نهج البلاغه نامه ها نامه شماره 52/3 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )نامه امیر المومنین علی علیه السلام به مالک اشتر نخعی

نامه 53 صبحی صالح

53- و من كتاب له ( عليه‏ السلام  ) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر و أعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، و هو أطول عهد كتبه و أجمعه للمحاسن.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا وَ اسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلَادِهَا

أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ إِيْثَارِ طَاعَتِهِ وَ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ الَّتِي لَا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا وَ لَا يَشْقَى إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا وَ إِضَاعَتِهَا

وَ أَنْ يَنْصُرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِقَلْبِهِ وَ يَدِهِ وَ لِسَانِهِ فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ وَ إِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ

وَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَ يَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ

ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَ جَوْرٍ وَ أَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَكَ وَ يَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ

وَ إِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ

فَامْلِكْ هَوَاكَ وَ شُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ وَ أَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَ الْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَ اللُّطْفَ بِهِمْ

وَ لَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَ تَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ وَ يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَ الْخَطَإِ

فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَ صَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَ تَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَ صَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَ وَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ وَ اللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وَ قَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَ ابْتَلَاكَ بِهِمْ

وَ لَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَ لَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَ رَحْمَتِهِ وَ لَا تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ وَ لَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ

وَ لَا تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً وَ لَا تَقُولَنَّ إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ وَ مَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ وَ تَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ

وَ إِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ وَ قُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ

فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ وَ يَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ وَ يَفِي‏ءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ

إِيَّاكَ وَ مُسَامَاةَ اللَّهِ فِي عَظَمَتِهِ وَ التَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ وَ يُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ

أَنْصِفِ اللَّهَ وَ أَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَ مِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ وَ مَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ

وَ مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَ مَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ‏

وَ كَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ وَ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَ تَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَ هُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ

وَ لْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَ أَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَ أَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وَ إِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ

وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ وَ أَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلَاءِ وَ أَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ وَ أَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ وَ أَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ وَ أَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ وَ أَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ

وَ إِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وَ جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَ الْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ وَ مَيْلُكَ مَعَهُمْ

وَ لْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَ أَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ أَطْلَبُهُمْ لِمَعَايِبِ النَّاسِ فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا فَلَا تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ

وَ اللَّهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللَّهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ

أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ وَ اقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ وَ تَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَضِحُ لَكَ وَ لَا تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ وَ إِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ

وَ لَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ وَ يَعِدُكَ الْفَقْرَ وَ لَا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الْأُمُورِ وَ لَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ فَإِنَّ الْبُخْلَ وَ الْجُبْنَ وَ الْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ

إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً وَ مَنْ شَرِكَهُمْ فِي الْآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَةِ وَ إِخْوَانُ الظَّلَمَةِ

وَ أَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَ نَفَاذِهِمْ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَ أَوْزَارِهِمْ وَ آثَامِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ وَ لَا آثِماً عَلَى إِثْمِهِ

أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَ أَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً وَ أَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وَ أَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَ حَفَلَاتِكَ

ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ وَ أَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ

وَ الْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَ الصِّدْقِ ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ وَ لَا يَبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ وَ تُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ

وَ لَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَ الْمُسِي‏ءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ‏ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ وَ تَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ وَ أَلْزِمْ كُلًّا مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ

وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَ تَخْفِيفِهِ الْمَئُونَاتِ عَلَيْهِمْ وَ تَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ

فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ يَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلًا

وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ

وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ وَ لَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأُلْفَةُ وَ صَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ وَ لَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ فَيَكُونَ الْأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا وَ الْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا

وَ أَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَ مُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلَادِكَ وَ إِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ

وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ وَ لَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ وَ مِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَ الْخَاصَّةِ وَ مِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ وَ مِنْهَا عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَ الرِّفْقِ

وَ مِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَ الْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَ مُسْلِمَةِ النَّاسِ وَ مِنْهَا التُّجَّارُ وَ أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ                       

وَ مِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ

وَ كُلٌّ قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ وَ وَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً

فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللَّهِ حُصُونُ الرَّعِيَّةِ وَ زَيْنُ الْوُلَاةِ وَ عِزُّ الدِّينِ وَ سُبُلُ الْأَمْنِ وَ لَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِمْ

ثُمَّ لَا قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلَّا بِمَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَ يَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ

ثُمَّ لَا قِوَامَ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلَّا بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَ الْعُمَّالِ وَ الْكُتَّابِ لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ وَ يَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ وَ يُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَ عَوَامِّهَا

وَ لَا قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلَّا بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ وَ يُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ وَ يَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ مَا لَا يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ

ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَ مَعُونَتُهُمْ

وَ فِي اللَّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ وَ لِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ وَ لَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالِاهْتِمَامِ وَ الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَ تَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ وَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيمَا خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَقُلَ:

فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِإِمَامِكَ وَ أَنْقَاهُمْ جَيْباً وَ أَفْضَلَهُمْ حِلْماً

مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ وَ يَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ وَ يَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ وَ يَنْبُو عَلَى الْأَقْوِيَاءِ وَ مِمَّنْ لَا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ وَ لَا يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ

ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَ الْأَحْسَابِ وَ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ السَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَ الشَّجَاعَةِ وَ السَّخَاءِ وَ السَّمَاحَةِ فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ وَ شُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ

ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا وَ لَا يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْ‏ءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ وَ لَا تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَ إِنْ قَلَّ فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ بِكَ

وَ لَا تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالًا عَلَى جَسِيمِهَا فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَ لِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ

وَ لْيَكُنْ آثَرُ رُءُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ وَ أَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ بِمَا يَسَعُهُمْ وَ يَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ

وَ إِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلَاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلَادِ وَ ظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ

و إِنَّهُ لَا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ وَ لَا تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلَّا بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَ قِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ وَ تَرْكِاسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ

فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ وَ وَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَ تَعْدِيدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ وَ تُحَرِّضُ النَّاكِلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى وَ لَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَى غَيْرِهِ وَ لَا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلَائِهِ وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ صَغِيراً وَ لَا ضَعَةُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ عَظِيماً

وَ ارْدُدْ إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ وَ يَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ

فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ‏

فَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ وَ الرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ:

ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ وَ لَا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ وَ لَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ وَ لَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْ‏ءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَ لَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ وَ لَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ

وَ أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَ آخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ وَ أَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ وَ أَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ وَ أَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ وَ لَا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ وَ أُولَئِكَ قَلِيلٌ

ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ وَ افْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ وَ تَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ وَ أَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لَا يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ

فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الْأَشْرَارِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى وَ تُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا:

ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً وَ لَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَ أَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَ الْخِيَانَةِ

وَ تَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَ الْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ الْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَاقاً وَ أَصَحُّ أَعْرَاضاً وَ أَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً وَ أَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً

ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَ غِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ

ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَ ابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَ الْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَ الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ

وَ تَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً

فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَ أَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وَ قَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ:

وَ تَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَ صَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ وَ لَا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَ أَهْلِهِ

وَ لْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ وَ مَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ وَ أَهْلَكَ الْعِبَادَ وَ لَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلَّا قَلِيلًا

فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ

وَ لَا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْ‏ءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ وَ تَزْيِينِ وِلَايَتِكَ

مَعَ اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ وَ تَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ وَ الثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَ رِفْقِكَ بِهِمْ

فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ

وَ إِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا وَ إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ وَ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ وَ قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ:

ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ وَ اخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وَ أَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلَافٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلَإٍ

وَ لَا تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمِّالِكَ عَلَيْكَ وَ إِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ فِيمَا يَأْخُذُ لَكَ وَ يُعْطِي مِنْكَ وَ لَا يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ وَ لَا يَعْجِزُ عَنْ إِطْلَاقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ

وَ لَا يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ

ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَ اسْتِنَامَتِكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَ حُسْنِ خِدْمَتِهِمْ وَ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَ الْأَمَانَةِ شَيْ‏ءٌ

وَ لَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً وَ أَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَ لِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ

وَ اجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا وَ لَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا وَ مَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ‏

ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَ أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً الْمُقِيمِ مِنْهُمْ وَ الْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَ الْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ

فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَ أَسْبَابُ الْمَرَافِقِ وَ جُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَ الْمَطَارِحِ فِي بَرِّكَ وَ بَحْرِكَ وَ سَهْلِكَ وَ جَبَلِكَ وَ حَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا وَ لَا يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ وَ صُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ

وَ تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَ فِي حَوَاشِي بِلَادِكَ وَ اعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً وَ شُحّاً قَبِيحاً وَ احْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وَ تَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ وَ ذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ وَ عَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ

فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )مَنَعَ مِنْهُ وَ لْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وَ أَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَ الْمُبْتَاعِ

فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ وَ عَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ:

ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ وَ الْمُحْتَاجِينَ وَ أَهْلِ الْبُؤْسَى وَ الزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَ مُعْتَرّاً

وَ احْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ وَ اجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وَ قِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى

وَ كُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ وَ لَا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ فَإِنَّكَ لَا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِهَ لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَ لَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ

وَ تَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ وَ تَحْقِرُهُ الرِّجَالُ فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَ التَّوَاضُعِ فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ

ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الْإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَ كُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ

وَ تَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَ ذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لَا حِيلَةَ لَهُ وَ لَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ وَ ذَلِكَ عَلَى الْوُلَاةِ ثَقِيلٌ وَ الْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ وَ قَدْ يُخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ وَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ:

وَ اجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ وَ تَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَ تُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَ أَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَ شُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ

فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى ‏الله‏ عليه‏ وآله ‏وسلم  )يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ

ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَ الْعِيَّ وَ نَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ‏ وَ الْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ امْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ

ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ

وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ

وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هوَ الْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ امْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ

ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ

وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ

وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هِيَ لَهُ خَاصَّةً فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَ نَهَارِكَ وَ وَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ كَامِلًا غَيْرَ مَثْلُومٍ وَ لَا مَنْقُوصٍ بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ

وَ إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ لِلنَّاسِ فَلَا تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَ لَا مُضَيِّعاً فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَ لَهُ الْحَاجَةُ

وَ قَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى‏ الله‏ عليه‏ وآله ‏وسلم  )حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ كَصَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ وَ كُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً

 وَ أَمَّا بَعْدُ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ وَ قِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ

وَ الِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ وَ يَعْظُمُ الصَّغِيرُ وَ يَقْبُحُ الْحَسَنُ وَ يَحْسُنُ الْقَبِيحُ وَ يُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ

وَ إِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ وَ لَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ

وَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ

مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مِمَّا لَا مَئُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ:

ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَ بِطَانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَ تَطَاوُلٌ وَ قِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ

وَ لَا تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وَ حَامَّتِكَ قَطِيعَةً وَ لَا يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ يَحْمِلُونَ مَئُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وَ عَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ

وَ أَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَ الْبَعِيدِ وَ كُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَ خَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ وَ ابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ

وَ إِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ وَ اعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَ رِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وَ إِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ:

وَ لَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ و لِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَ أَمْناً لِبِلَادِكَ

وَ لَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَ اتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ

وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ

فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْ‏ءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ

فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَ لَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ وَ لَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ

وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى‏ مَنَعَتِهِ وَ يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ فَلَا إِدْغَالَ وَ لَا مُدَالَسَةَ وَ لَا خِدَاعَ فِيهِ

وَ لَا تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيهِ الْعِلَلَ وَ لَا تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَ التَّوْثِقَةِ

وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ وَ أَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللَّهِ فِيهِ طِلْبَةٌ لَا تَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَ لَا آخِرَتَكَ:

إِيَّاكَ وَ الدِّمَاءَ وَ سَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ وَ لَا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ وَ لَا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَ انْقِطَاعِ مُدَّةٍ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

فَلَا تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَ يُوهِنُهُ بَلْ يُزِيلُهُ وَ يَنْقُلُهُ وَ لَا عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ وَ لَا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ

وَ إِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ وَ أَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً فَلَا تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ:

وَ إِيَّاكَ وَ الْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ وَ الثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وَ حُبَ‏ الْإِطْرَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ

وَ إِيَّاكَ وَ الْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ

فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الْإِحْسَانَ وَ التَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ وَ الْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَ النَّاسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ‏

وَ إِيَّاكَ وَ الْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَ أَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ

وَ إِيَّاكَ وَ الِاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ وَ التَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ وَ عَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الْأُمُورِ وَ يُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ

امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ وَ سَوْرَةَ حَدِّكَ وَ سَطْوَةَ يَدِكَ وَ غَرْبَ لِسَانِكَ وَ احْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ وَ تَأْخِيرِ السَّطْوَةِ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الِاخْتِيَارَ وَ لَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ وَ الْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا ( صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلم  )أَوْ فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ

فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا وَ تَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا وَ اسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ لِكَيْلَا تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا:

وَ أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ أَنْ يُوَفِّقَنِي وَ إِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَ إِلَى خَلْقِهِ

مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ وَ جَمِيلِ الْأَثَرِ فِي الْبِلَادِ وَ تَمَامِ النِّعْمَةِ وَ تَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ وَ أَنْ يَخْتِمَ لِي وَ لَكَ بِالسَّعَادَةِ وَ الشَّهَادَةِ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‏

وَ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً وَ السَّلَامُ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج20

الفصل العاشر من عهده عليه السلام‏

ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين و المحتاجين و أهل البؤسى و الزمنى، فإن في هذه الطبقة قانعا و معترا، و احفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم، و اجعل لهم قسما من بيت مالك، و قسما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، و كل قد استرعيت حقه، فلا [و لا] يشغلنك عنهم بطر، فإنك لا تعذر بتضييعك [بتضييع‏]التافه لأحكامك الكثير المهم، فلا تشخص همك عنهم، و لا تصعر خدك لهم، و تفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون، و تحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية و التواضع، فليرفع إليك أمورهم، ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله يوم تلقاه، فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، و كل فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه و تعهد أهل اليتم و ذوى الرقة في السن ممن لا حيلة له، و لا ينصب للمسألة نفسه، و ذلك على الولاة ثقيل «و الحق كله ثقيل» و قد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم، و وثقوا بصدق موعود الله لهم.

اللغة

(البؤسى): هي البؤسى كالنعمى للنعيم بمعنى الشدة، (و الزمنى): أولو الزمانة و الفلج، (القانع): الذي يسئل لحاجته (المعتر): الذي يتعرض للعطاء من غير سؤال، (الصوافي) جمع صافية: أرض الغنيمة، (التافه): الحقير، (أشخص همه): رفعه، (تصعير الخد): إمالته كبرا، (تقتحمه): تزدريه، (أعذر في الأمر): صار ذا عذر فيه.

الاعراب‏

الله مكررا: منصوب على التحذير، من الذين: من بيانية، لله: اللام‏

للاختصاص و تفيد الاخلاص، و كل: المضاف إليه محذوف أي كلهم.

المعنى‏

قد عبر عليه السلام من الطبقة السابعة بالطبقة السفلى‏ نظرا إلى ظاهر حالهم عند الناس حيث إنهم عاجزون عن الحيلة و الاكتساب و هم مساكين و محتاجون و المبتلون بالبؤس و الزمانة و لكن سواهم مع سائر الناس في الحقوق و أظهر بهم أشد العناية و الاهتمام و قسمهم إلى ثلاثة أقسام.

1- القانع، و قد فسر بمن يسأل لرفع حاجته و يعرض حاجته على مظان قضائه.

2- المعتر، و هو السيى‏ء الحال الذي لا يسأل الحاجة بلسانه و لكن يعرض نفسه في مظان الترحم و التوجه إليه فكان يسأل بلسان الحال.

3- من اعتزل في زاوية بيته لا يسأل بلسانه و لا يعرض نفسه على مظان قضاء حوائجه، إما لرسوخ العفاف و عزة النفس فيه، و إما لعدم قدرته على ذلك كالزمنى و هم الذين بين حالهم في قوله عليه السلام‏ (و تفقد امور من لا يصل إليك منهم، ممن تقتحمه العيون و تحقره الرجال) و قد وصى فيهم بامور:

1- حفظ حقوقهم و العناية بهم طلبا لمرضاة الله و حذرا من نقمته لأنهم لا يقدرون على الانتقام ممن يهضم حقوقهم.

2- جعل لهم قسما من بيت المال العام الذي يجمع فيه الصدقات الواجبة و المستحبة و أموال الخراج الحاصل من الأراضي المفتوحة عنوة.

3- جعل لهم قسما من صوافي الاسلام في كل بلد، قال في الشرح المعتزلي: و هي الأرضون التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و كانت صافية رسول الله صلى الله عليه و آله، فلما قبض صارت لفقراء المسلمين، و لما يراه الامام من مصالح الاسلام.

4- أن لا يصير الزهو بمقام الولاية موجبا لصرف النظر عنهم و عدم التوجه إليهم مغترا باشتغاله بامور هامة عامة، فقال عليه السلام: أحكام الامور الهامة الكثيرة لا يصير كفارة لصرف النظر عن الامور الواجبة القصيرة.

5- الاهتمام بهم و عدم العبوس في وجوههم عند المحاضرة و المصاحبة لاظهار الحاجة.

ثم أوصى بالتفقد عن القسم الثالث المعتزل بوسيلة رجال موثق‏ من أهل الخشية و التواضع‏ و خصص طائفتين من العجزة بمزيد التوصية و الاهتمام.

الف- الأيتام الذين فقدوا آبائهم و حرموا من محبة والدهم الذين يلمسونهم بالعطف و الحنان دائما.

ب- المعمرون إلى أرذل العمر الذين أنهكتهم الشيبة و اسقطت قواهم فلا يقدرون على انجاز حوائجهم بأنفسهم، و أشار إلى أن رعاية هذه الطبقة على الولاة ثقيل‏ بل‏ الحق كله ثقيل‏.

الترجمة

سپس خدا را باش خدا را باش در باره آن طبقه زير دستى كه بيچاره و مستمندند چون گدايان و نيازمندان و گرفتاران سختى در زندگى و مردم زمين گير و از كار افتاده، زيرا در اين طبقه حاجت خواهان و ترحم جويانند آنچه را از تو در باره حفظ حق آنان خواسته در نظر دار، و بهره‏اى از بيت المال براى آنها مقرر دار، و بهره‏اى هم از در آمد خالصجات اسلامى در هر شهرستانى باشند، حق بيگانه ‏ها و دوردستهاى اين طبقه همانند حق نزديكان آنها است، سر مستى مقام و جاه تو را از آنها باز ندارد، زيرا انجام كارهاى مهم و فراوان براى تقصير تو در اين كارهاى كوچك و لازم عذر پذيرفته نيست، دل از آنان بر مدار و چهره بر آنها گره مساز، از آن دسته اين مستمندان كه بحضور تو نمى‏رسند، و مردم بديده تحقير بدانها نگاه ميكنند بازرسى و تفقد كن، و براى سرپرستى آنان كسان موثق و مورد اعتمادى كه خدا ترس و فروتن باشند بگمار تا وضع آنانرا بتو گزارش دهند.

با اينها چنان رفتار كن كه در پيشگاه خداوند سبحان هنگام ملاقاتش رو سفيد و معذور باشى، زيرا اينان در ميان رعيت از ديگران بيشتر نيازمند انصاف و عدلند و در باره هر كدام به درگاه خدا از نظر پرداخت حقش عذرخواه باش، يتيمان و پيران پشت خميده را كه بيچاره‏اند و نيروى سؤال و در خواست ندارند بازرسى كن اين كاريست كه براى حكمرانان سنگين است ولى چه بايد كرد؟ هر حقى سنگين است، و خداوند آنرا بر مردمى سبك نمايد كه عاقبت خوش بخواهند و خود را بسيار شكيبا دارند، و براستى وعده‏هاى خداوند بر ايشان اطمينان و عقيده دارند.

الفصل الحادى عشر من عهده عليه السلام‏

و اجعل لذوى الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، و تجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك، و تقعد عنهم جندك و أعوانك من أحراسك و شرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع، فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه و آله- يقول في غير موطن: (لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع) ثم احتمل الخرق منهم و العي، و نح عنهم الضيق و الأنف، يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته، و يوجب لك ثواب طاعته، و أعط ما أعطيت هنيئا و امنع في إجمال و إعذار. ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها: منها إجابة

عمالك بما يعيا عنه كتابك، و منها إصدار حاجات الناس عند [يوم‏] ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك، و أمض لكل يوم عمله، فإن لكل يوم ما فيه، و اجعل لنفسك فيما بينك و بين الله أفضل تلك المواقيت، و أجزل تلك الأقسام و إن كانت كلها لله إذا صلحت فيها النية، و سلمت منها الرعية. و ليكن في خاصة ما تخلص به لله دينك إقامة فرائضه التي هى له خاصة، فأعط الله من بدنك في ليلك و نهارك، و وف ما تقربت به إلى الله من ذلك كاملا غير مثلوم و لا منقوص بالغا من بدنك ما بلغ، و إذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا و لا مضيعا، فإن في الناس من به العلة و له الحاجة، و قد سألت رسول الله- صلى الله عليه و آله- حين وجهني إلى اليمن كيف أصلي بهم؟ فقال: «: صل بهم كصلاة أضعفهم، و كن بالمؤمنين رحيما».

اللغة

(الحرس): حرس السلطان و هم الحراس الواحد حرسي و الحرس اسم مفرد بمعنى الحراس كالخدام و الخدم، (الشرط): قوم من أعوان الحكومة يعلمون أنفسهم بعلامات الخدمة يعرفون بها، (التعتعة) في الكلام: التردد فيه‏ من حصر أو عى (الخرق): ضد الرفق، (عى): يقال: عيى من باب تعب عجز عنه و لم يهتد لوجه مراده، العي بكسر العين و تشديد الياء: التحير في الكلام، (الأنف): الانفة و هي خصلة تلازم الكبر، (الأكناف): الجوانب، (إجمال):

في الرفق، (يعيا): يعجز (مثلوم): ما فيه خلل.

الاعراب‏

مجلسا: مصدر ميمي فيكون مفعولا مطلقا أو اسم مكان فيكون مفعولا فيه، من أحراسك: لفظة من بيانية، غير متتعتع حال، يبسط الله: مجزوم في جواب الأمر، ما اعطيت، لفظة ما مصدرية زمانية أو موصولة و العائد محذوف، هنيئا: تميز رافع للابهام عن النسبة، في إجمال: لفظة في للظرفية المجازية، امور من امورك مبتدأ لخبر مقدم محذوف أى هنا امور من امورك، و لذا صح الابتداء بالنكرة ما فيه: فيه ظرف مستقر صفة أو صلة لما، إقامة فرائضه: اسم و ليكن اخر عن الخبر، و هو جملة ظرفية.

المعنى

بعد ما فرغ عليه السلام من تشريح النظام العام و تقرير القوانين لتشكيلات الدولة و تنظيم أمر طبقات الامة، توجه إلى بيان ما يرتبط بالوالي نفسه و بينه في شعب ثلاث:

الاولى: ما يلزم على الوالي بالنسبة إلى عموم من يرجع إليه في حاجة و يشكو إليه في مظلمة و وصاه بأن يعين وقتا من أوقاته لإجابة المراجعين إليه و شرط عليه:

1- أن يجلس لهم في مكان بلا مانع يصلون إليه و يأذن للعموم من ذوى الحاجات في الدخول عليه.

2- أن يتلقاهم بتواضع و حسن خلق مستبشرا برجوعهم إليه في حوائجهم.

3- أن يمنع جنده و أعوانه من التعرض لهم و ينحى الحرس و الشرط الذين يرعب الناس منهم عن هذه الجلسة ليقدر ذوو الحاجة من بيان مقاصدهم و شرح ماربهم و مظالمهم بلا رعب و خوف و حصر في الكلام.

4- أن يتحمل من السوقة و البدويين خشونة آدابهم و كلامهم العاري عن كل ملاحة و أدب.

5- أن لا يضيق عليهم في مجلسه و لا يفرض عليهم آدابا يصعب مراعاتها و لا يلقاهم بالكبر و أبهة الولاية و الرياسة.

6- أنه إن كان حاجاتهم معقولة و مستجابة فاعطاهم ما طلبوا لم يقرن عطائه بالمن و الأذى و الخشونة و التأمر حتى يكون هنيئا و إن لم يقدر على إجابة ما طلبوا يردهم ردا رفيقا جميلا و يعتذر عنهم في عدم إمكان إجابة طلبتهم.

الثاني: ما يلزم عليه فيما بينه و بين أعوانه و عماله المخصوصين به من الكتاب و الخدمة كما يلي:

1- يجيب عماله و كتابه في حل ما عجزوا عنه من المشاكل الهامة.

2- يتولى بنفسه‏ اصدار الحوائج التي عرضت على أعوانه و يصعب عليهم انفاذها لما يعرض عليهم من الترديد في تطبيق القوانين أو الخوف مما يترتب على انفاذها من نواح شتى.

3- أن لا يتأخر أى عمل عن يومه المقرر و يتسامح في إمضاء الامور في أوقاتها المقررة.

الثالث: ما يلزم عليه فيما بينه و بين الله فوصاه بأن الولاية بما فيها من المشاغل و المشاكل لا تحول بينه و بين ربه و أداء ما يجب عليه من العبادة و التوجه إلى الله فقال عليه السلام:

اجعل‏ أفضل‏ أوقاتك و أجزل أقسام عمرك بينك و بين الله في التوجه إليه و التضرع و الدعاء لديه و إن كان كل عمل من أعمالك عبادة لله مع النية الصالحة و إصلاح حال الرعية.

و أمره باقامة الفرائض المخصوصة، و إن كانت شاقة و متعبة لبدنه كالصوم في الأيام الحارة و الصلاة بمالها من المقدمات في شدة البرد و في الفيافي و الأسفار الطائلة بحيث لا يقع خلل فيما يؤديه من الأعمال و لا منقصة فيه من التسامح و الإهمال.

قال في الشرح المعتزلي في بيان قوله: (كاملا غير مثلوم) أى لا يحملنك شغل السلطان على أن تختصر الصلاة اختصارا، بل صلها بفرائضها و سننها و شعائرها في نهارك و ليلك و إن أتعبك ذلك و نال من بدنك و قوتك.

أقول: الظاهر أن المقصود من قوله‏ (غير مثلوم) هو النهى عن الاخلال بواجب في العبادة من شرط أو جزء بحيث يوجب البطلان و المقصود من قوله‏ (غير منقوص) النهي عن النقصان الغير المبطل كالاختصار و التعجيل في الأداء أو التأخير من وقت الفضيلة.

قال ابن ميثم: الثامن أن يعطى الله من بدنه في ليله و نهاره: أي طاعة و عبادة فحذف المفعول الثاني للعلم به و القرينة كون الليل و النهار محلين للأفعال و القرينة ذكر البدن.

أقول: لا يخلو كلامه من تكلف و الظاهر أن قوله عليه السلام كنايه [فاعط الله من بدنك‏] (من بدنك) ظرف مستقر مفعول ثان لقوله‏ (فأعط) كما تقول أعط زيدا من البر، و الجملة كناية عن رياضة بدنية في العبادة بحيث يصرف فيها جزء من البدن و قواه.

ثم استدرك من ذلك صلاته بالناس في الجماعة فأمره برعاية حال المأمومين و أدائها على وجه لا يشق على المعلولين و لا يضر بحوائج العمال و المحترفين فتصير الصلاة في الجماعة منفورة عندهم و لكن لا يؤديها على وجه يخل بواجباتها و آدابها المرعية بحيث يكون مضيعا لأعمالها أو وقتها.

و نختم شرح هذا الفصل بذكر قصتين مناسبتين للمقام:

الاولى: حكي أنه استأذن بعض أعوان فتح‏على‏ شاه من المحقق القمي المعاصر له و هو مرجع و مفت للشيعة في أيامه و معتمد لديه في إفطار الشاه صومه لطول‏ النهار و شدة الحر معللا بأن الصوم يؤثر في حاله و يورث فيه الغضب الشديد و خصوصا في أوان العصر فربما يحكم على المتهمين بالعقوبة قبل التحقيق عن إثباته جرمه، أو على المجرمين بتشديد العقوبة إلى أن يصل بالقتل و الفتك بما يخرج عن حد العدالة، فأجاب رحمه الله تعالى: بأن الشاه يصوم و لا يغضب حتى يرتكب الخلاف و الظلم.

الثانية: ما ذكره الشارح المعتزلي في شرحه «ص 87 ج 17 ط مصر» قال: كان بعض الأكاسرة يجلس للمظالم بنفسه، و لا يثق إلى غيره، و يقعد بحيث يسمع الصوت، فإذا سمعه أدخل المتظلم، فاصيب بصمم في سمعه، فنادى مناديه: أن الملك يقول: أيها الرعية إني إن أصبت بصمم في سمعي فلم أصب في بصري، كل ذي ظلامة فليلبس ثوبا أحمر، و جلس لهم في مستشرف له.

الترجمة

براى مراجعان شخص خودت كه بتو نيازى دارند وقتى مقرر دار كه شخص خودت بدانها رسيدگى كنى و در مجلس عمومى همه را بار دهى، و در آن متواضع باشى براى خدائى كه تو را آفريده بشرائط زير:

لشكريان و ياوران خود را از قبيل گارد مخصوص پاسبانى و پاسبانان شهرباني خود را از مراجعان بر كنار سازى تا هر كس بى لكنت زبان با تو سخن خود را در ميان گذارد، زيرا من از رسول خدا صلى الله عليه و آله شنيدم كه در چند جا فرمود: «مقدس و پاك نباشند امتى كه در ميان آنها حق ناتوان از توانا بى لكنت زبان گرفته نشود».

سپس بد برخوردى و كند زبانى آنانرا بر خود هموار كن و فشار و تكبر فرمانروائى خود را از آنان دور دار تا خداوند بدين وسيله رحمت همه جانبه خود را بروى تو بگشايد و پاداش طاعتش را بتو ارزانى دارد هر چه بهر كس مى‏دهى بى‏منت باشد تا بر او گوارا بود و اگر از انجام درخواست كسى دريغ كردى با زبان خوش و معذرت او را روانه ساز.

سپس تو را كارهائيست كه بناچار خوبست بايد انجام دهى:

از آن جمله پذيرفتن مراجعه كارمندان تو است در آنچه دفتر داران تو از انجام آن درمانند.

از آن جمله پاسخ گوئى به نيازمنديهاى مردم است كه بتو مراجعه مى‏شود در صورتى كه ياوران تو از پاسخ بدانها دچار نگرانى شوند.

كار هر روزى را در همان روز انجام بده و به فردا ميفكن، زيرا براى هر روزى است كارهاى مربوط بدان روز.

براى خود ميان خود و خداى تعالى بهترين أوقات و شايان‏ترين قسمت عمر خود را مقرر دار و گر چه همه اوقات تو براى خدا مصرف مى‏ شود و عبادت محسوبست در صورتى كه نيت پاك باشد و كار رعيت درست شود، و بايد در خصوص آنچه با خلاصمندى در كار دين خود براى خدا انجام مى ‏دهى، انجام واجباتى كه بر تو است و مخصوص خدا است منظور دارى، از تن خود بخدا بده، در شب خويش و در روز خويش آنچه براى تقرب بخداى سبحان ميكنى (از نماز و روزه و غيره) كامل انجام بده بطورى كه خللى در آن نباشد و كاستى نداشته باشد، بگزار هر چه بيشتر به تنت رنج عبادت رسد.

ولى هر گاه براى مردم نماز ميخوانى و جماعت در پشت سر دارى نبايد باندازه‏اى طول بدهى كه مايه نفرت مردم از نماز جماعت شود و نه چنان كوتاه آئى كه مايه تضييع نماز گردد، مردمى كه پشت سر تو نماز مى‏خوانند برخى دچار بيمارى و گرفتارى و حاجت هستند.

من خود از رسول خدا صلى الله عليه و آله هنگامى كه براى سرپرستى مسلمانان بسوى يمنم گسيل داشت پرسيدم كه: چگونه براى مردم نماز جماعت بخوانم؟ در پاسخ فرمود: مانند نماز ناتوان‏ترين آنها و نسبت بمؤمنان مهربان باش.

الفصل الثاني عشر من عهده عليه السلام‏

[و] أما بعد [هذا] فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، و قلة علم بالامور، و الاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير، و يعظم الصغير، و يقبح الحسن، و يحسن القبيح، و يشاب الحق بالباطل، و إنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، و ليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، و إنما أنت أحد رجلين: إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه؟ أو فعل كريم تسديه؟ أو مبتلى بالمنع؟ فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مئونة فيه عليك، من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة.

اللغة

(الشوب) بالفتح: الخلط يقال: شابه شوبا من باب قال خلطه، (الوري):

ما توارى عنك و استتر، (سمات): جمع سمة كعدة و أصلها و سم و هي العلامات، (ضروب): أنواع، (سخت) من سخا يسخو: جادت، (الأسداء): الاعطاء.

المعنى‏

قد يتخذ الوالي حاجبا على بابه يمنع عن ورود الناس إليه إلا مع الاذن، و قد يحتجب عن الناس أى يكف نفسه عن الاختلاط بهم فيقطع عنه أخبارهم و أحوالهم، و قد سعى الاسلام في رفع الحجاب بين الوالي و الرعية إلى النهاية، فكان النبي صلى الله عليه و آله يختلط مع الناس كأحدهم فيجتمعون حوله للصلاة في كل يوم خمس مرات و لاستماع آي القرآن و الوعظ و عرض الحوائج في أي وقت حتى يهجمون على أبواب دور نسائه و يدخلونها من دون استيذان.

فنزلت الاية «يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه و لكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا و لا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم و الله لا يستحيي من الحق و إذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب‏» 53- الأحزاب.

و قد كانوا يصيحون عليه من وراء الباب و يستحضرونه حتى نزلت الاية 4 و 5 الحجرات‏ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون و لو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم و الله غفور رحيم‏.

و لكن ورد الحجاب في الحكومة الاسلامية في أيام عمر، قال الشارح المعتزلي «ص 91 ج 17 ط مصر» حضر باب عمر جماعة من الأشراف منهم سهيل بن عمرو و عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس فحجبوا، ثم خرج الاذن فنادى، أين عمار أين سلمان، أين صهيب و أدخلهم فتمعرت وجوه القوم- تغيرت غيظا و حنقا- فقال سهيل ابن عمرو: لم تتمعر وجوهكم، دعوا و دعينا، فأسرعوا و أبطأنا و لئن حسدتموهم على باب عمر اليوم لأنتم غدا لهم أحسد.

و اشتد الحجاب في أيام بني امية فكان المراجعون يحجبون وراء الباب شهورا و سنة، قال الشارح المعتزلي «ص 93 ج 17 ط مصر» أقام عبد العزيز بن زرارة الكلابي على باب معاوية سنة في شملة من صوف لا يؤذن له.

و الظاهر أن موضوع كلامه عليه السلام هذا ليس الحجاب بهذا المعنى، بل المقصود النهى عن غيبة الوالي من بين الناس و عدم الاختلاط معهم بحيث يعرف أحوالهم و أخبارهم فانتهز خواصه هذه الفرصة فيموهون عليه الحقائق، كما يريدون و يعرضون عليه الامور بخلاف ما هي عليه فيستصغر عنده‏ الكبير و بالعكس‏ و يقبح‏ باضلالهم عنده‏ الحسن‏ و بالعكس و لا يتميز عنده‏ الحق‏ من‏ الباطل‏ قال عليه السلام‏ «إنما الوالي بشر» لا يعلم الغيب و ما يخفيه عنه ذو و الأغراض و ليست للحق علائم محسوسة ليعلم‏ الصدق من الكذب‏.

ثم رد عليه السلام عذر الوالي‏ في‏ الاحتجاب‏ من هجوم‏ الناس‏ عليه و طلب‏ الجوائز منه فقال: إن كان‏ الوالي‏ جوادا يبذل في الحق فلا وجه لاحتجابه، و إن كان أهل المنع من العطاء فاذا لم يبذل للطالبين أيسوا منه فلا يطلبون.

و نختم شرح هذا الفصل بنقل ما حكاه الشارح المعتزلي من وصايا أبرويز لحاجبه قال:

و قال أبرويز لحاجبه: لا تضعن شريفا بصعوبة حجاب، و لا ترفعن وضيعا بسهولته ضع الرجال مواضع أخطارهم فمن كان قديما شرفه ثم ازدرعه «اثبته» و لم يهدمه بعد آبائه فقدمه على شرفه الأول، و حسن رأيه الاخر، و من كان له شرف متقدم و لم يصن ذلك حياطة له، و لم يزدرعه تثمير المغارسة، فألحق بابائه من رفعة حاله ما يقتضيه سابق شرفهم، و ألحق به في خاصته ما ألحق بنفسه، و لا تأذن له إلا دبريا و إلا سرارا، و لا تلحقه بطبقة الأولين، و إذا ورد كتاب عامل من عمالي فلا تحبسه عنى طرفة عين إلا أن أكون على حال لا تستطيع الوصول إلى فيها، و إذا أتاك من يدعى النصيحة لنا فاكتبها سرا، ثم أخدلها بعد أن تستأذن له، حتى إذا كان منى بحيث أراه فادفع إلى كتابه فان أحمدت قبلت و إن كرهت رفضت، و إن أتاك عالم مشتهر بالعلم و الفضل يستأذن، فأذن له، فإن العلم شريف و شريف صاحبه، و لا تحجبن عني أحدا من أفناء الناس إذا أخذت مجلسي مجلس العامة، فإن الملك لا يحجب إلا عن ثلاث: عي يكره‏

أن يطلع عليه منه، أو بخل يكره أن يدخل عليه من يسأله، أو ريبة هو مصر عليها فيشفق من إبدائها و وقوف الناس عليها، و لا بد أن يحيطوا بها علما، و إن اجتهد في سترها.

الترجمة

پس از همه اينها خود را مدتى طولانى از نظر رعيت محجوب بدار، زيرا پرده گيرى كار گزاران از رعايا يك نوع فشار بر آنها است و كم اطلاعى از كارها پرده گيرى از رعيت مانع از دانستن حقايق است و بزرگ را در نظر كار گزار خرد جلوه مى ‏دهد و خرد را بزرگ، و زيبا را زشت جلوه مى‏دهد، و زشت را زيبا، و حق و باطل را بهم مى ‏آميزد، همانا كارگزار و حكمران يك آدمى است و آنچه را مردم از او نهان دارند نخواهد دانست، حق را نشانه‏هاى آشكار و ديدنى نيست تا درست و نادرست بوسيله آنها شناخته شوند، همانا تو كه حكمرانى يكى از دو كس خواهى بود:

يا مردى دست باز و با سخاوتى در راه حق، چرا پشت پرده مى‏ روى براى پرداخت حقى كه بايد بدهى يا كار خوبى كه بايد بكنى.

يا مردى هستى گرفتار بخل و تنگ نظر در اين صورت هم مردم چه زود از حاجت خواستن از تو صرف نظر كنند وقتى تو را بيازمايند از تو نوميد گردند، با اين كه بيشتر حوائج مراجعان بتو خرجى ندارد، از قبيل شكايت از مظلمه‏اى يا در خواست انصاف و عدالت در معامله و داد ستدى.

الفصل الثالث عشر من عهده عليه السلام‏

ثم إن للوالي خاصة و بطانة فيهم استئثار و تطاول، و قلة إنصاف في معاملة، فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال‏ و لا تقطعن لأحد من حاشيتك و حامتك قطيعة، و لا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك، يحملون مئونته على غيرهم، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك، و عيبه عليك في الدنيا و الاخرة.

و ألزم الحق من لزمه من القريب و البعيد، و كن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك و خاصتك حيث وقع، و ابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فإن مغبة ذلك محمودة.

و إن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك، و اعدل عنك ظنونهم بإصحارك، فإن في ذلك رياضة منك لنفسك، و رفقا برعيتك، و إعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق.

اللغة

(بطانة) الرجل: دخلاؤه و أهل سره ممن يسكن إليهم و يثق بمودتهم، (الاستئثار): طلب المنافع لنفسه خاصة، (التطاول): و أطال الرجل على الشي‏ء مثل أشرف و زنا و معنى و تطاول علا و ارتفع، (الحسم): قطع الدم بالكي و حسمه حسما من باب ضرب: قطعه، (الحامة): القرابة، (القطيعة): محال ببغداد أقطعها المنصور أناسا من أعيان دولته ليعمروها و يسكنوها، و منه حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع، و أقطعته قطيعة أي طائفة من أرض الخراج و الأقطاع إعطاء الإمام قطعة من الأرض و غيرها و يكون تمليكا و غير تمليك- مجمع البحرين-.

(العقدة): الضيعة، و العقدة أيضا: المكان الكثير الشجر و النخل اعتقد،الضيعة: اقتناها، (المهنا): مصدر هنأته كذا (المغبة): العاقبة، (الحيف):الظلم و الجور، (و أصحرت) بكذا أى كشفته، مأخوذ من الاصحار، و هو الخروج إلى الصحراء.

الاعراب‏

استئثار: مبتدأ لقوله فيهم و هو ظرف مستقر قدم على المبتدأ لكونه نكرة، بقطع: الباء للسببيه، لا يطمعن: فاعله مستتر فيه راجع إلى قوله أحد، يحملون مئونته: جملة حالية، واقعا حال من قوله ذلك، بما: الباء بمعنى مع، بك حيفا الجار و المجرور ظرف مستقر مفعول ثان لقوله: ظنت قدم على حيفا و هو المفعول الأول لكونه ظرفا، فأصحر: ضمن معنى صرح فعدى بالباء، من تقويمهم لفظة من للتعليل.

المعنى

من أصعب نواحي العدالة للولاة و الحكام و السلاطين و الزعماء العدالة في خصوص الأولياء، و الأحباء و الأقرباء و الأرحام من حيث منعهم عن الظلم بالرعية اعتمادا على تقربهم بالحاكم و من بيده الأمر و النهى، و قد اهتم النبي صلى الله عليه و آله في ذلك فحرم الصدقات على ذوي قرباه لئلا يشتركوا مع الناس في بيت المال فيأخذون أكثر من حقهم، و منع بني عبد المطلب من تصدي العمل في جمع الصدقات لئلا يختلسوا منها شيئا بتزلفهم إلى النبي صلى الله عليه و آله.

ففي الوسائل بسنده عن محمد بن يعقوب، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، و عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن صفوان بن يحيى، عن عيص بن القاسم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن اناسا من بني هاشم أتوا رسول الله صلى الله عليه و آله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا يكون لنا هذا السهم الذي جعل الله عز و جل للعاملين عليها فنحن أولى به، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: يا بني عبد المطلب [يا بني هاشم- خ ب‏] إن الصدقة لا تحل لى و لا لكم‏ و لكني قد وعدت الشفاعة- إلى أن قال: أ تروني مؤثرا عليكم غيركم؟

و قد حفظ على هذه السيرة النبوية المقدسة في صدر الأسلام شيئا ما حتى وصلت النوبة إلى عثمان فحكم ذوي قرابته من بني امية على رقاب المسلمين و سلطهم على أموالهم فكان يعطى العطايا الجزيلة لهم من بيت مال المسلمين و يقطع الأقطاع لهم من أراضي المسلمين و هتك حجاب العدل فأقطع مروان بن الحكم من فدك التي أخذها أبو بكر من فاطمة عليها السلام بحجة مختلفة من أنه في‏ء لجميع المسلمين و صدقة مرجوعة إليهم، ثم شاع أمر الأقطاع في حكام الجور إلى أن المنصور العباسي أعطى جمعا من بطانته قطايع من أراضي بغداد أكثرهم حظا من ذلك الربيع الحاجب المتهالك في خدمته و الفاتك بأعدائه و أهل ريبته كائنا من كان حتى بالنسبة إلى الأئمة المعصومين عليهم السلام.

و قد أكثر حكام بني امية أيام إمارتهم من أقطاع القطائع و غصب أراضي المسلمين إلى حيث ملاؤا صدور المسلمين غيظا و كرها على حكومتهم فخاف عمر ابن عبد العزيز من ثورة تدك عرشهم فعزم بحزمه الفائق على سد هذا الخلل و تصدى لرد المظالم بكل صرامة و صراحة.

قال الشارح المعتزلي «ص 98 ج 17 ط مصر»: رد عمر بن عبد العزيز المظالم التي احتقبها بنو مروان فابغضوه و ذموه، و قيل: إنهم سموه فمات و في «ص 99»:روى جويرية بن أسماء، عن إسماعيل بن أبي حكيم، قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز، فلما تفرقنا نادى مناديه، الصلاة جامعة، فجئت إلى المسجد، فإذا عمر على المنبر، فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن هؤلاء- يعني خلفاء بني امية قبله- قد كانوا أعطوا عطايا ما كان ينبغي لنا أن نأخذها منهم، و ما كان ينبغي لهم أن يعطوناها، و إني قد رأيت الان أنه ليس على في ذلك دون الله حسيب، و قد بدأت بنفسي و الأقربين من أهل بيتي، إقرء يا مزاحم.

فجعل مزاحم يقرأ كتابا فيه الأقطاعات بالضياع و النواحي، ثم يأخذه عمر فيقصه بالجلم «المقص» لم يزل كذلك حتى نودي بالظهر.

و روى الأوزاعى، أيضا، قال: قال عمر بن عبد العزيز يوما، و قد بلغه عن بني امية كلام أغضبه: إن لله في بني امية يوما- أو قال: ذبحا- و أيم الله لئن كان ذلك الذبح- أو قال: ذلك اليوم- على يدي لأعذرن الله فيهم، قال: فلما بلغهم ذلك كفوا، و كانوا يعلمون صرامته، و أنه إذا وقع في أمر مضى فيه.

أقول: و من هذه الرواية يعلم عمق سياسة عمر بن عبد العزيز و حزمه و أنه تفرس أن مظالم بني امية تؤدي إلى ثورة عامة عليهم تستأصلهم، فصار بصدد العلاج من نواح كثيرة:منها- يرد الظلامات و الأقطاع ما أمكنه.

منها- التحبب إلى أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله حتى رد فدك إليهم خلافا لسنة أبي بكر الغاصبة و إلغاء سب و لعن علي عليه السلام من خطبة صلاة الجمعة الذي سنها و أمر بها معاوية.

و روى عمر بن علي بن مقدم، قال: قال ابن صغير لسليمان بن عبد الملك لمزاحم: إن لي حاجة إلى أمير المؤمنين عمر، قال: فاستأذنت له، فأدخله، فقال: يا أمير المؤمنين لم أخذت قطيعتي؟ قال: معاذ الله أن آخذ قطيعة ثبتت في الإسلام، قال: فهذا كتابي بها- و أخرج كتابا من كمه- فقرأه عمر و قال: لمن كانت هذه الأرض؟ قال: كانت للمسلمين، قال: فالمسلمون أولى بها، قال:

فاردد إلى كتابي، قال: إنك لو لم تأتنى به لم أسألكه، فاذا جئتنى به فلست أدعك تطلب به ما ليس لك بحق، فبكى ابن سليمان، فقال مزاحم: يا أمير المؤمنين، ابن سليمان تصنع به هذا؟! قال: و ذلك لأن سليمان عهد إلى عمر، و قدمه على إخوته فقال عمر: ويحك يا مزاحم، إني لأجد له من اللوط- في اللسان و قد لاط حبه بقلبي أى لصق- ما أجد لولدي، و لكنها نفسي اجادل عنها- انتهى.

أقول: هذا في أقطاع الأراضي، و أما أقطاع المناصب، فقد ابتدع من عصر أبي بكر حيث اتخذ خالد بن الوليد بطانة و أعطاه لقب سيف الله و فوض إليه إمارة جيوش الاسلام لما علم منه عداوة علي عليه السلام و فوض إمارة الجيش الذي بعثه إلى‏ الشام إلى يزيد بن أبي سفيان فاتخذ بني امية بطانة لما عرف فيهم من المعاداة مع بني هاشم و أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله مع وجود من هو أشجع و أرسخ قدما في الاسلام من كبار الصحابة العظام كأمثال مقداد و الزبير و عمار بن ياسر.

و قد عرف عليه السلام ما لحق من الاضرار بالاسلام من‏ استئثار خاصة الوالي و بطانته و أن‏ فيهم تطاول و قلة انصاف‏، فأمر الوالي‏ بقطع مادة الفساد و نهاه مؤكدا عن أقطاع الأراضي لحاشيته و قرابته، و أضاف إليه أن لا يسلطه على ما يمس بالرعية بواسطة عقد إجارة أو تقبل زراعة الأراضي و نحوهما لئلا يظلمهم‏ في الشرب‏ و يحملهم مئونة لانتفاعه عنهم بلا عوض و أشار إلى أن ذلك صعب فأمره بالصبر و انتظار العاقبة المحمودة لإجراء هذه العدالة الشاقة عليه.

ثم توجه عليه السلام إلى أنه قد ينقم‏ الرعية على‏ الوالي‏ في امور يرونها ظلما عليهم فيتهمونه بالمظالم و الجور فيتنفر عنه قلوبهم و يفكرون في الخلاص منه، و ربما كان ذلك من جهلهم بالحقيقة، فلا بد للوالي من التماس معهم و كشف الحقيقة لهم و إقناعهم و تنبيههم على جهلهم و حل العقدة التي تمكنت في قلوبهم، و قد اتفق ذلك لرسول الله صلى الله عليه و آله في مواقف:

منها- ما اتفق في موقف تقسيم غنائم حنين حيث أسهم لرؤساء قريش كأبي سفيان مائة بعير، و أسهم لرؤساء العشائر كعيينة بن حصن و أمثاله مائة بعير، و أسهم للأنصار المجاهدين المخلصين مع سابقتهم و تفانيهم في نصرة الاسلام أربعة، فدخل في صدورهم من الغيظ ما لا يخفى فنقموا على رسول الله صلى الله عليه و آله و اتهموه بالحيف في تقسيم الغنيمة فلما عرض ذلك عليه صلى الله عليه و آله جمع الأنصار و أصحر لهم بعذره و أزال غيظهم و أقنعهم قال ابن هشام في سيرته «ص 320 ج 2 ط مصر»: قال ابن إسحاق، و أعطى رسول الله صلى الله عليه و آله المؤلفة قلوبهم و كانوا أشرافا من أشراف الناس يتألفهم و يتألف بهم قومهم، فاعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير، و أعطى ابنه معاوية مائة بعير، و أعطى حكيم بن حزام مائة بعير، و أعطى الحارث ابن كلدة أخا بني عبد الدار مائة بعير- إلى أن قال: و أعطى العلاء بن جارية الثقفي‏ مائة بعير، و أعطى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر مائة بعير، و أعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة بعير، و أعطى مالك بن عوف بن النصري مائة بعير، و أعطى صفوان ابن امية مائة بعير- إلى أن قال: جاء رجل من تميم يقال له: ذو الخويصرة فوقف عليه و هو يعطى الناس، فقال: يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: أجل فكيف رأيت؟ قال: لم أرك عدلت- إلى أن قال: عن أبي سعيد الخدرى قال: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه و آله ما أعطى من تلك العطايا في قريش و في قبائل العرب و لم يكن للأنصار منها شي‏ء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم لقى و الله رسول الله صلى الله عليه و آله قومه فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفي‏ء الذي أصبت قسمت في قومك و أعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب و لم يك في هذا الحي من الأنصار منها شي‏ء قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله ما أنا إلا من قومي، قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، قال: فخرج سعد فجمع الأنصار، في تلك الحظيرة- إلى أن قال: فلما اجتمعوا له أتاه سعد فقال: قد اجتمع هذا الحي من الأنصار فأتاهم رسول الله صلى الله عليه و آله فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله، ثم أصحر لهم عن عذره في ضمن خطبة بليغة قاطعة فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم و قالوا رضينا برسول الله قسما و حظا، ثم انصرف رسول الله و تفرقوا فمن أراد الاطلاع فليرجع إلى محله.

و من أهمها ما وقع في صلح الحديبية مع مشركي مكة حيث قبل رسول الله صلى الله عليه و آله منهم الرجوع من حديبية و نقص العمرة التي أحرم بها مع أصحابه و شرط لقريش شروطا يثقل قبولها على أصحابه.

قال ابن هشام في سيرته «ص 215 ج 2 ط مصر» قال الزهري: ثم بعث قريش سهيل بن عمرو أخا بني عامر بن لؤى إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و قالوا له: ائت محمدا فصالحه و لا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنه عامه هذا فوالله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبدا، فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و آله‏ مقبلا قال: قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه و آله تكلم فأطال الكلام و تراجعا، ثم جرى بينهما الصلح فلما التأم الأمر و لم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر، فقال:

يا أبا بكر أ ليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلى م نعطى الدنية في ديننا؟! قال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه- الغرز: العود المغروز بالأرض: أى الزم رايته- فإني أشهد أنه رسول الله، قال عمر: و أنا أشهد أنه رسول الله، ثم أتى رسول الله، فقال: يا رسول الله أ لست برسول الله؟ قال: بلى، قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال:بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلى م نعطى الدنية في ديننا؟! قال: أنا عبد الله و رسوله لن اخالف أمره و لن يضيعني- انتهى.

و هذا الذي بينه عمر ما كان يختلج في صدور أكثر المسلمين لما أحسوا من ثقل شروط الصلح و اضطهادها المسلمين حتى دخل الشك في قلوب الناس، و روى عن عمر انه قال: ما شككت في الإسلام قط كشكي يوم حديبية.

فأصحر رسول الله صلى الله عليه و آله عن عذره بأنه عبد الله و رسوله، و قد أمره الله تعالى بعقد هذا الصلح و لا يستطيع مخالفة أمر الله.

و يظهر شكهم مما روي عن ابن عباس قال: حلق رجال يوم حديبية و قصر آخرون، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: يرحم الله المحلقين، قالوا: و المقصرين يا رسول الله، قال: يرحم الله المحلقين، قالوا: و المقصرين- إلى أن قال: فقالوا:يا رسول الله فلم ظاهرت الترحيم للمحلقين؟ قال: لم يشكوا.

و منها- ما رواه في الوسائل عن عنبسة بن مصعب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:سمعته يقول: اتى النبي صلى الله عليه و آله بشي‏ء يقسمه فلم يسع أهل الصفة جميعا فخص به اناسا منهم فخاف رسول الله صلى الله عليه و آله أن يكون قد دخل قلوب الاخرين شي‏ء، فخرج إليهم، فقال: معذرة إلى الله عز و جل و إليكم يا أهل الصفة إنا اوتينا بشي‏ء فأردنا أن نقسمه بينكم فلم يسعكم فخصصت به اناسا منكم خشينا جزعهم و هلعهم- ذكره‏ في كتاب الزكاة في باب عدم وجوب استيعاب المستحقين بالإعطاء-.

و لعمري أن هذه المرحلة من أصعب ما يبتلي به الولاة و الامراء و رؤساء الشعوب و الملل الغير الراقية و الملل المتأخرة، حيث إن أعدل القوانين مما لا يرضى به كثير منهم لاستئثارهم بالمنافع و عدم التوجه إلى غيرهم من الأفراد فقلما وقع في تاريخ الدول و الملل أن يكون الشعب راضيا من الحكومة غير ناقم عليه في كثير من قوانينها و إجراء آتها.

الترجمة

سپس راستى كه براى والى مخصوصان و ياران نزديكى است كه خود خواه و دست درازند و در معامله با ديگران كمتر رعايت انصاف را مى ‏نمايند، ريشه تجاوز و ستم آنانرا با قطع وسائل ستم از بن بر كن، و بهيچكدام از دوروريها و خويشان خود تيولى از اراضى مسلمانان وامگذار و هرگز در تو طمع نبندند كه قراردادى بنفع آنها منعقد كنى كه مايه زيان مردم ديگر باشد در حقابه آب يارى يا در عمل مشتركى كه مخارج آنرا بر ديگران تحميل كنند، تا سود آنرا ببرند و گوارا بخورند و عيب و نكوهشش در دنيا و آخرت بگردن تو بماند.

حق را در باره خويش و بيگانه بطور لزوم مراعات كن، و در اين باره شكيبائى و خدا خواهى را منظور دار با هر چه فشار بر خويشان و يارانت وارد شود، گرانى اين كار را در سرانجام خوب آن تحمل كن، زيرا سرانجامش پسنديده و دلنشين است.

و اگر رعيت تو را متهم به ستم و جورى كردند، عذر خود را در باره كارى كه منشأ اتهام و بدبينى آنها شده فاش كن و با كمال صراحت مطلب را به آنها بفهمان و بدبينى آنها را بوسيله صراحت در بيان مطلب از خود بگردان، زيرا اين خود براى نفس تو رياضت و پرورشى است و نسبت برعيت ارفاق و ملاطفتى است، و در نتيجه عذر خواهى مؤثريست كه گره كار تو را مى‏گشايد و رعيت را براه حق استوار مى ‏دارد.

الفصل الرابع عشر من عهده عليه السلام‏

و لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك و لله فيه رضا، فإن في الصلح دعة لجنودك، و راحة من همومك، و أمنا لبلادك، و لكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم، و اتهم في ذلك حسن الظن، و إن عقدت بينك و بين عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء، و ارع ذمتك بالأمانة، و اجعل نفسك جنة دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله شي‏ء الناس أشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم و تشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود، و قد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر، فلا تغدرن بذمتك، و لا تخيسن بعهدك، و لا تختلن عدوك، فإنه لا يجترى‏ء على الله إلا جاهل شقي، و قد جعل الله عهده و ذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته، و حريما يسكنون إلى منعته، و يستفيضون إلى جواره، فلا إدغال و لا مدالسة و لا خداع فيه، و لا تعقد عقدا تجوز فيه العلل، و لا تعولن على لحن قول بعد التأكيد و التوثقه، و لا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق، فإن صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه و فضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته، و أن تحيط بك من الله فيه طلبة فلا تستقبل فيها دنياك و لا آخرتك.

اللغة

(دعة): مصدر ودع: الراحة، (استوبلوا) استفعال من الوبال: أى ينتظرون و بال عاقبة الغدر و الوبال: الوخم، يقال: استوبلت البلد: استوخمت فلم توافق ساكنها، (خاس) بالعهد: نقضه، (الختل): الخداع و المكر (أفضاه): بسطه، استفاض الماء: سال، (الدغل): الفساد، (المدالسة): مفاعلة من التدليس في البيع و غيره كالمخادعة و هي إرائة الشي‏ء و تعريفه بخلاف ما هو عليه، (لحن القول):كالتورية و التعريض و هي أداء المقصود بلفظ يحتمل غيره من المعنى، (التوثقة):مصدر من وثق.

الاعراب‏

لله فيه رضا: رضا مبتدأ مؤخر مرفوع تقديرا و لله جار و مجرور متعلق برضا و فيه ظرف مستقر خبر له، و الجملة حال عن قوله عليه السلام صلحا، الحذر: منصوب على التحذير بفعل مقدر و كل الحذر تأكيد، عقدة مفعول عقدت و بينك ظرف متعلق بها، ما اعطيت، ما موصولة أو مصدرية و العائد محذوف.

فانه ليس من فرائض الله- إلى قوله: أشد عليه اجتماعا- إلخ، قال الشارح المعتزلي في «ص 107 طبع مصر»، قال الراوندي: الناس مبتدأ و أشد مبتدأ ثان و من تعظيم الوفاء خبره، و هذا المبتدأ الثاني مع خبره خبر المبتدأ الأول و محل الجملة نصب لأنها خبر ليس و محل ليس مع اسمه و خبره رفع لأنه خبر فانه، و شي‏ء اسم ليس و من فرائض الله حال و لو تأخر لكان صفة لشي‏ء و الصواب أن شي‏ء اسم ليس و جاز ذلك و إن كان نكرة لاعتماده على النفي و لأن الجار و المجرور قبله في موضع الحال كالصفة، فتخصص بذلك و قرب من المعرفة، و الناس مبتدأ و أشد خبره، و هذه الجملة المركبة من مبتدأ و خبر في موضع رفع لأنها صفة شي‏ء و أما خبر المبتدأ الذي هو «شي‏ء» فمحذوف و تقديره «في الوجود» كما حذف الخبر في قولنا «لا إله إلا الله» أى في الوجود.

و ليس يصح ما قال الراوندي من أن «أشد» مبتدأ ثان و «من تعظيم الوفاء» خبره لأن حرف الجر إذا كان خبرا لمبتدأ تعلق بمحذوف، و ها هنا هو متعلق بأشد نفسه، فكيف يكون خبرا عنه، و أيضا فانه لا يجوز أن يكون أشد من تعظيم الوفاء خبرا عن الناس، كما زعم الراوندي، لأن ذلك كلام غير مفيد ألا ترى أنك إذا أردت أن تخبر بهذا الكلام عن المبتدأ الذي هو «الناس» لم يقم من ذلك صورة محصلة تفيدك شيئا، بل يكون كلاما مضطربا.

و يمكن أن يكون «من فرائض الله» في موضع رفع لأنه خبر المبتدأ و قد قدم عليه، و يكون موضع «الناس» و ما بعده رفع لأنه خبرا لمبتدأ الذي هو شي‏ء، كما قلناه أولا، و ليس يمتنع أيضا أن يكون «من فرائض الله» منصوب الموضع لأنه حال و يكون موضع «الناس أشد» رفعا لا خبرا لمبتدأ الذي هو «شي‏ء».

أقول: الوجه الصحيح في إعراب هذه الجملة أن: من فرائض الله ظرف مستقر خبر ليس و «شي‏ء» اسمه و كون الخبر ظرفا و مقدما من مصححات الابتداء بالنكرة، و «الناس» مبتدأ و «أشد عليه اجتماعا» خبره و «من تعظيم الوفاء» مكمل قوله «أشد» فان أفعل التفضيل يكمل بالاضافة أو لفظة من، و الجملة في محل حال أوصفة لقوله «شي‏ء» و ما ذكره الراوندي و الشارح المعتزلي من الوجوه تكلفات مستغنى عنها.

دون المسلمين: ظرف مستقر في موضع الحال عن المشركين، لا تختلن، نهى مؤكد من ختله يختله إذا خدعه و راوغه، فلا ادغال، لنفى الجنس و الاسم مبني على الفتح كنايه [فلا ادغال و لا مدالسة و لا خداع فيه‏] و نفى جنس الادغال و ما بعده كناية عن النهي المؤكد، و فضل عاقبته:عطف على قوله: انفراجه، و أن تحيط: فعل مضارع منصوب بأن المصدرية معطوف‏ على قوله عليه السلام غدر أي و من إحاطة لله بك فيه طلبة، فلا تستقبل: الفاء فصيحة تفيد التفريع و هي الفاء الفصيحة.

المعنى‏

قد تعرض عليه السلام في هذا الفصل في الروابط الحكومية الاسلامية الخارجية و حث على رعاية الصلح و قبول الدعوة إليه، و هذا الدستور ناش من جوهر الاسلام الذي كان شريعة الصلح و السلام و الأمن، فانه نهض بشعارين ذهبيين و هو الإسلام و الإيمان، و الإسلام مأخوذ من السلم، و الإيمان مأخوذ من الأمن و هذان الشعاران اللذان نهض الإسلام بهما اعلام بأن هذا الدين داع إلى استقرار الصلح و الأمن بين كافة البشر، و قد نزلت في القرآن الشريف آيات محكمات تدعو إلى الصلح و استتباب السلام.

1- يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة 94- النساء.

قال في مجمع البيان: و قرء في بعض الروايات عن عاصم السلم بكسر السين و سكون اللام و قرء الباقون السلام بالألف، و روى عن أبي جعفر القارئ عن بعض الطرق «لست مؤمنا» بفتح الميم الثانية، و حكى أبو القاسم البلخي أنه قراءة محمد بن علي الباقر عليه السلام- انتهى.

فجمع هذين القرائتين يصير «و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا» فيكون صريحا في المطلوب و موافقا لقوله عليه السلام‏ (و لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك).

2- لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس و من يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما 114- النساء.

3- و الصلح خير و أحضرت الأنفس الشح و إن تحسنوا و تتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا 128- النساء.

فقوله تعالى «و الصلح خير» جملة صارمة ذهبية مال إليها كل الشعوب في هذه العصور و آمنوا بها من حيث يشعرون و من حيث لا يشعرون، فقد صار حفظ الصلح و السلام دينا للبشر كافة أسسوا لحفظه و الدعوة إليه مؤسسة الامم المتحدة.

4- «يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين‏ 209- البقرة».و السبب في ترغيب الإسلام في الصلح و السلم أن الاسلام، دين برهان و تفكير و شريعة تبيان و دليل و الاستفادة منها يحتاج إلى محيط سالم و طمأنينة و الحرب المثيرة للأحقاد و التعصبات منافية للتوجه إلى البرهان و التعقل في أي بيان، و قد نبه عليه السلام إلى ما في الصلح من الفوائد القيمة فقال: (فان في الصلح‏:

1- دعة لجنودك) فالحرب متعبة للأبدان منهكة للقوى، فيحتاج الجند إلى دعة و استراحة لتجديد القوى و الاقتدار على مقاومة العدى.

2- (و راحة من همومك) فالحرب تحتاج إلى ترسيم خطة صحيحة تؤدى إلى الظفر فاذا حمى الوطيس و احمر الموقف من دم الأبطال و ارتج الفضاء من العويل و الويل لا يقدر القائد من التفكير و ترسيم خطط ناجحة و الصلح يريحه من الهموم و يفتح أمامه فرصة الفكر و ترسيم خطط للظفر بالعدو.

3- (و أمنا لبلادك) فالحرب تثير الضغائن و تحرض العدو على الاغارة في البلاد و سلب الأمن و الراحة عن العباد.

ثم نهى عليه السلام و حذر عن الغفلة بعد الصلح و وصى أن يكون المسلمون دائما على اهبة فطنا يقظا من كيد الأعداء، لأن العدو إذا رأى التفوق لعدوه في الحرب و أيس من الغلبة عليه يلتجأ باقتراح الصلح، ثم لم يلبث أن يفكر في الخديعة و طلب الظفر بالمكر و الدهاء من شتى النواحي و يقارب ليتمكن من درس نقاط الضعف و ينتهز الفرصة للهجوم على عدوه في موقع مقتض.

فالحرب خطة محيطة بالأخطار من شتى النواحي، فلا بد من ملاحظة أي احتمال يؤدي إلى ظفر العدو و إن كان ضعيفا و الفكر في معالجته و سده، كما أنه‏ لما اصطف المسلمون مع قريش في احد فكر النبي صلى الله عليه و آله في إمكان هجوم خيالة قريش من وراء عسكر الإسلام و محاصرتهم حتى بعد انهزامهم، فوكل عبد الله بن جبير في ستين نفرا من رماة الإسلام على جبل الرماة و وصاهم بالمقام هناك و حفظ خلف صفوف المسلمين و أكد لهم مزيد التأكيد و وعدهم بمزيد من سهم الغنيمة.

و لما انهزم المشركون في الهجوم الأول لجيش الإسلام و شرعوا بالفرار غر أصحاب عبد الله و لم يطيعوه و أخلوا مقامهم، فانتهز خالد بن وليد قائد خيالة قريش هذه الفرصة و دار بالخيالة وراء صفوف المسلمين و حاصرهم فوقع الانهزام في صفوف المسلمين و قتل أكثر من سبعين من أبطال الإسلام و اصيب النبي صلى الله عليه و آله بجراحات عظيمة كاد أن يقضى عليه لو لا نصر الله و تأييده.

و الصلح دورة ينضب شعلة الحرب تحت الرماد فلا بد من‏ الحذر و اليقظة التامة من مكائد العدو الكاشر باسنانه الحاقد بقلبه.و قد تقدم الاسلام في أيام بني عثمان تقدما ظاهرا في اروبا حتى حاصر جيش الأسلام بلدة وينه و لكن لما وقع عقد الصلح بين زعماء أروبا و بني عثمان كادوا و دبروا حتى استولوا على متصرفاته و ارجعوا سلطة الإسلام الرهيبة قهقرى و شرحوا في ترسيم خطط لإغفال المسلمين و تنويمهم بشتى الوسائل حتى غلبوا في القرن الثامن عشر و بعده على كافة نواحي الإسلام و فتحوا بلاد الإسلام فتحا اقتصاديا لا نظير له من قبل و حازوا كل منابع ثروة المسلمين من المعادن، و حولوا بلادهم إلى أسواق تجارية لهم و كبلوهم برءوس الأموال الهائلة و سخروهم من حيث يشعرون و من حيث لا يشعرون و دام سلطتهم على أغلب المسلمين و أغلب بلادهم إلى عصرنا هذا، فيا لها من مصيبة سببت إغواء شباب الإسلام و انحرافهم عن الإسلام.

زعم العواذل أنني في غمرة صدقوا و لكن غمرتي لا تنجلي‏

فلا بد من الأخذ بالحزم‏ و طرد حسن الظن‏ تجاه‏ العدو سواء في حالة الحرب أو الصلح، و الصلح مع العدو غالبا ينتهى إلى عقد قرار بشروط معينة فتوجه عليه السلام إلى ذلك و وصى فيه بأمرين:

1- أمر بالوفاء بالعهد و الذمة وفاء كاملا يحوط به من كل ناحية و رعاية الذمة إلى حيث يضحى بنفسه في سبيل‏ الوفاء و رعاية الذمة مع أنها تنعقد مع غير المسلم، و أشار إلى أن‏ الوفاء بالعهد فريضة إلهية يجب رعايتها و الالتزام بها و وديعة بشرية اتفقت الشعوب و الملل راقيها و متأخرها على الالتزام بها حتى المشركين المنكرين للدين، حيث أنهم يخافون من عاقبة الغدر، فيقول عليه السلام: (فلا تغدرن بذمتك و لا تخيسن بعهدك، و لا تختلن عدوك) لأن‏ الغدر و نقض العهد و المخادعة بعد التعهد ظلم و لو كان الطرف كافرا و لا يرتكبه‏ إلا جاهل شقي‏.

و نبه على أن اتفاق بني الإنسان على رعاية العهود و الذمم نظم إلهي و إلهام فطرى أوحى إليهم من حيث لا يشعرون لحفظ الأمن و النظام و اللازم لبقاء البشر فهو رحمة الله التي فاضت في كافة العباد كالرزق المقدر لهم ليسكنو إلى منعة حريمها و ينتشروا في جوارها وراء ماربهم و مكاسبهم.

2- أمره بالسعي في صراحة ألفاظ المعاهدة و وضوح النصوص المندرجة فيها بحيث لا تكون ألفاظها و جملها مبهمة و مجملة، قابلة للترديد و التأويل، و نهى عن التمسك بخلاف ظاهر ألفاظ المعاهدة بعد التأكيد و التوثيق‏ لنقضها إذا طرء الصعوبة على إجرائها، و قال عليه السلام‏ (و لا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق) و علله عليه السلام بأن الصبر على الصعوبة الناشئة من الوفاء بالعهد متعقب بالفرج و حسن العاقبة و هو خير من الغدر الذي‏ يخاف تبعته‏ بانتقام من نقض عهده في الدنيا و بعقوبة الله‏ على نقض العهد المنهي عنه في غير آية من القرآن في الاخرة.و مما ينبغي تذكره هنا ما وقع لرسول الله صلى الله عليه و آله في معاهدة حديبية مع قريش، قال ابن هشام في سيرته «ص 216 ج 2 ط مصر».

فبينا رسول الله صلى الله عليه و آله يكتب الكتاب هو و سهيل بن عمرو إذا جاء أبو جندل ابن سهيل بن عمرو يوسف في الحديد، قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه و آله، و قد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله حين خرجوا و هم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله‏ صلى الله عليه و سلم، فلما رأوا ما رأوا من الصلح و الرجوع و ما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه و آله في نفسه دخل على الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون، فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه و أخذ بتلبيبه، ثم قال: يا محمد قد لجت القضية بيني و بينك قبل أن يأتيك هذا، قال: صدقت فجعل ينتره بتلبيبه و يجره ليرده إلى قريش، و جعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أ أرد إلى المشركين يفتنونني في ديني فراد الناس إلى ما بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله يا أبا جندل أصبر و احتسب فإن الله عاجل لك و لمن معك من المستضعفين فرجا و مخرجا إنا قد عقدنا بيننا و بين القوم صلحا و أعطيناهم على ذلك و أعطونا عهد الله و إنا لا نغدر بهم، قال: فوثب عمر بن الخطاب، انتهى.

و أنت ترى ما وقع فيه رسول الله صلى الله عليه و آله من الحرج و المشقة في الوفاء بالعهد الذي عقده مع قريش و لكن دام عليه حتى فرج الله عنه أحسن فرج.

الترجمة

محققا صلحى كه از دشمن بدان دعوت شدى رد مكن در صورتى كه خدا پسند باشد زيرا در صلح با دشمن آرامش خاطر لشكريان تو است و مايه آسايش تو از هم و هول است و وسيله آسايش شهرستانها است، ولى بايد پس از صلح بسيار از دشمن در حذر باشى، زيرا بسا كه دشمن نزديك و دمخور مى‏شود تا دشمن را غافلگير كند، دور انديشى را پيشه كن و خوش بينى را كنار بگذار.

و اگر ميان خود و دشمنت قرار دادى بستى يا او را در پناه خود گرفتى تعهد خود را از همه جهت وفا كن، و ذمه پناه بخشى خود را رعايت نما و جان خود را سپر آن عهدى ساز كه سپردى، زيرا در ميان واجبات خداوند چيزى نيست كه همه مردم با تفرقه در اهواء و تشتت در آراء سخت‏تر در آن اتفاق داشته باشند از تعظيم و بزرگ داشت وفا بتعهدات.

تا آنجا كه مشركان و بت پرستان هم كه مسلمانى ندارند آنرا بر خود لازم مى‏شمارند، براى آنكه عواقب نقض تعهد را نكبت بار مى‏دانند، بتعهد پناه بخشى‏

خود غدر مكن و عهد خود را مشكن و دشمن خود را گول مزن، زيرا دليرى و گستاخى بر خدا را مرتكب نشود مگر نادان بدبخت.

خداوند تعهد و ذمه پناه بخشى را مايه آسايش ساخته كه ميان بندگان خود از هر كيش و ملت پراكنده و آنرا بست و دژ محكمى مقرر كرده كه در سايه آن بيارامند و در پناه آن بدنبال انجام كارهاى خود بگرايند، دغلى و تدليس و فريب و خدعه را در آن راهى نيست.

قرار دادى منعقد نكن كه عبارات آن مبهم باشد و خلل در آن راه يابد و بكنايه و اشاره در عقد قرارداد مؤكد و مورد وثوق اعتماد مكن، و اگر براى اجراى برخى مواد قرارداد در فشار افتادى امر خدا تو را باجراى آن ملزم ساخته در مقام برنيا كه بنا حق را فسخ آنرا جستجو كنى، زيرا شكيبائى تو بر تحمل فشار اجراى تعهد با اميد باين كه دنبالش گشايش است و سرانجامش خوبست بهتر است از عهد شكنى كه بيم از عواقب ناهنجارش دارى و از اين كه از جانب خداوند در باره آن مورد مسئوليت قرار بگيري، و خدا از تو نگذرد نه در دنيا و نه در آخرت.

الفصل الخامس عشر من عهده عليه السلام‏

إياك و الدماء و سفكها بغير حلها، فإنه ليس شي‏ء أدعى لنقمة، و لا أعظم لتبعة، و لا أحرى بزوال نعمة، و انقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها، و الله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه و يوهنه بل يزيله و ينقله، و لا عذر لك عند الله و لا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود البدن،

و إن ابتليت بخطإ و أفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة فإن في الوكزة فما فوقها مقتلة فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدى إلى أولياء المقتول حقهم. و إياك و الإعجاب بنفسك، و الثقة بما يعجبك منها، و حب الإطراء، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين. و إياك و المن على رعيتك بإحسانك، أو التزيد فيما كان من فعلك، أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإن المن يبطل الإحسان، و التزيد يذهب بنور الحق، و الخلف يوجب المقت عند الله و الناس، قال الله تعالى: «كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون‏- 3 الصف». و إياك و العجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقط [التساقط] فيها عند إمكانها، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت، أو الوهن عنها إذا استوضحت، فضع كل أمر موضعه، و أوقع كل عمل موقعه. و إياك و الاستئثار بما الناس فيه أسوة، و التغابى عما تعنى به مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك، و عما قليل‏

تنكشف عنك أغطية الأمور، و ينتصف منك للمظلوم املك حمية أنفك، و سورة حدك، و سطوة يدك، و غرب لسانك و احترس من كل ذلك بكف البادرة، و تأخير السطوة، حتى يسكن غضبك فتملك الإختيار، و لن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك. و الواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة، أو سنة فاضلة، أو أثر عن نبينا- صلى الله عليه و آله- أو فريضة في كتاب الله، فتقتدى بما شاهدت مما عملنا به فيها، و تجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، و استوثقت به من الحجة لنفسي عليك لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها [فلن يعصم من السوء و لا يوفق للخير إلا الله تعالى و قد كان فيما عهد إلى رسول الله- صلى الله عليه و آله- في وصاياه تحضيض على الصلاة و الزكاة و ما ملكته أيمانكم، فبذلك أختم لك بما عهدت، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم‏].

اللغة

(قود) القود بالتحريك: القصاص، يقال: أقدت القاتل بالقتيل: قتلته به‏ و بابه قال (الوكزة): و كزه: ضربه و دفعه، و يقال: و كزه أي ضربه بجمع يده على ذقنه، و أصابه بوكزة أى بطعنة و ضربة، (نخوة): في الحديث إن الله أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية بالفتح فالسكون أى افتخارها و تعظمها، (الفرصة):

النوبة، و الممكن من الأمر، (يمحق) يقال: محقه محقا من باب نفعه: نقصه و أذهب منه البركة، و قيل: المحق ذهاب الشي‏ء كله حتى لا يرى له أثر، (التزيد): تفعل من الزيادة أى احتساب العمل أزيد مما يكون، (المقت):

البغض، (لج) في الأمر لجاجة إذا لازم الشي‏ء و واظبه من باب ضرب، (الاسوة):المساواة، (التغابي): التغافل، (سورة) الرجل: سطوته وحدة بأسه، (غرب) اللسان: حدته، (البادرة): سرعة السطوة و العقوبة.

الاعراب‏

إياك منصوب على التحذير، و الدماء منصوب على التحذير و التقدير اتق نفسك و احذر الدماء و سفكها، مما يضعفه: من للتبعيض، لا عذر لنفى الجنس و الخبر محذوف، في نفسه جار و مجرور متعلق بقوله: أوثق، مقتا: منصوب على التميز، بما الناس، ما موصولة أو موصوفة، و الجملة بعدها صفة أو صلة، و فيه متعلق بقوله أسوة، بكف البادرة مصدر مضاف إلى المفعول من المبنى للمفعول.

المعنى‏

قد تعرض عليه السلام في هذا الفصل للتوصيات الأخلاقية بالنسبة إلى الوالي نفسه ليكون اسوة لعماله أولا و لكافة الرعية نتيجتا، فتوجه إلى التعليم الأخلاقي كطبيب روحاني ما أشده في حذقه و مهارته فانه عليه السلام وضع إصبعه على أصعب الأمراض الأخلاقية و الجنائية التي ابتلت بها الامة العربية في الجاهلية العمياء التي ظلت عليها قرونا وسعت في معالجتها و التحذير عنها و بيان مضارها كدواء ناجع ناجح في معالجتها فشرع في ذلك الفصل بقوله عليه السلام.

(إياك و الدماء و سفكها) كانت العرب في الجاهلية غريقة في الحروب و المشاحنات، و عريقة في سفك الدماء البريئات، فكانت تحمل سلاحها و تخرج‏ من كمينها للصيد فيهدف أى دابة تلقاها وحشية كانت أم أهلية بهيمة كانت أم نسمة، تعيش بالصيد و تشبع منها و تسد جوعتها، و إذا كان صيدها إنسانا يزيده شعفا و سرورا، لأنه ينال بسلبه و متاعه فانقلبت إلى امة سفاكة تلذ من قتل النفوس و يزيدها نشاطا إذا كان المقتول رجلا شريفا و بطلا فارسا فتفتخر بسفك دمه و تنظم عليه الأشعار الرائقة المهيجة و ترنمها و تغني بها في حفلاتها.

و جاء الإسلام مبشرا بشعار الإيمان و الأمن و لكن ما لبث أن ابتلى بالهجومات الحادة التي ألجأه إلى تشريع الجهاد، فاشتغل العرب المسلمون بقتل النفوس في ميادين الجهاد حقا في الجهاد المشروع و باطلا في شتى المناضلات التي أثارها المنافقون فيما بينهم بعض مع بعض أو مع الفئة الحقة حتى ظهر في الإسلام حروب دموية هائلة تعد القتلى فيها بعشرات الالوف كحرب جمل و صفين.

فزاد المسلمون العرب السادة في الجزيرة و ما فتحوه من البلاد الواسعة الالفة بمص الدماء و سفكها حتى سقط حرمة الإنسان في نظرهم و سهل عليهم أمر سفك الدماء لا يفرقون بين ذبح شاة و بين ذبح إنسان.

و هذا الداء العضال مهمة للتعليمات الإسلامية من الوجهه الأخلاقية منذ بعثة النبي صلى الله عليه و آله.

فنزلت في القرآن الشريف آيات محكمة صارمة في تحريم سفك الدماء فبين الاعتراض عليه من لسان الملائكة العظام حين إعلام خلق آدم فقال عز من قائل‏ و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أ تجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء 30- البقرة و تلاها بنقل قصة ابني آدم الذي قتل أحدهما الاخر فأبلغ في تشنيع ارتكاب القتل إلى حد الاعجاز، ثم صرح بالمنع في قوله تعالى «و ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ 92- النساء».

و فرض في ارتكاب قتل الخطاء كفارة عظيمة، فقال تعالى «و من قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة و دية مسلمة إلى أهله‏» ثم قرر عقوبة لا تتحمل في قتل المؤمن‏ عمدا فقال تعالى‏ و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما 94- النساء.

و أكد النبي في المنع عن قتل الخطا باشتراك العاقلة في هذا الجريمة المعفوة عن العقوبة الاخروية لكونها غير اختيارية من حيث النية فحملهم الدية و أعلن أن حرمة المؤمن كحرمة الكعبة باعتبار أن حرمة الكعبة راسخة في قلوب العرب و عقيدتهم إلى النهاية.

و قد نبه عليه السلام إلى تبعات سفك الدم بما يلي:

1- (فانه ليس شي‏ء أدعى لنقمة) في نظر أولياء المقتول و عامة الناس و عند الله.

2- (و لا أعظم لتبعة) في الدنيا بالانتقام من ذوي أرحام المقتول و أحبائه و بالقصاص المقرر في الاسلام.

3- (و لا أحرى بزوال نعمة) و أهمها زوال الطمأنينة عن وجدان القاتل و ابتلائه بالاضطراب الفكري و عذاب الوجدان.

4- (و انقطاع مدة) سواء كان‏ مدة الشباب فيسرع المشيب إلى القاتل أو الرتبة الاجتماعية و المدنية فتسقط عند الناس و عند الامراء، أو العمر فيقصر عمر القاتل.

5- أنه أول ما يقضي الله به‏ يوم القيامة، فتحل أول عقوبة الاخرة بالقاتل.

6- انتاجه عكس ما يروم القاتل من ارتكابه، فيضعف سلطنته و يوهنها إن قصد به تقوية سلطانه بل يزيلها و ينقلها.

7- إنه لا يقبل الاعتذار و الخلاص من عقوبته إن كان عمدا.

8- ادائه إلى‏ القود المفني‏ للبدن‏ و المزيل للحياة.

ثم بين عليه السلام أنه إن كان‏ خطأ فلا بد من الانقياد لأولياء المقتول‏ بأداء الدية من دون مسامحة و اعتزاز بمقام الولاية، و نبه إلى الاحتياط في الضرب‏

و الايلام و إلى كظم الغيظ عند المكاره فانه ربما يصير الوكزة باليد سببا للقتل.

قال في الشرح المعتزلي: في شرح قتل الخطأ «ص 212 ج 17 ط مصر»: و قد اختلف الفقهاء في هذه المسألة، فقال أبو حنيفة و أصحابه: القتل على خمسة أوجه:عمد، و شبه عمد، و خطأ، و ما اجري مجرى الخطأ، و قتل بسبب:

فالعمد ما يتعمد به ضرب الانسان بسلاح، أو ما يجرى مجرى السلاح كالمحدد من الخشب و ليطة القصب «و هى قشر القصب اللازق به» و المروة «و هى الحجر الأبيض البراق» المحددة، و النار، و يوجب ذلك المأثم و القود إلا أن يعفو الأولياء، و لا كفارة فيه.

و شبه العمد أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح و اجرى مجرى السلاح كالحجر العظيم و الخشبة العظيمة، و يوجب ذلك المأثم و الكفارة، و لا قود فيه، و فيه الدية مغلظة على العاقلة.

و الخطأ على وجهين: خطأ في القصد، و هو أن يرمي شخصا يظنه صيدا، فاذا هو آدمي، و خطأ في الفعل، و هو أن يرمي غرضا فيصيب آدميا، و يوجب النوعان جميعا الكفارة و الدية على العاقلة، و لا مأثم فيه.

و ما اجرى مجرى الخطأ، مثل النائم يتقلب على رجل فيقتله، فحكمه حكم الخطأ.

و أما القتل بسبب، فحافر البئر و واضع الحجر في غير ملكه، و موجبه إذا تلف فيه إنسان الدية على العاقلة، و لا كفارة فيه.

فهذا قول أبي حنيفة و من تابعه، و قد خالفه صاحباه أبو يوسف و محمد في شبه العمد، و قالا: إذا ضربه بحجر عظيم، أو خشبة غليظة فهو عمد، قال: و شبه العمد أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا، كالعصا الصغيرة، و السوط، و بهذا القول قال الشافعي.

و كلام أمير المؤمنين عليه السلام يدل على أن المؤدب من الولاة إذا تلف تحت يده إنسان في التأديب فعليه الدية، و قال لي قوم من فقهاء الامامية: إن مذهبنا أن لا دية عليه، و هو خلاف ما يقتضيه كلام أمير المؤمنين عليه السلام.

أقول: ليس في كلامه عليه السلام أن الضرب كان للتأديب كما قيده به في كلامه بل الظاهر خلافه و أنه عليه السلام بين حكم العنوان الذاتي الأولي للضرب و لا ينافي ذلك سقوطه بعنوانه الثانوي كما إذا كان للتأديب أو الدفاع.

و قال المحقق- رحمه الله- في الشرائع: القتل إما عمد، و إما شبيه العمد و إما خطأ محض، فضابطة العمد أن يكون عامدا في فعله و قصده، و شبه العمد أن يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده، و الخطأ المحض أن يكون مخطئا فيهما انتهى.

قسم القتل إلى هذه الأقسام الثلاثة، ثم فرع بعد ذلك فروعا كثيرة في موجبات الضمان الملحق بقتل الخطأ أو شبه العمد، و مع ملاحظة الفروع التي تعرض فيها لأنواع الضمانات في هذا الباب لا يظهر منها كثير خلاف مع ما ذكره الشارح المعتزلي من فقهاء العامة، و لا يسع المقام تفصيل ذلك.

ثم حذر عن‏ الاعجاب‏ بالنفس و الاعتماد على ما يصدر منه من محاسن الأعمال في نظره، و الاعجاب‏ بالنفس موجب للنخوة و الغرور التي كانت من أمراض العرب الجاهلي و أداه إلى الاعتقاد بالتبعيض العنصري و التمسك بأن عنصره و جرثومته القبلي أشرف العناصر، فالعرب مع ضيق معاشه و حرمانه عن أكثر شئون الحياة السعيدة و موجبات الرفاه في المعيشة و تقلبه في رمال الصحراء و حر الرمضاء يرى نفسه أشرف البشر و أفضل من سلف و غبر، فيأنف من الارتباط الأخوي مع بني- نوعه و التبادل الانتفاعي بالزواج، و قد يأنف من أخذ العطاء مع حاجته و فقره المدقع.

و قد تمكن في عقيدته هذا الامتياز العنصري حتى بالنسبة إلى بني قبائله العرب فضلا عن غيرها، كما حكى عن الأصمعي أنه مر على شاب عريان، في رحلته بين القبائل العربية لاستقصاء اللغة و الأقاصيص العربية، فاستنطقه فأجابه بأبيات فصيحة أعجبه فأعطاه دنانير، فسأل منه الشاب عن أي قبيلة هو؟ فقال: من باهلة،فامتنع من أخذ العطاء لخسة قبيلة باهلة عند العرب حتى قيل في ذلك:

إذا باهلي تحته حنظلية له ولد منها، فذاك المذرع‏

أراد الشاعر أنه إذا كانت الزوجة للزوج الباهلي حنظلية يصير الولد مذرعا أى شريفة الام و وضيع الأب.

و لما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه و آله رحمة للعالمين، مهمه هدفين هامين في دعوته الاصلاحية:

1- بث التوحيد و هداية البشر إلى عبادة الله وحده تحت شعار «لا إله إلا الله» و ردعهم عن عبادة الأصنام و الأنداد الذين لا ينفعون و لا يضرون.

2- إلفات البشر إلى أخوية إنسانية و رفع التبعيض العنصري بأدق معانيه و محو الامتيازات الموهومة بوجه جذري، فبث دعوة التوحيد بكل جهد و جهود حتى لبى دعوته اناس مخلصون، و أيده الله بنصرة قبائل عرب يثرب فهاجر إلى المدينة و أسس حكومة الاسلام النيرة، فاتبعه قبائل العرب واحدة بعد اخرى و فتح مكة المكرمة و أخضع قبائل قريش الأشداء في العناد مع الاسلام، و هم ذروة العرب و أشرف القبائل في عقيدة سائر العرب و في اعتقادهم، نشاوا بهذه العقيدة منذ قرون حتى رسخ في دماغهم و رسب في دمائهم و مصوها من ضروع امهاتهم.

و لما فتح مكة على خطة نبوية أشبه بالإعجاز من دون سفك الدماء في الحرم و إيقاد الحرب المؤلمة و تبين سيادة الاسلام على أنحاء الجزيرة العربية و أجوائها الواسعة قام على كعبة المكرمة، و نادى بهذين الهدفين الهامين بكل صراحة في خطبة ذهبية هاك نصها عن سيرة ابن هشام:

قال ابن إسحاق: فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله قام على باب الكعبة فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، نصر عبده، و هزم الأحزاب وحده، ألا! كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت، و سقاية الحاج، و قتل الخطأ شبه العمد بالسوط و العصا ففيه الدية مغلظة: مائة من الابل أربعون منها أولادها في بطونها، يا معشر قريش: إن الله قد أذهب‏ عنكم نخوة الجاهلية و تعظمها بالاباء، الناس من آدم و آدم من تراب، ثم تلا هذه الاية «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏- الاية كلها 13- الحجرات».

ثم قال: يا معشر قريش، ما ترون إني عامل فيكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم و ابن أخ كريم، قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء.و في بعض الروايات «وحده» ثلاث مرات كما أنه في بعضها بعد قوله «و آدم من تراب» ورد أنه صلى الله عليه و آله قال: و ليس لعربي فضل على عجمى إلا بالتقوى.

و لكنه لم يدم هذه التربية النبوية في العرب و لم يعتقد بها المنافقون فسكتوا حتى توفي صلى الله عليه و آله و سلم فرجعوا قهقرى و أحيوا تفاخر العرب بالاباء و تفضيل عنصرهم على سائر الناس و جد في ذلك عمر و اشتد في ترويجه بنو امية طول حكومتهم الجبارة التي دامت ألف شهر و قد توجه صلى الله عليه و آله إلى حرية التناكح و نص عليها في خطبة تاريخية هامة ألقاها في حجة الوداع.

و قد كان منشأ النخوة العربية التي روى فيها أنها مهلكة للعرب هى العجب بالنفس و بما يأتي من الأعمال، فحذر عليه السلام من هذه الخصلة المهلكة أشد تحذير و بالتحذير من حب الاطراء الناشي منه، و بين‏ أن ذلك من أوثق فرص الشيطان‏ لإغواء الانسان و محق ما يفعله‏ من الاحسان‏.

قال الشارح المعتزلي «ص 114 ج 17 ط مصر»: ناظر المأمون محمد بن القاسم النوشجاني المتكلم، فجعل «المتكلم» يصدقه و يطريه و يستحسن قوله، «فقال المأمون: يا محمد، أراك تنقاد إلى ما تظن أنه تسرني قبل وجوب الحجة لي عليك، و تطريني بما لست احب أن أطرى به، و تستخذى لي في المقام الذي ينبغي أن تكون فيه مقاوما لي، و محتجا علي، و لو شئت أن أفسر الامور بفضل بيان، و طول لسان، و أغتصب الحجة بقوة الخلافة، و ابهة الرياسة لصدقت و إن كنت كاذبا، و عدلت و إن كنت جائرا، و صوبت و إن كنت مخطئا، لكني لا أرضى إلا بغلبة الحجة، و دفع الشبهة، و إن أنقص الملوك عقلا، و أسخطهم‏ رأيا من رضي بقولهم: صدق الأمير».

ثم نبه عليه السلام بالنهي عن ثلاثة امور: المن على‏ الرعية بالاحسان و التزيد في‏ الأعمال و الخلف في الوعد إلى التجنب عن الافراط في حب النفس الذي يكون غريزة للانسان بالذات، فانه أول ما يحس و يشعر يحس حب‏ نفسه‏ و حب النفس مبدأ الرضا و الغضب المحركين لأى حركة في الانسان، و الافراط فيه موجب لرذائل كثيرة أشار عليه السلام إلى امهاتها في هذه الجمل.

فمنها: المن‏ على من يحسن إليه لأنه إشعار بالانانية و تبجح بالشخصية من فرط الحب بالذات، قال الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الأذى‏ 264- البقرة»، قال الشارح المعتزلي «ص 115 ج 17 ط مصر» و كان يقال: المن محبة للنفس، مفسدة للصنع.

و منها، التزيد في الفعل الناشي عن تعظيم نفسه، فيرى حقير عمله كبيرا و قليله كثيرا فيذهب بنور الحق‏ لكونه كذبا و زورا، قال الشارح المعتزلي في الصفحة الانفة الذكر: مثل أن يسدى ثلاثة أجزاء من الجميل، فيدعي في المجالس و المحافل أنه أسدى عشرة.

و منها، نهيه عن‏ خلف‏ الوعد مع الرعايا، فهو أيضا ناش عن إكبار نفسه و تحقير الرعايا حيث إنه لم يعتن بانتظارهم و لم يحترم تعهدهم و خلاف الوعد و إن كان قبيحا و مذموما على وجه العموم و لكنه من الامراء و الولاة بالنسبة إلى الرعية أقبح و أشنع، لاشتماله على العجب و الكبر و تحقير طرف التعهد، و قد عد الله خلف الوعد من المقت عنده البالغ في النهي عنه حيث‏ قال تعالى «كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون‏ 3- الصف» فانه مشتمل على تكبير خلف الوعد من وجوه، قال الشارح المعتزلي «ص 115 ج 17 ط مصر»: و أما أمير المؤمنين عليه السلام قال: «إنه‏ يوجب المقت» و استشهد عليه بالاية، و المقت‏: البغض.

ثم حذره عن‏ العجلة في‏ الامور، فانه ناش عن الجهل و خفة العقل كما ترى في الصبيان و غير المثقفين من بنى الانسان، و قد روى «ان العجلة من الشيطان» و العجلة من الغرائز الكامنة في البشر من ناحية طبعه الحيواني كما قال الله تعالى:«خلق الإنسان من عجل‏ 27- الأنبياء».

كما أنه عليه السلام حذر عن المسامحة و التساقط في الامور إذا حان وقتها و تيسرت و عن الاصرار في إنجاحها إذا صعبت و تنكرت و لم يتيسر، أو الاغماض عنها إذ كشفت حقيقتها و اتضحت.

قال الشارح المعتزلي «ص 16 ج 17 ط مصر»: و منها نهيه عن‏ التساقط في الشي‏ء الممكن عند حضوره، و هذا عبارة عن النهي عن الحرص و الجشع، و في كلامه ما لا يخفى من النظر.

و من أسوء الأخلاق الحاكمة في وجود الانسان خلق‏ الاستئثار، و أثره أن يجلب كل شي‏ء إلى نفسه و يخصص كل ما يناله بنفسه فيتجاوز على حقوق إخوانه و يمنع الحقوق المتعلقة بماله، و الاستئثار طبيعي للانسان المحب لذاته بلا نهاية و يؤيده الجهل و الحاجة السائدين على العرب طيلة قرون الجاهلية، فنهى عليه السلام عنه‏ فبما يشترك‏ فيه الناس‏.

و نهاه عن الغفلة و التسامح فيما تهمه و ترتبط به من نظم الامور و بسط العدل حيث يقبح أمثاله في عيون الناس، فان التسامح في أخذ حق‏ المظلوم‏ عن الظالم‏ مأخوذ من‏ الوالى بنفع غيره و هو الظالم، قال الشارح المعتزلي في الصفحة الانفة الذكر: و صورة ذلك أن الأمير يؤمي إليه أن فلانا من خاصته يفعل كذا و يفعل كذا من الامور المنكرة، و يرتكبها سرا فيتغابى عنه و يتغافل، انتهى.

و نهاه عن الاستكبار و البطش اللذين من آثار الإمارة و السلطان، فان السلطان بطبعه سريع الغضب و شديد الانتقام و الحكم على من أساء إليه فوصاه بقوله عليه السلام‏ (و لن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك).

قال الشارح المعتزلي في «ص 117 ج 17 ط مصر»: و كان لكسرى أنوشروان صاحب قد رتبه و نصبه لهذا المعنى، يقف على رأس الملك يوم جلوسه، فاذا غضب‏ على إنسان و أمر به قرع سلسلة تاجه بقضيب في يده و قال له: إنما أنت بشر، فارحم من في الأرض يرحمك من في السماء.

ثم بين له المرجع القانوني الذي يجب عليه العمل به في حكومته، كما يلي:

1- السيرة العملية للحاكم العادل الذي كان قبله، فانها محترمة و مرضية عند الله و عند الناس‏.

2- السنة المأثورة الفاضلة الصادرة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم‏ بنقل الجماعات أو الثقات.

3- الفرائض المقررة في كتاب الله‏ في محكم آياته، و شرط عليه في العمل بها بما شاهد من عمله و تطبيق القوانين على موضوعاتها ليأمن من الاشتباه في التفسير و فهم المقصود و من الخطأ في التطبيق، و ها هنا بحثان:

1- كيف جعل عليه السلام سيرة الحكومة العادلة أصلا في مقابل السيرة المأثورة عن النبي صلى الله عليه و آله و هو أشبه باصول العامة.

2- كيف قدم سيرة الحكومة العادلة على السيرة المأثورة عن النبي صلى الله عليه و آله و قدمهما على الفريضة المنصوصة في كتاب الله و الخوض فيهما يحتاج إلى إطالة لا يسعها المقام.

الترجمة

از خون و خونريزى ناروا بپرهيز، زيرا خون ناحق از همه چيز زودتر مورد انتقام مى‏شود و گناهش بزرگتر است، و نعمت را زودتر از ميان مى‏برد، و ريشه عمر را قطع مى‏كند، خداوند سبحان در روز قيامت محاكمه گنهكاران را در باره خونريزى‏ هاى ميان بندگان آغاز مى‏ كند.

حكومت خود را بوسيله خون ناحق تقويت مكن، زيرا خونريزى ناروا آنرا سست و متزلزل مى‏سازد و سپس بنيادش را مى‏كند و بدست ديگرانش مى‏دهد، در نزد خدا و در نزد من در قتل عمد راه عذر و اميد عفو ندارى، زيرا كيفر مقرر آن قصاص است.

و اگر گرفتار قتل خطا شدى، و تازيانه يا شمشير و يا دستت بدون قصد قتل زياده روى كردند و كسى را كشتى «چون ممكن است بيك مشت محكم و بالاتر قتلى واقع شود» مبادا غرور سلطنت ترا باز دارد از اين كه حق أولياى مقتول را بپردازى و رضايت آنها را جلب كنى.

مبادا بخود ببالى، و بسرافرازيهاى خود اعتماد كنى.

مبادا تملق و ستايش را دوست بدارى، زيرا كه آن در نزد شيطان مناسبترين فرصتى است براى پايمال كردن هر نتيجه‏ اى از نيكى نيكوكاران.

مبادا باحسان خود نسبت برعايا بر سر آنها منت بگذارى يا كار خود را بيش از آنچه كه هست در حساب آنها آرى يا به آنها وعده‏اى بدهى و تخلف كنى، زيرا منت احسان را نابود مى‏كند، و بيشتر بحساب آوردن خدمتى نور حقيقت را مى‏برد، و خلف وعده نزد خداوند و مردم دشمنى ببار مى ‏آورد، خداوند متعال (در سوره صف آيه 3) مى‏فرمايد «دشمنى بزرگيست نزد خدا كه بگوئيد آنچه را عمل نمى ‏كنيد».

مبادا در كارهاى خود بى وقت شتاب كنى، يا در وقت مناسب سستى و تنبلى كنى، يا اگر متعذر و دشوار شد در باره آن اصرار و لجبازى كنى، و در صورت روشنى زمينه كارى در آن مسامحه روا دارى، هر كارى را بجاى خود مقرر دار.

مبادا از آنچه همه مردم در آن برابر و شريكند براى خود امتيازى قائل شوى يا از آنچه در برابر چشم همه است صرف نظر كنى و در تخلف وظائف دستگاه خود را به نفهمى بزنى، زيرا مسئوليت بر تو است و سود را ديگران مى ‏برند، و بزودى پرده از كارها برداشته مى‏شود و انتقام مظلوم از ظالم گرفته مى‏شود.

باد بينى و شراره تندى و ضرب دست و تيزى زبان خود را مهار كن، و در جلوگيرى از زبان خود و پس زدن سطوت و تندى بكوش تا خشمت فرو نشيند و اختيار خود را بدست آرى و قضاوتى مكن تا بسيار متوجه معاد و قيامت و پروردگار خود نگردى و حق را رهنمون نسازى.

بر تو لازم است كه روش حكومتهاى عدالت شعار پيش از خود را در نظر بگيرى، و روش نيك و أثرى كه از پيغمبر صلى الله عليه و آله باقى مانده منظور سازي و فريضه‏اى كه در قرآن خدا مقرر شده پيش چشم گذارى، و چنانچه بچشم خود ديدى ما آنرا مورد عمل و إجراء نموده‏ايم از آن پيروى كنى.

بايد براى خود بكوشى در پيروى اين فرمانى كه من براى تو صادر كردم و حجت خود را در آن بتو تمام نمودم تا در صورتى كه هواى نفس بر تو چيره شد عذرى نداشته باشى.

خاتمة عهده عليه السلام‏

و أنا أسأل الله بسعة رحمته، و عظيم قدرته على إعطاء كل رغبة [رغيبة] أن يوفقني و إياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه و إلى خلقه، مع حسن الثناء في العباد، و جميل الأثر في البلاد، و تمام النعمة، و تضعيف الكرامة و أن يختم لي و لك بالسعادة و الشهادة، إنا إليه راجعون [راغبون‏]، و السلام على رسول الله، صلى الله عليه و آله الطيبين الطاهرين [و سلم تسليما كثيرا].

الاعراب‏

قال الشارح المعتزلي: فان قلت: فقوله «و تمام النعمة» على ما ذا تعطفه؟

قلت: هو معطوف على «ما» في قوله «لما فيه» كأنه قال: أسأل الله توفيقي لذا و لتمام النعمة.

أقول: الأوضح عطفه على «الاقامة» في قوله «من الاقامة» لأن تمام‏

النعمة و ما بعده مما فيه رضاه، و أن يختم لى: عطف على قوله «أن يوفقني».

المعنى‏

قد نبه عليه السلام أن للوالي مسئولية عند الله و مسئولية عند الناس، و لا بد له من الاجتهاد في الخروج عن كلتا المسئوليتين حتى يعذره الله و يعذره خلق الله، و علامته‏ حسن الثناء من‏ العباد و جميل الأثر في البلاد، من الجانب الخلقي، و تمام النعمة و تضعيف الكرامة من جانب الله، لأنه أثر شكر نعمة الولاية الذي أداه الوالي.

ثم‏ سأل الله‏ تعالى لنفسه و له نيل‏ السعادة و فوز الشهادة، و قد استجاب الله ذلك لهما.

الترجمة

من از خداوند خواستارم كه برحمت واسعه و عظمت قدرتش بر بخشش هر خواست مرا و ترا توفيق عطا فرمايد براى انجام آنچه رضاى او است از پايدارى بر معذرت خواهى روشن نزد خدا و خلق در بهمراه ستايش خوب در ميان بندگان و أثر نيك در آبادى و عمران شهرستانها و تمامى نعمت و دو چندانى كرامت از حضرت يزدان، و از حضرتش خواستارم عمر من و تو را بپايان رساند با سعادت و توفيق جانبازى و شهادت، راستى كه ما همه را بدرگاه او گرايش و رغبت است.

درود فراوان بر فرستاده خداوند، و صلوات بر او و خاندان پاك و پاكيزه‏اش درودى هر چه بيشتر.

و قد أدرج الشارح المعتزلي في آخر شرح هذا العهد الشريف وصايا من العرب و أردفها بوصية من أردشير بن بابك مليئة بحكم مفيدة يؤيد ما ذكره عليه السلام في هذا العهد فألتقط منها قصعا، قال في «ص 124 ج 17 ط مصر»:

و من كتاب أردشير بن بابك إلى بنيه و الملوك من بعده:

رشاد الوالي خير للرعية من خصب الزمان، الملك و الدين توأمان، لا قوام لأحدهما إلا بصاحبه، فالدين اس الملك و عماده، ثم صار الملك حارس الدين‏

فلا بد للملك من أسه، و لا بد للدين من حارسه، فأما ما لا حارس له فضائع، و ما لا أس له فمهدوم …

و اعلموا أنه ليس ينبغي للملك أن يعرف للعباد و النساك بأن يكونوا أولى بالدين منه، و لا أحدب عليه، و لا أغضب له [و لا ينبغي له‏] أن يخلي النساك و العباد من الأمر و النهي في نسكهم و دينهم فان خروج النساك و غيرهم من الأمر و النهي عيب على الملوك و على المملكة، و ثلمة بينة الضرر على الملك و على من بعده.

و اعلموا أنه قد مضى قبلنا من أسلافنا ملوك كان الملك منهم يتعهد الحماية بالتفتيش و الجماعة بالتفضيل و الفراغ بالاشغال، كتعهده جسده بقص فضول الشعر و الظفر، و غسل الدرن و الغمر و مداواة ما ظهر من الأدواء و ما بطن، و قد كان من اولئك الملوك من صحة ملكه أحب إليه من صحة جسده، فتتابعت تلك الاملاك بذلك كأنهم ملك واحد، و كأن أرواحهم روح واحدة، يمكن أولهم لاخرهم، و يصدق آخرهم أولهم، يجتمع أبناء أسلافهم، و مواريث آرائهم، و عثرات عقولهم عند الباقي بعدهم، و كأنهم جلوس معه يحدثونه و يشاورونه.

حتى كان على رأس دارا بن دارا ما كان من غلبة الاسكندر الرومي على ما غلب عليه من ملكه، و كان إفساده أمرنا، و تفرقته جماعتنا، و تخريبه عمران مملكتنا أبلغ له في ما أراد من سفك دمائنا، فلما أذن الله عز و جل في جمع مملكتنا، و إعادة أمرنا كان من بعثه إيانا ما كان، و بالاعتبار يتقى العثار، و التجارب الماضية دستور يرجع إليه من الحوادث الاتية ….

و عند حسن الظن بالأيام تحدث الغير، و تزول النعم، و قد كان من أسلافنا و قدماء ملوكنا من يذكره عزه الذل، و أمنه الخوف، و سروره الكابة، و قدرته المعجزة، و ذلك هو الرجل الكامل قد جمع بهجة الملوك، و فكرة السوقة، و لا كمال إلا في جمعها …

و اعلموا أن بدء ذهاب الدولة ينشأ من قبل إهمال الرعية بغير أشغال‏ معروفة، و لا أعمال معلومة، فاذا تولد الفراغ تولد منه النظر في الامور، و الفكر في الفروع و الاصول، فاذا نظروا في ذلك نظروا بطبائع مختلفة، فتختلف بهم المذاهب، فيتولد من اختلاف مذاهبهم تعاديهم و تضاغنهم، و هم مع اختلافهم هذا متفقون و مجتمعون على بغض الملوك، فكل صنف منهم إنما يجري إلى فجيعة الملك بملكه، و لكنهم لا يجدون سلما إلى ذلك أوثق من الدين و الناموس، ثم يتولد من تعاديهم أن الملك لا يستطيع جمعهم على هوى واحد، فان انفرد باختصاص بعضهم صار عدو بقيتهم.

و من طبائع العامة استثقال الولاة و ملالهم و النفاسة عليهم، و الحسد لهم، و في الرعية، المحروم و المضروب و المقام عليه الحدود، و يتولد من كثرتهم مع عداوتهم أن يجبن الملك من الاقدام عليهم، فان في إقدام الملك على الرعية كلها كافة تعزيرا بملكه- إلى أن قال- فمن أفضى إليه الملك بعدي فلا يكونن باصلاح جسده أشد اهتماما منه بهذه الحال، و لا يكونن بشي‏ء من الأشياء أكره و أنكر لرأس صار ذنبا أو ذنب صار رأسا، و يد مشغول صار فارغة، أو غني صار فقيرا، أو عامل مصروف، أو أمير معزول ….

و اعلموا أنكم لن تقدروا على أن تختموا أفواه الناس من الطعن و الازراء عليكم، و لا قدرة لكم على أن تجعلوا القبيح من أفعالكم حسنا، فاجتهدوا في أن تحسن أفعالكم كلها، و ألا تجعلوا للعامة إلى الطعن عليكم سبيلا …

و اعلموا أن لكل ملك بطانة، و لكل رجل من بطانته بطانة، ثم إن لكل امرى‏ء من بطانة البطانة بطانة، حتى يجتمع من ذلك أهل المملكة، فاذا أقام الملك بطانته على حال الصواب فيهم أقام كل امرى‏ء منهم بطانته على مثل ذلك حتى يجتمع على الصلاح عامة الرعية ….

و اعلموا أن ابن الملك و أخاه و ابن عمه يقول: كدت أن أكون ملكا، و بالحري ألا أموت حتى أكون ملكا، فاذا قال ذلك قال ما لا يسر الملك، إن كتمه فالداء في كل مكتوم، و إذا تمنى ذلك جعل الفساد سلما إلى الصلاح،و لم يكن الفساد سلما إلى صلاح قط، و قد رسمت لكم في ذلك مثالا:

اجعلوا الملك لا ينبغي إلا لأبناء الملوك من بنات عمومتهم، و لا يصلح من أولاد بنات العم إلا كامل غير سخيف العقل، و لا عازب الرأي، و لا ناقص الجوارح و لا مطعون عليه في الدين، فإنكم إذا فعلتم ذلك قل طلاب الملك، و إذا قل طلابه استراح كل امرى‏ء إلى مايليه، و نزع إلى حد يليه، و عرف حاله، و رضي معيشته، و استطاب زمانه.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.