الجزء السابع عشر
تتمة أبواب الكتب و الرسائل
بسم الله الرحمن الرحيم- الحمد لله الواحد العدل
46 و من كتاب له ع إلى بعض عماله
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ- وَ أَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الْأَثِيمِ- وَ أَسُدُّ بِهِ لَهَاةَ الثَّغْرِ الْمَخُوفِ- فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَى مَا أَهَمَّكَ- وَ اخْلِطِ الشِّدَّةَ بِضِغْثٍ مِنَ اللِّينِ- وَ ارْفُقْ مَا كَانَ الرِّفْقُ أَرْفَقَ- وَ اعْتَزِمْ بِالشِّدَّةِ حِينَ لَا تُغْنِي عَنْكَ إِلَّا الشِّدَّةُ- وَ اخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَكَ وَ ابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ- وَ أَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ- وَ آسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَ النَّظْرَةِ وَ الْإِشَارَةِ وَ التَّحِيَّةِ- حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ- وَ لَا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ وَ السَّلَامُ قد أخذ الشاعر معنى قوله- و آس بينهم في اللحظة و النظرة- فقال
اقسم اللحظ بيننا إن في اللحظ
لعنوان ما تجن الصدور
إنما البر روضة فإذا ما
كان بشر فروضة و غدير
قوله و آس بينهم في اللحظة أي اجعلهم أسوة- و روي و ساو بينهم في اللحظة و المعنى واحد- . و أستظهر به أجعله كالظهر- . و النخوة الكبرياء- و الأثيم المخطئ المذنب- . و قوله و أسد به لهاة الثغر استعارة حسنة- . و الضغث في الأصل- قبضة حشيش مختلط يابسها بشيء من الرطب- و منه أضغاث الأحلام- للرؤيا المختلطة التي لا يصح تأويلها- فاستعار اللفظة هاهنا- و المراد امزج الشدة بشيء من اللين فاجعلهما كالضغث- و قال تعالى وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً- . قوله فاعتزم بالشدة أي إذا جد بك الحد فدع اللين- فإن في حال الشدة لا تغني إلا الشدة- قال الفند الزماني
فلما صرح الشر
فأمسى و هو عريان
و لم يبق سوى العدوان
دناهم كما دانوا
قوله حتى لا يطمع العظماء في حيفك- أي حتى لا يطمع العظماء في أن تمالئهم على حيف الضعفاء- و قد تقدم مثل هذا فيما سبق
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 17