google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
خطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی80-100 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 84 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 85 صبحی صالح

85- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) و فيها صفات ثمان من صفات الجلال‏

وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ

الْأَوَّلُ لَا شَيْ‏ءَ قَبْلَهُ

وَ الْآخِرُ لَا غَايَةَ لَهُ

لَا تَقَعُ الْأَوْهَامُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ

وَ لَا تُعْقَدُ الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلَى كَيْفِيَّةٍ

وَ لَا تَنَالُهُ التَّجْزِئَةُ وَ التَّبْعِيضُ

وَ لَا تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ وَ الْقُلُوبُ

و منهافَاتَّعِظُوا عِبَادَ اللَّهِ بِالْعِبَرِ النَّوَافِعِ

وَ اعْتَبِرُوا بِالْآيِ السَّوَاطِعِ

وَ ازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ

وَ انْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ وَ الْمَوَاعِظِ

فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ

وَ انْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلَائِقُ الْأُمْنِيَّةِ

وَ دَهِمَتْكُمْ مُفْظِعَاتُ الْأُمُورِ

وَ السِّيَاقَةُ إِلَى الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ

فَ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ

سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى مَحْشَرِهَا

وَ شَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا

و منها في صفة الجنة

دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلَاتٌ

وَ مَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ

لَا يَنْقَطِعُ نَعِيمُهَا

وَ لَا يَظْعَنُ مُقِيمُهَا

وَ لَا يَهْرَمُ خَالِدُهَا

وَ لَا يَبْأَسُ سَاكِنُهَا

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج6  

و من خطبة له عليه السّلام و هى الرابعة و الثمانون من المختار في باب الخطب

و أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، الأوّل لا شي‏ء قبله و الآخر لا غاية له، لا تقع الأوهام له على صفة، و لا تعقد القلوب منه‏ على كيفيّة، و لا تناله التّجزية و التّبعيض، و لا تحيط به الأبصار و القلوب. منها فاتّعظوا عباد اللَّه بالعبر النّوافع، و اعتبروا بالاي السّواطع، و ازدجروا بالنّذر البوالغ، و انتفعوا بالذّكر و المواعظ، فكأن قد علقتكم مخالب المنيّة، و انقطعت منكم علائق الامنيّة، و دهمتكم مفظعات الأمور، و السّياقة إلى الورد المورود، و كلّ نفس معها سائق و شهيد، سائق يسوقها إلى محشرها، و شاهد يشهد عليها بعملها. و منها في صفة الجنة درجات متفاضلات، و منازل متفاوتات، لا ينقطع نعيمها، و لا يظعن مقيمها، و لا يهرم خالدها، و لا يبأس «يبأس خ ل» ساكنها.

اللغة

(العبر) جمع عبرة و هي ما يعتبر به أى يتّعظ و (الآى) جمع آية و هي العلامة و آية القرآن كلّ كلام متصل إلى انقطاعه، و قيل ما يحسن السّكوت عليه و (سطع) الشي‏ء يسطع من باب منع ارتفع و (النّذر) بضمّتين جمع نذير و هو المنذ رأى المخوف، قال الشّارح المعتزلي: و الأحسن أن يكون النذر هي الانذارات نفسها، لأنّه قد وصف ذلك بالبوالغ و بوالغ لا تكون في الأكثر إلّا صفة المؤنث.

أقول: و عليه حمل قوله سبحانه: «فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ».

أى كيف رأيتم انتقامي منهم و انذاري إيّاهم مرّة بعد اخرى فالجمع للمصدر باعتبار اختلاف الأجناس و الأنواع و (علق) الشوك بالثوب من باب تعب إذا نشب و (المخلب) من الحيوان بمنزله الظفر للانسان و (مفظعات الأمور) بالفاء و الظاء المعجمة شدايدها الشنيعة و (ظعن) ظعنا من باب نفع ارتحل (و لا يبأس) بالباء الموحدة مضارع بئس كسمع يقال بئس فلان إذا أصاب بؤسا و هو الضّر و الشدّة، و في بعض النّسخ لا ييأس بالياء المثناة التحتانية من اليأس بمعنى القنوط يقال يأس ييأس من باب منع، و من باب ضرب شاذّ و في لغة كحسب.

الاعراب

قوله: فكأن قد علقتكم مخفّفة كأنّ و ملغاة عن العمل على الاستعمال الفصيح لفوات مشابهة الفعل بفوات فتحه الآخر و لذلك ارتفع بمدها الاسم في قوله:

         و نحر مشرق اللّون كأن ثدياه حقّان.

و ان أعملتها قلت ثدييه لكنه استعمال غير فصيح و مثله قوله:

         و يوما توافينا بوجه مقسّم            كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم‏

برفع ظبية على الاهمال و نصبها على الأعمال و يروى جرّها على جعل أن زايدة أى كظبية و إذا لم تعملها ففيه ضمير شأن مقدّر كما في ان المخففة و يجوز أن يقال بعدم التقدير لعدم الدّاعي عليها، ثمّ هل هي في قوله للتحقيق كما قاله الكوفيّون في قوله:

         فأصبح بطن مكة مقشعرّا            كأنّ الأرض ليس بها هشام‏

أو للتقريب كما في قولهم: كأنّك بالشتاء مقبل، و كأنّك بالدّنيا لم تكن و بالآخرة لم تزل، الوجهان محتملان و ان كان الأظهر هو الأوّل و قوله عليه السّلام: لا ينقطع نعيمها إما في محلّ النّصب على الحال أو في محلّ الرّفع على الوصف.

المعنى

اعلم أنّ هذه الخطبة كما يظهر من الكتاب مأخوذة و ملتقطة من خطبة طويلة و لم نعثر بعد على أصلها و ما أورده السيد «ره» هنا يدور على فصول ثلاثة.

الفصل الاول

في الشّهادة بالتّوحيد و ذكر بعض صفات الجمال و الجلال و هو قوله: (و أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده) في ذاته و صفاته (لا شريك له) في أفعاله و مخلوقاته، و قد مضى تحقيق الكلام في ذلك في شرح الفصل الثّاني من فصول الخطبة الثانية فلا حاجة إلى الاعادة (الأوّل) بالأزليّة ف (لا شي‏ء قبله و الآخر) بالأبديّة ف (لا غاية له) قد مضى تحقيق الأول و الآخر في شرح الخطبة الرّابعة و الستّين، و قدّمنا هناك أنّ أوليّته سبحانه لا تنافي آخريته، و آخريّته لا تنافي أوّليّته كما تتنافيان في غيره سبحانه.

و نقول هنا مضافا إلى ما سبق: أنّه سبحانه أوّل الأشياء و قبل كلّ شي‏ء فلا يكون شي‏ء قبله، و ذلك لاستناد جميع الموجودات على تفاوت مراتبها و كمالاتها إليه، و هو مبدء كلّ موجود فلم يكن قبله أوّل بل هو الأوّل الّذي لم يكن قبله شي‏ء.

قال النّيسابورى في محكيّ كلامه: و هو سبحانه متقدّم على ما سواه بجميع أقسام التقدّمات الخمسة التي هي تقدّم التّأثير و الطبع و الشرف و المكان و الزمان، أمّا بالتّأثير فظاهر، و أمّا بالطّبع فلأنّ ذات الواجب من حيث هو لا يفتقر إلى الممكن من حيث هو و حال الممكن بالخلاف، و أمّا بالشّرف فظاهر، و أمّا بالمكان فلأنّه وراء كلّ الأماكن و معها كقوله تعالى: وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ».

و قد جاء في الحديث لو دليتم بحبل إلى الأرض السّفلى لهبط إلى اللَّه ثمّ قرأ: هو الأوّل و الآخر، و أمّا بالزّمان فأظهر.

و أمّا آخريّته فلأنه هو الباقي بعد فناء وجود الممكنات و إليه ينتهى كلّ الموجودات فهو غاية الغايات فلا يكون له غاية.

قال بعض العارفين: هو الآخر بمعنى أنه غاية القصوى تطلبها الأشياء و الخير الأعظم الّذي يتشوّقه الكلّ و يقصده طبعا و إرادة، و العرفاء المتألّهون حكموا بسريان نور المحبّة له و الشوق إليه سبحانه في جميع المخلوقات على تفاوت طبقاتهم و أنّ الكاينات السّفلية كالمبدعات العلويّة على اغتراف شوق من هذا البحر العظيم و اعتراف شاهد مقرّ بوحدانيّة الحقّ القديم.

فهو الأوّل الذي ابتدء أمر العالم حتّى انتهى إلى أرض الأجسام و الأشباح و هو الآخر الذي ينساق إليه وجود الأشياء حتى يرتقى إلى سماع العقول و الأرواح و هو آخر أيضا بالاضافة إلى سير المسافرين، فانهم لا يزالون مترقّين من رتبة إلى رتبة حتى يقع الرجوع إلى تلك الحضرة بفنائهم عن ذواتهم و اندكاك جبال هويّاتهم، فهو تعالى أوّل من حيث الوجود، و آخر من حيث الوصول و الشهود، و قيل أوليّته أخبار عن قدمه و آخريّته اخبار عن استحالة عدمه.

و في الكافي بإسناده عن ميمون البان قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام و قد سئل عن الأوّل و الآخر فقال عليه السّلام: الأوّل لاعن أوّل قبله و لا عن بدى‏ء سبقه، و الآخر لا عن نهاية كما يعقل عن صفات المخلوقين و لكن قديم أوّل آخر لم يزل و لا يزول بلا بدى‏ء و لا نهاية لا يقع عليه الحدوث و لا يحول من حال إلى حال، خالق كلّ شي‏ء و يأتي إنشاء اللَّه شرح هذا الحديث في شرح الخطبة المأة.

(لا تقع الأوهام له على صفة) أراد عليه السّلام أنه لا تناله الأوهام و لا تلحقه فتقع منه على صفة إذ الوهم لا يدرك إلّا ما كان ذا وضع و مادّة، فأمّا الأمور المجرّدة عن الوضع و المادّة فالوهم ينكر وجودها فضلا أن يصدق في اثبات صفة لها، و الباري سبحانه مع بساطه ذاته و تجرّده ليس له صفة زايدة حتّى يدركه الأوهام أو تصفه بصفة، و قد مرّ بعض القول في ذلك في شرح الفصل الثّاني من الخطبة الاولى.

(و لا تعقد القلوب منه على كيفيّة) إذ ليس لذاته تعالى كيفيّة حتّى تعقد عليها القلوب فلا يعرف بالكيفوفية، و تحقيق ذلك يتوقّف على معرفة معنى الكيف فنقول: إنّ الكيف كما قيل هي هيئة قارّة في المحلّ لا يوجب اعتبار وجودها فيه نسبة إلى أمر خارج عنه و لا قسمة في ذاته و لا نسبة واقعة في اجزائه، و بهذه القيود تفارق الأعراض الثمانية الباقية.

و أقسام الكيفيّات و أوايلها أربعة، لأنّها إمّا أن تختصّ بالكميّات من جهة ما هى كمّ كالمثلّثيّة و المربّعيّة للأشكال، و الاستقامة و الانحناء للخطوط، و الزوجية و الفردية للأعداد و إمّا أن لا تختصّ بها و هي إمّا أن تكون مدركة بالحسّ راسخة كانت كصفرة الذهب و حلاوة العسل، أو غير راسخة كحمرة الخجل و صفرة الوجل و إمّا أن لا تكون مدركة بالحسّ و هي إمّا استعدادات للكمالات كالاستعداد للمقاومة و الدّفع و للانفعال و تسمّى قوّة طبيعية كالصّلابة و المصحاحية، أو للنّقايص كالاستعداد بسرعة للانفعال و تسمّى ضعفا و لا قوّة طبيعيّة كاللين و الممراضية و إمّا أن لا تكون استعدادا للكمالات و النقائص بل تكون في أنفسها كمالات أو نقايص فما كان منها ثابتا يسمى ملكة كالعلم و القدرة و الشّجاعة، و ما كان سريع الزوال يسمّى حالا كغضب الحليم و حلم الغضبان فهذه أقسام الكيف و اجناسها و يتدرج تحتها أنواع كثيرة.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ من المحال أن يتّصف سبحانه بها لكونها حادثة بالذّات ممكنة الوجود مفتقرة إلى جاعل يوجدها برى‏ء الذّات عن الاتّصاف بها، أمّا حدوثها و إمكانها فلكونها ذات ماهيّة غير الوجود فكونها عرضا قائما بمحلّه فهي مفتقرة إلى جاعل و ينتهى افتقارها بالأخرة إلى اللَّه سبحانه، و أمّا برائة ذاته سبحانه من الاتّصاف بها فلأنّ موجد الشي‏ء متقدّم عليه بالوجود فيستحيل أن يكون المكيّف بالكسر أى جاعل الكيف مكيّفا بالفتح أى منفعلا و إلّا لزم تقدّم الشي‏ء على نفسه و كون الشي‏ء الواحد فاعلا و قابلا لشي‏ء واحد.

(و لا تناله التجزية و التبعيض) عطف التبعيض على التجزية إمّا من باب التأكيد أو المراد بالأول نفى الأجزاء العقليّة كالجنس و الفصل و بالثاني نفى الأجزاء الخارجية كما في الأجسام، و على كلّ تقدير فالمقصود به نفى التركيب عنه إذ كلّ مركّب ممكن.

و أمّا ما قاله الشّارح البحراني: من أنّه اشارة إلى نفى الكميّة عنه إذ كانت التجزية و التبعيض من لواحقها و قد علمت أنّ الكمّ من لواحق الجسم و البارى تعالى ليس بجسم و ليس بكمّ.

ففيه أنّه خلاف الظاهر إذ التّجزية أعمّ من التجزية العقليّة و الخارجيّة و لا دليل على التّخصيص بالثانيّة لو لم تكن ظاهرة في الأولى حسب ما أشرنا إليه فيكون مفادها على ذلك مفاد قوله عليه السّلام في الخطبة الأولى: فمن وصف اللَّه سبحانه فقد قرنه و من قرنه فقد ثنّاه و من ثنّاه فقد جزّاه.

(و لا تحيط به الأبصار و القلوب) و قد مرّ تحقيق ذلك في شرح الخطبة الثالثة و الأربعين بما لا مزيد عليه و في شرح الفصل الثاني من الخطبة الاولى.

الفصل الثاني

(منها) في التذكير و الموعظة و هو قوله عليه السّلام (فاتّعظوا عباد اللَّه بالعبر النوافع) اى اعتبروا بالعبر النافعة و اتّعظوا بما حلّ بأهل القرون الخالية كيف صارت أجسادهم شحبة بعد بضّتها، و عظامهم نحرة بعد قوّتها، و كيف انجلوا عن الرّباع و الدّور و ارتحلوا عن الضياع و القصور، و طوّحت بهم طوايح الزّمن و هجرتهم «و أزعجتهم خ ل» عن الأموال و الأولاد و الوطن (و اعتبروا بالآى السّواطع) من آثار القدرة و علامات الجلال و الجبروت و العزّة أو بالآيات القرآنية المعذرة و المنذرة و براهينها السّاطعة المشرقة.

(و ازدجروا بالنّذر البوالغ) أى بالانذارات الكاملة و التّخويفات البالغة الواردة في الكتاب و السنّة (و انتفعوا بالذكر و المواعظ) النافعة التي تضمّنتها آيات الكتاب المبين و أخبار سيّد المرسلين (فكأن قد علقتكم مخالب المنيّة) شبّه المنيّة بالسّبع من باب الاستعارة بالكناية و اثبات المخالب تخييل و ذكر العلوق ترشيح (و انقطعت منكم علائق الامنية) لأنّ الأجل إذا حلّ و الموت إذا نزل انقطع الأهل و ضلّ الحيل و تنغّص اللذات و انتقض الشّهوات (و دهمتكم مفظعات‏ الامور) أى الامور الموجبة للفظع و الدّواهي الموقعة في الفزع من سكرات الموت و غمرات الفوت و الجذبة المكربة و السوقة المتعبة و الهجرة إلى دار الوحدة و بيت الوحشة و ما يليها من شدايد البرزخ و أهوال القيامة.

(و السّياقة إلى الورد المورود) أى المكان الذي يرده الخلايق و عليه محشرها و منشرها (و كلّ نفس معها سائق و شهيد) اقتباس من الآية في سورة ق و هو قوله: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ.

أى تجي‏ء كلّ نفس من المكلّفين يوم الوعيد و معها (سائق) من الملائكة (يسوقها إلى محشرها) أى يحثّها على السّير إليه (و شاهد) منهم أو من الأنبياء و الرّسل و الأئمة على ما سبق في شرح الخطبة الواحدة و السّبعين أو من الأعضاء و الجوارح كما ورد في غير واحد من الآيات و يأتي التصريح به في الكلام المأة و الثّامن و التّسعين إنشاء اللَّه (يشهد عليها بعملها) و بما يعلم من حالها.

الفصل الثالث

(منها في صفة الجنة) و هو قوله (درجات متفاضلات و منازل متفاوتات) كما قال سبحانه: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ» و قال: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ و قال: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ».

و تفاوت الدّرجات و تفاضل المنازل إنّما هو بتفاوت أهل الايمان في مراتب المعرفة و الكمال، فالمؤمنون الكاملون في مراتب العمل و الاخلاص ذوو الدّرجات العلى و النّاقصون فيهما ذوو الدّرجات السّفلى و قد جاء في الخبر أنّ أهل الجنّة ليرون‏ أهل علّيّن كما يرى النجم في افق السّماء.

و في الحديث إنّ في الجنّة مأئة درجة بين كلّ درجتين منها مثل ما بين السّماء و الأرض و أعلى درجاتها الفردوس و عليها يكون العرش و هى أوسط شي‏ء في الجنّة و منها تفجر أنهار الجنّة فاذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس.

و في بعض الرّوايات إنّ اقلّ ما يعطي المؤمن فيها ما يقابل الدّنيا و أشرف المنازل و أرفع المراتب هو مرتبة الرّضوان كما قال سبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ».

أى رضاء اللّه عنهم و محبّته أيّاهم أكبر من كلّ لذّات الجنّة، و هذه اللّذة لا يدركها كلّ أحد و إنما هى مختصّة بالأولياء التّامين في مقام المحبّة الكاملين في العبودية و في رواية زرارة الواردة في ثواب البكاء على الحسين عليه السّلام عن الصّادق عليه السّلام و ما من عبد يحشر إلّا و عيناه باكية إلّا الباكين على جدّي فانه يحشر و عينه قريرة و البشارة تلقّاه و السّرور على وجهه و الخلق يعرضون و هم حدّاث الحسين تحت العرش و في ظلّ العرش لا يخافون سوء الحساب يقال لهم: ادخلوا الجنّة فيأبون و يختارون مجلسه و حديثه، و أنّ الحور لترسل إليهم إنّا قد اشتقناكم مع الولدان المخلّدين فما يرفعون رؤوسهم لما يرون في مجلسهم من السّرور و الكرامة الحديث.

فلا تظنن أنّ أعلى الدّرجات هو أعالي الجنان و الجلوس مع الحور و الغلمان فانّ هذا من لذات البدن و الرّضوان من لذّات الرّوح، و لذا كان مطمح نظر الأئمة عليهم آلاف الصّلاة و التحيّة تلك اللّذة المعنويّة كما يشير إليه قول أمير المؤمنين عليه السّلام ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنّتك و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك و تقابل هذه المرتبة أعني مرتبة الرّضوان لأهل السّعادة مرتبة الخذلان لأهل‏ الشقاوة كما يشير إليه قوله تعالى حكاية عنهم: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ».

فانّ قولهم أخزيته دون أحرقته أو عذّبته دليل على أنّ ألم الخزى عندهم أشدّ و أفظع من ألم الاحتراق بالنار، و ذلك لأنّ الخزى عذاب روحانيّ و عذاب الاحتراق و الأفاعى و العقارب و ساير ما اعدّ في جهنّم عذاب جسمانيّ، و لا شكّ أنّ الأوّل أشدّ و آكد.

ثم أشار عليه السّلام إلى دوام نعيم الجنّة بقوله: (لا ينقطع نعيمها) و قد أشير إلى ذلك في غير واحدة من الآيات مثل قوله سبحانه: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها و قوله: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ، فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ، وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ، وَ ماءٍ مَسْكُوبٍ، وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ، لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ» و قوله: إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ و إنّما لم يكن لنعمها نفاد و انقطاع لأنّ استحقاق تلك النّعيم إنّما نشأ من ملكات ثابتة في جوهره لا تتغيّر و لا تتبدّل و مهما دام الاستحقاق القابل للنعمة و الجود وجب دوام الافاضة و الانعام من واجب الوجود، إذ هو الجواد المطلق الذي لا بخل من جهته و لا نفاد في خزانته (و لا يظعن مقيمها) أي لا يسير عنها و المراد به إمّا نفى سيره عنها إلى الخارج فيكون المقصود به الاشارة إلى أنّها دار خلود و دوام و على ذلك فهذه الجملة تأكيد للجملة السّابقة، و إمّا نفى السير عن مقامه إلى مقام آخر فيها طلبا لما هو أحسن منه و إلى الأوّل أشير في قوله تعالى: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها الآية و على الثّاني اشير في قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا، خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا قال في مجمع البيان: أى دائمين فيها لا يطلبون عن تلك الجنّات تحوّلا إلى موضع آخر يطلبها و حصول مرادهم فيها (و لا يهرم خالدها و لا يبأس ساكنها) لأنّ الهرم و البؤس متلازمان للتعب و النّصب المنفيّين في حقّ أهل الجنّة كما قال سبحانه حكاية عنهم: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ، الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ.

أى لا يمسّنا فيها عناء و مشقّة و لا يصيبنا فيها اعياء و متعبة

الترجمة

از جمله خطبه اى آن حضرتست كه مشتمل است بسه فصل فصل اول در مقام شهادت بتوحيد مى‏ فرمايد: و گواهى مى ‏دهم كه نيست هيچ معبودى بسزا بجز خدا در حالتي كه يگانه است و نيست شريك او را، أوّلى است كه نيست هيچ چيزى پيش از او در بداية، و آخريست كه نيست مر او را غاية و نهايت، واقع نمى‏ شود و همها از براى او بر صفتى، و بسته نمى‏ شود عقلها از او بر كيفيّتى، از جهة اين كه او منزّه است از صفة زايده بر ذات، و مبرّاست از كيفية و چگونگى حالات، و نمى ‏رسد بدايره ذات او تجزّى و تبعّض بجهة اتصاف او بوحدت، و نمى‏ تواند احاطه كند باو أبصار و قلوب و ادراك كنند او را بحقيقت.

فصل دوم در مقام موعظه و نصيحت مى‏ فرمايد: پس قبول موعظه نمائيد أى بندگان خدا با عبرتهاى نافعه، و عبرت برداريد بآيات باهره، و منزجر بشويد با ترسانيدنهاى بى ‏پايان، و منتفع باشيد بذكر متذكران و موعظهاى واعظان، پس گويا فرو رفته است بشما چنگالهاى مرگ خون‏آشام، و بريده شده است از شما علاقه اى آرزوها بناكام، و رسيده است ناگهان بشما فظع آورنده كارها، و راندن بسوى محشر كه محلّ ورود خلايق است آنجا، و هر نفس او راست راننده و گواهى دهنده كه گواهى مى‏ دهد بعمل ناپسنديده او.

فصل سيم در صفة جنّت مى‏ فرمايد: درجه‏ هاى بهشت بعضى تفاضل دارد ببعضى و بعض ديگر منازل آن با تفاوتست با يكديگر، بريده نمى‏ شود نعيم بهشت و رحلت نمى‏ كند مقيم بهشت، و پير نمى‏ شود كسى كه مخلّد است در آن، و محزون نمى‏ شود يا مأيوس نمى‏ گردد كسى كه ساكن است در آن بلكه ساكنان آن جوانان تازه و رعنا است، و مقيمان آن ملتذّند با لذائذ بى حدّ و انتها.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=