google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
خطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی80-100 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 82/1 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)«الغراء»

خطبه 83 صبحی صالح

83- و من خطبة له ( عليه‏ السلام ) و هي الخطبة العجيبة تسمى «الغراء»
و فيها نعوت اللّه جل شأنه،
ثم الوصية بتقواه
ثم التنفير من الدنيا،
ثم ما يلحق من دخول القيامة،
ثم تنبيه الخلق إلى ما هم فيه من الأعراض،
ثم فضله ( عليه ‏السلام ) في التذكير

صفته جل شأنه‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَا بِحَوْلِهِ
وَ دَنَا بِطَوْلِهِ
مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَةٍ وَ فَضْلٍ
وَ كَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَةٍ وَ أَزْلٍ
أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ
وَ سَوَابِغِ نِعَمِهِ
وَ أُومِنُ بِهِ أَوَّلًا بَادِياً
وَ أَسْتَهْدِيهِ قَرِيباً هَادِياً
وَ أَسْتَعِينُهُ قَاهِراً قَادِراً
وَ أَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً ( صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله )عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ
أَرْسَلَهُ لِإِنْفَاذِ أَمْرِهِ
وَ إِنْهَاءِ عُذْرِهِ
وَ تَقْدِيمِ نُذُرِهِ

الوصية بالتقوى‏

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي ضَرَبَ الْأَمْثَالَ
وَ وَقَّتَ لَكُمُ الْآجَالَ
وَ أَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ
وَ أَرْفَغَ لَكُمُ الْمَعَاشَ
وَ أَحَاطَ بِكُمُ الْإِحْصَاءَ
وَ أَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ
وَ آثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ

وَ الرِّفَدِ الرَّوَافِغِ
وَ أَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ
فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً
وَ وَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً
فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ
وَ دَارِ عِبْرَةٍ
أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا
وَ مُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا
التنفير من الدنيا
فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا
رَدِغٌ مَشْرَعُهَا
يُونِقُ مَنْظَرُهَا
وَ يُوبِقُ مَخْبَرُهَا
غُرُورٌ حَائِلٌ
وَ ضَوْءٌ آفِلٌ
وَ ظِلٌّ زَائِلٌ
وَ سِنَادٌ مَائِلٌ
حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا
وَ اطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا
قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا
وَ قَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا
وَ أَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا
وَ أَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ
قَائِدَةً لَهُ إِلَى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ
وَ وَحْشَةِ الْمَرْجِعِ
وَ مُعَايَنَةِ الْمَحَلِّ
وَ ثَوَابِ الْعَمَلِ.
وَ كَذَلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ
لَا تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً
وَ لَا يَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً
يَحْتَذُونَ مِثَالًا
وَ يَمْضُونَ أَرْسَالًا
إِلَى غَايَةِ الِانْتِهَاءِ وَ صَيُّورِ الْفَنَاءِ

بعد الموت البعث‏

حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ
وَ تَقَضَّتِ الدُّهُورُ
وَ أَزِفَ النُّشُورُ
أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ
وَ أَوْكَارِ الطُّيُورِ
وَ أَوْجِرَةِ السِّبَاعِ
وَ مَطَارِحِ الْمَهَالِكِ
سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ
مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ
رَعِيلًا صُمُوتاً
قِيَاماً صُفُوفاً
يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ
وَ يُسْمِعُهُمُ‏ الدَّاعِي
عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الِاسْتِكَانَةِ وَ ضَرَعُ الِاسْتِسْلَامِ وَ الذِّلَّةِ
قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ وَ انْقَطَعَ الْأَمَلُ وَ هَوَتِ الْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً
وَ خَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً
وَ أَلْجَمَ الْعَرَقُ
وَ عَظُمَ الشَّفَقُ
وَ أُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الدَّاعِي
إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ
وَ مُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ
وَ نَكَالِ الْعِقَابِ
وَ نَوَالِ الثَّوَابِ

تنبيه الخلق‏

عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً
وَ مَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً
وَ مَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً
وَ مُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً
وَ كَائِنُونَ رُفَاتاً
وَ مَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً
وَ مَدِينُونَ جَزَاءً
وَ مُمَيَّزُونَ حِسَاباً
قَدْ أُمْهِلُوا فِي طَلَبِ الْمَخْرَجِ وَ هُدُوا سَبِيلَ الْمَنْهَجِ
وَ عُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ
وَ كُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ
وَ خُلُّوا لِمِضْمَارِ الْجِيَادِ
وَ رَوِيَّةِ الِارْتِيَادِ
وَ أَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ الْمُرْتَادِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ وَ مُضْطَرَبِ الْمَهَلِ

فضل التذكير

فَيَا لَهَا أَمْثَالًا صَائِبَةً
وَ مَوَاعِظَ شَافِيَةً
لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زَاكِيَةً
وَ أَسْمَاعاً وَاعِيَةً
وَ آرَاءً عَازِمَةً
وَ أَلْبَاباً حَازِمَةً
فَاتَّقُوا اللَّهَ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ
وَ اقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ
وَ وَجِلَ فَعَمِلَ
وَ حَاذَرَ فَبَادَرَ
وَ أَيْقَنَ فَأَحْسَنَ
وَ عُبِّرَ فَاعْتَبَرَ
وَ حُذِّرَ فَحَذِرَ
وَ زُجِرَ فَازْدَجَرَ
وَ أَجَابَ فَأَنَابَ
وَ رَاجَعَ فَتَابَ
وَ اقْتَدَى‏فَاحْتَذَى
وَ أُرِيَ فَرَأَى
فَأَسْرَعَ طَالِباً
وَ نَجَا هَارِباً فَأَفَادَ ذَخِيرَةً
وَ أَطَابَ سَرِيرَةً
وَ عَمَّرَ مَعَاداً
وَ اسْتَظْهَرَ زَاداً لِيَوْمِ رَحِيلِهِ وَ وَجْهِ سَبِيلِهِ
وَ حَالِ حَاجَتِهِ وَ مَوْطِنِ فَاقَتِهِ
وَ قَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ
وَ احْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ
وَ اسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِيعَادِهِ
وَ الْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ

التذكير بضروب النعم‏

و منهاجَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا
وَ أَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا
وَ أَشْلَاءً جَامِعَةً لِأَعْضَائِهَا
مُلَائِمَةً لِأَحْنَائِهَا فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا وَ مُدَدِ عُمُرِهَا
بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا
وَ قُلُوبٍ رَائِدَةٍ لِأَرْزَاقِهَا

فِي مُجَلِّلَاتِ نِعَمِهِ
وَ مُوجِبَاتِ مِنَنِهِ
وَ حَوَاجِزِ عَافِيَتِهِ
وَ قَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ
وَ خَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ
مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلَاقِهِمْ
وَ مُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ
أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَا دُونَ الْآمَالِ
وَ شَذَّبَهُمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الْآجَالِ
لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلَامَةِ الْأَبْدَانِ
وَ لَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الْأَوَانِ
فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلَّا حَوَانِيَ الْهَرَمِ
وَ أَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلَّا نَوَازِلَ السَّقَمِ
وَ أَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلَّا آوِنَةَ الْفَنَاءِ
مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ
وَ أُزُوفِ الِانْتِقَالِ
وَ عَلَزِ الْقَلَقِ
وَ أَلَمِ الْمَضَضِ
وَ غُصَصِ الْجَرَضِ
وَ تَلَفُّتِ‏ الِاسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَ الْأَقْرِبَاءِ وَ الْأَعِزَّةِ وَ الْقُرَنَاءِ
فَهَلْ دَفَعَتِ الْأَقَارِبُ
أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ
وَ قَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الْأَمْوَاتِ رَهِيناً
وَ فِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً
قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ
وَ أَبْلَتِ النَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ
وَ عَفَتِ الْعَوَاصِفُ آثَارَهُ
وَ مَحَا الْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ
وَ صَارَتِ الْأَجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا
وَ الْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا
وَ الْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا
مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا
لَا تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا
وَ لَا تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّئِ زَلَلِهَا
أَ وَ لَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَ الْآبَاءَ وَ إِخْوَانَهُمْ وَ الْأَقْرِبَاءَ
تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ
وَ تَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ
وَ تَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ
فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا
لَاهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا
سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا
كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا
وَ كَأَنَّ الرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا

التحذير من هول الصراط

وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ وَ مَزَالِقِ دَحْضِهِ
وَ أَهَاوِيلِ زَلَلِهِ
وَ تَارَاتِ أَهْوَالِهِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ
وَ أَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ
وَ أَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ
وَ أَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ
وَ ظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ
وَ أَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ
وَ قَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ
وَ تَنَكَّبَ الْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ
وَ سَلَكَ أَقْصَدَ الْمَسَالِكِ إِلَى‏النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ
وَ لَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلَاتُ الْغُرُورِ
وَ لَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ
ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى
وَ رَاحَةِ النُّعْمَى
فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ
وَ آمَنِ يَوْمِهِ
وَ قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً
وَ قَدَّمَ زَادَ الْآجِلَةِ سَعِيداً
وَ بَادَرَ مِنْ وَجَلٍ
وَ أَكْمَشَ فِي مَهَلٍ
وَ رَغِبَ فِي طَلَبٍ
وَ ذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ
وَ رَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ
وَ نَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ
فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَ نَوَالًا
وَ كَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَ وَبَالًا
وَ كَفَى بِاللَّهِ مُنْتَقِماً وَ نَصِيراً
وَ كَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَ خَصِيماً

الوصية بالتقوى‏

أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ
وَ احْتَجَّ بِمَا نَهَجَ
وَ حَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً
وَ نَفَثَ فِي الْآذَانِ نَجِيّاً فَأَضَلَّ وَ أَرْدَى
وَ وَعَدَ فَمَنَّى
وَ زَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ
وَ هَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ
حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ
وَ اسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ
أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ
وَ اسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ
وَ حَذَّرَ مَا أَمَّنَ
و منها في صفة خلق الإنسان‏
أَمْ هَذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ
وَ شُغُفِ الْأَسْتَارِ
نُطْفَةً دِهَاقاً
وَ عَلَقَةً مِحَاقاً
وَ جَنِيناً وَ رَاضِعاً وَ وَلِيداً وَ يَافِعاً
ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً
وَ لِسَاناً لَافِظاً
وَ بَصَراً لَاحِظاً
لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً
وَ يُقَصِّرَ مُزْدَجِراً
حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ
وَ اسْتَوَى‏مِثَالُهُ
نَفَرَ مُسْتَكْبِراً
وَ خَبَطَ سَادِراً
مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ
كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ وَ بَدَوَاتِ أَرَبِهِ
ثُمَّ لَا يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً
وَ لَا يَخْشَعُ تَقِيَّةً
فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً
وَ عَاشَ فِي هَفْوَتِهِ يَسِيراً
لَمْ يُفِدْ عِوَضاً
وَ لَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً
دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ
وَ سَنَنِ مِرَاحِهِ
فَظَلَّ سَادِراً
وَ بَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ الْآلَامِ
وَ طَوَارِقِ الْأَوْجَاعِ وَ الْأَسْقَامِ
بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ
وَ وَالِدٍ شَفِيقٍ
وَ دَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعاً
وَ لَادِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً
وَ الْمَرْءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ وَ غَمْرَةٍ كَارِثَةٍ
وَ أَنَّةٍ مُوجِعَةٍ
وَ جَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ
وَ سَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ
ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً
وَ جُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً
ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ
وَ نِضْوَ سَقَمٍ
تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ
وَ حَشَدَةُ الْإِخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ وَ مُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ وَ مُفْرَدِ وَحْشَتِهِ
حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ
وَ رَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ
أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ السُّؤَالِ
وَ عَثْرَةِ الِامْتِحَانِ
وَ أَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُولُ الْحَمِيمِ
وَ تَصْلِيَةُ الْجَحِيمِ
وَ فَوْرَاتُ السَّعِيرِ
وَ سَوْرَاتُ الزَّفِيرِ
لَا فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ
وَ لَا دَعَةٌ مُزِيحَةٌ
وَ لَا قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ
وَ لَا مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ

وَ لَا سِنَةٌ مُسَلِّيَةٌ
بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ
وَ عَذَابِ السَّاعَاتِ
إِنَّا بِاللَّهِ عَائِذُونَ
عِبَادَ اللَّهِ أَيْنَ الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا
وَ عُلِّمُوا فَفَهِمُوا
وَ أُنْظِرُوا فَلَهَوْا
وَ سُلِّمُوا فَنَسُوا
أُمْهِلُوا طَوِيلًا
وَ مُنِحُوا جَمِيلًا
وَ حُذِّرُوا أَلِيماً
وَ وُعِدُوا جَسِيماً
احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ
وَ الْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ
أُولِي الْأَبْصَارِ وَ الْأَسْمَاعِ
وَ الْعَافِيَةِ وَ الْمَتَاعِ
هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلَاصٍ
أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلَاذٍ
أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ أَمْ لَا
فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ‏
أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ
أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُّونَ
وَ إِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ذَاتِ الطُّوْلِ وَ الْعَرْضِ قِيدُ قَدِّهِ
مُتَعَفِّراً عَلَى خَدِّهِ
الْآنَ عِبَادَ اللَّهِ وَ الْخِنَاقُ مُهْمَلٌ
وَ الرُّوحُ مُرْسَلٌ فِي فَيْنَةِ الْإِرْشَادِ
وَ رَاحَةِ الْأَجْسَادِ
وَ بَاحَةِ الِاحْتِشَادِ
وَ مَهَلِ الْبَقِيَّةِ
وَ أُنُفِ الْمَشِيَّةِ
وَ إِنْظَارِ التَّوْبَةِ
وَ انْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ
قَبْلَ الضَّنْكِ وَ الْمَضِيقِ وَ الرَّوْعِ وَ الزُّهُوقِ
وَ قَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ
وَ إِخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ
قال الشريف و في الخبر أنه لما خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود
و بكت العيون و رجفت القلوب
و من الناس من يسمي هذه الخطبة الغراء

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5  

و من خطبة له عليه السلام عجيبة و هى الثانية و الثمانون من المختار فى باب الخطب

و شرحها في ضمن فصول و بعض فصولها مروىّ في البحار بتفاوت و اختلاف لما في الكتاب تطلع عليه عند الفراغ من شرح الخطبة في التّكملة الآتية فانتظر.

الفصل الاول

الحمد للّه الّذي علا بحوله، و دنا بطوله، مانح كلّ غنيمة و فضل و كاشف كلّ عظيمة و أزل، أحمده على عواطف كرمه، و سوابغ نعمه، و أو من به أوّلا باديا، و استهديه قريبا هاديا، و استعينه قاهرا قادرا، و أتوكّل عليه كافيا ناصرا، و أشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله عبده و رسوله، أرسله لإنفاذ أمره، و إنهاء عذره، و تقديم نذره.

اللغة

(الحول) القوّة و (الطول) الفضل و السّعة و (منحه) أعطاه و (الأزل) بفتح الهمزة و سكون الزّاء المعجمة الشّدة و الضّيق و (عطفته) عطفا ثنّيته و (أسبع نعمه) عليكم أى أتمّه و (البادى) الظاهر و منه قوله تعالى: بادى الرّأى، أى ظاهره يقال بدا يبدو بدوا أى ظهر فهو باد أو من البداية مقابل النّهاية (و الانهاء) الابلاغ و (العذر) و (النّذر) فى قوله تعالى عذرا أو نذرا، أى حجة و تخويفا أو إعذارا و إنذارا، أى تخويفا و وعيدا.

الاعراب

أولا و باديا إما منصوب على الظرفية فتكون متعلقا باو من و عليه فيكون‏باديا من البدائة أى او من به ابتداء قبل كلّ شي‏ء أو منصوبان على الحالية من الضّمير في به فيكونان في المعنى و صفين للّه سبحانه، و هذا هو الأظهر من حيث السياق لأنّ المنصوبات السّتة بعدهما من أوصاف اللّه تعالى إلّا أنّ الأوّل أقرب من حيث المعنى فافهم و تأمل.

المعنى

اعلم أنّ هذه الخطبة له عليه السّلام كما ذكره السّيد من الخطب العجيبة مشتملة على نكات بديعة و مطالب أنيقة حسبما تعرف إليها الاشارة، و هذا الفصل منها مسوغ للثناء على اللّه سبحانه باعتبار نعوت جلاله و صفات كماله.
فقوله (الحمد للّه الّذي علا بحوله) إشارة إلى علوّه عزّ و جلّ على كلّ شي‏ء لكن لا بالمعنى المتعارف في الخلق من الفوقية الحسيّة و الخيالية بل العلوّ بالغلبة و القهر و الاستعلاء بالقدرة و القوّة، و قوله (و دنا بطوله) إشارة إلى قربه من كلّ شي‏ء لكن لا بالمعنى المتعارف في الأجسام المتقارنة بل القرب بالفضل و السعة و الدنوّ بالاحسان و العطية.
و قد قدّمنا الكلام في علوّه سبحانه و دنوّه بما لا مزيد عليه في شرح الفصل الخامس و السادس من فصول الخطبة الاولى، و في شرح الخطبة التاسعة و الأربعين أيضا، و لئن رجعت إلى ما حقّقناه هناك عرفت أن علوّه سبحانه على الأشياء لا ينافي قربه منها، و أنّ قربه بها لا ينافي بعده عنها، فهو تعالى في كمال علوّه على خلقه منهم قريب، و في منتهى قربه إلى الخلق عنهم بعيد.

و هو سبحانه (مانح كلّ غنيمة و فضل و كاشف كلّ) داهية (عظيمة و أزل) لأنّ كلّ نعمة مبدئها وجوده، و كلّ عطية منشؤها كرمه وجوده، فهو منزل النّعم الجسام و منفس الكرب العظام، و هو الصّارف لطارق البلاء و الدافع للبأساء و الضرّاء و هو مجيب المضطرّ إذا دعاه و كاشف السوء عنه حين ناداه.
وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ،ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ«».

(أحمده على عواطف كرمه) و الكريم من أسمائه تعالى و هو الجواد المعطى الذى لا ينفد عطاؤه، و يفيض الخير عنه من غير بخل و منع على كلّ قابل بقدر قابليته، و عواطف كرمه سبحانه عبارة عن فيوضاته العائدة إلى العباد مرّة بعد اخرى و عن خيراته النازلة إليهم تترى فانه تعالى لا يفتقر عن كثرة العطاء و لا تعجز عن الجزاء، وجوده يعلو كلّ جواد و به جاد كلّ من جاد: وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ«».

(و) نشكره على (سوابغ نعمه) أى نعمه التامة الكاملة و آلائه الظاهرة و الباطنة كما قال عزّ من قائل: أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ«».

قال الطبرسي: النعمة الظاهرة ما لا يمكنكم جحده من خلقكم و إحيائكم و إقداركم و خلق الشّهوة فيكم و غيرها من ضروب النعم، و الباطنة ما لا يعرفها إلّا من أمعن النظر فيها. و عن ابن عباس الباطنة مصالح الدين و الدنيا مما يعلمه اللّه و غاب عن العباد علمه.

و عنه قال سألت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنه فقال: يابن عباس أمّا ما ظهر فالاسلام و سوى اللّه من خلقك و ما أفاض عليك من الرزق، و أماما بطن فستر مساوي عملك و لم يفضحك به يابن عباس إنّ اللّه تعالى يقول ثلاثة جعلتهنّ للمؤمن و لم تكن له: صلاة المؤمنين عليه من بعد انقطاع عمله، و جعلت له ثلث ماله يكفر خطاياه، و الثالثة سترت مساوي عمله فلم افضحه بشي‏ء منه و لو أبديتها عليه لنبذه أهله فمن سواهم.

و قيل الظاهرة تخفيف الشرائع و الباطنة الشفاعة و قيل الظاهرة نعم الدنيا و الباطنة نعم الآخرة و قيل الظاهرة ظهور الاسلام و النصر على الأعداء و الباطنة الامداد بالملائكة و قيل الظاهرة نعم الجوارح و الباطنة نعم القلب.
و قال الرازي في التفسير الكبير: الظاهرة هي ما في الأعضاء من السّلامة، و الباطنة ما في القوى فانّ العضو ظاهر و فيه قوّة باطنة ألا ترى أنّ العين و الاذن شحم و غضروف ظاهر و اللسان و الأنف لحم و عظم ظاهر و في كلّ واحد معنى باطن من الابصار و السمع و الذوق و الشمّ و كذلك كلّ عضو و قد تبطل القوّة و يبقى عضو قائما.

أقول و الكلّ لا بأس به إذ الجميع من نعم اللّه على عباده، و في تفسير أهل البيت عليهم السّلام النعمة الظاهرة الرّسالة، و النعمة الباطنة الولاية (و أو من به أولا باديا) أى اصدّق به و أعتقد بالهيته و وحدانيّته أوّلا و ابتداء قبل الاستهداء و الاستعانة منه و مقدما على التوكّل عليه إذ ما لم يؤمن به و لم يصدق لا يمكن الاستهداء و الاستعانة و التوكّل، لأنّ ذلك كلّه فرع المعرفة و الايمان و هو ظاهر بالعيان، و على جعل انتصابهما على الحال فالاشارة بهما إلى الجهة التي هي مبدء الايمان إذ باعتبار أوّلية وجب وجوده و باعتبار كونه باديا أظهر الموجودات و ظهر منه الآيات في الأنفس و الآفاق، فكان ظاهرا باديا في العقل بظهور آثاره و وضوح آياته فباعتبار ظهوره مع أولية يجب الايمان بوجوب وجوده و الاذعان بالهيّته.

(و أستهديه قريبا هاديا) و الاشارة بهذين الوصفين كما في سابقيهما إذ من لا يتّصف بالهداية كيف يتصوّر الاستهداء منه و من كان بعيدا كيف يطلب منه الارشاد إلى الرشاد و الدلالة على السداد (و أستعينه قاهرا قادرا) و الكلام فيهما كما في سوابقهما إذ العاجز و الضعيف لا يتمكّن من نفسه فكيف يكون معاونا للغير أو يطلب منه الاعانة (و أتوكّل عليه كافيا ناصرا) و الكلام فيهما أيضا كما فيما تقدّم إذ التوكّل عبارة عن الوكول و الاعتماد فيما يخاف و يرجى على الغير فلا بدّ من اتصاف المعتمد عليه بالكفاية و النصرة ليكفى المعتمد فيما رجاه و ينصره فيما يخاف.

و إليه يرجع ما عن معانى الأخبار مرفوعا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو أنّه جاء جبرئيل إليه فقال له: يا جبرئيل و ما التّوكّل قال: العلم بأنّ المخلوق لا يضرّ و لا ينفع و لا يعطي و لا يمنع و استعمال الياس من النّاس، فاذا كان العبد كذلك لم يعتمد على أحد سوى اللّه و لم يرج و لم يخف سوى اللّه، و لم يطمع على أحد سوى اللّه و قال سبحانه: وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً.

يعني من يفوّض أمره إليه سبحانه و وثق بحسن تدبيره فهو كافيه يكفيه أمر الدّنيا و الآخرة أنّه يبلغ أمره و ما أراده من قضاياه و تدابيره على ما أراده و لا يقدر أحد على منعه ممّا أراده، لارادّ لقضائه و لا مبدّل لحكمه، و قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ التّوكل من شئونات الايمان و من فروع المعرفة، و لذلك وصف سبحانه المؤمنين بذلك حيث قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَ عَلى‏ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ.

(و أشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله عبده و رسوله) قد تقدّم الكلام في ثواب الشّهادة بالرّسالة في شرح الخطبة الثّانية و مضى تحقيق معنى العبد و الرّسول في شرح الخطبة الحادية و السّبعين فليراجع.
ثمّ أشار إلى بعض دواعي الرّسالة بقوله (أرسله لانفاذ أمره) يعني أرسله اللّه سبحانه لاجراء أحكامه الشرعيّة و احكام قوانينه العدليّة في الخلق ليقرّوا له بالعبوديّة و ليمحّضوا له بالطاعة (و انهاء عذره) أى اعلام معذرته و ابلاغ عذره إلى الخلق في تعذيبهم إن عصوه، و قد مضى تحقيق ذلك في شرح الخطبة الثّمانين (و تقديم نذره) اى ليقدّم انذار اللّه إلى الخلق و تخويفه لهم من عقابه و ليبلّغهم ذلك قبل يوم لقائه ليكون ذلك جاذ بالهم إلى الطاعة رادعا لهم عن المعصية.

الترجمة

از جمله خطبه ‏هاى عجيبه آن حضرتست: حمد و ثنا مر معبود بحق را سزاست كه بلند است بر همه خلق با قدرة و قوّة، و نزديك است از همه بافضل و عظمة، و عطا كننده هر منفعت است و زايل سازنده هر بلاى بزرگ و شدّة.
حمد مى‏ نمايم او را بر متكرّرات كرم او و بر تمامهاى نعم او، و ايمان مى آورم باو سبحانه در حالتي كه اوّلست و هويدا، و طلب هداية مى‏ كنم از او در حالتى كه نزديكست و راهنما، و طلب يارى مي كنم از او در حالتى كه غالب است و قادر، و توكل مي كنم باو در حالتى كه كفاية كننده است و ناصر، و گواهى مى‏ دهم باين كه محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بنده برگزيده اوست و رسول پسنديده او كه فرستاد او را بجهت اجراء امر شريعت او و اعلام عذر و معذرت او و مقدم داشتن ترسانيدن از عقوبت او پيش از لقاء روز آخرت.

الفصل الثاني

أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه الّذي ضرب لكم الأمثال، و وقّت‏ لكم الآجال، و ألبسكم الرّياش، و أرفغ لكم المعاش، و أحاط بكم الإحصاء، و أرصد لكم الجزاء، و آثركم بالنّعم السّوابغ، و الرّفد الرّوافع، و أنذركم بالحجج البوالغ، فأحصاكم عددا، و وظّف لكم مددا، في قرار خبرة، و دار عبرة، أنتم مختبرون فيها، و محاسبون عليها، فإنّ الدّنيا رنق مشربها، ردغ مشرعها، يونق منظرها، و يوبق مخبرها، غرور حائل، وضوء آفل، و ظلّ زائل، و سناد مائل، حتّى إذا أنس نافرها، و اطمئنّ ناكرها، قمصت بأرجلها، و قنصت بأحبلها، و أقصدت بأسهمها، و أعلقت المرء أوهاق المنيّة، قائدة له إلى ضنك المضجع، و وحشة المرجع، و معاينة المحلّ، و ثواب العمل، و كذلك الخلف بعقب السّلف، لا تقلع المنيّة اختراما، و لا يرعوي الباقون اجتراما، يحتذون مثالا، و يمضون أرسالا، إلى غاية الانتهاء، و صيّور الفناء.

اللغة

(الرّياش) و الريش واحد قال تعالى: و ريشا و لباس التقوى، و هو ما ظهر من اللّباس الفاخر، و في المصباح الرّيش الخير و الرّياش بالكسر المال و الحالة الجميلة.
أقول: و منه قولهم ارتاش فلان أى حسنت حاله و (ارفغ) بالغين المعجمة من الرّفغ و هو السّعة و الخصب يقال رفغ عيشه بالضمّ رفاغة اتّسع و (الرّفد) جمع‏ رفدة و هي العطية و الصّلة و (و التّوظيف) التّعيين و (القرار) و القرارة ما قرّ فيه و المطمئنّ من الأرض و (الخبرة) بالضمّ و الكسر اسم من الاختبار كالعبرة من الاعتبار يقال اختبرت فلانا و اعتبرته امتحنته، قال و يكون الاعتبار بمعنى الاتعاظ و منه قوله تعالى «فاعتبروا يا أولي الأبصار» قال الخليل العبرة و الاعتبار بما مضى اى الاتّعاظ و التّذكر و (رنق) الماء من باب فرح و نصر رنقا و رنقا و رنوقا كدر فهو رنق و رنق و رنق كعدل و كتف و جبل و مكان (ردغ) ككتف كثير الوحل و (يونق) مضارع باب الافعال يقال آنقنى الشّي‏ء أعجبنى و المجرّد أنق كفرح يقال انق الشي‏ء انقا أى راق حسنه و أعجب و (يوبق) من باب الافعال أيضا و المجرّد و بق من باب وعد و وجل و ورث يقال و بق الرّجل و يبق و يوبق و بوقا هلك و (المخبر) كالمنظر مصدر او اسم مكان و (الغرور) بالفتح من غرّته الدّنيا غرورا من باب قعد خدعته بزينتها فهى غرور مثل رسول اسم فاعل مبالغة و (الحائل) المتغيّر اللّون و (أفل) افولا من باب ضرب و نصر و علم غاب و (السّناد) و السّند بفتحتين ما استندت إليه من حايط و نحوه.

و (انس) به انسا من باب علم و في لغة من باب ضرب و الانس بالضمّ اسم منه و استأنست به و تأنّست به إذا سكن القلب و لم ينفر و رجل (ناكر) و نكر فاعل من نكر الأمر من باب فرح أى انكره و (قمص) الفرس و غيره عند الرّكوب قمصا من باب ضرب و قتل و هو أن يرفع يديه معا و يضعهما معا و (قنصه) يقنصه صاده فهو قانص و قنيص و قناص و (أقصد) السهم أصاب فقتل مكانه و فلانا طعنه فلم يخطئه و (الاوهاق) جمع وهق محرّكة و يسكن و هو الحبل يرمى في عنق الشخص يؤخذ به و يوثق و أصله للدّواب و يقال في طرفه النشوطة، و هي بالضمّ ربطة دون العقدة إذا مدّت بأحد طرفيها انفتحت.

و (الضنك) بسكون النون الضّيق و (ضجع) ضجعا و ضجوعا من باب منع وضع جنبه بالأرض كاضطجع و المضجع كمقعد موضع الضجع و (المرجع) كمنزل مصدر من رجع رجوعا كالمرجعة و هما شاذان لأنّ المصادر من فعل يفعل بالفتح‏و كذلك الخلف بعقب السّلف (العقب) بكسر القاف و بسكونها للتخفيف يقال جائني عقبه و أصل الكلمة جاء زيد يطأ عقب عمرو، و المعنى كلما رفع عمرو قدما وضع زيد قدمه مكانها، ثمّ كثر حتّى قيل جاء عقبه ثمّ كثر حتّى استعمل بمعنيين: أحدهما المتابعة و الموالاة فاذا قيل جاء في عقبه فالمعني في اثره قال ابن السّكيت بنو فلان يسقى ابلهم عقب بني فلان أى بعدهم، و قال ابن فارس فرس ذو عقب أى جرى بعد جرى، و ذكر تصاريف الكلمة ثمّ قال و الباب كلّه يرجع إلى اصل واحد و هو أن يجي‏ء الشي‏ء بعقب الشي‏ء أى متأخّرا عنه و منه قولهم خلف فلان بعقبى أى أقام بعدي و عقبت زيدا عقبا و عقوبا من باب قتل جئت بعده.

و المعنى الثّاني إدراك جزء من المذكور معه يقال جاء في عقب شهر رمضان إذا جاء و قد بقى منه بقيّة و يقال إذا برأ المريض و قد بقى شي‏ء من المرض هو في عقب المرض.
إذا عرفت ذلك فمعنى قوله عليه السّلام (و كذلك الخلف بعقب السّلف) كذلك جاء الخلف متأخّرا عن السّلف و بعدهم أو جاءوا و قد بقى منهم بقيّة، و في بعض النّسخ يعقب السّلف بصيغة المضارع أى يجي‏ء بعد السّلف و يتأخّر عنهم أو مع بقاء بقيّة منهم و (قلعه) قلعا من باب منع انتزعه من اصله و الاقلاع عن الأمر الكفّ عنه و (اخترمته) المنيّة أخذته و القوم استأصلتهم و اقتطعتهم و (ارعوى) عن القبيح ارتدع و (الاجترام) اكتساب الجرم و الذنب و (احتذيت) به إذا اقتديت به في اموره و اصله من حذوت النّعل بالنّعل قدرتها بها و قطعتها على مثالها و قدرها و (الأرسال) جمع رسل بفتحتين مثل سبب و أسباب و هو القطيع من الابل و شبّه به النّاس فقيل جاءوا أرسالا أى متتابعا و (صير) الأمر بالكسر و يفتح مسيره و عاقبته كالصّيّور و الصّيّورة.

الاعراب

قوله عليه السّلام و أحاط بكم الاحصاء قال الشّارح المعتزلي يمكن أن ينصب الاحصاء على أنّه مصدر فيه اللام و العامل فيه غير لفظه، و يجوز أن ينصب بأنّه مفعول به و يكون‏ ذلك على وجهين: أحدهما أن يكون من حاط ثلاثيا تقول حاط فلان كرمه أي جعل عليه حائطا فكأنّه جعل الاحصاء و العدّ كالحائط المدار عليهم لأنّهم لا يعدونه و لا يخرجون عنه الثّاني أن يكون من حاط يحوط بالواو بمعنى جمع فادخل الهمزة كأنّه جعل الاحصاء يحوطهم و يجمعهم تقول ضربت زيدا و اضربته أى جعلته ذا ضرب كأنّه جعل الاحصاء ذا تحويط عليهم بالاعتبار الاولى أو جعله ذا جمع لهم بالاعتبار الثّاني و يمكن فيه وجه آخر و هو أن يكون الاحصاء مفعولا له و يكون في الكلام محذوف تقديره و أحاط بكم حفظته و ملائكته للاحصاء و دخول اللّام في المفعول له كثير انتهى.

و الأظهر هو الانتصاب بالمصدر، و مثله قوله عليه السّلام و أحصاكم عددا فانّه أيضا مصدر بغير لفظة الفعل على ما ذهب إليه الزّجاج من تجويز كون العدد مصدرا مستدلا بقوله تعالى سنين عددا و على هذا فيكون أصل كلامه أحصاكم و عدّكم عددا على حدّ قوله تعالى: لقد أحصيهم و عدّهم عدّا.

و أمّا على مذهب المشهور و هو الحقّ من كون العدد كالعديد اسم مصدر فهو تمييز منقول من المفعول به كقوله تعالى: و فجّرنا الأرض عيونا، و الأصل أحصا عددكم، و يمكن أن يكون حالّا أى أحصاكم معدودا محصورا.
و جوّز هذا الوجه مع الوجه الأوّل صاحب الكشّاف في قوله و أحاط بما لديهم و أحصى كلّ شي‏ء عددا حيث قال: عددا حال أى و ضبط كلّ شي‏ء معدودا محصورا أو مصدر في معنى الاحصاء.

قوله و أعلقت المرء أوهاق المنيّة بنصب المرء و الأوهاق على المفعوليّة و الفاعل الضمير الرّاجع إلى الدّنيا و الباء في قوله بعقب السّلف بمعنى في كما في قوله بالبكاء الكثير بالاطلال، و اختراما و اجتراما منصوبان بنزع الخافض أى لا تكف عن اخترام و لا يرتدعون عن اجترام، و أرسالا منتصب على الحال.

المعنى

اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبة مسوق للوصيّة بالتّقوى و الخشية من اللّه و متضمّن للتنفّر عن الدّنيا بذكر معايبها و مثالبها فأمر أوّلا بالتّقوى بقوله (أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه الذى ضرب لكم الأمثال) أى ضربها لكم في القرآن للتذكرة و الموعظة كما قال تعالى: وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ اي ليتذكّروا بتلك الأمثال و يتدبّروا فيها فيعتبروا، و الأمثال التي ضربها لهم فيه كثيرة منها قوله تعالى بعد الآية السّابقة.

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَ رَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.
فانّه مثل ضربه سبحانه لعبدة الأصنام و للمخلصين بتوحيده، و يعني بقوله رجلا فيه شركاء أنّه يعبد آلهة مختلفة و أصناما، و هم متشاجرون متعاسرون هذا يأمره و هذا ينهاه و يريد كلّ واحد منهم أن يفرّده بالخدمة ثمّ يكل كلّ منهم أمره إلى الآخر ويكل الآخر إلى آخر فيبقى هو خاليا من المنافع و هذا حال من يخدم جماعة مختلفة الآراء و الأهواء و هو مثل الكافر.

و أمّا مثل المؤمن الموحّد فرجل سلم أي خالص يخدم مالكا واحدا لا يشوب بخدمته خدمة غيره و لا يأمل سواه و من كان بهذه الصفة نال ثمرة خدمته لا سيّما إذا كان المخدوم قادرا كريما حكيما.
و منها قوله تعالى في سورة يونس: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ‏الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فانّ هذا مثل ضربه اللّه للتّزهيد في الدّنيا و التّرغيب في الآخرة فقد قيل إنّ المقصود بهذه الآية تشبيه الحياة الدّنيا بالماء فيما يكون به من الانتفاع ثمّ الانقطاع و قيل إنّ المشبّه به النّبات على ما وصفه من الاغترار به ثمّ المصير إلى الزّوال و قيل إنّ المقصود تشبيه الحياة الدنيا بحياة مقدّرة على هذه الأوصاف.

و على أىّ تقدير فمعنى الآية أنّ مثل الحياة الدّنيا مثل الماء النّازل من السّماء المختلط بسببه نبات الأرض بعضه ببعض حتّى إذا أخذت الأرض حسنها و بهجتها و تزيّنت في نظر أهلها و ظنّ مالكها أنّهم قادرون على الانتفاع بها باقتطاعها و حصادها أتاها أمر اللّه سبحانه أى عذابه و بلاؤه من برد أو برد فصارت محصودة مقلوعة يابسة كأن لم تقم على تلك الصّفة بالأمس.

و نحوه في سورة الكهف: وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَ كانَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقْتَدِراً.

و نحوهما قوله سبحانه في سورة الحديد: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَ فِي‏الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ.
و منها قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ.

فانّه تعالى شبّه الكلمة الطيبة أعنى شهادة أن لا إله الّا اللّه أو كلّ كلام أمر به اللّه بالشّجرة الطيبة التي أصلها ثابت راسخ في الأرض و أغصانها في السّماء، و أراد به المبالغة في الارتفاع تخرج هذه الشّجرة ما يؤكل منها في كلّ ستّة أشهر أو في كلّ سنة أو كلّ غدوة و عشيّة.

و شبّه الكلمة الخبيثة و هي كلمة الكفر و الشّرك أو كلّ كلام في معصية اللّه بالشّجرة الخبيثة اقتلعت جثّتها من الأرض مالها من ثبات يعنى أنّ الكلمة الطيبة مثل الشّجرة الطيبة ينتفع بها صاحبها عاجلا و آجلا، و الكلمة الخبيثة كالشّجرة الخبيثة لا ينتفع بها صاحبها و لا يثبت له منها نفع و لا ثمر.

و في تفسير أهل البيت عليهم السّلام«» أنّ الشّجرة الطيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فرعها عليّ عليه السّلام و عنصر الشّجرة فاطمة و ثمرتها أولادها و أغصانها و أوراقها شيعتنا ثمّ قال: إنّ الرّجل من شيعتنا ليموت فيسقط من الشّجرة ورقة و إنّ المولود من شيعتنا ليولد فيورق مكان تلك الورقة، و على هذا فالمراد بقوله سبحانه: تؤتى أكلها كلّ حين ما يفتى به الأئمة من آل محمّد شيعتهم في الحلال و الحرام.

و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: كلمة خبيثة كشجرة خبيثة، إنّ هذا مثل بني اميّة، و كيف كان فانّ المقصود من هذه الأمثال المضروبة في القرآن و نحوها ممّا هي فوق حدّ الاحصاء هو تنبيه الخلق و تذكيرهم‏و ايقاظهم من نوم الغفلة و الجهالة و حثّهم و ترغيبهم على ملازمة المعرفة و التقوى و الطاعة.

و لذلك قال عليه السّلام اوصيكم بتقوى اللّه الذى ضرب لكم الأمثال، فانّ في التّعبير بهذه اللفظة إشارة إلى أنّ ضربها للتّقوى مما يجرى أن يتّقيه الخلق، و كذلك المقصود بالأوصاف التي يذكرها بعد ذلك هو الجذب إليه«» و الحثّ عليه أعنى قوله (و وقّت لكم الآجال) أى عيّنها لكم و كتبها بقلم القضاء في أمّ الكتاب كما قال تعالى: وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ.

فمن علم أنّ له أجلا إذا جاء لا يؤخّر و أنّ له إيابا إلى ربّه الذي يؤاخذ بما قدّم و أخّر فأجدر أن يخاف منه و يحذر (و ألبسكم الرّياش و أرفغ لكم المعاش) أى أنزل عليكم لباسا يوارى سوآتكم و ريشا و لباس التقوى«» و أوسع عيشكم و رزقكم من الطيبات لتطيعوه في السر و الاعلان و لا تجاهروه بالكفر و العدوان كمال قال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ.

(و أحاط بكم الاحصاء و أرصد لكم الجزاء) يعنى أنّه سبحانه محيط بكم عالم بعدد نفوسكم لا يشذّه منكم أحد، و هو تعالى أعدّ لكم جزاء أعمالكم«» مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ، وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (و آثركم بالنّعم السّوابغ و الرفدالروافع) أى أنّه تعالى اختاركم بنعمه التامة الكاملة وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً«» و أعطاكم الصّلات الجليلة الرّفيعة العالية (و أنذركم بالحجج البوالغ) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى‏ وَ الرَّكْبُ أَسْفَلَ«» و لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً«» (فأحصاكم عددا و وظّف لكم مددا) يعنى انّه أحصا عددكم و عيّن مدّة عمركم.

و إنّما أعاد عليه السّلام ذكر هذين الوصفين مع اغناء قوله: و وقّت لكم الآجال و أحاط بكم الاحصاء عنه، للتّاكيد و المبالغة، لأنّ ذكر توقيت المدد و توظيف الآجال من أشدّ الجواذب إلى التّقوى، و كذلك المعرفة باحاطة علمه بجزئيات النّفوس و عدم شذوذ شي‏ء منها عنه رادعة لها عن المهالك و المعاطب.

فان قيل: أىّ نكتة في الاتيان بالتّمييز أعنى عددا بعد لفظ الاحصاء مع أنّه لا ابهام فيه و لا خفاء بل هو مغن عنه قلت: السّر في ذلك كما في قوله تعالى: و أحصى كلّ شي‏ء عددا، و هو بيان أنّ علمه تعالى بالأشياء ليس على وجه اجماليّ بل على وجه تفصيلى، فانّ الاحصاء قد يراد به الاحاطة الاجماليّة كما قال تعالى: و إن تعدّوا نعمة اللّه لا تحصوها، أى لا تقدر و اعلى حصرها إجمالا فضلا عن التّفصيل.

و ذلك لأنّ أصل الاحصاء أنّ الحاسب إذ بلغ عقدا معيّنا من عقود الأعداد كالعشرة و المأة و الألف وضع حصاة ليحفظ بها كميّة ذلك العقد فيبنى على ذلك حسابه و قوله (في قرار خبرة و دار عبرة) أراد به أنّه سبحانه عيّن لكم المدد في مقرّ البلاء و الاختيار و دار الاتّعاظ و الاعتبار.

و هى الدّار التي (أنتم مختبرون فيها) بما أعطاكم اللّه فيها لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ و المفسد من المصلح حتّى يزيد في إحسان المحسن و يؤاخذ بعصيان المسي‏ء(و محاسبون عليها) أى على نعيمها كلّا أو بعضا على ما مضى تحقيقا و تفصيلا في شرح كلامه الثمانين و مضى هناك أيضا توضيح الاتعاظ بالدّنيا و الاعتبار فيها فليراجع ثمّة.

ثمّ إنّه عليه السّلام لما وصّى بالتّقوى و أمر بلزومه بذكر بعض الجواذب إليه أكّده و علّله بقوله: (فانّ الدّنيا رنق مشربها) و هو كناية من كدر لذّاتها من حيث شوبها بالتّعب و المصائب و الهموم و الأحزان (ردغ مشرعها) لأنّ مواردتنا و لها و الشّروع فيها من مزالق الاقدام عن سواء الصّراط إلى طرفي التفريط و الافراط، و ذلك لكثرة الشبهات و غلبة المشتبهات (يونق منظرها) لما في ظاهرها من الحسن و البهجة و الرّدغ و النضرة الموجبة لاعجاب الناظرين إليها و التذاذهم بها (و يوبق مخبرها) لما في باطنها من السمّ القاتل الباعث على و بوق المتناولين لها و هلاك المفتتنين بها، و وقوعهم في الخزي العظيم و العذاب الأليم.

و هى (غرور حائل) لأنّها تغرّ الخلق و تخدعهم بزخرفها و زبرجها فيتوهّمون دوامها و ثباتها ثمّ تنتقل عنهم و تتغيّر في زمان يسير و مدّة قليلة (وضوء آفل) استعار لفظ الضوء لما يظهر منها من الحسن في عيون الغافلين من قولهم على فلان ضوء إذا كان حسن المنظر يعنى إنّها ذو حسن و ضياء إلّا أنّ حسنها قليل لا يدوم و يغيب فلا يبقى (و ظلّ زائل) أى يستريح فيها أهلها و يستظلّون بها إلّا أنّها في معرض الفناء و الزّوال (و سناد مائل) يستند إليها الغافلون و يعتمدون عليها مع أنّها لاثبات لها و لاقرار.

(حتّى إذا أنس نافرها و اطمئنّ ناكرها) أى إذا استأنس بها من كان باقتضاء عقله نافرا عنها و سكن إليها من كان بمقتضى فطرته منكرا لها (قمصت بأرجلها) كالدّابة القامصة الممتنعة عن ركوب الانسان المولّية عنه.
و قمصها كناية عن امتناعها على الانسان حين حضور أجله كأنّها تدفعه برجليها مثل الدّابة الموصوفة، و الاتيان بصيغة الجمع مع أنّ الدّابة لها رجلان من باب التغليب و اعتبار اليدين و إنّما عبّر بالرّجل دون اليد لكون القمص إلى الرّجل أنسب.

(و قنصت بأحبلها) كالقناص الذي يقنص الصيد و يصيده بشركه و حبائله و هو كناية عن تمكن العلايق الدّنيويّة و حبائل محبتها و الهيآت الرّديّة المكتسبة عنها في عنقة بحيث لا يتمكّن من الامتناع و التجنّب عنها كالصّيد الواقع في الشّرك (و أقصدت بأسهمها) كالرّامي الذي يرمي بسهامه فيصيب الغرض و لا يخطئه و أسهمها كناية عن الأمراض و أسباب الموت.

(و أعلقت المرء أوهاق المنيّة) أى أعلقته حبالها يعنى ما تجذب بها إلى الموت من ساير أسبابه أيضا (قائدة) بتلك الحبال (له إلى ضنك المضجع) و ضيق القبر (و وحشة المرجع) و هو إشارة إلى ما يجده أهل الدّنيا من الوحشة عند مفارقة الأموال و الأولاد و الأحبّة (و معاينة المحلّ) أى مشاهدة الموضع الذي يحلّ به بعد الموت و هو دار الآخرة (و ثواب العمل) أى جزائه من خير أو شرّ لا الجزاء بالمعنى الأخصّ الذي هو عوض الطاعة.

(و كذلك الخلف بعقب السلف) أى هكذا حال الخلف بعد السّلف يفعل الدّنيا بهم مثل ما فعلت بأسلافهم، و كذلك هم في الدّنيا يعملون مثل ما عمله آبائهم (فلا نقلع المنية) منهم (اختراما و لا يرعوي الباقون اجتراما) يعنى لا يكفّ المنيّة عن إهلاكهم و استيصال نفوسهم و لا يرتدع الباقون منهم عن جرمهم و جرائرهم بل (يحتذون مثالا) و يقتدون بأمثالهم الماضين في الأعمال و الأفعال (و يمضون) على ذلك (أرسالا) و متتابعا (إلى غاية الانتهاء و صيور الفناء) أى الى منتهى ما يسيرون إليه بمطايا الأبدان و عاقبة ما يكون أمرهم عليه من الفناء و العرض على الملك الدّيان أقول: و نرجو من اللّه سبحانه عند ذلك الرّحمة و الغفران بالكرم و الامتنان.

الترجمة

وصيت مي كنم شما را أي بندگان خدا بتقوى و پرهيزكاري خدا چنان خدائي كه بيان فرمود از براى شما مثل‏ها، و معين كرد از براى شما أجل‏ها و بپوشانيد شما را لباس‏هاى فاخر و وسعت داد بشما با طعام‏هاى طيّب و طاهر، و احاطه كرد بشما احاطه كردنى و مهيا نمود از براي شما جزاي عمل‏هاى شما را و برگزيد شما را بنعمت‏هاى تامه كامله و عطاياى جليله عاليه، و ترساند شما را با حجت هاى واضحه بالغه و شمرد شما را شمردنى و تعيين نمود از براى شما مدتهاى أعمار در مقرّ امتحان و اختبار و در سراى اعتبار.

شما امتحان شدگانيد در دار فانى و حساب كرده شدگانيد در آن بنعمت‏ها و زندگانى، پس بدرستى دنيا ناصاف است محلّ آبخوردن آن گل آلود است محلّ آب برداشتن آن تعجب مى‏آورد در نظر جاهلان تماشاگاه آن و هلاك مى‏سازد محل آزمايش آن در وقت التذاذ بلذات آن، و آن فريبنده است تغيير يابنده، و صاحب حسن است فرو رونده، و سايه‏اي است زائل شونده و تكيه گاهى است ميل نمايند.

تا زمانى كه انس گيرد بأو نفرت كننده از او و خواطر جمع شود بأو انكار كننده او، بر جهد بپاهاي خود كه بيندازد او را بر زمين مذلت، و شكار كند او را بدامهاي خود تا گرفتار شود به مشقت و محنت، و برساند باو تيرهاي مرگ و هلاكت در حالتى كه كشنده باشد او را بضيق و تنگى خوابگاه و وحشت بازگشت و به مشاهده كردن جاى جزا و ثواب كردار.

و همچنين است حال پس آيندگان بعد از پيش رفتگان و رحلت نمايندگان نه امساك مى‏كند مرگ از استيصال نمودن، و نه باز مى‏ايستند باقى ماندگان از جرم و گناه كردن، بلكه اقتدا مى‏كنند بر مثال گذشتگان و مى‏گذرند پياپى تا بغايت نهايت كه عبارتست از موت و عاقبت امر كه عبارتست از فنا و فوت.

الفصل الثالث

حتّى إذا تصرّمت الامور، و تقضّت الدّهور، و أزف النّشور، أخرجهم من ضرائح القبور، و أوكار الطّيور، و أوجرة السّباع، و مطارح المهالك، سراعا إلى أمره، مهطعين إلى معاده، رعيلا صموتا،قياما صفوفا، ينفذهم البصر، و يسمعهم الدّاعي، عليهم لبوس الاستكانة، و ضرع الإستسلام و الذّلّة، قد ضلّت الحيل، و انقطع الأمل، و هوت الأفئدة كاظمة، و خشعت الأصوات مهينمة، و ألجم العرق، و عظم الشّفق، و أرعدت الأسماع لزبرة الدّاعي إلى فصل الخطاب، و مقايضة الجزاء و نكال العقاب، و نوال الثّواب.

اللغة

(صرمت) النّخل قطعته و انصرم اللّيل و تصرّم ذهب و (قضّ) الشي‏ء يقضّه قطعه و (أزف) شخوص فلان يأزف أزفا من باب تعب قرب و دنا و منه قوله: أزفت الآزفة، أى قربت القيامة و دنت، سمّيت بذلك لأنّ كلّ ما هو آت قريب و (نشر) الموتى نشورا من باب قعد حيّوا و نشرهم اللّه يتعدّي و لا يتعدّى، و قد يتعدّي بالهمزة يقال أنشرهم اللّه و قال تعالى: و إذا شاء أنشره، أى أحياه بعد إماتته.

و (الضّريح) الشّق في وسط القبر في جانب فعيل بمعنى مفعول و (اوجرة) السّباع جمع و جار بالكسر و هو جحرها الذي تأوى إليه و (هطع) يهطع من باب منع أسرع مقبلا و أهطع فى عدوه أسرع و منه قوله تعالى: مهطعين إلى الدّاع، أى مسرعين إليه في خوف.

و (الرّعيل) القطعة من الخيل و الجماعة من النّاس و (الصّموت) جمع صامت كالصّمت و الصّمات مصدر بمعنى السّكوت من صمت يصمت من باب قتل و (اللّبوس) بفتح اللّام ما يلبس قال تعالى: و علّمناه صنعة لبوس، يعني الدّرع و (الاستكانه) الخضوع و (ضرع) له يضرع من باب منع ضراعة ذلّ و خضع، و ضرع ضرعا من باب تعب لغة و ضرع ضرعا و زان شرف ضعف، و تضرّع إلى اللّه ابتهل و (كظم) يكظم كظما من باب ضرب و سكت و رجل كظيم و مكظوم مكروب.

و (الهينمة) الصّوت الخفىّ و (الجم العرق) بلغ الفم فصار كاللجام و (الشفق) الخوف و (ارعدت الاسماع) بالبناء على المجهول أخذتها الرّعدة و (الزّبرة) من زبره زبرا من باب ضرب زجره و نهره و (قايضته) به بالياء المثناة التّحتانيّة عارضته عرضا بعرض و (نكل) به تنكيلا صنع به صنعا يحذر غيره، و النّكال اسم منه أو هو العقوبة و (النّوال) العطا.

الاعراب

سراعا، منتصب على الحال من مفعول أخرج و كذلك المنصوبات بعده، و لبوس الاستكانة مرفوع على الابتداء قدّم عليه خبره للتّوسع، و قوله إلى فصل الخطاب متعلّق بالدّاعي.

المعنى

اعلم أنّ هذا الفصل من الكلام قد ساقه عليه السّلام لبيان ما يحلّ على النّاس بعد الموت و يلحق بهم من شدايد القيامة و أهوالها و أشار به إلى النّشر و المعاد فقال (حتّى إذا تصرّمت الامور و تقضت الدّهور) أى تعطلت امور النّاس بموتهم و انقضت الازمان و تقطعت (و أزف النّشور) أى دنى و قرب وقت احيائهم بعد إماتتهم أمر اللّه سبحانه بنفخ الصّور فنشرهم و حشرهم.

و (أخرجهم من ضرايح القبور) ان كانوا مدفونين فيها (و أو كار الطيور) ان كانوا أكيل طير (و أوجرة السّباع) إن كانوا فريسة سبع (و مطارح المهالك) ان قتلوا في معركة حرب و نحو ذلك و بالجملة ينشرهم اللّه و يأتي بهم جميعا أينما كانوا (سراعا إلى أمره) و قضائه غير لابثين (مهطعين الى معاده) غير مماكسين كما قال تعالى في سورة ق يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ أى يسرعون إلى أمره بلا مكث و تأخير، و فى سورة القمر: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى‏ شَيْ‏ءٍ نُكُرٍ خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذايَوْمٌ عَسِرٌ.

(رعيلا صموتا قياما صفوفا) أى جماعة ساكتين قائمين صافين لا يقدرون على الكلام و لا يرخّص لهم في القعود كما قال تعالى في سورة النّبأ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ أي بنو آدم على أحد التّفاسير وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً و فيها أيضا يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً.

روى في المجمع عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه سئل عن هذه الآية فقال: يحشر عشرة أصناف من امّتي أشتاتا قد ميّزهم اللّه من المسلمين و بدّل صورهم فبعضهم على صورة القردة، و بعضهم على صورة الخنازير، و بعضهم منكوسون أرجلهم من فوق و وجوههم من تحت ثمّ يسحبون عليها، و بعضهم عمى يتردّدون، و بعضهم صمّ بكم لا يعقلون، و بعضهم يمضغون ألسنتهم يسيل القيح من أفواههم لعابا يتقذّرهم أهل الجمع، و بعضهم مقطّعة أيديهم و أرجلهم، و بعضهم مصلّبون على جذوع من النّار، و بعضهم أشدّ نتنا من الجيف، و بعضهم يلبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم.

فأمّا الذين على صورة القردة فالقتاة من النّاس، و أمّا الذين على صورة الخنازير فأهل السّحت، و أمّا المنكوسون على رؤوسهم فآكلة الرّبا، و العمى الجائرون في الحكم، و الصمّ البكم المعجبون بأعمالهم، و الذين يمضغون ألسنتهم العلماء و القضاة الذين خالف أعمالهم أقوالهم، و المقطّعة أيديهم و أرجلهم الذين يؤذون الجيران، و المصلّبون على جذوع من نار فالسّعاة بالنّاس إلى السلطان، و الذين أشدّنتنا من الجيف فالذين يتمتّعون بالشّهوات و اللذات و يمنعون حقّ اللّه في أموالهم، و الذين هم يلبسون الجباب فأهل الفخر و الخيلاء.

(ينفذهم البصر) بصر الجبّار تعالى أى لا يخفى أحد منهم مع كثرتهم عن ادراكه سبحانه و لا يعزب عن علمه كما قال في سورة الحاقة: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى‏ مِنْكُمْ‏ خافِيَةٌ (و يسمعهم الدّاعي) يعني أنّهم مع هذه الكثرة أيضا يشملهم و يحيط بهم عموم دعاء الدّاعى إلى فصل الخطاب و يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم نداء المنادي إلى الموقف و الحساب، و إليه الاشارة بقوله تعالى في سورة ق. يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ.

قال الطبرسي: و إنّما قال من مكان قريب لأنّه يسمعه الخلايق كلّهم على حدّ واحد فلا يخفى على أحد قريب و لا بعيد فكأنّهم نودوا من مكان يقرب منهم (عليهم لبوس) الخضوع و الخشوع و (الاستكانة و ضرع) التذلل و (الاستسلام و الذلة) من هول هذا اليوم و فزعه كما قال سبحانه في سورة طه: وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً.

قال الطبرسي أى خضعت و ذلت خضوع الأسير في يد من قهره و المراد خضع أرباب الوجوه و استسلموا الحكم للحيّ الذي لم يمت و لا يموت، و إنّما اسند الفعل إلى الوجوه لأنّ أثر الذّلّ يظهر عليها، و قيل المراد بالوجوه الرّؤساء و القادة و الملوك أى يذلّون و ينسلخون عن ملكهم و عزّهم، و في سورة المعارج: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى‏ نُصُبٍ يُوفِضُونَ خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ.

أى يخرجون من القبور مسرعين كأنّهم يسعون إلى علم نصب لهم خاضعة أبصارهم لا يستطيعون النّظر من هول ذلك اليوم و تغشيهم المذلّة (قد ضلّت الحيل) أى الحيل الدّنيويّة فلا يستطيعون الخلاص ممّا هم فيه بالحيلة و التّدبير كما كانوا يخلصون من بعض آلام الدّنيا بها (و انقطع الأمل) أى أملهم في الدّنيا لامتناع عودهم إليها و انقطاع طمعهم عنها (و هوت الأفئدة كاظمة) أى خلت من الفرح و السّرور بل و من كلّ شي‏ء حال كونها ساكتة أو مكروبة و محزونة و هو مأخوذ من قوله تعالى‏في سورة إبراهيم: مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ.

قال الطبرسي: مهطعين أى مسرعين و قيل يريد دائمي النظر إلى ما يرون لا يطرفون مقنعي رؤوسهم أى رافعي رؤوسهم إلى السّماء حتّى لا يرى الرّجل مكان قدمه من شدّة رفع الرأس و ذلك من هول يوم القيامة و قال مورج: معناه ناكسي رؤوسهم بلغة قريش لا ير إليهم طرفهم أى لا يرجع إليهم أعينهم و لا يطبقونها و لا يغمضونها و إنّما هو نظر دائم و أفئدتهم هواء أى قلوبهم خالية من كلّ شي‏ء و قيل خالية من كلّ سرور و طمع في الخير لشدّة ما يرون من الأهوال كالهواء الذي بين السّماء و الأرض و قيل معناه و أفئدتهم زائلة عن مواضعها قد ارتفعت إلى حلوقهم لا تخرج و لا تعود إلى أماكنها بمنزلة الشي‏ء الذاهب في جهات مختلفة المتردّد في الهواء و قيل معناه خالية عن عقولهم (و خشعت الأصوات مهينمة) أى حال كونها ذات هينمة و خفاء قال: وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً.

قال في مجمع البيان: أى خضعت الأصوات بالسّكون لعظمة الرّحمن، و الهمس هو صوت الاقدام أى لا تسمع من صوت الاقدام أى لا تسمع من صوت أقدامهم إلّا صوتا خفيّا كما يسمع من أخفاف الابل عند سيرها و قيل الهمس إخفاء الكلام و قيل معناه إنّ الأصوات العالية بالأمر و النّهى في الدّنيا ينخفض و يذلّ أصحابها فلا يسمع منهم إلّا الهمس (و الجم العرق) أى بلغ أفواههم، قال الشّارح المعتزلي: و في الحديث أنّ العرق ليجرى منهم حتّى أنّ منهم من يبلغ ركبتيه، و منهم من يبلغ صدره، و منهم من يلجمه و هم أعظمهم مشقّة.

أقول: و عن الارشاد عن الصّادق عليه السّلام في حديث إنّ الغنى ليوقف للحساب و يسيل منه العرق حتّى لو شرب منه أربعون بعيرا لصدر، و يأتي لهذا مزيد تفصيل في شرح المختار المأة و التّاسع و الثمانين إنشاء اللّه (و عظم الشّفق) و في بعض الرّوايات أنّ شعر رأس النّاس و بدنهم يبيض من شدّة الخوف و الاشفاق بعد ماكان أسود«» (و ارعدت الاسماع لزبرة الدّاعي إلى فصل الخطاب) أى أخذتها الرّعدة و الاضطراب من زجر الدّاعي و نهره و هيبة صوته قال الطبرسي في تفسير قوله وَ اسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ.

قيل إنّه يناد المناد من صخرة بيت المقدّس أيتها العظام البالية و الأوصال المنقطعة و اللحوم المتمزّقة قومي لفصل القضاء و ما أعدّ اللّه لكم من الجزاء و قيل إنّ المنادى هو إسرافيل يقول يا معشر الخلائق قوموا للحساب (و مقايضة الجزاء) مبادلتها و معاوضتها (و نكال العقاب) إن كسبت يداه في الدّنيا سيئة (و نوال الثّواب) إن اقترف فيها حسنة.
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ

تنبيه و تحقيق

اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبة كبعض الخطب الآتية نصّ صريح في ثبوت المعاد الجسماني و عليه قد دلّت الآيات القرآنيّة مما ذكرناها و ما لم يذكر، و السّنن‏ النّبوية المتواترة بل هو ضروري الدين و عليه اتفاق المسلمين و مع ذلك كلّه لايعباء بخلاف الحكماء و منعهم منه بناء على امتناع اعادة المعدوم من حيث امتناع عود أسبابه بعينها من الوقت و الدّورة الفلكية المعيّنة و غيرهما و ربّما قال بعض الحكماء أى حكماء الاسلام بجواز عود المثل و ربّما قلّد بعضهم ظاهر الشّريعة في أمر المعاد الجسماني، و إثبات السّعادة و الشقاوة البدنيّة مع الرّوحانيّة.

قال الصّدر الشّيرازى في شرح الهداية للميبدي: و اعلم أنّه قد زعمت الفلاسفة الطبيعيّون و اوساخ الدّهرية الذين لا اعتداد بأقوالهم و آرائهم في الملّة و لا في الفلسفة انكار المعاد مطلقا للانسان زعما منهم أنّه متكوّن من مزج و امتزاج لهذا الهيكل المحسوس بما له من القوى و الأعراض و ذلك يفنى بالموت و لا يبقى فيه إلّا الموادّ العنصرية و لا اعادة للمعدوم فمهما فسد لا يرجى له عايدة فحكموا بأنّه إذا مات مات و نيل سعادته أو شقاوته قد فات كما حكى اللّه عنهم في كتابه المجيد: ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا مثل العشب و المرعى فيصير غثاء أهوى فلهذا السّبب أنكروا النبّوة المنذرة بالبعث و فوايدها و أصرّوا صريحا على منع نشر موايدها، و في هذا تكذيب العقل على ما يراه المحقّقون من أهل الفلسفة و الشّرع على ما قرّره المحقّقون من أهل الملّة.

و اتّفق المحقّقون من الفلاسفة و الملّيين على ثبوت المعاد و حقيّته لكنّهم اختلفوا في كيفيّته.
فذهب جمهور المسلمين على أنّه جسمانيّ فقط، لأنّ الرّوح عندهم جسم سار في البدن سريان الزّيت في الزّيتون و ماء الورد في الورد و النّار في الفحم.
و ذهب جمهور الفلاسفة إلى أنّه روحانيّ فقط، لأنّ البدن ينعدم بصوره و أعراضه فلا يعاد و النّفس جوهر مجرّد باق لا سبيل إليه للفساد.
و ما تزيّن به كثير من علماء الاسلام كأصحابنا الاماميّة و الشّيخ الغزالي‏ و الكعبي و الحلبي و الرّاغب الاصفهاني هو القول بالمعادين: الرّوحاني و الجسماني جميعا ذهابا إلى أن النّفس جوهر مجرّد يعود إلى البدن، و هذا رأى كثير من الصّوفيّة و الكراميّة و به يقول جمهور النّصارى و التّناسخيّة.

قال الامام الرّازي إلّا أنّ الفرق أنّ المسلمين يقولون بحدوث الأرواح و ردّها إلى البدن لا في هذا العالم بل في الآخرة، و التّناسخيّة بقدمها و ردّها إليه في هذا العالم و ينكرون الآخرة و الجنّة و النّار.
أقول: و ممّن قال بالمعادين الشّيخ الرّئيس أبو عليّ بن سينا قال في محكىّ كلامه من الشفا: يجب أن يعلم أنّ المعاد منه ما هو مقبول من الشّرع و لا سبيل إلى إثباته إلّا من طريق الشّريعة و تصديق خبر النبوّة و هو الذي للبدن عند البعث و خيرات البدن و شروره معلومة لا تحتاج أن تعلم، و قد بسطت الشّريعة الحقة التي أتانا بها سيّدنا و مولينا محمّد صلّى اللّه عليه و آله حال السّعادة و الشّقاوة اللتين بحسب البدن.

و منه ما هو مدرك بالعقل و القياس البرهاني و قد صدّقه النبوّة و هو السّعادة و الشّقاوة البالغتان الثابتتان بالمقائيس اللتان للأنفس و إن كانت الأوهام منّا تقصر عن تصوّرها الآن، لما نوضح من العلل و الحكماء الالهيّون رغبتهم في اصابة هذه السّعادة أعظم من رغبتهم في إصابة السّعادة البدنيّة بل كأنّهم لا يلتفتون إلى تلك و ان اعطوها و لا يستعظمونها في جنب هذه السّعادة التي هى مقاربة الحقّ الأوّل انتهى كلامه.

و قال المحقّق الشّيرازي أيضا في شرح الهداية: اعلم أنّ إعادة النّفس إلى بدن مثل بدنها الذي كان لها فى الدّنيا مخلوق من سنخ هذا البدن بعد مفارقتها عنه في القيامة كما نطقت به الشّريعة من نصوص التّنزيل و روايات كثيرة متظافرة لأصحاب العصمة و الهداية غير قابلة للتّأويل كقوله تعالى: وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى‏ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى‏ قادِرِينَ عَلى‏ أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ أمر ممكن غير مستحيل فوجب التّصديق بها لكونها من ضروريّات الدّين و إنكاره كفر مبين و لا استبعاد أيضا فيها بل الاستبعاد و التّعجب من تعلّق النّفس إليه في أوّل الأمر أظهر من تعجّب عوده إليه إلى أن قال: و لا يضرّنا أيضا كون البدن المعاد غير البدن الأوّل بحسب الشّخص لاستحالة كون المعدوم بعينه معادا و ما شهد من النّصوص من كون أهل الجنّة صردا مردا، و كون ضرس الكافر مثل جبل أحد، و كذا ما روى من قوله يحشر بعض النّاس يوم القيامة على صورة يحسن عندها القردة و الخنازير، يعضد ذلك، و كذا قوله: كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها.

فان قيل فعلى هذا يكون المثاب و المعاقب باللذات و الآلام الجسمانيّة غير من صدرت منه الطاعات و الخيرات و ارتكب المعاصى و الشّرور.
قلنا: العبرة في ذلك الجوهر المدرك و هو النّفس و لو بواسطة الآلات و هي باقية بعينها و كذا المادّة و السنخ كالأجزاء الأصليّة في البدن أو غيرها و لهذا يقال للشّخص مع انتقاله من الصّبا إلى الشّيخوخيّة و التّجدّدات و الاستحالات الواقعة فيما بين أنّه هو بعينه و إن تبدّلت الصّور و الهيآت و كثير من الأعضاء و الآلات و لا يقال لمن جنى في الشّباب و عوقب في المشيب أنّه عقاب بغير الجاني انتهى.

و أنت إذا أحطت خبرا بالأقوال في المسألة فلا بأس بالاشارة إلى بعض شبه المنكرين مع إبطال شبههم حسبما اشير إليه في الكتاب العزيز قال سبحانه: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ، وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ، قُلْ‏ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ.

روى أنّ امية بن خلف أو العاص بن وائل السّهمى أو أبي بن خلف و هو المرويّ عن الصّادق عليه السّلام أيضا جاء بعظم بال متفتّت و قال: يا محمّد أ تزعم أنّ اللّه يبعث هذا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: نعم و يدخلك جهنّم فنزلت الآية، و هو المراد بالانسان في الآية و إن كان الحكم جاريا في حقّ كل من ينكر البعث و الحشر إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السّبب على ما تقرّر في الاصول فالمعنى: أو لم يعلم الانسان أنا خلقناه من نطفة، ثمّ نقلناه من النّطفة إلى العلقة، و من العلقة إلى المضغة، و من المضغة إلى العظام، و كسونا العظام لحما، ثمّ أنشأناه خلقا آخر كامل العقل و الفهم، فاذا كمل عقله و فهمه صار متكلّما مخاصما، فمن قدر على مثل هذا فكيف لا يقدر على الاعادة و الاحياء مع أنّها أسهل من الانشاء و الابتداء ثمّ أكّد سبحانه الانكار عليه فقال: و ضرب لنا مثلا، أى ضرب المثل في إنكار البعث بالعظم البالي وفتّه بيده، و نسي خلقه، أى ترك النّظر في خلق نفسه مع أنّه من أدلّ الدلائل على جواز البعث و إمكانه، لما ذكرناه من أنّه مخلوق من نطفة متشابهة الأجزاء مع كونه مختلف الأعضاء إذ لو كان خلقه من أشياء مختلفة الصّور لأمكن أن يقال العظم خلق من جنس صلب و اللحم من جنس رخو و كذلك الحال في كلّ عضو، و لما كان خلقه من متشابهة الأجزاء مع اختلاف صوره كان ذلك دليلا على كمال الاختيار و القدرة.

مضافا إلى القوّة العاقلة و الفاهمة و الناطقة التي أعطاها اللّه له و أبدعها فيه فقدر معها على المخاصمة و الاحتجاج مع أنّ تلك القوّة لم تكن في النطفة أصلا و لم تكن من مقتضياتها و دلالة ذلك على الاختيار و الاقتدار أقوى.
ثمّ إنّ المنكرين للبعث منهم من لم يذكر فيه دليلا و لا شبهة و إنّما اكتفى‏بمجرّد الاستبعاد و ادّعى الضرورة و البداهة في استحالة المعاد و هم الأكثرون و يدلّ عليه ما حكاه تعالى عنهم في غير موضع كما قال: و قالوا أ إذا ظللنا في الأرض ء إنّا لفى خلق جديد، أ إذا متنا و كنا ترابا و عظاما ء إنّا لمبعثون، ءإنّك لمن المصدّقين أ إذا متنا و كنّا ترابا و عظاما ءإنّا لمدينون إلى غير ذلك.

و مثلها ما حكاه هنا بقوله: قال من يحيى العظام و هى رميم، على طريق الاستبعاد، و هو المراد بالمثل الذي ضربه الانسان المذكور و لما كان استبعاده من جهة التفتّت و التفرق اختار العظم للذكر لبعده عن الحياة لعدم الاحساس فيه و وصفه بما يقوى جانب الاستبعاد من البلا و التفتّت و قال: هى رميم، و قد دفع اللّه سبحانه بقوله: و نسى خلقه، إذ لو كان تدبّر في خلقه و عرف قدرة خالقه و اختياره و علمه لما استبعد ذلك.

و منهم من ذكر شبهة و إن كان مرجعها بالأخرة إلى الاستبعاد أيضا و هى على وجهين: أحدهما أنّه بعد العدم لا يبقى شي‏ء فكيف يصحّ على المعدوم الحكم بالوجود و دفعها بقوله. قل يحيها الّذي أنشأها أوّل مرّة، يعنى كما خلق الانسان و لم يكن شيئا مذكورا كذلك يعيده و إن لم يبق شيئا مذكورا.

و ثانيهما أنّ من تفرّق أجزاؤه في مشارق الأرض و مغاربها و صار بعضه في أبدان السباع، و بعضه في جدران الرّباع و بعضه في ضرايح القبور و بعضه في أو كار الطيور كيف يجمع.
و أبعد من ذلك أنّه قد يأكل الانسان سبع و يأكل السّبع طاير و يأكل الطائر إنسان آخر، و من المعلوم أنّ أجزاء المأكول يصير جزء بدن الآكل فاذا حشر الانسان و الحيوان على ما هو المذهب الحقّ فتلك الأجزاء المفروضة إمّا أن تعاد في بدن الآكل أو في بدن المأكول أو هما معا، فان اعيدت في بدن الآكل لزم أن لا يعاد المأكول، و إن اعيد المأكول لزم أن لا يعاد الآكل و إن كان الثالث لزم المحال، لأنّ الجزء الواحد لا يكون في موضعين.

فقال تعالى في إبطال هذه الشّبهة: و هو بكلّ خلق عليم، و توضيحه أنّ في‏بدن الآكل أجزاء أصليّة و أجزاء فضليّة، و في المأكول كذلك، فاذا أكل الانسان سبع صار الأصلى من أجزاء المأكول فضليا من أجزاء الآكل و الأجزاء الأصليّة للآكل هي ما كان له قبل الاكل، و اللّه بكلّ خلق عليم، يعلم الأصلى من الفضلى فيجمع الأجزاء الاصليّة للآكل و ينفخ فيها روحه، و يجمع الأجزاء الاصليّة للمأكول فينفخ فيها روحه، و كذلك يجمع الأجزاء المتفرقة من البقاع و الأصقاع بحكمته الشّاملة و قدرته الكاملة.

ثمّ بالغ سبحانه في إبطال إنكارهم بقوله: الذي جعل لكم من الشّجر الأخضر نارا فاذا أنتم منه توفدون، و وجه المبالغة هو أنّ الانسان مشتمل على جسم يحسّ به و حياة سارية فيه و هي كحرارة جارية فيه، فان استبعدتم وجود حرارة و حياة فيه فلا تستبعدوه فانّ النار في الشّجر الأخضر الذي يقطر منه الماء أعجب و أغرب و أنتم تشهدونه حيث إنّكم منه توقدون.

و إذا حقّقت ما ذكرناه و وضح لك صحّة المعاد الجسماني وضوح الشّمس في رابعة النّهار: ظهر لك فساد ما ربّما قيل أو يقال: من أنّ الآيات المشعرة بالمعاد الجسماني ليست أكثر و أظهر من الآيات المفيدة للتّجسّم و التّشبه و الجبر و القدر و نحو ذلك و قد وجب تأويلها قطعا و صرفها عن ظواهرها.

قلنا دلّ هذه الآيات أيضا إلى بيان المعاد الرّوحاني و أحوال سعادة النّفس و شقاوتها بعد مفارقة الأبدان و الأجسام على وجه يفهمه العوام، فانّ الأنبياء مبعوثون إلى كافّة الخلق للارشاد بقدر الاستعداد إلى سبيل الحقّ و تكميل النفوس بحسب القوّة النظرية و العملية و تبقية النظام المفضى إلى صلاح الكلّ.

و ذلك بالتّرغيب و التّرهيب بالوعد و الوعيد و البشارة بما يعتقدونه لذّة و كمالا و الانذار عمّا تعدونه ألما و نقصانا و أكثرهم عوام تقصر عقولهم لا يفهمون عالم الأشباح و المحسوسات عن ذات المبدأ الأوّل و الشّريعة تحاكيها بمثالاتها المأخوذة من المبادى الجسمانية و تحاكى الأفعال الالهية بأفعال المباد المدنيّة من الملوك و السلاطين القهارين و هكذا.

فوجب أن يخاطبهم الأنبياء في باب المعاد بما هو مثال للمعاد الحقيقي ترغيبا و ترهيبا للعوام و تتميما للنظام و لهذا قيل إنّ الكلام مثل و أشباح للفلسفة.
وجه ظهور الفساد أنّ الذّهاب إلى المجاز إنّما هو عند تعذّر إرادة الحقيقة و المصير إلى التأويل عند عدم إمكان الظاهر كما في آيات الجبر و القدر و التجسّم، و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل إذ لا تعذّر ههنا سيّما على قول من يقول بكون البدن المعاد مثل الأوّل لا عينه.

و حمل كلام الشريعة و نصوص الكتاب على الأمثال و الأشباح و الاشارة إلى معاد النفس و الرّعاية لمصلحة العامّة التوجب «توجب ظ» نسبة المتصدّعين للشرع إلى الكذب فيما يتعلّق بالتبليغ و القصد إلى تضليل أكثر الخلائق و التعصّب طول العمر لترويج الباطل و إخفاء الحقّ لأنهم لا يفهمون من الكلام إلّا ظاهره الّذي لا حقيقة له على ما زعمه هذا القائل، و ما هذه إلّا فرية بيّنة و بهتان عظيم.

و بذلك كلّه ظهر أنّ ما حكاه في شرح البحراني من تأويل بعض الفضلاء كلام الامام عليه السّلام في هذا الفصل على ما يناسب مذهب القائلين بالمعاد الروحاني مما لا طائل تحته بل تطويل الكتاب بمثل تلك التأويلات الباردة الفاسدة موجب لتفويت الوقت و تضييع القوّة القدسيّة.

عصمنا اللّه سبحانه من هفوات الجنان، و عثرات اللسان بحق محمّد و آله البررة الكرام عليه و عليهم السّلام إلى يوم البعث و القيام.

هداية و ارشاد

في الاشارة إلى معنى الحشر على ما حقّقه صدر المتألّهين في كتابه المسمّى بمفاتح الغيب و ايراد بعض الأخبار الواردة في ذلك و ما يناسب ذلك.

فاعلم أنّ الزّمان علّة التّغير و التعاقب و الاحتجاب بوجه، و المكان علّة التفرّق و التكثّر و الاغتياب بوجه، فهما سببان لاختفاء الموجودات و احتجاب بعضها عن بعض، فاذا ارتفعا في القيامة ارتفع الحجب بين الخلائق فيجتمع الخلائق كلّهم و الأوّلون و الآخرون قل إنّ الأوّلين و الآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم فهي يوم الجمع‏ ذلك يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن.

و بوجه آخر، ذلك يوم الفصل لأنّ الدّنيا دار مغالطة و اشتباه يتشابك فيها الحقّ و الباطل و يتعانق فيها الوجود و العدم و الخير و الشرّ و النور و الظلمة و في الآخرة يتقابل المتخاصمان و يتفرّق المتخالفان، و يوم تقوم الساعة يومئذ يتفرّقون.

و فيها يتميّز التشابهان، ليميز الخبيث من الطيّب، و ينفصل الخصمان، ليحقّ الحقّ و يبطل الباطل، ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حىّ عن بيّنة.
و لا منافاة بين هذا الفصل و ذلك الجمع بل هذا يوجب ذلك، هذا يوم الفصل جمعناكم و الأوّلين، و الحشر أيضا بمعنى الجمع، و حشرناهم فلم نغادر منهم أحدا إذا عرفت ذلك فأقول قال سبحانه: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى‏ فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ، وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَ وُضِعَ الْكِتابُ وَ جِي‏ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَداءِ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ، وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ.

قال الطبرسيّ في تفسير الصور: و هو قرن ينفخ فيه إسرافيل و وجه الحكمة في ذلك أنها علامة جعلها اللّه ليعلم بها العقلا آخر أمرهم في دار التكليف ثمّ تجديد الخلق فشبه ذلك بما يتعارفونه من بوق الرحيل و النزول و لا يتصوّره النفوس بأحسن من هذه الطريقة، و قوله: فصعق من في السموات و من في الأرض، أى يموت من شدّة تلك الصّيحة التي تخرج من الصّور جميع من السموات و الأرض يقال: صعق فلان إذا مات بحال هائلة شبيهة بالصيحة العظيمة.
و اختلف في المستثنى بقول إلّا من شاء اللّه، و في المجمع روى مرفوعا هم جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و ملك الموت و في رواية أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سأل جبرئيل‏ عن هذه الآية من ذا الذي لم يشاء اللّه أن يصعقهم قال: هم الشهداء متقلّدون أسيافهم حول العرش.

و قوله: ثمّ نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون، أراد النفخة الثانية و يسمّى النفخة الاولى بنفخة الصعق، و الثانية بنفخة البعث أى ثمّ نفخ فيه نفخة اخرى فاذا هم قائمون من قبورهم يقلّبون أبصارهم في الجوانب، و قال الطبرسي أى ينتظرون ما يفعل بهم و ما يؤمرون به.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي باسناده عن ثوير بن أبي فاخته عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: سئل عن النفختين كم بينهما قال: ما شاء اللّه، فقيل له فأخبرني يا بن رسول اللّه كيف ينفخ فيه فقال: أما النّفخة الاولى فانّ اللّه يأمر اسرافيل فيهبط إلى الأرض و معه الصّور و للصّور رأس واحد و طرفان و بين رأس كلّ طرف منهما إلى الآخر ما بين السماء و الأرض، فاذا رأت الملائكة إسرافيل و قد هبط إلى الدّنيا و معه الصور قالوا: قد أذن اللّه في موت أهل الأرض و في موت أهل السّماء.

قال: فهبط إسرافيل بحظيرة القدس و هو مستقبل الكعبة فاذا رأوه أهل الأرض قالوا: قد أذن اللّه عزّ و جلّ في موت أهل الأرض، فينفخ فيه نفخة فيخرج الصّوت من الطرف الذي يلي الأرض فلا يبقى في الأرض ذو روح إلّا صعق و مات، و يخرج الصّوت من الطرف الذي يلي السّماوات، فلا يبقى في السّماوات ذو روح إلّا صعق و مات إلّا إسرافيل.
قال: فيقول اللّه لاسرافيل: يا إسرافيل مت، فيموت إسرافيل فيمكثون في ذلك ما شاء اللّه، ثمّ يأمر السّماوات فتمور و يأمر الجبال فتسير و هو قوله: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً.

يعني يبسط و يبدّل الأرض غير الأرض يعني بأرض لم تكسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال و لا نبات كما دحاها أوّل مرّة و يعيد عرشه على الماء كما كان أوّل مرّة مستقلّا بعظمته و قدرته.

قال: فعند ذلك ينادي الجبّار جلّ جلاله بصوت من قبله جوهرى (جهورى خ ل) يسمع أقطار السّماوات و الأرضين: لمن الملك اليوم فلا يجبه مجيب، فعند ذلك يقول الجبّار عزّ و جلّ مجيبا لنفسه: للّه الواحد القهّار، و أنا قهرت الخلائق كلّهم و أمّتهم إنّي أنا اللّه لا إله إلّا أنا وحدي لا شريك لي و لا وزير و أنا خلقت خلقي بيدى و أنا أمّتهم بمشيّتي و أنا أحياهم بقدرتي.

قال: فينفخ الجبّار نفخة اخرى في الصّور فيخرج الصّوت من أحد الطرفين الذي يلي السّماء فلا يبقى في السّموات أحد إلّا حىّ و قام كما كان، و يعود حملة العرش، و يحضر الجنّة و النّار و يحشر الخلائق للحساب.
قال الرّاوى: فرأيت عليّ بن الحسين يبكى عند ذلك بكاء شديدا.

فان قلت إذا فنت الأجساد و انعدمت الأجسام فما الفائدة في خطاب لمن الملك قلنا: ما يصدر عن الحكيم العليم لا بدّ و أن يكون متضمّنا للحكمة و المصلحة و إن كانت مختفية عندنا، و يمكن أن يكون فيه اللطف بالنّسبة إلى المكلّفين من حيث إنّ المخبر الصّادق إذا أخبرهم بوقوع ذلك الخطاب يوجب ذلك حقارة الدّنيا في نظرهم و عدم اغترارهم بملكها و سلطنتها و يوجب زيادة علمهم بقدرة اللّه و عزّته و بتفرّده في تدبير العالم، تعالى علوا كبيرا هذا.

و روى عليّ بن إبراهيم أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: و أتى جبرئيل رسول اللّه و أخذ بيده و أخرجه إلى البقيع فانتهى به إلى قبر فصوت بصاحبه فقال: قم باذن اللّه فخرج منه رجل أبيض الرّأس و اللحية يمسح التّراب عن وجهه و هو يقول: الحمد للّه و اللّه أكبر، فقال جبرئيل: عد باذن اللّه تعالى، ثمّ انتهى به إلى قبر آخر فقال: قم باذن اللّه، فخرج منه رجل مسوّد الوجه و هو يقول: يا حسرتاه يا ثبوراه، ثمّ قال له جبرئيل: عد إلى ما كنت فيه باذن اللّه تعالى، فقال: يا محمّد هكذا يحشرون يوم القيامة، فالمؤمنون يقولون هذا القول و هؤلاء يقولون ما ترى.

و في الأنوار النّعمانية للسيد الجزائري قال روى شيخنا الكلينيّ قدّس اللّه روحه و تغمّده اللّه برحمته في الصحيح عن يعقوب الأحمر قال: دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام نعزّيه باسماعيل فترحّم عليه ثمّ قال: إنّ اللّه تعالى نعى إلى نبيّه نفسه فقال: إنك ميّت و إنّهم ميّتون، و كلّ نفس ذائقة الموت ثمّ أنشأ عليه السّلام يحدّث فقال: إنه يموت أهل الأرض حتّى لا يبقى أحد، ثمّ يموت أهل السماء حتّى لا يبقى أحد إلّا ملك الموت و حملة العرش و جبرئيل و ميكائيل.

قال: فيجي‏ء ملك الموت حتّى يقف بين يدي اللّه تعالى فيقول له، من بقى و هو أعلم، فيقول: يا ربّ لم يبق إلّا ملك الموت و حملة العرش و جبرئيل و ميكائيل فيقال له قل لجبرئيل و ميكائيل فليموتا فتقول الملائكة عند ذلك يا ربّ رسوليك و أمينيك، فيقول تعالى: إنّى قضيت على كلّ نفس فيها الرّوح الموت.

ثمّ يجي‏ء ملك الموت حتّى يقف بين يدي اللّه عزّ و جلّ فيقول له: من بقى و هو أعلم، فيقول: يا ربّ لم يبق إلّا ملك الموت و حملة العرش، فيقول: قل لحملة العرش فليموتوا، ثمّ يجي‏ء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقول له من بقى و هو أعلم، فيقول: يا ربّ لم يبق إلّا ملك الموت، فيقول له: مت يا ملك الموت، فيموت.

ثمّ يأخذ الأرض بيمينه و السّماوات بشماله فيقول: أين الذين كانوا يدعون معى شريكا أين الذين يجعلون معى الها آخر و في الأنوار أيضا إنّ النّفخة الأولى هي اللّتى للهلاك تأتي النّاس بغتة و هم فى أسواقهم و طلب معايشهم فاذا سمعوا صوت الصّور تقطعت قلوبهم و أكبادهم من شدّته فيموتوا دفعة واحدة، فيبقى الجبّار جلّ جلاله فيأمر عاصفة فتقلع الجبال من أماكنها و تلقاها في البحار و تفور مياه البحار و كلّما في الأرض و تسطح الأرض كلّها للحساب فلا يبقى جبل و لا شجر و لا بحر و لا وهدة و لا تلعة فتكون أرضا بيضاء حتّى أنّه روى لو وضعت بيضة في المشرق رايت في المغرب، فيبقى سبحانه على هذا الحال مقدار أربعين سنة.

فاذا أراد أن يبعث الخلق قال مولينا الصّادق عليه السّلام أمطر السّماء على الأرض‏ أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال و نبتت اللحوم و يأمر اللّه تعالى ريحا حتّى تجمع التّراب الذي كان لحما و اختلط بعضه ببعض و تفرّق في البرارى و البحار و في بطون السّباع فتجمعه تلك الريح في القبر.

فعند ذلك يجي‏ء إسرافيل و صوره معه و يأمره بالنفخة الثانية، و ينفخ فيه النفخة الثّانية فاذا نفخ تركّبت اللّحوم و الأعضاء و أعيدت الأرواح إلى أبدانها و انشقّت القبور فخرج النّاس خائفين من تلك الصّيحة ينفضون التّراب عن رؤوسهم، فيجي‏ء إلى كلّ واحد ملكان عند خروجه من القبر يقبض كلّ واحد منهما عضدا منه فيقولان له: أجب ربّ العزّة، فيتحيّر من لقائهما و يأخذه الخوف و الفزع حتّى أنّه في تلك الساعة يبيض شعر رأسه و بدنه بعد ما كان أسود.

و عند ذلك يكثر في الأرض الزلزال حتّى يخرج ما فيها من الأثقال و يشيب كلّ الأطفال و تضع كلّ ذات حمل حملها و ترى النّاس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب اللّه شديد.

و في روضة الكافي باسناده عن ثوير بن أبي فاختة قال: سمعت عليّ بن الحسين عليهما السّلام يحدّث في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: حدّثنى أبي أنّه سمع أباه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يحدّث النّاس.
قال إذا كان يوم القيامة بعث اللّه تبارك و تعالى النّاس من حفرهم عزلّا مهلاجردا في صعيد واحد يسوقهم النّور و يجمعهم الظلمة حتّى يقفوا على عقبة المحشر، فيركب بعضهم بعضا و يزدحمون دونها فيمنعون من المضي فيشتدّ أنفاسهم و يكثر عرقهم و يضيق بهم أمورهم، و يشتدّ ضجيجهم و يرتفع أصواتهم.

قال عليه السّلام و هو أوّل هول من أهوال القيامة قال: فتشرف الجبّار تبارك و تعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة فيأمر ملكا من الملائكة فينادي فيهم: يا معشر الخلائق انصتوا و استمعوا مناد الجبّار، قال: فيسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم.

قال: فتتكسر أصواتهم عند ذلك و يخشع أبصارهم و يضطرب فرايصهم و تفزع‏ قلوبهم و يرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصّوت مهطعين إلى الداعى قال: فعند ذلك يقول الكافر: هذا يوم عسر.
قال: فيشرف الجبّار عزّ ذكره عليهم فيقول: أنا اللّه لا إله إلّا أنا الحكم العدل الذي لا يجور اليوم أحكم بينكم بعدلى و قسطي لا يظلم اليوم عندى أحد، اليوم آخذ للضعيف من القويّ بحقّه و لصاحب المظلمة بالمظلمة بالقصاص من الحسنات و السّيئآت و اثيب على الهبات و لا يجوز هذه العقبة عندى ظالم و لا أحد عنده مظلمة إلّا مظلمة يهبها لصاحبها و اثيبه عليها و آخذ له بها عند الحساب فتلازموا أيّها الخلايق و اطلبوا بمظالمكم عند من ظلمكم بها في الدّنيا، و أنا شاهد لكم عليهم و كفى لي شهيدا.

قال: فيتعارفون و يتلازمون فلا يبقى لأحد له عند أحد مظلمة أو حقّ إلّا لزمه بها.
قال: فيمكثون ما شاء اللّه فيشتدّ حالهم و يكثر عرقهم و يشتدّ غمّهم و يرتفع أصواتهم بضجيج شديد فيتمنّون المخلص منه بترك مظالمهم لأهلها.
قال: و يطلع اللّه عزّ و جلّ على جهدهم فينادى مناد من عند اللّه تبارك يسمع آخرهم كما يسمع أولهم: يا معشر الخلايق انصتو الداعى اللّه تبارك و تعالى و اسمعوا إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول: أنا الوهّاب إن أحببتم أن تواهبوا فواهبوا و إن لم تواهبوا أخذت لكم بمظالمكم.
قال: فيفرحون بذلك لشدّة جهدهم و ضيق مسلكهم و تزاحمهم.
قال عليه السّلام فيهب بعضهم مظالمهم رجاء أن يتخلّصوا مما هم فيه و يبقى بعضهم فيقول: يا ربّ مظالمنا أعظم من أن نهبها.
قال عليه السّلام فينادى مناد من تلقاء العرش أين رضوان خازن الجنان جنان الفردوس قال: فيأمر اللّه عزّ و جلّ أن يطلع من الفردوس قصر من فضّة بما فيه من الآنية و الخدم قال: فيطلعه عليهم في حفافة القصر الوصايف و الخدم.
قال فينادي مناد من عند اللّه تبارك و تعالى: يا معشر الخلايق ارفعوا رؤوسكم فانظروا إلى هذا القصر، قال: فيرفعون رؤوسهم فكلّهم يتمنّاه، قال: فينادى مناد من عند اللّه يا معشر الخلايق هذا لكلّ من عفى عن مؤمن، قال: فيعفون كلّهم إلّا القليل.

قال: فيقول اللّه عزّ و جلّ لا يجوز إلى جنّتي اليوم ظالم و لا يجوز إلى ناري اليوم ظالم، و لا أحد من المسلمين عنده مظلمة حتّى يأخذها منه عند الحساب أيّها الخلايق استعدّوا للحساب.
قال: ثمّ يخلّى سبيلهم فينطلقون إلى العقبة يلوذ بعضهم بعضا حتّى ينتهوا إلى العرصة و الجبار تبارك و تعالى على العرش قد نشرت الدواوين و نصبت الموازين احضر النبيّون و الشهداء و هم الأئمة يشهد كلّ إمام على أهل عالمه بأنّهم قد قام فيهم بأمر اللّه عزّ و جلّ و دعاهم إلى سبيل اللّه.

قال: فقال له رجل من قريش: يابن رسول اللّه إذا كان للرّجل المؤمن عند الرّجل الكافر مظلمة أىّ شي‏ء يأخذ من الكافر و هو من أهل النّار قال: فقال له عليّ بن الحسين عليهما السّلام: تطرح من المسلم من سيئآته بقدر ما له على الكافر فيعذب الكافر بها مع عذابه بكفره عذابا بقدر ما للمسلم قبله من مظلمة.
قال: فقال له القرشيّ فاذا كانت المظلمة لمسلم عند مسلم كيف يؤخذ مظلمته من المسلم قال: يؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر حقّ المظلوم فيزاد على حسنات المظلوم.
قال: فقال له القرشيّ: فان لم يكن للظالم حسنات، قال: للمظلوم سيئات يؤخذ من سيئات المظلوم فيزاد على سيئات الظالم.

الترجمة

تا آنكه چون بريده شود كارها و بسر آيد روزگارها و نزديك شود زنده شدن مردها، خارج مى‏ نمايد ايشان را خداى تبارك و تعالى از ميانهاى قبرها و از آشيان‏هاى مرغ‏ها و ماواهاى درنده‏ها و محل افتادن و هلاكشدن آنها، در حالتى كه شتابان باشند بسوى أمر پروردگار سرعت كننده باشند بمعاد آفريدگار جمع شوندگان ساكت شدگان ايستادگان صف كشيدگان.

نافذ مى ‏شود در ايشان نظر ربّ الارباب مى‏ شنواند ايشان را خواننده بسوى فصل خطاب، بر ايشانست لباس خضوع و فروتنى و زارى تسليم و خوارى بتحقيق كه كم شده باشد در آن روز حيل‏ها و بريده شود آرزوها.
و خالى مى‏ شود قلبها از فرح و سرور در حالتي كه ساكت باشند و ترسان باشد صوتها در حالتي كه نهان باشند و رسيده شود عرق بدهان و بزرگ شود ترس از گناهان و مضطرب مى‏باشد گوشها بجهت زجر و هيبت صوت ندا كننده بسوى حكم و خطاب فاصل در ميان حق و باطل و به عوض دادن جزا به آن چه كرده‏اند از خير و شر در دنيا، و گرفتار شدن حذرناك عذاب و عقاب و عطا كردن أصناف ثواب.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=