خطبه 13 صبحی صالح
13- و من كلام له ( عليهالسلام ) في ذم أهل البصرة بعد وقعة الجمل
كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ
وَ أَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ
رَغَا فَأَجَبْتُمْ
وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ
أَخْلَاقُكُمْ دِقَاقٌ
وَ عَهْدُكُمْ شِقَاقٌ
وَ دِينُكُمْ نِفَاقٌ
وَ مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ
وَ الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ
وَ الشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ
كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ
سَفِينَةٍ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَ مِنْ تَحْتِهَا وَ غَرِقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا
وَ فِي رِوَايَةٍ وَ ايْمُ اللَّهِ لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ
وَ فِي رِوَايَةٍ كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِلَادُكُمْ أَنْتَنُ بِلَادِ اللَّهِ تُرْبَةً
أَقْرَبُهَا مِنَ الْمَاءِ وَ أَبْعَدُهَا مِنَ السَّمَاءِ
وَ بِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ
الْمُحْتَبَسُ فِيهَا بِذَنْبِهِ
وَ الْخَارِجُ بِعَفْوِ اللَّهِ
كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَرْيَتِكُمْ هَذِهِ قَدْ طَبَّقَهَا الْمَاءُ
حَتَّى مَا يُرَى مِنْهَا إِلَّا شُرَفُ الْمَسْجِدِ كَأَنَّهُ جُؤْجُؤُ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج3
و من كلام له عليه السّلام في ذم أهل البصرة و هو الثالث عشر من المختار فى باب الخطب
تكلّم بذلك بعد الفراغ من قتال أهلها و قد رواه الطبرسي في الاحتجاج و عليّ ابن إبراهيم القمي و المحدّث البحراني بزيادة و نقصان يعرف تفصيل ذلك في أوّل التنبيهات إنشاء اللّه.
كنتم جند المرأة و أتباع البهيمة، رغا فأجبتم، و عقر فهربتم، أخلاقكم دقاق، و عهدكم شقاق، و دينكم نفاق، و ماؤكم زعاق، المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه، و الشّاخص عنكم متدارك برحمة من ربّه، كأنّي بمسجدكم كجؤجؤ سفينة، قد بعث اللّه عليها العذاب من فوقها و من تحتها، و غرق من في ضمنها. و في رواية و أيم اللّه لتغرقنّ بلدتكم حتّى كأنّي أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة أو نعامة جاثمة. و في رواية كجؤجؤ طير في لجّة بحر.
اللغة
(الرّغاء) وزان غراب صوت البعير و رغت النّاقة ترغو صوتت فهي راغية و (الدّقيق) خلاف الجليل و (شاقّه) مشاقة و شقاقا خالفه و حقيقته ان يأتي كلّ منهما ما يشقّ على صاحبه فيكون كلّ منهما في شقّ غير شقّ صاحبه و (نافق) الرّجل نفاقا إذا أظهر الاسلام لأهله و أضمر غير الاسلام و (الزّعاق) بضمّ الزّاء المعجمة المالح و (بين أظهر) النّاس و بين ظهريهم و بين ظهرانيهم بفتح النّون كلها بمعنى بينهم، و فائدة إدخاله في الكلام أن إقامته بينهم على سبيل الاستظهار بهم و الاستناد إليهم و كان المعنى أنّ ظهرا منه قدامه و ظهرا ورائه فكانّه مكنوف من جانبيه هذا أصله، ثمّ كثر حتّى استعمل في الاقامة بين القوم و إن كان غير مكنوف بينهم و (الجؤجؤ) كهدهد من الطير و السّفينة صدرهما و قيل عظام الصّدر و (جثم) الطائر و الارنب يجثم من باب ضرب جثوما و هو كالبروك من البعير.
الاعراب
الفاء في قوله: فاجبتم، و قوله: فهربتم، فصيحة، و قوله كأنّي بمسجدكم اه كان للتّقريب و الباء زائدة و الأصل كأنّي أبصر مسجدكم ثمّ حذف الفعل و زيدت الباء كما ذكره المطرزى في شرح قول الحريري: كأنّي بك تنحط، من أنّ الأصل كأنّى ابصرك تنحط حذف الفعل و زيدت الباء و قال ابن عصفور: الباء و الكاف في كأنّي بك تنحط، و كانّك بالدّنيا لم تكن، كافتان لكأنّ عن العمل، و الباء زائدة في المبتدأ و على ذلك فيكون قوله عليه السّلام بمسجدكم مبتداء و كجؤجؤ سفينة خبره و جملة قد بعث حال متمّمة لمعنى الكلام كالحال في قوله تعالى: «فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ» و قال نجم الأئمة الرّضيّ فى المثال الثاني: الأولى أن تبقى كأنّ على معنى التشبيه و لا تحكم بزيادة شيء و تقول التّقدير كأنّك تبصر بالدّنيا أى تشاهدها من قوله تعالى: «فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ» و الجملة بعد المجرور بالباء حال أى كأنّك تبصر بالدّنيا و تشاهدها غير كاينة.
المعنى
اعلم أنّه عليه السّلام ذكر فى كلامه ذلك امورا سبعة نبّه فيها على ذمّهم و توبيخهم
الاول ما أشار عليه السّلام إليه بقوله: (كنتم جند المرأة)
و أراد بها عايشة حيث جعلوها عقد نظامهم و مدار قوامهم، و من المعلوم أنّ النّساء على نقصان عقولهنّ و حظوظهنّ و ايمانهنّ على ما ستعرفها تفصيلا في محلّها مذمومة عند العرب و ساير العقلاء، فالتّابع لها و الجاعل زمام أمره إليها لا بدّ و أن يكون أنقص عقلا منهنّ و حرّ يا بالذّم و التّوبيخ.
روى في البحار من كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات عن محمّد البرقي عن الحسين ابن سيف عن أخيه عن أبيه عن سالم بن مكرم عن أبيه قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في قوله تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ» قال: هي الحميراء قال مؤلّف الكتاب: إنّما كنّى عنها بالعنكبوت لأنّه حيوان ضعيف اتّخذت بيتا ضعيفا أو هن البيوت، و كذلك الحميراء حيوان ضعيف لقلة عقلها و حظها و دينها اتّخذت من رأيها الضّعيف و عقلها السّخيف في مخالفتها و عداوتها لمولاها بيتا مثل بيت العنكبوت في الوهن و الضعف و سيأتي بعض الأخبار فيها في التّنبيه الثّاني إنشاء اللّه.
الثاني ما نبّه عليه السّلام عليه بقوله: (و أتباع البهيمة)
و أراد بها الجمل.
قال في البحار: و أعطى يعلى بن منبه عايشة جملا اسمه عسكر اشتراه بمأتي دينار و قيل بثمانين دينارا فركبته و قيل: كان جملها لرجل من عرنية قال العرني بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب قال اتبيع جملك قلت: نعم، قال: بكم قلت: بألف درهم قال: أ مجنون أنت قلت: و لم و اللّه ما طلبت عليه أحدا إلّا أدركته و لا طلبني و أنا عليه أحد إلّا فتّه، قال: لو تعلم لمن نريده إنّما نريده لأمّ المؤمنين عايشة، فقلت: خذه بغير ثمن قال: بل ارجع معنا إلى الرّحل فنعطيك ناقة و دراهم قال: فرجعت فأعطوني ناقة مهريّة و أربعمائة درهم أو ستمائة.
و في شرح المعتزلي لمّا عزمت عايشة على الخروج إلى البصرة طلبوا لها بعيرا ايّدا يحمل هودجها فجاءهم يعلى بن اميّة ببعير المسمّى عسكرا و كان عظم الخلق شديدا، فلمّا رأته أعجبها و أنشأ الجمال يحدثها بقوّته و شدّته و يقول في أثناء كلامه عسكر، فلمّا سمعت هذه اللفظة استرجعت و قالت ردّوه لا حاجة لي فيه و ذكرت حيث سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذكر لها هذا الاسم و نهاها عن ركوبه و أمرت أن يطلب لها غيره فلم يوجد لها ما يشبهه فغير لها بجلال غير جلاله، و قيل لها قد أصبنا لك أعظم منه خلقا و أشدّ قوّة و اتيت به فرضيت.
ثمّ إنّه عليه السّلام أوضح متابعتهم للبهيمة بقوله: (رغا فأجبتم) فانّ كونهم مجيبين لرغائه شاهد صدق على المتابعة و قد كان الجمل راية أهل البصرة قتلوا دونه كما يقتل الرّجال تحت الرّايات، و كان كلّ من أراد الجد في الحرب و قاتل قتال مستميت يتقدّم الجمل و يأخذ بخطامه و روى أنّه اخذ الخطام سبعون رجلا من قريش قتلوا كلهم و كان أكثر النّاس حماية له و ذبّا عنه بنى ضبّة و الأزد.
و في شرح المعتزلي عن المدايني و الواقدي أنّه ما حفظ رجز قط أكثر من رجز قيل يوم الجمل، و أكثره لبني ضبّة و الأزد الذين كانوا حول الجمل يحامون عنه و لقد كانت الرءوس تندر عن الكواهل، و الأيدى تطيح من المعاصم، و أقتاب البطن تندلق من الأجواف، و هم حول الجمل كالجراد الثابتة لا تزلزل و لا تتحلحل«» حتّى لقد صرخ بأعلى صوته ويلكم: اعقروا الجمل فانّه شيطان، ثمّ قال عليه السّلام اعقروه و إلّا فنيت العرب لا يزال السّيف قائما و راكعا حتّى يهوى البعير إلى الأرض فعمدوا له حتّى عقروه فسقط و له رغاء شديد فلمّا برك كانت الهزيمة و إليه أشار عليه السّلام بقوله: (و عقر فهربتم).
قال أبو مخنف حدّثنا مسلم الأعور عن حبّة العرنيّ قال: فلمّا رأى عليّ عليه السّلام أنّ الموت عند الجمل و أنّه ما دام قائما فالحرب لا يطفأ وضع سيفه على عاتقه و عطف نحوه و أمر أصحابه بذلك و مشى نحوه و الخطام مع بني ضبّة فاقتتلوا قتالا شديدا و استحرّ القتل في بني ضبّة فقتل منهم مقتلة عظيمة و خلص عليّ عليه السّلام في جماعة من النخع و همدان إلى الجمل.
فقال لرجل من النخع اسمه بحير: دونك الجمل يا بحير فضرب عجز الجمل بسيفه فوقع لجنبه و ضرب بجرانه الأرض و عج عجا شديدا لم يسمع بأشدّ منه فما هو إلّا أن صرع الجمل حتّى فرّت الرّجال كما يطير الجراد في الرّيح الشّديدة الهبوب و احتملت عايشة بهودجها فحملت إلى دار عبد اللّه بن خلف و أمر عليّ عليه السّلام بالجمل أن يحرق ثمّ يذرى بالرّيح، و قال: لعنة اللّه من دابّة فما أشبهه بعجل بني إسرائيل ثمّ قرء: «وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً» و في الاحتجاج أنّ محمّد بن أبي بكر و عمّار بن ياسر توليا عقره بعد طول دمائه، و روي أنّه كلما قطعت قائمة من قوائمه ثبت على اخرى حتّى قتل.
الثالث ما ذكره بقوله عليه السّلام (أخلاقكم دقاق)
أى رذيلة حقيرة قال الشّارح المعتزلي: في الحديث انّ رجلا قال له: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّي أحبّ أن انكح فلانة إلّا أنّ في أخلاق أهلها دقة فقال له: إيّاك و خضراء الدّمن إيّاك و المرأة الحسناء في منبت السّوء و علّل البحراني دقّة أخلاقهم بأنّ أصول الفضائل الخلقيّة لما كانت ثلاثة: الحكمة و العفّة و الشّجاعة و كانوا على طرف الجهل لوجوه الآراء المصلحيّة و هو طرف التّفريط من الحكمة العلميّة و على طرف الجبن و هو التّفريط من الشّجاعة و على طرف الفجور و هو طرف الافراط من ملكة العفّة و العدالة لا جرم صدق أنّهم على رذايل الأخلاق و دقاقها.
أقول: و يشهد على جهلهم اتباعهم للمرأة و متابعتهم للبهيمة، و على جبنهم ما مر في الخطب السّابقة من قوله عليه السّلام: و قد أرعدوا و أبرقوا و مع هذين الأمرين الفشل، و على فجورهم خروجهم على الامام العادل و محاربتهم معه.
الرابع ما نبّه عليه السّلام عليه بقوله: (و عهدكم شقاق)
يعني معاهدتكم لا يمكن الاعتماد عليها و الوثوق بها، لأنّها صوريّة و ظاهريّة و في المعنى و الحقيقة مخالفة و عداوة يشهد بذلك نكثهم لبيعته بعد عقدهم إيّاه.
الخامس ما أشار عليه السّلام إليه بقوله: (و دينكم نفاق)
و ذلك أنّهم أظهروا الاسلام أى الايمان بألسنتهم و خالفوا بقلوبهم كما حكى عليه السّلام فيما سبق عن الزّبير أنّه: يزعم أنّه بايع بيده و لم يبايع بقلبه فقد أقرّ بالبيعة و ادّعى الوليجة.
السادس ملوحة مائهم المشار إليه بقوله: (و ماؤكم زعاق)
أى مالح بسبب قربه من البحر يوجب أمراضا كثيرة كسوء المزاج و البلادة و فساد الطحال و نحوها و هذا و إن لم يكن من افعالهم الاختيارية إلّا أنّه ممّا يذّم به البلد فيستحقّون بذلك المذمة لسوء اختيارهم ذلك المكان قال الشّاعر:
بلاد بها الحمّى و اسد عرينة
و فيها المعلّى يعتدي و يجور
فانّى لمن قد حلّ فيها لراحم
و إنّي لمن لم يأتها لنذير
(و) السابع أنّ (المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه)
لأنّه إمّا أن يشاركهم في الذّنوب أو يراها فلا ينكرها، و قد ورد الاخبار عن أئمتنا الأطهار سلام اللّه عليهم على تحريم مجاورة أهل المعاصي و مخالطتهم اختيارا و المجالسة معهم و كون المجاور و المجالس مستحقا بذلك للعقوبة.
مثل ما رواه في الوسائل باسناده عن مهاجر الأسدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: مرّ عيسى بن مريم عليه السّلام على قرية قد مات أهلها و طيرها و دوابها فقال: أمّا أنّهم لم يموتوا إلّا لسخطة و لو ماتوا متفرّقين لتدافنوا، فقال الحواريون: يا روح اللّه و كلمته ادع اللّه أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنتجنّبها، قال: فدعا عيسى عليه السّلام فنودي من الجوّ أن نادهم فقام عيسى بالليل على شرف من الأرض فقال: يا أهل القرية، فأجابه مجيب منهم لبيك، فقال: و يحكم ما كانت أعمالكم قال: عبادة الطاغوت و حبّ الدّنيا مع خوف قليل و أمل بعيد و غفلة في لهو و لعب إلى أن قال: و كيف عبادتكم للطاغوت قال: الطاعة لأهل المعاصي قال: كيف كان عاقبة أمركم قال: بتنافي عافية و أصبحنا في الهاوية، فقال: و ما الهاوية قال: سجّين، قال: و ما سجّين قال: جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة إلى أن قال، قال: ويحك كيف لم يكلّمني غيرك من بينهم قال: يا روح اللّه إنّهم ملجمون بلجم من نار: بأيدي ملائكة غلاظ شداد و إنّي كنت فيهم و لم أكن منهم فلمّا نزل العذاب أعمّنى معهم و أنا معلّق بشعرة على شفير جهنّم لا أدرى أكبكب فيها أم أنجو منها، فالتفت عيسى عليه السّلام إلى الحواريين فقال: يا أولياء اللّه أكل الخبز اليابس بالملح الجريش و النّوم على المزابل خير كثير مع عافية الدّنيا و الآخرة.
و عن أبي حمزة عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام قال: سمعته يقول: أما أنّه ليس من سنة أقلّ مطرا من سنة و لكن اللّه يضعه حيث يشاء إنّ اللّه جلّ جلاله إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر في تلك السّنة إلى غيرهم و إلى الفيافي و البحار و الجبال، و إنّ اللّه ليعذّب الجعل في جحرتها بحبس المطر عن الأرض التي هي بمحلّتها لخطايا من بحضرتها، و قد جعل اللّه لها السّبيل إلى مسلك سوى محلة أهل المعاصي قال: ثمّ قال أبو جعفر عليه السّلام: فاعتبروا يا اولى الأبصار.
و عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام في حديث طويل قال: ايّاكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين و مجاورة الفاسقين، احذروا فتنتهم و تباعدوا من ساحتهم.
و في الفقيه عن محمّد بن مسلم قال: مرّ بي أبو جعفر عليه السّلام و أنا جالس عند قاض بالمدينة فدخلت عليه من الغد فقال عليه السّلام: ما مجلس رأيتك فيه أمس قال: قلت له: جعلت فداك إنّ هذا القاضي لي مكرم فربّما جلست إليه فقال: و ما يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعمّك معه، و روي في خبر آخر فتعمّ من في المجلس.
و في الكافي عن الجعفري قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: مالي رأيتك عند عبد الرّحمن بن يعقوب فقال: إنّه خالي، فقال عليه السّلام: إنّه يقول في اللّه قولا عظيما يصف اللّه و لا يوصف فإمّا جلست معه و تركتنا، و إمّا جلست معنا و تركته فقلت:
هو يقول ما شاء أىّ شيء عليّ منه إذا لم أقل ما يقول فقال أبو الحسن عليه السّلام: أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا، أما علمت بالذي كان من أصحاب موسى عليه السّلام و كان أبوه من أصحاب فرعون فلمّا لحقت خيل فرعون موسى تخلّف عنه ليعظ أباه فيلحقه بموسى فمضى أبوه و هو يراغمه حتى بلغ طرفا من البحر فغرقا جميعا فأتى موسى الخبر فقال: هو في رحمة اللّه و لكن النّقمة إذا نزلت ليس لها عمّن قارب المذنب دفاع.
و قوله عليه السّلام: (و الشّاخص عنكم متدارك برحمة من ربّه) و ذلك لأنّ المقيم بينهم و المخالط معهم إذا كان رهينا بذنبه يلزمه كون الشّاخص عنهم و المتباعد من ساحتهم متداركا برحمة اللّه لسلامته من عقوبة المجاورة و المجالسة.
ثمّ أشار عليه السّلام إلى ابتلائهم بالعقوبة الدّنيوية قبل عذاب الآخرة و قال: (كأنّي بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد) برز من الماء حين (بعث اللّه عليها) أى على البصرة (العذاب من فوقها و من تحتها و غرق من في ضمنها) قال الرّضي (و في رواية) اخرى (و أيم اللّه لتغرقنّ بلدتكم حتّى كأنّى أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة أو نعامة جاثمة) أى باركة متلبّدة بالأرض قال: (و في رواية) ثالثة (كجؤجؤ طير في لجّة بحر).
قال الشّارح المعتزلي: أمّا إخباره عليه السّلام أنّ البصرة تغرق عدا المسجد الجامع فقد رأيت من يذكر أنّ كتب الملاحم تدلّ على أنّ البصرة يهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها فتغرق و يبقى مسجدها، و الصّحيح أنّ المخبر به قد وقع فانّ البصرة غرقت مرّتين مرّة في أيّام القادر باللّه و مرّة في أيّام القائم بأمر اللّه غرقت بأجمعها و لم يبق منها إلّا مسجدها الجامع مبارزا بعضه كجؤجؤ الطائر حسب ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السّلام: جاءها الماء من بحر الفارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس و من جهة الجبل المعروف الآن بجزيرة السنّام، و خربت دورها و غرق كلّ ما في ضمنها و هلك كثير من أهلها، و أخبار هذين الغرقين عند أهل البصرة يتناقله خلفهم عن سلفهم.
أقول: و لا بأس بما ذكره إلّا أنّ المستفاد من ذيل هذه الخطبة على ما رواهاالشّارح البحراني حسبما تعرفه في أوّل التنبيهات أنّ الماء الذي يغرق به البصرة ينفجر من الأرض كما قال عليه السّلام: و إنّي لأعرف موضع منفجره من قريتكم هذه و ظاهر ذلك أنّه لا يكون من ناحية اخرى، و اللّه العالم بحقايق الامور
و ينبغي التنبيه على امور
الاول اعلم أنّ هذه الخطبة رويت بطرق مختلفة
قد رواها جماعة من الأصحاب بزيادة و نقصان و لا بأس بالاشارة إليها تكثيرا للفائدة.
فمنها ما في الاحتجاج عن ابن عباس (رض) قال: لمّا فرغ أمير المؤمنين عليه السّلام من قتال أهل البصرة وضع قتبا على قتب فحمد اللّه و أثنى عليه فقال: يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة يا أهل الدّاء«» العضال يا أتباع البهيمة يا جند المرأة رغا فأجبتم و عقر فهربتم، ماؤكم زعاق، و دينكم نفاق، و أحلامكم دقاق، ثمّ نزل عليه السّلام يمشي بعد فراغه من خطبته فمشينا معه فمرّ بالحسن البصري و هو يتوضّأ فقال: يا حسن أسبغ الوضوء فقال: يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله و يصلّون الخمس و يسبغون الوضوء، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدوّنا فقال: و اللّه لاصدقنك يا أمير المؤمنين لقد خرجت في أوّل يوم فاغتسلت و تحنّطت و صببت علىّ سلاحي و أنا لا أشكّ في أنّ التّخلّف عن أمّ المؤمنين عايشة كفر، فلمّا انتهيت إلى موضع من الخريبة«» نادى مناد يا حسن إلى أين ارجع فانّ القاتل و المقتول في النّار، فرجعت ذاعرا و جلست في بيتي.
فلمّا كان في اليوم الثّاني لم أشكّ أنّ التّخلّف عن أمّ المؤمنين هو الكفر فتحنّطت و صببت علىّ سلاحي و خرجت اريد القتال حتّى انتهيت إلى موضع من الخريبة فنادى مناد من خلفي يا حسن إلى أين مرّة بعد اخرى فانّ القاتل و المقتول في النّار.
قال عليّ عليه السّلام: صدقت أ فتدرى من ذلك المنادي قال: لا، قال عليه السّلام: أخوك إبليس و صدقك أنّ القاتل و المقتول منهم في النّار، فقال الحسن البصري: الآن عرفت يا أمير المؤمنين أنّ القوم هلكى.
و منها ما في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسير قوله: «وَ الْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى» قال: المؤتفكة«» البصرة، و الدّليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السّلام: يا أهل البصرة و يا أهل المؤتفكة يا جند المرأة و أتباع البهيمة رغا فأجبتم و عقر فهربتم ماؤكم زعاق و اخلاقكم دقاق «و أحلامكم رقاق خ ل» و فيكم ختم النّفاق و لعنتم على لسان سبعين نبيّا إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخبرني أنّ جبرئيل عليه السّلام أخبره أنّه طوى له الأرض فرأى البصرة أقرب الأرضين من الماء و أبعدها من السّماء، و فيها تسعة أعشار الشرّ و الدّاء العضال، المقيم فيها مذنب و الخارج عنها برحمة و قد ائتفكت بأهلها مرّتين و على اللّه تمام الثّالثة، و تمام الثّالثة في الرّجعة.
أقول: قال في مجمع البيان: المؤتفكة المنقلبة و هي التي صار أعلاها أسفلها و أسفلها أعلاها، و أهوى أى انزل بها في الهواء قال: و المؤتفكة قرى قوم لوط المخسوفة أهوى أى اسقط أهواها جبرئيل بعد أن رفعها و هذا تنزيلها و ما رواه القمّي رحمه اللّه تأويلها، و قال القميّ في تفسير قوله سبحانه: «وَ جاءَ فِرْعَوْنُ وَ مَنْ قَبْلَهُ وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ» المؤتفكات البصرة، و الخاطئة فلانة و في نسخة حميراء، و في البحار و أمّا التأويل الذي«» ذكره عليّ بن إبراهيم فقد رواه مؤلف تأويل الآيات الباهرة عن محمّد البرقي عن سيف بن عميرة عن أخيه عن منصور بن حازم عن حمران قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: و جاء فرعون يعني الثّالث، و من قبله يعني الأوّلين، و المؤتفكات أهل البصرة، بالخاطئة الحميراء، فالمراد بمجيء الأوّلين و الثّالث بعايشة أنّهم أسّسوا لها بما فعلوا من الجور على أهل البيت عليهم السّلام أساسا به تيسّر لها الخروج و لو لا ما فعلوا لم تكن تجتري على ما فعلت، و المراد بالمؤتفكات أهل المؤتفكات و الجمع باعتبار البقاع و القرى و المحلات.
و منها ما في شرح البحراني متفرّقة إلّا أنّ المحدّث العلّامة المجلسي (ره) جمع ما وجد منها في البحار و ألف شتاتها و نحن نرويها من البحار من الشرح.
قال (قدّه): روى الشّيخ كمال الدّين بن ميثم البحراني مرسلا أنّه لمّا فرغ أمير المؤمنين عليه السّلام من أمر الحرب لأهل الجمل أمر مناديا ينادي في أهل البصرة أن الصّلاة الجامعة لثلاثة«» أيّام من غد إنشاء اللّه و لا عذر لمن تخلّف إلّا من حجّة أو علة فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلا فلمّا كان اليوم الذي اجتمعوا فيه خرج عليه السّلام فصلى بالنّاس الغداة في المسجد الجامع فلمّا قضى صلاته قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلّى فخطب النّاس و أثنى عليه بما هو أهله و صلّى على النّبي و آله و استغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات ثمّ قال: يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة ائتفكت«» بأهلها ثلاثا و على اللّه تمام الرّابعة، يا جند المراة و اعوان البهيمة رغا فأجبتم و عقر فانهزمتم اخلاقكم دقاق و دينكم نفاق و ماؤكم زعاق، و بلادكم انتن بلاد اللّه تربة و ابعدها من السّماء، بها تسعة اعشار الشر المحتبس فيها بذنبه و الخارج منها بعفو اللّه، كأنّى انظر إلى قريتكم هذه و قد طبقها الماء حتّى ما يرى منها الّا شرف المسجد كأنّه جؤجؤ طير في لجّة بحر فقام إليه الأحنف«» بن قيس فقال له: يا أمير المؤمنين متى يكون ذلك قال: يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزّمان و انّ بينك و بينه لقرونا و لكن ليبلغ الشّاهد منكم الغائب عنكم لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحوّلت أخصاصها«» دورا و آجامها قصورا فالهرب الهرب فانّه لا بصرة لكم يومئذ.
ثمّ التفت عن يمينه فقال: كم بينكم و بين الأبلّة«» فقال له المنذر بن الجارود فداك أبي و امّي أربعة فراسخ قال له: صدقت فو الذي بعث محمّدا و آله و أكرمه بالنّبوّة و خصّه بالرّسالة و عجّل بروحه إلى الجنّة لقد سمعت منه كما تسمعون منى أن قال لي: يا عليّ هل علمت أنّ بين التي تسمى البصرة و تسمى الابلّة أربعة فراسخ و سيكون في التي تسمّى الابلة موضع أصحاب العشور يقتل في ذلك الموضع من امّتي سبعون ألفا شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر.
فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين و من يقتلهم فداك أبي و أمّي قال: يقتلهم اخوان الجنّ و هم جيل«» كأنّهم الشّياطين سود ألوانهم منتنة أرياحهم«» شديد كلبهم«» قليل سلبهم طوبى لمن قتلهم و طوبى لمن قتلوه، ينفر لجهادهم في ذلك الزّمان«» قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزّمان، مجهولون في الأرض معروفون في السّماء تبكى السّماء عليهم و سكانها و الأرض و سكانها.
ثمّ هملت«» عيناه بالبكاء ثمّ قال: ويحك يا بصرة ويلك يا بصرة لا رهج«» له و لا حس«» فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين و ما الذي يصيبهم من قبل الغرق ممّا ذكرت و ما الويح و ما الويل فقال: هما بابان فالويح باب رحمة و الويل باب عذاب يابن الجارود نعم تارات«» عظيمة.
منها عصبة يقتل بعضها بعضا، و منها فتنة يكون بها خراب منازل و خراب ديار و انتهاك أموال«» و قتل رجال و سباء نساء يذبحن و نجايا ويل امرهن حديث عجيب منها أن يستحل«» بها الدّجال الأكبر الأعور«» الممسوح العين اليمنى و الاخرى كأنّها ممزوجة بالدّم لكأنّها في الحمرة علقة ناتى«» الحدقة كهيئة حبّة العنب الطافية«» على الماء فيتبعه من أهلها عدّة من قتل بالابلة من الشهداء اناجيلهم في صدورهم يقتل من يقتل و يهرب من يهرب ثمّ رجف«» ثمّ قذف«» ثمّ خسف«» ثمّ مسخ ثمّ الجوع الأغبر ثمّ الموت الأحمر و هو الغرق.
يا منذر إنّ للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في الزّبر الأوّل لا يعلمها الّا العلماء منها الخريبة و منها تدمر«» و منها المؤتفكة، يا منذر و الذي فلق الحبّة و برء النسمة لو أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات عرصة عرصة متى تخرب و متى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة و انّ عندي من ذلك علما جمّا«» و ان تسألوني تجدوني به عالما لا اخطى منه علما«» و لا دار فناء و لقد استودعت علم القرون الاولى و ما هو كائن إلى يوم القيامة.
ثمّ قال: يا أهل البصرة إنّ اللّه لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطة شرف و لا كرم إلّا و قد جعل فيكم أفضل ذلك و زادكم من فضله بمنّه ما ليس لهم أنتم أقوم النّاس قبلة قبلتكم على المقام حيث يقوم الامام بمكّة، و قارئكم أقرء النّاس، و زاهدكم أزهد النّاس، و عابدكم أعبد النّاس، و تاجركم انجر النّاس و أصدقهم في تجارته، و متصدّقكم أكرم النّاس صدقة، و غنيّكم أشدّ النّاس بذلا و تواضعا، و شريفكم أحسن النّاس خلقا، و أنتم أكرم النّاس جوارا و أقلّهم تكلفا لما لا يعنيه و أحرصهم على الصلاة في جماعة، ثمرتكم أكثر الثّمار، و أموالكم أكثر الأموال و صغاركم أكيس«» الاولاد، نساؤكم أقنع النساء و أحسنهن تبعلا«» سخر لكم الماء يغدو«» عليكم و يروح، صلاحا لمعاشكم و البحر سببا لكثرة أموالكم فلو صبرتم و استقمتم لكانت لكم شجرة طوبى مقيلا ظلّا ظليلا«» غير أنّ حكم اللّه فيكم ماض و قضاؤه نافذ لا معقّب لحكمه و هو سريع الحساب يقول اللّه: «وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً» و اقسم لكم يا أهل البصرة ما الذي ابتدأتكم به من التّوبيخ إلّا تذكيرا و موعظة لما بعد لكيلا تسرعوا إلى الوثوب في مثل الذي و ثبتم و قد قال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» و لا الذي ذكرت فيكم من المدح و التطرية«» بعد التّذكير و الموعظة رهبة منّي لكم و لا رغبة في شيء ممّا قبلكم فانّي لا اريد المقام بين أظهركم إنشاء اللّه لامور تحضرني قد يلزمني المقام بها فيما بيني و بين اللّه لا عذر لي في تركها و لا علم لكم بشيء منها حتّى يقع ممّا اريد أن أخوضها«» مقبلا و مدبرا.
فمن أراد أن يأخذ بنصيبه منها فليفعل، فلعمري إنّه للجهاد الصّافي صفاه«» لنا كتاب اللّه و لا الذي أردت به من ذكر بلادكم موجدة«» منّى عليكم لما شاققتموني غير أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لي يوما و ليس معه غيري: إنّ جبرئيل الرّوح الأمين حملني على منكبه الأيمن حتى أراني الأرض و من عليها و أعطاني أقاليدها«» و لم يكبر ذلك علىّ كما لم يكبر على أبى آدم علمه الاسماء و لم يعلمه الملائكة المقرّبون.
و إنّي رأيت بقعة على شاطي البحر تسمّى البصرة، فاذا هى أبعد الأرض من السّماء و أقربها من الماء و أنّها لأسرع الأرض خرابا و أخشنها (اخشبها خ) ترابا و أشدّها عذابا، و لقد خسف بها في القرون الخالية مرارا و ليأتين«» عليها زمان و إنّ لكم يا أهل البصرة و ما حولكم من القرى من الماء ليوما عظيما بلاؤه و إني لأعرف موضع منفجره من قريتكم هذه، ثمّ امور قبل ذلك تدهمكم«» اخفيت عليكم و علمناه فمن خرج عند دنوّ غرقها فبرحمة من اللّه سبقت له، و من بقي فيها غير مرابط بها فبذنبه و ما اللّه بظلّام للعبيد.
فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة و من أهل الفرقة و من أهل البدعة و من أهل السنّة فقال عليه السّلام: إذا سألتني فافهم عنّي و لا عليك أن لا تسأل أحدا بعدي، أمّا أهل الجماعة فأنا و من اتّبعني و إن قلّوا، فذلك الحقّ عن أمر اللّه و أمر رسوله، و أمّا أهل الفرقة فالمخالفون لي و لمن اتّبعني و إن كثروا، و أمّا أهل السّنة فالمستمسكون بما سنّه اللّه و رسوله و إن قلّوا و أمّا أهل البدعة فالمخالفون لأمر اللّه و لكتابه و لرسوله العالمون «العاملون ظ» برأيهم و هوائهم و إن كثروا قد مضى منهم الفوج«» الأوّل و بقيت أفواج و على اللّه قصمها«» و استيصالها عن جدد الأرض«» و باللّه التّوفيق
أقول: و لعلّ تمام الخطبة ما رواه في الاحتجاج عن يحيى بن عبد اللّه بن الحسن عن أبيه عبد اللّه بن الحسن، قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يخطب بالبصرة بعد دخولها بأيّام، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة و من أهل الفرقة و ساق إلى قوله و استيصالها عن جدد الأرض و بعده فقام إليه عمّار و قال: يا أمير المؤمنين إنّ النّاس يذكرون الفيء و يزعمون أنّ من قاتلنا فهو و ماله و ولده فيء لنا.
فقام إليه رجل من بكر بن وائل يدعى عباد بن قيس و كان ذا عارضة و لسان شديد فقال يا أمير المؤمنين و اللّه ما قسمت بالسّوية و لا عدلت في الرّعية فقال: عليه السّلام و لم ويحك قال: لأنّك قسمت ما في العسكر و تركت الأموال و النّساء و الذّرية فقال: أيّها النّاس من كان له جراحة فليداوها بالسّمن، فقال عباد: جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالتّرّهات.
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: إن كنت كاذبا فلا أماتك اللّه حتّى يدركك غلام ثقيف، قيل: و من غلام ثيقف فقال رجل لا يدع للّه حرمة إلّا انتهكها فقيل أ فيموت أو يقتل فقال عليه السّلام يقصه قاصم الجبّارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه.
يا أخا بكر انت امرء ضعيف الرأى أو ما علمت أنّا لا نأخذ الصّغير بذنب الكبير، و أنّ الأموال كانت لهم قبل الفرقة و تزوّجوا على رشدة و ولد و اعلى فطرة و إنّما لكم ما حوى عسكرهم و ما كان في دورهم فهو ميراث فان عدا أحد منهم أخذنا بذنبه و إن كفّ عنّا لم نحمل عليه ذنب غيره.
يا أخا بكر لقد حكمت فيهم بحكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أهل مكّة، فقسّم ما حوى العسكر و لم يتعرّض لما سوى ذلك. و إنّما اتبعت أثره حذ و النّعل بالنّعل.
يا أخا بكر أما علمت أنّ دار الحرب يحلّ ما فيها و أنّ دار الهجرة لا يحلّ ما فيها إلّا بحقّ فمهلا مهلا رحمكم اللّه فان لم تصدّقوني و أكثرتم عليّ و ذلك«»أنّه تكلم في هذا غير واحد فأيّكم يأخذ عايشة بسهمه فقالوا: يا أمير المؤمنين أصبت و أخطأنا و علمت و جهلنا فنحن نستغفر اللّه و نادى النّاس من كل جانب أصبت يا أمير المؤمنين أصاب اللّه بك الرّشاد و السّداد.
فقام عباد (عمار خ) فقال: أيّها النّاس إنّكم و اللّه ان اتّبعتموه و أطعتموه لن يضلّ بكم عن منهل نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى قيس«» شعرة كيف و لا يكون ذلك و قد استودعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علم المنايا و القضايا (و الوصايا خ ل) و فصل الخطاب على منهاج هارون عليه السّلام و قال له أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي، فضلا خصّه اللّه به و إكراما منه لنبيّه حيث أعطاه ما لم يعط أحدا من خلقه.
ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السّلام: انظروا رحمكم اللّه ما تؤمرون به فامضوا له فان العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخسّ فانّي حاملكم إنشاء اللّه إن أطعتموني على سبيل النّجاة و إن كان فيه مشقّة شديدة و مرارة عتيدة«» و الدّنيا حلوة و الحلاوة لمن اغترّ بها من الشّقوة و النّدامة عمّا قليل.
ثمّ إنّي اخبركم أنّ جيلا من بني إسرائيل أمرهم نبيّهم أن لا يشربوا من النّهر فلجوا في ترك أمره فشربوا منه إلّا قليلا منهم، فكونوا رحمكم اللّه من أولئك الذين أطاعوا نبيّهم و لم يعصوا ربّهم و أمّا عايشة فأدركها رأى النّساء و لها بعد ذلك حرمتها الاولى و الحساب على اللّه، يعفو عمّن يشاء و يعذّب من يشاء.
الثاني في الاشارة إلى جملة من الآيات و الأخبار الواردة في نهى عايشة عن الخروج إلى القتال
و ما فيها الاشارة إلى تعدّيها عن حدود اللّه و عمّا أوجباه في حقّها فنقول قال تعالى: «يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً» روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره باسناده عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الفاحشة الخروج بالسّيف، و قال تعالى: «وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى» روى في الصّافي من الاكمال عن ابن مسعود عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حديث انّ يوشع ابن نون وصيّ موسى عاش بعد موسى ثلاثين سنة و خرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى فقالت: أنا أحقّ منك بال. مر فقاتلها فقتل مقاتليها و أحسن اسرها، و إنّ ابنة أبي بكر ستخرج على عليّ عليه السّلام في كذا و كذا ألف من امّتي فيقاتلها فيقتل مقاتليها و يأسرها فيحسن اسرها، و فيها أنزل اللّه تعالى: «وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى» يعني صفراء بنت شعيب، و روى القمّي عن الصّادق عن أبيه عليهما السّلام في هذه الآية قال: أى سيكون جاهليّة اخرى، و في البحار من الكافية من تفسير الكلبي عن ابن عبّاس لمّا علم اللّه أنّه سيجرى حرب الجمل قال لأزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و قرن في بيوتكن و لا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الاولى و قال: «يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ» في حربها مع عليّ عليه السّلام و في الاحتجاج روى الشّعبي عن عبد الرّحمان بن مسعود العبدي قال: كنت بمكة مع عبد اللّه بن الزّبير و طلحة و الزبير فارسلا إلى عبد اللّه بن الزّبير و أنا معه فقالا له: إنّ عثمان قتل مظلوما و إنّا نخاف أمر أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يختلّ بهم، فان رأت عايشة أن تخرج معنا لعل اللّه أن يرتق بها فتقا و يشعب بها صدعا.
قال: فخرجنا نمشي حتّى انتهينا إليها فدخل عبد اللّه بن الزّبير معها في سترها و جلست على الباب فأبلغها ما ارسلا به إليها، فقالت: سبحان اللّه، و اللّه ما امرت بالخروج و ما تحضرني من أمّهات المؤمنين إلّا امّ سلمة فان خرجت خرجت معها فرجع إليها فبلّغهما ذلك فقالا ارجع فلتأتها فهي أثقل عليها منّا فرجع إليها فبلغها فأقبلت حتّى دخلت على امّ سلمة فقالت أمّ سلمة: مرحبا بعايشة و اللّه ما كنت لي بزوّارة فما بدا لك قال: قدم طلحة و الزّبير فخبّرا أنّ أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما، فصرخت أمّ سلمة صرخة أسمعت من في الدّار، فقالت: يا عايشة أنت بالامس تشهدين عليه بالكفر و هو اليوم أمير المؤمنين قتل مظلوما. فما تريدين قالت: تخرجين معنا فلعلّ اللّه أن يصلح بخروجنا أمر امّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قالت: يا عايشة اخرجي و قد سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما سمعنا.
نشدتك باللّه يا عايشة الذي يعلم صدقك إن صدقت أ تذكرين يوما كان نوبتك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصنعت حريرة في بيتي فأتيت بها و هو يقول: و اللّه لا تذهب الليالي و الأيام حتّى تتنابح كلاب ماء بالعراق يقال له: الحوأب امرأة من نسائي في فئة باغية فسقط الاناء من يدي فرفع رأسه إلىّ و قال: ما لك يا أمّ سلمة فقلت: يا رسول اللّه ألا يسقط الاناء من يدي و أنت تقول ما تقول ما يؤمنني أن أكون أناهي فضحكت أنت فالتفت إليك فقال: ممّ تضحكين يا حميراء السّاقين إنّي أحسبك هيه.
و نشدتك باللّه يا عايشة أ تذكرين ليلة أسرى بنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من مكان كذا و كذا و هو بيني و بين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يحدّثنا فادخلت جملك فحال بينه و بين عليّ فرفع مقرعة كانت معه فضرب بها وجه جملك و قال: أما و اللّه ما يومه منك بواحد و لا بليته منك بواحدة إنّه لا يبغضه إلّا منافق كذّاب.
و انشدك باللّه أ تذكرين مرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي قبض فيه فأتاه أبوك يعوده و معه عمر و قد كان عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يتعاهد ثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نعله و خفّه و يصلح ما دهى«» منها، فدخل قبل ذلك فأخذ نعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هي حضرمية و هو يخصفها خلف البيت فاستأذنا عليه فأذن لهما فقالا: يا رسول اللّه كيف أصبحت قال: أحمد اللّه، قالا: لا بدّ من الموت، قال: صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أجل لا بدّ من الموت: قالا يا رسول اللّه فهل استخلفت أحدا قال: ما خليفتي فيكم إلّا خاصف النّعل فمرّا على عليّ عليه السّلام و هو يخصف نعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كلّ ذلك تعرفيه يا عايشة و تشهدين عليه ثمّ قالت امّ سلمة: يا عايشة أنا أخرج على عليّ عليه السّلام بعد الذي سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرجعت إلى منزلها و قالت: يابن الزّبير ابلغهما إنّي لست بخارجة من بعد الذي سمعته من أمّ سلمة فرجع فبلغهما قال: فما انتصف الليل حتّى سمعنا رغاء إبلها ترتحل فارتحلت معهما.
و فيه عن جعفر بن محمّد الصّادق عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال: كنت أنا و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المسجد بعد أن صلّى الفجر ثمّ نهض و نهضت معه و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أراد أن يتجه إليّ أعلمني بذلك و كان إذا أبطأ في ذلك الموضع صرت إليه لأعرف خبره لأنّه لا يتصابر قلبي على فراقه ساعة واحدة، فقال لي: أنا متّجه إلى بيت عايشة فمضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مضيت إلى بيت فاطمة الزّهراء عليها السّلام فلم أزل مع الحسن و الحسين فأنا و هي مسروران بهما.
ثمّ إنّي نهضت و صرت إلى باب عايشة فطرقت الباب فقالت لي عايشة: من هذا فقلت لها: أنا عليّ فقالت: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم راقد فانصرفت، ثمّ قلت: رسول اللّه راقد و عايشة في الدّار فرجعت و طرقت الباب فقالت لي عايشة: من هذا فقلت لها: أنا عليّ، فقالت: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على حاجة فانثنيت مستحييا من دقّي الباب و وجدت في صدري ما لا أستطيع عليه صبرا، فرجعت مسرعا فدققت الباب دقا عنيفا، فقالت لي عايشة من هذا فقلت لها: أنا عليّ فسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول لها: افتحي البابا، ففتحت و دخلت فقال لي: اقعد يا أبا الحسن احدّثك بما أنا فيه أو تحدّثني بابطائك عني فقلت: يا رسول اللّه حدّثني فانّ حديثك أحسن.
فقال: يا أبا الحسن كنت في أمر كتمته من ألم الجوع فلمّا دخلت بيت عايشة و أطلت القعود ليس عندها شيء تأتي به فمددت يدي و سألت اللّه القريب المجيب فهبط عليّ حبيبي جبرئيل و معه هذا الطير و وضع اصبعه على طاير بين يديه فقال: إنّ اللّه تعالى أوحى إليّ أن آخذ هذا الطير و هو أطيب طعام في الجنّة فأتيتك به يا محمّد،فحمدت اللّه عزّ و جلّ كثيرا و عرج جبرئيل فرفعت يدي إلى السّماء فقلت: اللهمّ يسّر عبدا يحبّك و يحبّني يأكل معي هذا الطير، فمكثت مليّا فلم أر أحدا يطرق الباب فرفعت يدي إلى السّماء فقلت: اللّهم يسّر عبدا يحبّك و يحبّني أن يأكل معي هذا الطير فمكثت مليّا فلم أر أحدا يطرق الباب فرفعت يدي إلى السماء فقلت: اللّهمّ يسّر عبدا يحبّك و يحبّني و تحبّه و أحبّه يأكل معي هذا الطير، فسمعت طرقك الباب و ارتفاع صوتك فقلت لعايشة: ادخلي عليّا، فدخلت.
فلم أزل حامدا للّه حتّى بلغت إليّ إذ كنت تحبّ اللّه و تحبّني و يحبّك اللّه و احبّك، فكل يا عليّ فلما أكلت أنا و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الطائر قال لي: يا عليّ حدّثني فقلت: يا رسول اللّه لم أزل منذ فارقتك أنا و فاطمة و الحسن و الحسين مسرورين جميعا ثمّ نهضت اريدك فجئت فطرقت الباب فقالت لي عايشة: من هذا فقلت: أنا عليّ، فقالت: إنّ رسول اللّه راقد، فانصرفت فلمّا أن صرت إلى بعض الطريق الذي سلكته رجعت فقلت: إنّ رسول اللّه راقد و عايشة في الدار لا يكون هذا، فجئت فطرقت الباب فقالت لي: من هذا فقلت لها أنا عليّ فقالت إنّ رسول اللّه على حاجة فانصرفت مستحييا، فلمّا انتهيت إلى الموضع الذي رجعت منه أوّل مرة وجدت في قلبي ما لم أستطع عليه صبرا، فقلت: النّبيّ عليه السّلام على حاجة و عايشة في الدار، فرجعت فدققت الباب الدقّ الذي سمعته يا رسول اللّه فسمعتك يا رسول اللّه و أنت تقول لها: ادخلى عليا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أبيت«» إلّا أن يكون الأمر هكذا يا حميرا ما حملك على هذا قالت: يا رسول اللّه اشتهيت أن يكون أبي يأكل من الطير، فقال لها: ما هو أوّل ضغن بينك و بين عليّ عليه السّلام و قد وقفت على ما في قلبك إنشاء اللّه لتقاتلينه فقالت: يا رسول اللّه و تكون النّساء يقاتلن الرّجال فقال لها: يا عايشة إنّك لتقاتلين عليّا و يصحبك و يدعوك إلى هذا نفر من أهل بيتي و أصحابي فيحملونك عليه و ليكونن في قتالك أمر يتحدّث به الأوّلون و الآخرون و علامة ذلك أنّك تركبين الشّيطان ثمّ تبتلين قبل أن تبلغي إلى الموضع الذي يقصد بك إليه فتنبح عليك كلاب الحوأب فتسألين الرّجوع فتشهد عندك قسامة أربعين رجلا ما هي كلاب الحوأب فتصيرين إلى بلد أهله أنصارك، و هو أبعد بلاد على الأرض من السّماء و أقربها إلى الماء، و لترجعن و أنت صاغرة غير بالغة ما تريدين، و يكون هذا الذي يردّك مع من يثق به من أصحابه و أنّه لك خير منك له و لينذرنك ما يكون الفراق بيني و بينك في الآخرة و كلّ من فرق عليّ بيني و بينه بعد وفاتي ففراقه جايز.
فقالت يا رسول اللّه: ليتني متّ قبل أن يكون ما تعدني فقال: هيهات هيهات و الذي نفسي بيده ليكونن ما قلت حتّى كأنّي أراه، ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لي: قم يا عليّ فقد وجبت صلاة الظهر حتّى أمر بلالا بالأذان فأذّن بلال و أقام و صلّى و صلّيت معه و لم نزل في المسجد.
و فيه عن الباقر عليه السّلام أنّه قال: لمّا كان يوم الجمل و قد رشق«» هودج عايشة بالنّبل قال أمير المؤمنين عليه السّلام: و اللّه ما أراني إلّا مطلّقها فانشد اللّه رجلا سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: يا عليّ أمر نسائي بيدك من بعدي لما قام فشهد قال: فقام ثلاثة عشر رجلا فيهم بدريّان فشهدوا أنّهم سمعوا رسول اللّه يقول يا عليّ أمر نسائي بيدك من بعدي، قال: فبكت عايشة عند ذلك حتّى سمعوا بكائها.
و في البحار من كتاب الكافية لابطال توبة الخاطئة عن الحسن بن حماد عن زياد بن المنذر عن الأصبغ بن نباتة قال: لمّا عقر الجمل وقف عليّ عليه السّلام على عايشة فقال و ما حملك على ما صنعت قالت ذيت«» و ذيت، فقال: أما و الذي فلق الحبّة و برء النّسمة لقد ملأت اذنيك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يلعن أصحاب الجمل و أصحاب النّهروان أمّا أحياؤهم فيقتلون في الفتنة و أمّا أمواتهم ففي النّار على ملّة اليهود،إلى غير ذلك ممّا رواها الأصحاب و تركنا روايتها مخافة الاطناب.
الثالث
قال العلامة الحلّي طاب ثراه في كتاب كشف الحقّ و نهج الصّدق: خرجت عايشة إلى قتال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و معلوم أنّها عاصية بذلك.
أمّا أوّلا فلأنّ اللّه قد نهاها عن الخروج و أمرها بالاستقرار في منزلها فهتكت حجاب اللّه و رسوله و تبرّجت و سافرت في محفل عظيم و جمّ غفير يزيد على ستّة عشر ألفا.
و أمّا ثانيا فلأنّها ليست وليّ الدّم حتّى تطالب به و لا لها حكم الخلافة فبأيّ وجه خرجت للطلب.
و أمّا ثالثا فلأنّها طلبته من غير من عليه الحقّ لأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم يحضر قتله و لا أمر به و لا واطأ عليه و قد ذكر ذلك كثيرا.
و أمّا رابعا فلأنّها كانت تحرّض على قتل عثمان و تقول: اقتلوا نعثلا قتل اللّه نعثلا فلمّا بلغها قتله فرحت بذلك، فلمّا قام أمير المؤمنين عليه السّلام بالخلافة اسندت القتل إليه و طالبته بدمه لبغضها له و عداوتها معه، ثمّ مع ذلك تبعها خلق عظيم و ساعدها عليه جماعة كثيرة الوفا مضاعفة، و فاطمة سلام اللّه عليها لمّا جاءت تطالب بحقّ ارثها الذي جعله اللّه لها في كتابه العزيز و هي محقّة فيه لم يتبعها مخلوق و لم يساعدها بشر انتهى كلامه.
الترجمة
از جمله كلام فصاحت نظام آن امام عالي مقام است كه در مذمت بصره و أهل آن فرموده: بوديد شما لشكر زن كه عايشه است و تابعان بهيمة كه جمل او بود آواز كرد آن جمل، پس جواب داديد آن را و پى كرده شد پس گريختيد، خلقهاى شما رذيل و حقير است و عهد شما مخالفت است و شقاق، و دين شما دوروئى است و نفاق، و آب شما بى مزه است و شور، اقامت كننده در ميان شما رهين است بگناه خويش، و رحلت نماينده از شما دريافته شده است برحمة پروردگار خود، گويا من نظر مي كنم بمسجد شما كه فرا گرفته است آن را آب بمرتبه كه ديده نمى شود مگر كنگرههاى آن مسجد مانند سينه كشتى در دريا، بتحقيق كه فرو فرستاده خداوند سبحانه بر بصره كه شهر شما است عذاب را از بالاى آن، و غرق كرده شده كسى كه در ميان آن شهر بوده، و در روايت ديگر وارد شده كه فرمود قسم بذات خداوند هر آينه غرق كرده شود اين شهر شما تا اين كه گويا من نظر ميكنم بسوى مسجد آن شهر همچو سينه كشتى بر روى دريا يا شتر مرغ سينه خوابيده در دريا، و در روايت ديگر آمده كه همچو سينه مرغ در ميان دريا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»