google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
خطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی20-40 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 26 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 26 صبحی صالح

26- و من خطبة له ( عليه ‏السلام  ) و فيها يصف العرب قبل البعثة ثم يصف حاله قبل البيعة له‏

العرب قبل البعثة

إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً ( صلى‏ الله ‏عليه ‏وآله‏ وسلم  )نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ

وَ أَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ

وَ أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ وَ فِي شَرِّ دَارٍ

مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ

وَ حَيَّاتٍ صُمٍّ

تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ

وَ تَأْكُلُونَ الْجَشِبَ

وَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ

وَ تَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ

الْأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ

وَ الْآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ

و منها صفته قبل البيعة له‏

فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلَّا أَهْلُ بَيْتِي

فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ

وَ أَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى

وَ شَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا

وَ صَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الْكَظَمِ

وَ عَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَمِ

و منهاوَ لَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً

فَلَا ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِ

وَ خَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ

فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا

وَ أَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا

فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا

وَ عَلَا سَنَاهَا

وَ اسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ

فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج3  

و من خطبة له عليه السّلام و هى السادسة و العشرون من المختار في باب الخطب

و هى ملتقطة من خطبة طويلة خطب بها قبل مسيره إلى النّهروان حسبما تطلع عليه و شرحها في ضمن فصول ثلاثة

الفصل الاول

إنّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نذيرا للعالمين، و أمينا على التّنزيل، و أنتم معشر العرب على شرّ دين و في شرّ دار، منيخون بين حجارة خشن و حيّات صمّ، تشربون الكدر، و تأكلون الجشب، و تسفكون دمائكم، و تقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة، و الآثام بكم معصوبة.

اللغة

(أناخ) النّاقة أبركها و (الصّم) بالضّم إمّا جمع صمّاء و هى الأرض الغليظة أو جمع أصمّ و هى الحيّة التي لا تقبل الرّقى، و الرّجل الأصم لا يطمع فيه، و لا يردّ عن هواه، و أصمّه اللّه فهو أصمّ أى به انسداد السّمع و ثقل الاذن و (كدر) كدرا و تكدّر نقيض صفا فهو كدر و كدر كفخذ و فخذ بكسر العين و سكونهاو (جشب) الطعام فهو جشب و جشب أى غليظ أو بلا ادم و (المعصوبة) المشدودة

الاعراب

و أنتم معشر العرب اه جملة حالية، منيخون خبر بعد خبر، و حيّات صمّ ان كان الصّم جمع صمّاه فالحيّات مضافة إليها و إن كان جمع أصمّ فهي صفة لها، و جملة تشربون و تاليها حالية أيضا.

المعنى

اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبة وارد في بيان حال العرب في أيّام الجاهليّة و ما كانوا عليه يومئذ من الضّنك و الضّيق، و من سوء الحال في أمر المعاش و المعاد و تذكرة بما منّ اللّه سبحانه به عليهم من بعث الرّسول فيهم و تبديله سبحانه بوجوده الشّريف سوء حالهم بحسن الحال في الدنيا و الآخرة حيث جعلوا ذا رفاهيّة و سعة و نعمة، و فتحوا البلاد و غنموا الأموال و كسروا الجيوش و فاقوا الملوك و كان لهم الذكر الباقي و الشّرف الثّابت و اهتدوا إلى دين الاسلام الذي هو طريق دار السلام فاكتسبوا السّعادة الباقية و فازوا المقامات العالية.

إذا عرفت ذلك فلنعد إلى شرح كلامه عليه السّلام فأقول: قوله: (انّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نذيرا للعالمين) خصّ النّذارة بالذّكر و اختارها على البشارة إذا لمقصود في هذا المقام التّوبيخ للعرب و ترقيق قلوبهم المشتملة على الغلظة و الفظاظة، و لا ريب أنّ الانذار أقوى في التّرقيق و الرّدع، و ذلك لأنّ عامّة الخلق إلّا قليلا منهم أنظارهم مقصورة على زخارف الدّنيا و شهواتها غافلون عن نعم الآخرة و لذّاتها، فلا يرغبون عن النّعم الحاضرة بما يبشّرون بها من النّعم الغايبة، و لا يقابلون اللّذايذ الموجودة بلذايذ الموعودة، لكون هذه عندهم نقدا و تلك نسيئة و كان السّبب الأقوى في الرّدع و الالتفاف إلى اللّه إنّما هو الانذار و التّخويف فاختار كونه نذيرا على كونه بشيرا (و) اردفه بكونه (أمينا على التّنزيل) غير خائن و لا مقصّر في تبليغ آياته و لا مبدّل لكلماته (و أنتم معشر العرب على شرّ دين) حيث عبدتم الأصنام و الأوثان‏ و اتّخذتم للّه الأنداد و الشّركاء (و في شرّ دار) أراد بها تهامة أو نجد أو البوادي التي كانوا يسكنونها، ثمّ فتح اللّه عليهم البلاد.

و وصفها بالشّرّ من حيث فساد أمر معاشهم فيها كما فسّره بقوله: (منيخون) أي مقيمون (بين حجارة خشن) صلب لا نداوة فيها و لا نبات (و حيّات صمّ) لأنّ أرض العرب على غلظتها و خشونتها ذات حيّات كثيرة، و على التّركيب الوصفي فالمراد بها الحيّات التي لا تقبل العوذة و لا تنزجر بالصّوت لشدّة قوّتها.

قال البحراني: و وصفها بالصمّ لأنّ حيّات تلك الأرض على غاية من القوّة و حدّة السّموم لاستيلاء الحرارة و اليبس عليها.

و قال الشّارح المعتزلي: و يجوز أن يعنى به المجاز و هو الأحسن يقال للاعداء حيّات، و الحيّة الصّماء أدهى من التي ليست بصمّاء لأنّها لا تنزجر بالصّوت و يقال للعدوّ أيضا إنّه لحجر خشن المسّ إذا كان ألدّ الخصام (تشربون الكدر) لأنّ غالب مياه العرب هو الغدران و الآبار أمّا الغدران فأصلها ماء المطر ينزل على الأودية السّبخة و القفار الملحة فيسيل حتّى يقع في تلك الغدران فيكون مرّا ملحا اجاجا ثمّ يتكدّر و يتعفّن من طول الزّمان و وقوع الشّمس عليها و تأثّره بها و أمّا الآبار فمضافا إلى وقوع ماء المطر الموصوف فيها ربّما تنزل العشاير حولها و ينيخون أباعرهم هنالك فيثور الرّياح البار «أبوال ظ» الأباعر و أرواثها و ساير كثافات القوم بعد ارتحالهم من ذلك المكان حتّى تقع على تلك الآبار فيكون مياهها كثيفا كدرا.

و ربما امسكنا عن شرب الماء و صبرنا على العطش يوما أو يومين في مسافرتنا إلى مكّة زادها اللّه شرفا لما شاهدناه من كثافة تلك المياه بما يتنفّر عنه الطبع مع كون سفرنا في أيّام الشّتاء و ربّما كنّا نشرب عوض الماء السّكنجبين و ساير الأشربة التي كانت معنا (و تأكلون الجشب) فانّك تجد عامّتهم يأكل ما ذبّ من حيوان، و بعضهم يخلط الشّعير بنوى التّمر و يطحنها و يتّخذ منها خبزا

قيل: كانت العرب لم تعرف طيّبات الأطعمة إنّما كان طعامهم اللحم يطبخ بالماء و الملح حتّى أدرك معاوية فاتّخذ ألوان الأطعمة قال أبو بردة: كانوا يقولون: من أكل الخبز سمن، فلمّا فتحنا خيبرا جهضناهم عن خبزهم فقعدت عليه آكل و أنظر في اعطافي هل سمنت.

و قال خالد بن عمير العددي: شهدت فتح الاملة فاصبنا سفينة مملوّة جوزا فقال رجل، ما هذه الحجارة ثمّ كسر واحدة فقال: طعام طيّب و قال بعضهم: أصابوا جربا من الكافور فخالوها الملح فذاقوه فقالوا لا ملوحة لهذا الملح ففطن ناس من أهل الخبرة فجعلوا يعطونهم جرابا من ملح و يأخذون جرابا من الكافور و قدم إلى أعرابيّ خبز عليه لحم فأكل اللحم و ترك الخبز و قال: خذ الطبق و كان بنو أسد يأكلون الكلاب و لذلك قال الفرزدق:

 إذا اسديّ جاع يوما ببلدة            و كان سمينا كلبه فهو آكله‏

 و قال بعضهم نزلت برجل فأضافني فأتى بحيّة مشوية شوّاها فأطعمنيها ثمّ أتى بماء منتن فسقانيه فلمّا أردت الارتحال قال: ألا قمت لطعام طيّب و ماء نمير و كان أحدهم يتناول الشّعر المحلوق فيجعله في جفنة من الدّقيق ثمّ يأكله مع ما فيه من القمل قال شاعرهم:

 بني أسد جاءت بكم قملية            بها باطن من داء سوء و ظاهره‏

و من طعامهم الفظ و هو ماء الكرش و قيل لأعرابي: ما تأكلون فقال: نأكل ما دبّ و درج إلا أمّ جبين فقال: لتهنّ ام جبين العافية و قال أبو نواس:

و لا تأخذ عن الاعراب طعما            و لا عيشا فعيشهم جديب‏

 و كان روبة يأكل الفار فقيل: لم لا تستقذره فقال: هو و اللّه لا يأكل إلّا فاخرات متاعنا.

و بنو تميم يعيّرون بأكل الضب قال أبو نواس في هجوهم.

إذا ما تميمي أتاك مفاخرا            فقل عدّ عن ذا كيف أكلك للضبّ‏

قال الاصمعي دنوت من بعض الأخبية في البادية فسقيت لبنا في إناء فلمّا شربته قلت هل كان هذا إلّا إناء «الاناء» نظيفا فقيل: نعم نأكل منه في النّهار و نبول فيه باللّيالي فاذا أصبحنا سقينا فيه الكلب فلحسه و نقاه، فقلت: لعنك اللّه و لعن هذه النظافة (و تسفكون دمائكم و تقطعون أرحامكم) فانّ القتل و الغارة كان شعار العرب في أيّام الجاهليّة حتّى أنّ الوالد ربّما كان يقتل ولده و بالعكس قال سبحانه: «و إذا الموؤدة سئلت بأيّ ذنب قتلت» قال ابن عبّاس المرأة إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة و قعدت على رأسها فان ولدت بنتا رمت بها في الحفرة و إن ولدت غلاما حبسته (الأصنام فيكم منصوبة و الآثام بكم معصوبة) استعار لفظ العصب للزوم الآثام لهم في تلك الحال

الترجمة

از جمله خطب آن حضرت است در بيان حال عرب در أيّام جاهليت مى‏ فرمايد بدرستى كه خداوند سبحانه و تعالى مبعوث فرمود محمّد بن عبد اللّه را در حالتى كه ترساننده بود عالميان را از بدى افعال ايشان، و امين بود بر آنچه نازل مى ‏شد بر او مى ‏رسانيد آن را بدون زياده و نقصان و حال آنكه شما جماعت عرب بر بدترين دين بوديد و در بدترين خانها مقيم بوديد، در ميان سنگهاى درشت و مارهاى با شدت و صلابت در حالتى كه مى ‏آشاميديد آبهاى ناصاف را و مى‏ خورديد طعام غليظ و بي ادام را و مى‏ ريختيد خونهاى يكديگر را و قطع مى ‏كرديد خويشان خودتان را، بتان در ميان شما نصب كرده شده بودند و گناهان بر شما بسته گرديده.

الفصل الثاني منها

فنظرت فإذا ليس لي معين إلّا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، و أغضيت على القذى، و شربت على الشّجى، و صبرت على أخذ الكظم، و على أمّر من طعم العلقم.

اللغة

(ضننت) بكسر النّون و يروى بالفتح أيضا من الضّنة و هو البخل و (اغضيت) على كذا اطبقت عليه جفنى و (القذى) ما يقع في العين من تبن و نحوه يوجب اذيتها و (الشّجى) ما اعترض في الحلق من نشب و عظم و قد مرّ هذان اللفظان في الخطبة الشّقشقيّة و (أخذ بكظمه) محرّكة و هو مجرى نفسه و (العلقم) شجر بالغ المرارة و يقال في العرب على كلّ مرّ.

الاعراب

كلمة إذا في قوله: فاذا ليس لي معين، للظرف، و التّنوين عوض عن الجملة المضاف إليها اى فنظرت فاذ غصبوني حقّى ليس لي معين، و كلمة على في الموارد الأربعة إمّا للاستعلاء المجازي أو بمعنى مع على حدّ قوله: «وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى‏ ظُلْمِهِمْ» و أمرّ صفة لموصوف محذوف.

المعنى

اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه حكاية لحاله الذي كان هو عليه بعد ارتحال الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما جرى عليه من الظلم و الجور في اغتصاب الحقّ الذي كان له عليه السّلام فكأنّه يقول: إنّهم بعد غصبهم للخلافة تفكّرت في أمر المقاومة و الدّفاع عن هذا الأمر الذي كنت أولى به (فنظرت فاذا ليس لي معين) يعينني (إلّا أهل بيتي) و هم كانوا قليلين غير مقاومين للمخالفين (فضننت بهم عن الموت) لعلمي بأنّهم لو قاتلوا لقتلوا (و) لمّا علمت عدم حصول المقصود بهؤلاء النّفر (أغضيت) و أطبقت جفوني (على القذى و شربت على الشجى) و كنّى الاغضاء و الشّرب على القذى و الشّجى عن تحمله على الامور التي يصعب التّحمل عليها لصعوبتها و شدّتها و ألمها و أذيّتها كما يشهد به قوله: (و صبرت على أخذ الكظم و على) امور (امرّ من طعم العلقم) لشدّة مرارتها من حيث إنّ فيها الألم النّفساني و في العلقم الألم البدني‏

و اعلم أنّ هذا الكلام منه صريح في اغتصاب الخلافة و نصّ على أنّ تركه مطالبتها لم يكن من رغبة و اختيار، و إنّما كان جبرا و اضطرارا، و قد اشرنا إلى ذلك في مقدّمات الخطبة الشّقشقيّة و ذكر ناثمّة أخبار السّقيفة الدّالة على انتحال الخلافة من طرق الخاصّة، و المقصود الآن ذكر بعض الأخبار العاميّة الصّريحة في ذلك ممّا رواها الشّارح المعتزلي عن رواتهم، لأنّه أثبت حجّة و أقوى استنادا فأقول: قال الشّارح: اختلفت الرّوايات في قصّة السّقيفة فالذي تقول الشّيعة و قد قال قوم من المحدّثين بعضه ورود كثير منه أنّ عليّا عليه السّلام امتنع من البيعة حتّى اخرج كرها، و أنّ الزّبير بن العوام امتنع من البيعة و قال: لا ابايع إلّا عليّا، و كذلك أبو سفيان بن حرب و خالد بن سعيد بن العاص بن اميّة بن عبد شمس و عباس بن عبد المطلب و بنوه و أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب و جميع بني هاشم و قالوا: إنّ الزّبير شهر سيفه فلمّا جاء عمر و معه جماعة من الانصار و غيرهم قال فى جملة ما قال: خذوا سيف هذا فاضربوا به الحجر و يقال: إنّه اخذ السّيف من يد الزّبير فضرب به حجرا فكسره و ساقهم كلّهم بين يديه إلى أبي بكر فحملهم على بيعته و لم يتخلف إلّا عليّ وحده فإنّه اعتصم ببيت فاطمة فتحاموا إخراجه منه قسرا و قامت فاطمة عليها السلام إلى باب البيت فاسمعت من جاء يطلبه فتفرّقوا و علموا أنّه بمفرده لا يضرّ شيئا فتركوه و قيل: إنّهم أخرجوه فيمن اخرج و حمل إلى أبي بكر فبايعه، و قد روى أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري كثيرا من هذا فأمّا حديث التّحريق و ما جرى مجراه من الامور الفظيعة و قول من قال: إنّهم اخذوا عليّا يقاد بعمامته و النّاس حوله فأمر بعيد، و الشّيعة منفرد به على أنّ جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه و سنذكر ذلك.

و قال أبو جعفر إنّ الأنصار لمّا فاتها ما فاتها ما طلبت من الخلافة قالت أو قال بعضهالا نبايع إلّا عليّا، و ذكر نحو هذا عليّ بن عبد الكريم المعروف بابن الاثير الموصلي في تاريخه.

فامّا قوله: لم يكن لي معين إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت، فقول ما زال عليه السّلام يقوله: و لقد قاله عقيب وفات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لو وجدت أربعين ذوي عزم ذكر ذلك نصر بن مزاحم في كتاب صفّين و ذكره كثير من أرباب السّيرة.

و أمّا الذي يقوله جمهور المحدّثين و أعيانهم فانّه امتنع من البيعة ستّة اشهر و لزم بيته فلم يبايع حتّى ماتت فاطمة فلمّا ماتت بايع طوعا و في صحيحي مسلم و بخاري كانت وجوه النّاس إليه و فاطمة عليها السلام لما تمت «ماتت ظ» بعد فلمّا ماتت فاطمة عليها السلام انصرفت وجوه الناس عنه و خرج من بيته فبايع أبا بكر و كانت مدّة بقائها بعد أبيها عليه الصّلاة و السّلام ستّة أشهر قال: و روى أحمد بن عبد العزيز قال: لمّا بويع لأبي بكر كان الزّبير و المقداد يختلفان في جماعة من النّاس إلى عليّ عليه السّلام و هو في بيت فاطمة فيتشاورون و يتراجعون امورهم فخرج عمر حتّى دخل على فاطمة عليها السّلام و قال: يا بنت رسول اللّه ما من أحد من الخلق أحبّ إلينا من أبيك، و ما من أحد أحبّ إلينا منك بعد أبيك، و أيم اللّه ما ذاك بما نعي ان اجتمع هؤلاء النّفر عندك ان امر بتحريق البيت عليهم فلمّا خرج عمر جاؤها فقالت تعلمون أنّ عمر جائني و حلف لي باللّه إن عدتم ليحرقن عليكم البيت و أيم اللّه ليمضين لما حلف له فانصرفوا عنّا راشدين فلم يرجعوا إلى بيتها و ذهبوا و بايعوا لأبي بكر قال: و من كتاب معاوية المشهور إلى عليّ عليه السّلام: و عهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلا على حمار و يداك في يدي ابنيك الحسن و الحسين يوم بويع أبو بكر فلم تدع أحدا من أهل بدر و السّوابق إلّا دعوتهم إلى نفسك و مشيت إليهم بامرئتك و أوليت إليهم بابنيك و استنصرتهم على صاحب رسول اللّه فلم يجبك منهم إلّا أربعة أو خمسة، و لعمري لو كنت محقّا لأجابوك، و لكنّك ادّعيت باطلا و قلت ما لا يعرف و رمت ما لا يدرك، و مهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لمّا حرّ كك‏و هيّجك: لو وجدت أربعين ذوي عزم لنا هضت القوم فما يوم المسلمين منك بواحد و روى أيضا من كتاب أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن حباب بن يزيد عن جرير بن المغيرة أن سلمان و الزّبير و الأنصار كان هواهم أن يبايعوا عليّا بعد النّبيّ فلمّا بويع أبو بكر قال سلمان: أصبتم الحيرة و أخطأتم المعدن.

و عن حبيب بن أبي ثابت قال: قال سلمان يومئذ: أصبتم ذا ألسن منكم و خالفتم أهل بيت نبيّكم لو جعلوها فيهم ما اختلف عليكم اثنان و لأكلتموها رغدا و روى أيضا عن غسان بن عبد الحميد قال: لمّا اكثر في تخلّف عليّ عليه السّلام عن بيعة أبي بكر و اشتدّ عمر و أبو بكر عليه في ذلك خرجت أمّ مسطح بن اثاثة فوقفت عند القبر و قالت:

كانت امور و انباء و انبثة «هنبثة»
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب‏

إنّا فقدناك فقد الارض و ابلها
و اختلّ قومك فاشهدهم و لا تغب‏

و من كتاب الجوهري أيضا عن أبي الاسود قال: غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة و غضب عليّ و الزّبير فدخلا بيت فاطمة معهما السّلاح فجاء عمر في عصابة منهم اسيد بن حصين و سلمة بن سلامة بن وقش و هما من بني عبد الأشهل فصاحت فاطمة و ناشدتهم فأخذوا سيفي عليّ و الزّبير فضربوا بهما الجدار حتّى كسروهما ثمّ أخرجهما عمر يسوقهما حتّى بايعا ثمّ قام أبو بكر فخطب النّاس و اعتذر إليهم و قال: إنّ بيعتى كانت فلتة وقى اللّه شرّها و خشيت الفتنة و أيم اللّه ما حرصت يوما قط و لقد قلدت أمرا عظيما ما لى به طاقة و لا يدان و لوددت انّ اقوى النّاس عليه مكاني، و جعل يعتذر إليهم فقبل المهاجرون عذره، إلى آخر ما رواه.

و قد روى باسناد آخر ذكره أنّ ثابت بن قيس بن شماس كان مع الجماعة الذين حضروا مع عمر في بيت فاطمة عليها السّلام، و ثابت هذا أخو بني الحرث ابن الخزرج.

و روى أيضا أنّ محمّد بن مسلمة كان معهم و أنّ محمّدا هو الذي كسر سيف الزّبير و عن سلمة بن عبد الرّحمن قال: لمّا جلس أبو بكر على المنبر كان عليّ و الزّبيرو ناس من بني هاشم في بيت فاطمة، فجاء عمر إليهم فقال: و الذي نفسي بيده لتخرجنّ إلى البيت أو لتحرقنّ البيت عليكم، فخرج الزّبير مصلتا سيفه فاعتنقه رجل من الأنصار و زياد بن لبيد فدقّ به فبدو (فبدر) السّيف فصاح به أبو بكر و هو على المنبر: اضرب به الحجر قال أبو عمرو: فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضّربة و يقال هذه ضربة سيف الزّبير ثمّ قال أبو بكر: دعوهم فسيأتي اللّه بهم قال: فخرجوا إليه بعد ذلك فبايعوه.

و قد روى الجوهرى في رواية اخرى أنّ سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمة عليها السّلام و المقداد بن الاسود أيضا و أنّهم اجتمعوا إلى أن يبايعوا عليّا فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت فخرج إليه الزّبير بالسّيف و خرجت فاطمة تبكى و تصيح فنهنهت من الناس و قالوا ليس عندنا معصية و لا خلاف في خير اجتمع عليه النّاس، و إنّما اجتمعنا لنؤلّف القرآن في مصحف واحد ثمّ بايعوا ابا بكر فاستمرّ الأمر و اطمئنّ النّاس.

و قد روى الجوهري أيضا عن داود بن المبارك قال: أتانا عبد اللّه بن موسى بن عبد اللّه بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب و نحن راجعون من الحجّ في جماعة فسألناه عن مسائل و كنت احد من سأل فسألته عن أبي بكر و عمر فقال: اجيبك بما أجاب به عبد اللّه بن الحسن فإنّه سئل عنهما فقال: كانت فاطمة صدّيقة ابنة نبيّ مرسل فماتت و هي غضباء على قوم فنحن غضاب لغضبها.

و روى أيضا بإسناده عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام عن ابن عبّاس قال: قال لي عمر: أمّا و اللّه أن كان صاحبك أولى النّاس بالأمر بعد وفات رسول اللّه إلا أنّا خفناه على اثنتين، قلت: ما هما قال: خشيناه على حداثة سنّه و حبّه بني عبد المطّلب.

و عن الشّعبي قال: سأل أبو بكر و قال اين الزّبير فقيل: عند عليّ عليه السّلام و قد تقلّد سيفه فقال: قم يا عمر يا خالد بن الوليد انطلقا حتّى تأتياني بهما فانطلقا فدخل عمر و قام خالد على باب البيت من خارج فقال عمر للزّبير: ما هذا السّيف‏ فقال: نبايع عليّا، فاخترطه عمر فضرب به حجرا فكسره ثمّ أخذ بيد الزّبير فأقامه ثمّ دفعه و قال: يا خالد دونكه فامسكه ثمّ قال لعليّ: قم فبايع لأبي بكر فتلكأ و احتبس فأخذ بيده و قال: قم فأبى أن يقوم فحمله و دفعه كما دفع الزّبير فاخرجه و رأت فاطمة ما صنع بهما فقامت على باب الحجرة و قالت: يا ابا بكر ما أسرع ما اغرتم على أهل بيت رسول اللّه، و اللّه لا أتكلّم عمر حتّى ألقى اللّه، إلى آخر ما رواه ثم قال الشارح و اعلم أنّ الآثار و الأخبار في هذا الباب كثيرة و من تأمّلها و أنصف علم أنّه لم يكن هناك نصّ صريح مقطوع به لا تختلجه الشّكوك و لا يتطرّق إليه الاحتمالات كما تزعم الاماميّة، فانّهم يقولون: إنّ الرّسول نصّ نصا صريحا جليّا ليس بنصّ الغدير و لا خبر المنزلة و لا ما شابههما من الأخبار الواردة من طرق العامّة و غيرها، بل نصّ عليه بالخلافة و بامرة المؤمنين و أمر المسلمين أن يسلّموا عليه بذلك فسلموا عليه بها، و صرّح لهم في كثير من المقامات بأنّه خليفة عليهم من بعده و أمرهم بالسّمع و الطاعة له.

و لا ريب أنّ المنصف إذا سمع ما جرى لهم بعد وفات رسول اللّه يعلم قطعا أنّه لم يكن هذا النصّ، و لكن قد يسبق إلى النّفوس و العقول أنّه قد كان هناك تعريض و تلويح و كناية و قول غير صريح و حكم غير مثبوت، و لعلّه كان يصدّه عن التّصريح بذلك أمر يعلمه و مصلحة يراعيها و وقوف مع إذن اللّه تعالى في ذلك.

فامّا امتناع علىّ من البيعة حتّى اخرج على الوجه الذي اخرج عليه فقد ذكره المحدّثون و رواه السّير و قد ذكرنا ما قاله الجوهري في هذا الباب و هو من رجال الحديث و من الثقات المأمونين، و قد ذكر غيره من هذا النّحو ما لا يحصى كثرة فأمّا الامور الشنيعة المستهجنة التي يذكرها الشّيعة من إرسال قنفذ إلى بيت فاطمة و انّه ضربها بالسّوط فصار في عضدها كالدملج و بقى اثره إلى ان ماتت، و ان عمر ضغطها بين الباب و الجدار فصاحت يا ابتاه يا رسول اللّه و القت جنينا ميتا، و جعل في عنق عليّ حبل يقاد به و هو يعتلّ و فاطمة خلفه تصرخ بالويل و الثّبور،و ابناه حسن و حسين معهما يبكيان و أنّ عليّا لمّا احضر سألوه البيعة فامتنع فهدّد بالقتل فقال: إذن تقتلون عبدا للّه و أخا رسول اللّه فقالوا أمّا عبد اللّه فنعم و أمّا أخو رسول اللّه فلا، و أنّه طعن في أوجههم بالنّفاق و سطر صحيفة الغدر التي اجتمعوا عليها، و بأنّهم أرادوا أن ينفروا ناقة رسول اللّه ليلة العقبة، فكلّه لا أصل له عند أصحابنا و لا يثبته أحد منهم و لا رواه أهل الحديث و لا يعرفونه و إنّما هو شي‏ء تنفرد الشّيعة بنقله انتهى.

أقول و العجب كلّ العجب من الشّارح كيف ينكر وجود النّص الصّريح الذي لا يحتمل التّأويل مع وجود النّصوص التي رواها هو و غيره من رسول اللّه في حقّ أمير المؤمنين بأنّه الامام و الخليفة و الوصيّ و الوليّ و ما شابهها من الألفاظ الصّريحة في الخلافة، و قد مضت شطر منها في مقدّمات الخطبة الشقشقيّة و يأتي كثير منها في مواقعها بعد ذلك انشاء اللّه.

و أمّا عدم إفادتها للقطع عند من استحوذ عليه الشّيطان و أنساه ذكر ربّه، و كان قلبه مشوبا بالشّبهات و الشّكوك فلا غرو فيه

 إذا لم يكن للمرء عين صحيحة            فلا غرو أن يرتاب و الصّبح مسفر

و أعجب من ذلك أنّه مع روايته لتلك الأخبار و تصحيحه لها و حكمه بوثاقة روانها يقول: إنّ أمير المؤمنين ترك الأمر إليهم اختيارا و طوعا، مع أنّ هذه الأخبار كما ترى صريحة في أنّ خروجه من بيته و بيعته لأبي الفصيل لم يكن إلّا كرها و إجبارا و ترك المقاومة لهم لم يكن إلّا عجزا لا اختيارا.

ثمّ لا أدرى أنّه كيف ينكر حديث التّحريق و يزعم أنّه ممّا انفردت به الشّيعة مع رواية الجوهري له و كونه من الثّقات المأمونين عنده.

و قد رواه غير واحد من رواتهم أيضا مطابقا لما روته الشّيعة منهم إبراهيم ابن سعيد الثقفي قال: حدّثنا أحمد بن عمرو البجلي قال: حدّثنا أحمد بن حبيب العاملي عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام قال: و اللّه ما بايع عليّ عليه السّلام حتّى راى الدّخان قد دخل عليه بيته، رواه المرتضى في الشّافي.

و فيه أيضا عن البلادري عن مسلمة بن محارب عن سليمان التّميمي عن أبي عون أن أبا بكر ارسل إلى عليّ فلم يبايع فجاء عمر و معه قبس فتلقاه فاطمة على الباب فقال: يابن الخطاب أتراك محرقا قال: نعم و ذلك أقوى فيما جاء به أبوك و جاء عليّ عليه السّلام فبايع.

قال السّيد (ره) عقيب هذا الحديث: و هذا الخبر قد روته الشّيعة من طرق كثيرة و إنّما الطريق أن يرويه شيوخ محدّثي العامّة لكنّهم كانوا يروون ما سمعوا بالسّلامة و ربّما تنبهوا على ما يروونه عليهم فكفّوا عنه، و أىّ اختيار لمن يحرق عليه بابه حتى يبايع.

الترجمة

بعض ديگر از فقرات اين خطبه است كه بيان مى ‏فرمايد در او حال خود را بعد از ارتحال حضرت رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و شكاية مى‏ نمايد از أهل جلافة كه غصب خلافة كردند، و مى‏ گويد كه چون أهل عناد حقّ مرا غصب نمودند پس نظر كردم من در تدبير امور خود پس آن زمان كه غصب خلافت كردند نبود مرا يارى دهنده مگر أهل بيت خود كه معدود قليلى بود نسبت بمخالفين، پس بخل ورزيدم بايشان از مرگ يعني ايشان را از معارك مهالك نگاه‏داشتم و بپوشانيدم چشم خود را بر چيزى كه اذيّت مى‏ كشيد از او ديده من، و آشاميدم زهر آب ستم مخالفان را در حينى كه بودم گلوگير از غصّه و غم، و صبر كردم بر خشم فرو خوردن بر چيزى كه تلخ‏تر بود از چشيدن درخت علقم با وجود آنكه درختى است در غايت تلخي و مرارة.

الفصل الثالث منها

و لم يبايع حتّى شرط أن يؤتيه على البيعة ثمنا، فلا ظفرت يد البايع «المبايع خ ل» و خزيت أمانة المبتاع، فخذوا للحرب أهبتها،و أعدّوا لها عدّتها، فقد شبّ لظاها، و علا سناها، و استشعروا الصّبر، فإنّه أدعى للنّصر.

اللغة

(خزيت) من الخزى و هو الذّلّ و الاهانة و (الاهبة) كالمعدة بضمّ الفاء فيهما ما يعدّ للحرب من السّلاح و الآلات و (شبّ لظاها) بالبناء على الفاعل اى ارتفع لهبها، أو بالبناء على المفعول اى اوقدت نارها و (السّناء) الضّوء (أدعى للنّصر) و في بعض النّسخ أحزم للنصر من حزمت الشّي‏ء إذا شددته كانّه يشد النّصر

الاعراب

فاعل يبايع عايد إلى عمرو بن العاص، و جملة فلا ظفرت دعائية لا محلّ لها من الاعراب، و اسناده إلى الامانة من باب التّوسع، و الحرب مؤنّث سماعيّ و لذلك اعيد الضّماير الخمسة بعدها إليها مؤنّثة.

المعنى

اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه بيان لحال عمرو بن العاص مع معاوية (و) يقول إنّ عمروا (لم يبايع) لمعاوية (حتّى شرط أن يؤتيه) معاوية (على البيعة) مصر طعمة و (ثمنا فلا ظفرت) و لا فازت (يد البايع) و هو عمرو في بيعته بالثّمن او بما يأمله (و خزيت امانة المبتاع) و هو معاوية و قال الشّارح المعتزلي: البايع معاوية و المبتاع هو عمرو، و لعلّه نظر إلى أنّ معاوية باع مصر له ببيعته و لكنّه خلاف ظاهر الكلام حيث إنّه عليه السّلام جعل البيعة مثمنا فيكون مصر ثمنا فالأظهر ما ذكرناه.

ثمّ أمر عليه السّلام بتهيّة أسباب الجهاد مع القاسطين بقوله: (فخذوا للحرب اهبتها) اى سلاحها (و أعدوا لها عدّتها فقد شبّ لظاها) و لهبها (و علا سناها) و ضوؤها، استعار لفظ اللظا و السّنا عن أمارات الحرب لكون كلّ منهما علامة لما فيه مظنّةالهلاك، ثمّ أمر بالصّبر في الحرب بقوله: (و استشعروا الصّبر) اى اجعلوه شعارا لكم كالثّوب الملازم للجسد (فانّه) أى الصّبر (ادعى للنّصر) و من أقوى أسبابه و اعلم أنّ كيفيّة تلك المبايعة على ما رواه المحدّث العلّامة المجلسي و الشّارح المعتزلي جميعا من كتاب الصّفّين لنصر بن مزاحم مع إسقاط الزّوايد منّا هو أنّه عليه السّلام حين قدم الكوفة بعد فراغه من قتال النّاكثين كتب إلى معاوية كتابا على ما يأتي ذكره في الكتاب في باب المختار من كتبه إنشاء اللّه يدعوه فيه إلى البيعة و أرسل جرير بن عبد اللّه البجلي رسولا إليه مع كتابه فقدم عليه به الشّام فقرأه و اغتم بما فيه و ذهبت به أفكاره كلّ مذهب و طاول جريرا بالجواب عن الكتاب حسبما تطلع على تفصيله في شرح كلامه الثّالث و الأربعين في باب المختار من الكتب حتّى كلّم قوما من أهل الشّام في الطّلب بدم عثمان فأجابوه و بايعوه على ذلك و أوثقوا له على أن يبذلوا انفسهم و أموالهم أو يدركوا ثاره أو يفنى اللّه أرواحهم فلمّا أمسى معاوية اغتمّ بما هو فيه و استحثّه جرير بالبيعة فقال: يا جرير إنّها ليست بخلسة و إنّه أمر له ما بعده فابلغني ريقي حتّى أنظر، و دعا ثقاته فقال له أخوه عتبة بن أبي سفيان: استغن بعمرو بن العاص فانّه من قد علمت في دهائه و رأيه و قد اعتزل أمر عثمان في حياته و هو لامرك أشدّ اعتزالا إلّا أن يثمن له دينه فسيبيعك فانّه صاحب دنيا.

فكتب معاوية إلى عمرو: أمّا بعد فانّه قد كان من أمر عليّ و طلحة و الزّبير ما قد بلغك و قد سقط إلينا مروان بن الحكم في نفر من أهل البصرة و قدم علينا جرير بن عبد اللّه في بيعة عليّ و قد حبست نفسى عليك حتّى تأتيني فاقبل اذا كرك امورا لا تعدم مغتبها إنشاء اللّه.

فلمّا قدم الكتاب على عمر و استشار ابنيه عبد اللّه و محمّدا فقال: ما تريان فقال عبد اللّه: أرى أنّ نبيّ اللّه قبض و هو عنك راض و الخليفتان من بعده، و قتل عثمان و أنت عنه غايب فقرّ في منزلك فلست مجعولا خليفة و لا تريد على أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة أو شكتما أن تهلكا فتستويا (فتسويا خ ل) في عقابها و قال محمّد: أرى أنّك شيخ قريش و صاحب أمرها و أن تصرم هذا الأمر و أنت فيه غافل تصاغر أمرك فالحق بجماعة أهل الشّام و كن يدا من أيديها و اطلب بدم عثمان فانّه سيقوم بذلك بنو اميّة.

فقال عمر و أمّا أنت يا عبد اللّه فأمرتني بما هو خير لي في ديني، و أمّا أنت يا محمّد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي و أنا ناظر فيه فلمّا جنّه اللّيل رفع صوته ينشد أبياتا«» في ذلك ردّدها فقال عبد اللّه: ترحل الشّيخ.

و دعى غلاما له يقال له وردان: و كان داهيا ماردا فقال: ارحل يا وردان ثمّ قال: احطط يا وردان ثمّ قال: ارحل يا وردان احطط يا وردان فقال له: وردان خلطت أبا عبد اللّه أمّا انّك إن شئت أنبأتك بما في نفسك قال: هات و يحك قال: اعتركت الدّنيا و الآخرة على قلبك فقلت: عليّ معه الآخرة في غير الدّنيا و في الآخرة عوض من الدّنيا، و معاوية معه الدّنيا بغير آخرة و ليس في الدّنيا عوض من الآخرة فانت واقف بينهما قال: فانّك و اللّه ما أخطات فما ترى يا وردان قال: أرى أن تقيم في بيتك فان ظهر أهل الدّين عشت في عفو دينهم، و إن ظهر أهل الدّنيا لم يستغنوا عنك قال الآن لما شهدت (شهرت خ ل) العرب مسيرى إلى معاوية.

فارتحل و صار حتّى قدم على معاوية و عرف حاجة معاوية إليه فباعده من نفسه و كايد كلّ واحد منهما صاحبه فقال له معاوية يوم دخل عليه: أبا عبد اللّه طرقتنا في ليلتنا هذا ثلاثة أخبار ليس فيها ورد و لا صدر قال: و ما ذاك قال: منها أنّ محمّد بن أبي حذيفة كسر سجن مصر فخرج هو و أصحابه و هو من آفات هذا الدّين، و منها أنّ قيصر زحف بجماعة الرّوم ليغلب على الشّام، و منها أنّ عليّا نزل الكوفة متهيّئا للمسير إلينا.

فقال عمرو: كلّ ما ذكرت عظيما أمّا امر ابن أبي حذيفة فما يعظمك من‏رجل خرج في اشباهه ان تبعث إليه رجلا يقتله أو يأتيك به و إن قاتل لم يضرّك و أمّا قيصر فاهد له الوصايف و آنية الذّهب و الفضّة و سله الموادعة فانّه اليها سريع، و أمّا عليّ فلا و اللّه يا معاوية ما يسوى العرب بينك و بينه في شي‏ء من الأشياء و انّ له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش و انّه لصاحب ما هو فيه إلّا أن تظلمه قال نصر و روى عمر بن سعد بإسناده قال: قال معاوية لعمرو: يا أبا عبد اللّه إنّى أدعوك إلى جهاد هذا الرّجل الذى عصى ربّه و شقّ عصا المسلمين و قتل الخليفة و أظهر الفتنة و فرّق الجماعة و قطع الرّحم، قال عمرو: من هو قال: عليّ قال عمرو: و اللّه يا معاوية ما أنت و عليّ حملى بعير مالك هجرته و لا سابقته و لا صحبته و لا فقهه و لا علمه، و و اللّه إنّ له مع ذلك جدّا و جدودا و خطئا و خطوة و بلاء من اللّه حسنا فما تجعل لي على أن شايعتك على ما تريد قال: حكمك قال: مصر طعمة قال: فتلكأ«» عليه معاوية قال له: أبا عبد اللّه أما تعلم أنّ مصر مثل العراق قال: بلى و لكنّها إنّما تكون لي إذا كانت لك و إنّما تكون لك إذا غلبت عليّا على العراق.

قال: فدخل عليه عتبة بن أبي سفيان فقال: أ ما ترضى أن تشتري عمروا بمصر إن هى صفت لك ليتك لا تغلب على الشّام فقال معاوية: يا عتبة بت عندنا اللّيلة قال فلمّا جنّ الليل على عتبة رفع صوته يسمع معاوية بأبيات«» يحثّه فيها على ارضاء عمرو فلمّا سمع معاوية ذلك أرسل إلى عمرو و أعطاها إيّاه، فقال عمرو: ولى اللّه عليك بذلك شاهد قال له معاوية: نعم لك اللّه عليّ بذلك إن فتح اللّه علينا الكوفة فقال عمرو: و اللّه على ما نقول و كيل فخرج عمرو من عنده فقال له ابناه: ما صنعت قال: أعطانا مصر طعمة قالا: و ما مصر في ملك قال: لا أشبع اللّه بطونكما إن لم يشبعكما مصر.

قال: و كتب له معاوية بمصر كتابا و كتب على أن لا ينقض شرط طاعته فكتب عمرو أن لا ينقض طاعته شرطا و كايد كلّ منهما صاحبه.

قال و كان مع عمرو ابن عمّ له فتى شابّ و كان داهيا فلمّا جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى و قال: لا تخبرني يا عمرو بأيّ رأى تعيش في قريش أعطيت دينك و منيت دنيا غيرك، أ ترى أهل مصر و هم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية و عليّ حيّ و أ تراها إن صارت لمعاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدّمه في الكتاب فقال عمرو: يابن أخى إنّ الأمر للّه دون عليّ و معاوية و أنشد الفتى في ذلك شعرا«» فقال له عمرو: يابن عمّ لو كنت مع عليّ وسعني بيتي و لكنّي مع معاوية فقال له الفتى: إنّك إن لم ترد معاوية لم تردك و لكنك تريد دنياه و يريد دينك.

و بلغ معاوية قول الفتى فطلبه فهرب و لحق بعليّ فحدّثه بأمر عمرو و معاوية، قال: فسرّ ذلك عليّا و قرّبه قال: و غضب مروان و قال: ما بالي لا اشتري كما اشترى عمر و فقال له معاوية: انما نبتاع لك قال نصر فلمّا كتب الكتاب قال معاوية لعمرو ما ترى قال: امض الرّاى الأوّل فبعث مالك بن هبيرة الكندى في طلب محمّد بن أبي حذيفة فأدركه و قتله، و بعث إلى قيصر بالهدايا فوادعه، ثمّ قال: ما ترى في عليّ قال: إنّه قد أتاك في طلب البيعة خير أهل العراق و من عند النّاس في أنفس النّاس و دعواك أهل الشّام إلى ردّ هذا البيعة خطر شديد، و رأس أهل الشّام شرجيل بن السّمط الكندي و هو عدوّ لجرير المرسل إليك فابعث إليه و وطئ له ثقاتك فليفشوا في النّاس أنّ عليّا قتل عثمان و ليكونوا أهل الرّضا عند شرجيل فإنّها كلمة جامعة لك أهل الشّام على ما تحبّ و إن تعلقت بقلب شرجيل لن تخرج منه بشي‏ء أبدا.

فكتب إلى شرجيل أن جرير بن عبد اللّه قدم علينا من عند عليّ بن أبي طالب بأمر مفظع فاقدم، فدعى معاوية بريد بن لبيد و بسر بن أرطاة و عمرو بن سفيان و مخارق ابن الحرث الزّبيدي و حمزة بن مالك و عابس بن سعيد الطائي و هؤلاء رؤساء قحطان و اليمن و كانوا ثقات معاوية و خاصّته و بني عمّ شرجيل بن السّمط فأمرهم أن يلقوه‏و خبروه أنّ عليّا قتل عثمان.

فلمّا قدم كتاب معاوية على شرجيل و هو بحمّص استشار بأهل اليمن فاختلفوا عليه، فقام إليه عبد الرّحمن بن غنم و هو صاحب معاذ بن جبل و ختنه و كان أفقه أهل الشّام، فنهاه عن المسير إلى معاوية و وعظه و نهاه أيضا عياض اليماني و كان ناسكا فأبى شرجيل إلّا أن يسير إلى معاوية فلمّا قدم تلقاه النّاس فاعظموه و دخل على معاوية.

فقال له معاوية: يا شرجيل إنّ جرير بن عبد اللّه يدعونا إلى بيعة عليّ و عليّ خير النّاس لو لا أنّه قتل عثمان و حبست نفسي عليك و إنّما أنا رجل من أهل الشّام أرضى ما رضوا و أكره ما كرهوا فقال شرجيل: أخرج و أنظر، فلقاه هؤلاء النّفر الموطئون له فكلّهم أخبره أنّ عليّا قتل عثمان، فرجع مغضبا إلى معاوية فقال: يا معاوية أبى النّاس إلّا أنّ عليّا قتل عثمان، و اللّه إن بايعت له لنخرجك من شامنا أو لنقتلنّك.

فقال معاوية: ما كنت لا خالف عليكم ما أنا إلّا رجل من أهل الشّام قال: فردّ هذا الرّجل إلى صاحبه فعرف معاوية أنّ شرجيل قد نفذت بصيرته فى حرب أهل العراق و أنّ الشّام كلّه مع شرجيل و عند ذلك استعدّ للقتال و كتب إلى عليّ عليه السّلام ما ستعرفه في شرح الكلام الثّالث و الأربعين إنشاء اللّه.

تكملة

قد اشرنا سابقا إلى أنّ هذا الفصل من كلامه عليه السّلام كالفصلين السابقين ملتقط من كلام طويل له عليه السّلام و لكونه مشتملا على مطالب نفيسة أحببنا أن نورده هنا بتمامه فأقول: روى العلامة المجلسي في البحار و الشّارح المعتزلي في شرح الكلام السّابع و السّتين جميعا من كتاب الغارات لإبراهيم بن مسعود الثقفي عن رجاله عن عبد الرّحمان بن جندب عن أبيه قال دخل عمرو بن الحمق و حجر بن عديّ و حبّة العرني و الحارث الأعور و عبد اللّه بن سبا على أمير المؤمنين بعد ما افتتحت مصر و هو مغموم حزين فقالوا له: بين لنا ما قولك في أبى بكر و عمر فقال لهم عليّ عليه السّلام:

هل فرغتم لهذا و هذه مصر قد افتتحت و شيعتي قد قلت أنا مخرج إليكم كتابا اخبركم فيه عمّا سألتم و أسألكم أن تحفظوا من حقّي ما ضيّعتم فاقرءوه على شيعتي و كونوا على الحقّ و هذه نسخة الكتاب: من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى قرّاء كتابي هذا من المؤمنين و المسلمين السّلام عليكم فانّي أحمد إليكم اللّه الذى لا إله إلّا هو أمّا بعد فانّ اللّه بعث محمّدا نذيرا للعالمين أمينا على التّنزيل و شهيدا على هذه الأمّة و أنتم معاشر العرب يومئذ على شرّ دين و في شرّ دار منيخون على حجارة خشن و جنادل صمّ و شوك مبثوث في البلاد، تشربون الماء الخبيث و تأكلون الطعام الجشب و تسفكون دمائكم و تقتلون أولادكم و تقطعون أرحامكم و تأكلون أموالكم بينكم بالباطل، سبلكم خائفة و الأصنام فيكم منصوبة، و لا يؤمن أكثركم باللّه إلّا و هم مشركون.

فمنّ اللّه عزّ و جلّ عليكم بمحمّد فبعثه إليكم رسولا من أنفسكم و قال فيما انزل من كتابه: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» و قال: «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ» و قال: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ» و قال: «ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» فكان الرّسول إليكم من أنفسكم بلسانكم، فعلّمكم الكتاب و الحكمة و الفرائض و السّنة، و أمركم بصلة أرحامكم و حقن دمائكم و صلاح ذات البين، و أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها، و أن توفوا بالعهد و لا تنقضوا الايمان بعد توكيدها.

و أمركم أن تعاطفوا و تبارّوا و تباشروا و تباذلوا و تراحموا، و نهاكم عن التّناهب و التّظالم و التّحاسد و التباغي و التقاذف و عن شرب‏ الحرام و بخس المكيال و نقص الميزان، و تقدّم اليكم فيما تلى عليكم أن لا تزنوا و لا تربوا و لا تأكلوا أموال اليتامى، و أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها و أن لا تعثوا في الأرض مفسدين، و لا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين.

فكلّ خير يدنى إلى الجنّة و يباعد من النّار أمركم به، و كلّ شرّ يدني إلى النّار و يباعد من الجنّة نهاكم عنه.

فلمّا استكمل مدّته من الدّنيا توفّاه اللّه إليه سعيدا حميدا فيا لها مصيبة خصّت الأقربين و عمّت جميع المسلمين، ما اصيبوا قبلها بمثلها و لن يعاينوا بعدها اختها فلمّا مضى لسبيله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تنازع المسلمون الأمر من بعده، فو اللّه ما كان يلقى في روعى و لا يخطر على بالى أنّ العرب تعدل هذا الأمر بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن أهل بيته و لا أنّهم تنحّوه عنّي من بعده.

فما راعني إلا انثيال النّاس على أبي بكر و اجفالهم«» إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي و رأيت أنّي أحقّ بمقام محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ملّة محمّد في النّاس ممّن تولى الأمر بعده.

فلبثت بذلك ما شاء اللّه حتّى رأيت راجعة من النّاس رجعت عن الاسلام تدعو إلى محق دين اللّه و ملّة محمّد، فخشيت إن لم أنصر الاسلام و أهله أن أرى فيه ثلما و هدما تكون المصيبة (المصاب خ ل) بهما أعظم من فوات ولاية اموركم التي إنّما هي متاع أيّام قلائل ثمّ يزول ما كان منها كما يزول السّراب و كما يتقشع السحاب فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته و نهضت في تلك الأحداث حتّى زاغ الباطل و زهق و كانت كلمة اللّه هى العليا و لو كره الكافرون، فتولى أبو بكر تلك الامور و سدّد و ليس و قارب و اقتصد، فصحبته مناصحا، و أطعته فيما أطاع اللّه فيه جاهدا.

و ما طمعت أن لو حدث به حدث و أنا حيّ أن يردّ إلىّ الأمر الذي بايعته فيه طمع مستيقن و لا يئست منه يائس من لا يرجوه، و لو لا خاصة ما كان بينه و بين عمر لظننت أنّه لا يدفعها عنّي‏ فلمّا احتضر بعث إلىّ عمر فولاه فسمعنا و أطعنا و ناصحنا و تولى عمر الأمر فكان مرضىّ«» السّيرة ميمون النقيبة حتّى إذا احتضر قلت في نفسي لن يعتدلها عنّي ليس يدافعها عنّي فجعلني سادس ستّة فما كانوا لولاية أحد أشدّ كراهيّة منهم لولايتي عليهم، فكانوا يسمعوني عند وفات الرّسول احاجّ أبا بكر و أقول يا معشر قريش إنا أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم، أما كان فينا من يقرأ القرآن و يعرف السّنة و يدين بدين الحقّ فخشى القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم من الأمر نصيب ما بقوا فأجمعوا إجماعا واحدا فصرفوا الولاية إلى عثمان و أخرجوني منها رجاء أن ينالوها و يتداولوها إذ يئسوا أن ينالوها من قبلي ثمّ قالوا هلمّ فبايع و إلّا جاهدناك فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا فقال قائلهم: يابن ابي طالب إنّك على هذا الأمر لحريص فقلت: إنّهم أحرص منّى و أبعد، أيّنا أحرص أنا الذي طلبت تراثي و حقّي الذي جعلنى اللّه و رسوله أولى به أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه و تحولون بيني و بينه فبهتوا و اللّه لا يهدي القوم الظّالمين.

اللهمّ إنّي استعديك على قريش فانّهم قطعوا رحمي و أضاعوا اناتي و صغروا عظيم منزلتي و أجمعوا على منازعتى حقّا كنت أولى به منهم فسلبونيه ثمّ قالوا: ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه و في الحقّ أن تمنعه فاصبر كمدا«» أو مت أسفا و حنقا فنظرت فاذا ليس معى رافد و لا ذابّ و لا ناصر و لا مساعد إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية فاغضيت على القذى و تجرّعت ريقي على الشّجى و صبرت من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم و آلم للقلب من خرالشّفار.

حتّى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ثمّ جئتموني لتبايعوني فأبيت‏ عليكم و امسكت يدي فنازعتموني و دافعتموني و بسطتم يدي فكففتها، و مددتموها فقبضتها، و ازدحمتم علىّ حتّى ظننت أنّ بعضكم قاتل بعضكم و أنّكم قاتلي فقلتم بايعنا لا نجد غيرك و لا نرضي إلّا بك بايعنا لا نفترق و لا تختلف كلمتنا فبايعتكم و دعوت الناس إلى بيعتي، فمن بايع طوعا قبلته منه و من أبى لم اكرهه و تركته فبايعني فيمن بايعني طلحة و الزبير و لو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما.

فما لبثنا إلّا يسيرا حتّى بلغني أنّهما قد خرجا من مكّة متوجّهين إلى البصرة في جيش ما منهم رجل إلّا قد أعطاني الطاعة و سمح لى بالبيعة، فقد ما على عاملي و خزّان بيت مالى و على أهل مصر في الذين كلّهم على بيعتي و في طاعتي، فشتّتوا كلمتهم و أفسد و اجماعتهم، ثمّ دئبوا على شيعتى من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدرا، و طائفة صبرا، و طائفة منهم غضبوا للّه فشهروا سيوفهم و ضربوا بها حتّى لقوا اللّه صادقين.

فو اللّه لو لم يصيبوا منهم إلّا رجلا واحدا متعمّدين لقتله لحلّ لى به قتل ذلك الجيش بأسره فدع ما أنّهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة الّتي دخلوا بها عليهم، و قد أدال اللّه منهم فبعدا للقوم الظالمين.

ثمّ إنّى نظرت في أمر أهل الشّام فاذا أعراب أحزاب و أهل طمع جفاة طغاة يجتمعون من كلّ أوب من كان ينبغي أن يؤدّب أو يولى عليه و يؤخذ على يديه ليسوا من المهاجرين و لا الأنصار و لا التّابعين باحسان، فسرت إليهم فدعوتهم إلى الطاعة و الجماعة فأبوا إلّا شقاقا و فراقا و نهضوا في وجوه المسلمين ينظمونهم بالنّبل و يشجرونهم بالرّماح فهناك نهدت إليهم بالمسلمين فقاتلتهم.

فلمّا عضّهم السّلاح و وجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها فأنبأتكم أنّهم ليسوا بأهل دين و لا قرآن و أنّهم رفعوها غدرا و مكيدة و خديعة و وهنا و ضعفا فامضوا على حقّكم و قتالكم، فأبيتم علىّ و قلتم اقبل منهم فان أصابوا إلى ما في الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحقّ، و إن أبوا كان أعظم لحجّتناعليهم فقبلت منهم و كففت عنهم إذ دنيتم و أبيتم و كان الصّلح بينكم و بينهم على رجلين يحييان ما أحيى القرآن و يميتان ما أمات القرآن، فاختلف رأيهما و تفرّق حكمهما و نبذا حكم القرآن و خالفا ما في الكتاب فجنّبهما اللّه السّداد و ولّاهما في الضّلالة، فنبذا حكمهما و كانا أهله فانخزلت فرقة منّا فتركناهم ما تركونا حتّى إذا عثوا في الأرض يقتلون و يفسدون أتيناهم فقلنا ادفعوا إلينا قتلة إخواننا ثمّ كتاب اللّه بيننا و بينكم قالوا: كلّنا قتلهم و كلّنا استحلّ دمائهم و دمائكم و شدّت علينا خيلهم و رجالهم فصرعهم اللّه مصارع الظالمين.

فلمّا كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوّكم فقلتم: كلّت سيوفنا و نفدت نبالنا و نصلت«» سنة رماحنا، و عاد اكثرها قصدا فارجع بنا إلى مصرنا لنستعدّ بأحسن عدّتنا فاذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدّة من هلك منّا و فارقنا فانّ ذلك أقوى لنا على عدوّنا.

فأقبلت بكم حتّى إذا ظللتم«» على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة و أن تلزموا معسكركم و أن تضمّوا قواضيكم و أن توطنوا على الجهاد أنفسكم و لا تكثروا زيارة أبنائكم و نسائكم فانّ أهل الحرب لمصابروها، و أهل القشيم فيها غاصية فلا من بقى منكم صبر و ثبت، و لا من دخل المصر عاد إلىّ و رجع، فنظرت إلى معسكري و ليس فيه خمسون رجلا: فلمّا رأيت ما أتيتم دخلت إليكم فلم أقدر إلى أن تخرجوا إلى يومنا هذا فما تنتظرون أ ما ترون أطرافكم قد انتقصت، و إلى مصركم قد فتحت، و إلى شيعتي بها قد قتلت، و إلى مسالحكم«» تغرى«»، و إلى بلادكم، تغزى، و أنتم ذوو عدد كثير، و شوكة و بأس شديد.

فما بالكم للّه أنتم من أين تؤتون، و مالكم تسحرون، و أنّى تؤفكون، و لو عزمتم و أجمعتم لم تراموا إلّا أنّ القوم قد اجتمعوا و تناشبوا و تناصحوا و أنتم قد دنيتم و تغاششتم و افترقتم ما أنتم إن اتممتم عندى على هذا بمنقذين فانتهوا عمّا نهيتم و اجمعوا على حقّكم و تجرّدوا لحرب عدوّكم قد أبدت الرّغوة من التّصريخ«» و بين الصّبح لذي عينين.

انّما تقاتلون الطلقاء و أبناء الطّلقاء و اولى الجفاء و من أسلم كرها فكان لرسول اللّه انف«» الاسلام كلّه حربا أعداء اللّه و السّنة و القرآن و أهل البدع و الأحداث و من كانت بوايقه تتقى و كان على الاسلام و أهله مخوفا آكلة الرّشا و عبدة الدّنيا.

لقد انهى إلىّ أنّ ابن النّابغة لم يبايع معاوية حتّى اعطاه و شرط له أن يؤتيه اتية هى أعظم ممّا في يده من سلطانه الا صفرت يد هذا البايع دينه بالدّنيا، و خزيت أمانة هذا المشتري بنصرة فاسق غادر بأموال المسلمين و أنّ فيهم من قد شرب فيكم الخمر و جلد الجلد (الحد خ) يعرف بالفساد في الدّين و في الفعل السّيئ و أنّ فيهم من لم يسلم حتّى رضخ له رضيخة (رضخة خ) فهؤلاء قادة القوم و من تركت ذكر مساويه من قادتهم مثل من ذكرت منهم بل هو شرّ و يودّ هؤلاء الذين ذكرت لو ولوا عليكم فأظهروا فيكم الكفر و الفساد و الفجور و التّسلّط بالجبريّة و اتّبعوا الهوى و حكموا بغير الحقّ، و لأنتم على ما كان فيكم من تواكل و تخاذل خير منهم و أهدى سبيلا فيكم العلماء و الفقهاء و النّجباء و الحكماء و حملة الكتاب و المتهجّدون بالأسحار و عمّار المساجد بتلاوة القرآن.

أفلا تسخطون و تهتمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم و الأشرار الأرازل منكم فاسمعوا قولي و أطيعوا أمري إذا أمرت فو اللّه لئن أطعتموه لا تغورون، و إن عصيتموه لا ترشدون.

خذوا للحرب اهبتها و أعدّوا عدّتها فقد شبت نارها و علا سناؤها و تجرّد لكم فيها الفاسقون كى يعذّبوا عباد اللّه و يطفئوا نور اللّه ألا إنّه ليس أولياء الشّيطان من أهل الطّمع و المكر و الجفاء بأولى في الجدّ في غيّهم و ضلالهم من أولياء اللّه أهل البرّ و الزّهادة و الاخبات بالجدّ في حقهم و طاعة ربّهم و مناصحة إمامهم.

اي و اللّه لو لقيتهم فردا و هم ملاء الأرض ما باليت و لا استوحشت و انّى من ضلالتهم التي هم فيها و الهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة و بيّنة و يقين و بصيرة، و إنّي إلى لقاء ربّي لمشتاق و لحسن ثوابي لمنتظر و لكن أسفا يعتريني و حزنا يخامرني أن يلي أمر هذه الامة سفهاؤها و فجّارها، فيتّخذوا مال اللّه دولا و عباد اللّه خولا و الفاسقين حزبا.

و أيم اللّه لو لا ذلك لما أكثرت تأنيبكم و تحريضكم، و لتركتكم إذا دنيتم و أبيتم حتّى ألقاهم بنفسى متى حمّ«» لى لقائهم، فو اللّه إنّي لعلى الحقّ، و إنّي للشّهادة لمحبّ.

ف انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، و لا تثاقلوا إلى الأرض فتقرّوا بالخسف و تبوءوا بالذّلّ و يكن نصيبكم الآخر إنّ أخا الحرب ليقظان و من ضعف أودى«» و من ترك الجهاد كان كالمغبون المهين.

اللهمّ اجمعنا و إيّاهم على الهدى، و زهّدنا و إيّاهم في الدّنيا، و اجعل الآخرة خيرا لنا و لهم من الاولى، و السّلام.

الترجمة

بعض ديگر از اين خطبه اشاره است بر قصّه بيعت عمرو عاص بر معاويه ملعون مى ‏فرمايد كه بيعت نكرد عمرو عاص حتّى اين كه شرط نمود آنكه بدهد معاويه باو بر بيعت او ثمن و بهائي كه عبارت بود از حكومت مصر، پس مظفّر مباد دست بيعت كننده‏ و خوار و ذليل باد عهد و پيمان بيعت نموده شده، پس اخذ نمائيد از براى جنك اسلحه جنك را و مهيّا سازيد از براى او ساز و يراق آن را، و بتحقيق كه افروخته شد آتش حرب و بلند شد شعله او و شعار خود نمائيد صبر و شكيبائى را در معركه قتال پس بدرستى كه استشعار صبر اقوى داعى است از براى انتصار و ظفر و اللّه اعلم.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=