google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
140-160 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئیخطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 155 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)

خطبه 156 صبحی صالح

156- و من كلام له ( عليه ‏السلام )

خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم‏

فَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَعْتَقِلَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَلْيَفْعَلْ
فَإِنْ أَطَعْتُمُونِي فَإِنِّي حَامِلُكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَنَّةِ
وَ إِنْ كَانَ ذَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَ مَذَاقَةٍ مَرِيرَةٍ
وَ أَمَّا فُلَانَةُ فَأَدْرَكَهَا رَأْيُ النِّسَاءِ
وَ ضِغْنٌ غَلَا فِي صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ الْقَيْنِ
وَ لَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي مَا أَتَتْ إِلَيَّ لَمْ تَفْعَلْ
وَ لَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا الْأُولَى
وَ الْحِسَابُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى

وصف الإيمان‏

منه‏سَبِيلٌ أَبْلَجُ الْمِنْهَاجِ أَنْوَرُ السِّرَاجِ
فَبِالْإِيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ
وَ بِالصَّالِحَاتِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الْإِيمَانِ
وَ بِالْإِيمَانِ يُعْمَرُ الْعِلْمُ
وَ بِالْعِلْمِ يُرْهَبُ الْمَوْتُ
وَ بِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْيَا
وَ بِالدُّنْيَا تُحْرَزُ الْآخِرَةُ
وَ بِالْقِيَامَةِ تُزْلَفُ الْجَنَّةُ
وَ تُبَرَّزُ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ
وَ إِنَّ الْخَلْقَ لَا مَقْصَرَ لَهُمْ عَنِ الْقِيَامَةِ
مُرْقِلِينَ فِي مِضْمَارِهَا إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى
حال أهل القبور في القيامة
منه‏قَدْ شَخَصُوا مِنْ مُسْتَقَرِّ الْأَجْدَاثِ
وَ صَارُوا إِلَى مَصَايِرِ الْغَايَاتِ
لِكُلِّ دَارٍ أَهْلُهَا لَا يَسْتَبْدِلُونَ بِهَا وَ لَا يُنْقَلُونَ عَنْهَا
وَ إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ لَخُلُقَانِ مِنْ خُلُقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ
وَ إِنَّهُمَا لَا يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ
وَ لَا يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ
وَ عَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ
فَإِنَّهُ الْحَبْلُ الْمَتِينُ وَ النُّورُ الْمُبِينُ
وَ الشِّفَاءُ النَّافِعُ
وَ الرِّيُّ النَّاقِعُ
وَ الْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ
وَ النَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ
لَا يَعْوَجُّ فَيُقَامَ
وَ لَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ
وَ لَا تُخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدِّ
وَ وُلُوجُ السَّمْعِ
مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَ مَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ

و قام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن الفتنة،

و هل سألت رسول اللّه ( صلى‏ الله‏ عليه ‏وآله ) عنها فقال ( عليه ‏السلام ):
إِنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَوْلَهُ الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ‏
عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَةَ لَا تَنْزِلُ بِنَا وَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى ‏الله ‏عليه ‏وآله )بَيْنَ أَظْهُرِنَا
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي أَخْبَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا
فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ أُمَّتِي سَيُفْتَنُونَ بَعْدِي
فَقُلْتُ يَا رَسُولُ اللَّهِ أَ وَ لَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَوْمَ أُحُدٍ حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَ حِيزَتْ عَنِّي الشَّهَادَةُ
فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقُلْتَ لِي أَبْشِرْ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ
فَقَالَ لِي إِنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذاً
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ
وَ لَكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَى وَ الشُّكْرِ
وَ قَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ الْقَوْمَ سَيُفْتَنُونَ بِأَمْوَالِهِمْ
وَ يَمُنُّونَ بِدِينِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ
وَ يَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهُ
وَ يَأْمَنُونَ سَطْوَتَهُ
وَ يَسْتَحِلُّونَ حَرَامَهُ بِالشُّبُهَاتِ الْكَاذِبَةِ وَ الْأَهْوَاءِ السَّاهِيَةِ
فَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ
وَ السُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ
وَ الرِّبَا بِالْبَيْعِ
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِأَيِّ الْمَنَازِلِ أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ
أَ بِمَنْزِلَةِ رِدَّةٍ أَمْ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ
فَقَالَ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج9  

و من كلام له عليه السّلام خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم
و هو المأة و الخامس و الخمسون من المختار فى باب الخطب و شرحها في فصلين:

الفصل الأول منه

فمن استطاع عند ذلك أن يعتقل نفسه على اللَّه فليفعل، فإن أطعتموني فإنّي حاملكم إنشاء اللَّه على سبيل الجنّة و إن كان ذا مشقّة شديدة، و مذاقة مريرة، و أمّا فلانة فأدركها رأى النّساء و ضغن غلا في صدرها كمرجل القين، و لو دعيت لتنال من غيري ما أتت إليّ لم تفعل و لها بعد حرمتها الاولى و الحساب على اللَّه.

اللغة

(المرجل) وزان منبر القدر و (القين) الحدّاد.

الاعراب

على في قوله: على اللَّه، في الموضعين للاستعلاء المجازي و جملة لم تفعل جواب لو، و الباقي واضح.

المعنى

قال الشّارح البحراني «قدّه» إنّ قوله عليه السّلام (فمن استطاع عند ذلك) يقتضى أنّه سبق منه عليه السّلام قبل هذا الفصل ذكر فتن و حروب يقع بين المسلمين وجب على من أدركها (أن يعتقل نفسه على اللَّه) أى يحبسها على طاعته من دون أن يخالطها و يدخل فيها (فليفعل) لوجوب طاعته سبحانه عقلا و نقلا (فان أطعتموني فانّي حاملكم انشاء اللَّه على سبيل الجنّة) و سبيلها هو الدّين القويم و الصراط المستقيم و إنّما شرط عليه السّلام حملهم عليها باطاعته إذ لا رأى لمن لا يطاع (و إن كان) هذه السّبيل و سلوكها (ذا مشقّة شديدة و مذاقة مريرة) لظهور أنّ النّفوس مايلة إلى اللّهو و الباطل، و المواظبة على الطّاعات و الوقوف عند المحرّمات أمر شاقّ شديد المشقّة مرّ المذاق بعيد عن المساغ البتّة.

(و أمّا فلانة) كنّى بها عن عايشة و لعلّه من السيّد «ره» تقيّة كما كنّى في الخطبة الشّقشقيّة عن أبي بكر بفلان (فأدركها رأى النّساء) أى ضعف الرّأى فانّ رأيهنّ إلى الأفن و عزمهنّ إلى الوهن، و قد تقدّم ما ما يدلّ على نقصان حظوظهنّ و عقولهنّ و ميراثهنّ و ساير خصالهنّ المذمومة في الكلام التّاسع و السّبعين و شرحه (و ضغن) أى حقد (غلافي صدرها كمرجل القين) أى كغليان قدر الحدّاد، و هو من تشبيه المعقول بالمحسوس، و وجه الشّبه الشّدة و الدّوام و أسباب ضغنها كثيرة ستطّلع عليها بعيد ذلك.

(و لو دعيت لتنال غيري ما أتت إلىّ لم تفعل) قال الشّارح المعتزليّ: يقول لو أنّ عمر وليّ الخلافة بعد قتل عثمان على الوجه الّذي قتل عليه و الوجه الّذي أنا ولّيت الخلافة عليه و نسب عمر إلى أنّه كان يؤثر قتله أو يحرض عليه، و دعيت إلى أن تخرج عليه في عصابة من المسلمين إلى بعض بلاد الاسلام تثير فتنة و تنقض البيعة لم تفعل، و هذا حقّ لأنّها لم تكن تجد على عمر ما تجده على عليّ عليه السّلام و لا الحال الحال، انتهى.

و محصّله أنّه عليه السّلام أراد بقوله من غيري عمر قال العلّامة المجلسيّ:و الأظهر الأعمّ، أى لو كان عمر أو أحد من أضرابه وليّ الخلافة بعد قتل عثمان و دعيت إلى أن تخرج إليه لم تفعل (و لها بعد حرمتها الأولى) أى كونها من امّهات المؤمنين (و الحساب على اللَّه) هذا من باب الاحتراس الّذي تقدّم في ديباجة الشّرح أنّه من جملة المحسّنات البديعيّة، فانّه عليه السّلام لما أثبت لها حرمتها الاولى عقّبه بذلك لئلا يتوهّم منه أنّها محترمة في الدّنيا و العقبى، و نبّه به على أنّ حرمتها ملحوظة في الدّنيا فقط لرعاية احترام الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و أمّا في الأخرى فجزاء ضغنها و خروجها عن طاعة الامام المفترض الطّاعة و إثارتها الفتنة المؤدّية إلى إراقة دماء المسلمين على اللَّه سبحانه إذ من يعمل مثقال ذرّة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرّة شرا يره و قد قال تعالى: «يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً»

تذييل في ذكر عايشه و ذكر أسباب ضغنها

أورد الشّارح المعتزلي في شرح هذا الكلام له عليه السّلام فصلا طويلا كم فيه من التّصريح و التعريض و التلويح إلى مثالب عايشة و مطاعنها و إن لم يرفع الشّارح يده مع ذلك كلّه عن ذيل الاعتساف و التّعصّب أحببت ايراد ذلك الكلام على طوله لأنّه من لسان أبنائها أحلى و نعقّبه إنشاء اللَّه بما عندنا من القول الفصل الّذي ليس هو بالهزل، و من الحقّ الذي هو أحقّ أن يتّبع، فأقول: قال الشارح: كانت عايشة فقيهة راوية للشّعر ذات حظّ من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و كانت لها عليه جرأة و إدلال لم يزل ينمى و يستسرى حتّى كان منها في أمره في قصّة مارية ما كانت من الحديث الذّي أسرّه إلى الزّوجة الأخرى و أدّى إلى تظاهرهما عليه و أنزل فيهما قرآن يتلى في المحاريب يتضمّن وعيدا غليظا عقيب تصريح بوقوع الذّنب و صغو القلب و أعقبتها تلك الجرأة و ذلك الانبساط أن حدث منها في أيّام الخلافة العلويّة ما حدث، و لقد عفى اللَّه تعالى عنها و هى من أهل الجنّة عندنا بسابق الوعد و ما صحّ من أمر التّوبة إلى أن قال:

فأمّا قوله عليه السّلام: أدركها رأى النّساء، أى ضعف آرائهنّ و قد جاء في الخبر لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة، و جاء أنّهنّ قليلات عقل و دين، أو قال ضعيفات و لذلك جعل شهادة المرأتين بشهادة الرّجل الواحد، و المرأة في أصل الخلقة سريعة الانخداع سريعة الغضب سيّئة الظنّ فاسدة التّدبير، و الشجاعة فيهنّ مفقودة أو قليلة و كذلك السّخاء.

قال الشّارح: و أمّا الضغن فاعلم أنّ هذا الكلام يحتاج إلى شرح، و قد كنت قرأته على الشّيخ أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللّمعاني (ره) أيّام اشتغالى عليه بعلم الكلام، و سألته عمّا عنده فأجابني بجواب طويل أنا أذكر محصوله بعضه بلفظه و بعضه بلفظي فقد شذّ عنّي الآن لفظه كلّه بعينه قال: أوّل بداء الضغن كان بينها و بين فاطمة عليها السلام، و ذلك لأنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله تزوّجها عقيب موت خديجة فأقامها مقامها، و فاطمة عليها السّلام هى ابنة خديجة، و من المعلوم أنّ ابنة الرّجل إذا ماتت أمّها و تزوّج أبوها أخرى كان بين الابنة و بين المرأة كدروشنان، و هذا لا بدّ منه لأنّ الزّوجة تنفس عليها ميل الأب، و البنت تكره ميل أبيها إلى امرأة غريبة كالضّرة لامّها، بل هى ضرّة على الحقيقة و إن كانت الامّ ميتة و لأنا لو قدّرنا الامّ حيّة لكانت العداوة مضطرمة متسعّرة فاذا كانت قد ماتت ورثتها بنتها تلك العداوة.

ثمّ اتّفق أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم مال إليها و أحبّها فازداد ما عند فاطمة بحسب زيادة ميله، و أكرم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فاطمة إكراما عظيما أكثر ممّا كان النّاس يظنّونه و أكثر من إكرام الرّجال لبناتهم حتّى خرج بها عن حدّ حبّ الآباء للأولاد فقال صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم بمحضر الخاصّ و العامّ مرارا لا مرّة واحدة، و في مقامات مختلفة لا في مقام واحد: إنّها سيّدة نساء العالمين، و إنّها عديلة مريم بنت عمران، و إنّها إذا مرّت في الموقف نادى مناد من جهة العرش يا أهل الموقف غضّوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمّد صلّى اللَّه عليه و آله، و هذا من الأحاديث الصحيحة و ليس من الأخبار المستضعفة و أنّ انكاحه عليا إيّاها ما كان إلّا بعد أن أنكحه اللَّه إيّاها في السّماء بشهادة الملائكةو كم قال لا مرّة: يؤذيني ما يؤذيها و يغضبني ما يغضبها، و إنها بضعة يريبني ما رابها.

فكان هذا و أمثاله يوجب زيادة الضغن عند الزّوجة حسب زيادة هذا التعظيم و التبجيل، و النفوس البشريّة تغيظ على ما هو دون هذا فكيف هذا ثمّ حصل عند بعلها عليهما السّلام ما هو حاصل عندها أعني عليّا عليه السّلام، فانّ النساء كثيرا ما يحصلن الأحقاد في قلوب الرّجال لا سيّما و هنّ محدّثات اللّيل كما قيل في المثل، و كانت تكثر الشكوى من عايشة و يغشيها نساء المدينة و جيران بيتها فينقلن إليها كلمات عن عايشة ثمّ يذهبن إلى بيت عايشة فينقلن إليها كلمات عن فاطمة، و كما كانت فاطمة تشكو إلى بعلها كانت عايشة تشكو إلي أبيها لعلمها أنّ بعلها لا يشكيها على ابنته فحصل في نفس أبي بكر من ذلك أثر ما.

ثمّ تزايد تقريظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ و تقريبه و اختصاصه، فأحدث ذلك حسدا له و غيظة في نفس أبي بكر عنه و هو أبوها و في نفس طلحة و هو ابن عمّها و هي تجلس إليهما و تسمع كلامهما و هما يجلسان إليها و يحادثانها فأعدى إليها منهما كما أعدى إليهما منها.

قال: و لست ابرّى‏ء عليّا من مثل ذلك، فانه كان ينفس على أبي بكر سكون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليه و ثنائه عليه، و يحبّ أن ينفرد هو بهذه المزايا و الخصائص دونه و دون الناس أجمعين، و من انحرف عن إنسان انحرف عن أهله و أولاده فتأكّدت البغضة بين هذين الفريقين.

ثمّ كان من أمر القذف ما كان و لم يكن عليّ عليه السّلام من القاذفين و لكنه كان من المشيرين على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بطلاقها تنزيّها لعرضه عن أقوال الشناة و المنافقين قال له لما استشاره: إن هى إلّا شسع نعلك و قال له: سل الخادم و خوّفها و إن أقامت على الجحود فاضربها و بلغ عايشة هذا الكلام كلّه و سمعت أضعافه ممّا جرت عادة الناس أن يتداولوه في مثل هذه الواقعة، و نقل النساء إليها كلاما كثيرا عن عليّ و فاطمة فاشتدّت‏و غلظت و طوى كلّ من الفريقين قلبه على الشنآن لصاحبه ثمّ كان بينها و بين عليّ عليه السّلام في حياة رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحوال و أقوال كلّها تقتضى تهيّج ما في النفوس، نحو قولها له و قد استدناه رسول اللّه فجاء حتّى قعد بينه و بينها و هما متلاصقان: أما وجدت مقعدا لكذا- لا تكنى عنه- إلّا فخذى، و نحو ما روي أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سايره يوما و أطال مناجاته فجاءت و هى سايرة خلفهما حتّى دخلت بينهما و قالت: فيم أنتما فقد أطلتما، فيقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غضب ذلك اليوم و ما روى في حديث الجفنة من الثريد التي أمرت الخادم فوقفت لها فاكفأتها و نحوها ممّا يكون بين الأهل و بين المرأة و أحماتها.

ثمّ اتّفق أنّ فاطمة ولدت أولادا كثيرا بنين و بنات و لم تلد هى ولدا، و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقيم بني فاطمة مقام بنيه و يسمّى الواحد منهما و يقول: دعوا لى ابني، و لا تزرموا على ابني، و ما فعل ابني، فما ظنّك بالزّوجة إذا حرمت الولد من البعل ثمّ رأت البعل يتبنّى بني ابنته من غيرها و يحنو عليهم حنو الولد المشفق هل تكون محبّة لأولئك البنين و لامّهم و لأبيهم أم مبغضة و هل تودّ دوام ذلك و استمراره أم زواله و انقضائه ثمّ اتّفق أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سدّ باب أبيها إلى المسجد و فتح باب صهره ثمّ بعث أباها ببراءة إلى مكّة ثمّ عزله عنها بصهره، فقدح ذلك أيضا في نفسها.

و ولد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إبراهيم من مارية فأظهر عليّ عليه السّلام بذلك سرورا كثيرا و كان يتعصّب لمارية و يقوم بأمرها عند رسول اللّه ميلا على غيرها، و جرت لمارية نكبة مناسبة لنكبة عايشة فبرّها عليّ عليه السّلام منه و كشف بطلانها و كشفه اللّه تعالى على يده و كان ذلك كشفا محسّا بالبصر لا يتهيّأ للمنافقين أن يقولوا فيه ما قالوا في القرآن المنزل ببراءة عايشة، و كلّ ذلك مما كان يوعر صدر عايشة عليه و يؤكّد ما في نفسها منه.

ثمّ مات إبراهيم فأبطنت شماتة و إن أظهرت كأبة، و وجم عليّ عليه السّلام من ذلك و كذلك فاطمة و كانا يؤثران و يريدان أن تتميّز مارية عليها بالولد فلم يقدّر لهما و لا لمارية ذلك.
و بقيت الأمور على ما هى عليه و في النّفوس ما فيها، حتّى مرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المرض الّذي توفّى فيه، فكانت فاطمة و عليّ يريدان أن يمرّضاه في بيتهما و كذلك كانت أزواجه فمال إلى بيت عايشة بمقتضى المحبّة القلبيّة الّتي كانت لها دون نسائه، و كره أن يزاحم فاطمة و بعلها في بيتهما فلا يكون عنده من الانبساط بوجودهما ما يكون إذا خلا بنفسه في بيت من يميل إليه بطبعه و علم أنّ المريض يحتاج إلى فضل مداراة و نوم و يقظة و انكشاف و خروج حدث فكانت نفسه إلى بيته أسكن منها إلى بيت صهره و بنته فانّه إذا تصوّر حيائهما منه استحيى هو أيضا منهما و كلّ أحد يحبّ أن يخلو بنفسه و يحتشم الصّهر و البنت و لم يكن له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى غيرها من الزّوجات مثل ذلك الميل اليها فتمرّض في بيتها فغبطت على ذلك، و لم يمرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منذ قدم المدينة مثل ذلك المرض و إنّما كان مرضه الشقيقة يوما أو بعض يوم ثمّ تبرء فتطاول هذا المرض.

و كان عليّ عليه السّلام لا يشكّ أنّ الأمر له و أنّه لا ينازعه فيه أحد من النّاس و لهذا قال له عمّه و قد مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: امدد يدك أبايعك، فيقول النّاس عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بايع ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا يختلف عليك اثنان، قال: يا عمّ و هل يطمع فيها طامع غيري قال: ستعلم، قال: فانّى لا أحبّ هذا الأمر من وراء رتاج و أحبّ أن اصهر «اصحر» به فسكت عنه.

فلما ثقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مرضه أنفذ جيش اسامة و جعل فيه أبا بكر و غيره من أعلام المهاجرين و الأنصار، فكان عليّ عليه السّلام حينئذ بوصوله إلى الأمر إن حدث برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوثق، و تغلب على ظنّه أنّ المدينة لو مات صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لخلت من منازع ينازعه الأمر بالكليّة، فيأخذه صفوا عفوا، و يتمّ له البيعة فلا يتهيّأ فسخها لو رام ضدّ منازعة عليها.

فكان من عود أبي بكر من جيش اسامة بارسالها إليه و إعلامه بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يموت ما كان، و من حديث الصّلاة ما عرفت، فنسب عليّ عليه السّلام عايشة إلى أنّها أمرت بلالا مولى أبيها أن يأمره فليصلّ بالنّاس، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما روى قال: ليصلّ بهم أحدهم و لم يعيّن و كانت صلاة الصّبح.
فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو في آخر رمق يتهادى بين عليّ عليه السّلام و الفضل ابن العبّاس حتّى قام في المحراب كما ورد في الخبر، ثمّ دخل فمات ارتفاع الضّحى فجعل يوم صلاته حجّة في صرف الأمر إليه، و قال: أيّكم أطيب نفسا أن يتقدّم قدمين قدّمهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الصّلاة و لم يحملوا خروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى الصلاة لصرفه عنها بل لمحافظته على الصّلاة مهما أمكن.

فبويع على هذه النّكتة الّتي اتّهمها عليّ عليه السّلام أنّها ابتدأت منها و كان عليّ عليه السّلام يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيرا و يقول: إنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يقل إنّكنّ لصويحبات يوسف إلّا إنكارا لهذه الحال و غضبا منها لأنّها و حفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما و أنّه استدركها بخروجه و صرفه عن المحراب فلم يجد ذلك و لا أثر مع قوّة الدّاعي الّذي يدعو الى أبي بكر و يمهد له قاعدة الأمر و تقرّر حاله في نفوس النّاس و من اتّبعه على ذلك من أعيان المهاجرين و الأنصار و لما ساعد على ذلك من الحظ الفلكى الأمر السّمائي الّذي جمع عليه القلوب و الأهواء فكانت هذه الحال عند عليّ عليه السّلام أعظم من كلّ عظيم و هى الطّامة الكبرى و المصيبة العظمى و لم ينسبها إلّا إلى عايشة وحدها، و لا علّق الأمر الواقع إلّا بها، فدعا عليها في خلواته و بين خواصّه و تظلّم إلى اللّه منها، و جرى له في تخلّفه عن البيعة ما هو مشهور حتّى بايع.

و كان تبلغه و فاطمة عنها كلّ ما يكرهانه منذ مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أن توفّيت فاطمة عليها السلام و هما صابران على مضض و رمض، و استظهرت بولاية أبيها و استطالت و عظم شأنها و انخذل عليّ عليه السّلام و فاطمة و قهرا، و أخذت فدك و خرجت فاطمة تجادل في ذلك مرارا فلم تظفر بشي‏ء.

و في كلّ ذلك تبلّغها النّساء الداخلات و الخارجات عن عايشة كلّ كلام يسوؤها و يبلغن عايشة عنها و عن بعلها مثل ذلك، إلّا أنّه شتّان ما بين الحالين و بعد ما بين الفريقين، هذه غالبة و هذه مغلوبة، هذه آمرة و هذه مأمورة و ظهر التّشفى و الشّماتة و لا شي‏ء أعظم مرارة و مشقّة من شماتة العدوّ.

قال الشارح: فقلت له: أ فتقول أنت إنّ عايشة عيّنت أباها للصّلاة و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يعيّنه فقال: أما أنا فلا أقول ذلك، و لكن عليّا عليه السّلام كان يقوله، و تكليفي غير تكليفه كان حاضرا و لم أكن حاضرا، فأنا محجوج بالأخبار الّتي اتّصلت بي و هى تتضمّن تعيين النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأبي بكر في الصلاة و هو محجوج بما كان قد علمه أو يغلب على ظنّه من الحال الّتي كان حضرها.

قال: ثمّ ماتت فاطمة عليها السلام فجاء نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كلّهنّ إلى بني هاشم في العزاء إلّا عايشة، فانها لم تأت أظهرت مرضا، و نقل إلى عليّ عليه السّلام عنها كلام يدلّ على السرور.
ثمّ بايع عليّ عليه السّلام أباها فسّرت بذلك و أظهرت من الاستبشار بتمام البيعة و استقرار الخلافة و بطلان منازعة الخصم ما قد نقله الناقلون فأكثروا.

و استمرّت الامور على هذه مدّة خلافة أبيها و خلافة عمر و عثمان، و القلوب تغلى و الأحقاد تذيب الحجارة، و كلّما طال الزّمان على عليّ عليه السّلام تضاعفت همومه و غمومه، و باح بما في نفسه إلى أن قتل عثمان و قد كانت عايشة أشدّ الناس عليه تأليبا و تحريضا، فقالت: أبعده اللّه لما سمعت قتله و أمّلت أن يكون الخلافة في طلحة فيعود الأمر تيميّة كما كانت أوّلا، فعدل الناس عنه إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فلما سمعت ذلك صرخت وا عثماناه قتل عثمان مظلوما و ثارما في الأنفس حتى تولد من ذلك يوم الجمل و ما بعده.
قال الشّارح: هذه خلاصة كلام الشيخ أبي يعقوب و لم يكن يتشيّع، و كان شديدا في الاعتزال إلّا أنّه كان في التفضيل بغداديّا.

ثم قال الشارح في شرح قوله عليه السّلام و الحساب على اللّه:فان قلت: هذا الكلام يدلّ على توقّفه في أمرها و أنتم تقولون إنّها من أهل الجنّة فكيف تجمعون بين مذاهبكم و هذا الكلام قلت: يجوز أن يكون عليه السّلام قال هذا الكلام قبل أن يتواتر الخبر عنده بتوبتها فانّ أصحابنا يقولون: إنّها تابت بعد قتل أمير المؤمنين عليه السّلام و ندمت و قالت: لوددت أنّ لي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عشرة بنين كلّهم ماتوا و لم يكن يوم الجمل، و أنّها كانت بعد قتله تثنى عليه و تنشر مناقبه.

مع أنّهم رووا أيضا أنّها عقيب الجمل كانت تبكى حتّى تبلّ خمارها، و أنّها استغفرت اللّه و ندمت و لكن لم تبلغ أمير المؤمنين عليه السّلام حديث توبتها عقيب الجمل بلاغا يقطع العذر و يثبت الحجّة و الّذي شاع عنها من أمر النّدم و التّوبة شياعا مستفيضا إنّما كان بعد قتله عليه السّلام إلى أن ماتت و هى على ذلك، و التّائب مغفور له و يجب قبول التوبة عندنا في العدل و قد أكّد وقوع التّوبة منها ما روى في الأخبار المشهورة أنّها زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الآخرة كما كانت زوجته في الدّنيا، و مثل هذا الخبر إذا شاع أوجب علينا أن نتكلّف إثبات توبتها لو لم ينقل فكيف و النّقل لها يكاد أن يبلغ حدّ التّواتر، انتهى كلام الشّارح المعتزلي.

و ينبغي لنا أن نعقبه بما عندنا في هذا المقام فأقول و باللّه التكلان: اماما اشار اليه الشّارح من أنّه كان من عايشة في أمره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قصّة مارية ما كان من الحديث الّذي أسرّه إلى الزوجة الاخرى و أدّى إلى تظاهرهما عليه و أنزل فيهما قرآن يتلى في المحاريب آه فشرحه ما ذكره المفسّرون من العامّة و الخاصّة في تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» قال في الكشّاف: روى أنّه عليه الصّلاة و السّلام خلا بمارية في يوم عايشة و علمت بذلك حفصة فقال لها: اكتمى عليّ و قد حرمت مارية على نفسى و ابشرك أنّ أبا بكر و عمر يملكان بعدى أمر امّتي فأخبرت به و كانتا متصادقتين، و في التّفسير الكبير في تفسير قوله تعالى: وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى‏ بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ‏ وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى‏ بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ» قال الفخر الرّازي يعني ما أسرّ إلى حفصة من تحريم الجارية على نفسه و استكتمها ذلك، و قيل: لمّا رأى النّبي الغيرة في وجه حفصة أراد أن يرضاها فأسرّ إليها بشيئين: تحريم الأمة على نفسه، و البشارة بأنّ الخلافة بعده في أبي بكر و أبيها عمر، قاله ابن عباس و قوله: فلمّا نبأت به أى أخبرت به عايشة و أظهره اللّه عليه اطلع نبيّه على قول حفصة لعايشة فأخبر النّبيّ حفصة عند ذلك ببعض ما قالت و هو قوله تعالى: عرّف بعضه حفصة و أعرض عن بعض لم يخبرها انّك أخبرت عايشة على وجه التّكريم و الإغضاء، و الذي أعرض عنه ذكر خلافة أبي بكر و عمر و قال القمّي: سبب نزولها أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان في بعض بيوت نسائه، و كانت مارية القبطيّة تكون معه تخدمه، و كان ذات يوم في بيت حفصة، فذهبت حفصة في حاجة لها فتناول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مارية فعلمت حفصة بذلك فغضبت و أقبلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت: يا رسول اللّه في يومي و في دارى و على فراشي، فاستحى رسول اللّه منها فقال: كفى فقد حرّمت مارية على نفسي و لا أطاها بعد هذا أبدا، و أنا أقضى اليك سرّا إن أنت أخبرت به فعليك لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين فقالت: نعم ما هو فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ أبا بكر يلي الخلافة بعدي، ثمّ بعده أبوك فقالت من أنباك فقال نبّأني العليم الخبير، فأخبرت حفصة به عايشة من يومها ذلك و أخبرت عايشة أبا بكر فجاء أبو بكر إلى عمر فقال له: إنّ عايشة أخبرتني عن حفصة بشي‏ء و لا أثق بقولها، فاسأل أنت حفصة، فجاء عمر إلى حفصة فقال لها: ما هذا الّذي أخبرت عنك عايشة فأنكرت ذلك و قالت: ما قلت لها من ذلك شيئا، فقال عمر: إنّ هذا حقّ فأخبرينا حتّى نتقدّم فيه، فقالت: نعم قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاجتمعوا أربعة على أن يسمّوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فنزل جبرئيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بهذه السّورة قال: و أظهره اللّه عليه يعني و أظهره اللّه على ما أخبرت به و ما همّوا به من قتله عرف بعضه أى خبرها و قال: لم أخبرت بما خبرتك به و أعرض عن بعض قال: لم يخبرهم بما يعلم بما همّوا به من قتله، و قال تعالى في هذه السّورة:

«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ» قال في تفسير الصّافي: مثل اللّه حال الكفّار و المنافقين في أنّهم يعاقبون بكفرهم و نفاقهم و لا يحابون بما بينهم و بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المؤمنين من النّسبة و الوصلة بحال امرأة نوح و امرأة لوط، و فيه تعريض بعايشة و حفصة في خيانتهما رسول اللّه بافشاء سرّه و نفاقهما إيّاه و تظاهرهما عليه كما فعلت امرئتا الرّسولين فلم يغن الرّسولان عنهما بحقّ الزّواج إغناء ما و قيل لهما بعد موتهما أو يوم القيامة: ادخلا النّار مع الدّاخلين الّذين لا وصلة بينهم و بين الأنبياء.

و اما اسباب الضّغن التي بين عايشة و فاطمة عليها السّلام على ما فصّلها و حكاها عن الشّيخ أبى يعقوب اللّمعاني فهى كما ذكره إلّا أنّ اللّائمة فيها كلّها راجعة إلى عايشة و أبيها، و تشريكه بينهما و بين فاطمة و بعلها سلام اللّه عليهما في ذلك أى في الاتّصاف بالضغن و الحقد و الحسد غلط فاحش بعد شهادة آية التطهير و غيرها بعصمتهما و برائة ساحتهما عن دنس المعاصي و الذّنوب و طهارة ذيلهما عن وسخ الآثام و العيوب.

و من ذلك يعلم ما في قوله: و لست أبرّء عليّا من مثل ذلك فانّه كان ينفس على أبي بكر سكون النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليه و ثنائه عليه و يحبّ أن ينفرد هو بهذه المزايا و الخصائص دونه و دون النّاس أجمعين مضافا إلى ما فيه من أنّا لم نسمع إلى الآن لأبى بكر مزيّة و خاصّة و مكرمة اختصّ بها، و لم نظفر بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوما أثنا عليه و سكن اليه، و الأخبار المفصحة عن شقاقه و نفاقه و إزراء الرّسول عليه في غير موطن فوق حدّ الاحصاء، و لو لم يكن شاهد على عدم سكونه إليه غير بعثه بسورة برائة إلى مكّة ثمّ عزله عنها لكفى.

و أمّا الحديث الذي رواه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعني قوله: و كم قال لا مرّة يؤذيني ما يؤذيها و يغضبني ما يغضبها، فهو حديث صحيح رواه العامّة و الخاصّة، و ما أدرى ما يجيب متعصّبى أبي بكر و عمر عن ذلك، فانّ غصبهما فدك منها و أمرهماباحراق باب بيتها و إخراج بعلها ملبّبا إلى المسجد للبيعة كان بالضّرورة موجبا لغضبها و اذيها، فاذا انضمّ إلى ذلك الحديث الّذي رووه و أضيف إليهما قوله سبحانه وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ينتج أنّهما في العذاب الأليم و السّخط العظيم كما مرّ تفصيله في التّنبيه الثّاني في شرح الكلام السّادس و السّتين، و قد تقدّم هناك قول الشّارح أنّ الصحيح عندى أنها ماتت و هي واجدة على أبي بكر و عمر، و أنها أوصت أن لا يصلّيا عليها، فانظر ما ذا ترى.

و أما ما تكلّفه الشارح في آخر كلامه في اثبات توبة الخاطئة فدعوى لا تفى باثباتها بيّنة و هو يريد اصلاح أمرها- و لن يصلح العطّار ما أفسد الدّهر- و كيف تتوب عن خطائها و تندم على تفريطها بعد رسوخ الضغن في هذه السنين المتطاولة في قلبها و تزايد أسباب الحقد و الحسد و تراكمها يوما فيوما على ما فصّلها الشارح عن اللّمعاني، و قد تقدّم ما يرشدك إلى بطلان هذه الدعوى في شرح الكلام التاسع و السبعين و اورد هنا مضافا إلى ما سبق ما حققه شيخ الطايفة قدّس اللّه روحه في تلخيص الشافي في إبطال تلك الدّعوى.

قال في محكىّ كلامه في البحار: و أمّا الكلام في توبة عايشة فما بيناه من الطرق الثلاث في توبة طلحة و الزّبير هى معتمدة فيما يدّعونه من توبة عايشة.
أوّلها أنّ جميع ما يروونه من الأخبار لا يمكن ادّعاء العلم فيها و لا القطع على صحّتها، و أحسن الأحوال فيها أن يوجب الظنّ و قد بيّنا أنّ المعلوم لا يرجع عنه بالمظنون.

و الثاني أنها معارضة بأخبار تزيد ما رووه في القوّة أو تساويه، فمن ذلك ما رواه الواقدى باسناده عن مسعبة عن ابن عباس قال: أرسلنى علىّ إلى عايشة بعد الهزيمة و هى فى دار الخزاعييّن يأمرها أن ترجع إلى بلادها و ساق الحديث إلى قوله فبكت مرّة أخرى أشدّ من بكائها الأوّل ثمّ قالت: و اللّه لئن لم يغفر اللّه لنا لنهلكنّ ثمّ ساق الحديث إلى آخره ثمّ قال: فان قيل: ففى هذا الخبر دليل على التوبة و هى قولها عقيب بكائها لئن لم يغفراللّه لنا لنهلكنّ.

قلنا: قد كشف الأمر ما عقبت هذا الكلام به من اعترافها ببغض أمير المؤمنين و بغض أصحابه المؤمنين، و قد أوجب اللّه عليها محبّتهم و تعظيمهم، و هذا دليل على الاصرار و أنّ بكائها إنّما كان للخيبة لا للتّوبة، و ما كان في قولها لئن لم يغفر اللّه لنا لنهلكنّ من دليل على التّوبة و قد يقول المصرّ مثل ذلك إذا كان عارفا بخطائه فيما ارتكبه، و ليس كلّ من ارتكب ذنبا يعتقد أنّه حسن حتّى لا يكون خائفا من العقاب عليه، و أكثر مرتكبى الذّنوب يخافون العقاب مع الاصرار، و يظهر منهم مثل ما حكى من عايشة و لا يكون توبة و روى الواقدي باسناده أنّ عمّارا رحمة اللّه عليه استأذن على عايشة بالبصرة بعد الفتح فأذنت له فدخل فقال: يا امه كيف رأيت اللّه صنع حين جمع بين الحقّ و الباطل ألم يظهر اللّه الحقّ على الباطل و يزهق الباطل فقالت: إنّ الحرب دول و سجال و قد اديل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لكن انظر يا عمّار كيف تكون في عاقبة أمرك.
و روى الطبرىّ في تاريخه أنّه لمّا انتهى إلى عايشة قتل أمير المؤمنين قالت:

فألقت عصاها و استقرّ بها النّوى
كما قرّ عينا بالأياب المسافر

من قتله فقيل: رجل من مراد، فقالت:

فان يك تائبا فلقد نعاه
بنعى ليس في فيه التراب‏

فقالت زينب بنت سلمة بن أبي سلمة: أ لعلىّ تقولين هذا فقالت: إنّى أنسى فاذا نسيت فذكّروني، و هذه سخريّة منها بزينب و تمويه خوفا من شناعتها، و معلوم أنّ النّاسي و السّاهى لا يتمثّل بالشّعر في الأغراض المطابقة، و لم يكن ذلك منها إلّا عن قصد و معرفة.

و روى عن ابن عبّاس أنّه قال لأمير المؤمنين لمّا أبت عايشة الرّجوع إلى المدينة: أرى أن تدعها يا أمير المؤمنين بالبصرة و لا ترحلها، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّها لا تالو شرّا و لكنّي أردّها إلى بيتها الّذي تركها فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم‏فانّ اللّه بالغ أمره.

و روى محمّد بن إسحاق عن جنادة أنّ عايشة لمّا وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة لم تزل تحرّض النّاس على أمير المؤمنين، و كتبت إلى معاوية و إلى أهل الشّام مع الأسود بن أبي البختري تحرّضهم عليه صلوات اللّه عليه.
و روى عن مسروق أنّه قال: دخلت على عايشة فجلست إليها فحدّثتني و استدعت غلاما أسود يقال له: عبد الرّحمن، فجاء حتّى وقف فقالت: يا مسروق أ تدرى لم سمّيته عبد الرّحمن فقلت: لا، فقالت: حبّا منّى لعبد الرّحمن بن ملجم فأمّا قصّتها في دفن الحسن فمشهورة حتّى قال لها عبد اللّه بن عباس: يوما على بغل و يوما على جمل، فقالت: أو ما نسيتم يوم الجمل يا ابن عبّاس إنّكم لذوو أحقاد.

و لو ذهبنا إلى تقصّى ما روى عنها من الكلام الغليظ الشّديد الدّالّ على بقاء العداوة و استمرار الحقد و الضغينة لأطلنا و أكثرنا، و ما روى عنها من التّلهف و التّحسّر على ما صدر عنها فلا يدلّ على التّوبة إذ يجوز أن يكون ذلك من حيث خابت عن طلبتها و لم تظفر ببغيتها مع الذّلّ الّذي لحقها و ألحقها العار في الدّنيا و الاثم في الآخرة، انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول: و يدلّ على استمرار حقدها و بقاء عداوتها أيضا ما في الارشاد للمفيد (ره) قال: روى عكرمة عن عايشة في حديثها له بمرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وفاته فقالت في جملة ذلك: فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متوكّئا على رجلين أحدهما الفضل بن العبّاس، فلما حكى عنها ذلك لعبد اللّه بن العبّاس قال له: أ تعرف الرّجل الآخر قال: لا لم تسمّه لي، قال: ذاك عليّ بن أبي طالب و ما كانت امّنا تذكره بخير و هى تستطيع.

الترجمة

از جمله كلام آن بزرگوار است كه خطاب فرمود با آن اهل بصره را بر سبيل قصّه گوئى از واقعهاى عظيمه مى ‏فرمايد:

پس كسى كه استطاعت داشته باشد نزد آن حادثها اين كه حبس نمايد نفس خود را بر طاعت خدا پس بايد كه بكند آنرا پس اگر اطاعت نمائيد مرا پس بدرستى كه من حمل كننده شما هستم إنشاء اللّه بر راه بهشت و اگر چه مى‏باشد آن راه صاحب مشقّت سخت و چشيدني تلخ، و أمّا فلانة يعنى عايشه خاطئه پس دريافت او را رأى سست زنان و كينه ديرينه كه جوش زد در سينه او مثل ديك جوشنده آهنگران، و اگر خوانده شدى كه فرا گيرد از غير من آنچه كه آورد بسوى من نمى‏كرد، يعني اگر دعوت مى‏نمودند او را كه اقدام نمايد در حق غير من بمثل آنچه اقدام كرد در حقّ من از مخالفت و عداوت و خصومت البته اقدام نمى‏نمود، و با همه اين مر او راست بعد از اين همه قبايح كه از او صادر شد حرمت قديمه او كه در زمان حضرت رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم داشت و حساب بر پروردگار است.
ما كارهاى او بخداوند كار ساز بگذاشتيم تا غضب او چه مى‏ كند

الفصل الثاني منه

– سبيل أبلج المنهاج، أنور السّراج، فبالإيمان يستدلّ على الصّالحات، و بالصّالحات يستدلّ على الإيمان، و بالإيمان يعمر العلم، و بالعلم يرهب الموت، و بالموت تختم الدّنيا، و بالدّنيا تحرز الآخرة، و بالقيامة تزلف الجنّة للمتّقين، و تبرز الجحيم للغاوين، و إنّ الخلق لا مقصر لهم عن القيامة، مرقلين في مضمارها إلى الغاية القصوى. منه- قد شخصوا من مستقرّ الأجداث، و صاروا إلى مصائر الغايات، لكلّ دار أهلها، لا يستبدلون بها، و لا ينقلون عنها، و إنّ الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر لخلقان من خلق اللّه سبحانه، و إنّهما لا يقرّبان من أجل، و لا ينقصان من رزق، و عليكم بكتاب اللّه فإنّه الحبل المتين، و النّور المبين، و الشّفآء النّافع، و الرّيّ النّاقع، و العصمة للمتمسّك، و النّجاة للمتعلّق، لا يعوج فيقام، و لا يزيغ فيستعتب، و لا تخلقه كثرة الرّدّ، و ولوج السّمع، من قال به صدق، و من عمل به سبق. و قام إليه رجل فقال أخبرنا عن الفتنة و هل سألت عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال عليه السّلام: لمّا أنزل اللّه سبحانه قوله:- الم أ حسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون- علمت أنّ الفتنة لا تنزل بنا و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بين أظهرنا، فقلت: يا رسول اللّه ما هذه الفتنة الّتي أخبرك اللّه بها فقال: يا عليّ إنّ أمّتي سيفتنون من بعدي، فقلت: يا رسول اللّه أو ليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين و حيزت عنّي الشّهادة فشقّ ذلك عليّ فقلت لي: أبشر فإنّ الشّهادة من ورائك، فقال لي: إنّ ذلك لكذلك فكيف صبرك إذا فقلت:

يا رسول اللّه ليس هذا من مواطن الصّبر و لكن من مواطن البشرى و الشكر، و قال يا عليّ: إنّ الأمّة سيفتنون بعدي بأموالهم، و يمنّون بدينهم على ربّهم، و يتمنّون رحمته، و يأمنون سطوته، و يستحلوّن حرامه بالشّبهات الكاذبة، و الأهواء السّاهية، فيستحلوّن الخمر بالنّبيذ، و السّحت بالهديّة، و الرّبا بالبيع، فقلت: يا رسول اللّه فبأيّ المنازل أنزلهم عند ذلك أ بمنزلة ردّة أم بمنزلة فتنة فقال: بمنزلة فتنة.

اللغة

(بلج) الصّبح بلوجا من باب قعد أسفر و أنار و (أرقل) أسرع و (شخص) من بلد كذا رحل و خرج منه و (الأجداث) القبور جمع جدث بالتّحريك كأسباب و سبب و (الشّفاء النّافع) بالفاء و (الرّى النّاقع) بالقاف يقال: ماء ناقع أى ينقع الغلة أى يقطعها و يروى منها.

الاعراب

قال في الكشّاف: الحسبان لا يصحّ تعلّقه بمعانى المفرد و لكن بمضامين الجمل، ألا ترى أنّك لو قلت حسبت زيدا و ظننت الفرس لم يكن شيئا حتّى تقول حسبت زيدا عالما و ظننت الفرس جوادا، لأنّ قولك زيد عالم أو الفرس جواد كلام دالّ على مضمون فأردت الأخبار عن ذلك المضمون ثابتا عندك على وجه الظنّ لا اليقين، فلم تجد بدّا في العبارة عن ثباته عندك على ذلك الوجه من ذكر شطرى الجملة مدخلا عليهما فعل الحسبان حتّى يتمّ لك غرضك.

فان قلت: فأين الكلام الدّالّ على المضمون الذي يقتضيه الحسبان في الآية قلت: هو قوله: أن يتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون، و ذلك لأنّ تقديره أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنّا فالتّرك أوّل مفعولي حسب، و لقولهم آمنّا هو الخبر، و انا غير مفتونين فتتمّة التّرك لأنّه من التّرك الّذي هو بمعنى التّصيير كقوله: فتركته جزر السّباع ينشنه، ألا ترى أنّك قبل المجي‏ء بالحسبان تقدر أن تقول تركهم غير مفتونين لقولهم آمنّا على تقدير حاصل و مستقرّ قبل اللّام فان قلت: أن يقولوا هو علّة قولهم غير مفتونين فكيف يصحّ أن يكون خبر مبتدأ قلت كما تقول: خروجه لمخافة الشرّ و ضربه للتّأديب، و قد كان التأديب و المخافة في قولك خرجت مخافة الشّر و ضربته تأديبا تعليلين و تقول أيضا: حسبت خروجه لمخافة الشرّ و ظننت ضربه للتأديب، فتجعلهما مفعولين كما جعلتهما مبتدأ و خبرا.
و الهمزة في قوله عليه السّلام: أو ليس قد قلت، للاستفهام التّقريرى كما في قوله تعالى: أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ و المقصود به حمل المخاطب على الاقرار بما دخله النّفى

المعنى

اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه مشتمل على فصلين:

الفصل الاول (منه)
في وصف الدّين و الايمان و هو قوله (سبيل أبلج المنهاج) استعارة مرشّحة فانّ الايمان لمّا كان موصلا لصاحبه الى الجنّة و إلى حظاير القدس صحّ استعارة لفظ السّبيل له كما صحّ التعبير عنه بلفظ الصراط بذلك الاعتبار أيضا في قوله تعالى اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.

فهو طريق أوضح المسلك إلى الجنّة (و أنور السّراج) لا يضلّ سالكها البتّة لوضوحها و إضاءتها (فبالايمان يستدلّ على الصّالحات و بالصّالحات يستدلّ على الايمان) قال الشارح البحراني: و الصّالحات هى الأعمال الصّالحات من ساير العبادات و مكارم الأخلاق الّتي وردت بها الشريعة و ظاهر كونها معلولات للايمان و ثمرات له يستدلّ بوجوده في قلب العبد على ملازمته لها استدلالا بالعلّة على المعلول، و يستدلّ بصدورها من العبد على وجود الايمان في قلبه استدلالا بالمعلول على العلّة (و بالايمان يعمر العلم) إذ من المعلوم أنّ فضل العلم و كماله إنّما هو العمل بالأركان و العمل بالأركان إمّا شرط للايمان أو شطر منه حسبما عرفته في شرح الخطبة المأة و التاسعة فيكون فضله و كماله بالايمان، و هو معنى كونه معمورا به.

و يؤمى إليه قول الصّادق عليه السّلام: لا يقبل اللّه عملا إلّا بمعرفة و لا معرفة إلّا بعمل فمن عرف دلّته المعرفة على العمل و من لم يعمل فلا معرفة له الا أنّ الايمان بعضه من بعض.
و قال عليّ بن الحسين عليه السّلام: مكتوب في الانجيل: لا تطلبوا علم ما لا تعلمون و لمّا تعملوا بما علمتم، فانّ العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلّا كفرا و لم يزدد من اللّه إلّا بعدا.

(و بالعلم يرهب الموت) لأنّ العلم بالمبدإ و المعاد مستلزم لذكر الموت و التّوجه اليه و إلى ما يتلوه من الشدائد و الأهوال، و ذلك موجب للرّهبة منه لا محالة و أمّا الجاهل فهو غافل عن ذلك لكون همّته مقصورة على الدنيا مصروفة اليها (و بالموت تختم الدّنيا) و هو ظاهر إذ الموت آخر منازل الدّنيا كما هو أوّل منازل الآخرة (و بالدّنيا تحرز الآخرة) لأنّها دار التكليف و فيها يقام العبادات و يقتنى الحسنات فيفاز بالجنّات و ينال السّعادات فهى محلّ الاستعداد لتحصيل الزاد ليوم المعاد (و بالقيامة تزلف الجنّة للمتّقين و تبرز الجحيم للغاوين) اقتباس من الآية الشّريفة في سورة الشّعرا قال سبحانه: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَ أُزْلِفَتِ‏الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ.

أى قربت الجنّة و قدّمت للسّعداء بحيث يرونها من الموقف فيبجحون بأنّهم المحشورون إليها، و تظهر الجحيم للأشقياء فيرونها مكشوفة بارزة فيتحسّرون على أنهم المسوقون اليها (و أنّ الخلق لا مقصر لهم عن القيامة) أى لا محبس و لا غاية لهم دونها و لا مانع من ورودهم عليها (مرقلين) أى مسرعين (في مضمارها) و هو مدّة الحياة الدّنيا (إلى الغاية القصوى) قال الشّارح البحراني قوله: و إنّ الخلق لا مقصر لهم الى آخره كلام في غاية الحسن مع غزارة الفايدة، و هو إشارة إلى أنّه لا بدّ لهم من ورود القيامة و مضمارها مدّة الحياة الدّنيا، و هو لفظ مستعار، و وجه المشابهة كون تلك المدّة محلّ استعداد النّفوس للسباق إلى حضرة اللّه كما أنّ المضمار محلّ استعداد الخيل للسباق، و ارقالهم كناية عن سيرهم المتوهّم في مدّة أعمارهم إلى الآخرة، و سرعة حثيث الزّمان بهم في اعداد أبدانهم للخراب و الغاية القصوى هى السّعادة و الشّقاوة الاخروية

الفصل الثاني (منه)

في وصف حال أهل القبور و الحثّ على الأمر بالمعروف و النّهى عن المنكر و على لزوم كتاب اللّه و بيان معنى الفتنة و هو قوله عليه السّلام (قد شخصوا من مستقرّ الأجداث) أى ارتحل الموتى من محلّ استقرارهم و هى القبور (و صاروا إلى مصائر الغايات) أى انتقلوا إلى محال هى غاية منازل السّالكين و منتهى سير السّائرين، يعني درجات و دركات الجحيم (و لكلّ دار) من هاتين الدّارين (أهل) من السّعداء و الأشقياء (لا يستبدلون بها) غيرها (و لا ينقلون عنها) إلى غيرها يعني أنّ أهل الجنّة لا يطلبون إبدالها لما هم عليه من عظيم النّعماء و ألذّ الآلاء، و أهل النّار لا ينقلون عنها و لو طلبوا النّقل و الأبدال لكونهم مخلّدين فيها، و هذه قرينة على أن يكون‏ مراده عليه السّلام بأهل النّار الكفار و المنافقين، إذ غيرهم من أصحاب الجرائر من المسلمين المذعنين بالولاية لا يخلّدون في النّار لو دخلوها، بل يخرجون بعد تمحيص الذّنوب إمّا بفضل من اللّه سبحانه، أو بشفاعة أولياء اللّه تعالى كما دلّت عليه الاصول المحكمة.

ثمّ حثّ على الأمر بالمعروف و النّهى عن المنكر بالتنبيه على فضلهما بقوله (و إنّ الأمر بالمعروف و النّهى عن المنكر لخلقان من خلق اللّه) قال الشّارح البحراني «ره» إطلاق لفظ الخلق على اللّه استعارة، لأنّ حقيقة الخلق ملكة نفسانية تصدر عن الانسان بها أفعال خيريّة أو شريّة، و إذ قد تنزّه قدسه تعالى عن الكيفيّات و الهيئات لم يصدق هذا اللّفظ عليه حقيقة، لكن لمّا كان الأمر بالمعروف و النّهى عن المنكر و الأفعال الخيريّة الّتي بها نظام العالم و بقاؤه كحكمته و قدرته وجوده و عنايته و عدم حاجته بما يتعارف من الأخلاق الفاضلة الّتي تصدر عنها الأفعال الخيريّة البشريّة، فاستعير بها لفظ الاخلاق و اطلق عليه، انتهى.

أقول: هذا كلّه مبنيّ على التجوّز في لفظ الخلق حسبما صرّح به، و يجوز ابقائه على حقيقته و البناء على التجوّز في الاضافة، يعني أنّهما خلقان نسبتهما إليه سبحانه باعتبار كونهما مرضيّين عند اللّه و محبوبين له تعالى، فصحّ بذلك الاعتبار كونهما من خلقه تعالى أى من خلق هو محبوبه و مطلوبه كما نقول: بيت اللّه تشريفا، و روح اللّه تعظيما و تكريما و نحو ذلك، هذا.

و لمّا كان أكثر النّاس يكفون عن الأمر بالمعروف و النّهى عن المنكر، و يمسكون عن ردع الظلمة بتوهّم أن يبطش به فيقتل أو يقطع رزقه و يحرم فأشار عليه السّلام إلى دفع هذا التّوهم بقوله (و انّهما لا يقربان من أجل و لا ينقصان من رزق) و قد روى هذا المعنى عنه عليه السّلام في حديث آخر.
و هو ما رواه في الوسايل من الكافي عن يحيى بن عقيل عن حسن عليه السّلام قال خطب أمير المؤمنين عليه السّلام فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد فانّه إنّما هلك من‏ كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي و لم ينههم الرّبانيون و الأحبار عن ذلك، و إنّهم لمّا تمادوا في المعاصي و لم ينههم الرّبانيّون و الأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات فأمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر و اعلموا أنّ الأمر بالمعروف و النّهى عن المنكر لن يقربا أجلا و لن يقطعا رزقا.

و فيه عن الحسن بن عليّ بن شعبة في تحف العقول عن الحسين عليه السّلام قال: و يروى عن عليّ عليه السّلام اعتبروا أيها الناس بما وعظ اللّه به أوليائه من سوء ثنائه عن الأحبار إذ يقول: «لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ» و قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ إلى قوله لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ و إنّما عاب اللّه ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة المنكر و الفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم و رهبة ممّا يحذرون و اللّه يقول: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ و قال الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» فبدء اللّه بالأمر بالمعروف و النّهى عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنّها إذا ادّيت و اقيمت استقامت الفرائض كلّها هيّنها و صعبها، و ذلك إنّ الأمر بالمعروف و النّهى عن المنكر دعاء إلى الاسلام مع ردّ المظالم و مخالفة الظّالم و قسمة الفى‏ء و الغنايم و أخذ الصدّقات من مواضعها و وضعها في حقّها، هذا و ينبغي القيام بوظايف الأمر بالمعروف و النّهى عن المنكر بالشروط المقرّرة في الكتب الفقهيّة، و من جملتها الأمن من الضّرر على المباشر أو على بعض المؤمنين نفسا أو مالا أو عرضا، فلو غلب على ظنّه أو قطع بأن يصيبه أو يصيبهم ضرر بهما سقط وجوبهما، بل يحرمان كما صرّح به علماؤنا الأخيار و دلّت عليه أخبار أئمّتنا الأطهار.

روى في الوسايل عن الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن يحيى الطّويل صاحب المقري قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّما يؤمر بالمعروف و ينهى عن المنكر مؤمن فيتّعظ أو جاهل فيتعلّم فأمّا صاحب سوط أو سيف فلا.
و عنه عن أبيه عن ابن أبي عمير عن مفضّل بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال لي: يا مفضّل من تعرّض لسلطان جائر فأصابته بليّه لم يوجر عليها و لم يرزق الصّبر عليها.
فظهر لك بما ذكرنا أنّ قوله عليه السّلام في المتن: و إنّهما لا يقربان من أجل و لا ينقصان من رزق، لا بدّ أن يحمل على صورة عدم الظنّ بالضّرر فضلا عن القطع به ثمّ أمر بلزوم اتّباع الكتاب المجيد معلّلا وجوب متابعته بأوصاف كمال نبّه عليها فقال (و عليكم بكتاب اللّه فانّه الحبل المتين) استعارة لفظ الحبل له باعتبار حصول النّجاة للمتمسّك به كما يحمل النّجاة للمتمسّك بالحبل و ذكر المتانة ترشيح.

و قد وقع نظير تلك الاستعارة في النّبوي المعروف المروىّ بطرق عديدة منها ما رواه أبو سعيد الخدرى قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه حبل ممدود من السّماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي لن يفترقا حتّى يردا علىّ الحوض.

(و النّور المبين) و هو أيضا استعارة لأنّه نور عقليّ ينكشف به أحوال المبدأ و المعاد و يهتدى به في ظلمات برّ الأجسام و بحر النّفوس كما يهتدى بالنّور المحسوس في الغياهب و الظّلمات و نظير هذه الاستعارة قوله سبحانه: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ (و الشّفاء النّافع) إذ به يحصل البرء من الأسقام الباطنيّة و الأمراض النّفسانيّة كما قال تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ و قال في موضع آخر: وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (و الرّى النّاقع) أى القاطع لغليل العطشان بماء الحياة الأبديّة أعني ما تضمّنه من المعارف الحقّة و العلوم الالهيّة (و عصمة للمتمسّك و نجاة للمتعلّق) يعني من تمسّك و تعلّق به و أخذ بأحكامه و عمل بها فهو يعصمه من غضب الجبّار و ينجيه من دخول النّار (لا يعوجّ فيقام) لأنه كلام الحقّ يصدّق بعضه بعضا «وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً» و احتاج إلى إصلاح اختلافه و إقامة اعوجاجه و خلله‏ (و لا يزيغ فيستعتب) أى لا يميل و لا يعدل عن الحقّ حتّى يطلب عتباه و رجوعه إليه (و لا يخلقه كثرة الرّد و ولوج السّمع) يعني أنّ كلّ كلام نثرا كان أو نظما لو تكرّر تردّده على الألسنة و ولوجه في الأسماع مجّه الأسماع و ملّ عنه الطّباع و اشمأزّ منه القلوب و يكون خلقا مبتذلا مرذولا، و أمّا القرآن الكريم فلا يزال غضّا طريّا يزداد على كثرة التّكرار و طول التّلاوة في كرور الأعصار و مرور الدّهور حسنا و بهاء و رونقا و ضياء هو المسك ما كرّرته يتضوّع و ذلك من جملة خصائصها الّتي امتاز بها عن كلام المخلوق.

(من قال به صدق) لأنّه كلام مطابق للواقع فالقول بما أفاده البتّة يكون صدقا و القائل به صادقا (و من عمل به سبق) إلى درجات الجنان و فاز أعظم الرّضوان قال السّيّد (ره) (و قام إليه رجل فقال أخبرنا عن الفتنة) الظّاهر أنّ الّلام فيها للعهد و تكون الاشارة بها إلى فتنة معهودة سبق ذكرها في كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و في الكتاب العزيز في الآية الآتية وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» و غيرهما، و الفتنة تكون لمعان شتّى من الابتلاء و الامتحان و الاضلال و العذاب و الفضيحة و الكفر و الاثم و اختلاف النّاس في الآراء و نحوها.
و لمّا كان خطابه عليه السّلام بذلك الكلام لأهل البصرة حسبما نبّه السّيّد في عنوانه فبقرينة مساق الكلام يحتمل أن يكون استخبار السّائل عن موضوع الفتنة ليفهم أنّ فتنة أهل البصرة هل هى داخلة في الفتنة الّتي أخبر اللّه بها و رسوله، و أن يكون عن حكمها.

و يشعر بالأوّل جوابه للسّائل بما ينقله عن رسول اللّه من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ إنّ امّتي صيفتنون من بعدي، و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا: يا عليّ إنّ القوم سيفتنون بعدي.
و يشعر بالثّاني آخر كلامه عليه السّلام أعني قوله: فقلت يا رسول اللّه فبأيّ المنازل انزلهم عند ذلك أ بمنزلة ردّة أم بمنزلة فتنة فقال: بمنزلة فتنة.
فعلى الاحتمال الأوّل يكون معنى قوله (و هل سألت عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)هل سألت عن معنيها ليتبيّن المراد بها.

و على الاحتمال الثّاني فالمعنى هل سألت عن حكمها عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليعلم أنّ المفتونين مرتدّون أم لا (فقال عليه السّلام) في جواب المستخبر.
(لمّا أنزل اللّه سبحانه قوله الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ قال في الكشّاف في تفسير الآية: الفتنة الامتحان بشدايد التّكاليف من مفارقة الأوطان و مجاهدة الأعداء و ساير الطّاعات الشّاقّة و هجر الشّهوات و الملاذّ، و بالفقر و القحط و أنواع المصائب في الأنفس و الأموال، و بمصابرة الكفار على اذاهم و كيدهم و ضرارهم، و المعنى أحسب الّذين أجروا كلمة الشّهادة على ألسنتهم و أظهروا القول بالايمان أنّهم يتركون لذلك غير ممتحنين، بل يمتحنهم اللّه بأنواع المحن و ضروب البلا حتّى يبلو صبرهم و ثبات أقدامهم و صحّة عقايدهم و خلوص نيّاتهم ليتميّز المخلص من غير المخلص و الرّاسخ في الدّين من المضطرب و المتمكّن من العابد على حرف، انتهى.

أقول: و بنحو ذلك فسّره غير واحد من علماء التّفسير، و محصّله أنّ المراد بالفتنة الامتحان و الابتلاء في النّفس و المال.
و رواه الطبرسي في مجمع البيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: معنى يفتنون يبتلون في أنفسهم و أموالهم، و المستفاد من غير واحد من الأخبار الآتية أنّ المراد بها خصوص الامتحان بالولاية، و اليه يرجع ما أجاب به أمير المؤمنين عليه السّلام هنا للسائل المستخبر، و لا تنافي بين المعنيين إذ الأوّل تنزيله و الثاني تأويله و لا غبار عليه و إنّما الاشكال في قوله (علمت أنّ الفتنة لا تنزل بنا و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بين أظهرنا) لظهور أنّ الآية لا دلالة فيها على عدم نزول الفتنة بهم مع كون الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بينهم فمن أين علم أمير المؤمنين عليه السّلام ذلك، و قد تنبّه لذلك الشّارح المعتزلي و أجاب عنه بما لا يعبأ به حيث قال: فان قلت: فلم قال عليه السّلام علمت أنّ الفتنة لا تنزل بنا و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بين أظهرنا.

قلت: لقوله تعالى: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ» آه و أنت خبير بما فيه.
أمّا أوّلا فلأنّ هذا الجواب كما ترى مبنيّ على جعل الفتنة في الآية بمعنى العذاب، و قد علمت أنّ كلام أمير المؤمنين في هذا المقام ناظر إلى كونها بمعنى الامتحان بالولاية و التنافي بين المعنيين ظاهر.
و أمّا ثانيا فلأنّا بعد الغضّ عمّا ذكرنا نقول إنّ قوله: علمت، جواب لما و هو يفيد أنّ منشأ علمه بعدم نزول الفتنة هو قوله: الم أَ حَسِبَ النَّاسُ الآية، لا قوله: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ، و العلم بعدم نزول العذاب من الآية الثّانية لا يلازم حصول العلم من الآية الأولى على ما هو مقتضى ظاهر كلامه عليه السّلام.

و الّذي عندي في رفع ذلك الاشكال أنّه عليه السّلام علم ذلك حين نزول الآية باعلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقد روى في الصّافي عنه عليه السّلام أنّه لما نزلت هذه الآية قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا بدّ من فتنة تبتلى به الأمّة بعد نبيّها ليتعيّن الصّادق من الكاذب، لأنّ الوحى قد انقطع و بقى السّيف و افتراق الكلمة إلى يوم القيامة.
فانّ هذه الرّواية ككثير من الرّوايات الآتية صريحة في أنّ نزول الفتنة إنّما يكون بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فحصل بذلك العلم له عليه السّلام بأنّها لا تنزل مع كونه بين أظهرهم.

و لمّا كان ذلك الاخبار من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين نزول الآية صحّ بذلك الاعتبار قوله عليه السّلام: لمّا أنزل اللّه قوله الم آه علمت إلى قوله (فقلت يا رسول اللّه ما هذه الفتنة التيّ أخبرك اللّه بها فقال يا عليّ انّ امّتى سيفتنون من بعدى) و هذا الجواب من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له عليه السّلام و إن كان مجملا لم يصرّح فيه بانّ افتتان الامّة بعده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما ذا إلّا أنّه عليه السّلام قد فهم منه أنّ مراده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منه الافتتان به عليه السّلام و امتحانهم بولايته.
و فهمه عليه السّلام ذلك منه إمّا من باب سرّ الحبيب مع الحبيب أو بقرينة تصريحه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم به في غيره، فقد روى في غاية المرام عن ابن شهر اشوب عن أبي طالب الهروي‏باسناده عن علقمة و أبي أيّوب أنّه لمّا نزل ألم أحسب النّاس الآيات، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعمّار: إنّه سيكون من بعدى هناة حتّى يختلف السّيف فيما بينهم و حتّى يقتل بعضهم بعضا و حتّى يتبرّء بعضهم من بعض، فاذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني عليّ بن أبي طالب، فان سلك النّاس كلّهم واديا فاسلك وادى علىّ و خلّ عن النّاس، يا عمّار إنّ عليّا لا يردّك عن هدى و لا يردّك إلى ردى، يا عمّار طاعة علىّ طاعتي و طاعتي طاعة اللّه.

و فيه عنه من طريق العامّة أيضا في قوله الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ قال عليّ عليه السّلام يا رسول اللّه ما هذه الفتنة قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ بك و أنك المخاصم فأعدّ للخصومة.
و فيه عن محمّد بن العباس مسندا عن الحسين بن عليّ عن أبيه صلوات اللّه عليهم أجمعين قال: لما نزلت: الم أَ حَسِبَ النَّاسُ الآية قال: قلت يا رسول اللّه ما هذه قال: يا على إنّك مبتلى بك و أنت مخاصم فأعدّ للخصومة.

و عن محمّد بن العباس قال: حدّثنا أحمد بن هودة عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد اللّه بن حماد عن سماعة بن مهران قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات ليلة في المسجد، فلمّا كان قرب الصّبح دخل أمير المؤمنين عليه السّلام فناداه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال يا عليّ، فقال: لبيّك قال: هلمّ إليّ، فلمّا دنى منه قال: يا عليّ بت اللّيلة حيث تراني و قد سألت ربّي ألف حاجة فقضيها لي و سألت لك ربّي أن يجمع لك امّتى من بعدي فأبى عليّ ربّي فقال: الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ. و هذه الرّوايات و ما بمعناها«» ممّا لم نوردها خوف الاطالة كما ترى‏ صريحة في الدلالة على أنّ الافتتان بعده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّما هو بولاية أمير المؤمنين عليه السّلام فهى رافعة للاجمال في الجواب المرويّ في المتن مبنيّة لكون مراد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقوله: إنّ امّتي سيفتنون من بعدي افتتانهم بها و امتحانهم به عليه السّلام.

و لمّا كان ذلك مبعدا لما كان ينتظره عليه السّلام و يرجوه من شهادته الّتي بشرّ بها النبيّ و موهما لعدم تنجّز ما بشّر به و مفيدا لعدم حصوله في زمان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حال حياته و كان فيه خوف فوت المطلوب لا جرم أعاد عليه السّلام السّؤال تحصيلا لاطمينان القلب كما سأل إبراهيم ربّه بقوله: كيف تحيى الموتى فقال عليه السّلام (فقلت أ و ليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين و حيزت) أى منعت (عنّي الشهادة فشقّ ذلك علىّ فقلت لي: ابشر فانّ الشّهادة من ورائك فقال لي: إنّ ذلك كذلك) يعني أنّ الشهادة واقعة لا محالة و إن لم تكن في زماني و في مجاهداتك الّتي بين يديّ، هذا.

و يجوز أن تكون الهمزة في قوله: أو ليس قد قلت، لم يرد بها الاستفهام و التقرير، بل المراد بها الاستبطاء نظير ما قاله علماء البيان في مثل: كم دعوتك من أنّ الغرض به ليس السؤال و الاستفهام، بل المراد الاستبطاء و هو الوصف بالبطوء أى عدّ المتكلم المخاطب بطيئا في اجابة الدّعوة، و الغرض من الكلام الشّكاية عن بطوء الاجابة و الحثّ عليها.

و معنى الاستبطاء فيما نحن فيه وصف ما قاله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما بشّر به من الشهادة بالبطوء و الشّكاية من تأخيره فانّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما أخبر بأنّ الامة سيفتنون بعده أحبّ عليه السّلام أن لا يبقى إلى زمان تلك الفتنة فقال ذلك الكلام استبطاء للشهادة فافهم جيدا.

ثمّ أراد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الابانة عن علوّ همّته عليه السّلام و الافصاح عن ثبات قدمه في جنب اللّه فقال (فكيف صبرك إذا) يعني إذا ظفرت بالشهادة (فقلت يا رسول اللّه ليس هذا من مواطن الصّبر و لكن من مواطن البشرى و الشّكر) يعني أنّ الصبر عبارة عن تحمل المشاقّ و المكروه و هو إنّما يتصوّر في حقّ المحجوبين عن اللّه المنهمكين في لذّات الدّنيا و الغافلين عن لذّات الآخرة، فانهم يكرهون الموت و يفرّون منه و يحذرون من الشّهادة، و أمّا أولياء الدّين و أهل الحقّ و اليقين فغاية غرضهم الخروج من هذه القرية الظّالم أهلها و الفوز بلقاء الحقّ و النّيل إلى رضوانه فالموت لمّا كان وسيلة للوصول إليه فهو أحبّ إليهم من كلّ شي‏ء، و لذلك كان عليه السّلام يقول غير مرّة: و اللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطّفل بثدى امّه، و لمّا كان حصول الموت بالقتل و الشّهادة من أعظم القربات و أفضل الطّاعات كانوا مستبشرين به و شاكرين على وصول تلك النعمة العظيمة، و إليه ينظر قوله عليه السّلام في الكلام المأة و الثّانية و العشرين، إنّ أكرم الموت القتل و الّذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسّيف أهون علىّ من ميتة على فراش.

ثمّ عاد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد الاشارة إجمالا إلى افتتان الامة من بعده إلى شرح حال المفتونين و بيان أوصافهم تفصيلا (و قال يا عليّ إنّ الامّة سيفتنون بعدي بأموالهم) أى بقلّتها و كثرتها و باكتسابها من حلال أو حرام و بصرفها في مصارف الخير أو الشّر و باخراج الحقوق الواجبة منها و البخل بها و غير ذلك من طرق الامتحان (و يمنّون بدينهم على ربهم) كما منّ من قبلهم بذلك على ما حكى اللّه عنهم بقوله: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ (و يتمنّون رحمته و يأمنون سطوته) الأمن من سخط اللّه سبحانه كالإياس من رحمته من الكباير الموبقة، و أمّا تمنّى الرّحمة مع عدم المبالاة في الدّين فهو من صفة الجاهلين و قد روى عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أحمق الحمقاء من اتبع نفسه هويها و تمنّي على اللّه.

(و يستحلّون حرامه بالشّبهات الكاذبة و الأهواء السّاهية) أى الغافلة و وصف‏الأهواء بها للمبالغة كما في قولهم: شعر شاعر، فانّ اتّباع الهوى لما كان موجبا للغفلة عن الحقّ صحّ اتّصافه به، و المراد أنّ استحلالهم للحرام بسبب متابعتهم لهوى أنفسهم الصّاد لهم عن الحقّ و الشّاغل بهم إلى الدّنيا.

روى أبو حمزة عن أبي جعفر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يقول اللّه عزّ و جلّ: و عزّتي و جلالي و كبريائي و نورى و علوّي و ارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواه على هواى إلّا شتّت عليه أمره و لبّست عليه دنياه و شغلت قلبه بها و لم اوته منها إلّا ما قدرت له و عزّتي و جلالي و عظمتي و نوري و علوّي و ارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواى على هواه إلّا استحفظته ملائكتى، و كفّلت السّماوات و الأرضين رزقه و كنت له من وراء تجارة كلّ تاجر، و أتته الدّنيا و هى راغمة.

و أشار إلى تفصيل ما يستحلّونه من المحرّمات بقوله (فيستحلّون الخمر بالنّبيذ) الغالب في الخمر إطلاقه على الشّراب المتّخذ من العنب، و في النّبيذ استعمله في الشّراب المتّخذ من التّمر، و من ذلك نشأت شبهتهم حيث زعموا أنّ النّبيذ ليس بخمر فحكموا بحلّيته أى حلّية النّبيذ بتوهّم اختصاص الحرمة بالخمر فأوجب ذلك استحلالهم للخمر من حيث لا يشعرون.

و قد ذمهم عليه السّلام على ذلك تنبيها على فساد ما زعموه و هو كذلك.«» أما اولا فلمنع خروج النّبيذ من موضع الخمر، لأنّ الخمر عبارة عن كلّ ما يخمر العقل أى يستره و يغطّيه، فيشمل النّبيذ و غيره و إن كان استعماله في العصير العنبى اكثر.

و يدلّ عليه ما رواه في الوسايل عن الكليني بسنده عن عبد الرّحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الخمر من خمسة: العصير من الكرم و النّقيع من الزّبيب و البتع من العسل، و المرز من الشّعير، و النّبيذ من التّمر.

و عن الكليني عن عامر بن السمط عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: الخمر من خمسة أشياء: من التمر، و الزبيب، و الحنطة، و الشّعير، و العسل.

و فيه أيضا عن ابن الشّيخ في أماليه باسناده عن النّعمان بن بشير قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: أيّها النّاس إنّ من العنب خمرا، و إنّ من الزبيب خمرا و إنّ من التّمر خمرا، و إنّ من الشّعير خمرا، ألا أيّها النّاس أنهاكم عن كلّ مسكر.

و أما ثانيا فلمنع اختصاص حكم الحرمة بخصوص الخمر بعد تسليم عدم شموله للنّبيذ حقيقة، و ذلك لتعلّق الحكم بكلّ مسكر كما مرّ في الرّواية آنفا.
و مثله ما رواه في الوسايل عن الكلينيّ عن عطاء بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كلّ مسكر حرام و كلّ مسكر خمر.

و فيه عن عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ الآية، أمّا الخمر فكلّ مسكر من الشّراب إذا أخمر فهو خمر و ما أسكر كثيره فقليله حرام و ذلك إنّ أبا بكر شرب قبل أن يحرم الخمر فسكر إلى أن قال فأنزل اللّه تحريمها بعد ذلك و إنّما كانت الخمر يوم حرمت بالمدينة فضيخ البسر و التّمر، فلمّا نزل تحريمها خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقعد في المسجد ثمّ دعا بآنيتهم الّتى كانوا ينبذون فيها فأكفاها كلّها، و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هذه كلّها خمر حرّمها اللّه فكان أكثر شي‏ء أكفى في ذلك اليوم الفضيخ و لم أعلم اكفى يومئذ من خمر العنب شي‏ء إلّا إناء واحد كان فيه زبيب و تمر جميعا، فأمّا عصير العنب فلم يكن منه يومئذ بالمدينة شي‏ء، و حرّم اللّه الخمر قليلها و كثيرها و بيعها و شرائها و الانتفاع بها، هذا.
و يدلّ على حرمة النّبيذ بخصوصه ما رواه في الوسايل عن الكلينيّ باسناده عن خضر الصّيرفي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من شرب النّبيذ على أنّه حلال خلد في النّار، و من شربه على أنّه حرام عذّب في النّار.

و عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن عليّ عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لو أنّ رجلا كحل عينيه بميل من نبيذ كان حقّا على اللّه عزّ و جلّ أن يكحله بميل من نار.

و فيه عن الشّيخ باسناده عن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يكون مسلما عارفا إلّا أنّه يشرب العسكر هذا النّبيذ، فقال لي: يا عمّار إن مات فلا تصلّ عليه.

و الأخبار في هذا المعنى كثيرة و فيما أوردناها كفاية.

(و) يستحلّون (السّحت بالهدية) السّحت الحرام و كلّ ما لا يحلّ كسبه، و في مجمع البحرين عن عليّ عليه السّلام هو الرّشوة في الحكم و مهر البغى و كسب الحجام و عسب الفحل و ثمن الكلب و ثمن الخمر و ثمن الميتة.
و الظّاهر أنّ المراد به هنا خصوص الرّشوة كما فسّره بها الصّادق عليه السّلام فيما رواه في الوسايل عن الشّيخ باسناده عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان عن ابن مسكان عن يزيد بن فرقد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السّحت فقال: هو الرّشاء في الحكم.

و المقصود أنّهم يأخذون الرّشوة إذا اهديت إليهم و يستحلّونها بزعم أنّها هديّة قال الفاضل النّراقي: الفرق بين الرّشوة و الهديّة أنّ الأولى هى المال المبذول للقاضي للتوسّل به إلى الحكم ابتداء أو إرشادا، و الثّانية هى العطيّة المطلقة أو لغرض آخر نحو التّودّد و التّقرّب إليه أو إلى اللّه، و الحاصل أنّ كلّ مال مبذول للشّخص للتّوسّل به إلى فعل صادر منه و لو مجرّد الكفّ عن شرّه لسانا أو يدا أو نحوهما فهو الرّشوة، و لا فرق في الفعل الذي هو غاية البذل أن يكون فعلا حاضرا أو متوقّعا كان يبذل للقاضي لأجل أنّه لو حصل له خصم يحكم للباذل و ان لم يكن له بالفعل خصم حاضر و لا خصومة حاضرة، و كلّ مبذول لا لغرض يفعله المبذول له بل لمجرّد التقرّب أو التودّد إليه أو يصفة محمودة أو كمال فيه فهو هدية و إن كان الغرض من التودّد و التقرّب الاحتفاظ من شرّ شخص آخر أو التّوسل إلى فعل شخص آخر يوجبه التقرّب و التودّد إليه.

و قد يستعمل لفظ أحدهما في معنى الآخر تجوّزا فما كان من الأوّل فان كان الفعل المقصود الحكم فهو حرام مطلقا سواء كان الحكم لخصومة حاضرة أو فرضيّة، و لذا حكموا بحرمة الهديّة الغير المعهودة قبل القضاء، لأنه‏قرينة على أنّ المقصود منه الحكم و لو فرضا و هو كذلك لصدق اسم الرّشوة عرفا فيشمله إطلاقاتها و عليه يحمل إطلاق ما ورد من طريق العامّة و الخاصّة كما في أمالي الشيخ أنّ هدايا العمّال كما في بعضها أو هديّة الامراء كما في بعض آخر غلول أو سحت و يدلّ عليه أيضا رواية أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجلا يقال له اللّثة على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم و هذا اهدى لى، فقام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على المنبر فقال: ما بال العامل نبعثه على أعمالنا يقول: هذا لكم و هذا اهدى لي فهلّا جلس في قعب بيته أو في بيت اللّه ينظر ليهدى أم لا، و الّذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئا إلّا جاء يوم القيامة يحمل على رقبته، الحديث.

و إن كان غير الحكم فان كان أمرا محرّما فهو أيضا كرشوة الحكم محرّم لكونه إعانة على الاثم و اتّباعا للهوى، و ان لم يكن محرّما فلا يحرم للأصل و اختصاص الأخبار المتقدّمة برشوة الحكم، و ما كان من الثاني لا يحرم.

(و) يستحلّون (الرّبا بالبيع) الرّبا لغة هو الزّيادة و شرعا هو الزّيادة على رأس المال من أحد المتساويين جنسا ممّا يكال أو يوزن، و المراد أنهم يأخذون الزّيادة بواسطة البيع أى يجعلون المبايعة وسيلة إلى أخذ تلك الزيادة و يزعمون حليّتها لأجل أنّها معاملة بتراضى الطرفين أو أنهم يستحلّون الرّبا بقياسه على البيع كما كان عليه بناء أهل الجاهليّة على ما أخبر اللّه سبحانه عنهم بقوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا.

قال الشيخ الطبرسيّ أى ذلك العقاب لهم بسبب قولهم إنّما البيع الّذي لا ربا فيه مثل البيع الّذي فيه الرّبا.
قال ابن عباس: كان الرّجل منهم إذا حلّ دينه على غريمه فطالبه به قال المطلوب منه له: زدني في الأجل و أزيدك في المال، فيتراضيان عليه و يعملان به، فاذا قيل لهم هذا ربا قالوا: هما سواء، يعنون بذلك أنّ الزّيادة في الثمن حال البيع و الزّيادة فيه بسبب الأجل عند حلّ الدّين سواء، فذمّهم اللّه به و الحق الوعيد بهم و خطاهم في ذلك لقوله تعالى: وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا

و قال الفخر الرازي: اعلم أنّ الرّبا قسمان: ربا النسيئة و ربا الفضل أمّا ربا النّسيئة فهو الأمر الّذي كان متعارفا مشهورا في الجاهليّة، و ذلك أنّهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كلّ شهر قدرا معيّنا و يكون رأس المال باقيا، ثمّ إذا حلّ الدّين طالبوا المديون برأس المال، فاذا تعذر عليه الأداء زادوا في الحقّ و الأجل، فهذا هو الرّبا الّذي كانوا في الجاهليّة يتعاملون به، و أمّا ربا النّقد فهو أن يباع منّ من الحنطة بمنوين منها و ما أشبه ذلك.

أما قوله تعالى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ففيه مسائل: المسألة الاولى القوم كانوا في تحليل الرّبا على هذه الشّبهة، و هى أنّ من اشترى ثوبا بعشرة ثمّ باعه بأحد عشر فهذا حلال فكذا إذا باع العشرة بأحد عشر يجب أن يكون حلالا، لأنّه لا فرق في العقل بين الأمرين فهذا في ربا النقد و أمّا في ربا النّسيئة فكذلك أيضا لأنّه لو باع الثوب الّذي يساوي عشرة في الحال بأحد عشر إلى شهر جاز، فكذا إذا أعطى العشرة بأحد عشر إلى شهر وجب أن يجوز، لأنّه لا فرق في العقل بين الصّورتين، و ذلك لأنّه إنّما جاز هنا لأنّه حصل التّراضى فيه من الجانبين فكذا ههنا لمّا حصل التّراضي من الجانبين وجب أن يجوز أيضا، فالبياعات إنّما شرعت لدفع الحاجات و لعلّ الانسان أن يكون صفر اليد في الحال شديد الحاجة و يكون له في المستقبل من الزّمان أموال كثيرة فاذا لم يجز الرّبا لم يعطه ربّ المال شيئا فيبقى الانسان في الشّدة و الحاجة أمّا بتقدير جواز الرّبا فيعطيه ربّ المال طمعا في الزّيادة و المديون يردّه عند وجدان المال مع الزّيادة و إعطاء تلك الزيادة عند وجدان المال أسهل عليه من البقاء في الحاجة قبل وجدان المال، فهذا يقتضى حلّ الرّبا كما حكمنا بحلّ ساير البياعات لأجل دفع الحاجة فهذا هو شبهة القوم و اللّه تعالى أجاب عنه بحرف واحد و هو قوله: وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا.

و وجه الجواب أنّ ما ذكرتم معارضة للنّص بالقياس و هو من عمل إبليس فانّه تعالى لمّا أمره بالسّجود لآدم عليه السّلام عارض النّص بالقياس فقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ‏خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ، و ذكر الفرق بين البابين فقال: من باع ثوبا يساوى العشرة بالعشرين فقد جعل ذات الثوب مقابلا بالعشرين، فلمّا حصل التّراضي على هذا التّقابل صار كلّ واحد منهما مقابلا للآخر في الماليّة عندهما فلم يكن أخذ من صاحبه شيئا بغير عوض، أمّا إذا باع العشرة بالعشرين فقد أخذ العشرة الزّايدة من غير عوض.

و لا يمكن أن يقال إنّ عوضه هو الامهال في المدّة، لأنّ الامهال ليس مالا أو شيئا يشار إليه حتّى يجعله عوضا من العشرة الزّايدة، فظهر الفرق بين الصّورتين إلى أن قال: المسألة الثالثة في الآية سؤال، و هو أنّه لم لم يقل إنّما الرّبا مثل البيع و ذلك لأنّ حلّ البيع متّفق عليه فهم أرادوا أن يقيسوا عليه الرّبا، و من حقّ القياس أن يشبه محلّ الخلاف بمحلّ الوفاق، فكان نظم الآية أن يقال إنّما الرّبا مثل البيع في الحكمة في قلب هذه القضيّة فقال إنّما البيع مثل الرّبا و الجواب أنّه لم يكن مقصود القوم أن يتمسّكوا بنظم القياس، بل كان غرضهم أنّ الرّبا و البيع متماثلان من جميع الوجوه المطلوبة فكيف يجوز تخصيص أحد المثلين بالحلّ و الثّاني بالحرمة، و على هذا التّقدير فايّهما قدّم أو أخّر جاز، هذا.

و قال الرازى و ذكروا في سبب تحريم الرّبا وجوها: أحدها الرّبا يقتضى أخذ مال الانسان من غير عوض لأنّ من يبيع الدّرهم بالدّرهمين نقدا أو نسية فيحصل له زيادة درهم من غير عوض، و مال الانسان متعلّق حاجته و له حرمة عظيمة.

فان قيل: لم لا يجوز أن يكون إبقاء رأس المال في يده مدّة مديدة عوضا عن الدّرهم الزّايد، و ذلك لأنّ رأس المال لو بقى في يده هذه المدّة لكان يمكن المالك أن يتّجر فيه و يستفيد بسبب تلك التّجارة ربحا، فلمّا تركه في يد المديون و انتفع به المديون لم يبعد أن يدفع إلى ربّ المال ذلك الدّرهم الزّايد عوضا عن انتفاعه بماله.

قلنا: إنّ هذا الانتفاع الّذي ذكرتم أمر موهوم لا ينفكّ عن نوع ضرر موهوم قد يحصل و قد لا يحصل، و اخذ الدراهم الزائدة أمر متيقّن فتفويت المتيقّن لأجل الأمر الموهوم لا ينفكّ عن نوع ضرر و ثانيها قال بعضهم: اللّه تعالى إنّما حرّم الرّبا من حيث إنّه يمنع النّاس عن الاشتغال بالمكاسب، و ذلك لأنّ صاحب الدّرهم إذا تمكّن بواسطة عقد الرّبا من تحصيل الدّرهم الزائد نقدا كان أو نسية خفّ عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمّل مشقّة الكسب و التّجارة و الصّناعات الشّاقة، و ذلك يفضى إلى انقطاع منافع الخلق و من المعلوم أنّ مصالح العالم لا تنتظم إلّا بالتجارات و الحرف و الصّناعات و العمارات و ثالثها قيل: السّبب في تحريم عقد الرّبا إنّه يفضى إلى انقطاع المعروف بين النّاس من القرض، لأنّ الرّبا إذا حرم طابت النّفوس بقرض الدّرهم و استرجاع مثله، و لو حلّ الرّبا لكانت حاجة المحتاج تحمله على أخذ الدّرهم بدرهمين، فيفضى ذلك إلى انقطاع المواساة و المعروف و الاحسان.

أقول: و هذا الوجه الأخير هو المروىّ عن الصّادق عليه السّلام قال: إنّما شدّد اللّه في تحريم الرّبا لئلّا يمتنع النّاس من اصطناع المعروف قرضا و رفدا.
قال بعض العارفين: آكل الرّبا أسوء حالا من جميع مرتكبى الكبائر، فانّ كل مكتسب له توكّل ما في كسبه قليلا كان أو كثيرا كالتّاجر و الزارع و المحترف لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم و لم يتعيّن لهم قبل الاكتساب، فهم على غير معلوم في الحقيقة كما قال رسول اللّه: أبي اللّه أن يرزق المؤمن إلّا من حيث لا يعلم، و أمّا آكل الربا فقد عيّن مكسبه و رزقه و هو محجوب عن ربّه بنفسه و عن رزقه بتعيّنه لا توكل له أصلا، فوكّله اللّه إلى نفسه و عقله و أخرجه من حفظه و كلائته فاحتفظته الجنّ و خبلته فيقوم يوم القيامة و لا رابطة بينه و بين اللّه عزّ و جلّ كساير النّاس المرتبطين به بالتّوكل، فيكون كالمصروع الّذي مسّه الشّيطان فتخبّطه لا يهتدى إلى مقصد، هذا.

و الأخبار في عقاب الرّبا كثيرة جدّا منها ما في الصّافي عن الكافي عن الصّادق عليه السّلام درهم ربا أشدّ من سبعين‏ زنية كلّها بذات محرم، و زاد في الفقيه و التّهذيب مثل خالة و عمّة، و زاد القمّي في بيت اللّه الحرام، و قال: الرّبا سبعون جزء أيسره مثل أن ينكح الرّجل امّه في بيت اللّه الحرام.

و عن الفقيه و التهذيب عن أمير المؤمنين عليه السّلام لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الرّبا و آكله و بايعه و مشتريه و كاتبه و شاهديه.
ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما بيّن لأمير المؤمنين عليه السّلام أوصاف المفتونين فأعاد عليه السّلام السؤال و قال (فقلت يا رسول اللّه فبأىّ المنازل أنزلهم عند ذلك أ بمنزلة ردّة أم بمنزلة فتنة فقال بمنزلة فتنة) و ذلك لبقائهم على الاقرار بالشهادتين و ان ارتكبوا من المحارم ما ارتكبوا لشبه غطت على أعين أبصارهم، فلا يجرى عليهم في الظاهر أحكام الكفر و إن كانوا باطنا من أخبث الكفار.

تنبيهات

– الاول

قال الشارحان المعتزلي و البحراني: إنّ هذا الخبر الذي رواه أمير المؤمنين عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد رواه كثير من المحدّثين عنه عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه قد كتب عليك جهاد المفتونين كما كتب علىّ جهاد المشركين قال عليه السّلام فقلت: يا رسول اللّه ما هذه الفتنة التي كتب علىّ فيها الجهاد قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلّا اللّه، و أنّي رسول اللّه و هم مخالفون للسنّة، فقلت: يا رسول اللّه فعلى م أقاتلهم و هم يشهدون كما أشهد قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: على الاحداث في الدّين و مخالفة الأمر، فقلت: يا رسول اللّه إنّك كنت وعدتنى بالشهادة فاسأل اللّه أن يعجّلها لي بين يديك، قال: فمن يقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين أما أنّى وعدتك بالشهادة و ستشهد تضرب على هذا فتخضب هذه فكيف صبرك إذا فقلت يا رسول اللّه ليس ذا بموطن صبر هذا موطن شكر، قال: أجل أصبت فأعدّ للخصومة فانك مخاصم، فقلت: يا رسول اللّه لو بيّنت لي قليلا، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ امّتي ستفتن‏من بعدى فتتأوّل القرآن، و تعمل بالرّأى، و تستحلّ الخمر بالنبيذ، و السحت بالهديّة و الرّبا بالبيع، و تحرّف الكلم عن مواضعه، و تغلب كلمة الضّلال فكن جليس بيتك حتّى تقلّدها، فاذا قلّدتها، جاشت عليك الصّدور، و قلبت لك الامور، فقاتل حينئذ على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فليست حالهم الثّانية دون حالهم الاولى، فقلت: يا رسول اللّه فبأىّ المنازل انزل هؤلاء المفتونين أ بمنزلة فتنة أم بمنزلة ردّة فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بمنزلة فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل، فقلت يا رسول اللّه أ يدركهم العدل منّا أم من غيرنا قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بل منّا، بنا فتح اللّه و بنا يختم، و بنا ألّف اللّه بين القلوب بعد الشّرك، فقلت: الحمد للّه على ما وهب لنا من فضله.

بيان

قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كن جليس بيتك هكذا في نسخة الشّارح المعتزلي فعيل بمعنى فاعل أى كن من يجالس بيتك، و في نسخة البحراني حلس بيتك بالحاء المهملة وزان حبر قال في مجمع البحرين: في الخبر كونوا أحلاس بيوتكم، الحلس بالكسر كساء يوضع على ظهر البعير تحت البرذعة، و هذا هو الأصل، و المعنى الزموا بيوتكم لزوم الاحلاس و لا تخرجوا منها فتقعوا في الفتنة، و الضّمير في تقلّدها و قلّدتها على البناء للمفعول فيهما راجع إلى الخلافة، و التّقليد مأخوذ من عقد القلادة على الاستعارة و تقليدهم اطاعتهم و ترك الفساد، و جاش القدر بالهمز و غيره غلا، و قلبت لك الامور أى دبّروا أنواع المكائد و الحيل.

الثاني

قال الشّارح المعتزلي: في قوله عليه السّلام: بل بمنزلة فتنة، تصديق لمذهبنا في أهل البغى و أنّهم لم يدخلوا في الكفر بالكلّية، بل هم فسّاق، و الفاسق عندنا في منزلة بين المنزلتين خرج من الايمان و لم يدخل في الكفر، انتهى.
اقول: قد علمت تحقيق الكلام في حكم البغاة و الخوارج في شرح الخطبة

الثّالثة و الثّلاثين و ظهر لك هناك أنّهم محكومون بكفرهم باطنا و إن يجرى عليهم في الظّاهر أحكام الاسلام، و لقد ظفرت حيثما بلغ بنا الشّرح إلى هذا المقام على تحقيق أنيق للعلّامة المجلسي قدّس سرّه العزيز في هذا المرام، فأحببت أن أورده هنا لكونه معاضدا لما قدّمنا، فأقول: قال قدّس اللّه روحه في المجلّد الثّامن من البحار في باب حكم من حارب أمير المؤمنين عليه الصّلاة و السّلام:
تذييل في أحكام البغاة

اعلم أنّه قد اختلف في أحكام البغاة في مقامين:
الاول في كفرهم

فذهب أصحابنا إلى كفرهم قال المحقّق الطّوسي رحمة اللّه عليه في التجريد: محاربوا عليّ عليه السّلام كفرة، و مخالفوه فسقة.
أقول: و لعلّ مراده إنّ مخالفيه في الحرب و الذين لم ينصروه فسقة كما يؤمى إليه بعض كلماته فيما بعد.
و ذهب الشّافعي إلى أنّ الباغي ليس باسم ذمّ، بل هو اسم من اجتهد فأخطأ بمنزلة من خالف الفقهاء في بعض المسائل.

و قال شارح المقاصد: و المخالفون لعليّ عليه السّلام بغاة، لخروجهم على امام الحقّ بشبهة من ترك القصاص من قتلة عثمان، و لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعمّار رضي اللّه عنه تقتلك الفئة الباغية، و قد قتل يوم صفّين على يد أهل الشّام، و لقول عليّ عليه الصّلاة و السّلام: إخواننا بغوا علينا و ليسوا كفّارا و لا فسقة و ظلمة، لمالهم من التأويل و إن كان باطلا، فغاية الأمر أنّهم أخطئوا في الاجتهاد، و ذلك لا يوجب التّفسيق فضلا عن التّكفير.
و ذهبت المعتزلة إلى أنّه اسم ذمّ و يسمّونهم فسّاقا.

و الدّلائل على ما ذهب إليه أصحابنا أكثر من أن تحصى، و قد مضت الأخبار الدّالة عليه و سيأتي في أبواب حبّ أمير المؤمنين و إمّام المتّقين عليّ بن أبي طالب‏ عليه صلوات اللّه الملك الغالب و بغضه عليه الصّلاة و السّلام و أبواب مناقبه و ايرادها هنا يوجب التّكرار، فبعضها صريح في كفر مبغض أهل بيت العصمة و الطّهارة عليهم الصّلاة و السّلام، و لا ريب في أنّ الباغي مبغض، و بعضها يدلّ على كفر من أنكر إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصّلاة و السّلام، و بعضها على أنّ الجاحد له من أهل النّار، و بعضها يدلّ على كفر من لم يعرف امام زمانه، و ذلك ممّا اتّفقت عليه كلمة الفريقين، و البغى لا يجامع في الغالب معرفة الامام، و لو فرض باغ على الامام لأمر دنيويّ من غير بغض و لا انكار لامامته فهو كافر أيضا، لعدم القائل بالفرق.

ثمّ إنّ الظّاهر«» أنّ قوله تعالى: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‏ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى‏ أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.
لا يتعلّق بقتال البغاة بالمعنى المعروف، لما عرفت من كفرهم، و إطلاق المؤمن عليهم باعتبار ما كانوا عليه بعيد، و ظاهر الآية التّالية و هى قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.
بقاء المذكورين في الآية السّابقة على الايمان، و لعلّه السّرّ في خلوّ أكثر الأخبار عن الاحتجاج بهذه الآية في هذا المقام، فتكون الآية مسوقة لبيان حكم طائفتين من المؤمنين تعدّت و بغت احداهما على الاخرى لأمر دنيويّ أو غيرها ممّا لايؤدّى إلى الكفر.

الثاني فيما اغتنمه المسلمون من أموال البغاة
فذهب بعض الأصحاب إلى أنّه لا يقسم أموالهم مطلقا، و ذهب بعضهم إلى قسمة ما حواه العسكر دون غيره من أموالهم و تمسّك الفريقان بسيرته عليه السّلام في أهل البصرة.
قال الأوّلون: لو جاز الاغتنام لم يردّ عليه السّلام عليهم أموالهم و قد روى أنّه عليه السّلام نادى من وجد ماله فله أخذه فكان الرّجل منهم يمرّ بمسلم يطبخ في قدر فيسأله أن يصبر حتّى ينضج فلا يصبر فيكفاها و يأخذها، و أنّه عليه السّلام كان يعطى من القوم من له بيّنه و من لم يكن له بيّنه فيحلفه و يعطيه.

و قال الآخرون لو لا جوازه لما قسم عليه السّلام أموالهم أوّلا بين المقاتلة و قد كان ردّها عليهم بعد ذلك على سبيل المنّ لا الاستحقاق كما منّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على كثير من المشركين، و قد رووا عنه عليه السّلام أنّه قال: مننت على أهل البصرة كما منّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على أهل مكّة، و لذا ذهب بعض أصحابنا على جواز استرقاقهم كما جاز للرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أهل مكّة، و المشهور عدمه.

و الّذي نفهم من الأخبار أنّهم واقعا في حكم المشركين و غنايمهم و سبيهم في حكم غنايم المشركين و سبيهم، و القائم عليه السّلام يجرى عليهم تلك الأحكام، و لمّا علم أمير المؤمنين عليه السّلام استيلاء المخالفين على شيعته لم يجر هذه الأحكام عليهم لئلّا يجروها على شيعته، و كذا الحكم بطهارتهم و جواز مناكحتهم و حلّ ذبيحتهم لاضطرار معاشرة الشّيعة معهم في دولة المخالفين.

و يدلّ عليه ما رواه الكلينيّ باسناده عن أبي بكر الحضرمي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لسيرة علىّ يوم البصرة كانت خيرا للشّيعة ممّا طلعت عليه الشّمس لأنّه علم أنّ للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته، قلت فأخبرني عن القائم أ يسير بسيرته عليه السّلام قال: لا إنّ عليّا سار فيهم بالمنّ، للعلم من دولتهم، و إنّ القائم عليه السّلام يسير فيهم بخلاف تلك السّيرة، لأنّه لا دولة لهم.

و أمّا ما لم يحوها العسكر من أموالهم فنقلوا الاجماع على عدم جوازتملّكها، و كذلك ما حواه العسكر إذا رجعوا إلى طاعة الامام عليه السّلام و إنّما الخلاف فيما حواه العسكر مع إصرارهم، و أمّا مدبرهم و جريحهم و أسيرهم فذو الفئة منهم يتبع و يجهز عليه و يقتل، بخلاف غيره، و قد مضت الأخبار في ذلك و ستأتي في باب سيرته عليه السّلام في حروبه.

تكملة

قال الشّيخ قدّس اللّه روحه في تلخيص الشّافي عندنا أنّ من حارب أمير المؤمنين و ضرب وجهه و وجه أصحابه بالسّيف كافر، و الدّليل المعتمد في ذلك إجماع الفرقة المحقّة الاماميّة على ذلك، فانّهم لا يختلفون في هذه المسألة على حال من الأحوال و تدلّلنا على أنّ إجماعهم حجّة فيما تقدّم، و أيضا فنحن نعلم أنّ من حاربه عليه السّلام كان منكرا لامامته و دافعا لها، و دفع الامامة كفر كما أنّ دفع النّبوّة كفر، لأنّ الجهل بهما على حدّ واحد.
و قد روى عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: من مات و هو لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة، و ميتة الجاهليّة لا تكون إلّا على كفر.

و أيضا روى عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: حربك يا عليّ حربي و سلمك يا عليّ سلمي، و معلوم أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّما أراد أحكام حربك تماثل أحكام حربي، و لم يرد أنّ إحدى الحربين هى الاخرى، لأنّ المعلوم ضرورة خلاف ذلك و ان كان حرب النّبي كفرا أوجب مثل ذلك في حرب أمير المؤمنين عليه السّلام لأنّه جعله مثل حربه.
و يدلّ على ذلك أيضا قوله صلّى اللّه عليه و آله: اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه، و نحن نعلم أنّه لا يجب عداوة أحد بالاطلاق إلّا عداوة الكفّار.
و أيضا فنحن نعلم أنّ من كان يقاتله يستحلّ دمه و يتقرّب إلى اللّه بذلك، و استحلال دم مؤمن مسلم كفر بالاجماع، و هو أعظم من استحلال جرعة من الخمر الّذي هو كفر بالاتّفاق.

فان قيل: لو كانوا كفّارا لوجب أن يسير فيهم بسيرة الكفّار، فيتبع مولّيهم و يجهز على جريحهم، و يسبى ذراريهم، فلمّا لم يفعل ذلك دلّ على أنّهم لم‏يكونوا كفّارا.
قلنا: لا يجب بالتّساوي في الكفر التّساوى في جميع أحكامه، لأنّ أحكام الكفر مختلفة، فحكم الحربي خلاف حكم الذّمي، و حكم أهل الكتاب خلاف حكم من لا كتاب له من عباد الأصنام، فانّ أهل الكتاب يؤخذ منهم الجزية و يقرّون على أديانهم، و لا يفعل ذلك بعبّاد الأصنام، و عند من خالفنا من الفقهاء يجوز التّزوّج بأهل الذّمة و إن لم يجز ذلك في غيرهم، و حكم المرتدّ بخلاف حكم الجميع، و إذا كان أحكام الكفر مختلفة مع الاتّفاق في كونه كفرا لا يمتنع أن يكون من حاربه كافرا و إن سار فيهم بخلاف أحكام الكفّار.

و أمّا المعتزلة و كثير من المنصفين من غيرهم فيقولون بفسق من حاربه و نكث بيعته و مرق عن طاعته، و إنّما يدعون أنّهم تابوا بعد ذلك، و يرجعون في اثبات توبتهم إلى امور غير مقطوع بها و لا معلومة من أخبار الآحاد، و المعصية معلومة مقطوع عليها، و ليس يجوز الرّجوع عن المعلوم إلّا بمعلوم مثله.

الترجمة

فصل ثاني از كلام آن امام انام است مى ‏فرمايد: راه ايمان راهى است روشن‏تر از همه راهها، و نورانى‏ تر از جميع چراغها، پس با ايمان استدلال كرده مى‏ شود بأعمال صالحه، و با أعمال صالحه استدلال كرده مى‏ شود بايمان، و با ايمان آباد شده مى‏ شود علم، و با علم ترس حاصل مى ‏شود از مرگ و با مرگ ختم مى‏ شود دنيا، و با دنيا محكم مى‏ شود كار آخرت، و با قيامت نزديك شده مى‏ شود بهشت عنبر سرشت از براى متّقين، و اظهار مى ‏شود دوزخ از براى معصيتكاران و بدرستى كه مخلوقان هيچ مكان نگاهدارنده نيست ايشان را از ورود قيامت در حالتى كه سرعت كننده‏ اند در ميدان آن بسوى غايت نهايت كه عبارتست از سعادت و شقاوت.

بعض ديگر از اين كلام در بيان حال أهل قبور است مى‏ فرمايد:

بتحقيق كه كوچ كردند ايشان از قرارگاه قبرها، و منتقل شدند بمحل انتقال غايتها كه عبارتست از بهشت و جهنّم، و از براى هر خانه از اين دو خانه اهليست كه طلب نمى‏ كنند عوض نمودن آن را بخانه ديگر، و نقل كرده نمى‏ شوند از آن خانه بسوى غير آن، و بدرستى كه أمر بمعروف و نهى از منكر دو خلق پسنديده هستند از اخلاق خدا، و بدرستى كه اين دو خلق نزديك نمى‏گردانند از مرگ و كم نمى‏كنند از روزى، و لازم نمائيد بخودتان عمل كردن كتاب خدا را، پس بدرستى كه اوست ريسمان محكم، و نور آشكار و شفا دهنده با منفعت، و سيراب كننده كه رفع عطش مى‏نمايد، و نگاه دارنده از براى كسى كه تمسّك بآن نمايد، و نجاة دهنده مر كسى كه تعلّق بآن داشته باشد، كج نمى‏شود تا راست كرده شود، و عدول نمى‏كند از حق تا طلب كرده شود بازگشت آن بسوى حق، و كهنه نمى‏كند آن را كثرت ورد آن بزبانها و دخول آن بگوشها، هر كس قايل شد بآن كتاب صادق شد، و هر كس عمل نمود بآن سبقت كرد بدرجات جنان و روضه رضوان.

و بر خواست بسوى آن حضرت در أثناى اين كلام مردى، پس عرض نمود أى أمير مؤمنان خبر ده ما را از فتنه و بليّه و آيا پرسيدى آنرا از حضرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم پس فرمود: زمانى كه نازل نمود حق سبحانه و تعالى آيه الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ.

يعنى منم خداى لطيف مجيد آيا گمان كردند مردمان كه ايشان ترك كرده مي شوند بحال خودشان بمحض اين كه مى‏گويند ايمان آورديم ما و حال آنكه ايشان امتحان كرده نشوند، آن حضرت فرمود زمانى كه نازل شد اين آيه دانستم من كه فتنه نازل نمى‏ شود بما و حال آنكه حضرت رسالت مآب صلّى اللّه عليه و آله و سلّم در ميان ما است، پس گفتم يا رسول اللّه چيست اين فتنه و امتحان كه خبر داده تو را خداوند متعال بآن پس فرمود آن حضرت كه: أى عليّ بدرستى كه امّت من زود باشد كه بفتنه افتند بعد از من‏پس گفتم أى رسول خدا آيا نبود كه گفتى مرا در روز جنگ احد هنگامى كه بدرجه شهادت رسيدند كسانى كه شهيد شدند از مسلمانان و منع شد از من شهادت پس دشوار آمد اين شهيد نشدن بمن، پس فرمودى تو بمن كه: شاد باش كه شهادت از پس تو است، پس فرمود حضرت رسول بمن كه: يا عليّ كار بهمين قرار است يعنى البتّه شهيد خواهى شد پس چگونه است صبر تو آن هنگام عرض كردم: يا رسول اللّه نيست اين مقام از مقامهاى صبر و شكيبائى و لكن از مواضع بشارت و شكر است، پس فرمود آن حضرت: أى عليّ بدرستى اين قوم زود باشد كه مفتون باشند بعد از من بمالهاى خودشان و منّت گذارى كنند بدين خود بپروردگار خودشان، و آرزو نمايند رحمت او را و ايمن شوند از سخط او، و حلال شمارند حرام او را با شبهه‏ هاى دروغ و با خواهشات غفلت كننده، پس حلال شمارند شراب را به نبيذ، و رشوت را باسم هديه، و ربا را بسبب مبايعه، پس گفتم: يا رسول اللّه بكدام منزلها نازل كنم ايشان را در آن حال آيا بمنزله فتنه يا بمنزله مرتد شدن پس فرمود كه بمنزله فتنه از جهت اين كه ظاهرا اقرار بشهادتين دارند اگر چه باطنا كافرند.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=