خطبه 9 صبحی صالح
9- و من كلام له ( عليه السلام ) في صفته و صفة خصومه و يقال إنها في أصحاب الجمل
وَ قَدْ أَرْعَدُوا وَ أَبْرَقُوا
وَ مَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْفَشَلُ
وَ لَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ
وَ لَا نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج3
و من كلام له عليه السّلام و هو تاسع المختار فى باب الخطب
و قد أرعدوا و أبرقوا، و مع هذين الأمرين الفشل، و لسنا نرعد حتّى نوقع، و لا نسيل حتّى نمطر.
اللغة
(أرعد) الرجل و (أبرق) أوعد و تهدّد قال الكميت:
أرعد و أبرق يا يزيد فما وعيدك لي بضائر
و (الفشل) بفتحتين مصدر فشل إذا ضعف و جبن.
الاعراب
الفشل مرفوع على الابتداء قدم عليه خبره توسّعا، و الفعلان الواقعان بعد حتّى منصوبان إمّا بنفس حتّى كما يقوله الكوفيّون، أو بأن مضمرة نظرا إلى أنّ حتّى إنّما تخفض الأسماء و ما يعمل في الأسماء لا يعمل في الأفعال، و كيف كان فهي في الموضعين إمّا بمعنى إلى كما في قوله سبحانه: «حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى» أو بمعنى إلّا كما في قوله:
ليس العطاء من الفضول سماحة حتّى تجود و ما لديك قليل
قال ابن هشام: و هذا المعنى«» ظاهر من قول سيبويه في تفسير قولهم: و اللّه لا أفعل إلّا أن تفعل، المعنى حتّى أن تفعل و الأظهر في كلامه عليه السّلام إرادة المعنى الثّاني فافهم.
المعنى
اعلم أنّ كلامه عليه السّلام في هذا المقام ناظر إلى طلحة و الزّبير و أتباعهما من أصحاب الجمل و وارد في توبيخهم و ذمّهم (و) ذلك لأنّهم (قد أرعدوا و أبرقوا) أى أوعدوا و تهدّدوا قبل ايقاع الحرب (و مع هذين الأمرين الفشل) إذ الوعيد و التّهديد و الضّوضاء قبل ايقاع الحرب و الظّفر على الخصم أمارة الضّعف و الجبن و علامة رذالة النّفس، كما أنّ الصّمت و السّكوت أمارة الشّجاعة و لذلك أنّه عليه السّلام قال لأصحابه في تعليم آداب الحرب في ضمن كلامه المأة و الرّابع و العشرين: و أميتوا أصواتكم فانّه أطرد للفشل، و قال لأصحابه في غزوة الجمل: إيّاكم و كثرة الكلام فانّه فشل ثمّ بعد الاشارة إلى ذمّهم و رذالة أنفسهم أشار عليه السّلام إلى علوّ همّته و فضيلة نفسه و أصحابه بقوله: (و لسنا نرعد حتّى نوقع و لا نسيل حتّى نمطر) يعني كما أنّ فضيلة السّحاب اقتران وقوع المطر منه برعده و برقه و إسالته بامطاره فكذلك أقوالنا مقرونة بأفعالنا و إسالة عذابنا مقارنة بامطاره، و يحتمل أن يكون المعنى إنّا لا نهدّد إلّا أن نعلم أنّا سنوقع، و لا نوعد إلّا إذا أوقعنا بخصمنا، يعني إذا أوقعنا بخصمنا أوعدنا حينئذ بالايقاع به غيره من خصومنا و هكذا كان حال الشجعان في سالف الزّمان و غابره.
كما روي أنّ كاتب حدود الرّوم كتب إلى المعتصم أنّ أبا قيس الرّومي حاكم قلعة عمورية أمسك امرأة من المسلمين يعذّبها و هي تصيح وا محمّداه وا معتصماه و أبو قيس يستهزء بها و يقول: إنّ المعتصم يركب مع جنوده على خيل بلق يأتي إلي و يستخرجك من عذابي، فلمّا ورد عليه الكتاب كان خادمه معه قدح من ماء السّكر يشربه المعتصم فقال له احفظ هذا و لا تناولنيه إلّا في بيت المرأة المسلمة، فخرج من سرّ من رأى و أمر بعساكره أن لا يركب إلّا من عنده فرس أبلق فاجتمع عنده ثمانون ألفا يركبون خيلا بلقا، و كان المنجّمون أشاروا عليه بأن لا يسافر و أن قلعة عمورية لا تفتح على يديه.
فقال إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من صدّق منجّما فقد كذب ما أنزل اللّه على محمّد فسار إلى القلعة و حصرها مدّة و كان الشّتاء في غاية البرد فخرج المعتصم يوما من خيمته و وجد العسكر واقفا من شدّة البرد لا يقدرون على رمى السّهام، فأمر بمأتي قوس و ركب إلى حصار القلعة بنفسه فلمّا رآه جنوده ركضوا على القلعة من أطرافها و فتحوها فسأل عن المرأة فدلوه عليها و اعتذر لديها، و قال: إنّك ندبتني من عمورية و سمعتك من سامرّا و قلت: لبّيك، فها أنا ركبت على الخيل البلق و اخذت بظلامتك، ثمّ أمر خادمه باحضار ماء السّكر فشربه و قال: الآن طاب الشّراب و احتوى على ما فيها من الأموال و قتل ثلاثين ألف أو أزيد هذا.
و في قوله عليه السّلام و لا نسيل حتّى نمطر تعريض على أصحاب الجمل و أنّهم في وعيدهم و اجلابهم بمنزلة من يدّعى أنّه يحدث السّيل قبل إحداث المطر و هذا محال لأنّ السّيل إنّما يكون من المطر فكيف يسبق المطر، و اللّه العالم بحقائق كلام أوليائه.
الترجمة
يعني مانند رعد در تهديد مى غرّند و مانند برق در توعيد مى جهند و با اين دو امر ترس و جبن است، و نيستيم ما كه بترسانيم تا اين كه واقع گردانيم، و نه سيل روان نمائيم تا اين كه ببارانيم، و اللّه اعلم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»