خطبه 69 صبحی صالح
69- و من كلام له ( عليه السلام ) في توبيخ بعض أصحابه
كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ
وَ الثِّيَابُ الْمُتَدَاعِيَةُ
كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ
كُلَّمَا أَطَلَّ عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ
وَ انْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَّبَّةِ فِي جُحْرِهَا
وَ الضَّبُعِ فِي وِجَارِهَا
الذَّلِيلُ وَ اللَّهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ
وَ مَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ
إِنَّكُمْ وَ اللَّهِ لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ
قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ
وَ إِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ
وَ يُقِيمُ أَوَدَكُمْ
وَ لَكِنِّي لَا أَرَى إِصْلَاحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي
أَضْرَعَ اللَّهُ خُدُودَكُمْ
وَ أَتْعَسَ جُدُودَكُمْ
لَا تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ
وَ لَا تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ الْحَقَّ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج5
و من كلام له عليه السلام
و هو الثامن و الستون من المختار في باب الخطب
كم أداريكم كما تدارى البكار العمدة، و الثّياب المتداعية، كلّماحيصت من جانب تهتّكت من آخر، كلّما أطلّ عليكم منسر من مناسر أهل الشّام أغلق كلّ رجل منكم بابه، و انحجر انحجار الضّبة في جحرها و الضّبع في و جارها، الذّليل و اللّه من نصرتموه، و من رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل، و و اللّه إنّكم لكثير في الباحات، قليل تحت الرّايات و إنّي لعالم بما يصلحكم و يقيم أودكم، و لكنّي لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي، أضرع اللّه خدودكم، و أتعس جدودكم، لا تعرفون الحقّ كمعرفتكم الباطل، و لا تبطلون الباطل كإبطالكم الحقّ.
اللغة
(البكار) بالكسر جمع بكر بالفتح و هو الفتى من الابل و (العمدة) بكسر الميم من العمد الورم و الدّبر و قيل العمدة التي كسرها ثقل حملها، و قيل التي قد انشدخت اسنمتها من داخل و ظاهرها صحيح و (المتداعية) الخلقة التي تنخرق و إنّما سمّيت متداعية لأنّ بعضها يتخرّق فيدعوا لباقي إلى الانخراق.
و (الحوص) الخياطة يقال حاص الثوب يحوصه حوصا خاطه و (اطل) عليه بالطاء المهملة أشرف و في بعض النّسخ بالمعجمة أى اقبل اليكم و دنا منكم و (المنسر) كمجلس و كمنبر القطعة من الجيش تمرّ قدام الجيش الكثير و (الجحر) بالضّم كلّ شيء يحتفره السّباع و الهوام لأنفسها و حجر الضّب كمنع دخله و حجره غيره أدخله فانحجر و تحجرّ و كذلك احجره و (الضّبة) انثي الضّباب و هي دابة برّية.
و (الضّبع) مؤنثه و (و جارها) بالكسر جحرها و (الافوق) المكسور الفوق و (النّاصل) المنزوع النّصل و (الباحة) السياحة و في بعض النّسخ الساحات و (الراية) العلم و (الاود) بالتّحريك العوج و (ضرع) إليه بالتثليث ضرعا بالتحريك و ضراعة خضع و ذلّ و استكان و اضرعه اللّه أذلّه و (التّعس) الهلاك و الانحطاط.
و (الجدود) بالضّم جمع الجدّ بالفتح كالجدودة و الاجداد و هو البخت و الحظّ و في الكتاب الكريم: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا.
الاعراب
جملة كلما حيصت في محلّ الرّفع صفة للثياب، و جملة كلّما اطل استينافية و تحتمل الاستيناف البياني فكانه سئل عن سبب المداراة فأشار إلى الجواب بها، و قوله الذّليل و اللّه من اه، جملة القسم معترضة بين الخبر و المبتدأ و تقديم الخبر لقصد الحصر، و جملة اضرع اللّه خدودكم، و أنعس جدودكم دعائيّتان لا محلّ لهما من الاعراب.
المعنى
اعلم أنّ المقصود بهذا الكلام توبيخ أصحابه، و ذمّهم بتثاقلهم عن الجهاد، و تقاعدهم عن النّهوض إلى حرب أهل الشّام، فأشار اوّلا إلى كونهم محتاجين إلى المداراة الكثيرة البعيدة عن شيمة أهل النّجدة و الشّجاعة و ذوي الفتوّة و الكياسة و نبّه على ذلك بقوله: (كم اداريكم كما تدارى البكار العمدة و الثياب المتداعية) اى كما يدارى صاحب البعير بعيره المنشدخ السّنام و لا بس الأثواب ثيابه الخلقة المنخرقة، و وجه تشبيههم بالبكار العمدة هو قلة صبرهم و شدّة اشفاقهم و عدم تحملهم لمشاق الجهاد و القتال كما يشتدّ جرجرة البكر العمد و يقل صبره و لا يتحمل ثقال الأحمال.
و وجه التّشبيه بالثياب المتداعية أنّ الثياب الموصوفة كما انّها (كلما حيصت من جانب تهتك من جانب آخر) فكذلك أصحابه كلّما أصلح حال بعضهم و انتظم أمرهم للحرب فسد عليه البعض الآخر (كلما اطل عليكم) و اشرف (منسر من مناسر اهل الشّام اغلق كلّ رجل منكم بابه) و لزم بيته من شدّة الجبن و الخوف و (انحجر انحجار الضّبة في حجرها و الضّبع في و جارها).
تخصيصهما من بين ساير الحيوانات بالذّكر لاتّصاف الاولى بالجهل و العقوق حتّى صار يضرب بها المثل فى الجهل، و لذلك لا تحفر جحرها إلّا عند صخرة لئلا تضلّ عنه إذا خرجت لطلب الطعام و من عقوقها أنّها تأكل حسولها«» و اتصاف الثانية بالحمق كما عرفت ذلك في شرح سادس المختار فى باب الخطب، و خصّ الاناث منهما أيضا لأنهما أولى بالمخافة من الذّكر.
انّ (الذّليل و اللّه من نصرتموه) لاتّصاف المخاطبين في أنفسهم بالذلة فيلزم اتّصاف المنتصرين بهم بها أيضا (و من رمى بكم فقد رمى بافوق ناصل) شبّههم بالسّهم المكسور الفوق المنزوع النّصل لعدم الانتفاع بهم في الحرب كما لا ينتفع بالسّهم الموصوف و قد مضى مثل هذه العبارة في الخطبة التّاسعة و العشرين، و ذكرنا هنالك ما يوجب زيادة توضيحها.
(و و اللّه انّكم لكثير في المباحات قليل تحت الرايات) و صفهم بالكثرة في الاندية و القلّة تحت الألوية إشارة إلى جبنهم، فانّ هذين الوصفين من لوازم الجبن و الخوف كما أن مقابلهما من لوازم الفتوّة و الشجاعة و لذلك يهجو الشّعراء بالأوّل و يمدحون بالثاني قال الشّاعر:
أما انكم تحت الخوافق و القنا
لثكلاء لا زهراء من نسوة زهر
أ لستم أقلّ النّاس تحت لوائهم
و أكثرهم عند الذّبيحة و القدر
و قال آخر:
ثقال إذا لانوا خفاف إذا دعوا
قليل إذا عدوّا كثير إذا شدّوا
(و) اللّه (انّى لعالم بما يصلحكم و يقيم اودكم) و هو اقامة مراسم السّياسة فيهم من القتل و التّعذيب و استعمال وجوه الحيل و التّدبير و المخالفة لأمر اللّه سبحانه، و لذلك استدرك بقوله (و لكنّى لا أرى اصلاحكم بافساد نفسي) يعنى أنّ اصلاحكم بالقتل و السّياسة موجب لفساد نفسي و ديني و لا أرضى به كما يرتضيه ملوك الدّنيا و رؤسائها بلحاظ صلاح ملكهم و انتظام أمر مملكتهم لكون نظرهم مقصورا على زخارف الدّنيا و زهراتها العاجلة و غفلتهم بالكليّة عن الآخرة: و أما هو عليه السّلام فراعى صلاح نفسه و قدّمه على اصلاح حال الغير لانحصار همّتهفي الآخرة و انقطاعه بكليّته عن الدّنيا الفانية، فلم يكن يستحلّ منهم ما يستحلّ ساير الملوك من رعيّتهم من القتل و التّعذيب الموجبين للاثم و المعصية المستلزمين لفساد الدّين و السّخط في الآخرة.
ثمّ دعى عليه السّلام عليهم بقوله (اضرع اللّه خدودكم) و هو كناية عن ذلّة النّفس و الاستكانة و بقوله (و اتعس جدودكم) و هو كناية عن الخسران و الخيبة.
ثمّ نبّههم على علّة استحقاقهم للدّعاء بقوله (لا تعرفون الحقّ كمعرفتكم الباطل) أراد به جهلهم بما يلزم عليهم من القيام بوظايف التّكاليف الشّرعية و الاحكام الالهية و اشتغالهم بالامور الدّنيوية الباطلة (و لا تبطلون الباطل كابطالكم الحقّ) أراد به عدم ابطالهم للمنكر كابطالهم للمعروف.
الترجمة
از جمله كلام آن حضرتست در مذمت اصحاب خود: چقدر مدارا كنم با شما چنانكه مدارا كنند با شترانى كه كوفناك باشد كوهان ايشان، و هم چنانكه مدارا كنند با لباسهاى كهنه پاره پاره بمرتبه كه هر وقت دوخته شود از جانبى دريده مىشود از جانب ديگر هر وقت كه مشرف شود بر شما دسته لشكرى از لشكرهاى أهل شام مى بندد هر مردى از شما در خانه خود از ترس و در آيد در سوراخ همچو در آمدن سوسمار در سوراخ خود و همچو در آمدن كفتار در خانه خود.
بخدا سوگند كه ذليل آن كسى است كه شما ناصر آن شده باشيد، و كسى كه تير اندازد با شما به دشمنان پس بتحقيق كه مى اندازد بتير سوفار شكسته بى پيكان قسم بخدا كه بدرستى شما هر آينه بسياريد در عرصها و اندكيد در زير علمها، و بدرستى من دانا هستم بچيزى كه اصلاح نمايد شما را و راست گرداند كجى شما را و ليكن من بخدا سوگند نمى بينم اصلاح شما را با فساد نفس خود.
خوار گرداند خدا رخسارهاى شما را، و تباه گرداند نصيبهاى شما را، نمي شناسيد شما حق كامل را چنانچه مى شناسيد باطل را، و باطل نميگردانيد باطل را همچو باطل گردانيدن شما حق را يعنى شما با مورد دنيويه باطله مشغوليد و از امور اخروية غافل.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»