خطبه 22 صبحی صالح
22- و من خطبة له ( عليه السلام ) حين بلغه خبر الناكثين ببيعته
و فيها يذم عملهم و يلزمهم دم عثمان و يتهددهم بالحرب
ذم الناكثين
أَلَا وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ذَمَّرَ حِزْبَهُ
وَ اسْتَجْلَبَ جَلَبَهُ
لِيَعُودَ الْجَوْرُ إِلَى أَوْطَانِهِ
وَ يَرْجِعَ الْبَاطِلُ إِلَى نِصَابِهِ
وَ اللَّهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً
وَ لَا جَعَلُوا بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ نَصِفاً
دم عثمان
وَ إِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوهُ
وَ دَماً هُمْ سَفَكُوهُ
فَلَئِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ لَنَصِيبَهُمْ مِنْهُ
وَ لَئِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي فَمَا التَّبِعَةُ إِلَّا عِنْدَهُمْ
وَ إِنَّ أَعْظَمَ حُجَّتِهِمْ لَعَلَى أَنْفُسِهِمْ
يَرْتَضِعُونَ أُمّاً قَدْ فَطَمَتْ
وَ يُحْيُونَ بِدْعَةً قَدْ أُمِيتَتْ
يَا خَيْبَةَ الدَّاعِي
مَنْ دَعَا
وَ إِلَامَ أُجِيبَ
وَ إِنِّي لَرَاضٍ بِحُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَ عِلْمِهِ فِيهِمْ
التهديد بالحرب
فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ
وَ كَفَى بِهِ شَافِياً مِنَ الْبَاطِلِ وَ نَاصِراً لِلْحَقِّ
وَ مِنَ الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ
وَ أَنْ أَصْبِرَ لِلْجِلَادِ
هَبِلَتْهُمُ الْهَبُولُ
لَقَدْ كُنْتُ وَ مَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ
وَ لَا أُرْهَبُ بِالضَّرْبِ
وَ إِنِّي لَعَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّي
وَ غَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ دِينِي
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج3
و من خطبة له عليه السّلام و هى الثانية و العشرون من المختار فى باب الخطب
خطب بها حين بلغ أنّ طلحة و الزّبير خلعا بيعته، و هي ملتقطة من خطبة طويلة مروية فى شرح البحراني و قد وردت فصول منها في طرق عليحدة مختلفة بزيادة و نقصان يأتي إلى بعضها الاشارة، و ما رواه السّيد رحمه اللّه: ألا و إنّ الشّيطان قد ذمّر حزبه، و استجلب جلبه، ليعود الجور إلى أوطانه، و يرجع الباطل إلى نصابه، و اللّه ما أنكروا عليّ منكرا، و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا، و إنّهم ليطلبون حقّا هم تركوه، و دما هم سفكوه، فلئن كنت شريكهم فإنّ لهم لنصيبهم منه، و لئن كانوا و لوه دوني فما التّبعة إلّا عندهم، و إنّ أعظم حجّتهم لعلى أنفسهم، يرتضعون أمّا قد فطمت، و يحيون بدعة قد أميتت، يا خيبة الدّاعي من دعا، و إلى ما أجيب و إنّي لراض بحجّة اللّه عليهم، و علمه فيهم، فإن أبوا أعطيتهم حدّ السّيف، و كفى به شافيا من الباطل، و ناصرا للحقّ، و من العجب بعثتهم «بعثهم خ» إليّ أن ابرز للطّعان، و أن اصبر للجلاد، هبلتهم الهبول لقد كنت و ما أهدّد بالحرب، و لا أرهّب بالضّرب، و إنّي لعلى يقين من ربّي، و غير شبهة من دينى.
اللغة
(ذمر) يروى بالتّخفيف و التّشديد و هو الحثّ و الحضّ، و التّشديد دليل التّكثير و المبالغة لأنّهم يقولون: إنّ الزّيادة في البناء لزيادة المعنى، قال في الكشّاف و ممّا طنّ على اذنى من ملح العرب أنّهم يسمّون مركبا من مراكبهم بالشّقدق، و هو مركب خفيف ليس في ثقل حمال العراق، فقلت في طريق الطايف لرجل منهم: ما اسم هذا المحمل أردت محمل العراقي فقال: أليس ذلك اسمه الشقدق قلت: بلى، فقال هذا اسمه الشّقنداق، فزاد في بناء الاسم لزيادة المعنى.
و (جلبت) الشيء جلبا من باب ضرب و قتل، و الجلب بفتحتين فعل بمعنى مفعول و هو ما تجلبه من بلد إلى بلد، قال الشّارح المعتزلي و يروى جلبه و جلبه و هما بمعنى، و هو السّحاب الرقيق الذي لا ماء فيه أى جمع قوما كالجهام الذي لا نفع فيه و في المصباح عن الأزهري و ابن فارس (نصاب) كلّ شيء أصله و الجمع نصب و أنصبة مثل حمار و حمر و أحمرة و (النّصف) بتثليث النون و سكون الصّاد اسم بمعنى الانصاف.
و اعتراض الشّارح المعتزلي عليه بأنّ المعنى لا يحتمله، لأنّه لا معنى لقوله: و لا جعلوا بيني و بينهم إنصافا، بل النّصف بمعنى الذى ينصف، و المعنى لم يجعلوا بيني و بينهم ذا إنصاف، ممّا لا يكاد يظهر وجهه و (ولي) الشيء و عليه ولاية من باب حسب إذا ملك أمره و (التّبعة) كفرحة تقول: لي قبل فلان تبعة و هي الشيء الذي لك فيه بغية شبه ظلامة و نحوها و (فطم) الصّبيّ من باب ضرب إذا فصله عن الرضاع و (حدّ السّيف) الموضع القاطع منه و (الجلاد) المجادلة بآلة الحرب و (هبلته) امّه بكسر الباء ثكلته و (الهبول) الثكول التي لم يبق لها ولد
الاعراب
يا خيبة الدّاعي نداء على سبيل التّعجب من عظم خيبة الدّعاء إلى قتاله، و هو نظير النداء في قوله تعالى: يا حسرة على العباد، أى يا خيبة احضري فهذا أوانك و كلمة من إمّا مرفوع المحل على الابتداء و الفعل بعده خبر أو منصوب المحلّ اضمر عامله على شريطة التفسير فلا محلّ لما بعده، إذ الجملة المفسّرة لا محلّ لها على الأصح.
و قال ابن هشام: إنّ جملة الاشتغال ليست من الجمل التي تسمّى في الاصطلاح جملة تفسيرية و إن حصل بها تفسير، و كيف كان فجملة من دعا على الأوّل جملة اسميّة، و على التقدير الثّاني جملة فعليّة، و شافيا و ناصرا منصوبان على الحاليّة و الواو في قوله و ما اهدّد زايدة، و كنت بمعنى ما زلت اى ما زلت لا أهدّد بالحرب.
قال الشّارح المعتزلي: و هذه كلمة فصيحة كثيرا ما يستعملها العرب، و قد ورد في القرآن العزيز كان بمعنى ما زال في قوله: و كان اللّه عليما حكيما، و نحو ذلك من الآى و المعنى: لم يزل اللّه عليما حكيما.
المعنى
قد أشرنا أنّ هذه الخطبة من خطب الجمل واردة في معرض التّعرض على النّاكثين و قد وقع التّصريح بذلك في بعض طرقها حسبما تأتي إليها الاشارة، و قد كنّى عنهم بحزب الشّيطان و جنود إبليس كما قال: (ألا و إنّ الشّيطان قد ذمر حزبه) و حشا قبيله (و استجلب جلبه) و جمع جمعه (ليعود الجور إلى أوطانه) كما كان عليها أولا (و يرجع الباطل إلى نصابه) و أصله الذي كان عليه سابقا (و اللّه ما أنكروا عليّ منكرا) و هو قتل عثمان حيث نسبوه إليه عليه السّلام و زعموا أنّه منكر فأنكروه عليه فردّهم بانكار كونه منكرا، و على تقدير تسليمه بعدم صحّته لنسبته إليه و على كلّ تقدير فانكارهم عليه يكون منكرا (و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا) و عدلا إذ لو جعلوا ميزان العدل في البين يظهر بطلان دعواهم (و) ذلك ل (أنّهم ليطلبون حقّا) أى حقّ قصاص (هم تركوه) حيث أمسكوا النّكير على قاتليه (و دماهم سفكوه) لأنّهم أوّل من ألب النّاس على عثمان و أغرى بدمه، كما يشهد به قوله عايشة: اقتلوا نعثلا قتل اللّه نعثلا.
يدلّ عليه ما في رواية أبي مخنف الآتية من قوله: اللّهمّ إنّ طلحة نكث بيعتي و ألب على عثمان حتّى قتله ثمّ عضهنى به و رماني اللّهمّ فلا تمهله و عن الطبري في تاريخه انّ عليّا كان في ماله بخيبر لما أراد النّاس حصر عثمان فقدم المدينة و النّاس مجتمعون على طلحة في داره، فبعث عثمان إليه عليه السّلام يشكو أمر طلحة فقال عليه السّلام: أما أكفيكه فانطلق إلى دار طلحة و هي مملوّة بالنّاس فقال له يا طلحة: ما هذا الأمر الذي صنعت بعثمان فقال طلحة: يا أبا الحسن بعد أن مسّ الحزام الطبيين«»، فانصرف عليّ عليه السّلام إلى بيت المال فأمر بفتحه فلم يجدوا المفتاح، فكسر الباب و فرّق ما فيه على النّاس فانصرفوا من عند طلحة حتّى بقي وحده، فسرّ عثمان بذلك، و جاء طلحة إلى عثمان فقال له: يا أمير المؤمنين إنّي أردت أمرا فحال اللّه بيني و بينه و قد جئتك تائبا، فقال: و اللّه ما جئت تائبا و لكن جئت مغلوبا، اللّه حسبك يا طلحة.
و روى أنّ الزّبير لمّا برز لعليّ عليه السّلام يوم الجمل قال له: ما حملك يا عبد اللّه على ما صنعت قال: أطلب بدم عثمان، فقال: أنت و طلحة و ليتماه و إنّما توبتك من ذلك أن تقدّم نفسك و تسلّمها إلى ورثته.
و بالجملة فقد ظهر ممّا ذكرناه أنّه لا ريب في دخولهم في قتل عثمان و مع مكان ذلك الدّخول لا يجوز لهم المطالبة بدمه.
توضيح ذلك أنّ دخولهم فيه إمّا أن يكون بالشركة، و إمّا أن يكون بالاستقلال و على أيّ تقدير فليس لهم أن يطلبوا بدمه و قد أشار إلى الشق الأوّل بقوله: (فلان كنت شريكهم فيه فانّ لهم لنصيبهم منه) و اللازم عليهم حينئذ أن يبدءوا بأنفسهم و يسلّموها إلى أولياء المقتول ثمّ يطالبوا بالشريك، و إلى الشقّ الثاني بقوله: (و ان كان ولوه) و باشروه (دوني فما التبعة إلّا قبلهم) و اللازم عليهم حينئذ أن يخصّوا أنفسهم بالمطالبة (و انّ اعظم حجّتهم لعلى أنفسهم) حيث يدعون دعوى ضررها عايد إليهم لقيام الحجّة فيها عليهم (يرتضعون امّا قد فطمت) أى يطلبون الشيء بعد فواته لأنّ الامّ إذا فطمت ولدها فقد انقضى إرضاعها.
و لعلّ المراد به أنّ مطالبتهم بدم عثمان لغو لا فايدة فيه، و يحتمل أن يكون المراد بالامّ التي قد فطمت ما كان عادتهم في الجاهليّة من الحميّة و الغضب و إثارة الفتن، و بفطامها اندراسها بالاسلام فيكون قوله: (و يحيون بدعة قد اميتت) كالتّفسير له.
و قال الشّارح البحراني: استعار لفظ الأمّ للخلافة فبيت المال لبنها و المسلمون أولادها المرتضعون، و كنّى بارتضاعهم لها عن طلبهم منه من الصّلات و التّفضيلات، مثل ما كان عثمان يصلهم به و يفضل بعضهم على بعض و كونها قد فطمت عن منعه عليه السّلام و قوله: و يحيون بدعة إشارة إلى ذلك التّفضيل، فانّه كان بخلاف سنّة رسول اللّه و البدعة مقابلة السنّة، و إماتتها تركه عليه السّلام في ولايته ذلك (يا خيبة الدّاعي) احضري فهذا أوان حضورك و الدّاعي هو أحد الثلاثة طلحة و الزّبير و عايشة، كما صرّح به الشّارح المعتزلي أيضا.
ثمّ قال على سبيل الاستصغار لهم و الاستحقار (من دعا) أى أحقر القوم دعاهم هذا الدّاعي (و إلى ما اجيب) أى أقبح بالأمر الذي أجابوه إليه فما أفحشه و أرذله (و إنّي لراض ب) قيام (حجّة اللّه عليهم) و هو أمره سبحانه بقتال الفئة الباغية كما قال: فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتّى تفيء إلى أمر اللّه (و) ب (علمه فيهم) بما يصنعون (فان أبوا) عن طاعتي و امتنعوا من الملازمة على مبايعتي مع قيام هذه الحجّة من اللّه سبحانه عليهم (أعطيتهم حدّ السّيف) القاطع امتثالا لأمر اللّه سبحانه و ابتغاء لمرضات اللّه (و كفى به) أى بذلك السّيف حالكونه (شافيا من الباطل و ناصرا للحقّ) هذا.
(و من العجب) كلّ العجب (بعثتهم إليّ) مع علمهم بحالي في الشّجاعة و الحرب و الصّبر على المكاره (بأن ابرز للّطعان و) تهديدهم علىّ ب (أن اصبر للجلاد) ثكلتهم الثّواكل و (هبلتهم الهبول) كيف يهدّدوني و يرهّبوني (لقد كنت و ما اهدّد بالحرب و) ما زلت (لا ارهب بالضّرب) و ذلك (لأنّى على يقين من ربّي) و على بصيرة من أمرى (و غير شبهة من ديني) فليس لمثلي أن يهدّد و يرهّب، لأنّ الموقن بأنّه على الحقّ ناصر للّه ذابّ عن دين اللّه أشدّ صبرا و أقوى جلدا و أثبت قدما في مقام الجدال و معركة الجهاد و القتال، لأنّ ثقته باللّه سبحانه على كلّ حال
تكملة
قد أشرنا سابقا إلى أنّ هذه الخطبة ملتقطة من خطبة طويلة مروية في شرح البحراني، و قدّمنا لك أيضا في شرح كلامه العاشر أنّ هذا الكلام أيضا من فصول هذه الخطبة فينبغي أن نورد الخطبة بتمامها حتّى يتّضح لك الحال، ثمّ نشير إلى بعض ما وردت فيها فقرات من هذه الخطبة على غير انساق و انتظام بتوفيق اللّه المتعال.
فأقول: تمام الخطبة على ما رواها الشّارح البحراني أنّه عليه السّلام حين بلغه أنّ طلحة و الزّبير خلعا بيعته قال بعد حمد اللّه و الثّناء عليه و الصّلاة على رسوله: أيّها النّاس إنّ اللّه افترض الجهاد فعظّمه و جعله نصرته و ناصره، و اللّه ما صلحت دنيا و لا دين إلّا به، و قد جمع الشّيطان حزبه، و استجلب خيله، و من أطاعه ليعود له دينه و سنّته و خدعه، و قد رأيت امورا قد تمخضّت«» و اللّه ما أنكروا علىّ منكرا و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا، و أنّهم ليطلبون حقّا تركوه، و دما سفكوه، فان كنت شريكهم فيه فانّ لهم لنصيبهم منه، و إن كانوا ولوه دوني فما الطلبة إلّا قتلهم و إنّ أوّل عدلهم لعلى أنفسهم و لا اعتذر ممّا فعلته و لا تبرّء مما صنعت و إنّ معى لبصيرتي ما لبست و لا لبس علىّ، و إنّها للفئة الباغيه فيها الحمّ«» و الحمّة طالت جلبتها و انكفت«» جونتها«»، ليعودنّ الباطل في نصابه.
يا خيبة الدّاعي من دعى لو قيل«» ما انكر في ذلك و ما امامه و فيمن سنّته و اللّه إذا لزاح الباطل من نصابه و انقطع لسانه، و ما أظنّ الطريق له فيه واضح حيث نهج و اللّه ما تاب«» من قتلوه قبل موته، و لا تنصّل«» من خطيئة و ما اعتذر إليهم فعذروه، و لا دعى فنصروه و أيم اللّه «لا قرطنّ لهم حوضا أنا ما نحته»«» لا يصدرون عنه برىّ و لا يعبّون«» حسوة«» ابدا و أنها لطيبة نفسي بحجّة اللّه عليهم و علمه فيهم و انّي راعيهم فمعذر إليهم فان تابوا و أقبلوا و أجابوا و أنابوا فالتّوبة مبذولة، و الحقّ مقبول و ليس على كفيل، و إن أبوا أعطيتهم حدّ السّيف و كفى به شافيا من باطل و ناصرا لمؤمن، و مع كلّ صحيفة شاهدها و كاتبها، و اللّه إنّ الزّبير و طلحة و عايشة ليعلمون أنّي على الحقّ و هم مبطلون هذا.
و في شرح المعتزلي عن أبي مخنف قال: حدّثنا مسافر بن عفيف بن أبي الأخنس قال: لمّا رجعت رسل عليّ من عند طلحة و الزّبير و عايشة يؤذنونه بالحرب قام فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على رسوله ثمّ قال: أيّها النّاس إنّي قد راقبت هؤلاء القوم كى يرعوا و يرجعوا، و وبّختهم بنكثهم و عرّفتهم بغيّهم فلم يستحيوا، و قد بعثوا إلىّ أن ابرز للطعان فاصبر للجلاد، و إنّما تمنيك نفسك أماني الباطل و تعدك الغرور ألا هبلتهم الهبول لقد كنت و ما أهدّد بالحرب، و لا ارهّب بالضّرب و لقد أنصف القادة من راماها، فليرعدوا و ليبرقوا، فقد رأونى قديما و عرفوا نكايتي فكيف رأوني أنا أبو الحسن الذي فللت حدّ المشركين و فرقت جماعتهم، و بذلك القلب ألقى عدوّي اليوم، و إنّي لعلى ما وعدني ربّي من النّصر و التّأييد، و على يقين من أمرى و في غير شبهة من ديني.
أيّها النّاس إنّ الموت لا يفوته المقيم و لا يعجزه الهارب ليس عن الموت محيد و لا محيص من لم يقتل مات، و إنّ أفضل الموت القتل، و الذي نفس علىّ بيده لألف ضربة بالسّيف أهون من موتة واحدة على الفراش اللّهمّ إنّ طلحة نكثت بيعتي و ألب علىّ عثمان حتى قتله ثمّ عضهني به و رماني اللّهمّ فلا تمهله، اللّهمّ إنّ الزبير قطع رحمى و نكث بيعتي و ظاهر على عدوّى فاكفنيه الموت بما شئت.
و عن أبي الحسن عليّ بن محمّد المدايني عن عبد اللّه بن جنادة قال: قدمت من الحجاز اريد العراق في أوّل أمارة عليّ، فمررت بمكّة فاعتمرت ثمّ قدمت المدينة فدخلت مسجد رسول اللّه إذا نودي الصّلاة جامعة فاجتمع النّاس و خرج عليّ متقلدا سيفه فشخصت الأبصار نحوه فحمد اللّه و صلى على رسوله ثم قال: أمّا بعد فانّه لمّا قبض اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قلنا نحن أهله و ورثته و عترته و أولياؤه دون النّاس، لا ينازعنا سلطانه أحد و لا يطمع في حقّنا طامع إذ انتزى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبيّنا و سرنا سوقة يطمع فينا الضّعيف، و يتعزّز علينا الذليل فبكت العين منّا لذلك، و خشنت الصّدور و جزعت النّفوس و أيم اللّه لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين، و أن يعود الكفر و يبور الدّين، لكنّا على ما غير «غير ما ظ» كنّا لهم عليه فولى الامر ولاة لم يألوا النّاس خيرا ثمّ استخرجتموني أيّها النّاس من بيتي فبايعتموني على شأن منّي لأمركم و فراسة تصدقني ما في قلوب كثير منكم و بايعني هذان الرّجلان في أوّل من بايع يعلمون ذلك، و قد نكثا و غدرا و نهضا إلى البصرة بعايشة ليفرّقا جماعتكم، و يلقيا بأسكم بينكم.
اللّهمّ فخذهما بما عملا أخذة واحدة رابية، و لا تنعش لهما صرعة و لا تقلهما عثرة، و لا تمهلهما فواقا، فانّهما يطلبان حقّا تركاه و دما سفكاه اللهمّ إنّي أقتضيك وعدك فإنّك قلت و قولك الحقّ لمن بغي عليه لينصرنّه اللّه اللّهمّ فأنجز لي موعدي و لا تكلني إلى نفسي انّك على كلّ شيء قدير أقول: و هذه الرّواية كما ترى صريحة في اغتصاب الخلافة و أنها انتزعت منه عليه السّلام ظلما و جورا من دون أن يكون له عليه السّلام رضا فيه كما أنّها صريحة«» في أنّ تولي ولاة السّوء لها لم يكن قصدا للخير منهم، و إنّما كان حبّا للرّياسة و اتّباعا للهوى و من العجب أنّ الشّارح المعتزلي مع روايته هذه يزعم أنّه عليه السّلام إنّما ترك الأمر إليهم برضى منه و ميل، و أنّهم تولوا الأمر ملاحظة لصلاح الشّريعة و مراعاة لمصلحة الاسلام، كما مرّ تفصيلا في شرح الخطبة الشقشقيّة، فجزاهم اللّه عن الاسلام و أهله شرّ الجزاء.
و عن الكليني قال: لمّا أراد عليّ عليه السّلام المصير إلى البصرة قام فخطب النّاس فقال بعد أن حمد اللّه و صلّى على رسوله: إنّ اللّه لمّا قبض نبيّه استأثرت علينا قريش بالأمر و دفعتنا عن حقّ نحن أحقّ به من النّاس كافة، فرأيت أنّ الصّبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين و سفك دمائهم، و النّاس حديثو عهد بالاسلام، و الدين يمخض مخض الوطب، يفسده أدنى و هن و يعكسه أقلّ خلف (خلق خ ل) فولى الأمر قوم لم يألو في أمرهم اجتهادا، ثمّ انتقلوا إلى دار الجزاء و اللّه وليّ تمحيص سيئاتهم، و العفو عن هفواتهم فما بال طلحة و الزّبير و ليسا من هذا الأمر بسبيل، لم يصبرا عليّ حولا و لا أشهرا حتّى و ثبا و مرقا و نازعاني أمرا لم يجعل اللّه لهما إليه سبيلا بعد أن بايعا طائعين غير مكرهين يرتضعان امّا قد فطمت، و يحييان بدعة قد اميتت ادم عثمان زعما و اللّه ما التّبعة إلّا عندهم و فيهم و إنّ أعظم حجّتهم لعلى أنفسهم، و أنا راض بحجّة اللّه عليهم و علمه فيهم فان فاءا أو أنا بافحظّهما احرز او أنفسهما غنما و اعظم بهما غنيمة و إن أبيا اعطيتهما حدّ السّيف و كفى به ناصرا لحقّ و شافيا لباطل، ثمّ نزل.
و عن أبي مخنف عن زيد بن صوحان قال: شهدت عليّا بذي قار و هو معتم بعمامة سوداء و ملتفّ بساج يخطب، فقال في خطبته: الحمد للّه على كلّ أمر و حال في الغدوّ و الآصال، و أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله، انبعثه رحمة للعباد، و حياة للبلاد، حين امتلأت الأرض فتنة و اضطرب حبلها و عبد الشّيطان في أكنافها و اشتمل عدوّ اللّه إبليس على عقايد أهلها فكان محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب الذي أطفأ اللّه به نيرانها، و أخمد به شرارها، و نزع به أوتادها و أقام به ميلها امام الهدى، و النبيّ المصطفى، فلقد صدع بما أمر به و بلّغ رسالات ربّه فأصلح اللّه به ذات البين، و آمن به السّبل، و حقن به الدّماء، و الف به بين ذوي الضّعاين الواغرة في الصّدور حتّى أتاه اليقين.
ثمّ قبضه اللّه إليه حميدا ثمّ استخلف النّاس أبا بكر فلم يأل جهده، ثمّ استخلف أبو بكر عمر فلم يأل جهده، ثمّ استخلف النّاس عثمان فنال منكم و نلتم منه حتّى إذا كان من أمره ما كان، أتيتموني لتبايعوني فقلت لا حاجة لي في ذلك و دخلت منزلي فاستخرجتموني فقبضت يدي فبسطتموها و تداككتم عليّ حتّى ظننت أنّكم قاتلي و أنّ بعضكم قاتل بعض فبايعتموني و أنا غير مسرور بذلك، و لا جذل و قد علم اللّه سبحانه أنّي كنت كارها للحكومة بين امّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و لقد سمعته يقول: ما من وال يلي شيئا من أمر امّتي إلّا اتى به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه على رءوس الخلايق، ثمّ ينشر كتابه فان كان عادلا نجا، و إن كان جائرا هوى حتّى اجتمع علىّ ملاءكم و بايعني طلحة و الزّبير و أنا أعرف الغدر في أوجههما، و النّكث في أعينهما ثمّ استأذناني في العمرة فأعلمتهما أن ليس العمرة يريدان، فسارا إلى مكّة و استخفّا عايشة و خدعاها و شخصا معها أبناء الطلقاء، فقدموا البصرة و قتلوا بها المسلمين، و فعلوا المنكر.
و يا عجبا لاستقامتهما على أبي بكر و عمر و بغيهما علىّ و هما يعلمان أنّي لست دون أحدهما، و لو شئت أن أقول لقلت: و لقد كان معاوية كتب إليهما من الشّام كتابا يخدعهما فيه فكتماه عنّي و خرجا يوهمان الظعام أنّهما يطلبان بدم عثمان، و اللّه ما أنكرا علىّ منكرا، و لا جعلا بيني و بينهم نصفا، و إنّ دم عثمان لمعصوب بهما و مطلوب منهما.
يا خيبة الدّاعي إلى مدعى إنّما ذا اجيب و اللّه إنّهما لعلى ضلالة صمّاء، و جهالة عمياء، و إنّ الشّيطان قد ذمر لهما حزبه، و استجلب منهما خيله و رجله ليعد الجور إلى أوطانه و يردّ الباطل إلى نصابه، ثمّ رفع يديه فقال: اللهمّ إنّ طلحة و الزّبير قطعاني و ظلماني و ألبا علىّ و نكثا بيعتي فاحلل ما عقدا، و انكث ما ابرما، و لا تغفر لهما أبدا و أرهما المسائة فيما عملا و أمّلا
الترجمة
از جمله خطبه شريفه آن حضرت است در مذمت طلحه و زبير و اتباع ايشان كه نسبت دادند خون عثمان عليه اللعنة و النّيران را بان امام عالميان: آگاه باش بدرستى كه شيطان لعين برانگيخت گروه خود را و بكشيد سپاه خود را تا باز گرداند ستم را بجايهاى خود و راجع گرداند باطل را بأصل خود، بخداوند سوگند انكار نكرده اند بر من فعل منكر را كه عبارت است از نسبت قتل عثمان بمن، و نگردانيده اند ميان من و خودشان انصاف و عدل را و بدرستي كه آنها هر آينه طلب مي كنند حقّيرا كه خود ترك كرده اند و خوني را كه خود ريخته اند پس اگر بودم من شريك ايشان در آن خون پس بتحقيق ايشان راست نصيب ايشان از آن خون و اگر ايشان خودشان مباشر آن خون شدند بدون من پس در اين صورت نيست عقوبت بازخواست مگر از ايشان و بدرستى كه بزرگترين حجة ايشان بر نفسهاى ايشان است، شير مىخواهند از مادرى كه از شير باز گرفته بچه خود را، و زنده ميكنند بدعتى را كه ميرانيده شده است، اى نوميدى دعوت كنند حاضر باش كه وقت حضور تو است چه كس است آنكه دعوت نمود او را اين داعى، و بچه چيز جواب داده شد و بدرستي كه من خوشنودم بحجة خدا بر ايشان و بعلم حقّ تعالى در شان آن جمع پريشان، پس اگر امتناع بكنند از طاعت من كه طاعت خداست بدهم بايشان تيزى شمشير بران را و كافيست آن شمشير در حالتي كه شفا دهنده است از باطل و يارى دهنده مي باشد از براى أهل حقّ، و از جمله امور عجيبه است فرستادن ايشان بسوى من اين كه بيرون آى از براى نيزه زدن و صبر كن از براى شمشير كشيدن، بى فرزند باد مادر ايشان و در ماتم ايشان گريه كند زنهاى گريه كننده هر آينه بوده ام كه تهديد كرده نشده ام بمحاربه و تخويف كرده نشده ام بمضاربه، و بدرستي كه من بر يقينم از پروردگار خود و بى شبهه ام از دين استوار خويش،پس تهديد و تخويف بى ثمر خواهد شد.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»