خطبه 72 صبحی صالح
72- و من خطبة له ( عليه السلام ) علم فيها الناس الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله )
و فيها بيان صفات الله سبحانه و صفة النبي و الدعاء له
صفات الله
اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ
وَ دَاعِمَ الْمَسْمُوكَاتِ
وَ جَابِلَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَ سَعِيدِهَا
صفات النبي
اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَ نَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَ رَسُولِكَ
الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ
وَ الْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ
وَ الْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ
وَ الدَّافِعِ جَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ
وَ الدَّامِغِ صَوْلَاتِ الْأَضَالِيلِ
كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ
قَائِماً بِأَمْرِكَ
مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ
غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ
وَ لَا وَاهٍ فِي عَزْمٍ
وَاعِياً لِوَحْيِكَ
حَافِظاً لِعَهْدِكَ
مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ
حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ الْقَابِسِ
وَ أَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ
وَ هُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ وَ الْآثَامِ
وَ أَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الْأَعْلَامِ
وَ نَيِّرَاتِ الْأَحْكَامِ
فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ
وَ خَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ
وَ شَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ
وَ بَعِيثُكَ بِالْحَقِّ
وَ رَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ
الدعاء للنبي
اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِي ظِلِّكَ
وَ اجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ
اللَّهُمَّ وَ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ
وَ أَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ
وَ أَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ
وَ اجْزِهِ مِنِ ابْتِعَاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ
مَرْضِيَّ الْمَقَالَةِ
ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ
وَ خُطْبَةٍ فَصْلٍ
اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ فِي بَرْدِ الْعَيْشِ وَ قَرَارِ النِّعْمَةِ
وَ مُنَى الشَّهَوَاتِ
وَ أَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ
وَ رَخَاءِ الدَّعَةِ
وَ مُنْتَهَى الطُّمَأْنِينَةِ
وَ تُحَفِ الْكَرَامَةِ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5
و من خطبة له عليه السلام علم فيها الناس الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم
و هى الحادية و السبعون من المختار فى باب الخطب و هى مروية في المجلد السّابع عشر من البحار من مناقب ابن الجوزي عن الحسن بن عرفة عن سعيد بن عمير عن أمير المؤمنين عليه السّلام بتغيير يسير.
أللّهمّ داحى المدحوّات، و داعم المسموكات، و جابل القلوب على فطرتها، شقيّها و سعيدها، اجعل شرايف صلواتك و نوامي بركاتك، على محمّد عبدك و رسولك، الخاتم لما سبق، و الفاتح لما انغلق، و المعلن الحقّ بالحقّ، و الدّافع جيشات الأباطيل، و الدّامغ صولات الأضاليل، كما حمّل فاضطلع قائما بأمرك، مستوفزا في مرضاتك،غير ناكل عن قدم، و لا واه في عزم، واعيا لوحيك، حافظا على عهدك ماضيا على نفاذ أمرك، حتّى أورى قبس القابس، و أضاء الطّريق للخابط، و هديت به القلوب بعد خوضات الفتن، و أقام موضحات الأعلام، و نيّرات الأحكام، فهو أمينك المأمون، و خازن علمك المخزون، و شهيدك يوم الدّين، و بعيثك بالحقّ، و رسولك إلى الخلق. أللّهمّ افسح له مفسحا في ظلّك، و أجزه مضاعفات الخير من فضلك أللّهمّ واعل على بناء البانين بنائه، و أكرم لديك منزلته، و أتمم له نوره، و أجزه من ابتعاثك له مقبول الشّهادة، و مرضيّ المقالة، ذا منطق عدل، و خطّة فصل، أللّهمّ اجمع بيننا و بيّنه في برد العيش و قرار النّعمة، و منى الشّهوات، و أهواء اللّذّات، و رخاء الدّعة، و منتهى الطّمأنينة، و تحف الكرامة.
اللغة
(دحى) اللّه الأرض دحوا بسطها فهى مدحوّة و (دعمت) الشّيء من باب نفع دعما حفظته بالدّعامة و هي بالكسر ما يستند به الحائط و السّقف و نحوهما يمنعهما السّقوط و (سمكه) سمكا رفعه، و المسمكات كمكرمات السّماوات، و المسموكات لغة و (الجبل) الخلق و (النّامي) الزّايد و (الجيشات) جمع جيشة من جاشت القدر إذا ارتفع غليانها.
و (بطل) الشّيء يبطل بطلا و بطولا و بطلانا بضمّ الأوائل فسدا و سقط حكمه فهو باطل و الجمع بواطل و أباطيل على غير قياس، و قال أبو حاتم: الاباطيل جمع ابطولة بضمّ الهمزة و قيل جمع ابطالة و (دمغته) دمغا من باب نفع كسرت عظم دماغه، فالشجة دامغة و هي التي تخسف الدّماغ و لا يبقى معها حياة و (الصّولة) السّطوة و (الأضاليل) جمع الضّلال على غير القياس.
و (ضلع) الشّيء بالضّم ضلاعة قوى، و فرس ضليع غليظ الألواح شديد العصب و رجل ضليع قوىّ و (الوفز) العجلة و استوفر في قعدته قعد منتصبا غير مطمئن و (نكل) نكولا نكص و جبن و (ورى) الزّند يورى خرج ناره و اوريته أنا، و منه قوله سبحانه: فَالْمُورِياتِ قَدْحاً.
و (القبس) بفتحتين شعلة من النّار قال سبحانه: لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ.
و القابس هو الذي يطلب النّار يقال قبس نارا يقبسها من باب ضرب أخذها و قبس علما تعلمه و قبست الرّجل علما يتعدّي و لا يتعدّى و أقبسته نارا و علما بالالف و (الخابط) الذي يسير على غير جادّة ليلا و (العلم) بالتّحريك ما يستدلّ به على الطريق.
و (البعيث) بمعنى المبعوث كالجريح و القتيل و (فسحت) له في المجلس فسحا من باب نفع فرجت له من مكان يسعه، و المفسح إما مصدر أو اسم مكان، و بعثته رسولا بعثا أوصلته و ابتعثته كذلك و في المطاوع فانبعث مثل كسرته فانكسر و كلّ شيء ينبعث بنفسه يتعدّى الفعل إليه بنفسه فيقال بعثه، و كلّ شيء لا ينبعث بنفسه كالكتاب و الهدية يتعدّي الفعل إليه بالباء فيقال بعثت به.
و (الخطة) بالضّم الخصلة و الحالة، و في اكثر النّسخ و خطبة فصل و هو الأظهر و (برد العيش) قال المعتزلي، العرب يقول عيش بارد و عيشة باردة أى لا حرب فيها و لا نزاع، لأنّ البرد و السّكون متلازمان كتلازم الحرّ و الحركة و (قرّ) الشيء قرّا من باب ضرب استقرّ و الاسم القرار.
و (الأهواء) جمع هوى بالقصر و هو ما تحبه النّفوس و تميل إليه من هويته هوى من باب تعب إذا أحببته و علقت به و (رخى) و رخو من باب تعب و قرب رخاوة بالفتح إذ الان، و كذلك العيش رخي و رخو اذا اتسع فهو رخيّ على فعيل و الاسم الرّخاء و (الدعة) بفتح الدّال السّكون و السّعة في العيش و (الطمأنينة) اسم من اطمأنّ القلب إذا سكن و (التحف) جمع التّحفة بالضّم و كهمزة البرّ و اللطف و الطرفة و أصلها وحفة بالواو.
الاعراب
داحى المدحوات و داعم المسموكات منصوبان على النّداء، و شقيّها و سعيدها بالجرّ على البدل من القلوب، و اضافة الشّرايف و النوامى من باب اضافة الصّفة إلى الموصوف، و الكاف في قوله كما حمل إمّا بمعنى لام التعليل كما في قول الشّاعر:
فقلت أبا الملحاة خذها كما أو سعتنا بغيا و عدوا
اى خذ هذه الضّربة لأجل بغيك و تعدّيك علينا، و يحتمل كونها على أصل التشبيه و قوله: قائما، منصوب على الحال و كذلك المنصوبات بعده أعنى مستوفزا و غير ناكل و ما عطف عليه، و واعيا و حافظا و ماضيا و اضافة الخوضات الى الفتن ظرفية، و اضافة الموضحات و النيرات الى الأعلام و الأحكام من باب اضافة الصفة الى الموصوف، و المخزون بالجرّ صفة علمك، و مقبول الشهادة و كذلك مرضى المقالة منصوب على المفعولية من اجزه، و ذا منطق منصوب على الحال.
المعنى
اعلم انّ هذه الخطبة مشتملة على فصول ثلاثة الاول في صفات المدعوّ و تمجيده، و هو اللّه سبحانه الثاني في صفات المدعوّ له و هو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الثالث فى أنواع المدعوّ به.
اما الاول
فاليه الاشارة بقوله (اللهمّ داحي المدحوّات) أى باسط الأرضين السّبع المبسوطة، و وصفها بالبسط لا ينافي كرويّتها إذ بسطها باعتبار سطحها البارز الذي هو مسكن الحيوان فانّه في الأوهام سطح مبسوط و إن كان بالاعتبار العقلي محدّبا و إلى ذلك ينظر قوله سبحانه: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً وَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً.
(و داعم المسموكات) أى حافظ السّماوات المرفوعة بالدّعامة التي هي القدرة على ما مرّ تحقيقه في شرح الفصل الثّامن من فصول الخطبة الاولى (و جابل القلوب على فطرتها شقيّها و سعيدها) أراد كونه سبحانه خالق شقىّ القلوب و سعيدها على فطراتها الأصليّة المكتوبة في اللوح المحفوظ، و المراد بالقلوب النّفوس.
و أهل العرفان كثيرا ما يعبّرون عن النّفس بالقلب، و بالسّعادة ما يوجب دخول الجنّة و النّعمة الدّائمة و اللذة الأبدية، و بالشّقاوة ما يوجب دخول النّار و العقوبات الأبديّة و الآلام الدّائمة.
فمحصّل المعنى أنه خالق النّفوس و موجدها في الخارج موافقا لفطراتها التي كتبت في الألواح السّماويّة قبل خلق الخلق و قدّرت أنّها من أهل الجنّة أو من أهل النّار موافقا لعلمه سبحانه التّابع لما يختارونه بعد وجودهم و تكليفهم بارادتهم و اختيارهم.
و إلى هذا ينظر ما رواه في الكافي باسناده عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه خلق السّعادة و الشقاوة قبل أن يخلق خلقه، فمن خلقه اللّه سعيدا لم يبغضه أبدا و إن عمل شرّا أبغض عمله و لم يبغضه، و إن كان شقيّا لم يحبّه أبدا و إن عمل صالحا أحبّ عمله و أبغضه لما يصير إليه فاذا أحبّ اللّه شيئا لم يبغضه أبدا و إذا أبغض شيئا لم يحبّه أبدا.
و اما الثاني
فاليه أشار بقوله: (اجعل شرايف صلواتك و نوامى بركاتك على محمّد عبدك و رسولك) قيل في تفسير العبد: العين علمه باللّه، و الباء بونه عن الخلق، و الدّال دنوّه من اللّه بلا اشارة و لا كيف، يعنى أنّ العبد لا يكون كامل العبودية إلّا إذا كان عارفا باللّه سبحانه قريبا منه بالقرب المعنوي و باينا من الخلق بأن يكون فيهم و لا يكون منهم، و ذلك مستلزم لاستغراقه في طاعة معبوده اذ لولاه لما حصل التّقرب و لا يتحصّل معنى العبودية.
و من هنا قيل: إنّ حقيقة العبودية عنوان ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله اللّه ملكا لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك بل يرون المال مال اللّه يضعونه حيث امرهم اللّه، و لا يدبّر العبد لنفسه تدبيرا، و يكون جملة اشتغاله فيما امر اللّه تعالى و نهاه عنه، فاذا لم ير العبد فيما خوّله اللّه ملكا هان عليه الانفاق و إذا فوّض العبد نفسه إلى مدبّرها هانت عليه مصائب الدّنيا، و إذا اشتغل العبد فيما أمره اللّه و نهاه لا يتفرّغ منهما إلى المراء و المباهات مع النّاس.
فاذا اكرم اللّه العبد بهذه الثّلاث هانت عليه الدّنيا و لا يطلب الدّنيا تفاخرا و تكاثرا و لا يطلب عند النّاس عزّا و علوّا و لا يدع أيّامه باطلة فيكون تاركا لدنياه و فارغا لطاعة مولاه، فاذا وصل العبد إلى هذا المقام انكشفت له الحجابات الغيبية و أدركته الألطاف الرّبانية، و تحصل له معنى العبودية «و هي ظ» جوهرة كنهها الرّ بوبية، و يصير مظهرا لصفات الكمال و مصدرا لنعوت الجلال.
و إلى هذا المعنى ينظر الحديث القدسي: إنّ عبدى ليتقرّب إلىّ بالنّافلة حتّى احبّه فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده التي يبطش بها إن دعانى أجبته و إن سألنى أعطيته و لمّا كان هذا المعنى غاية الكمال وصف اللّه سبحانه جملة من أوليائه المقرّبين في كتابه المجيد بذلك فقال: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و قال:عَبْداً مِنْ عِبادِنا و قال: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ.
الى غير هذا، ثمّ انّه لما كان مرتبة الرّسالة فوق مرتبة العبودية و من عادتهم تقديم غير الابلغ على الابلغ كما يقولون: عالم نحرير و جواد فياض لا جرم قدّم توصيفه بالعبودية على توصيفه بالرّسالة، و إنّما قلنا إنّ درجة الرّسالة فوق هذه الدّرجة لأنّ الرّسول من يسع قلبه الجانبين و لا يحجب بشهود الحقّ عن الخلق، فهو أكمل ممن يستغرق فيه تعالى غافلا عن خلقه.
و يدلّ على تقدّمها عليها رواية زيد الشّحام التي مرّت في شرح الفصل الثاني من فصول الخطبة الثّانية فتذكر (الخاتم لما سبق) إن جاز استعمال كلمة ما في ذوي العقول فالمراد بها النّبيّون و المرسلون، و إلّا فالمراد أنّه خاتم لشرعه للشرايع و الأديان السّابقة.
(و الفاتح لما انغلق) من باب الهدى و طريق الرّشاد و الجنّة، و إنّما كان منغلقا لغلبة أمر الجاهلية و اندراس الشّرايع السّابقة (و المعلن الحقّ بالحقّ) قال الشّارح المعتزلي: اى المظهر الحقّ الذي هو خلاف الباطل بالحقّ أى بالحرب و الخصومة يقال حاق فلان فلانا أى خاصمه فخصمه.
أقول: و منه الحاقّة للقيامة قال تعالى: الحاقّة ما الحاقّة، سمّيت بذلك لأنها تحاقّ الكفّار الذين حاقّوا الأنبياء أى خاصموهم هذا، و الأظهر أن يكون المراد بالحقّ الأول الدّين و بالثّاني الحقّ المرادف للصدق أى مظهر الدّين بقول حقّ ثابت في نفس الأمر و بيان صواب.
(و الدّافع جيشات الاباطيل) اى لثوران فتن المشركين و اجتماعهم على إطفاء نور اللّه أو لفتنتهم التي كانت عادة بينهم و استمرت عليها سجيتهم من القتل و الغارة و حرب بعضهم لبعض، فانّ هذا كلّه امور خارجة عن قانون العدالة و قد اندفع ذلك كلّه بميامن قدومه صلوات اللّه عليه و آله.
(و الدّامغ صولات الأضاليل) أى المهلك لسطوات الضّلالات و قامع هيبات أهل الضّلال المنحرفين عن سبيل اللّه و سبيل الرّشاد إلى الفساد (كما حمل فاضطلع) معناه على جعل الكاف بمعنى اللّام: اجعل شرايف صلواتك عليه لأجل أنّه حمل أعباء الرّسالة فنهض بها قوّيا، و على جعلها بمعناها الأصلى صلّ عليه صلاة مناسبة مشابهة لتحميلك له الرّسالة إذ الجزاء من الحكيم العدل لا بدّ أن يكون مناسبا للعمل المجزى عليه.
(قائما بأمرك مستوفزا في مرضاتك) أى مستعجلا في تحصيل رضاء اللّه سبحانه و رضوانه غير بطيء فيه حاثا نفسه عليه (غيرنا كل عن قدم ولاواه في عزم) أراد كونه غير جبان عن التّقدّم فيما يلزمه التقدم فيه و لا متوان في الاتيان بما عزم عليه (و اعيا لوحيك) ضابطا له قويّ النفس على قبوله (حافظا لعهدك) المأخوذ عليه في تبليغ الرّسالة و أداء الامانة (ماضيا على انفاذ امرك) مصرّا في إجرائه و في جذب الخلق إلى سلوك سبيل الآخرة.
(حتّى) انتهى في اصراره في هداية الخلق و جذبهم إلى الآخرة إلى النّهاية و بلغ الغاية ف (أورى قبس القابس) أى أخرج نور الحقّ و أشعله لطالبيه و المقتبسين له (و أضاء الطريق) طريق الجنّة و الصّراط المستقيم (للخابط) في ظلمات الجهل السّالك على غير جادّة واضحة.
(و هديت به القلوب بعد خوضات الفتن) و الآثام اللازمة عما اجترحته من السّيئات (و أقام موضحات الأعلام) أى الأدلة الواضحة على الحقّ التي هى كالأعلام المستدلّ بها على الطريق (و نيرات الأحكام) أى الأحكام الشّرعية و التكاليف الالهية ذوات النّور المستنبطة من الأدلّة الواضحة.
(فهو أمينك المأمون) أى ائتمنه على وحيه و رسالته و المأمون تاكيد للامين (و خازن علمك المخزون) أراد به علمه الذي لا يقدر على حمله عموم الخلق و هو المشار إليه بقوله: «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ».
روى سدير قال: سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر عليه السّلام و يقول أرأيت
قوله: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً، فقال له أبو جعفر عليه السّلام إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً، و كان و اللّه محمّد ممن ارتضاه و أما قوله عالِمُ الْغَيْبِ، فانّ اللّه تبارك و تعالى عالم بما غاب عن خلقه ممّا يقدر من شيء و يقضيه في علمه فذلك يا حمران علم موقوف عنده إليه فيه المشية فيقضيه إذا أراد و يبدو له فيه فلا يمضيه، فأما العلم الذي يقدره اللّه و يقضيه و يمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول اللّه ثمّ الينا.
(و شهيدك يوم الدّين) يحتمل أن يكون المراد بذلك شهادته على امّته و شهادته على أئمة الدّين خصوصا و جميع الحجج الذين لم يخل اللّه سبحانه ارضه منهم من لدن آدم إلى آخر الدهر و قد ورد الاحتمالات الثلاثة في أخبار أهل البيت و مثل كلامه قوله تعالى في سورة النحل: وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ.
و في سورة البقرة: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.
و في سورة النّساء: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً.
قال الطبرسي فى تفسير هذه الآية إنّ اللّه يستشهد يوم القيامة كلّ نبىّ على امّته فيشهد لهم و عليهم و يستشهد نبينا على امّته.
و في البحار في الأخبار ما يدلّ على أنّ حجّة كلّ زمان شهيد على أهل ذلك الزمان و نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله شهيد على الشهداء.
و فيه من الكافي باسناده عن سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: في قول اللّه عزّ و جلّ: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً.
نزلت في أمّة محمّد خاصة في كلّ قرن منهم إمام منا شاهد عليهم و محمّد شاهد علينا قال المجلسيّ يمكن أن يكون المراد تخصيص الشّاهد و المشهود عليهم جميعا بهذه الامة فيكون المراد بكل امّة في الآية كلّ قرن من تلك الامة واحد من الأئمة عليهم السّلام شاهدا على من في عصرهم من هذه الامة و على جميع من مضى من الامم، و الأوّل أظهر لفظا و الثاني معنا و إن كان بحسب اللفظ يحتاج إلى تكلّفات أقول: و يدلّ على الوجه الأوّل ما عن تفسير فرات بن إبراهيم عن أبي جعفر عليه السّلام في تفسير الآية الثانية قال: منا شهيد على كلّ زمان عليّ بن أبي طالب في زمانه و الحسن في زمانه و الحسين في زمانه و كلّ من يدعو منّا إلى أمر اللّه.
و على الثاني ما عن تفسير عليّ بن إبراهيم في تفسير الآية الثانية أيضا باسناده عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن تفسير هذه الآية قال نحن الامّة الوسط و نحن شهداء اللّه على خلقه و حجّته في أرضه.
و ما عن بصائر الدّرجات باسناده عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: إنّ اللّه طهّرنا و عصمنا و جعلنا شهداء على خلقه و حجته في أرضه و جعلنا مع القرآن و جعل القرآن معنا لا نفارقه و لا يفارقنا.
و على هذا فمعنى كونهم شهيدا أنّهم عليهم السلام يشهدون على الأنبياء أنّ اللّه أرسلهم و يشهدون للأنبياء أنّهم بلغوا رسالات ربّهم و يشهدون لمن أجابهم و أطاعهم باجابته و اطاعته و على من خالفهم و عصاهم بمخالفته و عصيانه و يشهدون على محمّد أنّ اللّه أرسله و يشهدون له انّه بلغ ما امر بتبليغه و على امته و لهم كذلك و يشهد رسول اللّه عليهم بما حملهم من أمر الخلافة و لهم بما أدّوا ما حملوا و لمن أجاب بما أجاب و لمن عصى بالعصيان هذا.
و غير خفىّ على الفطن العارف أنّ الشّهادة لما كانت مشروطة بالعلم و اليقين و من ذلك أنّ رسول اللّه أرى للشّاهد الشّمس و قال على مثل هذا فاشهد أودع، فاللازم من كونهم صلوات اللّه عليهم شهداء على النّاس أن يكونوا عالمين بأعمال النّاس غير غائبين عنها، و يستفاد ذلك من الأخبار و هى على قسمين.
احدهما ما دلّت على أنّه سبحانه أعطى الامام عمودا من نور يرى فيه أعمال الخلايق كرؤية الشّخص في المرات و أنّ الدّنيا بأسرها و ما فيها عند الامام كالدرهم في يد أحدكم يقلّبه كيف شاء.
فمن ذلك ما في البحار من بصاير الدّرجات عن معاوية بن حكيم عن أبي داود المسترقّ عن محمّد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ الامام يسمع الصّوت في بطن امّه فاذا بلغ أربعة أشهر كتب على عضده الأيمن: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ.
فاذا وضعته امّه سطع له نور ما بين السّماء و الأرض فاذا درج رفع له عمود من نور يرى ما بين المشرق و المغرب.
و منه باسناده عن ابن ظبيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ الامام لسمع في بطن امّه فاذا ولد خطّ على منكبيه، ثمّ قال هكذا بيده فذلك قول اللّه تعالى: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ.
و جعل له في كلّ قرية عمودا من نور يرى به ما يعمل أهلها فيها.
و عن محمّد بن الفضيل عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الامام يسمع الكلام في بطن امّه فاذا سقط إلى الأرض نصب له عمود في بلاده و هو يرى ما في غيرها.
و عن محمّد بن مروان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ الامام يسمع في بطن امّه فاذا ولد خط بين كتفيه: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ.
فاذا صار الأمر إليه جعل اللّه له عمودا من نور يبصر به ما يعمل به أهل كلّ بلدة.
و عن إسحاق القميّ قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام ما قدر الامام قال يسمع في بطن امّه فاذا وصل إلى الأرض كان على منكبه الأيمن مكتوبا: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
ثمّ يبعث أيضا له عمودا من نور من تحت بطنان العرش إلى الأرض يرى فيه أعمال الخلايق كلّها، ثمّ ينشعب له عمود آخر من عند اللّه إلى اذن الامام كلّما احتاج إلى مزيد افرغ فيه افراغا.
أقول: و العمود الآخر ما اشير إليه في رواية صالح بن سهل.
عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كنت جالسا عنده فقال لي ابتداء منه: يا صالح بن سهل إنّ اللّه جعل بينه و بين الرّسول رسولا و لم يجعل بينه و بين الامام رسولا، قال: قلت: و كيف ذاك قال: جعل بينه و بين الامام عمودا من نور ينظر اللّه به إلى الامام و ينظر الامام به إليه فاذا أراد علم شيء نظر في ذلك النّور فعرفه.
قال المحدّث المجلسيّ: نظر اللّه تعالى إليه كناية عن إفاضاته عليه و نظره إليه كناية عن غاية عرفانه.
و القسم الثاني من الأخبار ما دلّت على عرض أعمال العباد على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و على الأئمة عليهم السلام و إلى ذلك اشير في الكتاب العزيز: قال تعالى: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
روى في البحار من تفسير عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن محمّد بن الحسن الصّفار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من مؤمن يموت أو كافر يوضع في قبره حتّى يعرض عمله على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و على أمير المؤمنين عليه السّلام و هلمّ جرّا إلى آخر ما فرض اللّه طاعته فذلك قوله: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ.
و عنه عليه السّلام قال: إنّ أعمال العباد يعرض على رسول اللّه كل صباح أبرارها و فجّارها فاحذروا فليستحى أحدكم أن يعرض على نبيّه العمل القبيح.
و من بصاير الدّرجات باسناده عن معلّي بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه تعالى: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ.
قال: هو رسول اللّه و الأئمة تعرض عليهم أعمال العباد كلّ خميس.
و عن محمّد بن مسلم و زرارة قالا سألنا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأعمال تعرض على رسول اللّه قال ما فيه شكّ، ثمّ تلاهذه الآية: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ.
قال إنّ للّه شهداء في أرضه.
و عن ابن أبى عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأصحابه حياتي خير لكم و مماتي خير لكم، قالوا: أما حياتك يا رسول اللّه فقد عرفناه، فما في وفاتك قال: أمّا حياتي فانّ اللّه يقول: و ما كان اللّه ليعذّبهم و أنت فيهم و ما كان اللّه معذّبهم و هم يستغفرون، و أمّا وفاتي فتعرض علىّ أعمالكم فأستغفر لكم.
و عن داود الرّقي قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال يا داود أعمالكم عرضت علىّ يوم الخميس فرأيت لك فيها شيئا فرحني و ذلك صلتك لابن عمك أما أنّه سيمحق أجله و لا ينقص رزقك، قال داود: و كان لي ابن عمّ ناصب كثير العيال محتاج، فلما خرجت إلى مكّة أمرت له بصلة، فلما دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام أخبرني بهذا هذا.
و قد تحصّل ممّا ذكرنا كلّه اطلاع النبيّ و اطلاع الأئمة على جميع أفعال النّاس و أعمالهم من خير أو شرّ و أنّه لا تفاوت في ذلك بين حالتي الموت و الحياة فان قلت: ما فايدة تلك الشّهادة و ما ثمرة عرض الأعمال عليهم و اطلاعهم بذلك و النّاس كلّهم يردّون إلى عالم الغيب و الشّهادة و ينبّئهم بما كانوا يعملون.
قلت: ثمرة ذلك أنّ النّاس إذا علموا أنّ لهم شهداء و رقباء و كتّابا يكتبون ما يفعلون لا يغادرون صغيرة و لا كبيرة و أنّ النبيّ و الأئمة يعرض عليهم الأعمال و يطلعون بما يعملون كان ذلك رادعا للنّفس الامارة عن الانهماك في الشّهوات و مانعا لها عن متابعة الأهواء و اللذات، فلا بدّ للعاقل البصير أن ينظر إلى عمله و يحذر من عرض عمله القبيح على نبيّه و أئمته و يستحى من ذلك و لا يفعل ما يوجب مسائة حالهم و استحيائهم من اللّه سبحانه من قبايح أعمال شيعتهم و اللّه وليّ التوفيق.
(و بعيثك بالحقّ و رسولك إلى الخلق) أراد كونه مبعوثا بالدّين الثابت الباقي نفعه إلى الخلق و رسولا إليهم، و هذان الوصفان كساير الأوصاف المذكورة في هذا الفصل إشارة إلى جهات استحقاق الصّلاة و الرّحمة.
الفصل الثالث في أنواع المدعوّ به
و إليها الاشارة بقوله (اللهمّ افسح له مفسحا في ظلّك) أى مكانا متّسعا في حظيرة قدسك، و الظلّ إمّا استعارة للجود و الافضال و وجه الشّبه استراحة المستظلّ بالظلّ من حرارة الشّمس و كذلك الملتجى إلى جود اللّه سبحانه و افضاله يستريح بجوده تعالى من شديد العذاب الاليم و حرّ نار الجحيم، و يحتمل أن يكون المراد معناه الحقيقي كما في قوله تعالى: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ.
قال في مجمع البيان أى دائم لا تنسخه الشّمس فهو باق لا يزول، و قد ورد في الخبر أنّ في الجنّة شجرة يسير الرّاكب في ظلّها مأئة سنة لا يقطعها، و روى أيضا أنّ أوقات الجنة كغدوات الصّيف لا يكون فيها حرّ و لا برد.
(و اجزه مضاعفات الخير من فضلك) أراد به أن يضاعف له الكمالات من نعمه إذ مراتب استحقاق نعمه سبحانه غير متناهية (اللهمّ واعل على بناء البانين بناءه) المراد بالبانين إمّا الأنبياء و ببنائهم ما شيّدوه من أمر الدّين فيكون المقصود بالدّعاء علوّ دينه و ظهوره على الدّين كله و لو كره المشركون، و إما مطلق عباد اللّه الصّالحين البانين بأعمالهم الصّالحة غرفا في الجنّة و قصورا فيها فيكون المقصود علوّ منزلة على ساير المنازل (و اكرم لديك منزلته) بانزاله المنزل المبارك الموعود و هو سبحانه خير المنزلين، قال تعالى مخاطبا لنوح: وَ قُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ.
(و اتمم له نوره) المراد بذلك اتمام نوره يوم القيامة بحيث يطفى ساير الأنوار و هو النّور الذى يسعى بين أيدى الامة حتّى ينزلوا منازلهم في الجنّة، و إليه الاشارة في قوله.
يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَ اغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قال الطبرسي: يسعى نورهم بين أيديهم و بأيمانهم على الصّراط يوم القيامة و هو دليلهم إلى الجنّة و يريد بالنّور الضّياء الذي يرونه و يمرّون فيه عن قتادة، و قيل نورهم هداهم عن الضّحاك قال قتادة: إنّ المؤمن يضيء له نور كما بين عدن إلى صنعا و دون ذلك حتّى أنّ من المؤمنين من لا يضيء له نوره إلّا موضع قدميه.
قال الشّارح المعتزلي: قد روى أنّه يطفى ساير الأنوار إلّا نور محمّد، ثمّ يعطى المخلصون من أصحابه أنوارا يسيرة يبصرون بها مواطىء الأقدام فيدعون اللّه بزيادة تلك الأنوار و إتمامها، ثمّ إنّ اللّه يتمّ نور محمّد فيستطيل حتّى يملاء الآفاق فذلك إتمام نوره.
(و اجزه من انبعاثك له مقبول الشّهادة و مرضيّ المقالة) أراد به أن يجزيه اللّه سبحانه من بعثته له الشّهادة المقبولة عنده و المقالة المرضيّة لديه بأن يكون شهادته صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على امته و غيرها نافذة و شفاعته فيهم ماضية حالكونه (ذا منطق عدل و خطة فصل) أى صاحب نطق عادل و خصلة فاصلة بين الحقّ و الباطل او ذا قول«» غير هازل كما قال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ.
و المطلوب بهذه الاعتبارات كلّها على اختلاف مفاهيمها أمر واحد و هو زيادة كمالاته صلّى اللّه عليه و آله و قربه من اللّه سبحانه، ثمّ إنّه عليه السّلام بعد الصّلاة على الرسول دعا لنفسه و للمؤمنين من خالصي شيعته بقوله (اللهمّ اجمع بيننا و بينه في برد العيش) الذى لا كلفة فيها من الحرب و الخصومة (و قرار النّعمة) مستقرّها فى الحضرة الرّبوبية (و منى الشهوات) في حظيرة القدس (و أهواء اللذّات) في الجنة العالية، و فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين (و رخاء الدّعة و منتهى الطمأنينة) أى سعة سكون النّفس و نهاية اتّساع عيشها في دار الخلد (و تحف الكرامة) المعدّة لأهل اليقين من أولياء اللّه المقرّبين مما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.
تنبيهات
الاول
الصّلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ممّا أمر اللّه تعالى به و حثّ عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً.
و ينبغي لنا أن نحقّق الكلام في ذلك و نذكر ما أتى به الفاضل المقداد صاحب كنز العرفان في تفسير هذه الآية و ما يرتبط عليها و نفصّل بعض ما أجمله قدّس اللّه روحه.
قال «ره» قرء شاذا برفع ملائكته فقال الكوفيّون بعطفها على أصل إنّ و اسمها و قال البصريّون مرفوعة بالابتداء و خبر إنّ محذوف أى إنّ اللّه يصلّي و ملائكته يصلّون فحذف للقرينة و نظايره كثيرة كقول الشّاعر:
نحن بما عندنا و أنت بما عندك راض و الرّأى مختلف
اى نحن راضون، و الصّلاة و ان كانت من اللّه الرّحمة فالمراد بها هنا هو الاعتناء باظهار شرفه و رفع شأنه، و من هنا قال بعضهم تشريف اللّه محمّدا بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ.
أبلغ من تشريف آدم بالسّجود له و التسليم، قيل المراد به الانقياد كما في قوله: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
و قيل هو قولهم: السّلام عليك أيّها النبىّ قاله الزّمخشري و القاضي في تفسيرهما و ذكره الشّيخ في تبيانه و هو الحقّ لقضية العطف و لأنّه المتبادر إلى الفهم عرفا و لرواية كعب الآتية و غيرها إذا تقرّر ذلك فهنا
فوايد
الاولى
ذهب أصحابنا و الشّافعي و أحمد إلى وجوب الصّلاة على النبيّ في الصلاة خلافا لمالك و أبي حنيفة فانّهما لم يوجباها و لم يجعلاها شرطا في الصّلاة و استدلّ بعض الفقهاء بما تقريره.
شيء من الصّلاة على النّبيّ واجب و لا شيء من ذلك في غير الصّلاة بواجب ينتج أنّها في الصّلاة واجب، أمّا الصّغرى فلقوله تعالى: صلّوا، و الأمر حقيقة في الوجوب، و أمّا الكبرى فظاهرة، و فيه نظر لمنع الكبرى كما يجيء و حينئذ فالأولى الاستدلال على الوجوب بدليل خارج.
أمّا من طرقهم فما رووه عن عايشة قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول: لا تقبل صلاة الّا بطهور و بالصّلاة عليّ، و كذا عن أنس عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد اللّه ثمّ ليصلّ علىّ.
و من طرقنا ما رواه أبو بصير و غيره عن الصّادق عليه السّلام قال: من صلّى و لم يصلّ على النبيّ و تركه متعمّدا فلا صلاة له، حتّى أنّ الشّيخ جعلها ركنا في الصّلاة فان عنى الوجوب و البطلان بتركها عمدا فهو صحيح و إن عنى تفسير الرّكن بأنّه ما يبطل الصّلاة بتركه عمدا و سهوا فلا.
الثانية
قال علمائنا اجمع: إنّ الصّلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم واجبة في التشهدين و به قال أحمد، و قال الشّافعيّ: مستحبّة في الأول واجبة في الآخر، و قال مالك و أبو حنيفة: مستحبّة فيهما، دليل أصحابنا روايات كثيرة عن أئمّتهم عليهم السّلام.
الثالثة
هل تجب الصّلاة على النّبيّ في غير الصّلاة أم لا، ذهب الكرخي إلى وجوبها في العمر مرّة، و قال الطحاوي: كلّما ذكر، و اختاره الزّمخشري، و نقل عن ابن بابويه من أصحابنا، و قال بعضهم: في كلّ مجلس مرّة، و المختار الوجوب كلّما ذكر لدلالة ذلك على التّنوية«» برفع شأنه و الشكر لاحسانه المأمور بها، و لأنه لولاه لكان كذكر بعضنا بعضا و هو منهىّ عنه في آية النّور.
أقول: و أشار بها إلى قوله سبحانه: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً و لما روى عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم: من ذكرت عنده فلم يصلّ علىّ فدخل النّار فأبعده اللّه، و الوعيد أمارة الوجوب.
و روى أنّه قيل له: يا رسول اللّه أرأيت قول اللّه إنّ اللّه و ملائكته يصلّون على النّبيّ فقال: هذا من العلم المكنون و لو لا أنّكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به إنّ اللّه عزّ و جلّ و كل بي ملكين فلا أذكر عند مسلم فيصلّي علىّ إلّا قال له ذلك الملكان غفر اللّه لك، و قال اللّه و ملائكته: آمين، و لا اذكر عند مسلم فلا يصلّي علىّ إلّا قال له الملكان: لا غفر اللّه لك و قال اللّه و ملائكته: آمين.
أقول: و مثل ذلك في إفادة الوعيد ما رواه الصّدوق في عقاب الأعمال باسناده عن محمّد بن هارون عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا صلّى أحدكم و لم يصلّ على النبيّ خطىء به طريق الجنّة.
و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: من ذكرت عنده فنسي الصّلاة عليّ خطىء به طريق الجنّة قال (ره): و أمّا عند عدم ذكره صلوات اللّه عليه فيستحبّ استحبابا مؤكدا، لتظافر الرّوايات أنّ الصّلاة عليه و آله تهدم الذّنوب و توجب اجابة الدّعاء المقرون بها.
الرابعة
روى كعب بن عجرة قال: لمّا نزلت الآية قلنا: يا رسول اللّه هذا السّلام عليك فقد عرفناه فكيف الصّلاة عليك فقال قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، و بارك على محمّد و آل محمّد كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، و على هذا الحديث سؤال مشهور بين العلماء ذكرناه في نضد القواعد و ذكرنا ما قيل في أجوبته من أراده وقف عليه هناك.
أقول: و لا يحضرني كتاب نضد القواعد حتّى نقف على ما ذكره و لعلّ المراد بالسؤال المشهور ما ذكروه من أنّ التّشبيه يقتضى أن يكون المشبّه به أقوى من المشبّه فيلزم أن يكون التّشبيه الواقع فيه من باب إلحاق النّاقص بالكامل، و اجيب تارة بأنّ التّشبيه لبيان حال من يعرف بمن لا يعرف، و ثانية بأنّ التّشبيه في أصل الصّلاة لا في قدر الصّلاة، و ثالثة بأنّ معناه: اجعل لمحمّد صلاة بمقدار الصّلاة لابراهيم و آله و في آل إبراهيم خلايق لا يحصون من الأنبياء، و ليس في اللّه نبىّ فطلب إلحاق جملة فيها نبيّ واحد بما فيه الأنبياء، و ربّما اجيب باجوبة اخر و لا حاجة إليها و الأظهر الأوسط.
الخامسة
دلّ حديث كعب المذكور على مشروعيّة الصّلاة على الآل تبعا له صلّى اللّه عليه و آله، و عليه اجماع المسلمين، و هل يجوز عليهم لا تبعا بل افرادا كقولنا: اللهمّ صلّ على آل محمّد بل الواحد منهم لا غير أم لا قال أصحابنا: بجواز ذلك، و قال الجمهور: بكراهته لأنّ الصّلاة على النبيّ صارت شعارا فلا يطلق على غيره و لا يهامه الرّفض و الحقّ ما قاله الأصحاب لوجوه.
الأوّل قولى تعالى مخاطبا للمؤمنين كافة: «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ»و هو نصّ في الباب.
الثّانى قوله تعالى: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ و لا ريب أنّ أهل البيت أصيبوا بأعظم المصائب الذي من جملتها اغتصابهم مقام امامتهم.
أقول: و هذا الدّليل لعلّه مأخوذ من العلّامة قدس اللّه روحه و قد حكى في لؤلؤة البحرين من كتاب حياة القلوب أنّه قدّس اللّه سرّه ناظر أهل الخلاف في مجلس سلطان محمّد خدا بنده أنار اللّه برهانه و بعد إتمام المناظرة و بيان حقّية مذهب الامامية الاثنى عشرية خطب قدّس اللّه لطفه خطبة بليغة مشتملة على حمد اللّه و الصّلاة على رسوله و الأئمة عليهم السّلام.
فلمّا سمع ذلك السّيد الموصلي الذي هو من جملة المسكوتين بالمناظرة قال ما الدّليل على جواز توجيه الصّلاة على غير الأنبياء فقرأ الشّيخ العلّامة في جوابه بلا انقطاع الكلام: الّذين إذا أصابتهم مصيبة، الآية فقال الموصلي بطريق المكابرة: ما المصيبة التي أصابت إليهم حتّى أنّهم يستوجبون بها الصّلاة فقال الشّيخ: من أشنع المصائب و أشدّها أن حصل من ذراريهم مثلك الذي ترجّح المنافقين الجهّال المستوجبين اللعنة و النكال على آل رسول المتعال، فاستضحك الحاضرون و تعجّبوا من بداهة آية اللّه في العالمين و قد انشد بعض:
إذ العلوىّ تابع ناصبيّا
بمذهبه فما هو من أبيه
و كان الكلب خيرا منه قطعا
لأنّ الكلب طبع أبيه فيه
الثّالث أنّه لمّا أتى أبوأ و فى بزكاته قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم: اللهمّ صلّ على أبي أوفى و آل أبي أوفى، فيجوز على أهل البيت بطريق أولى.
الرّابع انّ الصّلاة من اللّه بمعنى الرّحمة و يجوز الرّحمة عليهم إجماعا فيجوز مراد فها لما تقرّر في الاصول من أنّه يجوز إقامة احد المترادفين مقام الآخر الخامس قولهم إنّه صار شعارا للرسول قلنا مصادرة على المطلوب، لأنّها كما دلت على الاعتناء برفع شأنه كذلك تدلّ على الاعتناء برفع شان أهله القائمين مقامه فيكون الفرق بينه و بينهم وجوبها في حقه صلّى اللّه عليه و آله كلّما ذكر كما اخترناه.
أقول: التفريق بذلك غير خال عن التّأمل.
فان قلت: عادة السّلف قصره على الأنبياء.
قلت: العادة لا يخصّص كما تقرّر في الاصول، هذا مع أنّ من أعظم السّلف الباقر و الصّادق عليهما السّلام، و لم يقولا بذلك.
السادس أنّ قولهم: إنّ ذلك يوهم الرّفض تعصّب محض و عناد ظاهر، نظير قولهم من السنة تسطيح القبور لكن لما اتخذته الرّافضة شعارا لقبورهم عدلنا منه إلى التسنيم، فعلى هذا كان يجب عليهم أنّ كلّ مسألة قال بها الامامية أن يفتوا بخلافها و ذلك محض التعصّب و العناد، نعوذ باللّه من الأهواء المضلّة و الآراء الفاسدة.
السادسة
مذهب علمائنا أجمع أنه يجب الصلاة على آل محمّد في التشهدين، و به قال بعض الشافعية، و في إحدى الرّوايتين عن أحمد، و قال الشافعى بالاستحباب لنا رواية كعب و قد تقدّمت في كيفية الصلاة عليه و إذا كانت الصلاة عليه واجبة كانت كيفيتها أيضا واجبة.
و روى كعب أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقول ذلك في صلاته و قال: صلّوا كما رأيتموني أصلّي.
و عن جابر الجعفي عن الباقر عليه السّلام عن ابن مسعود الأنصاري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من صلّى صلاة و لم يصلّ فيها علىّ و على آلي و أهل بيتي لم يقبل منه.
السابعة
الآل الذين يجب الصلاة عليهم فى الصلاة و يستحبّ في غيرها هم الأئمة المعصومون، لاطباق الأصحاب على أنهم هم الآل و لأنّ الأمر بذلك مشعر بغاية التعظيم المطلق الذي لا يستوجبه إلّا المعصوم، و أما فاطمة عليها السلام فتدخل أيضا لأنها بضعة منه.
الثاني
قال الجمهور: الصلاة من اللّه الرّحمة و من الملائكة الاستغفار و من الآدميّين الدّعاء، و استبعد تارة باقتضائه كونه مشتركا لفظيا و الأصل العدم، و اخرى بأنّا لا نعرف في العربية مسندا واحدا يختلف معناه باختلاف المسند إليه إذا كان الاسناد حقيقيا، و ثالثة بأن الرحمة فعلها متعدّ و الصلاة فعلها قاصر و تفسير القاصر بالمتعدّى غير مناسب، و رابعة بأنه لو قيل مكان صلّى عليه دعا عليه انعكس المعنى و لو كانا مترادفين صحّ حلول كلّ منهما محلّ الآخر.
و قال المحقّقون: إنّه لغة بمعنى العطف و العطف بالنّسبة إلى اللّه الرّحمة اللايقة و إلى الملائكة الاستغفار و إلى الآدميّين دعاء بعضهم لبعض، قال السّهيلي: الصّلاة كلّها و إن اختلفت معانيها راجعة إلى أصل واحد فلا تظنها لفظ اشتراك و لا استعارة إنّما معناها العطف و يكون محسوسا و معقولا انتهى. فعلى ما ذكروه يكون مشتركا معنويا و هو أولى من الاشتراك اللفظى إذا دار الأمر بينه و بينه
الثالث
قال الشّهيد الثاني نوّر اللّه مضجعه في الرّوضة غاية السؤال بالصّلاة عايدة إلى المصلّي لأنّ اللّه تعالى قد أعطى نبيّه من المنزلة و الزّلفى لديه ما لا يؤثر فيه صلاة مصلّ كما نطقت به الأخبار و صرّح به العلماء الأخيار.
أقول: أمّا انتفاع المصلّى بالصّلاة و استحقاقه بها الثواب الجزيل و الجزاء الجميل فممّا لا غبار عليه و ستطّلع على ذلك في التنبيه الآتى، و أمّا عدم تأثيره في حقّه صلوات اللّه عليه و آله فممنوع، لأنّ مراتب القرب إليه تعالى و الزّلفى لديه غير متناهية فيجوز أن يوجب كلّ صلاة عليه الارتقاء من مرتبة إلى مرتبة فوقها.
فان قلت: يستلزم ذلك أن يكون صلوات اللّه عليه ناقصا في ذاته و مرتبته مستكملا بالصّلاة و الدّعاء.
قلت: إن أردت نقصه بالنّسبة إلى الواجب فمسلّم و لا ضير فيه و إن أردت النقص بالنسبة إلى الموجودات الممكنة فلا، بيان ذلك أنّه أفضل الموجودات و أشرف المجعولات و أكمل المخلوقات، لا موجود سواه إلّا و هو دونه و لا مجعول غيره إلّا و هو ناقص بالنسبة إليه، لكنّه صلوات اللّه عليه و آله مع ذلك كلّه ممكن محتاج في وجوده و بقائه و استكمال ذاته إلى الواجب تعالى و هو قديم و فيضه غير متناه، و هو قابل بذاته لكسب الفيوضات و ازدياد الدّرجات و هو تعالى وليّ الخيرات و الحسنات، و هو على كلّ شيء قدير هذا.
و قد عثرت بعد ما حقّقت المقام على كلام المحدّث العلامة المجلسي في هذا المرام ذكره في كتاب مرآت العقول على بسط و تفصيل فأحببت نقل ما أورده لتضمّنه فوايد سنيّة.
قال «ره»: اختلف العلماء في أنّه هل ينفعهم الصّلاة شيئا أم ليس إلّا لانتفاعنا فذهب الاكثر إلى أنّهم صلوات اللّه عليهم لم يبق لهم كمال منتظر بل حصل لهم جميع الخصال السّنية و الكمالات البشرية و لا يتصوّر للبشر أكثر ما منحهم اللّه تعالى، فلا يزيدهم صلواتنا عليهم شيئا بل يصل نفعها إلينا و إنّما أمرنا بذلك لاظهار حبّهم و ولائهم، بل هى إنشاء لاظهار الاخلاص و الولاء لنا، و ليس الغرض طلب شيء لهم.
و يترتّب عليه أن يفيض اللّه علينا بسبب هذا الاظهار فيوضه و مواهبه و عطاياه كما أنّه إذا كان لأحد محبوب يحبّه حبّا شديدا و قد أعطاه كلّما يمكن فاذا كان لرجل حاجة عند المحبّ يتقرّب إليه بالثّناء على محبوبه و طلب شيء له تقرّبا إليه باظهار حبّه و تصويبه في إكرامه و أنّه مستحقّ لما أعطاه حقيق بما أولاه.
و هذا الكلام عندى مدخول بل يمكن توجيهه بوجوه اخر لكلّ منها شواهد من الأخبار.
الأوّل أن تكون الصّلاة سببا لمزيد قربهم و كمالاتهم و لم يدلّ دليل على عدم ترقيهم إلى ما لا يتناهى من الدّرجات العلى في الآخرة و الاولى، و كثير من الأخبار يدلّ على خلافه كما ورد في كثير من أخبار التفويض أنّه إذا أراد اللّه سبحانه أن يفيض شيئا على امام العصر يفيضه أوّلا على رسول اللّه ثمّ على إمام إمام حتّى ينتهى إلى إمام الزمان لئلا يكون آخرهم أعلم من أوّلهم.
و كما أنّ بيننا و بين موالينا صلوات اللّه عليهم من أرباب العصمة و الطهارة درجات غير متناهية لا يمكن لأحدنا و إن عرج على معارج القرب و الكمال أن يصل إلى أدنى منازلهم، فكذا بينهم عليهم السّلام و بين جناب الالوهية و ساحة الرّبوبية معارج غير متناهية كلّما صعدوا بأجنحة الرفعة و الكمال على منازل القرب و الجلال لا تنتهى تلك المعارج و يعدون أنفسهم في جنب ساحة القدس مثل الذّرة أو دونها.
و قد افيض على وجه وجيه في استغفار النبيّ و الأئمة صلوات اللّه عليهم يناسب هذا الوجه و هو: أنّهم صلوات اللّه عليهم لمّا كانوا دائما في الترقي في مدارج المعرفة و القرب و الكمال ففي كلّ آن تحصل لهم معرفة جديدة و قرب جليل و كمال عتيد عدّوا أنفسهم مقصّرين في المرتبة السّابقة في المعرفة و القرب و الطاعة كانوا يستغفرون منها و هكذا إلى ما لا نهاية لها.
و قد ورد في الرّوايات الكثيرة أنّ أشرف علومنا علم ما يحدث بالليل و النّهار آنا فآنا و ساعة فساعة، و يؤيّده ما روى في تفسير قوله سبحانه: وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ، أنّ أهل الجنّة في كلّ يوم جمعة يجتمعون في موضع يتجلّي لهم الرّب تبارك و تعالى بأنوار جلاله، فيرجع المؤمن بسبعين ضعفا ممّا في يديه فيتضاعف نوره و ضياؤه، و هذا كناية عن تضاعف قربه و معرفته.
الثاني أن تكون سببا لزيادة المثوبات الاخرويّة و إن لم تصر سببا لمزيد قربهم و كمالهم.
و كيف يمنع ذلك عنهم و قد ورد في الأخبار الكثيرة وصول آثار الصّدقات الجارية و الأولاد و المصحف و تعليم العلوم و العبادات إلى أموات المؤمنين و المؤمنات و أىّ دليل دلّ على استثنائهم عن تلك الفضايل و المثوبات، بل هم آباء هذه الامة المرحومة و الامة عبيدهم و ببركتهم فازوا بالسّعادات و نجوا من المهلكات، و كلّما صدر عن الامة من خير و سعادة و طاعة يصل إليهم نفعها و بركتها و لا منقصة لهم في ذلك مع أنّ جميع ذلك من آثار مساعيهم الجميلة و أياديهم الجليلة.
الثالث أن تصير سببا لأمور تنسب إليهم من رواج دينهم و كثرة امّتهم و استيلاءقائمهم و تعظيمهم و ذكرهم في الماء الأعلى بالجميل و بالتّفخيم و التبجيل.
و قد ورد في بعض الأخبار في معنى السّلام عليهم: أنّ المراد سلامتهم و سلامة دينهم و شيعتهم في زمن القائم عليه السّلام، انتهى كلامه رفع مقامه.
الرابع
في فضيلة الصّلاة و ثوابها، و الأخبار في ذلك كثيرة لا تحصى.
فمنها ما في ثواب الأعمال للصّدوق باسناده عن عباس بن ضمرة عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: الصّلاة على النبيّ و آله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أمحق للخطايا من الماء إلى النّار و السّلام على النبيّ و آله أفضل من عتق رقاب و حبّ رسول اللّه أفضل من مهج الأنفس أو قال ضرب السّيوف في سبيل اللّه.
و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا ذكر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأكثروا الصّلاة عليه فانّه من صلّى على النبيّ صلاة واحدة صلّى اللّه عليه ألف صلاة في ألف صفّ من الملائكة و لم يبق شيء ممّا خلق اللّه إلّا صلّى على ذلك العبد لصلاة اللّه عليه و صلاة ملائكته، و لا يرغب عن هذا إلّا جاهل مغرور قد برىء اللّه منه و رسوله، و رواه أيضا في جامع الأخبار كالكليني في الكافي نحوه.
و عن أبي البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم: أنا عند الميزان يوم القيامة فمن ثقلت سيئآته على حسناته جئت بالصّلاة علىّ حتّى اثقل بها حسناته، و رواه في جامع الأخبار مثله.
و عن عبد السّلام بن نعيم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي دخلت البيت فلم يحضرني شيء من الدّعاء إلّا الصّلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال عليه السّلام و لم يخرج أحد بأفضل ممّا خرجت.
و عن الحارث الأعور قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: كلّ دعاء محجوب عن السّماء حتّى يصلّى على محمّد و آله.
و عن الصّباح بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ألا أعلّمك شيئا يقي اللّه وجهك من حرّ جهنم قال: قلت: بلى، قال: قل بعد الفجر: اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد مأئة مرّة يقي اللّه به وجهك من حرّ جهنم.
و عن محمّد بن أبي عمير عمن أخبره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: وجدت في بعض الكتب: من صلّى على محمّد و آل محمّد كتب اللّه له مأئة حسنة، و من قال صلّى اللّه على محمّد و أهل بيته كتب اللّه له ألف حسنة.
و عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الرّضا قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من صلّى علىّ يوم الجمعة مأئة صلاة قضى اللّه له ستّين حاجة ثلاثون للدّنيا و ثلاثون للآخرة.
و عن أبي المغيرة قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: من قال في دبر صلاة الصّبح و صلاة المغرب قبل أن يثنّى رجليه أو يكلّم أحدا: إنّ اللّه و ملائكته يصلّون على النبيّ يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما اللهمّ صلّ على محمّد و ذرّيته قضى اللّه له مأئة حاجة سبعين «سبعون» في الدّنيا و ثلاثين «ثلاثون» في الآخرة، قال: قلت: ما معنى صلوات اللّه و صلوات ملائكته و صلوات المؤمن قال: صلوات اللّه رحمة من اللّه و صلوات الملائكة تزكية منهم له، و صلوات المؤمنين دعاء منهم له.
و من سرّ آل محمّد فى الصّلاة على النبيّ و آله: اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد في الأوّلين، و صلّ على محمّد و آل محمّد في الآخرين، و صلّ على محمّد و آل محمّد في الملاء الأعلى، و صلّ على محمّد و آل محمّد في المرسلين اللهمّ اعط محمّدا الوسيلة و الشّرف و الفضيلة و الدّرجة الكبيرة، اللهمّ إنّي آمنت بمحمّد و لم أره فلا تحرمني يوم القيامة رؤيته، و ارزقني صحبته و توفّنى على ملّته و اسقنى من حوضه مشربا «شرباخ» رويا سائغا هنيئا لا ظمأ بعده أبدا إنّك على كلّ شيء قدير اللهمّ كما آمنت بمحمد و لم أره فعرفني في الجنان وجهه اللهمّ بلّغ روح محمّد تحيّة كثيرة و سلاما.
فانّ من صلّى على النبيّ بهذه الصّلاة هدمت ذنوبه و محيت خطاياه و دام سروره و استجيب دعاؤه و اعطى أمله و بسط له في رزقه و اعين على عدوّه و هيّىء له سبب أنواع الخير و يجعل من رفقاء نبيّه في الجنان الأعلى، يقولهنّ ثلاث مرّات غدوة و ثلاث مرّات عشيّة.
و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوملأمير المؤمنين: ألا أبشّرك قال: بلى بأبي أنت و أمّي، فانّك لم تزل مبشّرا بكلّ خير فقال: أخبرني جبرئيل آنفا بالعجب، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام و ما الّذى أخبرك يا رسول اللّه قال: أخبرني أنّ الرّجل من امّتي إذا صلّى علىّ فاتبع بالصلاة على أهل بيتي فتحت له أبواب السّماء و صلّت عليه الملائكة سبعين صلاة و إنّه إن كان من المذنبين تحات عنه الذنوب كما تحات الورق من الشّجر، و يقول اللّه تبارك و تعالى: لبّيك عبدى و سعديك يا ملائكتى أنتم تصلّون عليه سبعين صلاة و أنا اصلّى عليه سبعمائة صلاة، فان صلّى علىّ و لم يتبع بالصّلاة على أهل بيتي كان بينها و بين السّماء سبعون حجابا و يقول اللّه جلّ جلاله: لا لبيك و لا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعائه إلّا أن يلحق بالنبيّ عترته، فلا يزال محجوبا حتّى يلحق بى أهل بيتي.
و عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من قال في يوم مأئة مرّة ربّ صلّ على محمّد و على أهل بيته، قضى اللّه له مأئة حاجة ثلاثون منها للدّنيا، و سبعون منها للآخرة.
و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ارفعوا أصواتكم بالصّلاة علىّ فانّها يذهب بالنّفاق.
و في جامع الأخبار عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: من صلّى علىّ في كتابه لم يزل الملائكة تصلّى عليه ما دام ذلك مكتوبا إلى يوم القيامة.
و فيه أيضا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من صلّى علىّ مرّة صلّى اللّه عليه ألف مرّة لا يعذّبه «كذا» في النّار أبدا، و قال: من صلّى عليّ مرّة فتح اللّه عليه بابا من العافية، و قال من صلّى علىّ مرّة لم يبق من ذنوبه ذرّة.
و روى عن عبد اللّه بن مسعود أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: إنّ أولى النّاس في يوم القيامة أكثرهم صلاة، و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الوصية: يا علي من صلّى كلّ يوم أو كلّ ليلة وجبت له شفاعتي و لو كان من أهل الكباير.
عن أنس بن مالك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ أقربكم منّي يوم القيامة في كلّ موطن أكثركم علىّ صلاة في دار الدّنيا، و من صلّى في يوم الجمعة أو في ليلةالجمعة مأئة مرّة قضى اللّه له مأئة حاجة سبعين من حوائج الآخرة و ثلاثين من حوائج الدّنيا، ثمّ يوكل اللّه له بكلّ صلاة ملكا يدخل في قبري كما يدخل أحدكم الهدايا و يخبرني من صلّى علىّ باسمه و نسبه إلى عشيرته فاثبته عندي في صحيفة بيضاء.
عن الرّضا عليه السّلام من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصّلاة على محمّد و آله فانّها تهدم الذّنوب هدما.
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قال: صلّى اللّه على محمّد و آل محمّد أعطاه اللّه أجر اثنين و سبعين شهيدا و خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه.
روى عن أنس بن مالك عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما من أحد يذكرني ثمّ صلّى علىّ إلّا غفر اللّه له ذنوبه و إن كان أكثر من رمل عالج.
و قال صلوات اللّه عليه و آله: من صلّى علىّ يوم الجمعة مأئة مرّة غفر اللّه له خطيئته ثمانين سنة.
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من صلّى علىّ مرّة خلق اللّه تعالى يوم القيامة على رأسه نورا و على يمينه نورا و على شماله نورا و على فوقه نورا و على تحته نورا، و في جميع، أعضائه نورا.
و قال صلّى اللّه عليه و آله: لن يلج النّار من صلّى علىّ.
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الصّلاة علىّ نور على الصّراط، و من كان له على الصّراط من النور لم يكن من أهل النّار.
و في رواية عبد الرحمن بن عون أنّه قال: جائني جبرئيل و قال: إنّه لا يصلّى عليك أحد إلّا و يصلّي عليه سبعون ألف ملك و كان من أهل الجنة.
عن أنس عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: من صلّى علىّ ألف مرّة لم يمت حتّى يبشّر بالجنّة.
و قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من صلّى عليّ و على آلى تعظيما خلق اللّه من ذلك القول ملكا يرى جناح له بالمغرب و الآخر بالمشرق و رجلاه مغموستان من الأرض السّفلى و عنقه ملتوى تحت العرش، فيقول اللّه عزّ و جلّ: صلّ على عبدي كما صلّىعلى النبيّ، فهو يصلّى عليه إلى يوم القيامة إلى غير هذه من الأخبار المتجاوزة عن حدّ الاحصاء.
و الحمد للّه الذى جعل صلاتنا عليه و آله و ما خصّنا به من ولايتهم طيبا لخلقنا و طهارة لأنفسنا و تزكية لنا و كفارة لذنوبنا، و له الشّكر على ما آثرنا بذلك و خصّصنا به دون غيرنا كثيرا كثيرا.
الترجمة
از جمله خطب آن حضرتست كه تعليم فرموده خلق را در آن صلوات فرستادن به پيغمبر را.
اى خداوند ما اى گستراننده گستردها چون هفت طبقه زمين و أى نگه دارنده بلند شده ها چون طبقات چرخ برين و أى مجبول نماينده قلبها بر فطرت اصليه آنها كه مجبول نموده قلبهاى با شقاوت را بشقاوت و قلبهاى با سعادت را بسعادت، بگردان شريفترين درودهاى خود را و بلندترين و افزونترين بركتهاى خود بر محمّد بن عبد اللّه كه بنده برگزيده و رسول پسنديده تو است كه ختم كننده آن چيزى است كه گذشته از پيش از شريعت و ملت، و گشاينده آن چيزيست كه بسته شده از باب رشاد و هدايت، و اظهار كننده دين حق است با بيان درست و حق و دفع كننده غلبهاى باطلان و شكننده صولتهاى گمراهان.
صلوات فرست بر آن حضرت صلواتى كه مشابه باشد برسالتى كه برداشت آنرا و قوى شد به برداشتن او در حالتى كه استاده بود بفرمان تو و صاحب تعجيل بود در تحصيل رضاى تو، و در حالتى كه جبون نبود از پيشى گرفتن در أداء أوامر شريعت و سست نبود در عزيمت بابلاغ أحكام ملت، نگاه دارنده بود وحى تو را، حفظ كننده بود عهد تو را، گذرنده باجراء فرمان تو تا آنكه برافروخت شعله نور حق را بجهة طالبين، و روشن ساخت راه شرع متين را از براى خبط كننده و جاهلين، و هدايت يافته شده بوجود مبارك آن قلبها بعد از غوطه خوردن در فتنها، و بر پا نمود علمهاى راه نماينده و احكام روشنى دهنده را.
پس او امين تو است و خزينهدار علم مخزون و سرّ مكنون تو، و شاهد تو است در روز جزا و فرستاده تو بسوى خلق بار خدايا گشاده گردان از براى آن حضرت مكان با وسعت در سايه كشيده خود، و جزا بده او را زيادتيهاى خير را از فضل و رحمت خود.
بار خدايا بلند گردان بر بناى بانيان بناى او را كه عبارتست از دين مبين و شرع متين، و گرامى دار نزد خود منزل او را كه جنت عدن است و فردوس برين، و تمام گردان از براى او نور او را كه احاطه نمايد بهمه خلايق، و پاداش ده او را از جهة مبعوث نمودن تو او را شهادت پذيرفته شده و گفتار پسنديده در حالتى كه او صاحب نطق عادلست و صاحب خصلت جدا كننده ميان حق و باطل.
بار خدايا جمع كن ميان ما و ميان او در خوشى زندگانى و در ثبات نعمت جاودانى و در مطلوبهاى آرزوها و در خواهشات لذّتها و در گشادگي آسايش و راحت و در پايان آرامى و استراحت و در تحفه اى كرامت كه معدّاست و مهيا براى أهل جنّت.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»