google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
140-160 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئیخطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 149 (شرح میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»)توصية قبل موته‏

خطبه 149 صبحی صالح

149- و من كلام له ( عليه ‏السلام  ) قبل موته‏

أَيُّهَا النَّاسُ كُلُّ امْرِئٍ لَاقٍ مَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ

الْأَجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ

وَ الْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ

كَمْ أَطْرَدْتُ الْأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هَذَا الْأَمْرِ

فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا إِخْفَاءَهُ

هَيْهَاتَ عِلْمٌ مَخْزُونٌ

أَمَّا وَصِيَّتِي فَاللَّهَ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً

وَ مُحَمَّداً ( صلى‏الله‏عليه‏وآله  )فَلَا تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ

أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ

وَ أَوْقِدُوا هَذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ

وَ خَلَاكُمْ ذَمٌّ مَا لَمْ تَشْرُدُوا

حُمِّلَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ مَجْهُودَهُ

وَ خُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ

رَبٌّ رَحِيمٌ وَ دِينٌ قَوِيمٌ وَ إِمَامٌ عَلِيمٌ

أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ

وَ أَنَا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ

وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ

غَفَرَ اللَّهُ لِي وَ لَكُمْ

إِنْ تَثْبُتِ الْوَطْأَةُ فِي هَذِهِ الْمَزَلَّةِ فَذَاكَ

وَ إِنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ أَغْصَانٍ وَ مَهَابِّ رِيَاحٍ وَ تَحْتَ ظِلِّ غَمَامٍ

اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا

وَ عَفَا فِي الْأَرْضِ مَخَطُّهَا

وَ إِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً

وَ سَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلَاءً

سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَاكٍ وَ صَامِتَةً بَعْدَ نُطْقٍ

لِيَعِظْكُمْ هُدُوِّي وَ خُفُوتُ إِطْرَاقِي وَ سُكُونُ أَطْرَافِي

فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنَ الْمَنْطِقِ‏ الْبَلِيغِ

وَ الْقَوْلِ الْمَسْمُوعِ

وَدَاعِي لَكُمْ وَدَاعُ امْرِئٍ مُرْصِدٍ لِلتَّلَاقِي

غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي

وَ يُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي

وَ تَعْرِفُونَنِي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي وَ قِيَامِ غَيْرِي مَقَامِي

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج9  

و من كلام له عليه السّلام قبل موته

و هو المأة و التاسع و الاربعون من المختار فى باب الخطب.

و هو مرويّ في الكافي على اختلاف تطلع عليه أيّها النّاس كلّ امرء لاق ما يفرّ منه في فراره و الأجل مساق النّفس، و الهرب منه موافاته، كم اطّردت الأيّام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى اللَّه إلّا إخفائه، هيهات علم مخزون، أمّا وصيّتي‏ فاللَّه لا تشركوا به شيئا، و محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فلا تضيّعوا سنّته أقيموا هذين العمودين و أوقدوا هذين المصباحين، و خلاكم ذمّ ما لم تشردوا، حمل كلّ امرء منكم مجهوده، و خفّف عن الجهلة، ربّ رحيم، و دين قويم، و إمام عليم، أنا بالأمس صاحبكم و أنا اليوم عبرة لكم، و غدا مفارقكم، غفر اللَّه لي و لكم، إن ثبتت الوطأة في هذه المزلّة فذاك، و إن تدحض القدم فإنّا كنّا في أفياء أغصان و مهبّ رياح، و تحت ظلّ غمام اضمحلّ في الجوّ متلفّقها، و عفى في الأرض مخطّها، و إنّما كنت جارا جاوركم بدني أيّاما، و ستعقبون منّي جثّة خلاء ساكنة بعد حراك، و صامتة بعد نطوق ليعظكم هدويّ و خفوت أطراقي و سكون أطرافي فإنّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ، و القول المسموع، و داعيكم وداع امرء مرصد للتّلاقي، غدا ترون أيّامي، و يكشف لكم عن سرائري، و تعرفونني بعد خلوّ مكاني، و قيام غيري مقامي.

اللغة

(الطّرد) الابعاد و تقول طزدته أى نفيته عنّي، و الطريدة ما طردته من صيد و غيره، و الطّريدان اللّيل و النهار، و أطردت الرّجل على صيغة الافعال، إذا أمرت باخراجه و (شرد) البعير شرودا من باب قعد ندّ و نفر، و الاسم الشراد بالكسر و (حمل كلّ امرء منكم مجهوده) في بعض النّسخ على البناء للمفعول من باب التّفعيل و رفع كلمة كلّ، و في بعضها على المعلوم من باب التفعيل أيضا و نصب كلّ، فالفاعل هو اللَّه سبحانه، و في بعضها حمل كضرب على المعلوم و رفع كلّ و (خفف) على بناء المجهول و (الوطأة) بالفتح موضع القدم و المرّة من الوطى و هو الدّوس بالرّجل.

و (دحض) الرّجل دحضا من باب منع زلق و زلّ و (الأفياء) جمع في‏ء و هو الظلّ الحادث بعد الزّوال و (مهبّ الرّياح) محلّ هبوبها و في بعض النّسخ و مهاب رياح بصيغة الجمع و (اضمحل) السّحاب تقشّع و الشي‏ء ذهب و فنى و (الجوّ) ما بين السّماء و الأرض و (متلفقّها) بكسر الفاء من تلفّق الشي‏ء انضمّ و التأم و لفقت الثّوب لفقأ من باب ضرب ضممت احدى شقتيه إلى الأخرى للخياطة و (المخطّ) بالخاء المعجمة ما يحدث في الأرض من الخطّ الفاصل بين الظلّ و النّور.

و (ستعقبون) بالبناء على المجهول من الاعقاب و هو اعطاء الشي‏ء عقيب الشي‏ء يقال أكل أكلة أعقبته سقما أى أورثته و (حراك) كسحاب الحركة و (هدوى) في بعض النّسخ بالهمز على الأصل و في بعضها بتشديد الواو بقلب الهمزة واوا و (خفت) الصّوت خفوتا سكن و (اطراقى) إمّا بكسر الهمزة من اطرق إطراقا أى أرخى عينيه إلى الأرض، أو بفتحها جمع طرق بالكسر بمعنى القوّة كما في القاموس، أو بالفتح و هو الضرب بالمطرقة، و قيل جمع طرقة بالفتح أى صنايع الكلام يقال: هذا طرقته أى صنعته و الأوّل أظهر و أضبط، و في بعض النّسخ أطرافي بالفاء فهو جمع الطرف بالتسكين و هو تحريك العين و الجفن إلّا أنّ جمعه لم يثبت إلّا عند القتيبى و قال الزّمخشري: الطّرف لا يثنى و لا يجمع لأنّه مصدر و كذا ذكره الجوهري.

و (سكون أطرافي) جمع الطرف بالتحريك كجمل و جمال، و المراد بها الأعضاء و الجوارح كاليدين و الرّجلين و (الوداع) بفتح الواو اسم من ودّعته توديعا و هو أن تشيعه عند سفره، و أمّا الوداع بالكسر فهو اسم من أودعته موادعة أى‏ صالحته و (رصدته) إذا قعدت له على طريقه تترقّبه و أرصدت له العقوبة أى أعددتها له و حقيقتها جعلها على طريقة كالمترقّبة له، و مرصد في بعض النّسخ على صيغة اسم المفعول فالفاعل هو اللَّه تعالى أو نفسه عليه السّلام، و في بعضها على صيغة اسم الفاعل فالمفعول نفسه عليه السّلام أو ما ينبغي اعداده و تهيئته.

الاعراب

قوله: في فراره متعلّق بقوله لاق، و جملة أبحثها منصوبة المحلّ على الحالية و علم مخزون خبر لمبتدأ محذوف أى ذلك العلم علم مخزون، و قوله: فاللَّه لا تشركوا به شيئا و محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله، منصوبان على الاضمار على شريطة التفسير، و في بعض النسخ بالرّفع على الابتداء و الأوّل أرجح كما قرّر في الأدبيّة لاستلزام الثّاني كون الجملة الطّبيّة خبرا فتأمّل، و قوله: و خلاكم ذمّ بالرّفع فاعل خلا أى عداكم و هي كلمة تجرى مجرى المثل.

قال الشّارح البحراني: و أوّل من قالها قصير مولى حذيمة حين حثّ عمرو بن عدى اخت حذيمة على طلب ثاره من الزّباء فقال له عمرو: و كيف لي بذلك و الزّباء أمنع من عقاب الجوّ، فقال له قصير اطلب الأمر و خلاك ذمّ.

و قوله: ربّ رحيم و دين قويم و إمام عليم، برفع الجميع على الخبر أى ربّكم ربّ رحيم و دينكم دين قويم و هكذا على الابتداء و الخبر محذوف أى لكم ربّ رحيم و دين قويم آه قال الشّارح المعتزلي: و من النّاس من يجعل ربّ رحيم فاعل خفّف على رواية من رويها فعلا معلوما، و ليس بمستحسن، لأنّ عطف الدين عليه يقتضي أن يكون الدّين أيضا مخففّا، و هذا لا يصحّ انتهى.

و قال المحدّث العلّامة المجلسيّ: إنّ في أكثر النّسخ خفف على بناء المعلوم فقوله: ربّ فاعله و لا يضرّ عطف الدّين و الامام عليه لشيوع التّجوّز في الاسناد.

أقول: و ههنا وجه آخر على رواية حمل و خفف بالبناء على المجهول، و هو أن يكون ربّ مرفوعا بفعل محذوف على حدّ قوله سبحانه: «يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ» على قراءة يسبح بصيغة المجهول، كأنّه قيل: من حمل و خفّف، فقال: ربّ رحيم و دين قويم، و هذا الوجه أيضا مبنيّ على التجوّز في الاسناد.

و قوله: ليعظكم بكسر اللّام و نصب الفعل كما في أكثر النّسخ، و يحتمل الجزم لكونه أمرا أو فتح اللّام و رفع الفعل أيضا.

و قوله: وداعيكم وداع امرء مرفوعان على المبتدأ و الخبر، و إضافة و داعى إلى ضمير المفعول أى وداعى إيّاكم، و في بعض النّسخ بنصب وداع، و في بعضها بجرّها، و كلاهما مبنىّ على حذف الخافض أى كوداع امرء فالنّصب على حدّ قوله تعالى «وَ اخْتارَ مُوسى‏ قَوْمَهُ» أى من قومه،

و الثاني على حدّ قول امرء القيس«أشارت كليب بالأكفّ الأصابع»أى إلى كليب، و في نسخة الشّارح المعتزلي و داعى لكم وداع امرء و روى فيها أيضا ودّعتكم وداع امرء على صيغة المتكلّم من باب التّفعيل، فالوداع منصوب بالمصدريّة و غدا ظرف للأفعال بعده.

المعنى

اعلم أنّ هذا الكلام قد قاله عليه السّلام لما ضربه ابن ملجم المرادي عليه لعائن اللَّه و هو مسوق فى معرض التوصية و التّذكير، فأيّة بالنّاس و نبّههم على لحوق ضرورة المنفور منه طبعا بقوله: (أيّها النّاس كلّ امرء لاق ما يفرّ منه في فراره) يعنى أنّ الانسان يفرّ من الموت ما دام حيّا، فهو في مدّة الفرار و هى الحياة الدّنيا يلاقي ما يفرّ منه البتّة كما قال تعالى «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ» (و الأجل مساق النّفس) يجوز أن يراد بالأجل غاية العمر كما في قوله تعالى «وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ» فيكون المساق بمعنى ما يساق إليه، و أن يراد به المدّة المضروبة لبقاء الانسان أعني مدّة العمر فيكون المساق بمعنى زمان السّوق، فانّ مدّة بقاء النّفس في هذا البدن مساق إلى غايتها.

(و الهرب منه) أى من الأجل بالمعنى الأوّل أو ممّا يفرّ منه إن اريد به المعنى الثاني (موافاته) لأنّ الهرب منه إنّما يكون بعلاج و حركة يفنى بهما بعض المدّة، و إفناء المدّة يلزمه الموافاة فأطلق لفظ الموافاة على الهرب من باب اطلاق اسم اللّازم على الملزوم، أو لأنّه إذا قدّر زوال عمر أو دولة فكلّ تدبير يدبّره الانسان يصير سببا لحصول ما يهرب منه كما أنّ كلّ دواء و معالجة إذا صادف قرب مجي‏ء الأجل يكون مضرّا بالبدن و إن كان بحيث اذا لم يصادفه كان نافعا مجرّبا عند الأطباء مع أنّ المرض و المزاج في كلتا الصّورتين واحد بناء على إبطال أفعال الطبيعة و أنّ نفع الأدوية إنّما هو فعل اللَّه تعالى عند الدّواء، و مع قطع النظر عن ذلك إذا صادف الدّواء الأجل يصير أحذق الأطباء عاجزا غافلا عمّا ينفع المريض، فيعطيه ما يضرّه و إذا لم يصادفه يلهم أجهل الأطبّاء بما ينفعه كما هو المجرّب.

و كيف كان فقوله عليه السّلام: و الهرب منه موافاته، جار مجرى المبالغة في عدم كون الفرار منجيا من الموت و عاصما عنه حتّى جعل نفس الهرب منه ملاقاة له و لم يقل و الهارب منه يوافيه.

(كم اطّردت الأيام) أى صيّرتها طريدة قال الشارح المعتزلي فالاطّراد أدلّ على العزّ و القهر من الطرد (أبحثها) و افتّشها (عن مكنون هذا الأمر فأبى اللَّه إلّا إخفائه) قال الشّارح المعتزلي: كأنه عليه السّلام جعل الأيّام أشخاصا يأمر باخراجهم و ابعادهم عنه، أى ما زلت أبحث عن كيفية قتلي و أىّ وقت يكون بعينه و في أىّ أرض يكون يوما يوما، فاذا لم أجده في اليوم اطردته و استقبلت يوما آخر فأبحث فيه أيضا فلا أعلم فأبعده و اطرده و أستأنف يوما آخر، و هكذا حتّى وقع المقدور.

قال الشّارح: و هذا الكلام يدلّ على أنه عليه السّلام لم يكن يعرف حال قتله مفصّلة من جميع الوجوه، و أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أعلمه بذلك مجملا، لأنّه قد ثبت‏ أنّه صلّى اللَّه عليه و آله قال له: ستضرب على هذه و أشار إلى هامته فتخضب منها هذه، و أشار إلى لحيته و ثبت أنّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم قال له: أتعلم من أشقى الأوّلين قال: نعم عاقر النّاقة فقال له: أتعلم من أشقى الآخرين قال: لا، فقال: من يضرب ههنا فتخضب هذه و كلام أمير المؤمنين عليه السّلام يدلّ على أنّه بعد ضرب ابن ملجم له لا يقطع على أنّه يموت من ضربته، ألا تراه يقول: إن ثبتت الوطأة في هذه المزّلة فذاك آه.

و يظهر منه أنّ الشارح زعم أنّ مراده عليه السّلام بمكنون هذا الأمر وقت قتله و مكانه المعينان بالتفصيل.

و حذا حذوه الشارح البحراني حيث قال: و ذلك المكنون هو وقته المعيّن بالتفصيل و مكانه، فان ذلك ممّا استأثر اللَّه بعلمه كقوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ» و قوله «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ» و إن كان قد أخبره الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم بكيفية قتله مجملا-  إلى أن قال-  و أمّا بحثه هو فعن تفصيل الوقت و المكان و نحوهما من القراين المشخصة و ذلك البحث إمّا بالسّؤال من الرّسول مدّة حياته و كتمانه ايّاه، أو بالفحص و التّفرّس من قراين أحواله في ساير أوقاته مع النّاس، فأبى اللَّه إلّا أن تخفى عنه تلك الحال انتهى.

اقول: و لا يكاد ينقضي عجبى من هذين الفاضلين كيف توهّما أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم يكن عالما بزمان موته و لا مكانه إلّا اجمالا، و أنّه لم يكن يعرفهما تفصيلا إن هذا إلّا زعم فاسد و رأى كاسد.

أمّا الشّارح المعتزلي فمع روايته الأخبار الغيبيّة له عليه السّلام و إذعانه على صحّتها حسبما تقدّمت في التّنبيه الثاني من شرح الخطبة الثانية و التّسعين كيف خفى عليه وجه الحقّ و كيف يتصوّر في حقّ من هو عالم بما كان و ما يكون و من يقول: فاسألوني قبل أن تفقدوني فو الّذي نفسي بيده لا تسألوني عن شي‏ء فيما بينكم و بين السّاعة و لا عن فئة تهدى مأئة و تضلّ مأئة إلّا أنبئكم بناعقها و قائدها و سائقها و مناخ ركابها و محطّ رحالها و من يقتل من أهلها قتلا و يموت منهم موتا، الى آخر ما مرّ في الخطبة الّتي أشرنا اليها، أنّه لم يكن يعرف زمان موته و مكانه.

و أمّا الشّارح البحراني فمع كونه من فضلاء علماء الامامية قدّس اللَّه ضرايحهم كيف قصرت يده عن الأخبار العامية و الخاصية المفيدة لعلم الأئمّة عليهم السّلام بما كان و ما يكون و ما هو كائن و لمعرفتهم عليهم السّلام بوقت موتهم و موت شيعتهم، و أنّهم يعلمون علم المنايا و البلايا و الانساب، و هذه الأخبار قريبة من التواتر بل متواترة معنى و قد مضى جملة منها في تضاعيف الشّرح لا سيّما في شرح الفصل الثّاني من الخطبة المأة و الثّامنة و العشرين، و يأتي شطر منها في مواضعها اللّايقة، و قد روى المخالف و المؤالف قول أمير المؤمنين للحارث الأعور الهمداني:

يا حار همدان من يمت يرني
من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه و أعرفه‏
بنعته و اسمه و ما فعلا

فانّ من كان حاضرا عند كلّ ميّت، عارفا بوقت موته كيف لا يعرف وقت موت نفسه.

و كفاك دليلا على ما ذكرنا أنّ الكلينيّ قد عقد في الكافى بابا على ذلك، و قال: باب أنّ الأئمّة عليهم السّلام يعلمون متى يموتون و أنّهم لا يموتون إلّا باختيار منهم، و روى في ذلك الباب عن عليّ بن محمّد عن سهل بن زياد عن محمّد بن عبد الحميد عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرّضا عليه السّلام: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قد عرف قاتله و اللّيلة التّي يقتل فيها، و الموضع الّذي يقتل فيه، و قوله لما سمع صياح الأوز في الدّار: صوايح تتبعها نوايح، و قول امّ كلثوم: لو صلّيت اللّيلة داخل الدّار و أمرت غيرك يصلّي بالنّاس فأبى عليها، و كثر دخوله و خروجه تلك اللّيلة بلا سلاح، و قد عرف عليه السّلام ان ابن ملجم قاتله بالسّيف كان هذا ممّا لم يحسن «لم يجز لم يحلّ خ ل» تعرّضه فقال عليه السّلام: ذلك كان و لكنه عليه السّلام خيّر في تلك اللّيلة لتمضى مقادير اللَّه عزّ و جلّ.

و هذا الحديث و إن كان ضعيفا عند بعض لكنّه سهل عند آخرين معتضد بأخبار أخر.

قال العلّامة المجلسي (ره) في شرحه: منشا الاعتراض أنّ حفظ النّفس واجب عقلا و شرعا، و لا يجوز إلقاؤها الى التّهلكة، فقال عليه السّلام: ذلك كان و لكنّه خيّر أى خيّره اللَّه بين البقاء و اللّقاء فاختار لقاء اللَّه، و هو مبنيّ على منع كون حفظ النّفس واجبا مطلقا، و لعلّه كان من خصائصهم عدم وجوب ذلك عند اختيارهم الموت و حكم العقل في ذلك غير متّبع مع أنّ حكم العقل في مثل ذلك غير مسلّم.

و في بعض النّسخ أعني نسخ الكافي حيّن بالحاء المهملة و النّون أخيرا، بدل خير، قال الجوهريّ: حيّنه جعل له وقتا يقال: حيّنت النّاقة إذا جعلت لها في يوم و ليلة وقتا تحلبها فيه انتهى، فالمعنى أنّه كان بلغ الأجل المحتوم المقدّر و كان لا يمكن الفرار منه.

قال المحدّث العلّامة المجلسيّ: و حاصله أنّ من لا يعلم أسباب التّقديرات الواقعة يمكنه الفرار عن المحذورات و يكلّف به، و أمّا من كان عالما بجميع الحوادث، فكيف يكلّف الفرار و إلّا يلزم عدم وقوع شي‏ء من التّقديرات فيه، بل هم عليهم السّلام غير مكلّفين بالعمل بهذا العلم في أكثر التّكاليف.

فانّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السّلام كانا يعرفان المنافقين و يعلمان سوء عقايدهم و لم يكونوا مكلّفين بالاجتناب عنهم و ترك معاشرتهم و عدم مناكحتهم أو قتلهم و طردهم ما لم يظهر منهم شي‏ء يوجب ذلك.

و كذا علم أمير المؤمنين عليه السّلام بعدم الظّفر بمعاوية و بقاء ملكه بعده لم يكن سببا لأن يترك قتاله، بل كان يبلغ في ذلك غاية جهده إلى أن استشهد صلوات اللَّه عليه مع أنّه كان يخبر بشهادته و استيلاء معاوية بعده.

و كذا الحسين عليه السّلام كان عالما بغدر أهل العراق به و أنّه سيستشهد هناك مع أولاده و أقاربه و أصحابه، و يخبر بذلك مرارا و لم يكن مكلّفا بالعمل بهذا العلم بل كان مكلّفا بالعمل بهذا الأمر حيث بذلوا له نصرتهم و كاتبوه و راسلوه و وعدوه البيعة و بايعوا مسلم بن عقيل رضى اللَّه عنه انتهى.

و قال المجلسيّ أيضا في موضع آخر من شرح الكافي: الظاهر من ساير الأخبار أنّه عليه السّلام كان عالما بشهادته و وقتها و كان ينتظرها و يخبر بوقوعها و يستبطئها في اللّيلة التي وعدها و يقول: ما منع قاتلي من قتلي انتهى.

فقد ظهر و اتّضح بذلك كلّه أنّه عليه السّلام كان يعرف تفصيلا زمان قتله و مكانه كما ظهر دفع الاشكال فيه و الاعتراض عليه بأنّه مع المعرفة التفصيليّة كان الواجب عليه حفظ نفسه و عدم إلقاءه لها إلى التهلكة.

فان قلت: سلّمنا هذا كلّه و لكن ما تصنع بقوله عليه السّلام كم اطّردت الأيّام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى اللَّه إلّا إخفاءه قلت: يمكن توجيهه بأن يكون المراد بهذا الأمر خفاء الحقّ و مظلوميّة أهله و ظهور الباطل و غلبة أصحابه و كثرة أعوانه، لأنّه عليه السّلام سعى في أوّل الأمر في أخذ حقّه غاية السّعى فلم يتيسّر و جرت امور لم يكن يخطر ببال أحد وقوع مثله، و في آخر الأمر لمّا انتهى إليه و حصل له الأنصار و الأعوان و جاهد في اللَّه حقّ الجهاد و غلب على المنافقين سنحت فتنه التحكيم الّتي كانت من غرايب الامور ثمّ بعد ذلك لمّا جمع العساكر و أراد الخروج إليهم وقعت الطامة الكبرى، فالمراد بالمكنون سرّ ذلك و سببه فظهر لي و أبى اللَّه إلّا إخفاءه عنكم لضعف عقولكم عن فهمه، إذ هي من غوامض مسائل القضاء و القدر.

و هذا التوجيه أورده المحدّث المجلسيّ في مرآت العقول نقلا عن بعضهم و استحسنه.

و محصّله أنّ المراد بالأمر المكنون في كلامه عليه السّلام سرّ غلبة الباطل على الحقّ و علّة مظلومية أهل الحقّ، و المراد باخفاء اللَّه إياه إخفاءه منهم لا منه عليه السّلام، فيكون هذا الكلام منه نظير قوله عليه السّلام في الكلام الخامس: بل اند مجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة.

قوله (هيهات علم مخزون) أى بعد الاطلاع على ذلك السّر فانه علم مخزون و من شأن المخزون أن يسرّ و يخفى.

ثمّ شرع في الوصيّة فقال: (أما وصيّتي فاللَّه لا تشركوا به شيئا) أى وحّدوه و أخلصوا العمل له و الزموا أوامره و نواهيه (و محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله فلا تضيّعوا سنّته) أى لا تهملوها، و هو أمر بلزوم شرايع الدّين و سلوك نهج الشرع المبين.

و أكّد الأمر بالتّوحيد و اتّباع السّنة النّبويّة بقوله (أقيموا هذين العمودين) و استعار لهما لفظ العمود، لأنّ مدار الاسلام و نظام امور المسلمين في المعاش و المعاد على توحيد اللَّه سبحانه و اتباع سنّة رسوله، كما أنّ مدار الخيمة و القسطاط على العمود، و المراد باقامتهما الاعتقاد بهما و العمل بمقتضيات الايمان بهما.

(و اوقدوا هذين المصباحين) و هو استعارة اخرى و الجامع أنّهما يهديان إلى الصّراط المستقيم و جنّات النّعيم، و يدلّان على حظاير القدس و مجالس الانس، كما أنّ بالمصباح يهتدى في غياهب الدّجى إلى الطريق المطلوب، و ذكر الايقاد ترشيح للاستعارة (و خلاكم ذمّ ما لم تشردوا) أى سقط عنكم ذمّ و تجاوزكم فلا ذمّ يلحقكم ما لم تنفروا.

قال في مرآت العقول: و الغرض النّهى عن التّفرق و اختلاف الكلمة، أى لا ذمّ يلحقكم ما دمتم متّفقين في أمر الدّين متمسّكين بحبل الأئمّة الطاهرين أو المراد النّهى عن الرّجوع عن الدّين و إقامة سنّته.

و قوله (حمل كلّ امرء منكم مجهوده) كلام متّصل بما قبله، لأنّه لمّا قال ما لم تشردوا أنبأ عن تكليفهم كلّما وردت به السّنة النّبويّة أى كلّف كلّ أحد منكم مبلغ وسعه و طاقته.

و لمّا كان هذا الكلام بظاهره يعطى أنه سبحانه كلّف كلّ أحد بما هو مبلغ طاقته و نهاية و سعه فبيّن عليه السّلام أنّ التّكليف على حسب العلم و استدرك بقوله (و خفّف عن الجهلة) يعني أنّ الجهّال ليسوا مكلّفين بما كلّف به العلماء و قد قد قال اللَّه سبحانه: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ».

و هو بظاهره يدلّ على أنّ الجاهل معذور في أكثر الأحكام.

و قوله (ربّ رحيم) قد عرفت جهات الاحتمال في وجه اعرابه، و باختلافها يختلف المعنى فافهم، و وصف الرّب بالرّحمة لمناسبته بالتخفيف عن الجهلة (و دين قويم) ليس فيه أودوا عوجاج (و إمام عليم) أراد به الإمام في كلّ زمان، و يحتمل شموله لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله تغليبا، و ربّما يخصّ بالرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، و وصفه بالعلم لكونه عالما بكيفيّة سلوك مسالك الآخرة و قطع مراحلها و منازلها و الهادى فيها بما يقتضيه حكمته من القول و العمل.

و عقّب وصيّته بالتّنبيه على مجارى حالاته لاعتبار الحاضرين و اتّعاظ المشاهدين فقال (أنا بالأمس صاحبكم) أى كنت صحيحا مثلكم نافذ الحكم فيكم، و صاحب الأمر و النّهى، أو صاحبكم الذي تعرفونني بالقوّة و الشّجاعة (و اليوم عبرة لكم) تعتبرون باشرافي على الموت و ضعفى عن الحراك بعد ما كنت اصرع الابطال و اقتل الأقران (و غدا مفارقكم غفر اللَّه لي و لكم) هذا الكلام نصّ في علمه عليه السّلام تفصيلا بزمان موته حسبما قدّمناه.

و تأويل الشّارح المعتزلي له بأنّه لا يعنى غدا بعينه بل ما يستقبل من الزّمان كما يقول الانسان الصّحيح: أنا غدا ميّت فمالى أحرص على الدّنيا خروج عن ظاهر الكلام بلا دليل.

فان قلت: الدّليل عليه قوله (إن ثبتت الوطأة في هذه المزلّة فذاك) فانّه يدلّ على أنّه عليه السّلام لم يكن يقطع بموته.

قلت: هذا الكلام من قبيل تصوير العالم نفسه بصورة الشّاك لبعض المصالح على حدّ قوله تعالى: «أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ».

و كيف كان فمقصوده أنّه إن ثبتت القدم بالبقاء في هذه الدّنيا بأن لا يؤدّي الجرح إلى الهلاك فذاك المراد أى مرادكم، فانّه عليه السّلام كان آنس بالموت من الطّفل بثدى امّه، أو مرادى لأنّه عليه السّلام كان راضيا بقضاء اللَّه فمع قضاء اللَّه حياته‏ وارادته له لا يريد غير ما أراده سبحانه (و ان تدحض القدم) و تزلق و هو كناية عن الموت (فانّا كنّا في أفياء أغصان) و ظلالها (و مهبّ رياح) أى محلّ هبوبها (و تحت ظلّ غمام اضمحلّ) و فنى (في الجوّ) أى ما بين السّماء و الأرض (متلفّقها) و ملتئمها (و عفى) و انمحى (في الأرض مخطّها) أى أثرها و علامتها و الغرض بهذه الجملات أنّي إن متّ فلا عجب، فانّا كنّا في امور فانية شبيهة بتلك الامور، لأنّها كلّها سريعة الانقضاء لا ثبات لها و لا بقاء، أو لا أبالي فانّي كنت في الدّنيا غير راكن إليها كمن كان في تلك الامور، و فيه حثّ للقوم أيضا على الزّهد في الدّنيا و ترك الرّغبة في زخارفها.

و قيل: أراد على وجه الاستعارة بالأغصان الأركان من العناصر الأربعة، و بالأفياء تركيبها المعرض للزّوال، و بالرّياح الأرواح، و بمهبّها الأبدان الفايضة هي عليها بالجود الالهي، و بالغمام الأسباب العلويّة من الحركات السّماويّة و الاتّصالات الكوكبيّة و الأرزاق المفاضة على الانسان في هذا العالم الّتي هي سبب بقائه، و كنّى باضمحلال متلفّقها في الجوّ عن تفرّق الأسباب العلويّة للبقاء و فنائها، و بعفاء مخطّها في الأرض عن فناء آثارها في الأبدان.

(و إنما كنت جارا) أي مجاورا (جاوركم بدني أيّاما) تخصيص المجاورة بالبدن لأنّها من خواصّ الأجسام أو لأنّ روحه عليه السّلام كان معلّقا بالملاء الأعلاء و هو بعد في الدّنيا (و ستعقبون منّي) أى تعطون عقيب فقدى و تجدون بعد رحلتى (جثّة خلاء) أى جسدا و بدنا خاليا من الرّوح و الحواسّ (ساكنة بعد حراك و صامتة بعد نطوق) أى متبدّلة الحركة بالسّكون و النّطق بالسّكوت (ليعظكم هدّوى) و سكونى (و خفوت اطراقى) أى سكون ارخاء عينى إلى الأرض و هو كناية عن عدم تحريك الأجفان، و قد مرّ وجوه اخر في بيان اللغة فتذكّر (و سكون أطرافي) أى الرّاس و اليدين و الرجلين و غيرها من الجوارح و الأعضاء و جناس الخط بين قوله اطرافي و اطرافي غير خفيّ (فانّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ و القول المسموع) لأنّ الطّباع أكثر اتعاظا و انفعالا عن مشاهدة ما فيه من العبرة من الوصف له بالقول المسموع و لو كان بأبلغ لفظ و أفصح عبارة ثمّ أخذ في توديعهم فقال (و داعيكم وداع امرء مرصد للّتلاقي) أي وداعى إيّاكم كوداع رجل مترقّب و منتظر للملاقات من ربّه تعالى و ساير الوجوه مرّ في بيان اللّغة (غدا ترون أيّامي) أي بعد مفارقتي إيّاكم و تولّى بني اميّة و غيرهم أمركم تعرفون فضل أيّام خلافتى و إني كنت بارّا بكم عطوفا عليكم و كنت على الحقّ (و يكشف لكم عن سرائرى) و يظهر أنّى ما أردت في حروبى و ساير ما أمرتكم به إلّا وجه اللَّه عزّ و جلّ و ابتغاء مرضاته (و تعرفوننى بعد خلوّ مكاني و قيام غيري مقامي) أي تعرفون عدلى و قدرى بعد قيام غيري مقامي بالامارة و الخلافة و تظاهره بالمنكرات، لأنّ الأشياء إنما تتبيّن بضدّها كما قال أبو تمام:

راحت وفود الأرض عن قبره
فارغة الأيدي ملاء القلوب‏

قد علمت ما ورثت إنما
تعرف قدر الشمس بعد الغروب‏

و قيل: و السرّ فيه أنّ الكمل إنما يعرف قدرهم بعد فقدهم، إذ مع شهودهم لا يخلو من يعرفهم عن حسد منه لهم، فكمال قدرهم مخبوء عن عين بصيرته لغشاوة حسده الّتي عليها هذا.

و قال المحدّث العلّامة المجلسيّ في شرح هذه الفقرات من رواية الكافي الآتية: اقول: و يحتمل أن يكون المراد بقوله: غدا، أيام الرجعة و يوم القيامة فانّ فيهما تظهر شوكتهم و رفعتهم و نفاذ حكمهم في عالم الملك و الملكوت، فهو عليه السّلام في الرّجعة وليّ انتقام العصاة و الكفّار و تمكين المتّقين الأخيار في الأصقاع و الأقطار، و في القيامة وليّ الحساب و قسيم الجنّة و النار و غير ذلك مما يظهر من درجاتهم و مراتبهم السنية فيها، فالمراد بخلوّ مكانه خلوّ قبره عن جسده في الرّجعة أو نزوله عن منبر الوسيلة و قيامه إلى شفير جهنّم يقول للنار: خذى هذا و اتركى هذا في القيامة.

قال: و في أكثر نسخ الكتاب أي الكافي: و قيامي غير مقامي، و هو أنسب بالأخير، و على الأوّل يحتاج إلى تكلّف شديد كأن يكون المراد قيامه عند اللَّه تعالى‏ في السموات و تحت العرش و في الجنان في الغرفات و في دار السّلام كما دلّت عليه الرّوايات.

قال: و في نسخ النّهج و بعض نسخ الكتاب: و قيام غيري مقامي، فهو بالأوّل انسب و يحتاج في الأخير إلى تكلّف تامّ بأن يكون المراد بالغير القائم عليه السّلام فانّه إمام الزّمان في الرّجعة، و قيام الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم مقامه للمخاصمة في القيامة.

قال: و يخطر بالبال أيضا أنّه يمكن الجمع بين المعنيين، فيكون أسدّ و أفيد بأن يكون ترون أيّامي و يكشف اللَّه عن سرائرى في الرّجعة و القيامة لاتّصاله بقوله: وداع مرصد للتّلاقي، و قوله عليه السّلام: و تعرفوني كلاما آخر إشارة إلى ظهور قدره في الدّنيا كما مرّ في المعنى الأوّل، و هذا أظهر الوجوه لا سيّما على النّسخة الأخيرة انتهى.

تذكرة

قد أوردنا في شرح الكلام التّاسع و السّتين قصّة شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام تفصيلا، و أحببت أن اورد هنا بعض ما قيل في رثائه عليه السّلام.

فأقول: روى في شرح المعتزلي عن أبي الفرج الاصبهاني قال: أنشدني عمي الحسن بن محمّد قال: أنشدني محمّد بن سعد لبعض بني عبد المطلب يرثي عليّا و لم يذكر اسمه:

يا قبر سيّدنا المجنّ سماحة
صلّى الإله عليك يا قبر

ما ضرّ قبرا أنت ساكنه‏
أن لا يحلّ بأرضه القطر

فليغدينّ سماح كفّك بالثرى
و ليورقنّ بجنبك الصخر

و اللَّه لو بك لم أجد أحدا
إلّا قتلت لفاتنى الوتر

و قال عبد اللَّه بن عبّاس بن عبد المطلب:

و هزّ عليّ بالعراقين لحية
مصيبتها جلّت على كلّ مسلم‏

و قال سيأتيها من اللَّه نازل‏
و يخضبها أشقى البريّة بالدّم‏

فعاجله بالسّيف شلّت يمينه
لشؤم قطام عند ذاك ابن ملجم‏

فيا ضربة من خاسر ضلّ سعيه‏
تبوّء منها مقعدا في جهنّم‏

ففاز أمير المؤمنين بحظّه
و إن طرقت إحدى اللّئام بمعظم‏

ألا إنّما الدّنيا بلاء و فتنة
حلاوتها شيبت بصبر و علقم‏

و قالت امّ الهيثم بنت الأسود النخعية و هى الّتي استوهبت جثّة ابن ملجم من الحسن عليه السّلام فوهبها لها فحرّقتها بالنّار.

ألا يا عين ويحك فاسعدينا
ألا تبكى أمير المؤمنينا

رزينا خير من ركب المطايا
و حبّسها و من ركب السّفينا

و من لبس النّعال و من حذاها
و من قرء المثاني و المئينا

و كنّا قبل مقتله بخير
نرى مولى رسول اللَّه فينا

يقيم الدّين لا يرتاب فيه
و يقضى بالفرايض مستبينا

و يدعو للجماعة من عصاه‏
و ينهك قطع أيدي السّارقينا

و ليس بكاتم علما لديه
و لم يخلق من المتجبّرينا

لعمر أبي لقد أصحاب مصر
على طول الصحابة أرجعونا

و غرّونا بأنّهم عكوف
و ليس كذاك فعل العاكفينا

أ في شهر الصّيام فجعتمونا
بخير النّاس طرّا أجمعينا

و من بعد النبيّ فخير نفس
أبو حسن و خير الصّالحينا

كأنّ النّاس إذ فقدوا عليّا
نعام جال في البلد سنينا

و لو أنّا سئلنا المال فيه
بذلنا المال فيه و البنينا

أشاب ذؤابتى و أطال حزني‏
أمامة حين فارقت القرينا

تطوف بها لحاجتها إليه
فلمّا استيئست رفعت رنينا

و عبرة امّ كلثوم إليها
تجاو بها و قد رأت اليقينا

فلا تشمت معاوية بن صخر
فانّ بقيّة الخلفاء فينا

و جمّعت الامارة عن تراض‏
إلى ابن نبيّنا و إلى أخينا

و لا نعطى زمام الأمر فينا
سواه الدّهر آخر ما بقينا

و إنّ سراتنا و ذوى حجانا
تواصوا أن نجيب إذا دعينا

بكلّ مهنّد عضب و جرد
عليهنّ الكماة مسوّمينا

روى أحمد بن حازم قال لما بلغ نعى أمير المؤمنين عليه السّلام إلى عايشة سجدت للَّه شكرا، و لمّا بلغ إلى معاوية فرح فرحا شديدا و قال: إنّ الأسد الّذي كان يفترش ذراعيه في الحرب قد قضى نحبه ثمّ قال:

قل للأرانب ترعى أينما سرحت
و للظّباء بلا خوف و لا وجل‏

تكملة

قد أشرنا سابقا إلى أنّ هذا الكلام له عليه السّلام مروىّ في الكافي على اختلاف لما أورده السيّد في الكتاب فأحببت أن أورد ما هناك، و هو ما رواه عن الحسين بن الحسن الحسني رفعه، و محمّد بن الحسن عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري رفعه قال: لمّا ضرب أمير المؤمنين عليه السّلام حفّ به العوّاد و قيل له: يا أمير المؤمنين أوص، فقال عليه السّلام ثنوالي وسادة ثمّ قال: الحمد للَّه قدره متّبعين أمره، أحمده كما أحبّ، و لا إله إلّا اللَّه الواحد الأحد الصّمد كما انتسب، أيّها النّاس كلّ امرء لاق في فراره مامنه يفرّ، و الأجل مساق النّفس اليه، و الهرب منه موافاته، كم اطّردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى اللَّه عزّ ذكره إلّا إخفائه، هيهات علم مكنون (مخزون خ ل)، أمّا وصيّتي فأن لا تشركوا باللَّه جلّ ثناؤه شيئا، و محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فلا تضيّعوا سنّته، أقيموا هذين العمودين، و أوقدوا هذين المصباحين، و خلاكم ذمّ ما لم تشردوا، حمل كلّ امرء منكم مجهوده، و خفّف عن الجهلة، ربّ رحيم، و امام عليم، و دين قويم، أنا بالأمس صاحبكم، و اليوم عبرة لكم، و غدا مفارقكم، إن تثبت الوطأة في هذه المزلّة فذاك المراد، و إن تدحض القدم فانّا كنّا في أفياء أغصان و ذرى رياح و تحت ظلّ غمامة اضمحلّ في الجوّ متلفّقها، و عفى في الأرض مخطّها،و إنّما كنت جارا جاوركم بدني أيّاما، و ستعقبون منّي جثّة خلاء ساكنة بعد حركة، و كاظمة بعد نطق ليعظكم هدوّى، و خفوت أطرافي، و سكون أطرافي، فانّه أوعظ لكم من النّاطق البليغ، ودّعتكم وداع مرصد التّلاقي، غدا ترون أيّامي، و يكشف اللَّه عزّ و جلّ عن سرائرى، و تعرفوني بعد خلوّ مكاني، و قيامي غير مقامي، أنا إن أبق فأنا وليّ دمى، و إن أفن فالفناء ميعادى، العفو لي قربة و لكم حسنة فاعفوا و اصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللَّه لكم، فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة أو تؤدّيه امامه على شقوة، جعلنا اللَّه. و إيّاكم ممّن لا يقصر به عن طاعة اللَّه رغبة أو يحلّ به بعد الموت نقمة، فانّما نحن له و به.
ثمّ أقبل على الحسن عليه السّلام فقال: يا بنيّ ضربة مكان ضربة و لا تأثم.

بيان

قال في مرآت العقول «حفّ به» أي أحاط و «العوّاد» جمع عائدوهم الزّائرون للمريض و «الوسادة» ما يتّكاء عليه في المجلس، و ثنيّها إمّا للجلوس عليها ليرتفع و يظهر للسّامعين، أو للاتّكاء عليها لعدم قدرته على الجلوس مستقلا.

و قوله «الحمد للَّه قدره» أي حمدا يكون حسب قدره و كما هو أهله قائم مقام المفعول المطلق «متّبعين أمره» حال من فاعل الحمد، لأنّه في قوّة أحمده «كما أحبّ» أي حمدا يكون محبوبه و موافقا لرضاه «كما انتسب» أي نسب نفسه إليه في سورة التوحيد و لذا تسمّى نسبة الرّب و «الأجل» منتهى العمرو هو مبتداء و «مساق النّفس» مبتداء ثان و «إليه» خبره و الجملة خبر المبتدأ الأوّل.
«و محمّدا» منصوب بالاغراء بتقدير الزموا و «الفاء» للتفريع و «ذرى رياح» أي ما ذرته و جمعته شبّه ما فيه الانسان في الدّنيا من الأمتعة و الأموال بماذرته الرّياح في عدم ثباتها و قلّة الانتفاع، فانّها تجمعها ساعة و تفرقها اخرى، أو المراد محال ذروها و «كاظمة بعد نطق» قال الفيروزآبادي: كظم غيظه ردّة و حبسه و الباب أغلقه.

«ودّعتكم» على صيغة المتكلّم من باب التفعيل و «يكشف اللَّه عن سرائرى» لأنّ بالموت ينكشف بعض ما يسرّه الانسان من النّاس من حسناته المتعدّية إليهم «إن أبق فأنا وليّ دمى» صدق الشرطيّة لا يستلزم وقوع المقدّم، و قد مرّ الكلام فيه فلا ينافي ما مرّ من قوله: و غدا مفارقكم «فالفناء ميعادى» كما قال جلّ ثناؤه «كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ».

«العفو لي قربة و لكم حسنة» يحتمل أن يكون استحلالا من القوم كما هو الشّايع عند الموادعة أي عفوكم عنّى سبب مزيد قربى و حسناتكم، أو عفوى لكم قربة و عفوى عنكم حسنة، فيكون طلب العفو على سبيل التّواضع و من غير أن يكون منه إليهم جناية، و في أكثر النّسخ و إن أعف فالعفو لي قربة، أي إن أعف عن قاتلى، فقوله: و لكم حسنة، لصعوبة ذلك عليكم حيث تريدون التّشفّى منه و تصبرون على عفوى بعد القدرة على الانتقام.

«فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا» عنّي على الوجه الأوّل أو عن غير قاتلى ممّن له شركة في هذا الأمر، أو عن جرايم اخوانكم و زلّاتهم و ظلمهم عليكم أو إذا جي‏ء عليكم بمثل هذه الجناية لئلا يناقض قوله عليه السّلام: ضربة مكان ضربة، مع أنّه يحتمل أن يكون معناه إن لم تعفوا فضربة لكن الأمر بالعفو عن مثل هذا الملعون بعيد

الترجمة

از جمله كلام آن امام است پيش از مرگ خود مى‏ فرمايد: أي مردمان هر مردى از شما ملاقات كننده است در گريختن خود به آن چه كه مى ‏گريزد از آن، و مدت عمر محل جريان نفس است بنهايت آن، و گريختن از مرگ رسيدنست بآن، بسا گردانيدم روزگار را رانده شده از خود در حالتى كه نيك تفحّص مى‏ كردم از پوشيده اين كار پس امتناع فرمود حق تعالى مگر پنهان كردن آن را، چه دور است مطّلع شدن بآن، اين علم علميست پوشيده شده.

و أمّا وصيّت من بشما پس اينست كه پروردگار عالميان را شريك قرار ندهيد و محمّد بن عبد اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ضايع نگردانيد سنّت و شريعت او را، بر پا داريد اين دو ستون اسلام را، و بر افروزيد اين دو چراغ هدايت را و خالى باشد از شما مذمّت مادامى كه رم ننمائيد از توحيد پروردگار و شريعت سيّد مختار.

برداشت هر مردى از شما تكليفي كه باندازه وسع و طاقت او است، و تخفيف داده شد بار تكليف از جاهلان و ضعيفان، خداى شما خدائيست مهربان، و دين شما دينى است راست، و امام شما امامى است عالم و آگاه، من ديروز مصاحب شما بودم، و امروز كه با اين حالت ضعف افتاده‏ ام عبرتم از براى شما، و فردا مفارقت كننده ‏ام از شما بيامرزد خداى تعالى مرا و شما را، اگر ثابت بشود قدم من در اين دنيا كه محلّ لغزش است پس اينست مقصود شما، و اگر بلغزد قدم پس بدرستي كه ما بوديم در سايه اى شاخه اى درخت و محلّ وزيدن بادها و در زير سايه أبرها كه نيست شد و نابود گشت و در هوا جمع شده آن ابرها و مندرس شد در زمين اثر آنها.

و جز اين نيست كه بودم من همسايه كه همسايگى نمود با شما بدن من چند روزى و زود باشد كه بيابيد بعد از من بدنى كه خالى باشد از روح، چنان بدنى كه ساكن باشد بعد از حركت، و خاموش باشد بعد از گفتار، تا وعظ نمايد بشما سكون من و چشم در پيش افكندن من، و ساكن شدن أطراف بدن من.

پس بدرستى كه مرگ پند دهنده‏ تر است از براى عبرت يابندگان از گفتار بليغ و فصيح، و از قول مسموع صريح، وداع كردن من شما را وداع مرديست كه مهيا شده از براى ملاقات پروردگار، فردا مى‏بينيد روزهاى مرا، و كشف مى‏شود شما را از سرّهاى من، و بشناسيد عدالت و قدر مرا بعد از خالى بودن مكان من از من، و ايستادن غير من بجاى من با امارت و خلافت و بى‏مبالاتي او در دين.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=