خطبه 89 صبحی صالح
89- و من خطبة له ( عليه السلام ) في الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) و بلاغ الإمام عنه
أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ
وَ طُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ
وَ اعْتِزَامٍ مِنَ الْفِتَنِ
وَ انْتِشَارٍ مِنَ الْأُمُورِ
وَ تَلَظٍّ مِنَ الْحُرُوبِ
وَ الدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ
ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ
عَلَى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا
وَ إِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا
وَ اغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا
قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الْهُدَى
وَ ظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرَّدَى
فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لِأَهْلِهَا
عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا
ثَمَرُهَا الْفِتْنَةُ
وَ طَعَامُهَا الْجِيفَةُ
وَ شِعَارُهَا الْخَوْفُ
وَ دِثَارُهَا السَّيْفُ.
فَاعْتَبِرُوا عِبَادَ اللَّهِ
وَ اذْكُرُوا تِيكَ الَّتِي آبَاؤُكُمْ وَ إِخْوَانُكُمْ بِهَا مُرْتَهَنُونَ
وَ عَلَيْهَا مُحَاسَبُونَ
وَ لَعَمْرِي مَا تَقَادَمَتْ بِكُمْ وَ لَا بِهِمُ الْعُهُودُ
وَ لَا خَلَتْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمُ الْأَحْقَابُ وَ الْقُرُونُ
وَ مَا أَنْتُمُ الْيَوْمَ مِنْ يَوْمَ كُنْتُمْ فِي أَصْلَابِهِمْ بِبَعِيدٍ.
وَ اللَّهِ مَا أَسْمَعَكُمُ الرَّسُولُ شَيْئاً إِلَّا وَ هَا أَنَا ذَا مُسْمِعُكُمُوهُ
وَ مَا أَسْمَاعُكُمُ الْيَوْمَ بِدُونِ أَسْمَاعِكُمْ بِالْأَمْسِ
وَ لَا شُقَّتْ لَهُمُ الْأَبْصَارُ
وَ لَا جُعِلَتْ لَهُمُ الْأَفْئِدَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ
إِلَّا وَ قَدْ أُعْطِيتُمْ مِثْلَهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ
وَ وَ اللَّهِ مَا بُصِّرْتُمْ بَعْدَهُمْ شَيْئاً جَهِلُوهُ
وَ لَا أُصْفِيتُمْ بِهِ وَ حُرِمُوهُ
وَ لَقَدْ نَزَلَتْ بِكُمُ الْبَلِيَّةُ جَائِلًا خِطَامُهَا
رِخْواً بِطَانُهَا
فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَصْبَحَ فِيهِ أَهْلُ الْغُرُورِ
فَإِنَّمَا هُوَ ظِلٌّ مَمْدُودٌ إِلَى أَجَلٍ مَعْدُودٍ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج6
و من خطبة له عليه السّلام و هى الثامنة و الثمانون من المختار فى باب الخطب
و أوّل فقراتها مرويّة في الكافي و في ديباجة تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي أيضا باختلاف تطلع عليه.
أرسله على حين فترة من الرّسل، و طول هجعة من الامم، و اعتزام من الفتن، و انتشار من الامور، و تلظّ من الحروب، و الدّنيا كاسفة النّور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها، و إياس من ثمرها، و اغورار من مائِها، قد درست منار الهدى، و ظهرت أعلام الرّدى، فهي متهجّمة لأهلها، عابسة في وجه طالبها، ثمرتها الفتنة، و طعامها الجيفة، و شعارها الخوف، و دثارها السّيف، فاعتبروا عباد اللَّه و اذكروا تيك الّتي آباؤكم و إخوانكم بها مرتهنون، و عليها محاسبون، و لعمري ما تقادمت بكم و لا بهم العهود، و لا خلت فيما بينكم و بينهم الأحقاب و القرون، و ما أنتم اليوم من يوم كنتم في أصلابهم ببعيد، و اللَّه ما أسمعهم الرّسول شيئا إلّا وها أنا ذا اليوم مسمعكموه، و ما أسماعكم اليوم بدون أسماعهم بالأمس، و لا شقّت لهم الأبصار، و لا جعلت لهم الأفئدة في ذلك الأوان إلّا و قد أعطيتم مثلها في هذا الزّمان، و و اللَّه ما بصرّتم بعدهم شيئا جهلوه، و لا أصفيتم به و حرموه، و لقد نزلت بكم البليّة جائلا خطامها، رخوا بطانها،فلا يغرّنّكم ما أصبح فيه أهل الغرور، فإنّما هو ظلّ ممدود إلى أجل معدود.
اللغة
(الفترة) ما بين الرّسولين من رسل اللَّه و (الهجعة) بفتح الها و سكون الجيم النومة ليلا من الهجوع بالضّم كالجلسة من الجلوس و (الاعتزام) العزم من اعتزمه و عليه و تعزم أراد فعله و قطع عليه و يروى و اعترام بالراء المهملة من عرام الجيش بالضمّ كغراب حدّتهم و شدّتهم و كثرتهم و العرام من الرّجل الشراسة و الاذى و (التّلظى) التلهب و (كسف) الشمس و القمر كسو فاذهب نورهما و احتجبا و (اغورّ) الماء اغورارا كاحمرّ و تغوّر ذهب في الأرض و اغورّت الشمس غابت قال سبحانه: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ.
أى صار مائكم غايرا (فهي متهجّمة) من هجم عليه هجوما انتهى إليه بغتة و هجم البيت انهدم و في بعض النّسخ متجهّمة بتقديم الجيم على الهاء من تجهّمه فلان استقبله بوجه كريه، و بهما روى بيت الصّديقة الطّاهرة سلام اللَّه عليها و على أبيها و بعلها و بينيها عند غصب فدك:
تهجّمتنا رجال و استخفّ بنا لمّا فقدت و كلّ الأرض مغتصب
و (الأحقاب) جمع حقب بضمّ الحاء و القاف و بسكون القاف أيضا ثمانون سنة أو أكثر و قيل الدّهر و قيل السّنة و قيل السنون و (القرون) جمع القرن قال الفيروز آبادي أربعون سنة أو عشرة أو عشرون أو ثلاثون أو خمسون أو ستّون أو سبعون أو ثمانون أو مأئة أو مأئة و عشرون (و لا أصفيتم) على البناء للمفعول من باب الافعال، قال سبحانه: أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ.
أى آثركم و (جائلا خطامها) أى مضطربا غير مستقرّ من الجولان و الخطام من الدّابة بالخاء المعجمة و الطاء المهملة مقدم أنفها و فمها، و يطلق على الزمام، و هو المراد هنا باعتبار أنه يقع على الفم أو الأنف و ما يليه، و منه الحديث كان خطام جمله عليه السّلام ليف و (البطان) حزام القتب يقال أبطن البعير أى سدّ بطانه.
الاعراب
على حين فترة للاستعلاء المجازى، و جملة و الدّنيا كاسفة النّور، منصوبة المحلّ على الحاليّة من ضمير أرسله، و على حين اصفرار ظرف مستقرّ خبر ثان للدّنيا و يحتمل الحال أيضا و جملة قد درست حال أيضا، و لعمرى جملة قسميّة، و قوله و ما أنتم اليوم ما حجازيّة عاملة عمل ليس، و أنتم اسمها و ببعيد خبرها زيد فيه الباء كما تزاد في خبر ليس مطّردا، و اليوم متعلّق به، و كذلك من يوم و جملة جهلوه صفة لشيئا.
و جملة و حرموه حال من ضمير به و فيه دليل على عدم لزوم قد في الجملة الحالية الماضوية المثبتة كما عليه جمهور علماء الأدبية، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الجملة في معنى النفي إذ مقصوده عليه السّلام نفى الاصفاء عن المخاطبين و المحرومية عن الغائبين معا و لذلك جيء بالواو و الضمير، و الفاء في قوله فلا يغرّنّكم فصيحة
المعنى
اعلم أنّ مقصوده عليه السّلام بهذه الخطبة هو التذكير و الموعظة و التّنبيه عن نوم الغفلة و التحذير من الغرور و الفتنة، و مهّد أوّلا مقدّمة متضمّنة للاشارة إلى حالة النّاس حين البعثة و أيّام الفترة و أنّه سبحانه أرسل إليهم رسولا يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و آثرهم بتلك النّعمة العظيمة و الموهبة الجسيمة بعد ما كانوا في شدّة الابتلاء و المحنة و منتهى الاضطراب و الخشية و سوء الحال و الكابة، ليتذكّر السّامعون بتلك النّعمة العظمى و المنحة الكبرى فيشكروا للّه و يلازموا طاعة اللَّه و يسلكوا سبيل اللَّه سبحانه فقال عليه السّلام: (أرسله) أى محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم (على حين فترة من الرّسل) أى على حين سكون و انقطاع من الرّسل و ذلك أنّ الرسل إلى وقت رفع عيسى كانت متواترة و بعد رفعه (ع) انقطع الوحى و الرّسالة خمسمائة سنة على ما في بعض روايات أصحابنا أو ستّمأة سنة كما عن البخاري عن سلمان، و الأوّل أشهر و أقوى و يأتي حديث آخر في ذلك إنشاء اللَّه في شرح الفصل السّادس من الخطبة المأة و الحادية و التسعين و هي الخطبة المعروفة بالقاصعة ثمّ بعث اللَّه محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله و إنّما قيّد عليه السّلام نعمة الإرسال و الانزال بتلك الحال و ما يتلوها من الأحوال بيانا للواقع و إظهارا لجلالة تلك النعمة و جزالة تلك الموهبة حسبما أشرنا إليه فانّ النعمة يتزايد قدرها بحسب تزايد منافعها، و لا ريب أنّ خلوّ الزمان عن الرّسول يستلزم ظهور الفساد و الشّرور و انتشار البغى و الفجور و كثرة الهرج و المرج، و تلك أحوال مذمومة و أفعال مشئومة توجب تبدّل النّظام و اختلال الأحكام و الانهماك في الجهالات و التّورّط في الضّلالات و لحوق الذّم بهم بمقدار ما يلحقهم من المدح في حال الطاعة و القيام بوظايف العبادة المتفرّعة على وجود الدليل و بعث الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم (و طول هجعة من الامم) استعار لفظ الهجعة التي هي عبارة من النّوم في اللّيل لانغماسهم في ظلمة الجهالة و الضّلالة، و رشحها بذكر الطول الذي هو من ملايمات المستعار منه على حدّ قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ.
(و اعتزام من الفتن) نسبة الاعتزام إلى الفتن مجاز كنّى به عن وقوعها بينهم كأنّها قاصدة لهم مريدة إيّاهم و على رواية الاعترام بالرّاء المهملة فالمراد كثرتها و شدّتها و تأذّى الناس بها (و انتشار من الأمور) أى تفرّق امور الخلق في معاشهم و عدم جريانها على قانون منتظم (و تلظّ من الحروب) شبّه الحرب بالنّار في الافساد و الاهلاك و أسند إليها التّلظّى الذي هو الاشتعال و الالتهاب على سبيل الاستعارة و كنّى به عن هيجانها و ثورانها أيّام الفترة ففي الكلام استعارة مكنيّة و تخييليّة(و الدّنيا كاسفة النّور) استعار النور للعلم المقتبس من الأنبياء و الحجج بشباهة أنّ كلّا منهما سبب لهداية الأنام في الضّلالة و الظلام، و رشّحها بذكر الكسف الذى من ملايمات النّور و أراد به عدم وجود هذا النّور في ذلك الزمان (ظاهرة الغرور) أراد ظهور اغترار النّاس بها و شيوع افتتانهم بشهواتها و لذاتها (على حين اصفرار من ورقها و اياس من ثمرها و اغورار من مائها) شبّه عليه السّلام الدنيا بشجرة مثمرة مورقة في اشتمالها على ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين على سبيل الاستعارة بالكناية و ذكر الورق و الثمر و الماء تخييل. و إثبات الاصفرار و الاياس و الاغورار ترشيح، و أراد بتلك الترشيحات بيان خلوّ الدنيا يومئذ عن آثار العلم و الهداية و ما يوجب السعادة في البداية و النهاية.
و يمكن جعله مركّبا من استعارات متعدّدة و يكون المراد بيان خلوّ الدنيا حينئذ من الأمن و الرّفاهية و المنافع الدّنيوية ليكون ما يذكر بعده تأسيسا.
و توضيح ذلك الوجه ما ذكره الشارح البحراني حيث قال استعار لفظ الثمرة و الورق لمتاعها و زينتها و لفظ الاصفرار لتغيّر تلك الزينة عن العرب في ذلك الوقت و عدم طراوة عيشهم اذا و خشونة مطاعمهم كما يذهب حسن الشّجرة باصفرار ورقها فلا يلتذّ بالنّظر إليها، و عنى بالاياس من ثمرها انقطاع مآل العرب اذا من الملك و الدّولة و ما يستلزمه من الحصول على طيبات الدّنيا.
و كذلك استعار لفظ الماء لموادّ متاع الدّنيا و طرق لذّاتها و لفظ الاغورار لعدم تلك الموادّ من ضعف التجارات و المكاسب و عدم التملّك للأمصار و كلّ ذلك لعدم النظام العدلى بينهم و كلّها استعارات بالكناية و وجه الاستعارة الاولى أنّ الورق كما أنّه زينة الشّجر و به كماله كذلك لذّات الدّنيا و زينتها، و وجه الثّانية أنّ الثمر كما أنّه مقصود الشجرة غالبا و غايتها كذلك متاع الدّنيا و الانتفاع به هو مقصودها المطلوب منها لأكثر الخلق، و وجه الثّالثة أنّ الماء كما أنّه مادّة الشجرة و به حياتها و قيامها في الوجود كذلك موادّ تلك اللّذّات هي المكاسب و التجارات و الصّناعات، و قد كانت العرب خالية من ذلك و وجوه باقي الاستعارات ظاهرة.
(قد درست منار الهدى) كناية عن فقدان حجج الدّين و انتفاء أدلّة الحقّ (و ظهرت أعلام الرّدى) كناية عن غلبة أدلّة الباطل و ظهور أئمّة الضّلال (فهى متهجّمة لأهلها) أى داخلة عليهم عنفا لكونها غير موافقة لرضاهم أو منهدمة عليهم غير باقية في حقّهم أو ملاقية لهم بوجه كريه و هو على رواية متجهّمة بتقديم الجيم على الهاء (عابسة في وجه طالبها) أراد به عدم حصول بغية الطالبين منها كما لا تحصل من الرّجل المنقبض الوجه الذى يلوى بشرته قال سبحانه: عَبَسَ وَ تَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى.
(ثمرتها الفتنة) أى الضّلال عن طريق الحقّ و التيه في ظلمة الباطل و فيه استعارة مكنية و تخييليّة حيث شبّه الدنيا بشجرة مثمرة و أثبت الثّمرة لها و جعل ثمرتها الفتنة إمّا من باب التهكم أو من حيث إنّ الثمرة كما أنّها الغاية المقصودة من الشجرة فكذلك غاية الدّنيا عند أهلها هي الفتنة و الضّلال (و طعامها الجيفة) يحتمل أن يكون المراد بالجيفة الميتة و الحيوان الغير المزكى ممّا كان العرب يأكلها في أيّام الفترة حتى حرّمتها الآية الشريفة أعنى قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ.
أى المضروبة بالخشب حتى تموت و يبقى الدّم فيها فيكون أطيب كما زعمه المجوس «وَ الْمُتَرَدِّيَةُ» أى التي تردّت من علوّ فماتت و قد مرّ في شرح الخطبة السّادسة و العشرين أنّ أكثر طعام العرب كان الخشب و الخبائث، و يجوز أن يراد بالجيفة الاعمّ من ذلك أعني مطلق ما لا يحلّ في الشريعة المطهّرة سواء كان من قبيل الخبائث و الميتات أو من قبيل الأموال المغصوبة المأخوذة بالنّهب و الغارة و السّرقة و نحوها على ما جرت عليه عادة العرب و كانت دابا لهم (و شعارها الخوف و دثارها السّيف) الشّعار ما يلي شعر الجسد من الثّياب و الدّثار ما فوق الشّعار من الأثواب و مناسبة الخوف بالشّعار و السّيف بالدّثار غير خفيّة على ذوي الأنظار.
ثمّ إنّه بعد ما مهّد المقدّمة الشريفة و فرغ من بيان حالة العرب في أيّام الفترة شرع في الموعظة و النّصيحة بقوله: (فاعتبروا عباد اللَّه) بما كانت عليه الاخوان و الآباء و الأقران و الأقرباء (و اذكروا تيك) الأعمال القبيحة و الأحوال الذميمة (التي آبائكم و اخوانكم بها مرتهنون) و محبوسون و عليها محاسبون و مأخوذون.
ثمّ اشار عليه السّلام إلى تقارب الأزمان و تشابه الأحوال بين الماضين و الغابرين بقوله: (و لعمري ما تقادمت بكم و لا بهم العهود) حتّى تغفلوا (و لا خلت فيما بينكم و بينهم الأحقاب و القرون) حتّى تذهلوا (و ما أنتم اليوم من يوم كنتم في أصلابهم ببعيد) حتّى تنسوا و لا تعتبروا فلكم اليوم بالقوم اعتبار و فيما جرت عليهم تبصرة و تذكار.
(و اللَّه ما أسمعهم الرّسول شيئا إلّا و ها أناذا مسمعكموه) فليس لكم علىّ حجّة بعدم الابلاغ و الاسماع (و ما إسماعكم اليوم بدون إسماعهم بالأمس) فليس لكم معذرة بالوقر في الآذان و الأسماع (و لاشقت لهم الأبصار) المبصرة (و لا جعلت لهم الأفئدة) المتدبّرة (في ذلك الأوان إلّا و قد أعطيتم مثلها في هذا الزّمان) فلا يمكن لكم أن تقولوا إنّا كنّا في عمى من هذا و كنّا به جاهلين، و لا أن تعتذروا بأنّه لم يجعل لنا أفئدة و كنّا منه غافلين.
(و واللَّه ما بصّرتم بعدهم شيئاً جهلوه) بل علّموا ما علّمتم (و لا اصفيتم) و اوثرتم (به و حرموه) بل منحوا ما بذلتم فلم يبق بينكم و بينهم فرق في شيء من الحالات و كنتم مثلهم في جميع الجهات فإذا انتفى الفارق فما بالكم لا تسمعون و لا تبصرون و لا تفهمون و لا تذكّرون، و قد اسمع اسلافكم فسمعوا، و بصّروا فتبصّروا و ذكّروا فتذكّروا و عمّروا فنعموا، و علّموا ففهموا.
ثمّ حذرهم و أنذرهم بإشراف الابتلاء و المحنة و نزول البلية بقوله (و لقد نزلت بكم البليّة) لعلّه أراد بها فتنة معاوية و دولة بني أميّه (جائلا خطامها رخواً بطانها) استعارة بالكناية عن خطرها و صعوبة حال من يعتمد عليها و يركن إليها كما أنّ من ركن إلى النّاقة التي جال خطامها و لمتستقرّ في وجهها و انفها و ارتخى حزامها فركبها كان في معرض السّقوط و الهلاك.
ثمّ أردف ذلك بالنّهى عن الاغترار بالدّنيا فقال (و لا يغرنّكم ما أصبح فيه أهل الغرور) من الاغترار بزخارفها و لذّاتها و الانهماك في شهواتها و طيّباتها بظنّ دوامها و ثباتها (فانّما هو ظلّ ممدود إلى أجل) محدود (معدود) بينا ترونه سابغا حتّى قلص و زيداً حتّى نقص.
تكملة
قد اشرنا سابقا إلى أنّ أوّل فقرات هذه الخطبة مرويّة في الكافي باختلاف لما هنا فأحببت أن اوردها على ما هود يدننا في الشّرح فأقول: روى الكلينيّ عن محمّد بن يحيى عن بعض أصحابه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام أيّها النّاس إنّ اللَّه تبارك و تعالى أرسل إليكم الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلمّ، و أنزل عليه الكتاب و أنتم اميّون عن الكتاب و من أنزله و عن الرّسول و من أرسله على حين فترة من الرّسل، و طول هجعة من الأمم، و انبساط من الجهل، و اعتراض من الفتنة، و انتقاض عن المبرم، و عمى عن الحقّ، و اعتساف من الجور، و امتحاق من الدّين، و تلظّ من الحروب، على حين اصفرار من رياض جنّات الدّنيا، و يبس من اغصانها، و انتشار من ورقها، و اياس من ثمرها، و اغورار من مائها.
قد درست أعلام الهدى، و ظهرت أعلام الردى، فالدّنيا متهجّمة «متجهّمة ح» في وجوه أهلها مكفهرّة مدبرة غير مقبلة، ثمرتها الفتنة، و طعماها الجيفة،و ثمارها الخوف، و دثارها السّيف، و مزّقتم كلّ ممزّق، و قد أعمت عيون أهلها، و أظلمت عليها أيّامها، قد قطعوا أرحامهم، و سفكوا دمائهم، و دفنوا في التّراب الموؤدة بينهم من أولادهم، يجتاز دونهم طبيب العيش و رفاهية خفوض الدّنيا، لا يرجون من اللَّه ثوابا، و لا يخافون و اللَّه منه عقابا.
حيّهم أعمى نجس، و ميّتهم في النّار مبلس، فجاءهم صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم بنسخة ما في الصحف الأولى و تصديق الذي بين يديه و تفصيل الحلال من ريب الحرام، ذلك القرآن فاستنطقوه و لن ينطق لكم اخبركم عنه أنّ فيه علم ما مضى و علم ما يأتي إلى يوم القيامة و حكم ما بينكم و بيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلّمتكم.
و رواه عليّ بن إبراهيم القمي أيضا في ديباجة تفسيره نحوه و لقلّة موارد الاختلاف لم نطل بروايتها.
بيان
قال في النهاية: إنّا امّة اميّة لا نكتب و لا نحسب أراد أنّهم على أصل ولادة امّهم لميتعلّموا الكتاب و الحساب فهم على جبلّتهم الأولى، و قيل: الأمّي الذي لا يكتب و منه الحديث بعثت إلى أمّة أميّة قيل للعرب: أميّون لأنّ الكتابة كانت فيهم عزيزة أو عديمة انتهى.
قال بعض شراح الحديث و لعلّ المراد هنا من لا يعرف الكتابة و الخط و العلم و المعارف و ضمن معنى ما يعدي كالنّوم و الغفلة، و قوله: و اعتراض من الفتنة يحتمل أن يكون عروضها و انتشارها في الآفاق، قوله: و انتقاض عن المبرم المبرم المحكم و قد أشار به إلى ما كان الخلق على من استحكام أمورهم بمتابعة الأنبياء و أراد بانتقاضه فساده.
و المكفهرّ من الوجوه من اكفهرّ على وزن اقشعرّ القليل اللّحم العليظ الذي لا يستحيي و المتعبّس، قوله: مزّقتم كلّ ممزّق التفات من الغيبة إلى الخطاب و الممزّق مصدر بمعنى التمزيق و هو التفريق و التّقطيع، و المراد به تفرّقهم فيالبلدان للخوف أو تفرّقهم في الأديان و الآراء، و الموءودة البنت المدفونة حيّة و كانوا يفعلون ذلك في الجاهليّة ببناتهم لخوف الاملاق أو العار كما قال سبحانه: وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ.
يجتاز دونهم طيب العيش و رفاهيّة خوفض الدّنيا، يجتاز بالجيم و الزاء المعجمة من الاجتياز و هو المرور و التجاوز، و الرفاهية السعة في المعاش، و الخفوض جمع الخفض و هي الدعة و الرّاحة أى يمرّ طيب العيش و الرّفاهية التي هي خفض الدّنيا أو في خفوضها متجاوزا عنهم من غير تلبّث عندهم، قوله: أعمى نجس بالنّون و الجيم و في بعض النسخ بالحاء المهملة من النّحوسة و المبلس من الابلاس و هو الاياس من رحمة اللَّه و منه سمّي ابليس، قوله: بما في الصّحف الاولى أى التوراة و الانجيل و الزبور و غيرها من الكتب المنزّلة و هو المراد بالذي بين يديه كما قال تعالى: وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ.
و قوله: فاستنطقوه الأمر للتعجير، و ساير الفقرات واضحة ممّا قدّمنا.
الترجمة
از جمله خطب شريفه آن حضرتست كه متضمّن مي باشد بعثت حضرت خاتم رسالت را در ايّام فترت و بيان حالت خلق را در ايّام جاهليت و مشتمل است به موعظه و نصيحت و تنبيه از نوم غفلت و جهالت مى فرمايد: فرستاد حق سبحانه و تعالى پيغمبر آخر الزّمان را در حين فتور و انقطاع از پيغمبران، و در زمان درازى خواب غفلت از امّتان، و در هنگام عزم از فتنه ها، و در وقت انتشار از كارها، و در حين اشتعال از نائره حروب و كارزارها، و در حالتي كه دنيا منكسف بود نور او، ظاهر بود غرور او، ثابت بود بر زردى برك خود، و مأيوسى از ثمر خود، و فرو رفتن آب خود، بتحقيق كه مندرس شده بود علم هاى هدايت، و ظاهر گشته بود نشانهاى ضلالت.
پس دنيا هجوم آورنده بود بر أهل خود، و عبوس بود در روى طالبان خود، ميوه او فتنه بود، و طعام او جيفه، و پوشش او ترس بود از دشمنان، و لباس بيرونى او شمشير برّان، پس عبرت برداريد اى بندگان خدا و ياد آوريد آن حالت را كه بود پدران شما و برادران شما بسبب آن حالت مرهون و محبوس، و بجهت آن محاسب و مأخوذ، و قسم بزندگانى خود كه دير نشده است بشما و نه بايشان عهدها و زمانها، و نگذشته است در ما بين شما و ايشان روزگارها و قرنها، و ينستيد شما امروز از روزى كه بوديد در پشتهاى ايشان دور، يعنى مدتى نيست كه شما در اصلاب آباء خود بوديد ايشان با ساير خويشان از شما مفارقت كردند و شما هم در اندك زمانى بايشان ملحق خواهيد شد.
بخدا سوگند كه نشنوانيد بشما رسول خدا عليه التّحية و الثناء چيزى را مگر اين كه من شنوانندهام بشما آنرا، و نيست سمعهاى شما امروز كم از سمعهاى ايشان ديروز، و شكافته نشد ايشان را ديدهها، و گردانيده نشد ايشان را قلبها در آن زمان مگر اين كه عطا شديد شما مثل آنرا در اين زمان.
و بخدا قسم كه نموده نشديد شما بعد از ايشان چيزى را كه ايشان جاهل آن بوده باشند، و برگزيده نشديد بچيزى در حالتى كه ايشان محروم بوده باشند از او، و بتحقيق كه فرود آمد بشما بلاها در حالتى كه جولان كننده است مهار آن، سست بى ثبات است تنك آن، پس مغرور نسازد شما را آنچه كه صباح كرد در آن اهل غرور و ارباب شرور، پس اينست و جز اين نيست كه آن دنيا سايه ايست كشيده شده تا مدت شمرده شده، مشحون بانواع قصور و محتوى بكمال ضعف و فتور.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»