد و «طان» الرجل البيت و السطح يطينه من باب باع طلاه بالطين و طينه بالتثقيل مبالغة و تكثير و المطينة فاعل منه، و في رواية سليم بن قيس بدلها مطبقة و «جمّاع» النّاس كرمّان اخلاطهم من قبائل شتّى و من كلّ شيء مجتمع اصله و كلّ ما تجمع و انضمّ بعضه إلى بعض و «لبد» بالمكان من باب نصر و فرح لبدا و لبودا أقام و لزق.
و قوله: «بابى ابن خيرة الاماء» اشارة إلى امام الزمان الغايب المنتظر عجّل اللّه فرجه و سهّل مخرجه و «هرجا هرجا» منصوبان على المصدر قال في القاموس هرج النّاس يهرجون وقعوا في فتنة و اختلاط و قتل، و في رواية سليم بن قيس حتّى يقولوا ما هذا من قريش لو كان هذا من قريش و من ولد فاطمة لرحمنا و «غرى» بالشيء غرى من باب تعب أولع به من حيث لا يحمله عليه حامل و أغريته به إغراء.
الترجمة
آگاه باشيد و بدرستى كه ترسناكترين فتنه ها نزد من بر شما فتنه بنى أميه است پس بدرستى كه آن فتنه فتنه ايست كه باعث كورى و ظلمت است كه عامست حالة آن بجهة احاطه او بجميع مسلمانان و خاص است بليه آن بر خواص أهل ايمان و يقين، و رسيد بلاء آن بكسى كه صاحب بصيرتست در او و خطا نمود بلاء از كسى كه كور و بي بصيرت گشت از آن، و قسم بخدا هر اينه البتة مىيابيد بني اميّه را از براى خود صاحبان بد بعد از من مثل ناقه بد خلق گزنده در وقت دوشيدن كه دندان مى گيرد با دهان خود و مى زند با دستهاى خود و لگد مى زند با پاهاى خود و منع مى نمايد از شير خود.
هميشه باشند اذيّت كننده بشما تا اين كه نگذارند از شما أحدى را مگر اين كه فايده دهنده بايشان يا ضرر نرساننده برايشان و هميشه باشد با شما بلاء ايشان تا اين كه نباشد انتقام يكى از شما از ايشان مگر مثل انتقام كشيدن غلام از آقاى خود و مثل انتقام كشيدن تابع از متبوع خود، وارد مى شود بر شما فتنه ايشان در حالتى كه قبيح است و ترسيده شده و طايفه بطايفه كه منسوبست بجهالة كه نباشد در ميان آن فتنه ها مناره هدايت و نه علامت ديده شده ما أهل بيت از آن فتنه در نجات هستيم و نيستيم در آن دعوت كننده بمثل آن، پس از آن بگشايد خداوند آن فتنه را از شما مثل شكافتن و جدا نمودن پوست از گوشت بدست آن كسى كه بنمايد بايشان ذلّت را، و براند ايشان را بدرشتى، و سيراب مى نمايد ايشان را با كاسه كه تلخ شده باشد، و ندهد برايشان مگر شمشير خون آشام، و نمى پوشاند برايشان مگر لباس خوف را پس نزد آن واقعه دوست مىدارد قريش عوض دنيا و ما فيها اين كه ببيند مرا در يك مكانى اگر چه بوده باشد آن زمان ديدن بقدر كشتن شتر قربانى تا اين كه قبول نمايم از ايشان آنچه را كه مى خواهم از ايشان امروز بعض آنرا پس نمى دهند آنرا بمن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»