google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
خطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی40-60 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 43 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 43 صبحی صالح

43- و من كلام له ( عليه‏ السلام  ) و قد أشار عليه أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشام

بعد إرساله جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية

و لم ينزل معاوية على بيعته

إِنَّ اسْتِعْدَادِي لِحَرْبِ أَهْلِ الشَّامِ وَ جَرِيرٌ عِنْدَهُمْ

إِغْلَاقٌ لِلشَّامِ

وَ صَرْفٌ لِأَهْلِهِ عَنْ خَيْرٍ إِنْ أَرَادُوهُ

وَ لَكِنْ قَدْ وَقَّتُّ لِجَرِيرٍ وَقْتاً لَا يُقِيمُ بَعْدَهُ إِلَّا مَخْدُوعاً أَوْ عَاصِياً

وَ الرَّأْيُ عِنْدِي مَعَ الْأَنَاةِ فَأَرْوِدُوا

وَ لَا أَكْرَهُ لَكُمُ الْإِعْدَادَ

وَ لَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذَا الْأَمْرِ وَ عَيْنَهُ

وَ قَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَ بَطْنَهُ

فَلَمْ أَرَ لِي فِيهِ إِلَّا الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ مُحَمَّدٌ ( صلى‏الله‏عليه  )

إِنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَى الْأُمَّةِ وَالٍ أَحْدَثَ أَحْدَاثاً

وَ أَوْجَدَ النَّاسَ مَقَالًا

فَقَالُوا ثُمَّ نَقَمُوا فَغَيَّرُوا

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج4  

و من كلام له عليه السّلام

و هو الثالث و الاربعون من المختار في باب الخطب و قد أشار عليه «إليه خ ل» أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشّام بعد ارساله إلى معاوية لجرير بن عبد اللّه البجلي: إنّ استعدادي لحرب أهل الشّام و جرير عندهم إغلاق للشّام، و صرف لأهله عن خير إن أرادوه، و لكن قد وقتّ لجرير وقتا لا يقيم بعده إلّا مخدوعا أو عاصيا، و الرّأي مع الأناة، فأرودوا و لا أكره لكم الاعداد، و لقد ضربت أنف هذا الأمر و عينه، و قلّبت ظهره و بطنه‏ فلم أر فيه إلّا القتال أو الكفر بما جاء محمّد صلّى اللّه عليه و آله (بما أنزل على محمّد خ ل) إنّه قد كان على الأمّة وال أحدث أحداثا و أوجد النّاس مقالا فقالوا ثمّ نقموا فغيّروا

اللغة

(أشار) عليّ بكذا اى أرانى ما عنده من المصلحة و (البجليّ) بالتّحريك منسوب إلى البجيلية حىّ باليمن من معدو (الاغلاق) الاكراه كما في القاموس و قيل إنّه من أغلق الباب اذا عسر فتحه و (الاناة) كالقناة اسم من التّأنى و هو الرّفق و التثبّت و (أرودوا) أمر من باب الافعال يقال أرود في السير إروادا أى سار برفق و (الحدث) بالتّحريك الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد و لا معروف في السنة، هكذا فسّره ابن الأثير على ما حكى عنه و (أوجد) هنا للصيرورة أى صيّرهم واجدين مقالا (و نقم) منه نقما من باب ضرب و علم عاقبه و نقم الأمر كرهه و أنكره.

الاعراب

اللّام في قول الرضى لجرير زايدة للتقوية و في بعض النّسخ بدون اللّام، و جملة و جرير عندهم حالية، و اغلاق خبر ان و الضّمير في انّه للشأن و الكوفيّون يسمّونه ضمير المجهول لأنّ ذلك الشّأن مجهول لكونه مقدّرا إلى أن يفسّر الضّمير.

قال نجم الأئمة الرّضيّ: و هذا الضّمير كأنّه راجع في الحقيقة إلى المسئول عنه بسوال مقدّر، تقول هو الأمير مقبل كأنه سمع ضوضاة و جلبة فاستبهم الأمر فسأل ما الشأن و القصّة فقلت هو الأمير مقبل، أى الشّأن هذا، فلما كان المعود إليه الذي تضمنه السّؤال غير ظاهر قبل اكتفى في التّفسير بخبر هذا الضّمير الذى يتعقبه بلا فصل، لأنّه معين للمسئول عنه، و مبين له، فبان لك بهذا أنّ الجملة بعد الضّمير لم يؤت بها لمجرّد التّفسير، بل هى كساير أخبار المبتدءات، لكن سمّيت تفسيرا لما قررته، و القصد بهذا الابهام ثمّ التّفسير تعظيم الأمر و تفخيم الشّأن، فعلى هذا لا بدّ أن يكون مضمون الجملة المفسّرة شيئا عظيما يعتنى به فلا يقال مثلا هو الذّباب يطير

المعنى

اعلم أنّه كان ظنّ كثير من النّاس بعد ولايته عليه السّلام أنّ معاوية لا يمكّن له و لا ينقاد لبيعته بأمارات كانت لائحة عندهم (و) لذلك (قد أشار عليه أصحابه بالاستعداد) و التّهيؤ (لحرب أهل الشّام بعد ارساله) عليه السّلام (إلى معاوية لجرير بن عبد اللّه البجلي) مع كتاب له كتبه اليه على ما يأتي ذكره، و لمّا لم يكن هذه الاشارة من الأصحاب مطابقة لرأيه الصّواب أجابهم بقوله: (إنّ استعدادي لحرب أهل الشّام و جرير عندهم إغلاق للشّام) و اكراه (و صرف لأهله عن خير إن أرادوه) و ذلك لأنّهم ما دام كون جرير عندهم في مقام الشّور و التروّى في متابعة أىّ الأميرين و إن لم يكن كلّهم فبعضهم كذلك لا محالة فاستعداده لحربهم في تلك الحال موجب لاستعدادهم لحربه و تأهّبهم للقائه و ملجئا«» لهم إلى قتاله، ففيه صرف لقلب من كان متردّدا في الأمر و مريدا للخير (و لكن قد وقتّ لجرير وقتا لا يقيم بعده الّا مخدوعا أو عاصيا) وجه الحصر أنّ تخلّفه عن الوقت الموقت له إمّا أن يكون بسبب تأخيرهم في الجواب خداعا له و أخذا في تلك المدّة بتهيّة الأسباب، و إمّا أن يكون بسبب تقصير منه في المبادرة إلى المراجعة إليه، فيكون عاصيا و لما لم يستصوب رأيهم أشار إلى وجه المصلحة و ما هو الرّأى الصّواب بقوله: (و الرّأى مع الاناة)، و ذلك لأنّ إصابة المطالب و الظفر بها إنّما يكون في الغالب بالتثبّت و التّأنّي، لأنّ اناة الطالب هى مظنّة فكره في الاهتداء إلى تلخيص الوجه الأليق و الأشمل للمصلحة في تحصيل مطلوبه، و لذلك جعل التوءدة من جنود العقل و التّسرّع و هو ضدّها من جنود الجهل.

قال بعض المحقّقين«»: التّوءدة صفة نفسانية من فروع ملكة التّوسط و الاعتدال في القوّة الغضبيّة يعني هيئة الوقار كما أنّ التّسرّع الذي هو ضدّها و هو الاشتياط من فروع الافراط فيها.

و توضيحه ما قاله بعض«» شرّاح الكافي حيث قال: التوءدة تابعة للسّكون و الحلم الذين من أنواع الاعتدال في القوّة الغضبيّة فانّ حصولها يتوقّف عليهما أمّا على السّكون فلأنّه عبارة عن نقل النّفس و عدم خفّتها في الخصومات، و أمّا على الحلم فلأنّه عبارة عن الطمأنينة الحاصلة للنّفس باعتبار ثقلها و عدم خفّتها بحيث لا يحرّكها الغضب بسرعة و سهولة، و إذا حصلت للنّفس هاتان الصّفتان أمكن لها التّأنّي و التثبّت و عدم العجلة في البطش و الضّرب و الشّتم إلى غير ذلك من أنواع المؤاخذة.

و كيف كان فلمّا أجابهم بكون صلاح الامر في الاناة عقّبه بالأمر بملازمتها بقوله (فأرودوا) فانّ الرّفق و المداراة الذين هما معنى الارواد لا زمان للتثبّت و الاناة، و لمّا كان ظاهر كلامه مفيدا لكون الصّواب في الاناة مطلقا استدرك ذلك بقوله (و لا اكره لكم الاعداد) قال الشّارح المعتزلي: و لا تناقض بينه و بين نهيه لهم سابقا عن الاستعداد، لأنّه كره منهم إظهار الاستعداد و الجهر به و لم يكره الاعداد في السرّ و على وجه الكتمان و الخفاء، و قال الشارح البحراني: إنّه عليه السّلام نبّه بذلك على أنّه ينبغي لهم أن يكونوا على يقظة من هذا الامر حتّى يكونوا حال إشارته إليهم قريبين من الاستعداد.

و قال البحراني أيضا: إنّ قوله (و لقد ضربت أنف هذا الأمر و عينه و قلّبت ظهره و بطنه) استعارة على سبيل الكناية فانّه استعار لفظ العين و الانف و الظهر و البطن التي حقايق في الحيوان، لحاله مع معاوية في أمر الخلافة و خلاف أهل الشّام له، و كنّى بالعين و الأنف عن المهمّ من هذا الأمر و خالصه، فانّ العين و الانف‏ أعزّ ما في الوجه، و كنّى بالضّرب لهما عن قصده للمهمّ على سبيل الاستعارة أيضا، و كنّى بلفظ الظهر و البطن لظاهر هذا الأمر و باطنه و وجوه الرّأى فيه و لفظ التقليب لتصفح تلك الوجوه و عرضها على العقل واحدا واحدا.

ثمّ أشار إلى ما تحصّل له بعد التّروي و التفكّر و التّقليب بقوله: (فلم أر فيه إلّا القتال أو الكفر بما جاء) به (محمّد صلّى اللّه عليه و آله) و من المعلوم أنّ الكفر في حقّه عليه السّلام محال فتعيّن القتال، و وجه انحصار الأمر فيهما أنّه كان مأمورا من اللّه و من رسوله بقتال النّاكثين و القاسطين و المارقين، فكان أمره دائرا بين المقاتلة و الجهاد امتثالا للأمر و التّرك و المنابذة كفرا و عصيانا، و ربّما يسمّى ترك بعض الواجبات بالكفر حسبما مرّ تفصيلا في شرح آخر فقرات الخطبة الاولى أعنى قوله: و من كفر فانّ اللّه غنيّ عن العالمين، فتذكّر و يدلّ على كونه مأمورا بقتال هؤلاء ما رواه في البحار من أمالي الشّيخ باسناده عن مجاهد عن ابن عبّاس قال لمّا نزلت: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: لأجاهدنّ العمالقة يعني الكفّار و المنافقين، فأتاه جبرئيل قال: أنت أو عليّ و من الكافي باسناده عن الفضيل بن عياض عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السّلام قال: قال: بعث اللّه محمّدا بخمسة أسياف ثلاثة منها شاهرة، و سيف منها مكفوف، و سيف سله إلى غيرنا ثمّ قال: و أمّا السّيف المكفوف فسيف على أهل البغى و التأويل، قال اللّه تعالى: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‏ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى‏ أَمْرِ اللَّهِ فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ منكم من يقاتل بعدى على التّأويل كما قاتلت على التّنزيل فسئل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من هو فقال: خاصف النّعل يعني أمير المؤمنين فقال: عمّار بن ياسر: قاتلت بهذه الرّاية مع النّبيّ ثلاثا، و هذه الرّابعة، و اللّه لو زحفوا حتّى بلغوا بنا السّعفات من هجر لعلمنا أنّا على الحقّ و أنّهم على الباطل و من العيون باسناد التّميمي عن الرّضا عن آبائه عليهم السلام، قال: قال عليّ عليه السّلام: أمرت بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين و من رجال النّجاشي مسندا عن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن أبي رافع، عن أبيه، عن أبي رافع قال: دخلت رسول اللّه و هو نائم أو يوحى إليه و إذا حيّة في جانب البيت فكرهت أن أقتلها فاوقظه، فاضطجعت بينه و بين الحيّة حتّى ان كان منها سوء يكون لي دونه، فاستيقظ و هو يتلو هذه الآية: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ثمّ قال: الحمد للّه الذي أكمل لعليّ منيته، و هنيئا لعليّ بتفضيل اللّه إيّاه، ثمّ التفت فرآني إلى جانبه فقال: ما أضجعك ههنايا أبا رافع فأخبرته خبر الحيّة فقال: قم إليها فاقتلها، فقتلتها، ثمّ أخذ رسول اللّه بيدى فقال يا أبا رافع كيف أنت و قوم يقاتلون عليّا هو على الحقّ و هم على الباطل يكون في حقّ اللّه جهادهم فمن لم يستطع جهادهم فبقلبه و من لم يستطع بقلبه فليس وراء ذلك شي‏ء، فقلت: ادع لي إن أدركتهم أن يعينني اللّه و يقويني على قتالهم، فقال صلّى اللّه عليه و آله: اللّهمّ إن أدركهم فقوّه و أعنه ثمّ خرج إلى النّاس فقال: يا أيّها النّاس من أحبّ أن ينظر إلى أمينى على نفسي فهذا أبو رافع أميني على نفسي.

قال عون بن عبيد اللّه بن أبي رافع: فلمّا بويع عليّ و خالفه معاوية بالشّام و سار طلحة و الزّبير إلى البصرة، قال أبو رافع هذا قول رسول اللّه سيقاتل عليّا قوم يكون حقّا في اللّه جهادهم فباع أرضه بخيبر و داره ثمّ خرج مع عليّ عليه السّلام و هو شيخ كبير له خمس و ثمانون سنة، و قال: الحمد للّه لقد أصبحت و لا أحد بمنزلتي لقد بايعت البيعتين: بيعة العقبة، و بيعة الرّضوان، و صلّيت القبلتين و هاجرت الهجر الثلاث،قلت: و ما الهجر الثّلاث قال: هاجرت مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض الحبشة، و هاجرت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة، و هذه الهجرة مع عليّ بن أبي طالب إلى الكوفة فلم يزل مع عليّ حتّى استشهد عليّ عليه السّلام فرجع أبو رافع إلى المدينة مع الحسن لا دار له بها و لا أرض فقسّم له الحسن دار عليّ بنصفين و أعطاه سنخ أرض اقطعه إيّاها فباعها عبيد اللّه بن رافع من معاوية بمأة ألف و سبعين ألفا و الأخبار في هذا المعنى من طريق الخاصّة و العامّة كثيرة، و فيما ذكرناه كفاية.

ثمّ إنّه عليه السّلام بعد الاشارة إلى مصير مآل أمره مع معاوية إلى القتال، نبّه على بطلان ما نسبه إليه معاوية و جعله عذرا لمخالفته و سببا لعصيانه له، و هو الطلب بدم عثمان و تهمته له بذلك فقال: (انّه كان على الأمة وال) و هو عثمان بن عفان (أحدث) في الدّين (احداثا) و أبدع بدعا (و أوجد النّاس مقالا) أى أبدى لهم طريقا إليه باحداثه (فقالوا) في حقّه و أكثروا القول في أحداثه (ثمّ نقموا فغيّروا) أى أنكروا و عتبوا و طعنوا عليه فغيّروه و أزالوه و ينبغي تذييل المقام بامرين:

الاول

اعلم أنّ الشّارح المعتزلي قد ذكر في شرح هذا الكلام حال أمير المؤمنين منذ قدم الكوفة بعد وقعة الجمل إلى أن سار إلى صفّين، و قد أردت أن اذكر طرفا ملخّصا ممّا رواه ممّا له ارتباط بالمقام و فيه توضيح للمرام باسقاط الزّوايد المستغني عنها حذرا من الاطناب المملّ فأقول: في الشّرح من كتاب الصّفين لنصر بن مزاحم أنّ عليّا حين قدم من البصرة إلى الكوفة بعد انقضاء أمر الجمل كاتب إلى العمّال فكتب إلى جرير بن عبد اللّه البجلي و كان عاملا لعثمان على ثغر همدان كتابا مع زجر بن قيس، فلمّا قرء جرير الكتاب قام فقال: أيّها النّاس هذا كتاب أمير المؤمنين و هو المأمون على الدّين و الدّنيا و قد كان من أمره و أمر عدوّه ما يحمد اللّه عليه، و قد بايعه النّاس الأوّلون من المهاجرين و الأنصار و التّابعين باحسان، و لو جعل هذا الأمر شورى بين المسلمين‏ كان أحقّهم بها، ألا و إنّ البقاء في الجماعة و الفناء في الفرقة، و إنّ عليّا حاملكم على الحقّ ما استقمتم، فان ملتم أقام ميلكم، فقال النّاس: سمعا و طاعة رضينا رضينا، نكتب جرير إلى عليّ جواب كتابه بالطاعة قال نصر: و أقبل جرير سايرا من ثغر همدان حتّى ورد على عليّ الكوفة، فبايعه و دخل فيما دخل فيه النّاس في طاعته و لزوم أمره، فلمّا أراد عليّ أن يبعث إلى معاوية رسولا قال له جرير: ابعثني يا أمير المؤمنين إليه فأدعوه على أن يسلّم لك الأمر و يجامعك على الحقّ على أن يكون أميرا من امرائك و أدعو أهل الشّام إلى طاعتك فجلّهم قومي و أهل بلادي، و قد رجوت أن لا يعصوني، فقال له عليه السّلام الأشتر: لا تبعثه و لا تصدّقه فو اللّه إنّي لأظنّ هواه هواهم و نيته نيّتهم، فقال له عليه السّلام: دعه حتّى ننظر ما يرجع به إلينا، فبعثه عليّ و قال له حين أراد أن يبعثه إنّ حولي من أصحاب رسول اللّه من أهل الرّأى و الدّين من قد رأيت و قد اخترتك لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ فيك من خير ذى يمن ائت معاوية بكتابي فان دخل فيما دخل فيه المسلمون و إلّا فانبذ إليه و اعلمه أنّي لا أرضى به أميرا، و إنّ العامّة لا ترضى به خليفة.

فانطلق جرير حتّى أنى الشّام و نزل بمعاوية، فلمّا دخل عليه حمد اللّه، و أثنى عليه و قال: أمّا بعد يا معاوية فانّه قد اجتمع لابن عمّك أهل الحرمين و أهل المصرين و أهل الحجاز و أهل اليمن و أهل العروض، و العروض عمان، و أهل البحرين و اليمامة فلم يبق إلّا هذه الحصون التي أنت فيها لو سال عليها سيل من أوديته غرقها و قد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك و يهديك إلى مبايعة هذا الرّجل، و دفع إليه كتاب علىّ و يأتي ذكر هذا الكتاب في باب المختار من كتبه عليه السّلام في الكتاب إنشاء اللّه فلمّا قرء الكتاب قام جرير فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال، أيّها النّاس إنّ أمر عثمان قد أعيى من شهده فما ظنكم بمن غاب عنه، و إنّ النّاس بايعوا عليّا غير واتر و لا موتور، و كان طلحة و زبير ممّن بايعه ثمّ نكثا بيعته على غير حدث ألا و إنّ هذا الدّين لا يحتمل الفتن، ألا و انّ العرب لا يحتمل السّيف، و قد كانت بالبصرة أمس ملحمة إن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للنّاس، و قد بايعت العامّة عليّا و لو ملكنا و اللّه امورنا لم نختر لها غيره و من خالف هذا استعتب فادخل يا معاوية فيما دخل فيه النّاس.

فان قلت استعملنى عثمان ثمّ لم يعزلني، فانّ هذا قول لو جاز لم يقم للّه دين و كان لكلّ امرء ما في يديه، و لكن اللّه جعل للآخر من الولاة حقّ الأوّل و جعل الامور موطاة و حقوقا ينسخ بعضها بعضا، فقال معاوية انظر و ننظر و استطلع رأى أهل الشّام، فمضت أيّام و أمر معاوية مناديا ينادي الصّلاة جامعة فلمّا اجتمع النّاس صعد المنبر و قال بعد كلام طويل: أيّها النّاس قد علمتم أنّي خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب و أمير المؤمنين عثمان بن عفّان عليكم، و إنّي لم اقم رجلا منكم على خزاية قطّ، و انّي وليّ عثمان و قد قتل مظلوما و اللّه تعالى يقول: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً و أنا احبّ أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان، فقام أهل الشّام بأجمعهم فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان، و بايعوه على ذلك و أوثقوا اللّه على أن يبذلوا بين يديه أموالهم و أنفسهم حتّى يدركوا بثاره أو يفنى اللّه أرواحهم قال نصر: فلمّا أمسى معاوية اغتمّ بما هو فيه و جنّه اللّيل و عنده أهل بيته و استحثّه جرير بالبيعة، فقال يا جرير: إنّها ليست بخلسة و إنّه أمر له ما بعده فابلغ (فابلع خ ل) ريقى و دعا ثقاته فأشار عليه أخوه بعمرو بن العاص، و قال إنّه من قد عرفت، و قد اعتزل أمر عثمان في حياته و هو لامرك أشدّ اعتزالا إلّا أن يثمن له دينه و قد ذكرنا في شرح الفصل الثّالث من فصول الخطبة السّادسة و العشرين رواية استدعائه عمرو بن العاص و ما شرط له من ولاية مصر و استقدامه شرجيل بن السّمط و دسس الرّجال عليه يغرّونه بعليّ عليه السّلام و يشهدون عنده أنّه قتل عثمان حتّى ملئوا قلبه و صدره حقدا بمالا حاجة إلى اعادته قال نصر: فخرج شرجيل فأتى حصين بن نمير فقال: ابعث فليأتنا فبعث إليه حصين ان زرنا فعندنا شرجيل فاجتمعا عند حصين، فتكلّم شرجيل فقال: يا جرير أتيتنا بأمر ملفّف لتلقينا في لهوات الأسد و أردت أن تخلط الشّام بالعراق و أطريت عليّا و هو قاتل عثمان و اللّه سائلك عمّا قلت يوم القيامة فأقبل عليه جرير و قال يا شرجيل أما قولك: إنّي جئت بأمر ملفّف فكيف يكون أمرا ملفّفا و قد اجتمع عليه المهاجرون و الأنصار و قوتل على ردّه طلحة و الزّبير، و أمّا قولك إنّى ألقيتك في لهوات الأسد ففي لهواتها القيت نفسك، و أمّا خلط الشّام بأهل العراق فخلطهما على حقّ خير من فرقتهما على باطل، و أمّا قولك: إنّ عليّا قتل عثمان فو اللّه ما في يديك من ذلك الّا الرّجم بالغيب من مكان بعيد، و لكنّك ملت الى الدّنيا و شي‏ء كان في نفسك على زمن سعد بن أبي وقاص فبلغ معاوية قول الرّجلين فبعث الى جرير و زجره و كتب جرير الى شرجيل أبياتا يعظه فيها فذعر شرجيل و فكر و قال هذا نصيحة لي في ديني لا و للّه لا اعجل في هذا الأمر لشي‏ء و كاد يحول عن نصر معاوية فلفف معاوية له الرّجال يدخلون اليه و يخرجون و يعظّمون عنده قتل عثمان، حتّى أعادوا رأيه و شحذوا عزمه، ثمّ حثّه معاوية على السّير في مداين الشّام و النّداء فيها انّ عليّا قتل عثمان و أنّه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه، فسار شرجيل فبدء بأهل حمص فأجابه النّاس كلّهم إلّا نساكا من أهل حمص، فانّهم قالوا له: بيوتنا قبورنا و مساجدنا و أنت أعلم بما ترى و جعل شرجيل يستنهض مداين الشّام حتّى استفرغها لا يأتي على قوم إلّا قبلوا ما أتاهم به.

قال نصر: فآيس جرير عند ذلك من معاوية و من عوام أهل الشّام، و كان معاوية قد أتى جريرا قبل ذلك في منزله فقال: يا جرير انّي قد رأيت رأيا، قال: هاته، قال: اكتب الى صاحبك يجعل لي الشّام و مصر جباية فاذا حضرته الوفات لم يجعل لأحد بعده في عنقي بيعة و أسلّم له هذا الأمر، و أكتب إليه بالخلافة، فقال جرير:

أكتب ما أردت و اكتب معك، فكتب معاوية بذلك الى عليّ فكتب عليّ إلى جرير أمّا بعد.

فانّما أراد معاوية أن لا يكون لي في عنقه بيعة و أن يختار من أمره ما أحبّ و أراد أن يورثيك و يبطيك حتّى يذوق أهل الشّام، و أنّ المغيرة بن شعبة قد كان أشار عليّ أن استعمل معاوية على الشّام و أنّا بالمدينة فأبيت ذلك عليه، و لم يكن اللّه ليراني أتّخذ المضلّين عضدا، فان بايعك الرّجل و إلّا فاقبل و السّلام، و فشا كتاب معاوية في النّاس و في حديث صالح بن صدقة قال: أبطأ جرير عند معاوية حتّى اتّهمه النّاس و قال عليّ عليه السّلام: قد وقت لجرير وقتا لا يقيم بعده إلّا مخدوعا أو عاصيا، و أبطأ على عليّ حتّى آيس منه و في حديث محمّد و صالح بن صدقة قال: و كتب عليّ إلى جرير: أمّا بعد فاذا أتاك كتابي فاحمل معاوية على الفصل ثمّ خيّره و خذه بالجواب بين حرب مخزية أو سلم محظية، فان اختار الحرب فانبذ إليه، و إن اختار السّلم فخذه ببيعته و السّلام و يأتي ذكر هذا الكتاب من السّيد في باب المختار من كتبه قال: فلمّا انتهى الكتاب إلى جرير أتى معاوية فاقرئه الكتاب و قال له: يا معاوية انّه لا يطبع على قلب إلّا بذنب، و لا يشرح صدر إلّا بتوبة، و لا أظنّ قلبك إلّا مطبوعا عليه أراك قد وقفت بين الحقّ و الباطل كأنّك تنتظر شيئا في يد غيرك فقال معاوية ألقاك بالفصل في أوّل مجلس انشاء اللّه، فلمّا بايع معاوية أهل الشّام و ذاقهم قال: يا جرير الحق بصاحبك و كتب اليه بالحرب و كتب في أسفل الكتاب شعر كعب بن جعيل

أرى الشّام تكره أهل العراق            و أهل العراق لهم كارهونا

و قد مرّ تمام ذلك الشّعر في شرح الكلام الثلاثين أقول و روى انّ الكتاب الذي كتبه عليه السّلام مع جرير صورته: انّي قد عزلتك ففوّض الأمر إلى جرير و السّلام‏

و قال لجرير: صن نفسك عن خداعه فان سلّم إليك الأمر و توجه إليّ فأقم أنت بالشام، و إن تعلّل بشي‏ء فارجع، فلما عرض جرير الكتاب على معاوية تعلّل بمشاورة أهل الشام و غير ذلك، فرجع جرير و كتب معاوية في اثره في ظهر كتاب عليّ عليه السّلام: من ولّاك حتى تعزلني و السلام قال نصر لمّا رجع جرير إلى عليّ كثر قول النّاس في التّهمة لجرير في أمر معاوية فاجتمع جرير و الاشتر عند عليّ فقال الاشتر: أما و اللّه يا أمير المؤمنين ان لو كنت ارسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخا من خناقه و أقام عنده حتّى لم يدع بابا يرجو فتحه إلّا فتحه، و لا بابا يخاف أمره إلّا سدّه، فقال جرير: و اللّه لكنت أتيتهم لقتلوك و خوّفه بعمر و ذوى الكلاع و حوشب، و قال: إنّهم يزعمون إنّك من قتلة عثمان، فقال الأشتر: و اللّه لو أتيتهم لم يعيني جوابها و لم يثقل عليّ محملها و لحملت معاوية على خطة اعجله فيها عن فكره، قال: فأتهم إذن، قال: الآن و قد افسدتهم و وقع بيننا الشرّ قال نصر و روى الشّعبي قال: اجتمع جرير و الاشتر عند عليّ فقال الأشتر: أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا و أخبرتك بعداوته و غشّه، و أقبل الأشتر يشتمه و يقول: يا أخا بجيله إنّ عثمان اشترى منك دينك بهمدان، و اللّه ما أنت بأهل أن تمشى فوق الأرض حيّا إنّما أتيتهم لتتّخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ثمّ رجعت إلينا من عندهم تهدّدنا بهم، أنت و اللّه منهم و لا أرى سعيك إلّا لهم، لئن أطاعني فيك أمير المؤمنين ليحبسنّك و أشباهك فى محبس لا يخرجون حتّى يستتمّ هذه الأمور و يهلك اللّه الظالمين.

قال جرير: وددت و اللّه لو كنت مكاني بعثت اذن و اللّه لا ترجع، قال: فلمّا سمع جرير مثل ذلك من قوله فارق عليّا عليه السّلام فلحق بقرقيساء، و لحق به اناس من قسر من قومه فلم يشهد صفين من قسر غير تسعة عشر رجلا، و لكن شهدها من أحمس سبعمائة رجل و خرج عليّ عليه السّلام إلى دار جرير فهدمه و هدم دور قوم ممّن خرج معه حيث فارق عليّا.

التذييل الثاني في احداث عثمان و بدعه و مطاعنه و المثالب التي طعن بها فيه

و هى كثيرة و نحن نذكر منها هنا عشرين.

الاول

أنّه ولّى امور المسلمين من لا يصلح لذلك و لا يؤتمن عليه، و من ظهر منه الفسق و الفساد، و من لا علم له مراعاتا لحرمة القرابة وعد و لا عن مراعاة حرمة الدّين و النّظر للمسلمين حتّى ظهر ذلك منه و تكرّر، و قد كان عمر حذّره من ذلك حيث وصفه بأنّه كلف بأقاربه و قال له: إذا وليت هذا الامر فلا تسلّط بني أبي معيط على رقاب النّاس، فوقع منه ما حذّره إيّاه و عوتب في ذلك فلم ينفع العتب و ذلك نحو استعماله الوليد بن عقبة و تقليده إيّاه حتّى ظهر منه شرب الخمر و استعماله سعيد بن العاص حتّى ظهرت منه الامور التي عندها أخرجه أهل الكوفة و توليته عبد اللّه بن أبي سرج، و عبد اللّه بن عامر بن كريز حتّى روى عنه في أمر ابن أبي سرج أنّه لمّا تظلّم منه أهل مصر و صرفه عنهم بمحمّد بن أبي بكر كاتبه بأن يستمرّ على ولايته فأبطن خلاف ما أظهر فعل من غرضه خلاف الدّين، و يقال إنّه كاتبه بقتل محمّد بن أبي بكر و غيره ممّن يردّ عليه، و ظفر بذلك الكتاب و لذلك عظم التظلم من بعد و كثر الجمع، و كان سبب الحصار و القتل حتّى كان من أمر مروان و تسلّطه عليه و على امور ما قتل بسببه

الثاني

أنّه ردّ الحكم بن أبي العاص طريد رسول اللّه إلى المدينة و قد امتنع أبو بكر من ردّه، فصار بذلك مخالفا للسنّة و لسيرة من تقدّمه و قد شرط عليه في عقد البيعة اتّباع سيرتهما.

الثالث

أنّه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة من بيت مال المسلمين، و قد مرّ ما يوضحه في شرح كلامه في الخطبة الشقشقيّة يخضمون مال اللّه خضم الابل نبت الرّبيع، فتذكّر.

الرابع

أنّه حمى الحمى عن المسلمين مع أنّ رسول اللّه جعلهم شرعا سواء في الماء و الكلاء روى المرتضى عن الواقدي باسناده قال: كان عثمان يحمى الرّبذه و الشرف و النقيع، فكان لا يدخل الحمى بعير له و لا فرس و لا لبنى اميّة حتّى كان آخر الزّمان فكان يحمى الشّرف لابله و كانت ألف بعير، و لابل الحكم بن أبي العاص، و الرّبذة لابل الصّدقة، و يحمى النّقيع لخيل المسلمين و خيله و خيل بني اميّة

الخامس

أنّه اعطى من بيت مال الصّدقة المقاتلة و غيرها، و ذلك ممّا لا يحلّ في الدّين لأنّ المال الذي جعل اللّه له جهة مخصوصة لا يجوز العدول به عن تلك الجهة

السادس

أنه ضرب عبد اللّه بن مسعود حتى كسر بعض أضلاعه، و قد رووا في فضله في صحاحهم أخبارا كثيرة قال المرتضى في محكيّ الشّافي: قد روى كلّ من روى السّيرة على اختلاف طرقهم أنّ ابن مسعود كان يقول: ليتني و عثمان برمل عالج يحثو عليّ و أحثو عليه حتّى يموت الأعجز منّي و منه، و كان يقول في كلّ يوم جمعة بالكوفة جاهرا معلنا إنّ أصدق القول كتاب اللّه، و أحسن الهدى هدى محمّد، و شرّ الامور محدثاتها، و كلّ محدث بدعة، و كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة في النّار، و إنّما كان يقول ذلك معرّضا بعثمان حتّى غضب الوليد بن عقبة من استمرار تعريضه و نهاه عن خطبته هذه فأبى أن ينتهى فكتب إلى عثمان فيه فكتب عثمان يستقدمه عليه و روى الواقدى و غيره أنّ ابن مسعود لمّا استقدم المدينة دخلها ليلة جمعة فلمّا علم عثمان بدخوله قال: أيّها النّاس إنّه قد طرقكم الليلة دويبة من تمش (من تمرّ على طعامه نقى و تسلخ خ ل) على طعامه يقي و يصلح، فقال ابن مسعود لست كذلك، و لكنّني صاحب رسول اللّه يوم بدر، و صاحبه يوم أحد، و صاحبه يوم بيعة الرّضوان، و صاحبه يوم الخندق، و صاحبه يوم حنين، قال: و صاحت عايشة يا عثمان أتقول هذا لصاحب رسول اللّه فقال عثمان: اسكتي، ثمّ قال لعبد اللّه بن زمعة بن الأسود أخرجه اخراجا عنيفا، فاحتمله حتّى جاء به باب المسجد فضرب به الأرض فكسر ضلعا من أضلاعه فقال: قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان

السابع

أنّه جمع النّاس على قراءة زيد بن ثابت خاصة و أحرق المصاحف و أبطل ما لا شك أنّه منزل من القرآن و أنّه مأخوذ من الرّسول، و لو كان ذلك حسنا لسبق إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد مرّ توضيح ذلك في التّنبيه الثّاني من تنبيهات الفصل من فصول الخطبة الاولى و الطعن في ذلك من وجهين احدهما أنّ جمع النّاس على قراءة زيد إبطال للقرآن المنزّل و عدول عن الرّاجح إلى المرجوح في اختيار زيد من جملة قرّاء القرآن، بل هو ردّ صريح لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نزل القرآن على سبعة أحرف كلّها كاف شاف على ما ورد في صحاح أخبارهم الثاني أنّ إحراق المصاحف الصّحيحة استخفاف بالدّين محادّة للّه ربّ العالمين

الثامن

أنّه أقدم على عمّار بن ياسر بالضّرب حتّى حدث به فتق، و لهذا صار أحد من ظاهر المتظلمين من أهل الأمصار على قتله و كان يقول قتلنا كافرا قال المرتضى في محكيّ الشّافي: ضرب عمّار ممّا لم يختلف فيه الرّواة و إن اختلفوا في سببه، فروى عبّاس بن هشام الكلبي عن أبي مخنف في اسناده أنّه كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حليّ و جوهر فأخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله و اظهر النّاس الطعن عليه في ذلك و كلّموه فيه بكلّ كلام شديد حتّى غضب فخطب و قال: لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفي‏ء و إن رغمت أنوف أقوام، فقال له عليّ اذا تمنع من ذلك و يحال بينك و بينه، فقال عمّار: اشهد و اللّه انّ أنفى أوّل راغم من ذلك، فقال عثمان أعلىّ يابن ياسر و سميّة تجترى خذوه، فأخذ و دخل عثمان فدعا به فضربه حتّى غشى عليه، ثمّ اخرج فحمل حتّى اتى به منزل امّ سلمة فلم يصلّ‏الظهر و العصر و المغرب فلمّا أفاق توضّأ و صلّى و قال الحمد للّه ليس هذا أوّل يوم أوذينا في اللّه.

فقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي و كان عمّار حليفا لبني مخزوم: يا عثمان أمّا عليّ عليه السّلام فاتّقيته، و أمّا نحن فاجرأت علينا و ضربت أخانا حتّى أشفيت به على التّلف أما و اللّه لئن مات لأقتلنّ به رجلا من بني اميّة عظيم الشأن، فقال عثمان: و إنّك ههنا يابن القسريّة قال: فانّهما قسريّتان و كانت امّ هشام وجدته قسريتين من بحيلة فشتمه عثمان و أمر به فاخرج، و اتى به امّ سلمة فاذا هى قد غضبت لعمّار و بلغ عايشة ما صنع بعمّار فغضبت أيضا و أخرجت شعرا من شعر رسول اللّه و نعلا من نعاله و ثوبا من ثيابه و قالت أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم و هذا شعره و ثوبه و نعله لم تبل و روى آخرون أنّ السّبب في ذلك أنّ عثمان مرّ بقبر جديد فسأل عنه فقيل عبد اللّه بن مسعود، فغضب على عمّار لكتمانه إيّاه موته إذ كان المتولّى للصّلاة عليه و القيام بشأنه فعندها و طى‏ء عثمان عمّارا حتّى أصابه الفتق و روى آخرون أنّ المقداد و طلحة و الزّبير و عمّار او عدّة من أصحاب رسول اللّه كتبوا كتابا عدّدوا فيه أحداث عثمان و خوّفوه ربّه و أعلموا أنّهم مواثبوه ان لم يقلع فأخذ عمّار الكتاب فأتاه به فقرأه منه صدرا، ثمّ قال له أعلىّ تقدم من بينهم، فقال إنّي أنصحهم لك، قال: كذبت يابن سميّة، فقال: أنا و اللّه ابن سميّة و ابن ياسر، فأمر عثمان غلمانا له فمدّوا بيديه و رجليه ثمّ ضربه عثمان برجليه و هى في الخفّين على مذاكيره فأصابه الفتق و كان ضعيفا كبيرا فغشي عليه و قال المحدّث المجلسي: و عندي أنّ السّبب الحامل لعثمان على ما صنع بعمّار هو أنّ عمّارا كان من المجاهرين بحبّ عليّ عليه السّلام و أنّ من غلبه على الخلافة غاصب لها فحملته عداوته لأمير المؤمنين و حبّه للرّياسة على إهانته و ضربه حتّى حدث به الفتق و كسر ضلعا من أضلاعه

التاسع

ما صنع بأبي ذر من الاهانة و الضرب و الاستخفاف مع علوّ شأنه و تقدّمه في الاسلام حتّى سيّره إلى الربذة و نفاه و يأتي تفصيل ذلك في الكتاب حيثما بلغ الكلام محلّه

العاشر

تعطيله الحدّ الواجب على عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب، فانه قتل الهرمزان بعد اسلامه بتهمة أنّه اغرى أبا لؤلؤة إلى قتل أبيه عمر، فلم يقده عثمان به و قد كان أمير المؤمنين يطلبه، و روى أنّه لمّا ولى الخلافة أراد قتله فهرب منه إلى معاوية بالشّام.

الحادي عشر

و هو اجمالي قاليّ و هو أنّه لو لم يقدم عثمان على إحداث يوجب خلعه و البراءة منه لوجب على الصّحابة أن ينكروا على من قصده من البلاد متظلّما، و قد علمنا أنّ بالمدينة كان كبار الصحابة من المهاجرين و الأنصار و لم ينكروا على القوم بل أسلموه و لم يدفعوا عنه، بل أعانوا قاتليه و لم يمنعوا من قتله و حصره و منع الماء عنه، و هذا من أقوى الدّليل على تصديق الصّحابة للمطاعن فيه و براءتهم منه، و لو لم يكن في أمره إلّا ما روى عن أمير المؤمنين من قوله: اللّه قتله و أنا معه مريدا بذلك رضائهما به لكفى هذا كلّه مضافا إلى أنّهم تركوه بعد قتله ثلاثة أيّام على المزابل لم يدفنوه و هو من أدلّ الدلايل على رضاهم بقتله و يناسب المقام حكاية ظريفة روى في كتاب الصّراط المستقيم و غيره إنّ ابن الجوزي قال يوما على منبره سلوني قبل أن تفقدوني فسألته امرأة عمّا روى أنّ عليّا سار في ليلة إلى سلمان فجهّزه و رجع، فقال: روي ذلك، قالت: فعثمان ثمّ ثلاثة أيّام منبوذا في المزابل و علىّ حاضر، قال: نعم، قالت: فقد لزم الخطاء لأحدهما، فقال: إن كنت خرجت من بيتك بغير إذن زوجك فعليك لعنة اللّه، و إلّا فعليه، فقالت: خرجت عايشة إلى حرب علىّ عليه السّلام باذن النبىّ أولا فانقطع و لم يحر جوابا

الثاني عشر

إتمامه الصّلاة بمنى مع كونه مسافرا و هو مخالف للسنّة و للسّيرة، فقد روى في البحار من كتاب جامع الاصول عن عبد الرّحمن بن يزيد قال: صلّى بنا عثمان بمنى أربع ركعات فقيل ذلك لعبد اللّه بن مسعود، فقال: صلّيت مع رسول اللّه بمنى ركعتين و مع أبى بكر ركعتين و مع عمر ركعتين

الثالث عشر

جرأته على الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مضادّته له، فقد حكى العلامة فى كتاب كشف الحقّ عن الحميدي قال: قال السدي فى تفسير قوله تعالى: وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً انّه لمّا توفّى أبو سلمة و عبد اللّه بن حذافة و تزوّج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم امرئتهما امّ سلمة و حفصة قال طلحة و عثمان: أ ينكح محمّد نسائنا إذا متنا و لا ننكح نسائه إذا مات، و اللّه لو قد مات لقد اجلنا على نسائه بالسّهام، و كان طلحة يريد عايشة و عثمان يريد امّ سلمة فأنزل اللّه تعالى: وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً و أنزل إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً و أنزل إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً

الرابع عشر

عدم اذعانه بقضاء رسول اللّه، روى العلامة أيضا في كشف الحقّ عن السّدى في تفسير قوله تعالى: وَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ‏ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ، أَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ رَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ الآيات قال السّدى: نزلت هذه في عثمان بن عفّان، قال: لمّا فتح رسول اللّه بني النّضير فغنم أموالهم فقال عثمان لعليّ: ائت رسول اللّه فاسأله أرض كذا و كذا، فان أعطاكها فأنا شريكك و آتيه أنا فأسأله إيّاها، فان أعطانيها فأنت شريكى فيها فسأله عثمان أوّلا فأعطاه إيّاها فقال له عليّ اشركنى فأبى عثمان، فقال بيني و بينك رسول اللّه فأبى أن يخاصمه إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقيل له لم لم تنطلق معه إلى النبيّ فقال: هو ابن عمّه فأخاف أن يقضى له فنزل قوله: وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إلى قوله بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فلمّا بلغ النبيّ ما انزل اللّه فيه أتى النّبيّ فأقرّ لعليّ بالحقّ

الخامس عشر

انّه زعم أنّ في المصحف لحنا، فقد حكى في البحار من كشف الحق«» عن تفسير الثّعلبي في قوله تعالى: «إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» قال قال عثمان: إنّ في المصحف لحنا فقيل له ألا تغيّره فقال: دعوه فلا يحلّل حراما و لا يحرّم حلالا قال في البحار: و رواه الرّازي أيضا في تفسيره

السادس عشر

تقديمه الخطبتين في العيدين، و كون الصّلاة مقدّمة على الخطبتين قبل عثمان ممّا تظافرت به الأخبار العاميّة و أخبار أهل البيت في ذلك أيضا بالغة حدّ الاستفاضة و قال العلامة (ره) في محكيّ المنتهى: لا نعرف في ذلك خلافا إلّا من بني أميّة، و في البحار من التّهذيب باسناده عن محمّد بن مسلم عن أحدهما قال: الصّلاة قبل‏ الخطبتين: و كان أوّل من أحدثها بعد الخطبة عثمان لمّا أحدث احداثها كان إذا فرغ من الصّلاة قام النّاس ليرجعوا فلمّا رأى ذلك قدّم الخطبتين و احتبس النّاس للصّلاة

السابع عشر

إحداثه الأذان يوم الجمعة زايدا على ما سنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو بدعة محرّمة

الثامن عشر

أنّه لم يتمكّن من الاتيان بالخطبة، فقد روى في البحار من روضة الأحباب أنّه لمّا كان أوّل جمعة من خلافته صعد المنبر فعرضه العىّ فعجز عن أداء الخطبة فتركها، و قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أيّها النّاس سيجعل اللّه بعد عسر يسرا و بعدعيّ نطقا، و إنّكم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى امام قوّال، أقول قولي و أستغفر اللّه لي و لكم فنزل قال و في رواية أنّه قال: الحمد للّه و عجز عن الكلام، و في رواية أنّه قال أوّل كلّ مركب صعب و أنّ أبا بكر و عمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا و أنتم إلى امام عادل أحوج منكم إلى امام قائل، و إن أعش فآتكم الخطبة على وجهها و يعلم اللّه إنشاء اللّه تعالى فانّ الظّاهر من الرّواية أنّ الخطبة كانت خطبة الجمعة الواجبة و أنّ عثمان لمّا حصر و عرضه العيّ ترك الخطبة و لم يأمر أحدا بالقيام بها و إقامة الصّلاة و إلّا لرووه فالأمر في ذلك ليس مقصورا على العجز و القصور، بل فيه ارتكاب المحظور فيكون أوضح في الطعن.

التاسع عشر

جهله بالأحكام، فقد روى العلامة في كشف الحقّ من صحيح مسلم أنّ امرأة دخلت على زوجها فولدت لستّة أشهر فذكر ذلك لعثمان بن عفّان فأمر بها أن ترجم فدخل عليه عليّ عليه السّلام فقال: إنّ اللّه عزّ و جل يقول: حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً و قال أيضا وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ فلم يصل رسولهم إليه إلّا بعد الفراغ من رجمها، فقتل المرأة المسلمة، عمدا لجهله بحكم اللّه و قد قال اللّه:

وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً و قال أيضا وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ…، وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ…، وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ

الطعن العشرون

قلّة اعتنائه بالشريعة، و قد قال في البحار أنّ مرويّاته في كتب الجمهور مع حرص أتباعه من بني اميّة و المتأخّرين عنهم على إظهار فضله لم يزد على مأئة و ستّة و أربعين، و قد رووا عن أبي هريرة خمسة آلاف و ثلاثمأة و أربعة و سبعين حديثا، و ذلك إمّا لغلبة الغباوة حيث لم يأخذ في طول الصّحبة إلّا نحوا ممّا ذكر أو لقلّة الاعتناء برواية كلام الرّسول و كلاهما يمنعان من استيهال الخلافة و الامامة

و اعلم أنّ الشّارح المعتزلي بعد ما أورد المطاعن العشرة الاول مع الطعن الحادى عشر في الشّرح و ما أجاب به قاضى القضاة عن تلك المطاعن في المغني و ما أورده السيّد في الشّافي على تلك الأجوبة أجاب عنها جميعا بوجه إجمالىّ و هو انّا لا ننكر أنّ عثمان أحدث أحداثا أنكرها كثير من المسلمين، و لكنّا ندّعى مع ذلك أنّها لم تبلغ درجة الفسق و لا احبطت ثوابه و أنّها من الصغائر التي وقعت مكفّرة، و ذلك لأنّا قد علمنا أنّه مغفور له و أنّه من أهل الجنّة لثلاثة أوجه: أحدها أنّه من أهل بدر و قد قال رسول اللّه إنّ اللّه اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم لا يقال: إنّ عثمان لم يشهد بدرا لانا نقول: صدقتم إنّه لم يشهدها و لكنّه تخلّف على رقية ابنة رسول اللّه بالمدينة لمرضها و ضرب له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بسهمه و أجره باتّفاق ساير الناس و ثانيها أنه من أهل بيعة الرّضوان الذين قال اللّه تعالى فيهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ

لا يقال: إنّه لم يشهد البيعة تحت الشّجرة لانا نقول: صدقتم إنّه لم يشهدها و لكنّه كان رسول اللّه أرسله إلى أهل مكّة و لأجله كانت بيعة الرّضوان حيث ارجف بأنّ قريشا قتلت عثمان، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و إن كانوا قتلوه لأضر منّها عليهم نارا ثمّ جلس تحت الشّجرة و بايع النّاس على الموت ثمّ قال: إن كان عثمان حيّا فأنا بايع عنه فصفح بشماله على يمينه و قال: شمالي خير من يمين عثمان، روى ذلك جميع أرباب أهل السّيرة متّفقا عليه و ثالثها انّه من جملة العشرة الذين تظاهرت الأخبار بأنّهم من أهل الجنّة و إذا كانت هذه الوجوه الثلاثة دالّة على أنّه مغفور له و أنّ اللّه قد رضى عنه و أنّه من أهل الجنّة بطل أن يكون فاسقا، لأنّ الفاسق عندنا يخرج من الايمان و ينحطّ ثوابه و يحكم له بالنّار و لا يغفر له و لا يرضى عنه و لا يرى الجنّة و لا يدخلها، فاقتضت هذه الوجوه الصّحيحة الثّابتة أن يحكم بأنّ كلّ ما وقع منه فهو من باب الصغائر المكفّرة توفيقا بين هذه الوجوه و بين روايات الأحداث المذكورة انتهى و يورد عليه انّ المستند في جميع تلك الوجوه ليس إلّا ما تفرّد المخالفون بروايته و لا يصحّ التمسّك به في مقام الاحتجاج كما مرّ مرارا، و الأصل في أكثرها ما رواه البخاري عن عثمان عبد اللّه قال: قال رجل من أهل مصر لعبد اللّه بن عمر: أنا سائلك عن شي‏ء فحدّثنى هل تعلم أنّ عثمان فرّيوم أحد قال: نعم، فقال: تعلم أنّه تغيب عن بدر و لم يشهد قال: نعم قال: تعلم أنّه تغيب عن بيعة الرّضوان فلم يشهدها قال: نعم، قال: اللّه أكبر، قال ابن عمر: تعال ابيّن لك، أمّا فراره يوم أحد فاشهد أنّ اللّه عفا عنه و غفر له، و أمّا تغيّبه عن بدر فانّه كانت تحته بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و كانت مريضة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ لك أجر رجل ممن شهد بدرا و سهمه، و أما تغيّبه عن بيعة الرّضوان فلو كان أحد أعزّ ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عثمان و كانت بيعة الرّضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال رسول اللّه بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان، ثمّ قال ابن عمر اذهب بها الآن معك و ابن عمر هو الذي قعد عن نصرة أمير المؤمنين و بايع رجل الحجّاج و لا عبرة بقوله و لا روايته مع قطع النّظر عن ساير رواة الخبر، و حديث العشرة المبشّرة أيضا ممّا تفرّدوا بروايته، و قد روى أصحابنا تكذيب أمير المؤمنين لهذه الرّواية.

و هو ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن سليم بن قيس الهلالي قال: لمّا التقى أمير المؤمنين أهل البصرة يوم الجمل نادى الزّبير يا أبا عبد اللّه اخرج إلىّ، فخرج الزّبير و معه طلحة، قال: و اللّه إنّكما لتعلمان و أولو العلم من آل محمّد و عايشة بنت أبي بكر أنّ كلّ أصحاب الجمل ملعونون على لسان محمّد و قد خاب من افترى، قال الزّبير: كيف نكون ملعونين و نحن أهل الجنّة فقال عليّ عليه السّلام: لو علمت أنّكم من أهل الجنّة لما استحللت قتالكم.

فقال له الزّبير أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل، و هو يروى أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: عشرة من قريش في الجنّة قال عليّ عليه السّلام: سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته، فقال له الزّبير: أ فتراه يكذب على رسول اللّه فقال عليّ عليه السّلام لست اخبرك بشي‏ء حتّى تسمّيهم، قال الزبير: أبو بكر، و عمر، و عثمان، و طلحة، و الزبير، و عبد الرّحمن بن عوف، و سعد بن أبي وقاص، و أبو عبيدة بن الجرّاح، و سعيد بن عمرو ابن نفيل، فقال له عليّ عليه السّلام عددت تسعة فمن العاشر قال له: أنت قال له عليّ عليه السّلام: أمّا أنت فقد أقررت أنّي من أهل الجنّة، و أمّا ما ادّعيت لنفسك و أصحابك فأنا به من الجاحدين الكافرين، قال الزّبير: أ فتراه كذب على رسول اللّه قال: ما أراه كذب و لكنّه و اللّه اليقين، فقال عليّ عليه السّلام: و اللّه إنّ بعض ما سمّيته لفى تابوت في شعب في جبّ في أسفل درك من جهنّم، على ذلك الجبّ صخرة إذا أراد اللّه أن يسعر جهنّم رفع تلك الصّخرة، سمعت ذلك من رسول اللّه و إلّا أظفرك اللّه بي و سفك دمي على يديك و إلّا أظفرني اللّه عليك و على أصحابك و عجّل أرواحكم إلى النّار. فرجع الزّبير إلى أصحابه و هو يبكي و يؤيّد ضعفه أيضا أنّه ليس بمرويّ في صحاحهم إلّا عن رجلين عدّا انفسهما، و هما سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، و عبد الرحمن بن عوف و التّهمة في روايتهما لتزكيتهما أنفسهما واضحة و يؤكّده أيضا ما ذكره السيّد (ره) في الشّافي من أنّه تعالى لا يجوز ان يعلم مكلفا يجوز أن يقع منه القبيح و الحسن و ليس بمعصوم من الذّنوب بأنّ عاقبته الجنة لأنّ ذلك يغريه بالقبيح و لا خلاف في أنّ أكثر العشرة لم يكونوا معصومين من الذّنوب و قد أوقع بعضهم بالاتفاق كباير و ان ادّعى المخالفون أنّهم تابوا منها قال و ما يبيّن بطلان هذا الخبر أنّ أبا بكر لم يحتجّ به لنفسه و لا احتجّ به له في مواقع وقع فيه الاحتياج إلى الاحتجاج، كالسقيفة و غيرها، و كذلك عمر و عثمان لمّا حوصر و طولب بخلع نفسه و همّوا بقتله، و قد رأينا احتجّ بأشياء يجرى مجرى الفضايل و المناقب، و ذكر القطع له بالجنة أولى و أحرى بأن يعتمد عليه في الاحتجاج و في عدول الجماعة عن ذكره دلالة واضحة على بطلانه

تبصرة

روى الشّارح المعتزلي في تضاعيف شرح هذا المقام عن إبراهيم بن و يزيل، قال: حدّثنا زكريّا بن يحيى، قال: حدّثنا عليّ بن القاسم، عن سعيد بن طارق، عن عثمان بن القاسم، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ألا أدلكم على ما إن تسالمتم عليه لم تهلكوا، إنّ وليّكم اللّه و إمامكم عليّ بن أبي طالب فناصحوه و صدّقوه، فان جبرئيل أخبرنى بذلك ثمّ قال الشّارح: فان قلت: هذا نصّ صريح في الامامة فما تصنع المعتزلة قلت: يجوز أن يريد أنّه إمامهم في الفتاوى و الأحكام الشّرعية لا في الخلافة، و أيضا فانّا قد شرحنا من قول شيوخنا البغداديّين ما محصوله أنّ الامامة كانت لعليّ ان رغب فيها و نازع عليها، و إن أقرّها في غيره و سكت عنها تولينا ذلك الغير، و قلنا بصحّة خلافته، و أمير المؤمنين لم ينازع الأئمّة الثلاثة و لا جرّد السّيف و لا استنجد بالنّاس عليهم، فدلّ ذلك على اقراره لهم على ما كانوا فيه، فلذلك توليناهم و قلنا فيهم بالطهارة و الخير و الصّلاح، و لو حاربهم و جرّد السّيف عليهم و استصرخ العرب على حربهم، قلنا فيهم ما قلناه فيمن عامله هذه المعاملة من التّفسيق و التّضليل انتهى أقول: بعد الاعتراف بكون الرّواية نصّا صريحا في الامامة كما هى كذلك‏ في الواقع أيضا كيف يجوز تأويله، إذ التأويل إنّما يأتي في المتشابهات و المحتملات لا في النّصوصات، و على فرض التنزيل أقول: لا أقلّ من كونها ظاهرة في الامامة المطلقة و لا دليل و لا داعي إلى رفع اليد عن الظهور و حملها على الامامة في الفتاوى و الأحكام مع تنافي المعطوف عليه أعني قوله: وليّكم، لذلك الحمل أيضا، لأنّ المتبادر منه هو الاولى بالتّصرف حسبما ذكرناه في مقدّمات الخطبة الشّقشقيّة، مضافا إلى عدم تعارف استعمال لفظ الامامة في مقام الفتوى و القضا كما لا يخفى و أمّا ما ذكره من قول شيوخه البغداديّين فهو محصّل ما حكيناه عنه في مقدّمات الخطبة الشقشقية و في شرح الكلام السابع و الثلاثين في أوّل التنبيهين، و نبّهنا هناك على فساده بما لا مزيد عليه و دللنا على أنه عليه السّلام طلب الخلافة و رغب فيها و استنجد في الناس و استصرخ العرب على الحرب و حمل امرأته و ابناه معه، فلم يدع أحدا من المهاجرين و الأنصار إلّا استنجد بهم و استنصر منهم، فلم يجبه إلّا ثلاثة أو أربعة و لما لم يجد أعوانا كفّ و سكت تقيّة و حقنا لدمه، فليس في عدم تجريد السيف و النزاع دليلا على التقرير و الرّضاء كما علمت تفصيلا فتذكّر

الترجمة

از جمله كلام بلاغت نظام آن امام عالى مقام است در وقتي كه اشاره كردند بر او أصحاب او بمهيا شدن از براى حرب اهل شام بعد از فرستادن آن حضرت جرير بن عبد اللّه بجلى را بسوى معاويه ملعون مى‏فرمايد: بدرستى كه مهيا شدن من از براى محاربه اهل شام و حال آنكه جرير نزد ايشان است اكراه كردن است يا در بستن شام را و باز گردانيدنست اهل آن را از قبول طاعت اگر اراده طاعت داشته باشند، و لكن من تعيين كرده‏ام از براى جرير وقتى را كه نمى‏ايستد بعد از آن وقت مگر فريفته شده يا عصيان ورزيده، و فكر صايب با تأني و آهستگى است، پس بنرمى كار كنيد، و مكروه نمى‏شمارم از براى شما مهيا ساختن اسباب حرب را بجهه حزم و احتياط و بتحقيق كه زدم بينى اين كار را و چشم او را و گردانيدم پشت و شكم او را، پس نديدم از براى خود در آن كار مگر محاربه نمودن يا كافر شدن به آن چيزى كه پيغمبر خدا آنرا آورده است، بدرستى كه بود بر امّة حضرت رسالت حاكمى كه پديد آورد كارهاى بى‏موقع و نا مناسب را، و موجود ساخت از براى مردمان محلّ گفتگو را، پس گفتند در حق او آنچه گفتنى بود، بعد از آن انكار كردند و عتاب نمودند، پس تغيير دادند و بقتل آوردند او را.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=